متطوعون للإنقاذ
اقترب الصديقان من غرفة القبطان الذي كان يقف أمام أجهزة القيادة يلقي بسيل من الأوامر … وفهم «أحمد» و«إلهام» أنه أخذ قرارًا بالصعود إلى سطح الماء.
وكان «مندوزا» يقف بجواره، وقد كشر عن أسنانه، وهو يقول: أليس من الممكن إصلاحها؟ إننا سنصعد لنواجه القتل!
وارتفع صوت الماكينات وهي تهدر … وبدأ البرج الرابض في ظلام الماء يتحرك بجهد شديد صاعدًا إلى فوق. وهمس «أحمد» في أذن «إلهام»: هل تتصورين أن الأصدقاء وراء هذا العمل؟
إلهام: لا أدري!
صاح القبطان في جهاز الاتصالات داخل البرج: عندما نصعد إلى السطح تكون الزوارق جاهزة للإبحار … واستخدموا المدافع الرشاشة في الالتحام مع العدو!
وفي جانب من غرفة القبطان فتح باب بطريقة أوتوماتيكية … ومن داخله أطلَّت صفوف من المدافع الرشاشة … وبدأ دخول عدد من البحارة الذين يرتدون ملابس الغوص يتجه إلى صفوف المدافع كل منهم يحمل مدفعه ويجري … وقالت «إلهام» ﻟ «أحمد» هامسة: سأدخل.
وقبل أن تنتظر إجابته كانت قد تجاوزت عرض الدهليز حيث كانا يقفان، واندفعت إلى الغرفة وأخذت دورها في حمل مدفع رشاش، وخرجت وعادت إلى «أحمد».
قال «أحمد»: ادخلي مرة أخرى وهاتي مدفعًا آخر … إن وجهك مختفٍ ولن يتبين أحدٌ أنكِ دخلتِ مرتين.
ناولت «إلهام» المدفع إلى «أحمد» ودخلت مسرعةً وحملت مدفعًا آخر. واستدارت لتنصرف عندما قال القبطان مشيرًا إليها: أنت أيها البحار!
وتوقفت «إلهام» في مكانها … ثم بدأَتْ تستدير وقد رفعت المدفع استعدادًا لإطلاقه ولكن القبطان مضى يقول: اذهب حالًا إلى السجن وأحضر الفتى الذي هناك … ثم ابحث عن الفتاة التي كانت هنا وهاتها معه. ولم تتوقَّف «إلهام» وتظاهرَت أنها مسرعة لتنفيذ الأمر وغادرت الغرفة.
كان «أحمد» في انتظارها فأسرعا يبحثان عن السلم الذي يؤدي إلى السطح وكانا يضطران إلى الاختباء كلما واجها بعض المارة فقال «أحمد»: يجب أن أجد ثيابًا أنا الآخر.
ومر بهما بحار وهما مختفيان خلف أحد الأبواب … فبرز «أحمد» بشكل مفاجئ أمام البحار … وبضربة واحدة من قاعدة المدفع أسقطه على الأرض، وسرعان ما جرَّاه داخل الغرفة، ولبس أحمد ثيابه.
وعندما خرجا تبعا البحارة الذين كانوا يتجهون إلى السلالم وكل منهم يحمل مدفعه الرشاش … ووقفا بين البحارة … وتأرجح البرج لحظات، ثم قال أحد البحارة: لقد صعدنا فوق البحر … هيا!
واندفع هواء بارد من باب فتح في سطح البرج … وبدأ البحارة يصعدون. وصعد «أحمد» و«إلهام» معهم.
جرى البحارة على شرفات البرج المستدير، وقد أطلقت كشافات قوية تكشف كل ما حول البرج … ولكن لم يكن هناك أحدٌ على الإطلاق.
وظهر في هذه اللحظة القبطان وبجواره «مندوزا» وقال أحد البحارة: لا شيء هنا يا سيدي على الإطلاق.
قال القبطان: شيء لا يصدق! … ولكن هذا حسن على كل حال … أريد أن ينزل خمسةٌ من البحارة إلى ما تحت البرج لتحديد مكان الانفجارات وحجمها.
وتقدم ثلاثة بحارة، وأسرع «أحمد» و«إلهام» وانضمَّا إلى الثلاثة، فقال القبطان: هذا حسن … اتركوا مدافعكم وهيا! …
وأنزل الجميع مدافعهم، وسلمت كشافات ضوئية للاستخدام تحت الماء لكلٍّ منهم … ثم قفز الجميع إلى الماء.
كان «أحمد» بجوار «إلهام» فأشار لها أن تتبعه وأخذا يبتعدان عن البرج … وهما غائصان في الماء … ولاحظا وجود مواسير ضخمة تمتد من جسم البرج … ولم يجدا لها تفسيرًا … وظلَّا يسبحان مبتعدَيْن حتى قطعا مسافةً طويلةً ثم صعدا إلى سطح الماء … وأزاحا قناعيهما … وقالت «إلهام»: لقد نجونا!
أحمد: إن العطب الذي أصاب البرج سيحتاج إلى وقت لإصلاحه، وأعتقد أنه لن يستطيع الإبحار قبل أيام.
ونظرا إلى الشاطئ … كان بعيدًا … وكانت عقود الأضواء على طول الكورنيش المحيط بالمدينة يتلألأ بالنور.
قال «أحمد»: سنتجه إلى الشاطئ.
وبدأ الاثنان يسبحان … وفجأةً توقف «أحمد» وقال: اسمعي …
وتوقَّفت «إلهام» وأنصتت … ولم يكن هناك شكٌّ أن مجاذيف تضرب وجه الماء في هدوء بالقرب منهما.
توقفا تمامًا عن السباحة … وأخذا يحدقان البصر في الظلام وعلى بعد نحو عشرة أمتار منهما كان ثمة زورق يقترب متجهًا إلى البرج … وظل القارب حتى أصبح على بعد قريب منهما … وهنا رفع «أحمد» كشافه وأطلق ضوءه اللامع على الزورق … وكانت المفاجأة كاملة … فقد كانت «زبيدة» هي التي تجدف!
وصاحت «إلهام»: زبيدة!
واستدارت «زبيدة» إليهما … وأطلق أحمد إشارة ضوئية متفقًا عليها فاقتربت «زبيدة» منهما … وسرعان ما صعدا إلى الزورق …
قال «أحمد»: ماذا تفعلين هنا وحدك؟
زبيدة: إنني لست وحدي … لقد سبقني «عثمان» و«خالد» إليكما!
أحمد: كيف؟
زبيدة: لقد فتشنا أمتعة الرجال الثلاثة، وعثرنا في جيب سري على خريطةٍ أوضحت لنا كل شيء … وقد كان «عثمان» موجودًا معكما في المنزل المهجور … وصل بعدكما بدقائق قليلة، وتسلَّق من حيث لا يشعر أحد إلى الدور الثاني، وسمع كل شيء … وعرفنا مكان النقطة «١٦» على الخريطة … ورأيناكما عند أخذكما في الزورق ثم تبعنا الزورق حتى مكان البرج … وشاهدنا دخولكما إلى البرج.
أحمد: أنتم الذين وضعتم المتفجرات؟
زبيدة: نعم … وقد وضع «عثمان» كمية تكفي لإعطاب البرج دون أن تغرقه خوفًا عليكما … وكنا نعتقد أنكما ستدركان أننا الذين قمنا بالتفجير لتحسا أننا قريبون منكما.
أحمد: كانت خطة بارعة … فقد صعدوا بالبرج إلى فوق … وكنا قد حصلنا على ثياب غواصين، فلم يكتشفوا أمرنا، وقفزنا إلى الماء ولكن أين «عثمان» و«خالد»؟
زبيدة: إنهما يسبحان قريبًا من البرج في محاولة للتدخل لإنقاذكما، فقد توقعا أن يصعد البرج إلى ما فوق الماء.
قال «أحمد»: وهو يقف: هل معكِ أسلحة؟
زبيدة: معي قنابل يدوية مغلفة بالبلاستيك … ومتفجرات …
أحمد: هاتي القنابل … وأَسرِعا إلى الشاطئ … اتصِلا بالجهات الحكومية المسئولة بالشفرة واطلبا إرسال زوارق مسلحة إلى مكان البرج … ولا تكشفا شخصيتكما.
إلهام: وأنت؟
أحمد: سأعود للبحث عن «عثمان» و«خالد».
إلهام: آتي معك؟
أحمد: لا داعي لذلك … إننا الثلاثة يمكن أن نسيطر على الموقف بالقنابل لحين وصول الزوارق … والبرج فيما أعتقد لن يستطيع التحرك من مكانه.
إلهام: ولماذا لا تعودون معنا الآن … ونرسل الزوارق؟
أحمد: من في البرج سوف يبحثون عنا … وعندما لا يجدوننا سيحاولون الفرار … ويجب أن نكون على مقربة منهم لمنعهم!
وأخذ «أحمد» سلة القنابل ثم قفز إلى الماء … وبينما اتجه الزورق إلى الشاطئ مسرعًا عاد «أحمد» في اتجاه البرج … كانت الأضواء قد خفتت ولم يبقَ إلا ضوءٌ واحد يدور حول البرج محاولًا كشف ما حوله … واستطاع أن يصل قرب البرج مبتعدًا عن دائرة الضوء، وكان متأكدًا أنه سيجد الصديقَيْن حول دائرة الضوء أيضًا.
وأخذ يلف محاذرًا وهو يطلق إشارته الضوئية بين فترة وأخرى … وبعد أن قطع نصف دورة جاءت إشارة ضوئية مماثلة … وأدرك أنه قد عثر على الصديقين …
أخذت الإشارات الكهربائية تقترب من بعضها البعض تحت الماء … حتى التقى الأصدقاء الثلاثة … كان لقاءً مثيرًا تحت الماء … لم يكن في إمكانهم أن يتساءلوا ويتبادلوا الحديث … ولكن كان من الممكن التفاهم بالإشارات … وبين دقيقة وأخرى كانوا يرفعون رءوسهم فوق الماء لمشاهدة ما يجري فوق البرج. وقد شاهدوا «مندوزا» مرتين وهو يصرخ ويشير إلى المياه … وكان «أحمد» متأكدًا أنه يقصد هروبه هو و«إلهام» من البرج الرهيب. إن معنى هروبهما أن مكان البرج قد عُرف … وأنه من المتوقع أن يتم الهجوم عليه …
وكان هذا ما يدور في ذهن «مندوزا» فعلًا … فبعد أن هدأ الاضطراب الذي أحدثَتْه الانفجارات … بدأ «مندوزا» ومعه «جاتمان» و«بلور» يبحثون في كل مكانٍ من البرج عن «أحمد» و«إلهام» ولكن البحث لم يُسفر إلا عن بحارةٍ أصيبوا بضربات هائلة أفقدتهم الوعي … ولم يكن هناك أثرٌ للمغامرَيْن …
كاد رأس «مندوزا» ينفجر وأخذ يلعن القبطان ورجاله على إهمالهم في حراسة الولد والبنت … والذي كاد يعصف بعقله حقًّا هو كيف هربا من البرج؟! إنه برج محصن غائص في الماء … ولا يمكن أن يفر منه فأر صغير … فكيف يهرب منه شخصان …؟ ولم يكن ثمة إلا احتمال واحد … أن يكونا قد هربا عندما صعد رأس البرج فوق الماء … رغم أن الذين صعدوا إلى السطح كانوا جميعًا من بحارة البرج.
كان الضوء الذي يصدر عن البرج مغطى بحيث لا يرى من بعيد، ولا من فوق … ولكنه كان يمكن الأصدقاء الثلاثة من رؤية الحركة الدائرة على سطح البرج … وكان واضحًا أن بعض الزوارق تعد للفرار بها … وأخذ «أحمد» يحسب الوقت الذي يمكن أن تصل فيه «زبيدة» و«إلهام» إلى الشاطئ وتبلِّغا الجهات المسئولة … ثم تحرك الزوارق الحربية في اتجاه البرج … ووجد أن ساعة على الأقل ستمر قبل أن تصل الزوارق المسلحة. وهذا يعني أن العصابة يمكن أن تهرب بالزوارق. ولكن إلى أين؟
فكَّر «أحمد» قليلًا ثم تذكر ما قالته «زبيدة» عن الخريطة … إن هناك أنابيب ضخمة تمتد من البرج إلى أماكن مختلفة … معنى هذا أن هناك مراكز أخرى للعصابة في البحر … ودهش لضخامة العمل الذي كانوا يقومون به ثم قرر أن يغطس إلى أسفل ليرى هذه الأنابيب … وأشار ﻟ «عثمان» و«خالد» أن يتابعا مراقبة العصابة ثم سلَّم سلة القنابل إلى «عثمان» وغطس!
ظل يغطس ويضيء ما حوله حتى وصل إلى عمق سحيق … وشاهد على الضوء أنابيب تخرج من باطن البرج يتجه بعضها في اتجاه آبار البترول … وبعضها يتجه إلى عمق البحر. وفجأة هبطت عليه فكرة: «إن العصابة لم تكن تسعى إلى تدمير الآبار كما جاء في معلومات رقم «صفر» ولكنها كانت تسعى إلى سرقة البترول!» ويا لها من خطة …! أنابيب ممتدة تحت البحر إلى عمق الآبار بحيث لا يراها أحد … تسحب من البترول ثم يصل البترول إلى البرج فيضخه إلى مراكز تجمع بعيدة … ولم يكن أحدٌ ليتصور عندما يقل إنتاج البترول، أنه لهذا السبب. كان من المرجح أن يتصور حتى الأخصائيون أن النقص يعود لأسباب جيولوجية … أو لعدم الكفاءة في التشغيل أو لأية أسباب أخرى … أما أن يكون النقص عائدًا إلى سرقة البترول … فذلك ما لم يكن يخطر ببال أحد …!
وأخذ يصعد إلى السطح مرة أخرى … ووصل إلى حيث كان «عثمان» و«خالد» يعومان خارج دائرة الضوء … وأشار له «عثمان» … أن ينظر إلى فوق … ونظر «أحمد» ولاحظ أن «مندوزا» و«جاتمان» و«بلور» يقفون استعدادًا لركوب أحد القوارب … وقرر أن يوقفهم …
مد «أحمد» يده إلى سلة القنابل وأخذ واحدة ثم صعد إلى سطح البحر ونزع الغلاف البلاستيك … ثم نزع مسمار الأمان وأخذ … يعد: واحد … اثنان … ثلاثة … أربعة … خمسة … ستة … سبعة … ثمانية … تسعة. ثم قذف بالقنبلة إلى سطح البرج بعيدًا عن الرجال فتنفجر بحيث لا تقتلهم، ولكن ترهبهم.