رجل واحد … يحكم العالم!
جلس «أحمد» يقرأ تقريرًا طويلًا، قبل أن يتوجَّه للاجتماع الذي أعلن عنه رقم «صفر» منذ أمس؛ فقد طلب الزعيم أن يكون الشياطين على استعداد للاجتماع، لكنه لم يَدْعُهم؛ ولذلك فقد أحسوا أن هناك عمليةً كبيرة، وأن التقارير لم تَصِل بعدُ إلى درجة الاكتمال، حتى يقدِّم لهم رقم «صفر» كلَّ البيانات … والمعلومات المطلوبة.
ولم يكن التقرير الذي يقرؤه «أحمد» من اختياره؛ فقد طلب منه الزعيم أن يقرأه حتى يكون على إلمام تام بخطورة المهمة التي سوف يخرج إليها، هو والشياطين.
كان التقرير يتحدث عن الذهب، وكانت أحدث المعلومات التي ضمَّها التقرير هو ذلك الارتفاع المفاجئ في سعر الذهب في العالم … من ٤٣٢ دولارًا للأوقية … إلى ٨٥٠ دولارًا للأوقية. فكَّر قليلًا وهو يقول لنفسه: كم من آلاف الملايين يمكن أن يكسبها تاجرٌ واحد، إذا كان ارتفاع الأوقية يقفز ٤١٨ دولارًا مرة واحدة!
وضَع إصبعَه على بعض الأرقام التي يحتوي عليها التقرير: استخرج الإنسان من باطن الأرض ٨٨ ألف طن من الذهب. الاتحاد السوفييتي يملك «٢٥٠٠» طن ذهب. جنوب أفريقيا هي أكبر مصدِّر للذهب في العالم، وهو يمثِّل نصفَ صادراتها؛ ولذلك يُسمونها «كنز العالم».
شرد قليلًا وهو يُعيد في ذاكرته الأرقامَ التي تُشير إلى ارتفاع سعر الذهب، ثم عاد للتقرير مرة أخرى ليقرأ: انخفض سعر الذهب في خلال أسبوع واحد انخفاضًا ضخمًا، جعل كثيرين من التجار يُشهرون إفلاسهم!
توقَّف «أحمد» عند هذه المعلومة وهو يقول: لا بد أن هناك مَن يلعب لعبة ضخمة على مستوى العالمِ كلِّه، يرفع الذهب إلى حوالي الضعف، ثم ينزل به مرة واحدة خلال أسبوع. من الضروري أن يكون هناك مَن يريدون تحطيمه، أو مَن يريدون تحطيم التجار … فكَّر: إن الاحتكارات العالمية يمكن أن تفعل كلَّ هذه الأشياء، إنها يمكن أن ترفع سعره وتخفضه … ولكن الغريب أن تقضيَ على مَن يقف أمامها!
مرَّت لحظات … وهو مستغرق في تفكيره، ثم عاد إلى التقرير مرة أخرى. فجأةً توقَّف عند فقرة معينة؛ فقد كانت غريبة، كانت تقول: إن العالِم الروسي «شولوف» قد توصَّل إلى التركيب العضوي للذهب، وإنه قد دخل مرحلة تجارب لصنع الذهب، وإنه إذا توصَّل إلى ذلك … فإن الاتحاد السوفييتي يستطيع أن يتحكَّم في سوق الذهب بما يطرحه من كميات البيع.
أعاد «أحمد» قراءة الفقرة مرة ثانية، وثالثة. لقد كانت فعلًا غريبة عليه؛ فلأول مرة يقرأ عن إمكانية صناعة الذهب. توقَّف لحظةً يفكِّر: إن اليابان استطاعت أن تصنع اللؤلؤ الصناعي، الشبيه باللؤلؤ الطبيعي تمامًا. لكنه قال في نفسه: إنه لؤلؤ مزيف. وهناك فارق بين تزييف الذهب … وصناعته. مرة أخرى فكَّر: لقد توصلوا لتركيب الماس، لكن يظل الماس الحقيقي هو الأصل، وهو الأغلى ثمنًا!
ظل «أحمد» يستعيد في ذاكرته ما قرأه من محاولات لصناعة الأشياء الثمينة، فهم مثلًا يربُّون اللؤلؤ في أحواض خاصة، وكانوا قديمًا يصطادونه، وعن طريق تربيته أصبحوا يتحكَّمون في سوقه.
مرة أخرى، عاد إلى التقرير الذي كان يقول: إن العالِم الروسي «شولوف» كان له تلميذٌ يُدعى «برجسكي»، غير أن هذا التلميذ اختفى دون أن يعرف أحدٌ عنه شيئًا، وكان هذا التلميذ يعرف أسرار «شولوف». وقد توقَّع كثيرون أن يكون قد قُضيَ عليه، أو أن عصابة قد اختطفَته، وربما يكون خلاف قد نشب بينه وبين أستاذه … فتخلص منه، لكن كل هذه تكهنات. المؤكد فقط أن «برجسكي» قد اختفى من الاتحاد السوفييتي نهائيًّا.
شرَد «أحمد» يفكر في «برجسكي» الذي اختفى، وبدأ يضع احتمالاتٍ لاختفائه، غير أن يكون قد قُضيَ عليه. فكَّر: قد تكون إحدى العصابات قد خطفته! وقد يكون تجار الذهب الكبار قد قضَوا عليه! أو قد تكون جنوب أفريقيا … لأنه بصناعة الذهب يمكن أن يؤثِّر على ما تصدِّره للعالم.
قال في نفسه: هذه كلها احتمالات، يمكن أن تكون صحيحة، لكن … ما الذي حدث؟ وما الذي سوف تكون عليه المغامرة الجديدة؟ وهل هي خاصة به، أو أنها ستكون حول اكتشاف مَن يتحكمون في أسعار الذهب العالمي؟ كانت الأفكار تتردد في خاطره دون أن تقف عند خاطر معين. فجأةً، لمعَت شاشة التليفزيون أمامه، وظهرت عليها كلماتٌ تقول: الاجتماع بعد عشر دقائق.
قال في نفسه: يبدو أن تقارير العملاء قد اكتملت، وأن المغامرة قد بدأت!
وضع التقرير في درج مكتبه، ثم أخذ طريقه إلى قاعة الاجتماعات. في الطريق كان الشياطين يتوافدون … الواحد بعد الآخر على القاعة، كان الشياطين كعادتهم يمرحون وهم في طريقهم إلى الاجتماع؛ لأنهم يعرفون أنهم مُقدِمون على مغامرة جديدة، وهذه أطيب الأوقات بالنسبة لهم؛ فهم يعتبرون المغامرة إجازة ممتازة، في الوقت الذي يشعرون فيه بالضيق … إذا تأخرت المغامرات.
أخذوا أماكنهم في القاعة الفسيحة، كان كلُّ شيء هادئًا تمامًا، ولم تكن الخريطة الإليكترونية مضاءة؛ ولذلك فلم يكن يلفت نظرَهم شيء، إلا «أحمد» الذي كان يحاول أن يكون عاديًّا، لكن تفكيره العميق فيما قرأ في التقرير كان يظهر على وجهه، حتى إن «مصباح» قال: يبدو أن «أحمد» يُخفي أنباءً طيبة!
ابتسم «أحمد»، وعلَّق «بو عمير»: إن «أحمد» سبقنا في أنه يستنتج نوعية المغامرة قبل القيام بها!
فجأةً، قطع تعليقاتِهم صوتُ رقم «صفر» يقول: هذا صحيح، وسوف يُحدِّثكم الآن عن المغامرة الجديدة حتى آتيَ إليكم، وحتى لا نضيعَ وقتًا!
علَت الدهشةُ وجوهَ الشياطين، لكنهم بسرعة التفتوا إلى «أحمد» في انتظار أن يتحدث.
مرَّت لحظات قطعَها «مصباح»: ألم أقُل لكم إن «أحمد» يُخفي أنباءً طيبة!
قالت «زبيدة»: نرجو ألَّا يتأخر علينا!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: قد تبدو المغامرة عادية؛ فقد حققنا أكثر من مغامرة من هذا النوع، لكن مغامرة اليوم فيها جانب جديد، ومثير تمامًا … سكت لحظةً جعلت الشياطين يهتمُّون أكثر، ثم أضاف: أنتم تعرفون أن الشخصيات الهامة تتعرض دائمًا للاعتداء، إما بالخطف أو غيره … كما حدث لنا في مغامرة «مدينة البراكين»، والتي استعدنا فيها الباحثين المعروفين، هذه المرة توجد شخصية مثيرة جدًّا، وليست موجودة!
ارتسمت الدهشة على وجوه الشياطين، ودارت برءوسهم الأسئلة: كيف تكون الشخصية مثيرة، وكيف تكون غير موجودة في نفس الوقت؟
قال «أحمد»: قد تبدو المسألة كاللغز، وهي بالفعل لغز حقيقي. إننا نعرف أن الذهب يُستخرج من باطن الأرض، وأنه من أندر المعادن النفيسة، كما أن الذهب يُعتبر هو الرصيد الاقتصادي لأي بلد، وتبعًا لكمية الذهب الموجودة في بلد ما، تكون ثروته، ويكون غناه أو فقره، بل إن الذهب هو الذي يحدِّد قيمة الأشياء؛ فإذا ارتفع سعر الذهب … ارتفعت أسعار الأشياء، وإذا هبط سعره … هبطت أسعار الأشياء الأخرى؛ لهذا يمثِّل الذهب أهمية خاصة عند كل دولة.
كان ما يقوله «أحمد» ليس جديدًا على الشياطين، ولكنه قاله فقط … حتى يمهِّد لما سيقول … ولذلك سكت لحظة، ثم قال: ولأن الذهب له هذه الأهمية، فقد اهتمت روسيا التي تملك منه ٢٥٠٠ طن بمحاولة صناعته!
توقَّف لحظة، ونظر إلى وجوه الشياطين ليرى تأثير ما قاله عليهم، لكن لم يكن هناك أيُّ تأثير. قال: الذي أقصده ليس تصنيعَ الذهب في شكل خواتم أو أساور أو غيرها. الذي أقصده هو صنع الذهب نفسه؛ فبدلًا من البحث عنه في باطن الأرض، وقد يكون موجودًا … أو غير موجود، فإن الاتحاد السوفييتي يحاول أن يَصِل إلى تركيبته العنصرية؛ حتى يمكنَه صنْعه في المعامل.
سكت في الوقت الذي ظهرت فيه الدهشة على وجوه الشياطين، حتى إن «إلهام» تساءلت: وهل يمكن ذلك؟
أجاب: نعم. لقد توصَّل عالم سوفييتي اسمه «شولوف» إلى التركيبة العنصرية للذهب!
تلاقَت أعين الشياطين، في الوقت الذي استمر فيه «أحمد» يشرح لهم ما قرأه في التقرير عن تلميذه «برجسكي» … واختفائه، وما يمكن أن يحدث لو ظهر هذا التلميذ، واحتمالات أسباب اختفاء «برجسكي».
وعندما توقَّف عن الكلام، قالت «زبيدة»: من الممكن أن تكون عصابة مثل «سادة العالم» قد خطفته.
وقال «خالد»: من الممكن أن يكون «شولوف» قد تخلص منه؛ خوفًا من أن ينافسه في صناعة الذهب.
كان «أحمد» يستمع إليهم … وعلى وجهه ابتسامة هادئة؛ فكل ما طرحوه من احتمالات، قد فكر فيه. قطع حديثَهم صوتُ الزعيم رقم «صفر» يقول: كل هذا جائز، لكن هناك شيء جديد ظهر، حملَته لنا التقارير التي وصلَت إلينا الآن، إنني في الطريق إليكم!
تعلَّقت أعينُ الشياطين بمكان رقم «صفر». كان صوتُ أقدامه يتردَّد مقتربًا، حتى توقَّف. رحَّب بهم، ثم قال: لقد شرح لكم «أحمد» كلَّ شيء عن «صانع الذهب»، أو التلميذ الذي اختفى، لكن التقارير التي وصلتنا أخيرًا … أضافت شيئًا هامًّا … إن «برجسكي» تلميذ «شولوف» قد ظهر في مدينة «هيوستن» الأمريكية …
سكت رقم «صفر» قليلًا، في الوقت الذي كان الشياطين يركزون انتباههم في انتظار ما سوف يُضيفه.
مرَّت لحظات ثقيلة قبل أن يقول: لقد انفجر معمل صغير في مدينة «هيوستن» لكميائي اسمه «جولد ميكر» … علَت الدهشةُ وجوهَ الشياطين، لكن دهشتهم لم تستمر؛ فقد حلَّت مكانَ الدهشة ابتسامةٌ ذكية. إن اسم «جولد ميكر» يعني «صانع الذهب»؛ إنه هو نفسه إذَن.
قال رقم «صفر»: لقد فهمتم تمامًا. إن «جولد ميكر» لم يُبلغ الشرطة بانفجار معمله، لكن الجيران استغاثوا بالشرطة التي حضرت إلى المكان … لتُحقِّق فيما حدث. ورفض «جولد ميكر» أن يُضيف شيئًا، سوى أن ما حدث شيءٌ عادي، يمكن أن يحدث في أي معمل، غير أن عميلنا هناك كان يتتبع قصة اختفاء «برجسكي»، فبدأ بالتحدث حول هذه الشخصية الجديدة «جولد ميكر»، وتأكَّد أنه هو نفسه «برجسكي»، لكنه لا يريد أن يُعلن عن نفسه.
صمت رقم «صفر»، وظل الشياطين ينتظرون ما سوف يقوله. فالآن بدأَت أبعاد المغامرة تظهر أمامهم. قال بعد لحظة: إن «برجسكي»، أو «جولد ميكر» لا يزال يعمل في أبحاثه لتحضير الذهب في معمله، لكن المعمل قد انتهى الآن … وهذا يعني أنه سوف يحاول مرة أخرى؛ لأن وصوله إلى صناعة الذهب يعني أنه سوف يكون أغنى رجل في العالم، بل إنه سوف يكون حاكم العالم كله؛ لأنه هو الذي سوف يتحكم في سوق الذهب العالمي، لكن هل يمكن أن يظل «برجسكي» في أمان؟ سكت، بينما جاء صوت الأوراق التي يقلِّبها، وأضاف بعد لحظة: إن تقارير العملاء تقول إن هناك خطة لاختطاف «برجسكي»!
فجأة، تردَّد صوت متقطع، جعل رقم «صفر» يقول: هناك أخبار جديدة … وأخذ صوت أقدامه يبتعد، في نفس الوقت الذي قال فيه «قيس»: إن «برجسكي» شخصية مثيرة فعلًا، ولعلها أول مرة نسمع فيها عن شخصية لها هذه الخطورة. إنه رجل يمكن أن يحكم العالم!
قال «رشيد»: لا تنسَ أن أستاذه لا يزال موجودًا في الاتحاد السوفييتي، وهذا يجعل المنافسة بينهما قوية.
قال «خالد»: أظن أن الاتحاد السوفييتي لن يترك «برجسكي»، وأن الانفجار الذي حدث في معمله، كان مقصودًا به «برجسكي» نفسه، حتى ينتهوا منه وألا يكون هناك سوى «شولوف» فقط، هو وحده الذي يعرف سرَّ صناعة الذهب.
قال «أحمد»: ينبغي أن نعرف أن «برجسكي» سوف يكون هدفًا لأكثر من اتجاه. هناك تجار الذهب، الذين يملكون منه الكثير، و«برجسكي» يمكن أن يجعلهم فقراءَ بين يوم وليلة، إذا استطاع أن يُغرق السوق بكميات ذهب من صناعته، وهناك الاتحاد السوفييتي أيضًا، وهناك أمريكا التي ستحاول أن تضمَّه إليها، وهناك جنوب أفريقيا، التي تعتبر أكبر دولة موردة للذهب في العالم … ثم … هناك أيضًا العصابات التي ترى في «برجسكي» كنزها الجديد …
عندما توقَّف «أحمد» عن الكلام، كانت أقدام رقم «صفر» تقترب حتى توقَّفَت، ثم قال بعد لحظة: لقد انتهى «شولوف»، نتيجة إصابته بأزمة قلبية؛ فهو رجل متقدم في السن.
سكت لحظة، ثم أضاف: إن هذا يجعل من «برجسكي» أو «جولد ميكر» أهمَّ رجل في العالم؛ لأنه الوحيد الذي يعرف سرَّ صناعة الذهب … أضاف بعد قليل: لقد سمعتُ ما قاله «أحمد» منذ دقائق وهو صحيح كله. إن التقارير أمامي تقول إن هناك صراعًا قويًّا بين جهات كثيرة حول «برجسكي»، من بينها عصابة «سادة العالم»، وعصابة «اليد الذهبية». إن «برجسكي» الآن يعتبر أهمَّ عالم في القرن العشرين، ومغامرتكم الجديدة هي «برجسكي» نفسه. إن عليكم أن تحموه حتى ننقله إلى مكان مأمون، حتى يستطيع أن يُكملَ أبحاثه، ولا تنسَوا أن الصراع سيكون بين جهات كثيرة وقوية.
سكت لحظة، ثم أضاف: إن مجموعة الشياطين التي ستقوم بالمغامرة سوف يزداد عددها نتيجة قوة الصراع، إن الوقت هامٌّ الآن بعد رحيل «شولوف»، وعليكم أن تتحركوا. إن التعليمات سوف تكون عندكم، بينما أنتم تُجهزون أنفسكم. سكت لحظة، ثم سأل: هل من سؤال؟
ولمَّا لم يسأل أحد قال: أتمنى لكم التوفيق!
أخذت أقدامه تبتعد، في الوقت الذي كان الشياطين يغادرون فيه القاعة إلى حجراتهم … وعندما دخل «أحمد» حجرته، كانت شاشة التليفزيون تحمل أسماءَ مجموعة المغامرة؛ كانت تضم: «أحمد»، «عثمان»، «قيس»، «رشيد»، «بو عمير»، «خالد»، «إلهام». قرأ «أحمد» الأسماء، وقال في نفسه: إنها أكبر مغامرة يدخلها الشياطين هذه المرة.