الصراع حول «صانع الذهب»!
كانت خطة الشياطين هي متابعة «برجسكي» إلى «بومباي»، لكن العقبة كانت موعد قيام الطائرة، وتذاكر سفر الشياطين عليها، فمن الممكن أن يسافر صباحًا، أو يسافر ظهرًا، أو بعد الظهر، كيف يمكن معرفة ذلك؟
قالت «إلهام»: أظن أن عميل رقم «صفر» يستطيع الوصول إلى ما نريد. إما عن طريق شركات الطيران، وإما عن طريق مراقبة تليفون «برجسكي» أو «بيرو»!
قال «أحمد»: هذه فكرة طيبة.
أسرع إلى التليفون وتحدث إلى عميل رقم «صفر» ونقل إليه ما يريدون.
سأل العميل: مَن هو «بيرو»؟
أجاب «أحمد»: ليست لدينا معلومات سوى رقم سيارته «الفورد» البيضاء!
قال العميل: هذا يكفي. أعطني إذن الرقم!
أعطاه «أحمد» رقم السيارة ثم وضع السماعة.
قال «بو عمير» إن عرض «بيرو» على «برجسكي» للسفر إلى «بومباي»، وإتمام صفقة الذهب يبدو عرضًا مشكوكًا فيه، وأظن أن هذه خطة لإخراج «صانع الذهب» من أمريكا، وخطفه هناك، وهذه مسألة سهلة فعندما يخرج من المطار، سوف تكون هناك سيارة تُقلُّه إلى الفندق مثلًا، وفي الطريق يمكن أن يتمَّ أيُّ شيء، يمكن خطفه مثلًا، وربما يكون «بيرو» أحد أفراد عصابة، أو يكون منضمًّا إلى تنظيم ما!
سكت الشياطين فقد كانت وجهة نظر «بو عمير» تبدو صحيحة، غير أن «أحمد» قال بعد لحظة: عندك حق. من الممكن أن يحدث هذا، لكن أظن أن «بيرو» معروف ﻟ «برجسكي»، وإلا ما قابله، واتفق معه.
سكت لحظة، ثم أضاف: المؤكد أن «برجسكي» يعرف هؤلاء الذين يتعاملون في الذهب لأن هذا تخصُّصه ويعرف «بيرو» من بينهم، وأعتقد أن «بيرو» يخشى شيئًا؛ لذا فقد قدَّم «برجسكي» ليتمم الصفقة بدلًا منه. ومع ذلك فمن يدري، قد تكون كل الاحتمالات صحيحة!
دق جرس التليفون، فرفع «أحمد» السماعة، واستمع لحظة، ثم قال: شكرًا لك! …
وضع السماعة بينما كانت أعين الشياطين تلتقي حوله في انتظار ما سيقول. مرت لحظة قبل أن يهمس: طائرة التاسعة صباحًا!
قال «رشيد»: أعتقد أنه من المهم أن نقوم بحراسة «برجسكي»، فنحن نعرف أن هناك سباقًا للحصول عليه، وقد يكون «بيرو» أحد جهات السباق، ومَن يدري، فقد يختفي الليلة، قبل أن يغادر «هيوستن»!
كانت وجهة نظر «رشيد» معقولة إلى حد أن الشياطين صمتوا تمامًا.
قال «أحمد» بعد لحظة: هذا صحيح. إن أي شيء من هذا يمكن أن يحدث.
قال «رشيد»: ولهذا يجب أن نأخذ حذرنا، حتى لا يضيع منَّا «برجسكي».
عرض كلٌّ من الشياطين وجهةَ نظره، واستقر الرأي في النهاية على أن يقوم «أحمد» و«قيس» بمراقبة بيت «برجسكي»، وفي أقل من خمس دقائق، كانت سيارة الشياطين تقطع الطريق إلى حيث شارع «١٠٠٨». وعندما خفض «قيس» سرعة السيارة، وهو يقترب من الشارع، همس «أحمد» فجأة: انظر، إن «برجسكي» يغادر بيته!
نظر «قيس» إلى بيت «برجسكي»، الذي كان يغادر بيته في سرعة تكاد تصل إلى حد الجري، تبعه «قيس» بالسيارة عن بعد. فجأة، ظهرت سيارة «بويك» خضراء، توقفت بجواره، فركبها، ثم انطلقت. أسرع «قيس» خلف السيارة الخضراء، وهمس «أحمد»: لقد كان «رشيد» محقًّا في وجهة نظره، إن السباق حول «برجسكي» شديد.
ظلت السيارة في طريقها، لكنها توقفت فجأة، وانحرفت في شارع جانبي، تبعها «قيس»، وعندما كانت تقف عند مبنى متوسط الارتفاع، كان «قيس» يقف عند بداية الشارع مراقبًا لها. في لحظة، فُتِحت السيارة، ثم نزل منها «برجسكي» واختفى داخل المبنى، لكنه لم يكَد يخطو خطوة واحدة داخله، حتى دوت طلقة لها صوت مكتوم. كانت الطلقة صادرة من السيارة نفسها التي أقلَّته، حتى إن «أحمد» قال في دهشة: هناك عميل مزدوج، فكيف تنقله السيارة، وكيف تُطلق النار عليه!
إلا أن السيارة التي أقلَّته كانت قد اختفت. أسرع «أحمد» جريًا إلى المبنى، وعندما دخله، كان «برجسكي» يرقد على الأرض. انحنى فوقه حتى يرى إصابته، ولحسن الحظ كانت إصابته لا تُذكر، إلا أن «برجسكي» أُغميَ عليه نتيجة صدمة عصبية، أخرج «أحمد» زجاجة بها سائل خاص، ثم قرَّبها من أنف «برجسكي». كان السائل له رائحة نفاذة، جعلت «برجسكي» يُفيق بسرعة، وينظر إلى «أحمد» في حدة صارخًا: ماذا تريد؟
ابتسم «أحمد» وحاول أن يشرح له ما حدث، إلا أن «برجسكي» صرخ: أنت واحد منهم! ثم جرى إلى سُلَّم المبنى، وصعده جريًا. ابتسم «أحمد»، ثم غادر المبنى إلى حيث كان «قيس» قد اقترب بالسيارة. نظر إلى «أحمد» مستفهمًا، فابتسم «أحمد» قائلًا: لا بأس. سوف نعرف الآن!
أدار مؤشر جهاز الاستقبال في السيارة، حتى نقطة معينة، ثم بدأ يستمع. جاء صوت يقول: هل أنت مصاب؟!
قال «برجسكي»: نعم. كانت هناك محاولة للتخلص مني، لكنها لم تحقق نتيجة!
نظر «قيس» إلى «أحمد»، قائلًا: ماذا حدث؟
شرح له «أحمد» بسرعة ما حدث، ثم أضاف بعد لحظة: لقد وضعت في جيب جاكتة «برجسكي» أحد أجهزتنا، إنه منذ الآن تحت سيطرتنا، ما لم يخلع الجاكت.
بدأ الاثنان يستمعان للحوار الذي كان يدور بين «برجسكي» والآخرين.
صوت يقول: أعرف أن هناك جهات اتصلت بك!
برجسكي: لماذا؟
الصوت: لتدخل لعبة الذهب!
برجسكي: حتى الآن، لا أحد.
الصوت: أمامنا صفقة ضخمة، تحتاج إلى جهودك.
برجسكي: فلنتحدث!
لحظة صمت، ثم: مائتا طن من الذهب.
برجسكي: أين؟
الصوت: في «بومباي».
برجسكي: والمطلوب.
الصوت: أن تتم الصفقة.
برجسكي: والأتعاب؟
الصوت: نصف دولار عن الأوقية.
لحظة صمت، ثم يقول «برجسكي»: سآخذ دولارًا، ودون أن نضيع وقتًا، متى الرحيل؟
صوت ضحكة قوية ثم: أنت رجل عملي، اسمع، هناك طائرة خاصة جاهزة الآن للرحيل. حدِّد أنت الموعد!
برجسكي: الليلة، في العاشرة.
الصوت: اتفقنا. سوف يمر عليك أحد رجالي في التاسعة والنصف، لينقلك إلى مطار خاص، خارج «هيوستن».
توقف الحوار لحظة، ثم قال «برجسكي»: إنني في الانتظار!
وضح أن «برجسكي» قد تحرَّك من مكانه.
قال «أحمد» إنه لم يتحدث عن حادثة الاعتداء عليه!
رد «قيس»: إنه يعرف أن الحديث عنها لن يصل إلى نتيجة.
تركَّزَت عيونُهما على باب المبنى، كان «أحمد» يفكر: إن هذه مسألة غامضة تمامًا.
نظر إلى «قيس» وقال: هل يمكن أن يرحل «برجسكي» الليلة، وهناك اتفاق بينه وبين «بيرو» على نفس كمية الذهب، ومع نفس الرجل، وفي نفس المكان.
قطع كلامَ «أحمد» صوتُ الرجل يقول: سوف تجد في الطائرة كلَّ تفاصيل العملية والعنوان.
مرت دقائق، ثم ظهر «برجسكي» على الباب. فجأة، ظهرت السيارة الخضراء، إلا أن «قيس» قال: إنها ليست هي!
اقتربت السيارة من «برجسكي»، فأضاف «قيس»: إن الأرقام مختلفة! … ركب «برجسكي»، فانطلقت السيارة، وخلفها كان «قيس» قد ضبط سرعته على نفس سرعتها. أخذت السيارة طريقها إلى خارج مدينة «هيوستن»، فقال «أحمد»: هناك لعبة ما! فكر قليلًا، ثم قال: يجب أن ننقذ «برجسكي»، فهو سوف ينتهي إلى الأبد، أو تتم عملية اختطافه!
قال «قيس»: إذن، ينبغي أن ينضمَّ إلينا بقية الشياطين.
قال «أحمد»: هذا ما سوف أفعله.
أرسل رسالة إلى الشياطين، يحدد لهم الاتجاه، ثم قال في النهاية: أنتم تستطيعون معرفة المكان عن طريق جهاز الاستقبال عندكم.
وفي لحظة، جاءه الرد: نحن في الطريق.
خرجت السيارة الخضراء إلى المزارع، لكن فجأة فُتِح باب السيارة، ثم سقط «برجسكي» على الأرض. كان «قيس» ينطلق الآن بسرعة أكبر، حتى إنه كاد يصدم «برجسكي»، في نفس اللحظة التي توقفت فيها السيارة الخضراء ونزل سائقها بسرعة، كان يحمل مسدسًا، إلا أن «أحمد» كان أسرع منه، فقد أخرج مسدسه، وأطلق طلقة، أطارت المسدس من يد السائق. في نفس اللحظة التي كان «قيس» قد أسرع قفزًا إليه، إلا أن السائق كان من السرعة بحيث قفز إلى السيارة وانطلق بها، غير أن «قيس» كان قد لحق بها، وتعلَّق بمؤخرتها، ثم قفز فوقها.
بينما أسرع «أحمد» يجذب «برجسكي» إلى السيارة، وعندما أغلقها بطريقة خاصة، لا يستطيع معها «برجسكي» أن يغادرها، انطلق خلف السيارة الخضراء، التي كان سائقها يحاول أن يوقع «قيس» من فوقها. اقترب «أحمد» أكثر من السيارة، ثم ضغط زرًّا في التابلوه فأطلق شعاعًا خاصًّا، جعل السيارةَ الخضراءَ تتوقف فجأة، حتى إن «قيس» طار في الهواء من أثر الوقوف المفاجئ، لقد أثَّر الإشعاع على الموتور فأوقف عمله تمامًا. وفي لمح البصر كان «أحمد» قد قفز من السيارة، في نفس الوقت الذي كان سائق السيارة الخضراء قد قفز منها في محاولة للهرب، إلا أن «أحمد» طار في الهواء في قفزة واسعة، ثم ضربه بقدمه ضربةً جعلَته ينثني على نفسه، ثم يقع على الأرض وهو يصرخ من الألم.
نظر «أحمد» خلفه، فوجد «قيس» قد ركب سيارة الشياطين، واقترب بها. لكن فجأة، تغيَّر كلُّ شيء، كانت هناك مجموعة من السيارات تقترب، وتحاصر المكان. نظر «أحمد» حوله، ثم همس ﻟ «قيس»: إننا أمام معركة رهيبة! قال بعد لحظة: انزل ومعك «برجسكي» حتى نحتميَ بجسم السيارة، فالبقاء داخلها غير مضمون.
في لحظة كان «برجسكي» يتبع «قيس» في هدوء. نظر إلى «أحمد» وقال: إنني أعرف ماذا يدور.
قال «أحمد» مبتسمًا: وأنا أعرف أيضًا.
كان الغروب يقترب فهمس «قيس»: إننا نحتاج بعض الوقت، فالظلام سوف يفيد معركتنا.
فجأة وضع «أحمد» يده على جيبه، حيث جهاز الاستقبال، وابتسم؛ فقد عرف أن هذه رسالة من الشياطين. استقبل الرسالة، ثم همس: لقد تغير الموقف، إن الشياطين يحاصرونهم.
لمعَت عينَا «قيس» في نفس اللحظة التي قال فيها «برجسكي»: أقترح تسليمي لهم، حتى تخرجَا من هذا الموقف المحرج!
قال «أحمد»: مهمتنا إنقاذك فنحن نعرف قيمتك العلمية.
ضحك «برجسكي»، ثم قال: إنقاذي لتسليمي لمن؟
تردَّد صوت في الفضاء: يجب أن تستسلموا حتى لا نضطرَّ للقضاء عليكم!
قال «أحمد»: أنت لا تعرفنا يا سيد «برجسكي»، لكننا نعرف كل شيء عنك وعن السيد «شولوف».
ظهرت الدهشة على وجه «برجسكي»، ثم ظهر الفزع على وجهه أيضًا، وهمس: ماذا تريدان إذن؟
قال «أحمد»: نريد أن نعطيَك الفرصة لتُكملَ أبحاثك في أمان.
نظر «برجسكي» إليهما بشك، ولم ينطق … بينما تردد الصوت من جديد: يجب أن يكون هناك اتفاق بيننا، ﻓ «برجسكي» ملكنا جميعًا.
لم يكَد ينتهي الصوت، حتى كانت طلقات الرصاص تنزل كالمطر فوق السيارات التي تحاصر «أحمد» و«قيس»، فقد بدأ الشياطين هجومهم.