أول لقاء
هبط الظلام ببطءٍ على سلسلة الجبال الصحراوية في المنطقة «ص» من أحد البلاد العربية، مكان موحش مجهول لا يعرفه إلا عددٌ قليل جدًّا من الناس. وعدد أقل منهم كان يعرف أن تحت جبلٍ من هذه الجبال يقع الكهف السري حيث مقر «شياطين الكهف السري».
وعندما أطبق الظلام تمامًا على المنطقة … لم يعد يبدو فيها إلا أضواء النجوم ولا يُسمع إلا صوت البحر القريب وهو يرتطم بجبال الشاطئ الأسود الممتد حول المنطقة «ص».
وفجأةً لمع ضوء سيارة مقبلة بسرعةٍ إلى المنطقة «ص»، ولو شاهدها شخصٌ لا يعرف الحقيقة لَظن أن سائقها يقصد الانتحار؛ فقد اندفع إلى أحد الجبال دون أن يخفض سرعته … ولكن السيارة أطلقت ضوءًا قويًّا في شكل خيط رفيع اصطدم بقاعدة الجبل وسرعان ما انفتح بابٌ في الصخرة مرَّت منه السيارة كالقذيفة … وأخذت طريقها تحت الجبل عابرةً عددًا كبيرًا من الأبواب المغلقة التي تفتح بالأشعة بحسابات دقيقة ومختلفة لكل باب.
كان في السيارة المندوب رقم «١» واسمه «أحمد» ورغم أن هذه هي المرة الأولى التي يأتي فيها إلى هذا المكان؛ فقد درس كل التعليمات بدقة وحفظها عن ظهر قلب. كما أن الجهاز الإلكتروني المركب في سيارته بطريقةٍ سرية كان يؤدِّي عمله بطريقةٍ رائعة.
كان «أحمد» في السادسة عشرة من عمره، طويل القامة، متناسق الأعضاء، قوي العضلات، وسيم الوجه … وبالإضافة إلى هذه المزايا، فقد كانت مواهبه العقلية أكبر؛ فهو شديد الذكاء، سريع البديهة … ورغم كل هذا فلم يكن انضمام «أحمد» إلى «شياطين الكهف السري» مسألةً سهلة.
توقَّفت السيارة أمام بابٍ من الصلب المصفح، ونزل «أحمد» ونظر حوله، كان هناك مَن سبقه في سياراتٍ مماثلة. وتقدَّم من الباب … ثم وضع ذراعيه على شكل المقص ومال إلى الأمام فلمست أصابعه في هذا الوضع زرَّيْن خفيفَيْن، وسرعان ما فُتح الباب فدخل «أحمد» إلى القاعة الرئيسية في المبنى السري.
كانت القاعة أشبه ببطن غواصةٍ هائلة … منحوت في الصخر، ومبطن بالصلب وفي الوسط كانت منضدة اجتماعاتٍ كبيرةٍ تحيط بها كراسي مبطنة بالكاوتشوك الأزرق، وكانت الأرقام واضحةً على الكراسي … وكان هناك ٤ أعضاء قد سبقوا «أحمد» إلى المكان وأخذوا أماكنهم وكانوا جميعًا صامتين. وجلس أحمد صامتًا هو الآخر … وفي الدقائق الخمس التالية دخل الأعضاء الثمانية الباقون، وعندما أغلق الباب الكبير وأخذوا أماكنهم دقَّتْ ساعة غير مرئية تسعَ دقاتٍ معلنة تمام التاسعة.
وعندما تلاشى صوت دقَّات الساعة سمع الجميع صوتًا يأتي من مكانٍ غير مرئيٍّ يقول: «مرحبًا بكم لأول مرةٍ في الكهف السري. إن بعضكم يعرف البعض الآخر … فقد تمرنوا معًا … ولزيادة التعارف، سيضغط كلٌّ منكم على زرٍّ أمامه وسيصعد له ملف سري يحوي كل المعلومات الخاصة ببقية الفريق.»
وضغط كلٌّ منهم على أزراره، وسرعان ما برز ملف من البلاستيك.
قال صاحب الصوت: إنكم ١٣ ولدًا وفتاة … كل منكم يحمل اسمًا ورقمًا. وهنا سنتعامل بالأرقام فقط … وطبعًا تعرفون أن كلًّا منكم يحمل رقمه المكتوب بالوشم الأخضر على جلد الرأس تحت الشعر … وقد مرنَّاكم على قص الشعر حتى لا يذهب أحدكم إلى الحلاق.
وصمت صاحب الصوت ثم مضى يقول: وأظن أنه من التكرار أن أقول إن كل شيء يتعلق بي أو بالكهف أو بكم هو من أخطر الأسرار التي لا يعلمها أحد … بل إن الكهف السري واسمه الشفري «س» ويقع في المنطقة «ص» لا يعرفه غيركم إلا أفراد يقلُّون عن عدد أصابع اليد الواحدة … طبعًا غير الذين يعملون فيه.
وعاد يقول: إن اسمي بالنسبة لكم هو رقم «صفر» وأرجو ألَّا يسعى أحدٌ منكم إلى معرفة حقيقة شخصيتي … وأظن أنه لن يستطيع … وفي ظروفٍ خاصة قد أرى أن أستقبل أحدكم وأعرِّفه بنفسي … وعليه أن يكتم الحقيقة عن الباقين.
وهبط صمت على قاعة الاجتماع وعاد رقم «صفر» يقول: لقد اخترناكم بعناية، وأنفقنا الكثير على تمرينكم … وأنتم الآن جميعًا تجيدون «الكاراتيه» واستخدام الأسلحة الصغيرة … ومعالجة المفرقعات … وغيرها من وسائل الهجوم والدفاع، وقد اخترناكم في سن ما بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة حتى لا يشك فيكم أحد … فإن العمل السري عادةً وقْفٌ على الكبار … وهؤلاء يمكن كشفهم … أما أنتم فلن يتخيل أحدٌ في العالم أنكم تقومون بهذا العمل الخطير.
وسكت رقم «صفر» لحظة ثم عاد يقول: إن هدفنا هو حماية الوطن العربي مما يتعرض له من مؤامراتٍ قد لا تتنبه إليها الحكومات أو الأجهزة المسئولة … ومع ذلك فنحن مستقلُّون تمامًا عن الحكومات … ولكن في حالاتٍ معينة سيكون لديكم اتصالٌ شفري بالأجهزة السرية الحكومية … ونرجو ألَّا نلجأ إليها إلا في الحالات القصوى.
وبعد توقف قصير عاد رقم «صفر» يقول: لقد دعوتكم اليوم لا للتعارف فقط ولكن لأن هناك مهمةً خطيرةً وعاجلةً في حاجةٍ إليكم. وقبل أن أشرح لكم طبيعة هذه المهمة سأترك لكم ربع ساعةٍ يطلع فيها كلٌّ منكم على الملف الذي أمامه … وبعد ذلك سيختفي الملف وإني أعتمد على ذكائكم في حفظ المعلومات التي به؛ فقد اخترتم جميعًا على أعلى درجةٍ من الذكاء والثقافة. ونظر «أحمد» إلى الملف الذي أمامه وأخذ يقرأ بالترتيب:
- رقم «صفر»: لا معلومات.
- رقم «١»: من مصر: يجيد القيادة والتخطيط وأعمال التجسس، وفتح الخزائن.
- رقم «٢»: عثمان من السودان: يتميَّز بسرعة الجري، وبقدرته على قذف كرةٍ من المطاط المضغوط بدقَّةٍ في الرأس فتصيب مَن ترتطم به بالإغماء … فهي تقوم مقام المسدس ولكن لا تقتل.
- رقم «٣»: إلهام من لبنان: سبَّاحة وغوَّاصة ماهرة. تُجيد حسابات الأرقام بسرعةٍ مذهلة؛ تخصص مفرقعات.
- رقم «٤»: هدى من المغرب: تُجيد قذف الخناجر من بعيد.
- رقم «٥»: بو عمير من الجزائر: من أمهر من يستخدمون المسدسات والمدافع الرشاشة.
- رقم «٦»: مصباح من ليبيا: متخصص في الأجهزة الإلكترونية.
- رقم «٧»: زبيدة من تونس: تُجيد التنكر، ومتخصصة في الهندسة الكهربائية.
- رقم «٨»: فهد من سوريا: لاعب أكروبات. يمكنُه القفز على كرسي مطاط إلى ارتفاعات كبيرة لدخول المنازل والهرب من الحصار.
- رقم «٩»: خالد من الكويت: بطل في الملاكمة. يُجيد الضرب بالبندقية وتجهيز المفرقعات.
- رقم «١٠»: ريما من الأردن: تجيد حل الرسائل الشفرية.
- رقم «١١»: قيس من السعودية: خفيف الحركة. يُجيد الضرب بالخنجر على مسافة بعيدة.
- رقم «١٢»: باسم من فلسطين: يُجيد فتح الأبواب والخزائن المغلقة.
- رقم «١٣»: رشيد من العراق: متخصص في تدبير الفخاخ.
وعاد «أحمد» ينظر إلى المعلومات الخاصة ﺑ «إلهام». كانت زميلته في التدريب وأحس بقلبه يخفق، ثم رفع بصره إليها … كانت تجلس أمامه … وبدَتْ ملاكًا في وسط الشياطين.
ومضى ربع الساعة … واختفت الملفات، وسمعوا صوت رقم «صفر» يقول: هناك أعضاء آخرون من بقية الدول والإمارات العربية ولكنهم ما زالوا تحت التمرين … وسوف ينضمُّون إليكم قريبًا … والآن إليكم المهمة … وستعملون جميعًا في جمع المعلومات عنها … ثم ستتكون فرقة عمل من ٥ أفراد فقط، هي التي ستتولَّى التنفيذ.
وساد صمتٌ لحظة … ثم عاد يقول في صوتٍ عميق: «إن المهمة …» … ولكن رقم «صفر» لم يتم جملته؛ ففي هذه اللحظة حدث انفجارٌ قريب … ثم سلسلة من الانفجارات … وانطفأت الأنوار … وفي الظلام لمعت طلقات مدافع رشاشة موجهة إلى الأعضاء … وأدرك «أحمد» أن هجومًا من مجموعةٍ معاديةٍ يشنُّ عليهم … وكان شيئًا مدهشًا حقًّا … كما قال في نفسه … أن يستطيع أعداؤهم معرفة مكانهم بهذه السرعة.
وانطرح الأعضاء أرضًا، وزحف «أحمد» بسرعةٍ تحت المائدة والتقى ببعض زملائه يزحفون في نفس الاتجاه … كانوا جميعًا يفكرون في نفس الشيء: ماذا حدث بالضبط؟
وكان صوت المدافع الرشاشة يفرقع في صالة الاجتماعات الواسعة وأحاديث مرتفعة تُسمع هنا وهناك … وأقدام تجري في كل اتجاه … ثم بدأ الجميع يحسون في الهواء رائحة غامضة … وعرفوا جميعًا بفضل التمرين الشاق والجاد أن غازًا سامًّا يتسرَّب … وكانوا جميعًا يحملون أقنعة الوقاية من الغازات السامَّة فأسرعوا يرتدونها …
استطاع أربعةٌ من الشياطين الوصول إلى طرف المائدة سريعًا، ثم قفزوا في الظلام إلى حيث كانت الأصوات الإنسانية المتحدثة، وقفز «أحمد» و«قيس» و«رشيد» و«إلهام» على أربعة أشباح كانت تتحرَّك في الظلام واستطاع «أحمد» بضربةٍ محكمةٍ من يده أن يُصيب وجه الشبح … ولكن الرجل لم يسقط، فطار «أحمد» في الهواء ووجَّهَ إليه بقدمه ركلة قوية في بطنه … وسمع صوت الشبح وهو يتأوَّه ثم يسقط أرضًا.
والتفت «أحمد» إلى حيث كانت «إلهام» تشتبك في صراعٍ مع شبحٍ آخر ودفعَتْه عواطفه نحوها أن يطير كالبرق وينقض على الشبح واستطاع أن يصل إلى عنقه … وبذراع حديدية ضغط على رقبته من الخلف … وعلى ضوء الطلقات الطائرة في الهواء … استطاع «أحمد» أن يرى بقية الشياطين، وهم يشتبكون في صراعٍ عنيفٍ مع مجموعة الأشباح التي كانت تجري هنا وهناك … بينما أخذت أصوات المدافع الرشاشة تتناقص …
وفجأةً أُضيئت الأنوار كما أُطفِئت … وسمع الجميع صوت رقم «صفر» يتحدث قائلًا: شكرًا لكم …
كانوا جميعًا واقفين بجوار الباب الضخم … وقد صرعوا سبعةً من الأشباح المهاجمة، وعلى الضوء كانت دهشتهم شديدةً عندما شاهدوا الأشباح التي كانت وجوهها مغطاةً بأقنعةٍ سوداء تنسحب في هدوءٍ من خلال فتحاتٍ ظهرَتْ في جدار الصالة الواسعة.
وعاد رقم «صفر» يقول: لقد أدَّيتم واجبكم … وكانت هذه مجرد تجربة!
قال «أحمد» في نفسه: تجربة! … يا لها من تجربة! …
وعاد رقم «صفر» يقول: كنا نريد أن نضعكم في اختبارٍ من أول اجتماع حتى نرى هل أنتم على استعدادٍ لمواجهة أعدائكم … لقد كانت الانفجارات مصطنعةً … وطلقات المدافع زائفة … والغازات ليست سامَّة … وهؤلاء الذين اشتبكتم معهم من العاملين في الكهف.
كان «أحمد» قريبًا من «إلهام» وهما يعودان إلى المقاعد فقالت له بعد أن خلعت قناعها: شكرًا لك …
ونظر «أحمد» إلى وجهها الجميل وابتسم قائلًا: للأسف … كان خطرًا زائفًا …
إلهام: على كل حال لقد أقدمت على إنقاذي دون أن تدري نوع الخطر! …
وعاد الاجتماع إلى هدوئه. وعاد رقم «صفر» يقول: إننا أعداء الظلم. ونحن نعمل من أجل العدالة لكل إنسان. ومهمتنا لا تقتصر على الصراع من أجل الأشياء العادية فقط … ولكن من أجل القيم الإنسانية أولًا.
وصمت رقم «صفر» دقيقةً ثم قال: والآن، إليكم مهمتكم الأولى.
ونظر شياطين الكهف السري بعضهم إلى البعض الآخر. كانوا جميعًا مشوقين إلى معرفة المغامرة الأولى: فما هي؟
قال رقم «صفر»: لقد وصلت إلينا معلوماتٌ أن عصابة قوية من أعتى المجرمين سوف تحاول نسف آبار البترول في أحد البلاد العربية … ونحن لا نعرف ما هو البلد العربي الذي ستتم فيه المحاولة … والمطلوب منكم أولًا جمع المعلومات عن أي تحركاتٍ مشبوهة حول آبار البترول في المناطق البترولية الهامَّة.
وسكت رقم «صفر» لحظاتٍ ثم قال: إن هذه العصابة مؤجَّرة من دولٍ مُعادية، وهي مزودة بكل ما يخطر وما لا يخطر على البال من أسلحةٍ وخطط. وقد تكون هذه العصابة قد تسرَّبت إلى البلاد العربية الآن … فأرجو سرعة العمل على كشفها …
قال رقم «٩»: هل سنتحرك في جماعات أو منفردين؟
رد رقم «صفر»: في جماعات … فأنت رقم «٩» عليك بالعمل في منطقة جزيرة اللؤلؤة التي تقع في الخليج العربي، وسيُساعدك رقم «١» من مصر، ورقم «٣» من لبنان، ورقم «٢» من السودان، ورقم «٧» من تونس.
وسأل رقم «١٢»: هل الاجتماعات ستكون دورية … أي محددة سلفًا؟
فرد رقم «صفر»: لا، سنستدعيكم كلما احتاج الأمر … وستكون اجتماعاتكم على فتراتٍ متباعدة … فنحن لا نحبُّ أن نجمعكم في مكانٍ واحدٍ خوفًا عليكم من المؤامرات.
وساد صمتٌ عميق وقال رقم «صفر»: والآن أنتم تعرفون وسيلة الاتصال بي … وأنتم الآن مدعوون لتناول العشاء والتعرف على بعضكم البعض … وستنصرفون فرادى … وبين كل واحد والآخر مسافة ومدة خمس دقائق … وسأنتظر تقاريركم بعد أسبوع.
وسُمع صوت بابٍ يفتح ثم يغلق … وباب آخر يفتح في جانب الصالة وقام الشياطين اﻟ «١٣» للعشاء والتعارف.