تغيير هوية المادة
يهتم جزء كبير من علم الكيمياء بتغير هوية المادة من خلال استخدام التفاعلات الكيمائية. وليس مستغربًا أن تهتم الكيمياء الفيزيائية اهتمامًا وثيقًا بالعمليات المتضمنة، وأنها قدمت إسهامات لا حصر لها ساعدتنا على استيعاب ما يحدث حين تعيد الذرات تنظيم نفسها وتكون موادَّ جديدة. ويهتم علماء الكيمياء الفيزيائية بجوانب مختلفة من التفاعلات الكيميائية، وفي ذلك معدلات حدوثها وتفاصيل الخطوات المتضمنة خلال هذا التحوُّل. ويُعرف المجال العام المختص بدراسة معدلات التفاعلات باسم «علم الحركية الكيميائية». وعندما يعكف عالم الكيمياء الفيزيائية على دراسة التفاصيل الدقيقة للتغييرات التي تحدث بين الذرات، يتحول علم الحركية الكيميائية إلى «علم الديناميكا الكيميائية».
يُعد علم الحركية الكيميائية جانبًا مهمًّا جدًّا من الكيمياء الفيزيائية لأنه يلعب دورًا في العديد من التخصصات ذات الصلة. فمن المهم، مثلًا، عند تصميم مصنع كيميائي أن تعرف معدلات تكوُّن النواتج الوسيطة والنهائية، ومدى اعتماد تلك المعدلات على الظروف المحيطة، مثل درجة الحرارة ووجود العوامل المحفزة. وجسم الإنسان عبارة عن شبكة من التفاعلات الكيميائية الهائلة التي يُحفاظ عليها في حالة من الاتزان الدقيق نسميها الاستتباب، وإذا تسارعت وتيرة معدل تفاعل على نحو جامح أو تباطأت إلى حد غير مقبول، فربما يترتب على ذلك الإصابة بالمرض وحدوث الوفاة. تمنحنا مراقبة معدلات التفاعل، ومدى اعتمادها على تركيز المواد المتفاعلة ودرجة الحرارة، معلومات قيمة عن الخطوات التي يسير بها التفاعل، وفي ذلك دور العامل المحفز، وكيفية تحسين معدلات التفاعل. وعلم الديناميكا الكيميائية يعمق هذا الفهم من خلال وضع التغييرات الجزيئية الفردية محل الدراسة الدقيقة.
وهناك أنواع مختلفة من التفاعلات الكيميائية بخلاف تلك التفاعلات التي تحدث ببساطة من خلال الخلط والتسخين. فهناك تفاعلات كيميائية تُحفز بالضوء، ويلعب علماء الكيمياء الفيزيائية دورًا جوهريًّا في تفسير هذه «التفاعلات الكيميائية الضوئية»، في مجال الاختصاص الذي يسمونه ﺑ «الكيمياء الضوئية». وليس هناك تفاعل كيميائي ضوئي أهم من التمثيل الضوئي، الذي يستغل الطاقة الشمسية ويأتي على رأس السلسلة الغذائية؛ ويلعب علماء الكيمياء الفيزيائية دورًا جوهريًّا في فهم آلية هذا التفاعل وابتكار طرق لمحاكاته اصطناعيًّا. ثم هناك التعاون الحيوي بين علم الكهرباء وعلم الكيمياء في شكل «علم الكيمياء الكهربائية». ويُعد تطوير هذا الجانب من علم الكيمياء أمرًا محوريًّا في مجالي التكنولوجيا الحديثة واستغلال الطاقة الكهربائية.
التفاعل التلقائي
يُعد تحديد، أو على الأقل فهم، الاتجاه التلقائي للتفاعلات الكيميائية أول إسهام يقدمه علماء الكيمياء الفيزيائية في سبيل فهم تلك التفاعلات. (تذكر أن «التلقائية» لا صلة لها بالسرعة كما ذكرنا في الفصل الثاني.) وهذا يعني أنه يجب علينا معرفة وجهتنا أولًا قبل أن نبدأ في القلق بشأن سرعة الوصول إليها. وهنا يأتي دور الديناميكا الحرارية الكيميائية، والتي تقدم أيضًا وسيلة للتنبؤ بتركيب الاتزان الخاص بخليط التفاعل، وهي المرحلة التي يبدو لنا عندها أن التفاعل قد توقف من دون ميل للتغيير في أي من الاتجاهين؛ تكوين المزيد من النواتج أو إعادة تكوين المواد المتفاعلة. ولكن لا تنسَ أن حالات الاتزان الكيميائي ديناميكية؛ بمعنى استمرارية التفاعلات الأمامية والعكسية، ولكن بمعدلات متطابقة، على الرغم من أن التغير يبدو وكأنه قد توقف. وتكون حالات الاتزان الكيميائي حية وسريعة الاستجابة، شأنها شأن حالات الاتزان التي استعرضناها في الفصل الخامس.
يتوافق الاتجاه الطبيعي للتفاعل الكيميائي مع سهم الزمن المعتاد، أي باتجاه زيادة الإنتروبي للكون. ومثلما أوضحنا في الفصل الثاني فإنه من الممكن، بشرط ثبات الضغط والحرارة، إعادة توجيه الانتباه من الكون بأكمله إلى الكأس أو أنبوب الاختبار حيث يحدث التفاعل بينهما، بالتركيز بدلًا من ذلك على طاقة جيبس لنظام التفاعل. فإذا انخفضت طاقة جيبس عند مرحلة معينة من التفاعل وقت تكوين النواتج، يكون هذا الاتجاه تلقائيًّا ويميل التفاعل إلى الاستمرار في تكوين النواتج. أما إذا زادت طاقة جيبس، يكون التفاعل العكسي تلقائيًّا وتميل النواتج المتكونة إلى التفكك وإعادة تكوين المتفاعلات. أما إذا لم يحدث تغيُّر في طاقة جيبس في أيٍّ من الاتجاهين، فحينئذٍ يكون التفاعل في حالة اتزان.
يمكن التعبير عن جميع هذه الخواص بدلالة الجهد الكيميائي لكل مادة مشاركة في التفاعل، وهو المفهوم الذي عرضناه في الفصل الخامس فيما يتعلق بالتغيُّر الفيزيائي. وهنا تتجلى أهمية مصطلح «الجهد الكيميائي». وهكذا، نجد أن الجهد الكيميائي للمواد المتفاعلة يدفع التفاعل بفعالية نحو تكوين النواتج، في حين يدفع الجهد الكيميائي للنواتج سير التفاعل بالاتجاه المعاكس نحو تكوين المواد المتفاعلة مرة أخرى. ويكون التفاعل أشبه بلعبة شد حبل كيميائية، حيث يستمر الجهد الكيميائي للخصمين في الدفع بدلًا من السحب، أما حالة الجمود فتعبر عن الاتزان. يعرف علماء الكيمياء الفيزيائية كيف تتغير الجهود الكيميائية بتغيُّر تركيب خليط التفاعل، ويمكنهم استخدام هذه المعلومات لحساب تركيب الخليط المطلوب حتى تتساوى الجهود الكيميائية لجميع المواد المشاركة في التفاعل وحتى يصل بالتالي التفاعل لحالة الاتزان. وقد أوضحت سابقًا (في الفصل الثالث) أن خلط المواد المتفاعلة والنواتج له دور حاسم في تحديد محل الاتزان.
يتضح من هذا النقاش ارتباط ثابت الاتزان بتغيُّر طاقة جيبس المصاحبة للتفاعل، والعلاقة بينهما ربما تكون واحدة من أهم العلاقات في الديناميكا الحرارية الكيميائية. وهذه العلاقة هي الرابط الرئيسي بين القياسات التي نحصل عليها باستخدام المُسعِّر الحراري (الذي يُستخدم لحساب طاقة جيبس، كما هو موضح في الفصل الثاني) والكيمياء العملية، فبإدراك الكيميائي لأهمية ثوابت الاتزان يستطيع فهم تركيبات مخاليط التفاعلات.
تعليق
معدل التفاعل
أكدتُ في موضع سابق أن الديناميكا الحرارية لا تتطرق إلى معدلات العمليات، وفي ذلك التفاعلات الكيميائية، وعلى الرغم من أن التفاعل قد يكون تلقائيًّا، فإن هذا الميل قد يتحقق ببطء شديد من الناحية العملية لدرجة أنه يبدو وكأنه لا يحدث على أرض الواقع. ودور علم الحركية الكيميائية هو ملء الفراغ الذي تتركه الديناميكا الحرارية من خلال توفير معلومات حول معدلات التفاعلات وربما تقديم اقتراحات بشأن كيفية تحسين هذه المعدلات.
ما المقصود ﺑ «معدل» التفاعل الكيميائي؟ يُسجل المعدل من خلال ملاحظة التغيُّر في تركيز مكون محدد وقسمته على الزمن الذي استغرقه حدوث هذا التغيير. ومثلما تتغير سرعة السيارة أثناء رحلة القيادة، يتغير معدل التفاعل بصفة عامة. وبالتالي، لحساب «المعدل اللحظي» لتفاعل ما (مثل السرعة الفعلية للسيارة في أي لحظة)، لا بد أن يكون الفاصل الزمني بين قياسي التركيز ضئيلًا جدًّا. وهناك أساليب تقنية لتنفيذ هذا الإجراء لن أخوض فيها هنا. ويتبين عادة أن معدل التفاعل ينخفض باقترابه من حالة الاتزان.
يقودنا اعتماد المعدل اللحظي (سنكتفي من الآن فصاعدًا بالتعبير عنه بكلمة «المعدل» فقط) على التركيز إلى استنتاج مهم. فقد تبين بالتجربة اعتماد العديد من التفاعلات بطريقة بسيطة نسبيًّا على تركيزات المواد المتفاعلة والنواتج. وتسمى العلاقة بين المعدل وتلك التركيزات ﺑ «قانون معدل» التفاعل. ويعتمد قانون معدل التفاعل على معامل واحد أو أكثر، والتي تُسمى «ثوابت المعدل». ووصف تلك المعاملات بأنها ثابتة يعني أنها لا تتوقف على تركيز المواد المتفاعلة والنواتج؛ فهي تعتمد على درجة الحرارة وتزيد عادة مع ارتفاع درجة الحرارة لتعكس الحقيقة القائلة بأن أغلب التفاعلات تزداد سرعتها بزيادة درجة الحرارة.
بعض قوانين معدل التفاعل تكون بسيطة جدًّا. ولذا، يتضح أن معدلات بعض التفاعلات تتناسب مع تركيز المواد المتفاعلة، في حين تتناسب معدلات البعض الآخر مع مربع تلك التركيزات. تُصنف الأولى على أنها «تفاعلات من الرتبة الأولى»، والأخرى بأنها «تفاعلات من الرتبة الثانية». وتكمن فائدة هذا التصنيف، مثل جميع التصنيفات، في أنه يمكن تحديد السمات المشتركة وتطبيقها على التفاعلات المندرجة تحت نفس الفئة. وفي هذه الحالة، يكون لكل نوع من التفاعلات اختلافات مميزة تظهر في التركيب باختلاف الوقت. ويتراجع تركيز المادة المتفاعلة في أي تفاعل من الرتبة الأولى تجاه الصفر بمعدل يحدده ثابت التفاعل الخاص به، في حين يتناقص تركيز المادة المتفاعلة في التفاعل من الرتبة الثانية أيضًا نحو الصفر، لكن تركيز المادة المتفاعلة يستغرق وقتًا أطول بكثير ليصل إلى الصفر، على الرغم من أنه ربما يبدأ بنفس المعدل. إليك نقطة جانبية في هذا الصدد وهي أن العديد من ملوثات البيئة تختفي في التفاعل من الرتبة الثانية، ولهذا السبب تستمر التركيزات المنخفضة منها عادة لفترات طويلة.
وإحدى النقاط التي يجب الانتباه إليها هي أنه لا يمكن التنبؤ برتبة التفاعل بمجرد النظر إلى معادلته الكيميائية. هناك بعض التفاعلات البسيطة جدًّا التي لها قوانين معدل تفاعل معقدة جدًّا، وبعض التفاعلات التي يتوقع لها أن تكون من الرتبة الأولى (لأنها تبدو وكأن جزيئًا يتفكك من تلقاء نفسه) يتضح أنها من الرتبة الثانية، وبعض التفاعلات التي يشتبه في انتمائها لفئة تفاعلات الرتبة الثانية (كالتي تبدو وكأنها تحدث نتيجة تصادم أزواج من الجزيئات) يتبين في النهاية أنها تنتمي لتفاعلات الرتبة الأولى.
وإنهاء هذه الفوضى هو أحد أهداف علم الحركية الكيميائية. ومن أجل ذلك، تُقترح «آلية تفاعل» (سلسلة من الخطوات التي تتضمن جزيئات منفردة) بغرض التعبير عما يحدث فعليًّا على المستوى الجزيئي. لذا، قد يُفترض حدوث تصادم بين جزيئين في خطوة واحدة، لينفصل أحدهما بطاقة أكبر بكثير من طاقته السابقة، في حين تستنفد طاقة الجزيء الآخر. ثم في الخطوة الثانية، تتحرك ذرات الجزيء المثار هذا لتتخذ ترتيب الذرات الذي يتوافق مع الناتج. وقانونا المعدل لهاتين الخطوتين الفرديتين (واللذان يمكن كتابتهما ببساطة شديدة: في هذه الحالة الخطوة الأولى من الرتبة الثانية، والخطوة الثانية من الرتبة الأولى) يُجمعان معًا للوصول لقانون المعدل للتفاعل الإجمالي. فإذا تطابق قانون معدل التفاعل مع المشاهدات التجريبية، تكون الآلية المقترحة مقبولة؛ ولكن إذا لم يتطابقا، فلا بد من اقتراح آلية مختلفة. لكن تكمن صعوبة الأمر في أنه حتى ولو كان قانون معدل التفاعل الإجمالي صحيحًا، فربما هناك آليات أخرى تؤدي إلى نفس قانون معدل التفاعل، لذا يجب تقديم أدلة أخرى لإثبات أن هذه الآلية صحيحة بالفعل. وفي هذا المقام، يكون إثبات صحة آلية تفاعل أشبه بإثبات أدلة الإدانة في إحدى المحاكمات.
في بعض الحالات، يمكن تحديد الخطوة التي تتحكم في معدل العملية بأكملها. وتسمى مثل هذه الخطوة ﺑ «الخطوة المحدِّدة لمعدل التفاعل». قد تسبق هذه الخطوة خطوات كثيرة، ولكنها تكون خطوات سريعة ولا تؤثر كثيرًا في المعدل الإجمالي للتفاعل. يمكن تشبيه الآلية التي تحتوي على خطوة محدِّدة لمعدل التفاعل بطرق سريعة يتسع كل منها لست حارات تجتمع عند جسر يتسع لحارة واحدة.
معدل التفاعل ودرجة الحرارة
تزداد سرعة أغلب التفاعلات بزيادة درجة الحرارة. والسبب لا بد أن يوجد في ثوابت المعدل لقانون معدل التفاعل، لاعتمادها على درجة الحرارة. تحددت الاعتمادية على درجة الحرارة التي تُعد سمة مميزة لثوابت معدل التفاعل على يد سفانتِ أرينياس (١٨٥٩-١٩٢٧) الذي اقترح في عام ١٨٨٩ أنه يمكن تلخيص اعتمادية تلك الثوابت على درجة الحرارة بإدخال معاملين، والذي عُرِف المعامل الأكثر أهمية منهما باسم «طاقة تنشيط» التفاعل: فالتفاعلات التي تحتاج إلى طاقة تنشيط عالية تسير ببطء عند درجات الحرارة المنخفضة، ولكنها تستجيب بسرعة إلى تغيُّرات درجة الحرارة.
تعليق
وتفاعلات الطور الغازي ذات أهمية (من أجل تفسير تركيب الأغلفة الجوية بالإضافة إلى عدد من العمليات الصناعية على سبيل المثال)، ولكن أغلب التفاعلات الكيميائية تحدث في المحاليل. والصورة التي تعبر عن حركة الجزيئات بسرعة عالية وتصادمها في الفراغ لا صلة لها بالتفاعلات تحدث في المحاليل، لذا اضطر علماء الكيمياء الفيزيائية إلى ابتكار صورة بديلة، لا تزال تفسر معاملات أرينياس، ولا سيما دور طاقة التنشيط.
تشتمل الصورة التي كوَّنها علماء الكيمياء الفيزيائية للتفاعلات التي تحدث في المحاليل على عمليتين. في العملية الأولى، تتدافع المواد المتفاعلة عشوائيًّا في المحلول، وبمرور الوقت ربما تجعلها مساراتها تتداخل. تستمر عملية التدافع، وتتراقص حول بعضها، ثم تتباعد مواضعها مرة أخرى وتذهب لوجهات مختلفة. تحدث العملية الثانية بينما تتراقص بعضها حول البعض. وربما تتسبب الضربات المستمرة من جانب جزيئات المذيب في أن تنتقل إلى أحد جزيئي المواد المتفاعلة الكمية الكافية من الطاقة — طاقة التنشيط على الأقل المطلوبة — لحدوث تفاعل قبل انتهاء الرقصة وانفصالهما.
في «التفاعل القائم على الانتشار»، تكون الخطوة المحددة لمعدل التفاعل هي تدافع المواد المتفاعلة معًا، أي انتشارها في المحلول. وتكون طاقة تنشيط خطوة التفاعل نفسها منخفضة جدًّا لدرجة أن التفاعل يحدث فور التقاء المواد المتفاعلة. في هذه الحالة، يسبق الجسر المجازي الضيق الطريق السريع الذي يتسع لست حارات، وبمجرد أن تتخطى المتفاعلات هذا الجسر، تكون الرحلة سريعة. ويكون الانتشار معًا هو الخطوة المحددة لمعدل التفاعل. ويكون للانتشار، الذي يتضمن اختلاط الجزيئات ببعضها، طاقة تنشيط ضئيلة أيضًا، لذا من المتوقع حدوث سلوك شبيه بسلوك أرينياس. أما في «التفاعل القائم على التنشيط» يكون العكس هو الصحيح؛ يكون هناك الكثير من اللقاءات، ولكن يكون أغلبها بلا جدوى لأن خطوة التفاعل الفعلية تستلزم الكثير من الطاقة، فتكون طاقة التنشيط المرتفعة هي الخطوة المحددة لمعدل التفاعل. وفي هذه الحالة يؤدي الطريق السريع الذي يتسع لست حارات إلى الجسر الضيق.
يُعد بناء نموذج لخطوة التفاعل في المحاليل أصعب بكثير من بنائه في تفاعلات الطور الغازي. وإحدى الطرق لفعل ذلك تعود إلى هنري أيرينج (١٩٠١-١٩٦١)، الذي يعد مثالًا فاضحًا آخر على العلماء الذين استحقوا الحصول على جائزة نوبل ولكن لم يحصلوا عليها. ففي نظريته عن الحالة الانتقالية، يُقترح إمكانية تشكيل المواد المتفاعلة لتجمع من الذرات قبل أن تتفكك لتعطي النواتج. ويُصاغ النموذج بدلالة كميات ديناميكية حرارية إحصائية، مع ظهور توزيع بولتزمان الشائع مرة أخرى. طُبِّقت نظرية الحالة الانتقالية على مجموعة واسعة من التفاعلات الكيميائية، وفي ذلك تلك المسئولة عن الأكسدة والاختزال والكيمياء الكهربائية. ويكمن التحدي الأساسي في بناء نموذج مقبول معبِّر عن التجمع الوسيط، والتعامل مع ذلك التجمع من الناحية الكمية.
التحفيز
«العامل المحفز» هو مادة تسهل حدوث التفاعل. والحروف الصينية المعبِّرة عن هذا المصطلح تكون كلمة معناها «وسيط زواج»، وهي كلمة معبِّرة جدًّا عن المعنى. ويُعنى علماء الكيمياء الفيزيائية عناية كبيرة بفهم كيفية عمل العوامل المحفزة، وتطوير عوامل محفزة جديدة. وهذا العمل ذو أهمية اقتصادية بالغة، لأن كل الصناعات الكيميائية تقريبًا في جميع أنحاء العالم قائمة على كفاءة العوامل المحفزة. وتدين لها أيضًا الكائنات الحية بالفضل، لأن جزيئات البروتينات، المسماة بالإنزيمات، هي عوامل محفزة فعَّالة وانتقائية جدًّا، تكاد تتحكم في جميع التفاعلات التي لا حصر لها التي تحدث داخل أجسام الكائنات الحية، وتحافظ على «بقائها حية».
تستلزم العوامل المحفزة البيولوجية، أي، الإنزيمات، أساليب بحث مختلفة، ولكن بمساعدة الحوسبة التي لا زالت تلعب دورًا بارزًا، بالإضافة إلى التعاون بين علماء الكيمياء الفيزيائية، وعلماء البيولوجيا الجزيئية، والكيمياء الحيوية والصيادلة. لا يوجد في علم الكيمياء مثال أدل على محورية دور الشكل لأداء الوظيفة من نشاط الإنزيمات؛ إذ بدلًا من حدوث التحفيز على سطح مسطح على نحو معقول وعديم الملامح إلى حد كبير، فإن الإنزيم هو بنية شديدة التعقيد تتعرف على فريستها عن طريق الشكل، وتستقبلها في منطقة نشطة من الجزيء، وتُغيرها، ثم تسلم الناتج إلى الإنزيم التالي في الترتيب. وتحدث الأمراض بتوقف أحد الإنزيمات عن العمل بشكل صحيح، إما لتغيير طرأ بنحو ما على شكله فتسبب في فقدانه لقدرته على التعرف على فريسته الطبيعية، وقد ينتج عن ذلك تفاعله مع جزيء خاطئ، وإما لتعرض موقعه النشط للحجب بفعل جزيء دخيل، وبالتالي يفشل تمامًا في أداء دوره. يوفر التعرف على الدور المهم الذي يلعبه الشكل لمحة حول كيف يمكن علاج مرض ما؛ فمن الممكن بناء جزيء يمكنه تثبيط عمل إنزيم خرج عن السيطرة، أو إعادة تنشيط إنزيم خامل. ويتعاون علماء الكيمياء الفيزيائية مع الصيادلة لتسخير أجهزة الكمبيوتر لوضع نماذج التحام الجزيئات المحتملة بالمواقع النشطة المعطلة.
الكيمياء الضوئية
إن الفكرة وراء الكيمياء الضوئية هي إرسال نبضة قصيرة وحادة من الضوء وتسليطها على عينة، ورصد ما سيحدث. ولهذا تبعات فيزيائية وكيميائية.
تشمل التبعات الفيزيائية انبعاث الضوء إما في صورة «فلورة»، وإما في صورة «فسفرة». ويكون التمييز بين شكلي الانبعاث بملاحظة استمرار الانبعاث بعد إزالة مصدر الضوء من عدمه؛ فإذا توقف الانبعاث فورًا صُنِّف ذلك بأنه عملية فلورة، وإذا استمر فهو عملية فسفرة. ويدرك علماء الكيمياء الفيزيائية الأسباب وراء الاختلاف في هذا السلوك، ويعزونه إلى طريقة تغير حالة الجزيئات المثارة عند امتصاص قدر من الطاقة. ففي حالة الفلورة، تتداعى الحالة المثارة وتعود ببساطة إلى الحالة القاعدية. أما في الفسفرة، فيتحول الجزيء المثار إلى حالة مثارة أخرى تعمل كخزان يتسرب مخزونه ببطء.
وتختفي الفلورة إذا انتقل جزيء آخر بالانتشار إلى الجزيء المثار واختطف طاقته الزائدة. تُستخدم ظاهرة «الإخماد» هذه لدراسة حركة الجزيئات في المحاليل؛ إذ بتغيير تركيز جزيء الإخماد ومراقبة تأثيره على شدة الفلورة يمكن الوصول إلى استنتاجات حول ما يحدث في المحاليل. علاوة على ذلك، فإن اضمحلال الفلورة بعد إخماد الإضاءة المحفِّزة لا يكون فوريًّا، ويمكن مراقبة معدل الاضمحلال، على الرغم من سرعته، في وجود جزيئات الإخماد أو غيابها، وبهذا يمكن استخلاص معلومات حول معدلات العمليات الجارية المختلفة.
يمكن للعمليات الكيميائية الضوئية أن تكون غير ضارة. وعملية التمثيل الضوئي خير مثال على ذلك، وفيها تمتص العمليات الكيميائية الضوئية الطاقة المنبعثة من الشمس البعيدة، وتستخدمها لتحفيز عملية بناء الكربوهيدرات لإتاحة الحياة على كوكب الأرض. ويُعنى علماء الكيمياء الفيزيائية عناية كبيرة بفهم الدور الاستثنائي للكلوروفيل وغيره من الجزيئات في هذه العملية، ويطمحون إلى محاكاتها اصطناعيًّا بما سيمثل إسهامًا كبيرًا في حل مشكلات الطاقة على كوكب الأرض، وأي وجهة أخرى تصلح للسفر إليها والعيش بها مستقبلًا. وفي الوقت نفسه، يُساهم علماء الكيمياء الفيزيائية أيضًا في فهم المواد الكهروضوئية التي تعد تقريبًا مؤقتًا ولكن مهمًّا لقوة التمثيل الضوئي، وتستفيد من إثارة الإلكترونات في المواد غير العضوية.
الكيمياء الكهربائية
يتمثل إسهام آخر مهم تقدمه الكيمياء الفيزيائية لبقاء المجتمعات البشرية على قيد الحياة والتقدم التكنولوجي في فرع الكيمياء الكهربائية، المعني باستخدام التفاعلات الكيميائية لتوليد الكهرباء (والعملية العكسية المتمثلة في عملية التحليل الكهربائي). وتُعد «تفاعلات الأكسدة والاختزال» إحدى الفئات الرئيسية للتفاعلات الكيميائية التي تهتم بها الكيمياء الكهربائية، وأود الحديث عنها هنا قليلًا.
في البدايات الأولى لعلم الكيمياء، كانت عملية «الأكسدة» تعني ببساطة التفاعل مع الأكسجين، كما في تفاعل الاحتراق. ولاحظ الكيميائيون العديد من التشابهات بين تفاعلات الأكسدة وتفاعلات أخرى لا يوجد فيها الأكسجين، وأدركوا أن السمة المشتركة هي إزالة الإلكترونات من المواد. ولأن الإلكترونات هي اللاصق الذي يربط الجزيئات معًا، ففي الكثير من الحالات، ينتج عن إزالة الإلكترونات إزالة بعض الذرات أيضًا؛ ولكن كانت السمة الأساسية للأكسدة هي فقدان الإلكترونات.
وفي بدايات مشابهة لتلك البدايات الأولى، كان مصطلح «الاختزال» ينطبق على استخراج المعدن من الخام الخاص به، ربما من خلال التفاعل مع الهيدروجين أو (على النطاق الصناعي في الفرن العالي) مع الكربون. وكما هي الحال مع الأكسدة، فقد أصبح معروفًا أن هناك سمات مشتركة بين تفاعلات الاختزال والتفاعلات الأخرى التي لا تشارك فيها خامات المعادن، وحدد الكيميائيون العملية المشتركة بأنها إضافة الإلكترونات.
أما الآن فصارت الأكسدة تُعرَّف بأنها عملية فقدان للإلكترونات، والاختزال بأنه عملية اكتساب للإلكترونات. وبالنظر إلى أن فقدان كيان كيميائي ما للإلكترونات يصاحبه دائمًا اكتساب إلكترونات من جانب كيان كيميائي آخر، فإن الأكسدة تكون مصحوبة دائمًا بالاختزال، ويُطلق على مزيج الاثنين معًا «تفاعلات الأكسدة والاختزال»، والتي تعد اليوم نتاج عملية انتقال الإلكترونات، التي قد يصاحبها انتقال بعض الذرات التي تُسحب مع الإلكترونات المنقولة.
يهتم علماء الكيمياء الكهربائية أيضًا بمعدل انتقال الإلكترونات في تفاعلات الأكسدة والاختزال. ويُعد تحسين الطاقة، أي معدل توليد الطاقة الكهربائية، التي يمكن للخلية إنتاجها، تطبيقًا فوريًّا لفهم معدلات انتقال الإلكترونات من الأقطاب الكهربائية وإليها. ولكن لمعدلات انتقال الإلكترونات أيضًا آثار بيولوجية مهمة؛ فالكثير من العمليات التي تحدث داخل الكائنات الحية تتضمن انتقالًا للإلكترونات. وبالتالي، فإذا كانت أدمغتنا تعمل بقدرة ١٠٠ واط، وتصل فروقات الجهد داخلنا إلى نحو ١٠ فولت، فهذا يعني أننا يسري في أجسادنا تيار كهربائي تبلغ شدته ١٠ أمبير. ويُعد فهمنا لمعدل انتقال الإلكترونات بين الجزيئات المهمة بيولوجيًّا مهمًّا لفهم التفاعلات، على سبيل المثال، التي تمثل السلسلة التنفسية، وهي عملية استخدام الأكسجين الذي نتنفسه، والذي يدفع جميع العمليات داخل أجسامنا.
وتحظى التطبيقات الصناعية للكيمياء الكهربائية بأهمية كبيرة، لأنها تتضمن تطوير بطاريات خفيفة ومحمولة وذات كفاءة، وكذلك تطوير «خلايا الوقود». وخلية الوقود ما هي إلا بطارية يتوفر لها إمداد خارجي مستمر من المواد المتفاعلة (مثل الوقود)، بدلًا من تخزينها فيها مرة واحدة بصورة نهائية وقت التصنيع. ويسهم علماء الكيمياء الفيزيائية في تحسين كفاءة تلك الخلايا بتطوير مواد قطبية كهربائية وإلكتروليتية جديدة (الإلكتروليت هو الوسط الذي تحدث فيه تفاعلات الأكسدة والاختزال). وهنا تكمن الفرص لتوحيد جهود الكيمياء الكهربائية والكيمياء الضوئية؛ فبعض الخلايا التي يجري تطويرها تنتج الكهرباء بفعل تأثير أشعة الشمس بدلًا من استخدام وقود فعلي.
تنهار الأجسام المعدنية المُصنَّعة في هذا الصدد بتكلفة عالية (سواء فيما يتعلق بالمال أو الطاقة) أمام قوى الطبيعة وتأثير القانون الثاني للديناميكا الحرارية. فالتآكل، وهو المرض الكيميائي الكهربائي الذي يصيب المعادن، مُدمِّر ولا بد من مكافحته. ويسعى علماء الكيمياء الكهربائية إلى فهم عملية التآكل، لأنها تفاعل أكسدة واختزال يقع ضمن مجال تخصصهم، ومن خلال هذا الفهم يبحثون عن طرق للتخفيف من حدته، وتوفير مبالغ ضخمة للمجتمعات البشرية.
الديناميكا الكيميائية
تهتم الديناميكا الكيميائية بالعلاقات الدقيقة بين الجزيئات، حيث يتدخل علماء الكيمياء الفيزيائية في أدق تفاصيل الذرات ويراقبون عن كثب العمليات الذرية التي تتحول فيها مادة ما إلى مادة أخرى.
وتُعد «الحزمة الجزيئية» واحدة من أهم التقنيات المستخدمة لاكتشاف ما يحدث للجزيئات الفردية عند تفاعلها معًا. ومثلما يتضح من الاسم، فإن الحزمة الجزيئية هي حزمة من الجزيئات التي تنتقل عبر الفراغ. ولكنها ليست مثل أي حزمة عادية؛ إذ يمكن انتقاء سرعات الجزيئات لإتاحة مراقبة الطاقة الحركية التي تضيفها إلى أي تصادم والتحكم فيها. ويمكن أيضًا انتقاء حالاتها التذبذبية والدورانية وتوجيهها في اتجاه محدد. وفي جهاز الحزمة الجزيئية، تتصادم حزمة واحدة مع الجزيئات المستهدفة، والتي يمكن أن تكون سحابة من الغاز، أو قد تكون حزمة أخرى. تتفرق الحزمة القادمة بفعل التصادم، أو، إذا كانت الاصطدامات قوية بما فيه الكفاية، فإن جزيئاتها تتعرض لتفاعلات وتتطاير النواتج في اتجاهات متباينة. وتخضع هذه النواتج للرصد مع تحديد حالاتها. وهكذا يمكن تكوين صورة شاملة جدًّا عن كيفية تحوُّل الجزيئات بحالات محددة بدقة إلى نواتج بحالات محددة بدقة على نحو مماثل.
تتعزز الديناميكا الجزيئية بدرجة كبيرة من خلال اقترانها بالكيمياء الحاسوبية. فعندما يقترب جزيئيان بعضهما من بعض، تتغير طاقتيهما، بينما تتمدد الروابط وتنكسر، وتنحني البنى الجزيئية وتتكون روابط جديدة. وحساب هاتين الطاقتين معقد جدًّا حاسوبيًّا؛ ولكنه تحقق في عدد من الحالات البسيطة. ويؤدي ذلك إلى تشكيل حقل من الطاقة يُعرف باسم «سطح الطاقة الكامنة». وعندما تنتقل الجزيئات عبر الفراغ فإنها في حقيقة الأمر تنتقل عبر هذا الحقل. وتتخذ مسارات يمكن حسابها باستخدام قوانين نيوتن للحركة، أو باستخدام قوانين ميكانيكا الكم (أي، عن طريق حل معادلة شرودنجر) في المعالجات الأكثر تطورًا والأكثر ملاءمة.
يمكن للتحليل الدقيق للمسارات التي تسلكها الجزيئات عبر حقل الطاقة أن يوفر فهمًا واسعًا لتفاصيل ما يحدث على المستوى الذري عند حدوث تفاعل كيميائي. لذا، ربما يتبين أن احتمال حدوث أحد التفاعلات يزيد إذا كان أحد الجزيئات يتذبذب بالفعل في أثناء اقترابه من هدفه، بدلًا من أن يصطدم به بقدر كبير من الطاقة الانتقالية. وربما يكون التفاعل أسرع أيضًا إذا اقترب الجزيء من الهدف من اتجاه بعينه، وكأنه وجد ثغرة في جدرانه الدفاعية.
ويتعين على علماء الكيمياء الفيزيائية الربط بين هذه المعلومات التفصيلية جدًّا وما يحدث على مستوى المادة في حجمها الطبيعي. هذا يعني أنهم يتعين عليهم التحلي بالقدرة على تحويل المسارات التي يحسبونها عبر حقل الطاقة الكامنة إلى قيمة عددية لثابت معدل التفاعل واعتماده على درجة الحرارة. ويمكن بناء هذا الجسر بين المستويين الميكروسكوبي والماكروسكوبي، وهناك تقدم كبير يتحقق في هذا المجال.
التحدي الراهن
إن التحدي الذي يواجه علماء الكيمياء الفيزيائية الذين يستخدمون الحزم الجزيئية، وزملاءهم المعنيين بحساب أسطح الطاقة الكامنة التي يعتمد عليها تفسير التشتت التفاعلي وغير التفاعلي، يتمثل في إيجاد طرق لنقل تقنياتهم واستنتاجاتهم إلى السوائل، بصفتها الوسط الرئيسي للتفاعلات الكيميائية. وعلى الرغم من وجود أمل ضئيل في تحقيق ذلك بصورة مباشرة (على الرغم من أنه لا شيء مستبعد في ظل استمرار التقدم الهائل في القدرة الحوسبية)، فإن المعرفة التفصيلية المستمدة من الحالة الغازية تزيد من فهمنا لما يحدث على الأرجح في المحاليل وتثري من فهمنا للكيمياء إجمالًا.
على المستوى التجريبي، ربما لا يوجد شيء أهم لتطور حضارة متعطشة للطاقة من الدور الذي تلعبه الكيمياء الفيزيائية في تطوير إنتاج الطاقة الكهربائية واستخدامها من خلال الكيمياء الضوئية وتحسين خلايا الوقود ومصادر الطاقة المحمولة. وجزء كبير من هذا التطبيق يتمثل في تقديم فهم أفضل لظواهر الأسطح، والبحث عن عوامل محفزة أفضل، وتطوير مواد قطبية كهربية أفضل، واستكشاف كيف يمكن تعزيز النشاط الكيميائي الضوئي. وتقدم لنا الطبيعة الكثير من الدروس في هذا الصدد، وتوفر لنا دلائل من دراسة عملية التمثيل الضوئي ونشاط الإنزيمات.
بإمكان الحزم الجزيئية تقديم معلومات دقيقة حول تفاصيل أحداث التفاعل وتقنية الليزر، القادرة الآن على إنتاج ومضات إشعاعية شديدة القصر، تسمح بالتقاط أحداث التفاعل في لحظة محددة وفهمها بتفصيل شديد.
لا تزال التقنيات الحركية الكلاسيكية مهمة؛ فلا تزال مراقبة معدلات التفاعل تسلط الضوء على سلوك الإنزيمات وكيف يمكن تثبيطها. وهناك بعض التفاعلات التي تنتج أنماطًا مكانية مذهلة، وأحيانًا فوضوية، في أثناء حدوثها (على نحو مماثل للأنماط التي تُرى على فراء الحيوانات، لكنها تحدث في أنابيب الاختبار أيضًا)، ويصعب على علماء الكيمياء الفيزيائية تفسير هذه الأنماط بتحديد آلياتها المعقدة وحساب نتائجها المعقدة والمذهلة جدًّا أحيانًا.