مَن الذي يكسب … في لعبة الذكاء!
عندما أغلق باب السيارة جاءهم صوتُ عميل رقم «صفر» يرحب بهم، ويحدد لهم الفندق الذي سينزلون فيه، وهو فندق «هوليداي إن هيوستن». في نفس الوقت قال: إن هناك رسالة من رقم «صفر» في انتظارهم، وحدد المكان والزمان الذي سيلتقي فيه مع أحد الشياطين لتسلُّمِ الرسالة.
كان «قيس» يقود السيارة في الطريق إلى فندق «هوليداي إن». وفي خلال نصف ساعة كانوا يدخلون الفندق. نظر «أحمد» في ساعة يده. كان لا يزال هناك وقتٌ طويل حتى يحين موعد عميل رقم «صفر»؛ ولذلك فقد اتجه الشياطين مباشرة إلى حجراتهم. بعد دقائق كانوا يعقدون اجتماعًا في حجرة «أحمد»، الذي قال: نحن في حاجة الآن لمعرفة مكان «برجسكي»، وذلك يتطلب منَّا أن ننقسم إلى مجموعتين، كل مجموعة تجري رؤيتها حول المكان. سوف أكون أنا و«عثمان» في مكان، و«قيس» و«بو عمير» و«خالد» في المكان المقابل، ولاحِظوا أن هناك عيونًا كثيرة ترقب المكان، ونحن لا نريد أن نبدأ الصدام مبكرًا. إننا نريد أولًا أن نحدد الجهات التي سوف تحدِّد حركتَنا، وربما يكون «رشيد» و«إلهام» قد توصَّلَا إلى شيء. وفي هذه الحالة سوف نكون قد اختصرنا الوقت؛ لأننا عرفنا جهة منهم …
صمت قليلًا، فقال «عثمان»: ربما لا تكون جهة ما خلف انفجار المعمل، فربما يكون الانفجار عاديًّا. وحسب تقرير رقم «صفر» الذي قرأناه فإن «برجسكي» رفض أن يتَّهم أحدًا.
أجاب «أحمد»: هذا صحيح، لكن لا تنسَ أن «برجسكي» لا يريد أن يكشف نفسه، فإذا أبلغ الشرطة واتَّهم إنسانًا ما؛ فقد يؤدي التحقيق إلى كشف السر في صناعة الذهب. أضاف بعد لحظة: إن الوقت لا يزال مبكرًا؛ فالساعة لم تتجاوز الحادية عشرة، ونحن الآن نستطيع أن نبدأ تحرُّكَنا.
سكت لحظة، ثم قال: سوف يتحرك «خالد» في الواحدة إلى النقطة «س» التي حدَّدها عميل رقم «صفر» لتسلُّم الرسالة: إذا كانت تحتاج إلى التصرف بسرعة فعليك أن تتحدث إليَّ فورًا، وإذا كان يمكن تأجيلها لبعض الوقت، فسوف نعرف جميعًا عندما نجتمع هنا مرة أخرى!
في دقائق كان الشياطين يغادرون الفندق بعد أن أعطى «أحمد» ﻟ «خالد» عنوان «برجسكي»: شارع ٩٩، رقم ١٠٠٨ الدور١٢.
في الشارع مضى كلُّ فريق إلى اتجاه.
قال «أحمد» ﻟ «عثمان»: إنني أفكر في الحديث إلى «برجسكي» تليفونيًّا …
سكت لحظة، ثم أضاف: إن «برجسكي» سوف يكون خائفًا الآن؛ فهو يعرف أنه معرَّض للضياع في أي لحظة؛ فإما أن يكون قد غيَّر مكانه، وفي هذه الحالة سوف يكون بحثُنا ضائعًا، وإذا لم يكن فعل، وكان موجودًا في مكانه، فإنني سوف أعرض عليه أن نقوم بحراسته.
قال «عثمان» على الفور: إن ذلك يجعلنا هدفًا لأي جهة، وعملنا في الخفاء أهم!
قال «أحمد»: فلنجرب لنرى إن كان «برجسكي» مستعدًّا أم لا؟
اتجه الاثنان إلى السيارة. وما إن جلسَا فيها حتى جاء صوت عميل رقم «صفر» يقول: إنني تحت أمركم!
قال «أحمد»: نريد تليفون السيد «برجسكي»!
صمت العميل لحظة، ثم قال: سأتصل بكم بعد قليل!
انطلق «عثمان» بالسيارة إلى «٩٩ رقم ١٠٠٨» حيث يوجد «برجسكي». كانت حركة الشوارع نشيطة في هذا الوقت من النهار. فجأة، دق جرس تليفون السيارة، وكان المتحدث عميل رقم «صفر» الذي قال: رقم السيد «برجسكي» هو ٥٢٩٤٣٣٨، ثم وضع السماعة …
كرر «أحمد» الرقم أمام «عثمان» الذي ابتسم قائلًا: سبعة أرقام!
قال «أحمد» بطريقة عادية: إن بعضَ دولِنا العربية تصل أرقام تليفوناتها إلى سبعة أرقام أيضًا، برغم فارق التعداد بين أمريكا والدول العربية!
أُغلقت الإشارة فتوقَّفت العربات. فجأة، لمح «أحمد» «رشيد» و«إلهام».
فكر: لماذا هما هنا، وهل يوجد الرجال الثلاثة في هذه المنطقة؟
لفت نظر «عثمان» إلى ذلك، ثم قال: هل نستدعيهما؟
قال «عثمان»: من المؤكد أن يكون تواجدهما هنا لسبب ضروري!
فتحت الإشارة، فتحركت العربات، وتحرك «عثمان» أيضًا.
قرأ «أحمد» أرقام الشوارع التي كانت تتوالى، ثم قال: يبدو أنه شارع عرضي … سكت لحظة ثم قال: تمهَّل هنا …
أوقف «عثمان» السيارة، فرفع «أحمد» سماعة التليفون، ثم أدار القرص، وطلب رقم «برجسكي». رن التليفون في الطرف الآخر فترة، حتى إن «أحمد» ظن أنه لا يوجد أحد، غير أنه لم يضع السماعة. بعد قليل جاء صوت يقول: لا تضع السماعة؛ إن «برجسكي» في الخارج وسوف يتأخر لبعض الوقت، إذا كان هناك شيء ما، فاترك رسالة. شكرًا!
عرف «أحمد» أن هذا جهاز السكرتيرة الذي يسجل المكالمات في حالة عدم وجود صاحب البيت. فكر لحظة، ثم قال: تحياتي إلى السيد «برجسكي». هناك مسألة خاصة بالذهب سوف أُعيد الاتصال به. شكرًا! ثم وضع السماعة.
قال «عثمان»: أليست هذه مخاطرة أن تذكر علاقة الذهب به؟
قال «أحمد» بعد لحظة: لقد قصدت ذلك أولًا: حتى يهتم. ثانيًا: حتى يكون لديه معلومات عن أننا نعرف أهميته!
هزَّ «عثمان» رأسه مقتنعًا، ثم انطلق بالسيارة من جديد، ظهر شارع ٩٩. تمهَّل «عثمان» قليلًا، وهو يقول: أعتقد أننا ينبغي أن نترك السيارة لنرصد المكان جيدًا!
قال «أحمد»: هذا صحيح. فلنبحث عن مكان قريب لانتظار السيارات.
ما إن ابتعدَا عن العنوان قليلًا حتى ظهر أمامهما مكان لانتظار السيارات. ابتسم «عثمان» قائلًا: حظ جيد أن يكون مكان الانتظار قريبًا من بيت السيد «برجسكي»!
ابتسم «أحمد» ولم يعلق. في المكان المحدد أوقف السيارة، ثم نزل «أحمد» وتَبِعه «عثمان». وما إن أغلق السيارة حتى اتجهَا سيرًا على الأقدام إلى حيث يوجد رقم ١٠٠٨. كان الشارع هادئًا، ولم يكن بيت «برجسكي» مختلفًا عن بقية البيوت الأخرى.
اتجهَا مباشرة إلى البيت، ودخلاه. صعدَا بالمصعد إلى الطابق الثاني عشر. كان الطابق يضم أربع شقق، ولم يكن يظهر على أي باب ما يشير إلى ساكنِيه. وقف الاثنان لحظة. تحرك «أحمد» مقتربًا من أحد الأبواب، ثم بدأ يتشمَّمه. ابتسم «عثمان»؛ فهو يعرف أن «أحمد» الآن يبحث عن رائحة مميزة. ترك «أحمد» الباب الأول، ثم اتجه إلى الثاني. فجأة فُتِح الباب، وظهر فيه رجل ضخم الجسم، قال بصوت أجش: ماذا تفعل؟ فوجئ «أحمد» بالرجل، لكنه تمالَك نفسه وقال: إننا نبحث عن شقة «روبرت جالي»!
نظر له الرجل لحظة، ثم قال: في أيِّ طابق هو؟
قال «أحمد»: في الطابق الثالث عشر.
غير أن الرجل قال بسرعة: هل تعرفان السيد «روبرت جالي»؟
قال «أحمد» بطريقة عادية: بالتأكيد.
الرجل: ماذا يعمل؟
أحمد: إنه بائع للأحجار الثمينة، وربما يعمل في الذهب أيضًا!
ظهرت الدهشة على وجه «عثمان»؛ إن هذا يعني أن الرجل سوف يشكُّ فيهما.
الرجل: ماذا تريدان منه؟
ابتسم «أحمد» وقال: إننا نريده شخصيًّا!
الرجل: أتريدان شراءَ ذهب؟
أحمد: ليس بالضبط. نريد بعض المصنوعات الثمينة!
ألقى الرجل عليهما نظرةً متشككة، ثم قال وهو يُغلق الباب: لا أظن أن هناك ساكنًا هنا له هذا الاسم!
كاد «أحمد» أن يغرق في الضحك، إلا أنه تمالَك نفسه؛ فقد عرف أنه يتعامل مع رجل غبي، أو مع عصابة غبية. تحرَّك إلى السلم، فتبعه «عثمان». وعندما أصبحَا في الطابق الثالث عشر ضغط «أحمد» زرًّا، فجاء المصعد وركباه، ثم نزلَا. وعندما أصبحَا في الشارع، همس «أحمد» ﻟ «عثمان»: هل عرفته؟
ابتسم «عثمان» قائلًا: نعم، إنه أحد أفراد العصابة الأغبياء، أو أحد المراقبين الأغبياء أيضًا.
ضحك «أحمد» قائلًا: لقد كشف الرجل عن نفسه لاهتمامه بالسؤال؛ ولهذا قصدت أن أذكر له كلمة الذهب حتى أعرف مدى تأثيرها عليه، ومدى اهتمامه بها!
سكت لحظة، ثم قال: إن شقة «برجسكي» واحدة من الشقتَين اللتين تُقابلان شقة هذا الغبي، ويبدو أن هذه الشقة مجهَّزة لمراقبة «برجسكي»!
صمت قليلًا، ثم قال متسائلًا: وإلا فكيف رآنا؟
دارَا حول المبنى الضخم الذي يسكنه «برجسكي». كانت حديقة صغيرة تقع خلف المبنى، فوقفَا يتأملانه. كان يرتفع إلى عشرين طابقًا، ويرتفع وحده بين كل المباني حوله.
همس «أحمد»: نحتاج لرحلة إلى أعلى المبنى!
نظر له «عثمان» نظرة متسائلة، فقال: مَن يدري، قد نحتاج سطح المبنى يومًا!
سأل «عثمان»: هل نفعل ذلك الآن؟
قال «أحمد»: نعم، إننا ينبغي أن نكون مستعدين لشتى الاحتمالات.
وفي هدوء، تقدمَا مرة أخرى من باب المبنى، ثم اختفيَا داخله، وهمس «عثمان»: المؤكد أننا مراقبان الآن؛ فالغبي سوف تكون عيناه علينا سواء دخلنا أو خرجنا!
قال «أحمد»: لا بأس، إن ذلك قد يكشف لنا أشياءَ كثيرة.
تقدمَا من المصعد ثم دخلاه، وضغط «أحمد» الزر رقم ٢٠. ارتفع المصعد بسرعة حتى توقَّف عند الطابق الأخير. نزلَا بسرعة، لم يكن هناك سلَّمٌ يوصل إلى السطح، وظلَّا يفحصان المكان جيدًا، ليريَا إن كانت هناك وسيلة ما، غير أنه لم تكن هناك أيُّ وسيلة.
قال «عثمان»: إن الحل الوحيد هو إحدى الشقق في هذا الطابق، فعن طريق إحدى النوافذ يمكن الوصول إلى السطح.
لم يردَّ «أحمد» مباشرة، لكنه قال بعد قليل: هذا صحيح. لكن، كيف يمكن دخول إحدى هذه الشقق؟
هتف «عثمان»: فتحات التهوية!
في لحظة كان «أحمد» يقف أمام إحدى الفتحات، ثم نظر إلى الخارج قائلًا: هذه فكرة طيبة خصوصًا وأن الفتحات تُطلُّ كلها على الحديقة!
وفي لمح البصر كان يُخرج من حقيبته السحرية حبلًا متينًا ينتهي بخطاف. وفي براعة أدار الحبل عدة مرات في الهواء، ثم قذف به في قوة إلى أعلى، فاشتبك بإحدى المواسير التي تظهر نهايتُها فوق السطح. وفي رشاقة تسلَّق الحائط حتى أصبح خارج فتحة التهوية، وبسرعة كان يأخذ طريقه إلى السطح. كان «عثمان» يقف مراقبًا المكان، ومراقبًا في نفس الوقت حركة «أحمد» الذي استقر فوق السطح. أسرع «أحمد» يعاين السطح بسرعة، كانت مساحة كافية تمامًا لما فكر فيه. دار دورة كاملة فوق السطح، حتى تأكد تمامًا من كل ما يريده. وبسرعة عاد إلى الحبل، فنزل في رشاقة من خلال فتحة التهوية، إلى حيث يقف «عثمان». وفي سرعة أيضًا تحرَّك الاثنان إلى مكان المصعد، الذي لم يكن موجودًا، ضغط «عثمان» الزر، إلا أن المصعد كان في طريقه فعلًا إليهم. وعندما توقَّف في الطابق العشرين، خرج منه رجل وزوجته، ألقيَا عليهما نظرة سريعة، ثم اتجهَا إلى شقتهما، في الوقت الذي دخل فيه الاثنان المصعد، فنزلَا إلى الطابق الأرضي. وعندما خرجَا منه، كان الرجل الذي حاور «أحمد» يقف في انتظار المصعد، نظر إليهما، ثم قال: أمَا زلتما هنا؟
ابتسم «أحمد» قائلًا: يبدو أن هناك خطأ ما، فلم نجد السيد «روبرت جالي».
قال الرجل: لا يوجد أحد هنا بهذا الاسم!
انتظر لحظة ثم سأل: هل يكون اسمه «جولد ميكر»؟
أبدى «أحمد» دهشته، ثم قال بعد لحظة: وهل هو يصنع أشياءَ ثمينة؟
قال الرجل: سمعت شيئًا بهذا المعنى!
ابتسم أحمد قائلًا: وهل يسكن في نفس الطابق؟
رد الرجل: ربما!
شكره «أحمد» وقال: سوف تكون هذه خدمة طيبة، إذا تمكنَّا من مقابلته!
إلا أن الرجل قال: عليكما بالبحث عنه، ثم أغلق المصعد، واختفى!
وقال «عثمان»: هذا الرجل يبدو أنه يلعب معنا لعبة ذكاء.
رد «أحمد»: لا بأس، إنها في صالحنا.
وعندما استدارَا للانصراف، توقَّفَا في دهشة؛ فقد وقعت أعينهما على شيء لم يكن يخطر لهما على بال.