حدث في ليلة الفرح!
كان «أحمد» متمدِّدًا في فراشه بالمقر الرئيسي للشياطين اﻟ «١٣»، وهو ينظر إلى السقف في تأملٍ واستغراقٍ، عندما سمع صوتًا خافتًا كأنه نفخةٌ بسيطةٌ بجوار أُذنِه، وعرف أن اللمبة الحمراء قد أُضيئت، وأن ثمة رسالة في الطريق إليه … وضغط فورًا على جهاز «الريموت كونترول»، أو التحكُّم من بعيد بجوار فراشه، فظهرت على شاشة التليفزيون رسالة بالألوان تقول: رقم «صفر» يدعوكم للاجتماع، قاعة عرض الأفلام، الساعة ١٠ صباحًا.
نظر «أحمد» إلى ساعته، كانت الساعة عشر دقائق بعد التاسعة، فرفع سماعة التليفون الداخلي «ب. ب. إكس» وطلب «عثمان» الذي ردَّ على الفور قائلًا: هل ما زلت في فراشك أيها الكسلان؟!
أحمد: ليس بدافع الكسل … ولكن هناك بعض خواطر تطوف برأسي!
عثمان: مثل ماذا؟!
أحمد: أفكِّر في إجازة أقضيها في «القاهرة» … لقد مرَّت فترةٌ طويلة دون أن أحصل على أية إجازةٍ!
عثمان: عدد من الشياطين تحدَّث بنفس الأسلوب … ماذا حدث؟
أحمد: لا شيء أكثر من الإحساس بالملل … إنَّ المغامرات تتشابه، وكل يوم مثل كل يوم آخر!
عثمان: غير معقول … إنَّ الناس كلها تحلم أن تعيش حياتنا … فنحن نُسافر كل يوم إلى مكان … ونُخاطر كل يومٍ مخاطَرة جديدة … ونعيش حياةً مثيرةً.
أحمد: حتى المغامرات إذا استمرت طويلًا تُصبح متشابهةً ومملةً!
عثمان: هذه فلسفةٌ ضارةٌ بالنسبة لمغامر!
أحمد: تعالَ نلتقِ في قاعة الأسلحة الصغيرة … إنني في حاجة إلى تمرينٍ عنيفٍ يُزيل الصدأ الذي علق بعضلاتي وأعصابي.
بعد خمس دقائق كان الزميلان والصديقان «أحمد» و«عثمان» يقفان أمام التماثيل الصغيرة المتحرِّكة، والتي تُمثل أفضل الأهداف في التمرين على الإطلاق بالمسدَّسات … وكان «أحمد» يمسك مسدسًا من طراز «سيث وايسن» ويَضرِب بسرعةٍ وعنفٍ جعلت التماثيل تتأرجَح كأنها تواجه عاصفة … وجعلت المُدرِّب ينظر إليه في دهشةٍ … وهو يقول: ماذا جرى لك؟!
أحمد: لا أدري … إنني عصبيٌّ قليلًا.
الرجل: ليس قليلًا … إنك عصبيٌّ جدًّا.
أحمد: آسف … لا أدري ماذا حدث؟! … ولكن كل شيءٍ أصبح متشابهًا حتى مللت كل شيءٍ.
لم يُعلِّق الرجل بكلمة، ومضى يُصحِّح ﻟ «أحمد» و«عثمان» أخطاء الضرب … حتى إذا انقضت نصف ساعة، ولم يَعُد على موعد رقم «صفر» إلا عشر دقائق، أسرع الاثنان إلى الحمام. وبعد حمامٍ باردٍ، وتغيير الثياب، أحسَّ «أحمد» أنه أحسن حالًا.
اجتمع الشياطين اﻟ «١٣» في غرفة الخرائط … وأُضيئت اللوحة … كان عليها خريطة أمريكا، وأوروبا، والشرق الأوسط، وجزء من الشرق الأقصى … وسمعوا صوت رقم «صفر» العميق يقول: أحدكم اليوم كان في حالةٍ عصبيةٍ!
أحسَّ «أحمد» أنَّ الحديث موجَّه إليه، فأغمض عينَيه للحظات … ومضى رقم «صفر» يقول: منذ فترةٍ وأنتم تخُوضون نفس النوع من المغامرات … هذه المرَّة هناك شيءٌ جديدٌ … وانتبه الشياطين.
رقم «صفر»: هذه الخريطة تُبيِّن العالم كله تقريبًا، وهذه أول مرةٍ نجد عصابة يُغطِّي نشاطها أكثر أجزاء الكرة الأرضية. إنه تَحدٍّ جديد لمن يقولون: إن الأشياء أصبحت متشابهة.
أُضيئت الخريطة عندما أشار إليها رقم «صفر»، ثم أشار مرةً أخرى إلى نقطة فأضاءت بالأحمر في مدينة «بومباي» في الهند، ثم اتَّجهت العصا في خطٍّ أحمر من الهند إلى مدينة جنيف في سويسرا … إلى مدينة لندن … إلى مدينة نيويورك … ثم بنفس الخيط الأحمر من الضوء حتى وصلت إلى القاهرة.
وقال رقم «صفر»: كالعادة … هناك مئات بل آلاف الحوادث التي تقع كل يوم في هذا العالم، ولا يُمكن للشياطين اﻟ «١٣» بالطبع أن يتدخَّلوا في كل هذه الحوادث إما لأنها ليسَت مهمَّة … وإما لأنها لا تمسُّ العالم العربي … ومنذ فترةٍ وهناك عمليات اختطافٍ غريبة تحدث في جهاتٍ مُختلفة من العالم، وكنَّا نرقبها لمجرَّد الرصد، وجمع المعلومات … ثم حدث منذ ٢٤ ساعة …
وصمت رقم «صفر» وقد ثبتت عصاه على القاهرة، ثم مضى يقول: حدث منذ ٢٤ ساعة أن تمَّ قتل واختطاف رجلٍ هام جدًّا ولا قيمة له على الإطلاق … سرَتْ همهمة خفيفة في صالة الاجتماعات؛ فقد بدا حديث رقم «صفر» في غاية الغرابة والتناقُض … فمن غير المعقول أن يتمَّ قتلُ واختطاف رجل واحد … فإذا كان قد قُتِل فلماذا يُختطف؟! وهل من الممكن أن يكون نفس الرجل هامًّا جدًّا ولا قيمة له على الإطلاق؟!
وكان رقم «صفر» قد توقَّف عن الحديث عندما ارتفعت هذه الهمهمة ثم قطعها قائلًا: طبعًا ألاحظ أن هناك تناقضات في هذه الأقوال، وسأشرح كل شيءٍ … ولكن المهم الآن أن نتحدث عن الوقائع التي جرت منذ ٢٤ ساعة … فنحن نُريد أن نُتابع الأحداث أولًا حتى نلحق بها … أو حتى لا تسبقنا طويلًا!
عاد المؤشِّر يدور حول القاهرة وقال رقم «صفر»: أمس في أحد فنادق الدرجة السياحية بالقاهرة تمَّ قتلُ ثم اختطاف رجل سنُطلِق عليه مؤقَّتًا اسم «م» … وقد تمَّ القتل والاختطاف أمام عشرات من الأشخاص وتحت الأضواء … وفي الساعة الثالثة بعد مُنتصَف الليل.
قال أحد الشياطين: إنه قاتلٌ خطير جدًّا!
رقم «صفر»: نعم … إنه قاتل خطير جدًّا … وجريء جدًّا … ولكنه ليس فردًا واحدًا … إنه عصابة مُنظَّمةٌ وقويةٌ.
وارتفع صوت أحد الشياطين: ربما «سادة العالم»!
رقم «صفر»: أُرجِّح أنها ليست عصابة «سادة العالم» التي اصطدمنا بها كثيرًا … إن الأسلوب مختلفٌ … فهذه العصابة تقوم بخطفِ وقتلِ شخصياتٍ مختلفة لا رابط بينها مطلقًا، وقد اصطدمنا قبلًا بعصابات تَخطف العلماء، أو المُخترعين، أو الأثرياء … ولكن هذه العصابة تخطف، أو تقتل أشخاصًا لا أهمية لهم على الإطلاق.
وقبل أن يتلقَّى أيَّ تعليق على هذه الجملة استمر يقول: وسنَستعرِض الآن تفاصيل الحادث …
اختفت كل الأضواء، وساد الظلام، ثم نزلت شاشة سينما، وبدأ عرض فيلم في غاية الغرابة … كان الفيلم عن زواجٍ قد أُقيم في ذلك الفندق … وعلى حمَّام السباحة كانت الموائد تمتدُّ في صفوفٍ أنيقةٍ تُحيط بها الأزهار وقد امتلأ الحمَّام عن آخره بالمياه الزرقاء الجميلة، وظهر مئات المدعوِّين وهم يتقاطرون داخلين إلى الحفل، وقد ازدانت المنصَّة الكبيرة على صدر المكان بالورود والأزهار، وظهرت الفرقة الموسيقية وهي تعزف ألحان الفرح.
وأخذ الشياطين اﻟ «١٣» يُتابعون الفيلم وهم في غاية الدهشة الممزوجة بالسعادة … فهذه أول مرة يُعرض في مقر الشياطين اﻟ «١٣» فيلمًا عن حفل زفاف.
أخذ عدد المدعوِّين يتزايد باستمرارٍ حتى اكتظَّت الساحة المحيطة بحمَّام السباحة بالمدعوِّين، وبدا كل شيءٍ بهيجًا وجميلًا … ثم ظهرت الراقصات في زفَّة العروس … ثم ظهر رجل طويل القامة، شديد الأناقة، يشقُّ طريقه بين المدعوِّين … وتوقَّف لحظةً عند البوفيه العامر بأطايب الطعام، ثم مدَّ يده فتناول كوبًا من العصير رفعه إلى فمه، ولكن قبل أن يشرب العصير سُمعَ طلقٌ ناريٌّ قويٌّ من الجانب الأيمن لحمَّام السباحة والمجاور للسور الخارجي، وسقطت يدُ الرجل بجانبه … ثم سقط على الأرض، وتناثر العصير وقطع الزجاج حوله … وحدث ذعر بين المدعوِّين، وانطلقت الصرخات من أفواه السيدات، وارتبك الحفل الأنيق، وكفَّت الموسيقى … وجرى بعض المدعوِّين إلى الرجل المصاب.
وفجأةً توقَّفت الكاميرا عن التصوير … وبدا المنظر ثابتًا لحظات، ثم تلاشى كل شيءٍ، وأُضيئت الأنوار.
وسمع الشياطين صوت رقم «صفر» يتحدث قائلًا: أستكمِل لكم الفيلم بالحديث … لقد سقط الرجل كما شاهدتم، وأسرع بعض الموجودين لإسعافه، وكان لا يزال حيًّا، ولكن في حالةٍ خطيرةٍ … واتصلُوا بالإسعاف … ولحسن الحظ، أو لسوء الحظ تصادف وجود سيارة إسعاف قريبة من الفندق في هذه اللحظات، فأسرعت إليه، وتمَّ نقله إليها، وأنفاسه الواهنة لا تكاد تُسمع …
وسكت رقم «صفر» لحظات ثم قال: حدث هذا ليلة أول أمس؛ أي منذ ٤٨ ساعة … وحتى الآن لم تصل سيارة الإسعاف إلى مقر الإسعاف أو إلى أي مستشفى في القاهرة …
كانت هذه الجملة شيئًا مثيرًا للغاية … فماذا يعني كل هذا؟