الفصل الأول
في قصر علي بك الكبير
(حجرة من القصر واسعة فخمة على الطراز الشرقي، مفروشة بنفيس الطنافس، قد نُثِرَتْ
فيها
الوسائد والصفف وزُيِّنَ سقفها بثريات الزجاج الملون المشكل وركزت في زوايا أرضها
الشمعدانات الكبيرة …)
(جلس هناك في انتظار علي بك الكبير مصطفى اليسرجي (الجلاب) ومعه ثلاث فتيات شركسيات
(آمال) و(شمس) و(زكية) وشاب شركسي اسمه عشاق من جنسهن وقرابتهن وأم محمود الماشطة)
زكية
:
يا أمَّ محمود تلك دنيا
وهكذا فَلْتَكُ القُصورُ
وهكذا شمس في الليالي
تُنزل هالاتِها البدورُ
قصرٌ سماواتُهُ الثُّرَيَّا
وأرضه الوشيُ والحريرُ
أم محمود
:
ونحنُ يا شمس نحن بؤسٌ
بيوتُنا الجِصُّ والحَصيرُ
نُنْقَلُ من حُفرةٍ لِلَحْدٍ
تساوت الدورُ والقبورُ
شمس
:
يا أم محمود خبِّريني
أها هنا ينزلُ الأميرُ
شمس
:
والطيبُ يا أمُّ لم تَشُمِّي
النَّدُّ والمسكُ والعبيرُ
مصطفى
:
لا تعجبي هم ملوكُ مصرٍ
دنياهُمُو الطيبُ والبخورُ
زكية
:
وما الأميرُ يا يسر
جي ما له من العُمُر
مصطفى
:
قد جاوز الشبابَ إلَّا
أنه كهلٌ نضر
أم محمود الماشطة
:
ما بلدُ العزِّ غير مصرٍ
كيف طَعمتُنَّ يا بناتُ
شمس
:
طعامُ شاهٍ طعامُ عُرس
لم يَرو أمثالَه الرواةُ
ما القصرُ ما الفرشُ ما الأواني
ما الأكلُ ما الشربُ ما الطهاةُ
مصطفى
:
هذا هو المُلكُ مُلكُ مصر
وهكذا الحظُّ والهباتُ
وأنتِ آمالُ؟
آمال
:
خلِّياني
ما تلك إلا خُزَعبلاتُ
القصرُ كوخي على جبال
جلِّلهَا الثلجُ والنباتُ
إذا عوى الذئبُ من مكانٍ
أجابَه الكلبُ والرُّعاة
زكية
:
أجل حنَنَّا للجبال الشيبِ
وللشتاء القارس العصيب
وكلِّ راعٍ واقفٍ للذيب
أمَّن خوفَ الحمَل الرعيب
تلمحه كالعلمِ المنصوبٍ
والوعل في الجيئة والذهوب
والدَّيْدُبان في فم الدروب
مصطفى
:
بخٍ بخٍ مرْحَى
يا كوْمَةَ الشحمِ
يا جَزْر بلُّوطٍ
لكن من اللحم
أم محمود
:
أعرفت يا جلاب أنك
جئت بالحمل الثقيل
عن تلك كان لنا غِنًى
ما تلك إلا سقط فيل
مصطفى
:
يا أمَّ محمودَ اقصدي
لكل سلعةٍ ثمن
إن سَرَاةَ الناس في
مصرَ يحبون السِّمَنْ
وهذه الكَوْمَةُ فيـ
ـها سِمَنٌ لكن حَسَنْ
(يسمع أذان العصر بصوت شجي من محراب في دار الإمارة فتلتفت شمس بأم
محمود وتقول):
شمس
:
ما هذه الرنَّهْ
في قبة القصر
زكية
:
صوت من الجنَّهْ
يهتف بالعصر
أم محمود
:
ما زالت السُّنَّهْ
والبِرُّ في مصر
يا رب أيِّدْها
بالعز والنصر
شمس
(لعشاق)
:
قم غنِّ يا عشَّاق
أغنية المعَّاز
وناجِ بالأشواق
أحبَّة القوقاز
عشاق
(يغني)
:
كوخ وراءَ الجبالِ
مُكلَّسٌ بالجليد
فديتُه لا أبالي
بكل قصرٍ مَشيد
ما مرَّ يومًا ببالي
إلا بللتُ خدودي
•••
يا منزل القوقازِ
عِم من بعيد صباحَا
لمعتَ لمعةَ بازي
في الجوِّ سلَّ الجناحَا
سلِّم على المعَّاز
إذا غدا أو راحَا
•••
وقل له يا راعي
في الناي هات الأنينا
اسمع على البعد راعِ
صوتًا من الغائبينا
هل أنت للعهد راعِ
أم قد تركت الحنينا
(بعد صمت وإطراق من الجميع)
أم محمود
(للبنات)
:
تعالين بنات الشر
كس الغيدَ تعالَيْنَا
أم محمود
:
تعاليْنَ
تَزِدْكُنَّ يدي زيْنَا
فلا أتركُ لا شعْرا
ولا خدًّا ولا عيْنَا
أم محمود
(لشمس)
:
تعالي أيها الشقرا
وهاتي شعرك التبري
هَلُمِّي اقتربي مني
وألقي الرأسَ في حجري
غدًا يأخُذُك الشاري
وما تدرينَ من يَشري
أم محمود
(لآمال)
:
تعالَيْ أيها السمرا
فإن الخيرَ في السُّمْر
أشَعرٌ ذاك آمالُ
أم الليلُ إذا يَسْري
قضاك اللهُ للوالي
أو الحاكِم في مصرِ
آمال
(في غضب)
:
دعيني مرأةَ السوءِ
دعيني بومَةَ الشرِّ
قضاك الله للجوع
وللسجنِ وللقبرِ
أم محمود
(لمصطفى)
:
يا سيدي النخاس هذه ضَبُعْ
فارجعْ بها لا تَشرها ولا تبعْ
إلا إذا ساومَنا فيها سَبعْ
آمال
:
لا، لا أحب الفضولا
عليَّ ثوب جمال
ما احتاج يومًا ذيولا
شمس
:
ما الخطب؟ ممَّ غضبتْ آمالُ؟
أم محمود
:
غبِيَّةٌ ما عَرَفتْ ما المالُ
مصطفى
:
ميلي إليها وخُذي
فيما يُسرِّي همَّها
آمال
:
بل الحقُّ معي وحدي
وأنتُنَّ الغبيَّات
سوامٌ نحنُ أم نحنُ
نُفوسٌ آدمياتُ
أم محمود
(لزكية)
:
وأنت يا ضخمةُ يا بدينهْ
يا محملًا يخطُرُ بالمدينهْ
قومي إليَّ أقبلي للزينهْ
رُزقت عمدة بلا قرينهْ
ثروته في داره دفينهْ
يطلب منَّا امرأة سمينهْ
مصطفى
:
يا أمَّ محمودَ أرَى
آمالَ جِدَّ مُغْضَبَهْ
هائجة صاخبة
ثائرة مُقَطَّبَهْ
في وجهها تكاد تبدو
نفسها المعذَّبهْ
(مصطفى لآمال):
آمال بنتي استريحي
وقللي التفكيرا
لا تحملي هَمَّ شيء
دعي ليَ التدبيرا
عساي أغنم ملكًا
أو أستفيد أميرا
فتحكمين بمصرٍ
وتنزلين القصورا
مُلْكُ الجمال كبيرٌ
زيديه مُلْكًا كبيرا
صوني جمالَك هذا
عن أن يعيش فقيرا
آمال
:
يا أبي ما تريد بي
أنت تلهو وتلعب
مَلكةٌ أو أميرةٌ
أبهذا أُلَقَّب
حُلُم ثم ينقضي
وأمانيُّ تكذبُ
كيف تسمو إلى العلا
ابنةٌ باعَها الأبُ
(ثم مستمرة):
أبي، تاجرْ كما شئت
وكيف أردت فاحترفِ
ولكن لا تَرُم ثمني
ولا في هذه الغرَفِ
فبيعُ الجنس فاحشةٌ
أليسَ كذلكَ اعترف
أبي، شرفٌ على فقر
ولا فقر إلى الشرف
مصطفى
(لنفسه)
:
يا مالُ ما فيكَ من سحرٍ ومن خطر
لقد نزلت بنا عن رتبة البشر
تاجرت بالجنس حتى صار محتقرًا
عند الشعوب وما جنسي بمحتقرِ
ذهبتُ بالشركس الآساد أعرضهم
عرض الرعاة صغَارَ الشاءِ والبقر
لولاكَ ما بعتُ أطفالي، فما كبدي
من الحديد ولا قلبي من الحجر
(مصطفى يُقبل على آمال):
طفلةٌ آمالُ أنت
أنت ما تدرينَ شيَّا
ها هنا الدنيا ومُلكٌ
لك في الدنيا تَهَيَّا
آمال
:
خلِّ عنك الْملك والقصـ
ـر ولا تذكر عليَّا
إن ما تصنعُ بي قد
بغَّض الدنيا إليَّا
(ثم لنفسها):
ربِّ جنِّبني شبابَ ذا البلد
لا يُصبني منهمو ربِّ أحد
لي أخٌ في أرض مصر باعه
والدي لم يخشَ من بيْع الولد
ركب الآفاق فرخًا ما له
من جناح الأب والأم سند
فجعَ القريةَ فيه وسقَى
أُمَّه الثُّكلَ فماتت بالكمد
لستُ أنسى عبرات إثره
قد جَرَت شيَّعنه حتى ابتعد
وهو يومي بيدٍ من رقةٍ
وأبي من غضبٍ يومي بيد
ربِّ ما صارَ إلى أينَ انتَهَى
أهو في الخيل لواءٌ أم وتَد
يوسف المسجُود في مصرَ له
أم من الجوع ليوسف سَجَدْ
زكية
:
وأين بنو السلطان؟ لم لا نراهمو
أليس له ابن يغتدي ويروح
يرفُّ الشباب الغض من طيلسانه
وينفح ريحان الصبا ويفوح
شمس
:
فلا خير في دارٍ إذا لم يطف بها
نسيم شباب أو شعاع جمال
ولا خير في روضٍ بغير بَهارةٍ
ولا خير في قاع بغير غزال
زكية
:
لله ما أحلى اللقب!
ففيه رنة الذهب
مصطفى
:
متبنَّى الأمير والمتبنَّو
ن بهذي البلاد كالأبناء
نعتوه لنا فقالوا أميرٌ
أرْيحيٌّ من صفوة الأمراء
تغدق الألسن المديح عليه
وتفيض الشفاه حسن الثناء
مَلكٌ سابقٌ إلى كلِّ فضلٍ
نابغ الغرس عبقريُّ البناء
(ثم مستمرًّا):
وأنت يا أم محمو
د ما الذي تعلمينا؟
أم محمود
:
محمدٌ ليس برًّا
ولا وفيًّا أمينَا
بالأمس عقَّ أباهُ
فكان شرَّ البنينا
واليوم يشهر حربًا
على الأمير زَبونا
وأما أخوه
أم محمود
:
أجل، وهو أيضًا لم يلده أبوه
زكية
:
إذن فعليٌّ والد الناس كلهم
وكل شباب الضفتين بنوه
وكيف الفتى يا أم محمود؟ ما اسمه؟
أم محمود
:
غلام وضيءُ المفرقين جواد
رأيتنَّه مثلي تذكرنَ ساعة رأيناه
أم محمود
:
(أم محمود لآمال)
آمال
:
ما ذاكِ يا أم اذكري ما ذاكِ؟
أم محمود
:
الحظ يا بنتاه قد أعطاك
عُشقت عشقًا سوفَ يُروى في السِّيَرْ
عشقٌ له في مصرَ والشرق خَطَرْ
وعاشق عالي السناء كالقمرْ
آمال
:
يا أم محمود هُدِيت.. ما الخبرْ؟
أم محمود
:
عجيب! ألا يعني النساءَ مُرادُ؟!
فتًى عَلمٌ في مصر، في الشرق كله
نبيل كأبناء الملوك جواد
يُحبُّ عَليًّا جهدَه ويُحبُّه
عليُّ فبين السيديْن وداد
كأني به نال الولاية وانتهت
إليه أمورٌ في غد وبلاد
يُحبُّك يا آمالُ حُبًّا مُبرِّحًا
على مثله ما انضمَّ قطُّ فؤاد
زكية
:
ذاكَ الخفيفُ كالقنا
ة والوضيءُ كالقَمَرْ
أتى لنا أمس فما
اختص سواك بالنظرْ
آمال
:
عرفتُه ذاكَ الوَقَاحُ
في دعابة الهذرْ
ذاكَ الذي قلَّبنا
أمس كتقليب الحُصُرْ
شمس
:
وكنت أنت قِبلة الـ
ـلحظ وموضع الفكَرْ
أم محمود
:
وأنت كنت وزكيـ
ـة الحصير المحتقَرْ
آمال
:
أوَذاكَ الذي تقولين يهواني
أم محمود
:
أجل وهو أرفع الناس قدرًا
هُسِّي صهٍ هُس انظرا
ها هو ذا قد حضرا
(يدخل مراد بك)
مراد بك
(عند الباب لنفسه)
:
ويحَ لي رب ما أرى أمُّ محمـ
ـودَ إلهي وهذه آمالُ
هي في القصر كيف جاءت إليه
كيف وافاه مصطفى المحتال
أتُراها قد حازها لعليٍّ
جبر الجاه واحتواها المالُ
كيفَ هل بعدُ في فؤاد عليٍّ
موضعٌ يحتوي عليه الجمالُ
ربِّ ما لي أهابُها كلما قمتُ
وما لي يرُدُّني الإجلالُ
وأنا الذئبُ لم تُسلَّط على قلبي
مَهَاةٌ ولم يُسيْطر غزالُ
(ثم لأم محمود ومن معها):
سلامٌ أمَّ محمود
سلامٌ يا بُنَيَّاتي
مراد بك
(ويشير إلى آمال)
:
أمَّ محمود ما لها
ما لتلك المحببهْ
مراد بك
:
لقيتني فلم تَقُم
بلقائي مُرَحِّبَهْ
ما لَها اليوم مثل عهـ
ـدي بها أمس مُغْضَبهْ
أم محمود
:
سيدي قد ظلَمتَها
إن ابنتي مُهَذَّبَهْ
غير أني وجدتُها
مُذ بدا الصبح مُتعَبَهْ
شمس
:
معذرة يا سيدي
لأختيَ المعذَّبَهْ
نحنُ النهارَ كلَّه
كالسلع المقلَّبَهْ
مصطفى
(في ناحية وحده)
:
(لنفسه):
أهذا مراد؟
وَيْحَهُ ما أضلَّه فيمَ جاءَ
مراد بك
:
مصطفى هل نسيتَ أنَّا التَقَيْنَا
عند سوق الرقيق أمس مساءَ
مصطفى
:
سيدي ما نسيت واليوم نستأ
نف في حجرة الأمير اللقاءَ
مصطفى
:
ترجيها إلى أن يرى الأمير الظباءَ
مراد بك
:
ويحَكَ هل يملكُ الرقيقُ الإباءَ
آمال
:
سيدي مَنْ عنيْتَ؟ قل لي بمن عَرَّضت؟
آمال
:
وغدٌ سيدي عليه غطاءٌ
أترى عن غد كشفتَ الغطاءَ
مراد بك
:
قُمْ مصطفى، هذه الحسناء تُعجبُني
أليس يكفيك فيها ألف دينار
مراد بك
:
إذن تأتيك كاملة
فاخرج ببنتك واحملها إلى داري
آمال
:
أبي أبي أنت تمضي بي وتحملني
كالشاة! هذا لعمري أعظم العار
آمال
:
قف أنت عبد المال يا أبتي
تُلقي البريءَ لأجل المال في النار
لا سيدي، لا أبي، لا تذكرا ثمنًا
فلست مخلوقة للبائع الشاري
مصطفى
(لنفسه)
:
رباه أعظم من وجدي ومن شفقي
على ابنتي اليوم إعجابي وإكباري
وأنتَ تعلم والأفعالُ شاهدةٌ
أن ابنتي حُرَّةٌ من نسل أحرار
يا ألفُ سحقًا ويا مالُ امض من سُبُلي
تقطعت منك أسبابي وأوطاري
(ثم لآمال):
آمال هَيِّ اذكري لي كيف أدفعه
(ثم لنفسه):
ماذا أقولُ فإني لستُ بالداري
آمال
:
أبي أما نحن في دار الأمير (علي)
إني لجارةُ حُرٍّ مانع الجار
لا أبرح القصر إلا عن مشيئته
فحُكمُه هو فيَّ النافذ الجاري
مراد بك
:
ويحَ لي قد رُددتُ أقبَح رَدٍّ
وأبَتْ أن تُجيبني الحسناءُ
(لمصطفى):
سنرى من يفوز بالبنت يا وغد
(لآمال):
(ويخرج مراد بك)
آمال
(لنفسها)
:
ما بالُ قلبي بمراد
مُذْ تلاقيْنا اشتغلْ؟
لعلَّني أحْبَبْتُهُ
لا لا، فما لي والرجُلْ
عسايَ قد هِمْتُ به
هذا لعمريَ الخَبَلْ
خيالُهُ في فكرتي
في كل ساعة مَثَلْ
ما لي أُحسُّ لاعجًا
بين الجوانح اشتعلْ
إن فُتح البابُ يُرى
أولَ إنسان دَخَلْ
أو جيءَ بالزاد وجـ
ـدته بجانبي أكلْ
وإن شربتُ حَضَر
الماءَ فعلَّ ونَهَلْ
قد أخَذتْ صورتُهُ
على مشاعري السُّبُل
وحيث سرتُ طاف بي
وأينما حللتُ حلْ
أم محمود
(تنظر إلى الباب وتقول)
:
أرى الأبوابَ قد فُتحت
وأسمَعُ وقع أقدام
مصطفى
:
عليٌّ جاءَ قُمنَ له
بإجلال وإعظام
(يدخل علي بك وفي حاشيته رزق الوكيل، الأغا مرجان، بعض
الخدم)
علي بك
:
أضعنا نهارك يا مصطفى
أطلنا انتظارك لا عن جفا
مصطفى
:
بباب الأمير وليِّ النِّعَمْ
يطيبُ الوقوفُ لأوفى الخدم
علي بك
(همسًا لمصطفى)
:
يا مصطفى قد بعتني
من سنوات ولدا
مصطفى
:
أجل صبي كان من
أذكى الصغار محتدا
علي بك
:
ما ارتبت فيه ساعة
أن سيكون سيدا
مصطفى
:
عاش أبوه لا أرى
أباه إلا أسدا
علي بك
:
ولكنه لم يَدُر في البلاد
ولم يعرف الناس حتى فسَدْ
فسَلَّ الحسامَ وهَزَّ القناةَ
وأصبحَ عزريلَ هذا البَلَدْ
مصطفى
:
ذاكَ ذئبٌ لم أبعْهُ
حنشٌ غَيري باعَه
بئسَ ما باعوكَ يا موْ
لايَ يا شؤْمَ البضاعَهْ
مصطفى
:
ها هُنَّ قُمْـ
ـنَ وقارًا لمولايَ في المجلس
علي بك
:
تخير الحسن قبلي
فكيف كيف اختياري
(علي بك لرزق):
أم محمود
:
بل قل ثلاث شموسٍ
تنزلت في نهار
علي بك
(ممازحًا)
:
من أنتِ يا شرَّ وجهٍ
ومن أحلَّك داري؟
أم محمود
:
أنا يا مولاي حُسْن الماشطهْ
أنا في أمر البنات الواسطهْ
(ثم لنفسها):
آه من لي بحياةٍ ثانيهْ
ليتني أرجع يومًا غانيهْ
ليتني يا ليتني يا ليتني
آه لو ينفع قولي: ليتني!
(أم محمود تأخذ يد شمس وتأتي بها):
فهذي كاسمها شمسٌ
ولكن حُسْنُها أحسَنْ
علي بك
:
تعالَى اللهُ ما أبهى
تعالَى اللهُ ما أفْتَنْ
(ثم ترجع شمس وتأتي بزكية):
علي بك
(معرضًا عنها ومشيرًا إلى آمال)
:
أم محمود
:
مهاة فداها الغيد من شركسية
لها سيرة عندَ الملوك تُنارُ
إذا برزت ودَّ النهارُ قميصَهَا
يُغيرُ به شمسَ الضحى فَتغَارُ
وإن نهضَتْ للمشي ودَّ قوامَهَا
نساءٌ طوالٌ حولها وقصارُ
لها مَبْسِمٌ عاشَ الخليجُ لأهله
وعاشت لآلٍ في الخليج صغارُ
آمال
:
جنة الله يا أمير على الأرض
ولم لا ألست سلطان مصر
علي بك
:
وهذا الوشي والديبا
ج ما موقعه منك؟
وهاتيكَ المصابيحُ
من البلَّوْرِ والسِّلْكِ
وهذا الخشبُ المصنو
عُ بالصندلِ والمسكِ
لقد طفتِ على فار
س والقوقاز والترك
وأدخلتِ قصور العز
والثروة والملك
فهل أبصرت ما يشبه
هذا الصنع أو يحكي؟
(ثم مستمرًّا):
وكل ما أبصرت في
قصريَ من صُنع البَلدْ
فليس يعلو الصانعَ
المصريَّ في الذوق أحدْ
آمال
:
لا عَجَبٌ مولايَ يا طالما
قد بلغَ الفنُّ بمصر الكمال
علي بك
:
لكن أرى القوقاز أعلى يدًا
مَنْ غيره يصنَع هذا الجمال؟
مصطفى
(همسًا)
:
حاذري ابنتي قدِّري الموْ
قفَ لا يخطر العُقوق ببالك
آمال
:
لا أبي، خلِّني أبحْ أشكُ بثِّي
خَذَل الصبرُ قلبيَ المتمالك
(آمال لعلي بك)
علي بك
:
ما أرى؟ دموع لآلٍ
ذهبت في الخدود شتى المسالك
مِمَّ تشكين يا ابنتي ما وراء الدمع؟
آمال
:
سيدي، غيرُ شأننا بك أولى
هذه السوق لم تلِق بجلالك
تُشترى النفسُ أو تُباع على الأر
ض ولم يرض في السماء المالك
مصطفى
:
قلِّلي الهمَّ يا ابنتي والتَّشَكي
وانظري الحال وافكري بمآلك
هذه السوقُ نعمةُ الوطن البا
ئس منها
علي بك
:
ونحنُ نعلم ذلك
أنا أيضًا مررت بالسوق يا آما
لُ، حالي يا بنتُ من مثل حالك
قد وقفنا بهذه السوق نبغي
دولًا من ورائها وممالك
وقديمًا كانت سبيلَ المعالي
للمماليك أو سبيلَ المهالك
(علي بك مستمرًّا)
لك الله يا آمال، أنت كبيرة
وكل كبير النفس سوف يسود
فداؤك نفسي هذه نفس حرةٍ
وهذا إباء ما عليه مزيد
أتيت بما لم يأتِ فيما مضى لهم
ملوكٌ على عرش الكنانة صيد
شَرونا وباعونا صغارًا وفتية
كما بيع سودان بمصر عبيد
فما كان منَّا من رأى الرِّقَّ سُبَّةً
ومن قال عند البيع لست أريد
(ثم مستمرًّا):
الخطبُ غيرُ عظيم
لا تحزني يا فتاة
وكلُّ جرح يُداوى
إن عالجته الأساةُ
آمال
:
مولاي قالُوا رُزقْتَ نفسًا
فضائلُ الصالحينَ فيها
بأيِّ دين تحوزُ رقِّي
وتشتري البنت من أبيها
مصطفى
:
في يديك الفتاة
تصرَّف لقد خرجتْ من يدي
علي بك
:
دع البيْعَ يا مصطفى والشراءَ
وزوِّج فتاتكَ أو فاردُدِ
مصطفى
:
سمعتِ فتاتي اشكريه احمَدي
آمال
:
علامَ أَجرّبيتُهُ بعدُ؟ لا
سأعلم ما صاحبي في غد
علي بك
:
لم تقبلي الرق منذ حين
يا لك من حرة نبيلهْ
والآن تخشيْنَ من زواج
تمشينَ في ظلِّه ذليلَهْ
آمال
علي بك
:
هاك قصري
سُوسيه بالنُّبل والفضيلهْ
أم محمود
:
تحيةٌ للملكهْ
من أَمة في المملكهْ
علي بك
:
وأنت الملكةُ اليومَ
مُري وانْهَيْ على الدار
وحُلِّيها حُلُولَ الشمـ
ـس في أرجاء آذار
وكوني قُفْلَ أموالي
وأذخاري وأسراري
ولا يَهمُمْك تَرْحَالي
ولا تشغَلْك أسفاري
فللمغنم والصيد
خفوف الأسد الضاري
وللرفعة والمجد
سفار القمر الساري
آمال
:
مولايَ هاتها يدًا
قد طوَّقتني خيرَ يَدْ
هات أضَعْ في راحتيـ
كَ قُبَلًا بلا عَدَدْ
مصطفى
:
يا للجلال والخَطَر
ويا لتوفيق القَدَر
من البشيرُ بالخَبَرْ
إلى البيوت والأُسَرْ
حظٌّ لعمري قد كَمل
فمن يُبلِّغ الجَبَلْ
وكلَّ دارعٍ نَزَل
على الشعاب والقُلَلْ
أنَّا ظفرنا بالأمل
أم محمود
:
قمن بنات الشركس
للهو والتأنُّس
زدنَ سرورَ المجلس
برقصكُنَّ الحَمس
شمس
:
عُشَّاق ماذا أخَّرك
لِمْ لَمْ تجردْ خنجرك
قم لاعب الغيدَ نَرَكْ
كيفَ تخوضُ المعترك
عشاق
:
غدًا يُعقدُ للوالي
على الحسناء آمال
جبالَ الشركس اختالي
بهذا النسب العالي
هلمُّوا الفرحَ الأكبر
هلمُّوا رقصةَ الخنجر
غدًا يمتلك الوادي
من الحاضر والبادي
فمن طالب أفراح
ومن شاهد أعياد
هلموا الفرح الأكبر
هلموا رقصة الخنجر
غدًا يبتهجً العصرُ
وتُمسي فرحًا مصرُ
وتُجلي الشمسُ والبدرُ
ويزهو بهما القصرُ
هلموا الفرح الأكبر
هلموا رقصة الخنجر
(هتاف خارج القصر):
لا زلت منصور القنا
يا أسد المعارك
أطعمتَنا سقيتَنَا
يا ربِّ زدْ وبارِك
الأغا مرجان
:
أجلْ وابتهالٌ
ورجالٌ بسيدي يهتفونا
علي بك
:
من تُرَى الهاتفونَ رزقُ ويا مر
جانُ أُخرج فانظر مَنْ الصاخبونا
الأغا
:
عادةٌ تلك كل يوم خميس
عندنا ألف جائع يطعمونا
علي بك
:
امض فاجعل في كفِّ كلِّ فقير
ذهبًا يُطعمونَ منه البنينا
نفحةٌ من أميرة النيل مولاتك
رزق
:
كم ذا تجودُ وكم تَهَبْ
إن الخزانة أصْبَحَتْ
بنداكَ كالجحر الخَرِبْ
الفضَّةُ انفضَّتْ وما
قد كان من ذهب ذَهَب
رمضان راحَ بنصفه
والنصف راحَ به رَجَبْ
علي بك
:
أجل نحنُ أطعمنا الفقير ولم يكُنْ
له في قصور المُتْرَفِينَ طعام
ونحن سقينا ابن السبيل ولم يكن
يُبَلُّ له فوق الطريق أوامُ
ونحنُ حَضَّنَا اليُتْمَ نمسَحُ دمعَهُ
وآواهُ منا محسنونَ كرامُ
ترى الزاد مبذولًا وفي كل ساحة
يتامى قعودٌ حولَهُ وقيام
ونبني فركنٌ للثقافة والحجا
يُشَادُ وركنٌ للصلاة يُقامُ
ودارٌ يُواسَى البؤسُ فيها ومنزلٌ
تُداوى جراحاتٌ به وسَقامُ
ونرفُق بالعجماء تأسو جراحها
تُقاتُ على ساحاتنا وتنامُ
(علي بك للأغا مرجان وهو بالباب)
علي بك
:
(لآمال):
أميرتي لا تُراعي
بشيرُ من أولادي
آمال
(لأم محمود)
:
إن مولايَ شغله
بالمهمات قد كثُرْ
أم محمود
أم محمود
:
ملْكتي
ما تُريدينَ ما الخَبَرْ
شمس
:
لبيك ملكتي
دونك الشمس والقمر
زكية
:
أفديك ملكتي
زاد في شأنك القدر
آمال
:
جُلْنَ في القصر جوْلةً
وتنَقَّلْنَ في الحُجَر
نحنُ في الوُدِّ والصفا
ءِ كأمس الذي غَبَر
عشنَ ضيفًا عليَّ في الـ
ـقصر ما امتدَّ بي العُمُرْ
(يخرجن مع مصطفى وعشاق، ويدخل بشير بك فتنتحي آمال ناحية من الحجرة
تشرف من نافذة فيها على ساحة الدار)
بشير بك
:
لا أقولُ لأنه
شأنٌ يُسَرُّ إلى الأمير
(علي بك يذهب ببشير بك إلى ناحية أخرى من الحجرة):
علي بك
:
عجل وكاشفني بما
بَلَغَتْ من الجدِّ الأمور
والبَوُّ
بشير بك
:
يأخذُ للشَّرِّ الأُهَبْ
حاز الأقاليم إليـ
ـه وتَأَلَّفَ العرب
والغُزُّ في ركابه
والشعبُ جذلانُ طَربْ
فلنرتحل فربما
جُنَّ فعجل الطلب
علي بك
:
أرى الأزْمَةَ اشتدتْ وأبطا انفراجُها
علي بك
:
صبَرت طويلًا يا بشيرُ فما جلا
ولا ذلَّلَ الصبرُ الجميلُ مُصابي
ولو أن رُزْئي بالغريب احتملتُهُ
ولكن بأهلي نكبتي وعذابي
يُطاردني في الأرض من دَبَّ في يدي
ورُبِّيَ في حجري وشبَّ ببابي
ومن طلب الدنيا ببأسي وسطوتي
فلما حواها في يديه سَطَا بي
ومَنْ عشتُ أبنيه وأعْمُرُ ركنَه
فصَيَّرَ هدمي شُغْلَه وخرابي
لقد آن أن أسعى وأن أدفع الأذى
بشيرُ امض هيِّئْ للرحيلِ رِكَابي
إلى كم قعودي عن عدوي وكيده
وهذا عدوي لا يملُّ طلابي
سأخرج نحوَ الشامِ في فَلِّ شيعتي
فهيئْ جيادي وادع خيرَ صحابي
علي بك
:
أُسْدٌ ضَرَاغِمٌ
ألُفُّهمو حولي لنُصْرة غابي
يزيد بهم جيشي وتقوى عشيرتي
ويشتد ظفري في القتال ونابي
الآن فرغنا
علي بك
:
بل ابق انتظرْ يا بشيرْ
إذا أنا قَضَّيتُ هذا المساء
بقرب الأميرةِ ماذا يَضيرْ
بشير بك
:
وليلَ غدٍ والذي بَعْدَهُ
وإن شئْتَ فابقَ الليالي الكثير
ونحنُ فنمضي فنأتي العريش
ونبقى بها بانتظار الأمير
نُريغُ الجواسيس طولَ الطريق
ونهربُ من مُنكرٍ أو نكير
وتدركنا أنت مستمهلًا
كثير التواري قليل الظهور
علي بك
:
بل امض بنا سِر بنا سِر بنا
فما جَلَبَ الخيرَ مثلُ البكور
(لآمال):
لا تجزعي أميرتي
لا بد لي من السفر
لقد دعت حادثة
من الحوادث الكُبر
كيفَ زواجٌ وسفَرْ
مُزاحةٌ من القَدَر
أغيب شهرًا واحدًا
فانتظري
علي بك
:
ما أنتِ إلا مَلَكٌ
نَهَى بقصرِي وأمر
في ذمة الله
يا ربَّة القصر
آمال
:
وأنتَ مولايَ
شُبِّعْتَ بالنصر
علي بك
(لرزق)
:
سأصعد يا رزقُ نحوَ الصعيد لشغل
رزق
:
(ثم لنفسه):
صُعودَ الدخان إلى ذروة
إذا صارَ فيها امَّحى واندثَرْ
علي بك
:
وما في الخزانة أو في القصور
بأمر الأميرة فيه ائتمر
(لآمال):
هكذا مصر كل يوم شئون
شغلت مصر بالشئون الناسا
وكأن البلاد خيلُ جهاد
كلَّ يوم تُبدِّل السُّواسَا
رزق الوكيل
(لنفسه)
:
لا رحلةٌ، لا سَفَرٌ
هذا لعمريَ الهَرَبْ
وما الصعيد يقصدون
بل إلى الشام الطلب
أما أنا فقد ملأت
اليد من أبي الدهب
إذا الزمان بعليٍّ
بعد حين انقلَبْ
يجعلني محمد
على خزائن الذهب
علي بك
:
سلام على قصر الإمارة والغنى
وإيوان سلطاني ودست جلالي
ووالله ما فارقت مغنَاكَ عن قلًى
ولا خطرت سلوى الأمور ببالي
وأعلمُ أني عنك لا بدَّ زائلٌ
وأنك مني لا محالة خال
ولكن أُمورٌ قد جَرَتْ وحوادثٌ
بنقلةِ دنيا أو تبدل حال
فخالفني من كان عند إشارتي
يصول بجاهي أو يعيش بمالي
وعقَّ الذي ربيت في حجر نعمتي
ووطَّأْتُ أكنافي له وظلالي
تألَّف أصحابي وألَّب شيعتي
عليَّ وأغرى بالخروج رجالي
لقد جئت بابن ليس لي فكأنما
أتيتُ بأفعى من سحيق تلال
تفرَّق عنِّي الناسُ إلا بطانتي
ولم يبقَ حولي اليومَ غيرُ عيالي
سأمضي وما عندي لهم إن تركتهم
سوى قوتِ أيام وخُبز ليالِ
وقد زَعَمَ الناسُ الغِنَى في خزانتي
أتى من حرام تارةً وحلالٍ
وأُقْسِمُ لم تُحرز يمينيَ دِرهمًا
من المالِ إلا أنفقته شمالي
أسير أجلْ أمضي نَعَمْ فعسى السُّرى
تَروحُ بنَجْمي أو تَجي بهلالي
فما الدهر إلا حالةٌ ثم ضدُّها
وإلا ليالٍ بعدَهُنَّ ليالِ
وتلك التي أحْبَبْت أول وهلةٍ
وأشركتُ في مُلْكٍ وشيكِ زوالِ
أعود إليها في المواكبِ ظافرًا
وفرقيَ بالنصر المؤزَّرِ حالي
وأرجعُ حُرًّا تحتيَ النيلُ كله
وما من بني عثمانَ فوقيَ والِ
(يخرج علي بك ومعه بشير بك ورزق الوكيل ويبقى مرجان
بالباب)
(تسمع ضجة وصرخة من امرأة أمام القصر تقول)
يا ربَّة القصر
لا مسَّكِ الضُّرُّ
هل عندكم غوث
هل عندكم نصرُ
لحرةٍ في وادْ
ليس به حُرُّ
آمال
:
مرجان ويحي هذه صيحة
وامرأةٌ صارخة باكيهْ
مرجان انظر
مرجان
:
هيَ ذي أقبلت
مُعوِلةً صاخبةً شاكيهْ
(تدخل امرأة مقطوعة الأذن وصارخة)
آمال
:
ماذا دهى يا خالهْ
أنتِ بشرِّ حالهْ
ذا الدمُ من أساله؟
المرأة
:
جنودٌ وراء كبيرٍ لهم
من الدِّين قد جرَّدوا والخُلُق
أتوْا دارنا فمضى نصفهم
أزال العفاف ونصفٌ سرق
ومال على أذني بعضهم
بسكينه طمعًا في الحلق
(آمال تدفع إلى مرجان صرة):
آمال
:
لا بأس يا خالةُ لا باسُ
انتظري عوْدَ عليٍّ غدًا
ففي غد يرتدعُ الناسُ
(المرأة تأخذ الصرة وتصيح مولولة)
وأذْنِي أينَ ألقاها
مضَتْ آهًا لها آهَا
ويا مَنْ عندَه أذني
أما يكفيكَ قرطاها
(تسمع ضجة ثم تدخل فتاة مذعورة)
الفتاة
:
الآن يا سيدتي
يُذَبِّحونَ إخوتي
في ساحةِالرُّمَيْلَةِ
آمال
:
ويحَ لهم ماذا جَنَوْا ويحَ لهم
آمال
:
لا لا بُدَّ من داعٍ دعَا
النفسُ لا تُقْتَلُ يا أختُ سُدًى
الفتاة
:
صدقت يا أميرتي إلا هنا
لا ينزلُ الرأس بمصرَ جسدًا
إلا نزول المرء في بيتِ الكِرا
آمال
:
تَذَكَّري قُولي ليَ الحق اصدُقي
الفتاة
(في حياء)
:
قد سَرَقَ الإخوة جحشَ الكتُخدا
آمال
:
سرْ امض مرجَانُ مع الفتاة
واشفع لدى الحاكِمِ للجناةِ
(ينصرف مرجان مع الفتاة)
(يدخل أغا آخر ويقول):
آمال
:
ابنُ الأمير! هيِّ عَجِّل جئ به
أكلُّهم لسيدي أولاد
أَدخل مرادًا وائْتني بمصطفى
(آمال لنفسها)
أخافُ إن قلتُ أبي أن يعرفا
(يظهر مراد بك)
(آمال لنفسها)
ويحي وويحٌ لعليٍّ ما أرى
إني أرى الغَدْرَ على هذا الفَتَى
مراد بك
:
تحيةً سيدتي
أتذكرينَ مَنْ أنا؟
آمال
:
كل الذي أعرفه
ابن الأمير ها هنا
مراد بك
:
أميرتي قد خدعوك
ما عليٌّ لي أبا
ما أنا إلا صاحبٌ
قدَّمه وقرَّبا
مراد بك
:
ومم يا
مالكة القلب العجبْ
وكلُّ ما في الأمر أن
ليسَ عليٌّ لي بأبْ
وليس ما يمنعُني
من أن أُحِبَّ وأُحَبْ
آمال
:
تُحِبُّ أو تُحَبُّ قو
لٌ لا يليقُ بالأدبْ
نسيتَ للقصرِ ولي
ولأبيكَ ما وَجَبْ
مراد بك
:
قد عرفناك يا أميرتي إننا
أمسِ التقينا في معرض الجلاب
(مراد مستمرًّا)
ذهبت لأشرِي فاشتراني وباعني
غزالٌ بسهم المقلَتيْن رماني
هَمَمْتُ ولكن صاحبُ الصيْد ردَّني
وصيَّر سلطان البلادِ مكاني
ولم يدر أني فوق شأن محمدٍ
وشأن عليٍّ في الرياسة شاني
إذا ما حوتني كِفَّةٌ رجح الذي
رمى بيَ في ميزانه فحواني
وجاء عليٌّ فاشترى
آمال
:
لست صادقًا
بنَى بي أمير للمكارم بان
مراد بك
:
وطار عن الوادي
وماذا يَعيبُهُ
ألَمْ تُخلَق العِقبان للطيران
(مراد بك يقترب منها)
آمال لو تعرفينا
آمال لو تعطفينا
مصطفى
(بالباب وقد سمع كلامهما) (لنفسه):
:
أرى شبحَ الجريمةِ حامَ حولي
كما ناشَ الغريمَ الأفعوانُ
آمال
(لمراد بك)
:
لا تدعُني باسمي ولكن
نادني باللقبِ
مرادُ هذا هَوسٌ
قف عند حدِّ الأدب
مراد ما مقصورتي
بمجلس لأجنبي
اخرج
آمال
:
ظلمتَ الحبَّ يا غادر
فما الحبُّ فُضوليٌّ
ولا لصٌّ ولا فاجر
ولكن معدن النبل
وكنز الخُلُق الطاهر
(تنحسر العمامة عن جبهة مراد بك فيظهر أثر جرح قديم على جبينه كان
قد أصيب به في صغره …)
مصطفى
(بعد أن يرى أثر الجره وهو بالباب)
:
إلهي هذا جُرْحُه ذا مكانُه
أما كان طولُ الدهر للجُرحِ لائمَا
إلهي هذا الجرح فوقَ جبينه
مَضَتْ سنواتٌ ما مَحَوْنَ العلائما
لقد بارز الصبيان بالسيف ناشئًا
فصادفَ سيفًا خَدش الرأسَ صارما
إلهي أرى أشياءَ ثَمَّ مهولةً
وأشْفقُ فيها من عقابك صارما
إلهي لا تجعله حقًّا ومُرْ أكُن
بما أنا راءٍ من عذابك حالما
كفَى غضبًا يا ربُّ حسب عقوبةً
وحاشاكَ لم تظلم ولم تَكُ ظالما
إلهي كانت هفوتي عن غَوايَةٍ
فتُبتُ فكن لي فيهما اليوم راحما
مصطفى
:
أحبِبْ بهذا الصوت
أحبِبْ بالنداءِ أحبب
مصطفى
:
لا بأس يا ابنتي عليـ
ـك دونَ ناديك دمي
آمال
:
أبي لقد ديسَ العرينُ
في غيابِ الضَّيْغَم
مصطفى
:
مَنْ في مقاصير الأمير؟
ما أرى من الفَتى؟
آمال
:
ذئبٌ بشكل آدم
للصيدِ في الغاب أتى
مصطفى
(مهمهمًا)
:
خنجري أين خنجري اليومَ مني
يغسل العارَ والدنيَّةَ عني
فعسى أن يُريحني من صبيٍّ
عابثٍ، أو يريحه هو مني
هو يطغى بسنه سأريه
أنني الليث ساعدي هو سني
آمال
:
أبتي ما تقول؟ ماذا تلمستَ؟
مراد بك
:
دمائي أنا أم دماءُ اللعين؟
مصطفى
:
أتلعنُني يا أضلَّ الشباب
أتلعنني يا أعقَّ البنين
مراد بك
:
ولِمْ لا وما لَكَ من حُرْمَةٍ
مصطفى
:
ستعلم ما حرمتي بعد حين
سأقلع عينًا سمت للَّباة
وأقطَعُ رجلًا مَشَتْ في العَرين
آمال
:
على امرأةٍ تحفظ الغائبيْن
مصطفى
:
مراد لك الويل من سادرٍ
وقاحِ اللسان وقاح الجبين
هتَكتَ على الحزن محرابَه
ودُسْتَ على عبرات الحزين
ولم تحتشم في خطاب الشيوخ
ولم ترج فيهم وقار السنين
(مصطفى لنفسه وهو يبحث عن خنجره)
ربِّ ضلِّل يدي وحطِّمْ سلاحي
ربِّ لا تَقْضِ أنني أقتل ابني
مصطفى
:
مرحبًا
بسيفك من ماضي الحديد يماني
فهاتِ مرادُ السيفَ هاتِ منيَّتي
أرِحْ من عذاب الحادثات جَناني
مراد بك
(وقد شهر سيفه)
:
إلهيَ ما لي قد غُلبتُ على يدي
وما بالُ سيفي إذ هممتُ عصاني
وما بال نفسي بعد طول جمودها
قد انفجرت من رحمةٍ وحنان
عَفَوْتُ فَمِلْ يا شَيْخُ مِلْ عنِّيَ انطلق
وعش ناعمًا في غِبطةٍ وأمان
مصطفى
:
أميريَ ذا رأسي فخذه بضربةٍ
(يخرج مراد بك)
عساني أرى هدَء الضمير عساني
(مصطفى لنفسه، ويتبع مراد بك)
أَأُنْبِيه؟ لِمْ لا؟ لا. بل استأنِ مصطفى
أَأَذْكُر لابني كيف خِسَّةُ شاني
آمال
(لنفسها)
:
ويحَ لي ويحَ قد قسوتُ عليه
وتجاوزتُ في العقوبة حَدِّي
ما الذي استوْجَبَ الأمير وما
أذنَبَ حتى رددتُه شرَّ ردِّ
ويحَ قلبي يحبُّه كذبَ القلبُ
وبعدًا لحبِّه ألفَ بُعْد
هو مستهْترٌ على حجراتي
وتناسى أمانَةَ الزوج عندي
لا. بل القلب شُغْلُه بمراد
هو شغلي من الحياة وقصدي
ربِّ ما لي أحِسُّ نحوَ مراد
شفقًا زائدًا ولوعةَ وجد
وحنانًا كأنه رقةُ العشْقِ
جرى في دمي ولحمي وجلدي
صدق الأولون ألآن أدري
كيف تجزي القلوبُ ودًّا بودِّ
كيف قلبي تحبُّه كيف تهواهُ
بودِّي لو تستفيق بودِّي
عبثًا آمُرُ الفؤادَ وأنهَى
وسدًى أستردُّ عقلي ورُشدي
كلُّ نُصح يُقالُ للقلب في التَّرك
وفي سلوة الهَوَى غيرُ مُجد
لم لا أشتهي مرادًا وأهواه
وما لي أغالبُ الشوقَ جُهدي
ومرادٌ ألذُّ في العين لمحًا
من سنا الصبح بعد ليلة سُهد
مَلكٌ جاء حجرتي يشرحُ الحُبَّ
أفي الحقِّ أن يُجازَى بطَردِ
لِمَ لَمْ أتخذه في حادث الدهر
نصيرًا يرد عني التعدي
لِمَ لَمْ أتخذه بعد عليٍّ
ركن دنياي أو دِعامة مجدي
لا وربِّ الجلال والحقِّ (آمال)
ارجعي للصواب (آمال) جِدِّي
أنت من أمةٍ تصون حمى الزوج
وتقضي حقوقه وتؤدي
ربِّ لا تجعل العَلاقَةَ إلا
من سلامٍ إذا التقينا ورَدِّ
رَبِّ إن البلاءَ مني قريبٌ
وأرى حُفْرَةً وأخشى التَّردِّي
رب لا تَقضِ أن أخون عليًّا
وأَعِنِّي على الوفاءِ بعهدي
أنا حَيْرَى وأنت تهدي الحيارى
كيف أهوَى على هوى الزوج عندي
(ثم مستمرة):
لا لا رويدك يا آمال لا تثبي
على الأمير ولا تجزيه طغيانا
واحمي حمى الليثِ في أيام غيبته
إن اللباة تحوط الغاب أحيانا
هبيه لم يخلع الدنيا عليك ولم
يُلبسكِ تاجًا ولم يُنزلك إيوانا
هبيه لم ينفجر قبل الزواج ولا
بعد الزواج ولم ينهلَّ إحسانا
هبيه سافر في شأن له جَلَلٍ
يبني لدولته في الأرض أركانا
أما هو الزوجُ يُرعى حقُّ غَيبته
وتَجعل الحرَّة الفُضلى له شانا
لقد أقَامَك في محرابه مَلَكًا
لا تجعلي المَلَكَ المهديَّ شيطانا