الماسونيَّة في بريطانيا
في السنة الثالثة والأربعين بعد المسيح أرسل الإمبراطور كلوديوس قيصر عددًا غفيرًا من البنَّائين إلى بريطانيا العظمى ليقيموا الأسوار، ويحصنوا التحصينات اللازمة، ويجعلوا بريطانيا وهي من الولايات الرومانية حينئذٍ حصينةً تدفع بقوتها هجمات أعدائها الاسكوتيين الشماليين.
وكانت تلك البلاد قبل مجيء هؤلاء العاملين النشيطين خاوية خالية لا مدينة فيها ولا قرى ولا سبب آخر من أسباب الحضارة الرومانية العظيمة، فجاءها البنَّاءُون العاملون ونشطوا عقال اجتهادهم وبدءوا بإنشاء المدن والقرى وإقامة الأسوار والحصون اللازمة، فأنشئُوا في المدن التي أقاموها الحمامات الجميلة والهياكل العظيمة الجسيمة بما جعلها بعد مدة وجيزة من إنشائها تضاهي رومية نفسها.
وكان البنَّاءُون يجعلون كل مدينة أقاموها زاهية زاهرة فجعلوا يؤسسون المدن ويشيدون فيها الأبنية الأنيقة، وأول بلدة أنشئُوها مدينة يورك التي كانت تُدعى قديمًا أيبوكاريوم، وهي شهيرة جدًّا في تاريخ الماسونيَّة، فتأنقوا في بنائها جدًّا وجعلوها حصينة للغاية فاكتسبت شهرة عظيمة في زمن قصير، وأصبحت على قرب عهدها تنازع رومية الرئاسة.
ورأى الأهلون ما كان عليهِ الرومان من الحذق والمهارة في البناءِ والهندسة فسرُّوا لعملهم وحفظوا لهم امتنانًا جزيلًا، وزاد امتنانَهم رغبتُهم في تعلمهم تلك الصناعة التي كانوا مقصرين فيها فانتظموا في سلك البنَّائين.
وكان الأغنياءُ ينظرون إلى هذه الأعمال الفخيمة بعين الرضا فصاروا يبذلون وسعهم في إعلاء القصور الأنيقة وجعل مبانيهم شائقة وجعلوا يتباهون ويتنافسون في عظمتها، وكانت البلاد تزهو وتتقدم يومًا بعد يوم بِهمَّة البنَّائين الرومانيين.
وكانت البلاد البريطانية عُرضة لغارات سكان الشمال وهم الاسكوتسيون، فاضطر الأهالي إلى بناء القلاع والحصون في جهات مختلفة، ولم يكن عدد البنَّائين يكفي لهذه الأعمال الجسيمة فصار البريتيون الذين انتظموا في سلكهم وتلقَّنوا أسرارهم وأحرزوا كل الامتيازات التي يحرزها كل ماسوني حر عرف إخلاصه للجمعية يساعدونهم كثيرًا في أعمالهم.
فنشأ عن مخالطة هذين القومين بعضهما لبعض وارتباطهما بعهود المحبة الأخوية قوة عظيمة لطائفة البنَّائين، فكان علمهم وعملهم واحدًا وأسرارهم واحدة وتعاليمهم مشتركة فسمَّوا مجتمع الأخوة والرؤساء العاملين من الرئيس الأكبر حتى العامل الأصغر محفلًا، وكانوا يقيمون احتفالاتهم الدينية ومآدبهم الرسمية في خيام مضروبة قرب المكان المَنْوِيِّ إنشاؤُه.
فلهذه الأسباب ولشدة عُرَى المحبة الوثيقة بين الأخوة وعظم تألبهم لإدراك غايات طالما صبَوْا إليها وكثرة اجتهادهم ليجعلوا علم البناءِ والهندسة رفيعًا فلا يناله المتطفلون؛ أحرزوا شهرة قصَّر عن إدراك شأوها غيرهم من البنَّائين في الممالك الرومانية، وكانت تُضرب الأمثال بعظمتهم إلى الجيل الثالث فيقال: أنشط من بنَّاءٍ بريطاني.
وجاءت بعد ذلك الديانة المسيحية بسمو تعاليمها وامتدت في بريطانيا امتدادًا سريعًا، وهي التي خولت المحافل الماسونيَّة ما لها من عجائب العظمة التي أحرزتها، خلافًا لغيرها من الجمعيات السرية، وصارت تلك المباني الهائلة التي كان يفتخر بها الحكم الروماني ويرسل إليها الأسرى مغللين مكبلين بالقيود يذوقون فيها مُرَّ العذاب ملجأً أمينًا للمضطهدين ومحلات غبطة للعموم، وذلك من فضل الحرية التي دعا إليها المسيح وتلامذته الممتلئون من الحكمة والذين هزتهم محبة هذه الديانة العظيمة الشأن، فكانوا يذهبون من الشرق إلى الغرب يكرزون الأمم ويبشرون الشعوب بالحياة الأبدية.
وكان الذين يدينون بها عرضة للاضطهادات الشديدة التي كان يثيرها عليهم عبدة الأوثان، ولكنهم مع ذلك سمحوا لهم أن يقيموا مع جماعة البنَّائين، ويذهبوا إلى أربعة أقطار العالم الروماني ليشيدوا مبانيه ويجددوا حصونه.
ولحسن حظ مسيحيي بريطانيا كان حكام تلك الأقاليم أقل شراسةً من غيرهم؛ فكان الاضطهاد على أولئك المنكوبين المنكودي الحظ الذين لا ذنب لهم سوى أنهم عرفوا الحق فاتبعوه أخفَّ درجة في بريطانيا مما هو في غيرها من الممالك.
وصار الشعب يتألَّب معهم ويشاركهم في تعاستهم أسوة بالحكام والأشراف الذين لم يجردوا على المسيحيين سيوف رجزهم وغضبهم، ويرثي لهم في تلك الرزايا والنكبات.
فصار المضطهدون في الممالك الأخرى يهاجرون إلى بريطانيا لما رأوا فيها من رغد العيش بالنسبة إلى غيرها من البلدان وصارت منازل الأشراف وخصوصًا المحافل الماسونيَّة حرزًا لهم حريزًا.
ولما كان الحكام يُستبدلون بآخرين ويرى هؤلاءِ أن لا مناص لهم من تنفيذ الأوامر الملكية القاضية عليهم باضطهاد المسيحيين اضطهادًا شديدًا أو يغيِّرون ديانتهم ويشركون بعبادتهم الأوثانَ، ويقرِّبون لها الضحايا؛ كان النشيطون منهم على عمل الخير يحذرونهم بقرب الخطر ليكونوا من أمرهم على بيِّنة فلا يتظاهروا بما هم عليهِ، بل يجهدون أنفسهم ليجدوا وسائط فعَّالة لصيانة قومٍ مظلومين.
وكان بعضهم يسافر إلى أيرلندا أو إلى اسكوتسيا ريثما يهدأُ ثائر الاضطهاد الشديد وقد ذاق المسيحيون في اسكوتسيا حلاوة العيش وعرفوا غبطة الحياة فأرادوا مكافأتهم على إحسانهم الجميل وما أتوه نحوهم من الشفقة والحنان فأدخلوا معهم إلى تلك البلاد النصرانية علم البناءِ.
ومن ذلك العهد يبدأُ تاريخ البناء في اسكوتسيا الذي أنشأه المسيحيون لعظماء تلك البلاد، فإن أبنيتها مشيَّدة على نمط البنَّائين الرومانيين القائمة على مر الزمان لا تؤثر فيها أيدي الأيام تدلنا صريحًا على ما لمُنشئها من الذكاء والمهارة الفائقة.
وفي سنة ٢٨٧ خرج كاروزيوس عن طاعة مولاه وعصي على الأحكام الرومانية داعيًا نفسه إمبراطورًا، ولكنه خشي نكبات الزمان، وأن يحشد القيصر «مكسيمليانوس» شريك الإمبراطور «ديوكليتيانوس» جيشًا جرارًا فيبيده ومملكته الجديدة، فأراد أن يتخذ لنفسهِ حصنًا حصينًا من الرجال الذين اشتُهرت شجاعتهم وعُرف إقدامهم يقي بهِ نفسه وبلاده من الهلاك فلجأَ إلى جماعة البنَّائين الذين كان عددهم غفيرًا، وكانوا ذوي سطوة لا تنازع.
ولما رأى «كاروزيوس» نفسه مستقلًّا والسعد خادمه، وأنه لم يبقَ عليهِ خوف ولا خطر على سلطنتهِ من الحكام الرومانيين فتح خزائن الأموال وبذل النفس والنفيس ليجعل بلاده عظيمة ورعاياه سعداءَ فشيَّد المباني، وأقام المعالم وحصَّن القلاع ومهَّد البلاد حتى جعلها في مدة وجيزة تضاهي أعظم الممالك إن لم نقل أنها تفوقها، ولكن أعوان كاروزيوس قاموا عليهِ وقتلوه عندما اقترب الأسطول الروماني إلى بريطانيا يقل قسطنطين كلوديوس الذي انتخبه الإمبراطور «مكسيمليانوس» نائبًا عنه في غاليا وبريطانيا، وذلك سنة ٢٩٥ بعد المسيح، فاتخذ مدينة أيبوكاريوم — وهي الآن يورك — مقرًّا لحكمهِ، وكانت هذه المدينة أشهر المدن البريطانية في حسن بنائها وزخارفها وكثرة محافلها القديمة والحديثة، فأصبحت هذه المدينة مهدًا للمحافل الماسونيَّة منذ ذلك العهد.
وبعد وفاة «كلوديوس» سنة ٣٠٦ب.م في مدينة يورك خلفه ابنه قسطنطين بأمر قيصري وأبطل الاضطهادات التي كان يثيرها الأباطرة ظلمًا على المسيحيين، وأعلن نفسه حامي ذمارهم واعتنق ديانتهم، وأمر بأن تكون الديانة العامة في بلادهِ.
وزادت قوات المحافل والجمعيات مِنعةً وامتدت النصرانية في عهد قسطنطين هذا فأنشئت الكنائس بهمة لا مزيد عليها، وكان الإخوة البناءُون يشتغلون ليل نهار بهمة لا تعرف الملل ولا يعروها الكلل. وقطن قسطنطينُ يوركَ في أول حكمهِ أسوةً بأبيهِ فتعرَّف فيها برؤساءِ المحافل ونخبة أعضائها، ولما جاء الشرق سافر معه كثيرون منهم إليه.
وكانت هجمات البرابرة على الأملاك الرومانية تزداد يومًا بعد يوم فلم يعودوا يكتفون بما كانوا يأتونه من المظالم يوم كانوا ينهبون البلاد ويعيثون فيها فسادًا ثم يخلونها وشأنها في بؤس وشقاءٍ، بل صاروا إذا افتتحوا بلدة يأتون فيها أنواع المنكرات ويحتلونها غير مبالين بالعواقب؛ إذ لا شريعة تردعهم ولا مانع يمنعهم عن مثل هذه الفظائع. وهكذا أخذت بريطانيا تنسلخ عن حكم القياصرة يومًا فيومًا.
وكان الرومانيون يحاربون قبائل اسكوتسيا المتوحشة من ابتداء الجيل الثالث حربًا يشيب لهولها الولدان، ولكنهم لما رأوا بلاءهم وشيكًا، وأن الخطر يتهددهم من كل الجهات عزموا على غزو الغوطيين في بلادهم نفسها، فكان يلزمهم لذلك قوات عظيمة؛ لأن جيشهم كان منقسمًا فرقًا في كل الممالك، فعزموا على ترك بريطانيا وشأنها وبدءوا يسترجعون عسكرهم منها شيئًا فشيئًا حتى تخلوا عنها تمامًا سنة ٤٤٦ مسيحية. فدعا البريتيون مجاوريهم من القبائل لنصرتهم وتزلفوا إلى الساكسون والإنكلوس، فسارع هؤلاء إلى نجدتهم وشنوا الغارة على أهالي اسكوتسيا فانتصروا عليهم تمام الانتصار. ولكن انتصارهم كان وبالًا عليهم، وكانوا كالمستجير من الرمضاءِ بالنار؛ لأن هؤلاء الأنصار لم يسارعوا إلى تلبيتهم إلا ليقضوا لباناتهم من بلاد طالما صبوا إليها فاحتلوا بريطانيا وصاروا سبعة ممالك دُعيت أنكلوساكسون.
وكان هؤلاء البرابرة بما يأتونه من المظالم وأنواع العداءِ سببًا لشقاءٍ تام حل على الأهالي المنكوبين؛ فدمروا البلاد وخربوا المباني الكبيرة والحصون، فعادت البلاد البريطانية تذبل كزهرة قصمت يانعة، وصارت تسير القهقرى دون أمل بالترقي والنجاح.
وعندما رأى المسيحيون وسائر أهاليها المتمدنين هذه الأعمال الوحشية، وعرفوا أن بقاءَهم في البلاد شرٌّ ووبال عليهم أخذوا يهاجرون زرافات إلى بلاد الغال التي لم يفتتحها الساكسون. وهناك ثابروا على عبادتهم وأعمالهم في البناءِ كما تعلموه من أسلافهم وبدأت ريح الاضطهاد والشرور تهدأُ رويدًا رويدًا وحلَّت خيرات الزراعة والفلاحة محل شرور الحروب، ورأى ذلك بعض المهاجرين فآبوا إلى بلادهم وشرعوا يبثون في الشعب روح التعاليم المسيحية، فتَنَصَّرَ من هؤلاءِ جمٌّ غفير وزاد نشاطهم وإقدامهم لما رأوا من تداعي الطالبين للانتظام في سلك جمعياتهم الشريفة فشمَّروا عن ساعد الجد والاجتهاد وجعلوا يكرزون الأهالي ويبشرونهم بالديانة المسيحية فتكلَّل عملهم بنجاح مجيد، ولكنهم أحبطوا سعيًا عندما حسبوا ذواتهم قادرين على استجلاب الأشراف والملوك إلى كنف الكنيسة لا عامة الشعب فقط.
وفي أواخر القرن السادس أرسل البابا «غريغوريوس» الأول رجالًا عُرفوا بالفضل واشتهروا بالنبل وبحسن صفاتهم الأدبية والمادية (وهم رهبان ماري مبارك)؛ ليبشروا القبائل الساكسونيَّة، ويدعونهم إلى الاهتداء، وكان يرأس هؤلاءِ الرهبان أوستينوس الشهير بصناعة الحفر. ولم يطل زمن بعثتهم حتى قُرن عملهم بنجاح عجيب وتنصَّر ملوك الساكسونيين السبعة مع شعوبهم ورعاياهم العديدة. ولكنهم حاولوا إقناع هؤلاء المتنصرين جديدًا بسلطة الحبر الروماني وبعصمتهِ عن الزلل فأُحبطوا سعيًا ولم يَلْقَوا آذانًا صاغية، ولبث هؤلاء على اعتقادهم الأول من حيث السلطة الباباويَّة.
ولكي يطيلوا زمن سلطتهم ونفوذهم باشروا درس البناء وصناعة الحفر ودرسوا على أشهر أساتذتها حتى نبغوا فيها وساروا يبثونها في أربعة أركان المعمور، وكان الأب أوستينوس (الذي صار فيما بعد أسقف كانتربري) هو الذي حرَّك في قلوب رعيتهِ حب هذه الجمعية وأعاد لها نوعًا من عظمتها الأولى بعد أن أمسى عدد طلابها قليلًا لا يُعتدُّ بهِ.
وارتبطت المحافل والأديرة في إنكلترا وفي غيرها من البلدان برابطة الحب العظيمة. وكان يشتد نفوذ البعض حسب الأحوال، فإن كان الرئيس كاهنًا فالرئاسة للأديرة وإلا فللمحافل، ولكنهم في الحالين يعترفون برئاسة الرئيس المنتخب بأغلبية الأصوات ويدعونه عند الاقتضاءِ الأب المحترم أو الأخ المحترم، ومنهم نشأ هذا اللقب المحفوظ إلى الآن في المحافل الماسونيَّة.
وفي أواخر القرن السابع ذهب كثير من الأساقفة والكهنة البريطانيين إلى رومية، بدعوى أن يجلبوا منها التماثيل البديعة الصنع والصور الجميلة التي صنعتها أيدي المصورين البارعين، ولكن القصد الحقيقي من زيارتهم كان ليحثُّوا البنَّائين الحاذقين في صناعتهم أن يأتوا ويقطنوا إنكلترا، فسار معهم كثير من المهرة الذين أقرَّ بفضلهم العالم فأنشئوا في إنكلترا آثارًا جميلة للغاية وشيَّدوا القصور للأغنياء والأشراف وأقاموا الكنائس والأديرة للرهبان والحصون والقلاع للحكومة، وكان إكرامهم عظيمًا وشهرتهم كبيرة.
وتزلَّف إليهم عظماءُ البلاد وأعيانها ليتحدوا يدًا واحدة ويتألبوا معًا على جمع شتات الآثار الثمينة التي لعبت بها أيدي سبا، ولكن علم البناء لا يزال على رونقهِ القديم في بلاد اسكوتسيا وبلاد الغال أكثر مما هو في أماكن أخرى.
ولهذه الأسباب تقدمت المحافل الماسونيَّة في معارج الحضارة وتغيَّر أسلوبها الأول، فلم يعد أعضاؤها كذي قبل بنائين خاملي الذكر قليلي العدد، بل زاد مركزهم منعة وانتظم الأشراف والسُّراة في سلكهم وسمَّوا أنفسهم بنائين أحرارًا مقبولين.
وكان على الطالبِ الرئاسةَ أن يسافر ثلاثًا إلى بلاد بعيدة وبعد إيابهِ من كل سفر كان عليهِ أن يبرهن للجمعية وأعضائها أنه أحرز تقدمًا بيِّنًا في صناعة النقش التي بلغت في الجيل الثامن أعلى درجات الكمال في بريطانيا، فتقدمت المحافل تقدمًا بيِّنًا لهذه الشروط التي لم يكن أحد يتعداها وأحرزت شهرة عظيمة حتى دانت لها بقيَّة الجمعيات. فبينما كان الإخوة يجتمعون ويتذاكرون في أحوال النقش عمومًا وترقيته في البلاد الاسكوتسية وتأخرهِ في بلادهم كانت المحافل عمومًا تعقد جلسات خصوصية وترسل مِن قِبَلها مندوبين إلى البلاد الاسكوتسيَّة لدرس تلك الرسوم والآثار وتقليدها إذا أمكن.
وذاقت البلاد كل أنواع الظلم في حصار الدانيين لبريطانيا الذي استمر من سنة ٨٣٥ إلى سنة ٨٧٠؛ فنُهبت الكنائس وهُدمت الأديرة ودمِّر كثير من المحافل الماسونيَّة وأُحرقت أوراقها وتقاليدها التي أخذها الماسون عن أسلافهم الأقدمين، وتقهقرت الماسونيَّة تقهقرًا عظيمًا.
ولم يطل زمن هذا التأخر الذي طرأ عليها، ففي سنة ٩٢٥ قام الملك «أولستون» حفيد أَلْفِرد الأكبر ورقى ولده الثاني «أدون»، وكان نقاشًا ماهرًا، وطلب منه أن يجمع في مدينة يورك كل المحافل الماسونيَّة التي تبددت من جرَّاءِ الحصار زمن الاضطهاد وأمرهم أن ينهضوا يدًا واحدة لمساعدة البلاد ويعيدوا زمن عظمتهم الأول، ومنحهم كل الامتيازات التي أحرزوها في الجمهورية الرومانية.
وكانت المعابد والمساجد تشاد ولكلٍّ منها قديس وضعت تحت حمايتهِ، واتخذ الماسون هذه الطريقة أيضًا فيعيِّد الماسون عيد ماري يوحنا المعمدان الواقع في ٢٤ يونيو (حزيران) كل سنة باحتفال عظيم وزينة باهرة؛ لأنه شفيعهم، واختارت الماسونيَّة هذا العيد الواقع في ٢٤ يونيو (حزيران)؛ لأن الشمس تكون إذ ذاك في معظم ارتفاعها والأرض تعطي أحسن ثمارها، وذلك رمز إلى ما هم عليهِ من الكمالات الأدبية.
ولكي تبقى لهم سلطتهم من غير معارض ولا منازع، وليسلموا من الاضطهادات الدينية التي بدأ يثيرها عليهم الكهنة دعوا أنفسهم منذ ذلك الحين إخوة ماري يوحنا ومحافل ماري يوحنا، وهكذا سُمح لهم بالعمل.