مقدمة

توفر الكيمياء الفيزيائية البنية التحتية المفاهيمية للكيمياء. ويرتكز هذا العلم على الفيزياء، إلا أنه وثيق الصلة بالكيمياء غير العضوية والعضوية على حد سواء، وهما الفرعان الرئيسيان الآخران للكيمياء. وبالتَّبَعية لكي نفهم الكيمياء الحديثة، وما تنجزه، وطريقة إنجازها إياه، وكيف تنظر إلى العالم الخارجي، لا بد أن نفهم إسهامات الكيمياء الفيزيائية.

إلا أن الكيمياء الفيزيائية مبنية على إطار وثيق الصلة بالرياضيات. وهنا تكمن الصعوبة التي يواجهها الطلاب الطامحون عادةً أمام هذا المجال والتي واجهها المؤلف عندما سعى إلى مشاركة رؤيته عنه من دون أن يثير الذعر في نفوس القراء. ومع وضع ذلك في الاعتبار، لقد سعيت إلى عرض مقدمة عن المجال قائمة على السرد على نحو شبه كامل بحيث يستطيع القراء استيعاب رؤى هذا العلم وإسهاماته دون أن يُشتت انتباههم بالمعادلات. ولكن من وقت لآخر، أعرض معادلة لإكمال المناقشة وأوضح الأساس العلمي للكلام النظري الذي أطرحه؛ غير أنني أقوم بذلك على نحو متحفظ.

يعني الارتكاز على الفيزياء بطبيعة الحال أن الكيمياء الفيزيائية تعول على الإسهامات الرائعة التي قدمها الفيزيائيون لتعزيز فهمنا للعالم من حولنا، وسيتضح لك عند قراءة هذا الكتاب أن جوائز نوبل في موضوعات أصبحت فيما بعد جزءًا لا يتجزأ من الكيمياء الفيزيائية مُنحت في الغالب للفيزيائيين. وهذا مجرد جزء صغير مما تدين به الكيمياء الفيزيائية للفيزياء. وسأتناول هذه الموضوعات، والتي تشمل جوانب من ميكانيكا الكم والديناميكا الحرارية، ولكن على المستوى الذي أراه وافيًا بالغرض وحسب.

وآمل أن يكشف هذا الكتاب عن الإسهامات التي قدمتها الكيمياء الفيزيائية لجميع فروع الكيمياء. فهو يقدم، أو على الأقل يوضح ويبسط ويفسر، جزءًا كبيرًا من مصطلحات الكيمياء الحديثة، وسيوفر بعض الرؤى عن المصطلحات والمفاهيم التي يستخدمها جميع علماء الكيمياء في نقاشاتهم وأبحاثهم. وآمل أيضًا أن يوضح الإسهامات الثقافية التي يسهم بها هذا المجال في فهم العالم الطبيعي.

في النهاية، يجب أن أؤكد أنه على الرغم من أن مبادئ الكيمياء مفهومة تمامًا، بقدر ما نعرفه حتى الآن، فلا تزال الكيمياء الفيزيائية موضوعًا خصبًا جدًّا مفتوحًا للبحث والدراسة. يوسع تطور التقنيات المفيدة الحالية والناشئة، التي من بينها الحوسبة، حدود الكيمياء الفيزيائية بحيث يجعلها تستخلص أكبر قدر ممكن من المعلومات من البيانات التي توفرها هذه التقنيات. علاوة على ذلك، أصبحت أنواع جديدة من المادة — وما أقصده هنا هي المادة اللينة والأنظمة النانونية — والمادة «المألوفة» المعقدة، مثل المادة البيولوجية، متاحة في الوقت الراهن للدراسة من خلال تقنيات هذا المجال وتوفر مجالات ثرية لتطبيقه. لقد حاولت تحديد هذه المجالات المستجدة في الفقرة الختامية لكل فصل تحت عنوان «التحدي الراهن». وربما توجز هذه الفقرات ما الذي قد يُعتبر اهتمامات بحثية للأبحاث المعملية المثالية في الكيمياء الفيزيائية الحديثة، حيث ينبغي أن يكون التعاون بين التخصصات المتقاربة فكريًّا هو الاستراتيجية الأساسية.

بيتر أتكينز
أكسفورد، ٢٠١٣

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤