الحقيقة التي أخفاها الشياطين!
توقَّف إطلاق النار عند السيارات، واختفى الرجال أسفلها. في نفس الوقت كان «أحمد» يفكر في طريقة لتطويقهم، فمن الواضح أنهم أكثر عددًا، بل إنهم يمكن أن يستدعوا آخرين. أرسل رسالة سريعة إلى الشياطين يطلب منهم وقْفَ إطلاق النار. مرَّت دقائق صامتة تمامًا. فجأة تردد الصوت من جديد: يجب أن نتفق أن «برجسكي» ملكنا جميعًا، بدلًا من الصراع الذي يمكن أن نخسر فيه أنفسنا أو رجالنا، فيجب أن نتفق.
فكر «أحمد» قليلًا، ثم تحدث إلى «قيس» بلغة الشياطين: أفكر في أن تتفق معهم، ثم تكون لنا معركتنا الأخيرة.
رد «قيس»: إنها مغامرة!
قال «أحمد»: لا أريد أن يستمر حديث المسدسات؛ فحديث الأيدي أكثر هدوءًا.
ابتسم «قيس» وقال: هذه لغة طيبة؛ إن حديث المسدسات له ضجيج مرتفع.
مرَّت لحظة، جاءت فيها رسالة من الشياطين: ما هي خطوتنا القادمة؟
ردَّ «أحمد»: سوف نتفق معهم، تقدموا عند الإشارة بالسرعة «م».
فجأة، قال «أحمد»: إذن نتفق.
رد الصوت: وما هي الإشارة؟
قال «أحمد»: يخرج واحد منكم وواحد منَّا بلا مسدسات ويتم الاتفاق.
مرت لحظة صمت قبل أن يقول الصوت: هذا حسن أن يكون اتفاقًا وليس خدعة!
قال «أحمد»: ونحن أيضًا.
رد الصوت: سوف نعدُّ ثلاثة، ثم يتقدم المندوبان.
رد «أحمد»: موافقون.
بدأ الصوت يعدُّ: واحد، اثنان، ثلاثة.
قال «أحمد»: تقدَّم يا «قيس» عشر خطوات فقط.
ثم صاح: عشر خطوات فقط.
تحرك «قيس» بينما كان «أحمد» يتابع خطوات «قيس»، وهو يحسب لكل خطوة حسابها، لقد قَدَّر أنهم سوف لا يُطلقون النار؛ لأنهم يريدون «برجسكي»، لكنه فكر في نفس الوقت أنهم قد يبدءون هجومًا غير متوقع، وقد يستدعون آخرين، لكنه مع ذلك لم يتراجع؛ فالمغامرة لا بد أن تتم. كان «قيس» قد تقدَّم خمس خطوات. في نفس الوقت كان الآخر قد تقدَّم نفس الخطوات أيضًا، وكان الاثنان يبدوان كشبحَين في الليل. وعندما انتهت الخطوات العشر، كان الاثنان لا يزالان بعيدَين. جاء الصوت: عشر خطوات أخرى!
رد «أحمد»: لا بأس.
بدأت الخطوات من جديد. فجأة دوت طلقة نارية، ثم سقط الرجل، وبعده مباشرة سقط «قيس». صرخ الصوت: إننا لم نتفق، لقد قمتم بخدعة.
صمت «أحمد» قليلًا، لقد عرف أن الطلق الناري لم يصدر عنهم كما لم يصدر عن الشياطين.
قال في نفسه: هل أصاب الطلقُ الناري «قيس»!
قال الصوت: لماذا لا تردُّون؟
فكر «أحمد» بسرعة: هل يقول لهم إن هناك جانبًا ثالثًا قد دخل المعركة فجأة.
رد: إن الطلق الناري ليس من عندنا.
رد الصوت: مَن الذي أطلقه إذا كنَّا لم نُطلقه.
فكَّر مرة أخرى: إننا يمكن أن نشهد معركة جيدة، ثم نتدخل في النهاية، أو … نتركها مستمرة ونرحل.
قال بصوت مرتفع: انظروا في اتجاه الغرب جيدًا.
سدَّد مسدسه عند نقطة معينة، ثم أطلق خمس طلقات متتالية، وانبطح أرضًا. فجأة انهالت عليه الطلقات من جهة الغرب كما حدد. قال الصوت: هناك جديد في المكان!
فجأة سمع «أحمد» مَن يقترب. ومن خلال دقات معروفة للشياطين عرف أنه «قيس».
سأله بسرعة: ماذا حدث؟
قال «قيس»: لقد سقط الرجل. ولو لم ينبطح أرضًا لكنتُ قد سقطت أنا الآخر.
ابتسم «أحمد» وقال: لقد فكرت في هذا فعلًا عندما سقطتما معًا.
سكت لحظة … ثم همس: يجب أن ننسحب بعيدًا عن مكاننا؛ فثمة هجوم مسلَّح سوف يقع الآن.
أمسك بيد «برجسكي»، ثم انسحبوا بعيدًا، في نفس اللحظة التي بدأ فيها فعلًا كما توقَّع «أحمد» هجوم الطلقات. أرسل رسالة إلى الشياطين يطلب منهم الانضمام إلى النقطة «ك».
وعندما وصلوا، ظلوا جميعًا يرقبون المعركة النيرانية العنيفة بين الطرفين، لكن شيئًا فشيئًا بدأت المعركة تهدأ، حتى توقَّفت تمامًا في الطرف الغربي … فقد انهزم.
فجأة، قال صوت مرتفع: والآن، فلنبدأ اتفاقنا، فليتقدم مندوبكم عشر خطوات، ثم عشر أخرى بعد نصف دقيقة.
رد «أحمد» موافقون.
أشار ﻟ «قيس» أن يتحرك بسرعة حتى يختصر المسافة التي انسحبوا إليها. وفي نفس اللحظة كان الشياطين يتحركون في اتجاه «قيس» حتى يكونوا على مقربة منه. انتهت الخطوات العشر الأولى فتوقف «قيس». كان «أحمد» يرقبه وهو يظهر كالشبح، لكنه يعرف خطوته وطريقة مشيته. نصف دقيقة ثم تحرك «قيس» عشر خطوات أخرى، حتى إذا انتهت أصبح بينه وبين الرجل الآخر خمس خطوات. بدأ الرجل الكلام، قال: هل تبيعون «برجسكي»؟!
ابتسم «أحمد» الذي كان يستمع للحديث عن بُعد؛ فقد كان «قيس» يحمل جهازَ إرسال مفتوح، فيرسل ما يتردد إلى جهاز الاستقبال الذي يحمله «أحمد» فيسمع كل ما يدور.
قال «قيس»: لا أظن أننا نبيعه.
الرجل: هل نشترك فيه؟
قيس: هذا أقرب إلى العقل.
الرجل: وماذا تقترحون حتى نبدأ اتفاق الشركة؟
مضَت لحظةُ صمت، ثم قال «قيس»: أعود إلى الزعيم ثم نجتمع مرة أخرى.
فردَّ الرجل: موافق.
انسحب «قيس» في نفس الوقت الذي انسحب الرجل فيه أيضًا.
وعندما انضم إلى الشياطين قال «أحمد»: لا بد أن نضرب ضربتنا هذه المرة، سوف نتفق على الشركة فقط. استغرق بعض الوقت، ونحن سوف ندور حولهم، بينما أنت تحاوره في الشركة حول «برجسكي»، وعندما تصلك الإشارة، عليك أن تقضيَ عليه، وسوف يتم ذلك في لحظة واحدة. ظل الشياطين في مكانهم، بينما كان «برجسكي» ينظر إليهم دون أن يفهم شيئًا؛ لأنهم كانوا يتحدثون بلغتهم التي لا يعرفها أحد غيرهم. فجأة جاء الصوت: هل أنت مستعد؟
رد «أحمد»: نعم، إنه سوف يبدأ، سوف أعدُّ ثلاثة، ثم يبدأ التحرك.
عدَّ «أحمد»: واحد، اثنان، ثلاثة.
بدأ «قيس» يتحرك في نفس اللحظة التي بدأ الشياطين فيها تحرُّكَهم؛ فقد كانت الحشائش التي تغطي المكان كافية لتخفيهم جيدًا. في نفس الوقت كان «أحمد» منصتًا لجهاز الاستقبال حتى يسمع الحوار الذي يدور. كان الشياطين قد تحركوا في شكل نصف دائرة تنتهي عند المجموعة الأخرى. وعندما بدأ الحوار، كان الشياطين قد قطعوا نصف المساقة تقريبًا.
قال الرجل: هل اتفقتم؟
قيس: نعم.
الرجل: قدم الاتفاق.
قيس: هل أعددتم أنتم اتفاقًا أيضًا؟
الرجل: نعم. فقط أن تعرضوا اتفاقكم أولًا.
قيس: من حقنا أن نعرف اتفاقكم أنتم في البداية، ﻓ «برجسكي» تحت أيدينا.
صمت الرجل قليلًا مفكرًا، في نفس الوقت الذي كان «أحمد» يبتسم؛ لأنه يعرف أن «قيس» يكسب الوقت. قال الرجل أخيرًا: إننا نقترح أن نُقيم شركة بيننا وبينكم مناصفةً، ونشرف معًا على أبحاث «برجسكي» في اختراع الذهب.
قيس: هذا الاتفاق في صالحكم، وليس في صالحنا، ﻓ «برجسكي» معنا، وهذا يعني أننا أصحاب الكفة الأرجح. إنكم سوف يكون لكم عشرون في المائة فقط، ونحن لنا ثمانون في المائة!
الرجل: هذا يجعلنا نعود للصراع مرة أخرى!
سكت «قيس» لحظة، ثم قال: هل تستشير زعيمكم؟
الرجل: إنني الزعيم.
أخفى «قيس» ابتسامة، وقال: إذن أيها الزعيم، إن عشرين في المائة يمكن أن نرفعها إلى الربع، أعني خمسة وعشرين في المائة … ماذا قلت؟
سكت الزعيم قليلًا، وعندما بدأ يتحدث، كانت الإشارة قد وصلت إلى «قيس». وفي لمح البصر كان قد قفز إلى الزعيم، ووجَّه له لكمة شديدة أطارَته في الهواء. وقبل أن يتمالك نفسه، كان «قيس» يتابعه بلكمات متوالية. في نفس الوقت كان الشياطين قد بدءوا معركتهم، طاروا دفعة واحدة، ونزلوا فوق المجموعة التي كانت تجلس فوق السيارات في انتظار انتهاء حديث «قيس».
ضرب «أحمد» اثنين معًا بقدمَيه، فانطرحَا على الأرض. في الوقت الذي سدَّد فيه «عثمان» ضربة إلى أقرب رجل إليه، فسقط على الأرض. بينما كانت «إلهام» تضرب رجلًا آخر، حتى إنه نظر إليها مذهولًا، ضربَته بقدمها، فسقط يتلوَّى على الأرض، وعندما اعتدلت شاهدت أحدهم يسدد لكمة قوية إلى «رشيد» فطارت في الهواء، وتعلقت بذراعه، فسدَّد «رشيد» اللكمة إلى الرجل، فترنح وسقط، بينما كان «بو عمير» قد اشتبك مع اثنين معًا، كان يدور في الهواء، وهو يضرب الأول، ثم الثاني في سرعة مذهلة. أما «خالد» فكان يطارد أحدهم، بعد أن أسرع بالفرار، طار في الهواء، ثم سقط فوقه، فأوقعه على الأرض، جذبه في عنف، وسدَّد له ضربة جعلت الرجل يصرخ، إلا أن آخر كان قد نزل ﺑ «كعب» مسدسه فوق رأس «خالد» الذي أحس بعنف الضربة، غير أن «أحمد» كان قد قفز خلف الرجل، وعاجله بضربة، جعلَته يدور حول نفسه، ثم أسرع إلى «خالد»، الذي كان لا يزال يهزُّ رأسه تخفيفًا للألم، وقال: خذ حذرك.
كان أحدهم قد طار في الهواء، وهو يوجِّه ضربة إلى «أحمد»، إلا أن تحذير «خالد» جاء في الوقت المناسب؛ فقد أمسك «أحمد» بقدَم الرجل بين يديه في سرعة مذهلة، جعلت الرجل يسقط مغشيًّا عليه، استدار «أحمد» عائدًا إلى المعركة إلا أنه وجدها تكاد تنتهي.
كانت «إلهام» ترفع أحدهم في الهواء في حركة بارعة، ثم تتلقاه بين ذراعَيها ثم ترمي به إلى الأرض. في نفس الوقت الذي وقف فيه «رشيد» وهو ينظر نظرة حادة بعد أن فرغ من ضرب آخر … في نفس اللحظة كان «قيس» يقترب وهو يسوق أمامه زعيمهم. نظر «أحمد» إليه مبتسمًا، إلا أن الدهشة ملأت وجهه، لقد اختفى «برجسكي». في سرعة كانت عيناه كعينَي صقر ترقب الأفق من جميع الاتجاهات، ثم ظهرت على وجهه ابتسامة؛ فقد رأى «برجسكي» يجري بعيدًا كخيال وسط النباتات. وفي سرعة البرق كان يقطع المسافة في خفة حتى أصبح بينه وبين «برجسكي» خطوات، فقفز في الهواء، وسقط فوقه. وعندما كانَا معًا على الأرض، قال له مبتسمًا: إلى أين أيها السيد «برجسكي» أنت هدية ثمينة، نريد أن نُلقِّنها، ونُلقِّن الآخرين درسًا!
نظر له «برجسكي» مبتسمًا في تردد وهو يقول بصوت مرتجف: كنت أخشى، أن أُصابَ في المعركة!
ابتسم «أحمد» وقال: أيمكن أن تُصاب وأنت معنا؟
جذبه من ذراعه، إلا أن «برجسكي»، كان قويًّا، فقد جذب «أحمد»، وفي رشاقة كان ينثني كثعبان، ثم يقفز فوق «أحمد» الذي كان مستعدًّا له، فقد تراجع بسرعة، جعلت «برجسكي» ينزل على الأرض مهتزًّا.
قال «أحمد»: كنت أظن أنك بارع في الخداع فقط، لكنك بارع أيضًا في الصراع.
وقبل أن يستعد «برجسكي»، كان «أحمد» قد سدد له ضربة، جعلته يترنح. وفي خفة كان قد أمسك به، وهو يقول: من الصعب أن تخدعنا.
ساق «برجسكي» أمامه، إلى حيث كان الشياطين ينتظرون. وعندما أصبح بينهم قال: أنت مخادع عظيم، ونحن نعرف ذلك من البداية، لقد خدعت الجميع، على أنك قد توصلت إلى تركيب عناصر للذهب، وأنت في الحقيقة لم تَصِل إلى شيء.
وأستاذك «شولوف» انتهى بتأثير السم البطيء الذي وضعتَه له. أما ذهب «جي لال»، فهو خدعة أخرى، كنت ستقوم بها لتخدع تاجر الذهب العربي، الذي كان ينتظرك على شاطئ بحر العرب بعد ثلاثة أيام.
كان «برجسكي» ينظر إلى «أحمد» مذهولًا مما يسمع؛ فلم يكن يتصور أن هذه المعلومات يمكن أن تكون عنده، بينما كان الشياطين يبتسمون في هدوء لأنهم كانوا يعرفون ذلك كله، وقد تركوا الإشاعات تتردد في العالم وبين العصابات حتى يقبضوا على المخادع الأول «برجسكي».
دفعَه «أحمد» إلى سيارة الشياطين، ثم أرسل رسالة إلى رقم «صفر»، يقول: «برجسكي» بين أيدينا!
وجاءه الرد: سلِّموه للشرطة الدولية، واستمتعوا بإجازة طيبة.
وعندما انطلقت السيارة عائدة إلى «هيوستن» كان معظم الليل قد انقضى، فسارت السيارة في هدوء، فقد انتهت المغامرة، ووقع «صانع الذهب».