لعبة المسدسات
أسرع «أحمد» إلى الغرفة التي سيختفي فيها وأسرعت «إلهام» تفتح الباب، وقد أصابها بعض الارتباك عندما عرفت أنهم أكثر من شخص. وعلى عتبة الباب رأَتْ «جاتمان» مكشِّرًا عن أنيابه في ابتسامة مقيتة صفراء وخلفه يقف «مندوزا» وهو يدير رأسه في مختلف الاتجاهات يدرس المكان.
دخلا … وتراجعت «إلهام» إلى الخلف وقال «جاتمان» بلا مقدمات: أين المسدس الذي نشلتِه أيتها الصغيرة؟
وأدركت «إلهام» أنه أخفى عن زميليه حقيقة أنها استولَتْ منه على المسدس بالقوة وليس بالنشل. وقرَّرَت أن تُجاريه، فإن احتفاظها بهذا السر قد ينفعها.
كان كل ما يهمُّها أن تعرف سرَّ الساعة التاسعة … ماذا سيحدث فيها؟ وأين؟ وجلست «إلهام» ودعت الرجلَيْن إلى الجلوس قائلة: لقد أرسلت لك لتحضر وحدك!
رد «جاتمان»: إن «مندوزا» ليس غريبًا … إنه صديقي …
لم يُشر «جاتمان» إلى أن «إلهام» كانت تسأل عن «مندوزا» من قبل … فهو إذن لم يقُل كيف التقى بها. وارتاحت إلى هذا … فقد كانت تخشى أن يواجهها بما قالته أنها كانت تبحث عن «مندوزا».
ونظرت «إلهام» إلى «مندوزا» كان كل ما فيه ينطق بالشرِّ والقوة … وبينما جلس «جاتمان» قريبًا منها أخذ «مندوزا» يطوف بالصالة الكبيرة باحثًا منقِّبًا … كانت النوافذ مغلقة … وضوء لمبة الكهرباء لا يُبدِّد كثيرًا من ظلام الصالة الكبيرة … وأحسَّت «إلهام» برجفةٍ عندما وجدَتْ «مندوزا» يفتح أبواب الغرف واحدة واحدة، وينظر داخلها، وعندما وصل إلى الغرفة التي بها «أحمد» قالت «إلهام»: عمَّ تبحث يا مستر «مندوزا»؟
التفت إليها قائلًا: هل أنتِ وحدك؟
إلهام: نعم!
مندوزا: شيء غريب!
وأطلَّ داخل الغرفة، وانتظرَتْ «إلهام» أن تتحرَّك الأحداث سريعًا، ولكنه عاد فأغلق الباب واتجه إليها ثم قال وهو يشير بأصبعه إلى فوق: والدور الثاني، هل خالٍ أيضًا؟
إلهام: قلت لك إنني وحدي في المنزل يا سيدي؟
مندوزا: ولكن لماذا هذا المكان البعيد لتسليم المسدس إلى «جاتمان». إنه شيءٌ يُثير الريبة يا صغيرتي!
إلهام: إنني أطمع في أن أحصل على بعض المال مقابل المسدس؟
مندوزا: كنتِ تستطيعين الحصول على المال في فندق «الشيراتون» بدلًا من هذا المنزل البعيد المهجور!
إلهام: لقد خشيت أن يسلمني المستر «جاتمان» إلى الشرطة بتهمة سرقة مسدسه.
وضاقت عينا «مندوزا» وقال: أنتِ إذن لا تعملين مع الشرطة؟
رسمت «إلهام» ابتسامةً على فمها وهي تقول: أنا أعمل مع الشرطة؟
وضحكَتْ وهي تُكمل: إنهم يطلبونني لأكثر من تهمة!
فجأة تقدَّم «مندوزا» منها حتى لاصق وجهه وجهها وقال: أجيبي بسرعةٍ وبصراحةٍ يا صغيرتي، إذا لم تكوني مع الشرطة، فمع من تعملين؟
إلهام: لا أفهم ماذا تقصد يا سيدي.
مد «مندوزا» يده وأمسك كتفها بأصابع حديدية وقال: إنني لا أحب أن أقسوَ عليك، ولكن مسألة أنكِ نشلتِ مسدس «جاتمان» لا تدخل رأسي … إنكما تكذبان … إن نشل مسدس تحت ذراع رجل مثل «جاتمان» ليس مسألةً سهلة … فما هي الحكاية بالضبط وماذا تعرفين عنَّا؟
نظرَتْ «إلهام» إلى «جاتمان» نظرةً سريعة. ووجدَتْ وجهه يشحب وأدركت أنه يخشى أن يعرف «مندوزا» الحقيقة. فقالت: الحقيقة أن مستر «جاتمان» تعثر وسقط منه المسدس دون أن يدري.
كانت تُدافع عن «جاتمان» ولم تدرك أن الثعلب الشرير يفكر لها في مصيرٍ آخر فقد قال: هاتي المسدس.
إلهام: أخرج محفظتك أولًا وادفع لي؟
وبسرعةٍ مد «جاتمان» يده ليس إلى محفظته … ولكن إلى حقيبة يدها وجذبها سريعًا ثم فتحها وأخرج مسدسه في لمح البصر … وقبل أن يمكن أحدًا من منعه كان قد أطلق مسدسه عليها.
لم ينطلق من المسدس رصاص، ونجحت خطة «أحمد» في إنقاذ حياة «إلهام» لعدة ثوانٍ … فقد ظن «جاتمان» أن مسدسه فارغٌ من الرصاص، وعندما صدر الصوت المكتوم عن المسدس حدث شيئان في وقتٍ واحد … فتح «أحمد» الباب ودخل … وانطلقت يد «مندوزا» في لكمةٍ هائلةٍ أصابَتْ «جاتمان» فسقط على الأرض … وتقدَّم «مندوزا» سريعًا ليمسك «إلهام» عندما سمع خطوات «أحمد» وهو ينقض عليه كالنمر … ابتعد «مندوزا» عن «أحمد» وهو يمدُّ يده بسرعة البرق إلى مسدسه، ولكن «إلهام» كانت أسرع منه في الوصول إلى مسدس «جاتمان» الذي سقط على الأرض فرفعته بسرعةٍ في وجه «مندوزا» قائلة: دعك من مسدسك يا «مندوزا»!
وضع «مندوزا» يده على مسدسه قائلًا في تكشيرة مرعبة: إن المسدس الذي معكِ خالٍ من الرصاص …
قالت «إلهام»: أنت واهم!
وأسرعَتْ تُطلق رصاصةً أزَّت بجانب أذن «مندوزا» فأدرك أن المسدس محشو وغمغم من بين أسنانه: الغبي!
قرَّر «أحمد» سريعًا أن يستفيد من سيطرتهما على الموقف فقال: والآن يا مستر «مندوزا» ما هي حكاية الساعة التاسعة هذه الليلة؟
تغيَّر وجه «مندوزا» سريعًا ونظر إلى «أحمد» مصعوقًا ولم يرد فقال «أحمد» مكررًا: الساعة التاسعة الليلة ماذا؟
قال «مندوزا» وقد عاد يتمالك أعصابه: سأكون التاسعة جالسًا في مطعم «الشيراتون» أتناول عشائي. هل هذه مسألةٌ مهمة؟
أحمد: قد يحدث هذا أو لا يحدث، المهم ماذا سيحدث في التاسعة هذه الليلة؟
مندوزا: لا أعلم عن أي شيءٍ تتحدث؟
أحمد: لعلك تتحدث إذا سلَّمناك لرجال الشرطة!
مندوزا: سيُسعدني جدًّا أن أتعرف برجال الشرطة … فليس لديهم ما يُدينني؟
كان «أحمد» و«إلهام» يركِّزان انتباههما تمامًا على «مندوزا» فلم يلتفتا إلى «جاتمان» الذي كان قد أفاق من سقطته، وأخذ يتحرَّك كالثعبان في اتجاه «إلهام»، وفجأةً جذب ساقيها فسقطت على الأرض … وأشهر «مندوزا» مسدسه وهو يقول: جاء الآن دوركما في الحساب.
وتقدَّم من «أحمد» ولطمه لطمةً قويةً على وجهه أسالت الدم من أسنانه وقال: أنت أيها الفأر الصغير … ماذا تعلم عن الساعة التاسعة؟ ستتحدث فورًا وإلا هشمت أسنانك، وعجنتك كاللحم المفروم!
وضع «أحمد» يده على فمه يمسح الدم … بينما كانت عيناه تنظران في اتجاه «إلهام» التي وقفت وبجوارها «جاتمان» وقد وضع مسدسه على رأسها، وقال «مندوزا»: لا تُطلق النار يا «جاتمان» … إنك تتصرف بغباء هذه الأيام.
قال «جاتمان» من بين أسنانه: إن المسدس كاتمٌ للصوت … ولن يعرف أحد …
مندوزا: أعرف أن عليه جهازًا كاتمًا للصوت … ولكن جريمة قتل في هذا البلد ليست مسألةً هينة … ولا تنسَ الشاب الذي أحضرنا فقد يعود في أية لحظة!
والتفت إلى «أحمد» قائلًا: هيا. هيا. ماذا تعرف عن الساعة التاسعة؟
قال «أحمد» بوضوح: أعرف أنكم ستقومون فيها بعملٍ شريرٍ ضد هذا البلد الذي استضافكم.
مندوزا: فهمت. فهمت. المهم كيف عرفت؟
أحمد: لا أظن أنني سأقول لك!
قال «مندوزا» موجهًا حديثه إلى «جاتمان» دون أن يرفع عينيه عن «أحمد»: أسرع بالخروج يا «جاتمان» … اذهب إلى «الشيراتون» … وقل ﻟ «بلور» أن يتصل ﺑ «الحوت» ويطلب تأجيل العملية إلى موعدٍ آخر … ثم غيِّرا «الشيراتون» إلى فندقٍ آخر. واستخدما جوازات سفر جديدة … ثم احضر عندما يهبط الظلام ومعك سيارة، واطلب من الحوت أن يُرسل زورقًا إلى المنطقة «١٦» على الشاطئ في التاسعة ليلًا فسوف ننقل الفتى والفتاة إلى هناك.
وانطلق «جاتمان» لتنفيذ تعليمات «مندوزا»، واختار «مندوزا» كرسيًّا جلس عليه، وبطرف عينه نظر إلى ساعته وقال: أمامنا نحو ساعتَيْنِ … ويمكن بالطبع أن نتحدث قليلًا.
كان «أحمد» يقف هادئًا تمامًا … وأشار إلى «إلهام» أن تجلس. وبالرغم من الموقف الخطير الذي يُحيط بهما كان يشعر بقدرٍ من الرضا … فقد تأجلت عملية النسف … ولعله يستطيع مع أصدقائه أن يكشف عنها ويوقفها. أو تضطر العصابة الخفية أن توقف العملية كلها بعد كل ما حدث.
أخرج «مندوزا» سيجارةً أشعلها … وأخذ يرمق «أحمد» و«إلهام» لحظات ثم قال: رغم كل شيءٍ فأنا معجب بكما … لقد تصرفتما بحكمةٍ وشجاعة … لا تناسب سنكما … فمن المؤكد أنكما تلقيتما تدريباتٍ جيدة جدًّا حتى تتصرَّفا بهذه الطريقة … فما هي الجهة التي خلفكما؟ وهل لكما أصدقاء آخرون؟
لم يرد «أحمد» ولا «إلهام» وعاد «مندوزا» إلى الحديث قائلًا: إنني سأتقدم لكما بعرض طيب … فأنتما الآن بين أيدينا، وبعد أقل من ساعتَيْن ستكونان في مكان مجهول لا يعرف مكانَه مخلوقٌ سوانا … وسيكون من الممكن التخلُّص منكما ببساطةٍ فهل تقبلان العرض؟
لم تتحرَّك عضلةٌ واحدةٌ في وجه «أحمد» أو «إلهام» فمضى «مندوزا» يقول: سأعرض عليكما ثروةً من المال مقابل المعلومات التي أطلبها … سأعطي كلَّ واحدٍ منكما ألفَ جنيه نقدًا … وسأنسى تمامًا كل ما حدث … بل إنني على استعداد لأن آخذكما معي خارج الخليج إلى أي مكان تختارانه … وأُهيِّئ لكما حياة سعيدة إذا لم تكن لكما ارتباطاتٌ هنا أو في أي مكان آخر.
ساد الصمت الصالة. وظل «مندوزا» راسمًا ابتسامة على شفتيه في انتظار إجابةٍ من الصديقَيْن. ولكن ما كان يدور في رأس «أحمد» أو «إلهام» كان أبعد ما يكون عمَّا يتصوَّره «مندوزا».
كان «أحمد» يفكر في «عثمان» و«زبيدة» و«خالد» ماذا يفعلون الآن؟ إنهم جميعًا يعرفون القرية … ويعرفون المنزل فلماذا لم يتصرفوا حتى الآن؟ هل حدث لهم شيءٌ … هل هناك بقيةٌ للعصابة استطاعَتْ أن تقبض عليهم أو تقضي عليهم؟
وعاد «مندوزا» للحديث قائلًا: إنني على استعداد لرفع المبلغ. بل إنني أترك لكما حرية تحديده … فالجهة التي أعمل لحسابها يمكن أن تدفع لكما أي مبلغ …
قال «أحمد»: إنك تتعب نفسك عبثًا يا مستر «مندوزا» … إننا لا نعمل من أجل النقود وإلا لاخترنا عملًا آخر … إننا نعمل من أجل المبادئ … ومن أجل الوطن العربي … فهل تتصور أن أي مبلغٍ يمكن أن يشتريَ مبادئ الإنسان، أو يبيع وطنه من أجله؟
قال «مندوزا» في هدوء وإن كانت أصابع يده تنقر على فخذه: إنكما طفلان وتفكران في مثالياتٍ لا وجود لها.
أحمد: هذه هي المشكلة باستمرار … المشكلة بين المبادئ وبين الماديات!
مندوزا: إنك فيلسوف صغير … ولكنك تأخذ الجانب الخطأ من القضية. اسمعا نصيحتي!
توقف الحديث … ومضى الوقت … وهبط الظلام على القرية البعيدة، وعلى البيت القديم المهجور … وقرب التاسعة وقف «مندوزا» وأخذ يتمشى في الغرفة الواسعة دون أن يخفض مسدسه … أو تغادر عيناه الفتاة الهادئة التي كانت تجلس في كبرياء … ولا الفتى المفتول العضلات الذي جلس قريبًا منها وأخذ ينظر إليهما مبتسمًا ومشجعًا.
قال «مندوزا»: قصة حب ظريفة … لماذا لا تأخذان المال وتذهبان بعيدًا حيث تعيشان في سعادةٍ دائمة؟ …
وقبل أن يسمع جوابًا رنَّ في الصمت صوت سيارةٍ مقبلة من بعيد، وأخذ الصوت يرتفع شيئًا فشيئًا حتى توقَّفَت السيارة أمام باب المنزل، وخطر «لأحمد» و«إلهام» معًا أنه من الممكن أن يكون أصدقاؤهم في السيارة … وسمعوا في الصمت باب السيارة يُفتح ويُغلق … وتعلَّقت العيون بالباب.