تغيير حالة المادة
لا يهتم علماء الكيمياء الفيزيائية بحالات المادة في حد ذاتها فحسب؛ وإنما يهتمون أيضًا بالتحولات التي تخضع لها وتحولها من صورة إلى أخرى، كما في عمليتَي التجمد والغليان المعتادين، اللتين يعتبرهما الكيميائيون جزءًا من اختصاصهم. وسأعرض هنا لعملية الذوبان، لأنه سُجلت ملاحظات حول ذوبان الغازات في السوائل في بدايات علم الكيمياء الفيزيائية، وهي لا تزال ذات صلة حتى اليوم فيما يخص الدراسات البيئية وطب التخدير وعملية التنفس والأنشطة الترفيهية وكذلك البنية الرسمية للكيمياء الفيزيائية.
لا بد أنه اتضح من الفصول السابقة، لا سيما الفصلان الثاني والثالث، أن الكيمياء الفيزيائية تولي اهتمامًا بالغًا بالعمليات عند حالة الاتزان. وفي نطاق علم الكيمياء، نهتم بحالات الاتزان «الديناميكي» التي تستمر فيها العمليات الأمامية والعكسية ولكن بمعدلات متطابقة ولا يحدث فيها تغير كلي. وتُعد حالات الاتزان الكيميائي حالات اتزان حية بمعنى أنها تستطيع التفاعل مع التغيرات في الظروف نظرًا إلى أن العمليات الأساسية لا تزال نشطة. وهذا الجانب من الاتزان ذو أهمية قصوى لكل من الاتزان الكيميائي (الخاص بالتفاعلات) والاتزان الفيزيائي، وهو تغيرات الحالة التي أوليها الاهتمام هنا.
الغليان والتجمد
ويمكن التعبير عن جميع أنواع التغيرات في الحالة وحالات الاتزان المناظرة التي يُتوصَّل إليها عند التحول بين الحالات من خلال الجهد الكيميائي وقوة الدفع التي يمثلها. ويبتكر علماء الكيمياء الفيزيائية تعبيرات من أجل الجهد الكيميائي الخاص بمادة ما لتحديد الظروف التي تكون فيها أي حالتين (أو أكثر) من حالات المادة في حالة اتزان. فعلى سبيل المثال، ربما يُثبتون الضغط عند ١ ضغط جوي (وهو الضغط الجوي الطبيعي عند مستوى سطح البحر) ثم يُغيرون قيمة درجة الحرارة في المعادلات الخاصة بهم حتى يتطابق الجهد الكيميائي لحالتي السائل والبخار: تكون درجة الحرارة هذه هي «نقطة غليان» المادة. وبدلًا من ذلك، قد يغيرون درجة الحرارة في تعبيرات الجهد الكيميائي للشكلين السائل والصلب للمادة ويبحثون عن درجة الحرارة التي يتساوى عندها الجهدان الكيميائيان. وعند درجة الحرارة هذه، تصل المادة بحالتيها الصلبة والسائلة إلى حالة الاتزان وتسمى «نقطة تجمد» المادة.
لقد بينت الكيمياء الفيزيائية سبب تبخر المواد عند ارتفاع درجة الحرارة، والإجابة غريبة جدًّا فعلًا: فالزيادة في درجة الحرارة تحد من انخفاض الإنتروبي في الوسط المحيط لدرجة أنها لم تعد تطغى على زيادة إنتروبي النظام. في الواقع، يخفف ارتفاع درجة الحرارة من حدة التغيرات في الوسط المحيط بحيث يصبح التغير في إنتروبي النظام هو السائد. وتُعد نقطة الغليان — وكذلك نقطة التجمد بنفس المنطق — تجسيدين لقدرتنا على التلاعب بتغير الإنتروبي في الوسط المحيط من خلال تعديل درجة حرارته.
والآن، دعنا نتأمل الدور الذي يلعبه الضغط. كان أول النجاحات التي حققتها الديناميكا الحرارية الكيميائية هو التنبؤ الذي وصل إليه بينوا (إميل) كلابيرون (١٧٩٩-١٨٦٤) بخصوص تأثير الضغط على نقطة تجمد السوائل؛ وهو النجاح الذي أوحى إلى علماء العصر الفيكتوري بأنهم كانوا على الطريق الصحيح فيما يخص علم الطاقة الناشئ. الصورة البديهية واضحة تمامًا. تنكمش عينة معظم السوائل عندما تتجمد، إذن (وفقًا إلى مبدأ لو شاتلييه ومن الناحية العملية) تأتي زيادة الضغط لصالح المادة الصلبة ولا تكون هناك حاجة إلى خفض درجة الحرارة كثيرًا حتى يحدث التجمد. وهذا يعني أن تطبيق الضغط يرفع درجة التجمد. والماء، كما هي الحال في معظم الأشياء، لافت للنظر؛ إذ إن الثلج أقل كثافة من الماء السائل، لهذا يتمدد الماء عندما يتجمد (فتطفو الجبال الجليدية، ومن المفارقات أن سفينة «تايتانيك» غرقت لهذا السبب). في هذه الحالة، يأتي تطبيق الضغط لصالح السائل، وبالتالي لا يتحقق التجمد إلا من خلال خفض درجة الحرارة أكثر. هذا يعني أن تطبيق الضغط يخفض نقطة التجمد بالنسبة إلى الماء. تسهم تلك الاستجابة في سريان الأنهار الجليدية إلى الأمام، حيث يذوب الجليد عندما يحتك بالحواف الحادة للصخور الدفينة.
قدمت حسابات كلابيرون تنبؤات حول تأثير الضغط على نقطة انصهار الماء من حيث الفرق في كثافة الثلج والماء السائل، ولم تكن تنبؤاته في الاتجاه الصحيح فحسب (أي إن الضغط يقلل نقطة التجمد) وإنما كانت قريبة أيضًا من القيمة العددية التي رُصدت. يعرف علماء الكيمياء الفيزيائية الآن طريقة إعداد التعبير العام: يمكنهم حساب تأثير الضغط على الجهد الكيميائي لكل من الثلج والماء ومن ثَم تحديد كيفية ضبط درجة الحرارة بحيث يظل الجهد الكيميائي متساويًا عندما يتغير الضغط. ويمكنهم إجراء حسابات مماثلة حول تأثير الضغط على نقاط الغليان (بحيث تؤدي زيادة الضغط دائمًا إلى زيادة نقطة الغليان).
قاعدة الطور
أحد الجوانب الخاصة جدًّا للغليان والتجمد هو الاستنتاج الذي توصلت إليه الديناميكا الحرارية فيما يتعلق بحالات الاتزان بين الأشكال المختلفة للمادة. هذه هي «قاعدة الطور» التي وضعها جوسايا جيبس، وهي واحدة من أروع الاستنتاجات في الديناميكا الحرارية الكيميائية على الإطلاق. وقد صاغها في أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر، وهو العصر الذهبي للديناميكا الحرارية الكيميائية.
تُعد الخطوط الراسمة للحدود في مخطَّط الطور مواضع خاصة، أشبه تمامًا بالحدود الفاصلة بين القارات على أرض الواقع. وفي مخطط الطور، هي تمثل الظروف التي بموجبها يكون طوران متجاوران في حالة اتزان. على سبيل المثال، يبين الخط الفاصل بين السائل والبخار ظروف الضغط ودرجة الحرارة التي يصل فيها الطوران إلى حالة الاتزان ومن ثَم يمكن اعتباره رسم بياني لدرجة حرارة الغليان مقابل الضغط.
توجد عادةً مواضع في مخطَّط الطور، تمامًا كما هي الحال في الخرائط الخاصة بالقارات، حيث تلتقي الأطوار الثلاثة. عند هذه النقطة التي يُطلق عليها «النقطة الثلاثية» تكون الأطوار الثلاثة في حالة اتزان متبادل، وثمة عمليات مستمرة بلا توقف لتبادل الجزيئات بين جميع الأطوار الثلاثة بمعدلات متطابقة. والنقطة الثلاثية لمادة ما، الماء مثلًا، هي نقطة تحددها الطبيعة، وفي كل مكان بالكون (بحسب افتراضنا) تكون لها نفس القيمة تمامًا. في الواقع، لقد استُخدمت النقطة الثلاثية للماء لتحديد مقياس كلفن لدرجة الحرارة، لتكون ٢٧٣٫١٦ كلفن بالضبط (في الشكل الحالي للتعريف)، وبدوره يُستخدم ذلك التعريف لتحديد مقياس درجة الحرارة المئوية اليومية بواقع درجة الحرارة على مقياس كلفن ناقص ٢٧٣٫١٥ (أجل ٢٧٣٫١٥ وليس ٢٧٣٫١٦).
كانت مساهمة جيبس في فهم مخططات الطور هي استخلاص قاعدة بسيطة للغاية، وهي «قاعدة الطور»، لتفسير بنية أي مخطط طور، وليس فقط مخطط الطور البسيط المكون من مكون واحد فقط الذي وصفته. تساعد قاعدة الطور الكيميائي على تفسير المخططات واستخلاص استنتاجات حول تراكيب المخاليط، وفي ذلك التركيب المتغير للسوائل مثل البترول، أثناء تقطيرها وتنقيتها. وتُعد مخططات الطور للأنواع الأكثر تعقيدًا ضرورية في علم المعادن وعلم السبائك، حيث تلخص تكوين المعادن والسبائك.
تعليق
الذوبان والخلط
تندرج العمليتان المهمتان الخاصتان بالذوبان وتلك الظاهرة المماثلة في الأهمية، الخلط، تحت نطاق تخصص الكيمياء الفيزيائية. ويعود الاهتمام بهما إلى بدايات علم الكيمياء الفيزيائية وويليام هنري (١٧٧٤-١٨٣٦) الذي وضع قانون ذوبان الغاز في عام ١٨٠٣.
من السهل فهم عملية خلط الغازات باستخدام مبادئ الديناميكا الحرارية، وهي نقطة البداية لمناقشة الخلط والذوبان بشكل عام. يركز علماء الكيمياء الفيزيائية بشكل مبدئي على خلط الغازات المثالية التي لا يكون فيها أي تفاعلات بين الجزيئات: عندما يُسمح لغازين شغل الحاوية نفسها، يمتزجان حتمًا وينتشر كل منهما على نحو متجانس عبرها. ويفكر عالِم الكيمياء الفيزيائية في هذا الخلط على النحو التالي.
نظرًا إلى أن خلط غازين مثاليين يحدث تلقائيًّا، يمكننا أن نستنتج أن طاقة جيبس لأي خليط ينتج عنهما يجب أن تكون أقل من إجمالي طاقة جيبس للغازين قبل خلطهما عند مقدار الضغط نفسه ودرجة الحرارة عينها، إذ حينئذٍ يكون الخليط تلقائيًّا بغض النظر عن نسب الغازين. ولا يحدث أي تغيير في إنتروبي الوسط المحيط؛ فالطاقة لا تدخل الحاوية أو تخرج منها على هيئة حرارة حين تمتزج الجزيئات لأنه لا توجد أي تفاعلات بينها ولا تعرف بعضها بوجود البعض. ومن ثَم، لا بد أن سبب الخلط التلقائي يكمن في زيادة إنتروبي الغازين داخل الحاوية نفسها. وهذا أمر بديهي تمامًا، لأن النظام قبل حدوث الخلط يكون أقل اضطرابًا مما بعده، عندما تختلط جزيئات الغازين معًا.
لا توجد مخاليط سائلة كثيرة تسلك هذا النهج المثالي: يجب أن تكون الجزيئات مشابهة جدًّا حتى يكون من الممكن أن تكون تفاعلاتها الكيميائية مستقلة عن وسطها المختلط أو غير المختلط: وعادةً ما يجري الاستشهاد بالبنزين وميثيل البنزين (التولوين) كمثالين جديرين بالاعتبار، رغم أنهما ليسا مثاليين تمامًا. والمحلول المثالي مثال آخر على الحالة المثالية في الكيمياء الفيزيائية، وعلى الرغم من أنه نقطة انطلاق جيدة، فهو يتطلب بعض الاستفاضة.
لقد تحدثتُ عن الغاز المذاب في غاز آخر (أو المختلط معه) والسائل المذاب في سائل آخر (أو المختلط معه). ولكن ماذا عن الغازات المذابة في السوائل؟ هذا هو الموضع الذي قدم فيه هنري إسهامه قبل قرنين من الزمان وأرسى مبدأً ما زال مستخدمًا حتى اليوم. وجد هنري أن كمية الغاز المذابة في أي سائل تتناسب طرديًّا مع ضغط الغاز. قد يبدو هذا بالنسبة إلينا استنتاجًا طبيعيًّا إلى حد ما من واقع التجربة العملية، إلا أنه يجدر بنا تأمل الكيفية التي قد ينظر بها عالِم الكيمياء الفيزيائية إلى هذا الاستنتاج من حيث العمليات الجزيئية التي تحدث عند السطح البيني الواقع بين السائل والغاز.
عندما ترتفع درجة حرارة السائل، يسهل على الجزيء المُذاب أن يكتسب الطاقة الكافية ليتسلل عائدًا إلى الغاز؛ لا يتغير معدل الاصطدام من الغاز على نحو كبير. والنتيجة هي انخفاض تركيز الغاز المذاب في حالة الاتزان. وبالتالي، تبدو الغازات أقل قابلية للذوبان في الماء الساخن منها في الماء البارد. وعندما يستيقظ أحد علماء الكيمياء الفيزيائية في الصباح وتقع عيناه على الفقاعات في زجاجة الماء الموجودة على الطاولة بجوار السرير نظرًا إلى ارتفاع درجة حرارتها بالليل، فإنه يتذكر، أو الأوقع ينبغي عليه أن يتذكر، ويليام هنري ومناقشته لذوبان الغازات.
يساهم قانون هنري في فهمنا لشبكة العمليات التي تقوم عليها الحياة. فقدرة الحياة المائية على البقاء متوقفة على وجود الأكسجين المُذاب: فضغط الأكسجين في الهواء كافٍ للحفاظ على تركيزه عند مستوى قابل للاستمرار. ومع ذلك، إذا ارتفعت درجة حرارة الماء لأسباب صناعية أو طبيعية، قد ينخفض مستوى الأكسجين إلى درجات مميتة. ويلعب قانون هنري دورًا أيضًا في الأنشطة الترفيهية، مثل الغوص بجهاز التنفس، ونظيره التجاري المتمثل في الغوص على أعماق سحيقة في البحار، حيث بموجب هذا القانون يمكن تفسير ذوبان الأكسجين والنيتروجين في الدم وإمكانية تكوين الفقاعات الخطيرة مما يتسبب في داء الغوَّاص أو انخفاض الضغط المميت.
عمليات تحول المحاليل
لقد توصل علماء الكيمياء الفيزيائية إلى فهم الكيفية التي تؤثر بها المواد المذابة على خواص المحاليل. فعلى سبيل المثال، تأتي الممارسة اليومية المتمثلة في نثر الملح على الطرق لإعاقة تكوُّن الجليد استغلالًا لحقيقة انخفاض نقطة تجمد الماء في وجود الملح. كما أن هناك أيضًا خاصية مهمة جدًّا للمحاليل لا تتمتع بها السوائل النقية؛ ألا وهي الأسموزية أو التناضح. والأسموزية (والتي مقابلها الإنجليزي مشتق من الكلمة اليونانية التي تعني «الدفع») هي ميل مذيب لشق طريقه إلى داخل محلول من خلال غشاء ما. وهي مسئولة عن مجموعة متنوعة من الظواهر البيولوجية، مثل صعود النُّسغ في الأشجار والحفاظ على شكل كرات الدم الحمراء لدى الإنسان.
يسري منطق مماثل على نقطة التجمد، التي تنخفض بوجود مذاب ما. وكثيرًا ما يُقال إن إضافة مانع تجمد إلى محرك السيارة هو مثال حي على هذا الانخفاض في نقطة التجمد. وعلى الرغم من وجود تشابهات، تختلف وظيفة مانع التجمد عند التركيزات العالية المستخدمة اختلافًا جذريًّا: تختلط جزيئات مانع التجمد بكل بساطة مع جزيئات الماء وتمنع تكوينها للروابط وتجمدها بالوصول إلى الحالة الصلبة.
تُعد الأسموزية — وهي ميل جزيئات المذيب إلى التدفق من المذيب النقي إلى محلول منفصل عنه بغشاء منفذ (من الناحية الفنية، «غشاء شبه منفذ»، وهو الغشاء الذي يسمح بمرور جزيئات المذيب ولكن لا يسمح بمرور الأيونات أو الجزيئات الخاصة بالمذاب) — مظهرًا آخر من آثار الإنتروبي التي يسببها وجود مذاب ما. وعند وجود مذاب في مذيب، يكون الإنتروبي أعلى مما هو عليه عند غياب المذاب، ومن ثم فإن زيادة الإنتروبي، وبالتالي حدوث عملية تلقائية، تتحقق عندما ينساب المذيب عبر الغشاء من السائل النقي إلى المحلول. ويمكن التغلب على الميل نحو هذا الانسياب من خلال تطبيق ضغط على المحلول، والحد الأدنى للضغط اللازم للتغلب على الميل نحو الانسياب يُسمى «الضغط الأسموزي».
إذا اتصل أحد المحاليل بمحلول آخر عبر غشاء شبه منفذ، حينئذٍ لن يكون هناك انسياب إجمالي إذا بذلا نفس الضغط الأسموزي ويكونان «متساويَي الضغط الأسموزي». ومن ناحية أخرى، إذا تعرض المحلول المتصل بمذيب نقي عبر الغشاء شبه المنفذ لضغط أكبر من الضغط الأسموزي، سيتمتع المذيب بميل للانسياب في الاتجاه المعاكس، لينساب من المحلول إلى المذيب النقي. وهذا التأثير هو «الأسموزية المعاكسة أو التناضح العكسي» المستخدمة لتنقية مياه البحر وجعلها صالحة للشرب.
وإذا كان المحلول مثاليًّا، فثمة علاقة بسيطة جدًّا بين الضغط الأسموزي وتركيز المذاب، لخصتها المُعادلة التي اقترحها ياكوبس فانت هوف (١٨٥٢-١٩١١)، الفائز بأول جائزة نوبل للكيمياء (في عام ١٩٠١). وتُعد معادلته، التي تنص على أن الضغط الأسموزي يتناسب مع تركيز المذاب ودرجة الحرارة تناسبًا طرديًّا، أحد القوانين المقيدة الأخرى الخاصة بالكيمياء الفيزيائية، لأنها صحيحة على نحو دقيق فقط في حالة التركيز الصفري للمذاب. ومع ذلك، فهي نقطة انطلاق مفيدة للغاية في مناقشة المحاليل الحقيقية.
ويتمثل التطبيق الرئيسي لمعادلة فانت هوف وأشكالها الأكثر تفصيلًا في تحديد الأوزان الجزيئية للبوليمرات. المشكلة فيما يخص هذه الجزيئات هي أنها ضخمة جدًّا لدرجة أن حتى كمية كبيرة منها لا ترقى إلى مستوى المحلول المركز (من حيث الأعداد الموجودة). غير أن الضغط الأسموزي شديد الحساسية تجاه التركيز، ويمكن استنتاج أوزانها الجزيئية من قيمه. إلا أن أحد المشاكل الباقية هي أنها بعيدة تمامًا عن تكوين محاليل مثالية نظرًا إلى ضخامتها، ولذا هناك حاجة ضرورية لأشكال أكثر تفصيلًا من معادلة فانت هوف لتحليل النتائج.
تحولات أخرى
تتمثل التحولات الأكثر تعقيدًا من الغليان أو التجمد في التحولات بين الأطوار الصلبة المختلفة، التي جميعها يستهدف دراسته علماء الكيمياء الفيزيائية، رغم أنها في حالات كثيرة تندرج أكثر بطبيعة الحال ضمن تخصص علماء الفيزياء. تشمل تلك التحولات التغيرات في السلوك المغناطيسي والتحول من الحالة الفلزية إلى الحالة فائقة التوصيل. والحالة الأخيرة صارت ذات أهمية بالغة منذ اكتشاف المواد الخزفية ذات درجات الحرارة التحولية التي ليست أقل بكثير من درجة حرارة الغرفة. والتحولات بين الأطوار الصلبة المختلفة مهمة أيضًا في الكيمياء غير العضوية، والكيمياء الجيولوجية، وعلم المعادن، وعلم المواد بشكل عام وكل هذه المجالات تتعاون مع علماء الكيمياء الفيزيائية لتفسير العمليات المتضمنة والسعي وراء طرق للتعبير عن التحولات من الناحية الكميَّة.
التحدي الراهن
ثمة نوعان معقدان جدًّا من التحولات الطورية يجتذبان الآن اهتمامًا كبيرًا من جانب علماء الكيمياء الفيزيائية. أحدها تحول المادة من نوع إلى آخر من خلال عملية «التجميع الذاتي». في هذه العملية، تشجع البنية الجوهرية للجزيئات الفردية على التجمع في بنى معقدة دون أي تدخل خارجي. والأكثر تعقيدًا من ذلك هو تعديل البنى موضعيًّا، وهو ما يكمن وراء تخزين المعلومات. ومثال صارخ على ذلك تخزين كميات مهولة من المعلومات، مثل أعمال شكسبير، عن طريق توليف خيوط الحمض النووي مع وجود تسلسل قواعد مناسب.