المطوَّلة … رُدَّ قلبي
هذه هي القصة التي أهداها إليَّ الأستاذ يوسف السباعي منذ أسابيع، والتي أنفقتُ في قراءتها وقتًا ليس أقل منها طولًا. فهي لا تُقرَأ في يومين ولا في أيام قليلة، وإنما تُقرَأ في الأيام الكثيرة وفي الليالي الكثيرة أيضًا؛ لأنها أطول من شهر الصوم الذي انقضى أخيرًا، ومن عرقوب تلك الفتاة الذي شبَّهَه الشاعر القديم بشهر الصوم في بيته المشهور:
ولا أشبهها بليالي الشتاء؛ ففي ليالي الشتاء طول مملٌّ، وليس في قصة الأستاذ السباعي على إغراقها في الطول ما يمل أو يغري بالملل، ولكنها تمضي في طريقها هادئة حينًا، وعنيفة حينًا آخَر، فلا يكاد هدوءُها يغريك بالملل حتى تعنف فجأةً وترد عنك الملل ردًّا، وتشغلك بأحداثها وأوصافها وتغريك بالقراءة والإمعان فيها حتى تبلغ من العلم بهذه الأحداث والأوصاف ما تريد، ثم تردك مرة أخرى إلى الهدوء.
وهي لا تكاد تمضي مستقيمة مطردة حتى تلتوى بك إلى اليمين مرة، وإلى الشمال مرة أخرى، فتريحك من هذه الاستقامة التي كادت تشق عليك، ثم تردك إليها بعد أن كاد الالتواء يرهقك من أمرك عسرًا.
والفرنسيون يسمون مثل هذه القصة قصةً نهرًا، يجعلون النهر لها صفةً ولا يضيفونها إليه؛ لأنهم يشبِّهونها بالنهر في طوله، وفي كثرة ما يلتوي به مجراه، وفي كثرة ما يعترض مجراه كذلك من العقبات والصخور التي تُخرِجه عن هدوئه واطراده واستقامته، وتضطره إلى شيء من العنف والثورة والالتواء ليشق لنفسه طريقه إلى مصبه القريب أو البعيد. ولست أخفي أني إنما سميتها المطوَّلة؛ رجوعًا بالذاكرة إلى ذلك الكتاب الذي كنَّا نعرفه أيام الطلب في الأزهر، والذي كان شيوخنا يحدِّثوننا عنه ولا يقرءونه لإغراقه في الطول، وهو كتاب من كتب البلاغة.
ويكفي أن نعلم أن صفحات القصة تتجاوز الألف، ثم تتجاوز المائتين بعد الألف، وأنها تُقَدَّم إليك مرةً واحدةً لا مرات يتبع بعضها بعضًا. فإذا رأيت أمامك هذين المجلدين الضخمين أخذك شيء من الروع … ثم لم تلبث أن تحس شيئًا من فتور الهمة والإشفاق من أن تبدأها ثم تصرفك الصوارف عن إتمامها. وأشهد أني رضيت عن نفسي حين رأيتني أفرغ من قراءة الصفحة الحادية عشرة بعد المئتين والألف، وكنتُ أقدِّر أنني لن أبلغها.
وأشهد كذلك أن الأستاذ السباعي نفسه قد أخذه شيء من الدهش حين أنبأته بأني قرأتُ قصته هذه إلى آخِرها، كما أن بعض الصديق أصابهم مثل هذا الدهش، واعترفوا بأنهم حين رأوا القصة لم يحاولوا الأخذ في قراءتها لأنهم يئسوا من إتمام هذه القراءة.
وأنا بعد ذلك لا آسي على ما أنفقت في قراءتها من الأيام والليالي، بعد أن سعدت بهذه القراءة كل السعادة، واغتبطت بها أعظم الاغتباط.
فالقصة جديرة أن تقرأ حقًّا، وأن تقرأ في أناة ومهل لا في سرعة وعجل، وعسى أن تكون من خير ما أهدى الأستاذ السباعي إلى قرَّائه إن لم تكن خير ما أُهدِي إليهم، لولا هنات سيكون الإلمام بها بعد حين.
فأنت واجد في هذه القصة حين تقرؤها ألوانًا كثيرة مختلفة من تصوير الحياة المصرية في ربع القرن الأخير، تجد فيها السياسة، وتجد فيها الإسراف في البؤس، والإسراف في الثراء، والإسراف في هذا التفاوت، لا بين أبناء الوطن الواحد ولا بين أبناء المدينة الواحدة، بل بين أبناء الحي الواحد أو الجزء الضئيل من هذا الحي. فهذا القصر الضخم الفخم الذي تسرف الأيام على أهله بما تتيح لهم من النعيم، وهذا البيت الصغير الحقير الذي تسرف الأيام على أهله بما تصبُّ عليهم من الفقر والشقاء والحرمان، وبما تذكي في قلوبهم على رغم ذلك من الأمل والطموح، هذا القصر الضخم وهذا المنزل الضئيل متجاوران ليس بينهما إلا خطوات يمكن إحصاؤها. وأنت واجد في القصة إلى جانب التصوير للحياة السياسية والاجتماعية تصويرًا آخَر أعمق منه عمقًا، وأروع منه روعةً، وأشد منه إمعانًا في الجدة والطرافة والغرابة جميعًا، وأريد به الحب الذي يلغي الفروق ويمحو الآماد، ولا يحفل بالسياسة ولا يحفل بالحياة الاجتماعية، وإنما يمضي في طريقه كما تمضي القصة، يهدأ حينًا ويعنف حينًا آخَر، ويستقيم مرة ويلتوي مرة أخرى، حتى ينتهي إلى غاية بعد خطوب أي خطوب، وبعد عبث بالقلوب وتعذيب للنفوس وإرهاق للأعصاب وامتحان لقدرة الإنسان على الصبر والمطاولة، وعلى الجهاد والكفاح، وعلى النفوذ من المشكلات والتغلب على الخطوب حين يركب بعضها بعضًا، وحين تجعل حياة الناس جحيمًا لا يطاق. وأنت واجد بعد هذا كله فنونًا من تحليل النفس الإنسانية وأهوائها وعواطفها وآلامها وآمالها ودخائلها الملتوية المعقَّدَة، وأسرارها التي تكاد تخفي حتى الضمير نفسه، والتي تدفع الناس إلى أن يعملوا ويأملوا دون أن يعرفوا لمَ يأملون ويعملون؟ ثم أنت متنقل أثناء هذه القراءة بين بيئات مختلفة متفاوتة أشد التفاوت، فأنت في هذه الضيعة بين القصر الشامخ الضخم والبيت المتواضع الفقير، ثم أنت في بيئة أخرى تخالفها أشد المخالفة، بيئة المدرسة الحربية على ما لأساتذتها وطلابها وضباطها من تقاليد وعادات. وأنت في القاهرة، ثم أنت في الإسكندرية، ثم أنت على ساحل البحر مما يلي الصحراء، ثم أنت في أعماق الصحراء قد بعدت أشد البعد عن النهر والبحر جميعًا، وعشت في خيام لا يرى أهلها إلا رمال الصحراء وشمس السماء ونجومها، فقدِّر أنت ما يكون لاختلاف هذه البيئات وتفاوت الحياة فيها، والمعاشرة لأهلها من الأثر في نفسك حين ينقلك الكاتب بينها في أناة ورفق مرةً وفي سرع وعنف مرة أخرى، وليس هذا كل ما تجد في هذه القصة، بل أنت واجد فيها ألوانًا من العلم قلَّما تعرض عليك في كتابٍ؛ فحياة الجند في ثكناتهم منذ يصبحون إلى أن يظلهم الليل، ومنذ يمسون إلى أن يسفر عنهم الصبح، والصلة بينهم وبين الضباط، والصلة بين بعض الضباط وبعض على اختلاف مراتبهم ومنازلهم في نظامهم ذاك العسكري.
كل هذا تجده مفصَّلًا في القصة تفصيلًا يرضي حاجتك إلى المعرفة والاستطلاع.
ولولا أن كاتب القصة قد بَلَا حياةَ الطالب في المدرسة الحربية، وحياة الضابط منذ يتخرج من هذه المدرسة إلى أن يبلغ المرتبة التي بلغها من مراتب الجيش، لما أتيح له أن يعرض عليك هذه الفنون من المعرفة في هذه الدقة التي أشهد أنها تروق وتشوق.
وأشياء كثيرة أخرى تجدها في قراءة هذه القصة. ولست أريد أن أمضي في الحديث عنها لأني لا أريد أن أطيل كما أطال الأستاذ السباعي، ولو حاولت لما رضي قرَّاء هذه الفصول؛ فهم إلى وقتهم أشد حاجةً، وهم عليه أعظم حرصًا من إضاعته في قراءة الأحاديث المطولة، وخير لهم أن ينفقوه في قراءة القصة نفسها، فسيجدون فيها من المتعة ما هو أقوى وأقوم مما يجدونه حين يقرءون هذا الحديث.
والقصة على طولها واختلافها بين الهدوء والعنف، وبين الاستقامة والالتواء يسيرة التلخيص، أو قُلْ إن ما يمتع منها ويروق يسير التلخيص؛ فنحن في قصر شاهق أنيق من قصور الأمراء السابقين، وصاحب القصر يمشي في بستانه متفقدًا شجره وزهره وزينته، والبستاني عبد الواحد يسعى بين يديه يجيبه حين يسأل، ويطيعه حين يأمر، ويتملقه في الاستجابة والطاعة جميعًا، ولهذا البستاني غلامان لم يتجاوزا صباهما بعدُ، صحبا أباهما إلى البستان في ذلك اليوم واستخفيا حين ظهر الأمير، وإن الأمير لماضٍ في تفقُّد بستانه، يرضى حينًا ويسخط أحيانًا، ويرفق مرة ويعنف مرة أخرى، وإذا صيحة مخيفة تخرجه عما هو فيه، فإذا تبيَّن مصدرها عرف أن ابنته الصبية «إنجي» قد خالفت عن أمر أبيها، وركبت عربة من عربات النقل الخفيفة على قضبان هُيِّئَتْ لها في البستان، وانحدرت العربة بها مسرعة لا تلوي على شيء، فعرَّضتها لخطر لا شك فيه حين تبلغ غاية القضبان، والمربية تصيح مرتاعةً والأمير ينظر وليس أقل منها ارتياعًا، ولكن العربة تقف فجأةً لأن جسمًا ممتدًا على هذه القضبان قد اعترضها، فأنقذ الأميرة الصبية من الموت، فإذا حاول الأمير أن يعرف هذا الجسم الذي أنقذ ابنته، راعه أنه ليس إلا عليًّا ابن البستاني وأكبر صبيته سنًّا.
ومنذ ذلك الوقت شغفت الصبية بالصبي لأنه أنقذ حياتها، وشغف الصبي بهذه الأميرة الناشئة لأنه أنقذ حياتها أيضًا، والأميرة مدينة لهذا الصبي، ترى أن له عليها حقوقًا يجب أن تُؤدَّى إليه، والصبي مستخزٍ من مكانه ذاك ومن ظهور الأمير عليه في بستان القصر الذي لا ينبغي أن يلم به إلا السادة والخدم الذين يعملون فيه، وهو مستخزٍ كذلك من ثيابه الرثَّة وبنطلونه المرقع الذي يكره أن يرى مكان الرقعة منه. ومهما يكن من شيء فقد اتصل قلْبَا الصبيين وكان لهذا الاتصال ما بعده.
والصبي ينمو ذكي القلب، حاد الذهن، رقيق الشعور، دقيق الحس، منطويًا على نفسه، متقدِّمًا في الدراسة حتى يتاح له النجاح في كل ما يؤدي من امتحاناته. والقصة كلها تدور حول هذين الصبيين اللذين التقيا في ذلك الموقف، فلم يَنْسَ أحدٌ منهما صاحبه، وإنما استقر في قلب كل واحد منهما حبٌّ لصاحبه جعل ينمو ويشتد ويزداد قوةً على مر الأيام، حتى انتهى إلى ما لم يكن بدٌّ من أن ينتهي إليه. فابن البستاني يحب الأميرة هائبًا لها يائسًا منها، والأميرة تحب ابن البستاني رفيقة به عطوفًا عليه يائسة منه، وليس بدٌّ للحب من أن يلغي هذا الفرق الهائل بين المحبين، فلا بد من أن تنزل الأميرة إلى ابن البستاني، أو يرقى ابن البستاني إلى الأميرة، وكلا العاشقين يؤدِّي إلى الحب دَيْنه كأحسن ما يُؤدَّى الدَّيْن، فابن البستاني قد أصبح طالبًا في المدرسة الحربية بعد خطوب كثيرة ملتوية معقَّدة، والأميرة تنزل عن كبريائها، والمصادفة تهيِّئ لهما اللقاء بين حين وحين، وقد أصبح ابن البستاني ضابطًا في الجيش، وأصبح جديرًا إنْ رأته حبيبته ألَّا تقتحمه عينها، وهي سعيدة بتدرُّج الفتى في هذا الرقي، ترى في ذلك تقريبًا لما بينهما من أمد بعيد، والمتاعب تكثر والمشكلات تتعقد بين العاشقين؛ يدنوان ليبعدا ويبعدان ليدنوا، وليس بدٌّ من الثورة لتريح العاشقين من شقائهما المتصل، ولتلغي ما كان بينهما من فروق، ولتتيح لهما أن يخلصا كلٌّ منهما لصاحبه، ولكن بعد أهوال أي أهوال.
وقصة الثورة وتاريخ الأحداث التي مهَّدت لها، والظروف التي اقتضتها وما نشأ عنها من تغيُّر في حياة السادة والمسودين، وفي النظم السياسية والاجتماعية، كلُّ هذا هو الذي أطال القصة وأمعن بها في هذا الطول. ولا بدَّ من الاعتراف بأن هذه القصة تنقسم في حقيقة الأمر إلى أقسام ثلاثة: أحدها قصة الثورة وما كان قبلها وما كان بعدها من الخطوب، وهذا القسم على طوله لا يعطي القارئ شيئًا جديدًا ولا يقفه موقفًا طريفًا، وإنما هو التاريخ السياسي لمصر منذ وليَ فاروقٌ إلى أن أقصته الثورة عن مصر، وهو التاريخ السياسي كما قرأه الناس في الصحف قبل الثورة، وكما قرءوه بعد الثورة، هو التاريخ السياسي الرسمي الذي يعرفه الناس الآن، ليس فيه جديد، وعسى أن ينقصه كثير جدًّا من التحقيق والتعمق. والقسم الثاني قيِّم حقًّا، ولكنه ينفع العقل أكثر مما يمس القلب، وهو القسم الذي تُصوَّر فيه حياة الضابط المصري في بيئته العسكرية بين زملائه وبين الجند مع تفصيل مطوَّل، ولكنه نافع ممتع؛ لأنه يُظهِر مثلَك ومثلي من الذين لا يعرفون شئون الجيش ولا حياة الضابط، على حقائق من الخير لهم أن يعرفوها.
أما القسم الثالث فهو أقوم هذه الأقسام كلها وأعظمها حظًّا من الإمتاع للقلب والعقل والذوق جميعًا، وهو تصوير هذا الحب بين هذين الصبيين، وكيف نما، وكيف تطوَّر، وكيف عبث به البُعْد والقرب جميعًا، وكيف أثَّر فيه اختلاف الطبقة وتفاوت المنزلة، وكيف أتيح له آخِر الأمر أن ينتصر ويفوز.
في هذا القسم استطاع الأستاذ السباعي أن يكون كاتبًا ماهرًا حقًّا، فهو قد عرف كيف يحلِّل نفوس طائفة من الناس يتفاوتون في الطبقة والمنزلة، وفي الذكاء والغباء، وفي العلم والجهل، وفي التواضع والكبرياء، وفي الثقة بالنفس والشك فيها، وفي الإيمان بالله والشك فيه أيضًا، وفيه أتقن الأستاذ السباعي أيضًا تصوير الطموح الذي يستأثر بنفوس الطبقات الفقيرة، ويدفعها إلى الجد والكد، ويعرضها للإخفاق مرة وللنجاح مرة أخرى، ويُخرِجها على كل حال من طورها الضئيل المتواضع إلى طور الطبقة الوسطى التي لا حدَّ لمطامعها.
وفيه كذلك صوَّر الأستاذ السباعي أدقَّ تصوير وأصدقه عبثَ الشباب وافتتانهم بما يتعرضون له من المغريات، ومضيَّ هذا العبث إلى غايته مرة، وتحوُّله مرة أخرى إلى الحب القويِّ العنيف الذي يذهل صاحبه عن كل شيء.
ولو شئتُ لمضيتُ في تصوير ما تمتاز به قصة الحب والمحبين، وما يحيط بها ويكتنفها من المشكلات والخطوب، ولكن هذا القسم الثالث وحده جدير أن يكلفك قراءة القصة على طولها وعلى إسرافها في إنبائك بما تعرفه عن أنباء السياسة وخطوبها. وأنا أعترف بأني كنت أتعرَّض للملل في قراءة هذا التاريخ السياسي الطويل؛ لأني لا أجد فيه جديدًا، فلا ينقذني من الملل إلا مهارة الكاتب في الرجوع بنا إلى قصة الحب قبل أن يصرفنا الملل عن القراءة.
وليس لي بعد ذلك إلا ملاحظتان اثنتان كنتُ أتمنى ألَّا أضطر إليهما، فأما أولاهما فتتصل باللغة وهي لا تخلو من طرافة، فقد خُيِّلَ إليَّ حين أخذتُ في قراءة القصة أن الكاتب قد عاد إلى الحق ورجع إلى الصواب، وآمَن باللغة العربية الفصحى وإعرابها، ولكني لم أَكَدْ أمضي في قراءة القصة مائتي صفحة حتى راعني ما فيها من استخفاف بالفصحى، وازدراء للإعراب، وإعراض عن أيسر أوَّلِيَّاته، وتورُّط في فنون من الهجن لا تخطر لكاتب ولا لقارئ على بال، وكأن القصة طالت على الكاتب نفسه، فعني باللغة في أولها ثم أدركه السأم فأرسل قلمه بغير حساب، وكأنه قد اطمأن إلى أن مثلي من الذين يتحرجون في اللغة لن يقرءوا هذه القصة إلى آخِرها، فأطلق نفسه على سجيتها وكتب غير حافل بخطأ أو صواب، وربما لم يحفل هو بمثل هذه الملاحظة لأنه لا يهتم للإعراب، ويريد أن يشاركه الناس في الإعراض عنه والازدراء له، ولكني أؤكد له ناصحًا أن هذا الإهمال يشين قصته حقًّا، ويسيء إليها في غير استحقاق منها لهذه الإساءة.
أما الملاحظة الثانية فتتصل بآخِر القصة الذي هو جدير بفيلم من أفلام السينما كما نعرف الأفلام السينمائية في مصر؛ فهذه الأحداث الكثيرة العنيفة التي يتبع بعضها بعضًا في سرعة خاطفة، وهذا الدم الذي يُسفَك، وهذا العاشق الذي يُجرَح في ظهره، والعاشقة التي تُجرَح في قدمها، والرصاص الذي ينطلق بحسابٍ أو بغير حسابٍ، كل هذا يهبط بالقصة من منزلةٍ كانت رفيعة إلى منزلة لا أحبها لكاتب مجيد كالأستاذ السباعي.
فمتى يتاح لكتَّابنا أن يراقبوا أقلامهم، وأن يمتلكوا أنفسهم، وألَّا يستجيبوا لهذه الدعوة الخطيرة التي تدعوهم إليها السينما والتمثيل الرخيص؟
هذه قصة بدأت كأحسن ما تبدأ القصص، وانتهت كأسوأ ما تنتهي، واضطربت بين بدايتها ونهايتها في ألوان من الإجادة الرائعة والتهافت المؤلم.
ولو راقب الكاتب نفسه أولًا، وقلمه ثانيًا، لأهدى إلى قرَّائه قصةً من خير ما يُهدَى إلى القرَّاء في هذه الأيام.