الفرس
الأشخاص
- الجوقة: تتألف من شيوخ يشرفهم المولد والكفاية الخاصة. وهم الذين كانوا يسمونهم الأمناء.
- أتوسا: أرملة دارا وأم أكزرسس.
- رسول.
- روح دارا.
- أكزرسس: ملك الفرس بن دارا.
تقع القصة في سوس، ويمثل المسرح قصر الملك، ويرى من ناحية قبر دارا.
سافر جيش الفرس يقوده الملك الأعظم أكزرسس لحرب اليونان وهي الحملة الميدية الثانية. فانهزم الفرس هزيمة منكَرة في البر والبحر، وعاد الملك الأعظم إلى وطنه ذليلًا مَهينًا. وهذه القصة تمثل عودته، وقد مثلت في أثينا بعد الحرب بثماني سنين، وكان المؤلِّف قد اشترك في الحرب، ويقال إنه قد أحسن فيها البلاء.
الفصل الأول
تتغنى الجوقة بما يملأ قلبها من فخرٍ بما أرسلت فارس من جيشٍ ضخم لسحق اليونان. ثم تتخوف سوء العاقبة؛ لأن عهدها بالجيش بعيد، وقد انقطعت الأنباء، فهي لا تعرف من أمره خيرًا ولا شرًّا.
الفصل الثاني
المنظر الأول
تقبل أتوسا أم الملك فتفضي إلى الجوقة بما يداخلها من الخوف على ولدها، وأنها قد رأت حُلمًا ملأ قلبها رعبًا، وتسألها المشورة. فتشير عليها الجوقة بأن تقدم الضحايا والقرابين إلى الآلهة، وإلى دارا خاصة، ليصرف عن الملك وأسرته كل أذًى وضيم، فتذعن لمشورتها، وتهم بالانصراف، ثم يبدو لها فتسألها.
المنظر الثاني
أطاع الجند وقرب البحارة مقاذيفهم من جسور السفن. فلما أقبل الليل، وأطفأت الشمس أشعتها، أخذ كل من الجند والبحارة مكانه، دُعِيَ كُلٌّ إلى موقفه وتصطف السفن كما أمر الملك، ومضى الليل وإن الأسطول — كما رتبه أمراؤه — ليسهر على حفظ الطريق. يمضي الوقت ولا يحاول أحد من اليونان هربًا.
ولكن الفجر ذا العجلة المضيئة،٥ ما كاد ينشر بهجته على الأرض حتى سمعنا من قبلهم أصواتًا عالية موسيقية، تدل على فرحٍ ونشاط، وغناء حماسة وحرب، تردِّده أصدية الصخور. فيملك الرعب جماعة الفرس، قد خدعت فيما كانت تنظر. وما كان النشيد الذي كانت تتغناه جيوش اليونان آية هزيمة، إنما كان تشجيعًا وتحريضًا. وقد كان صوت البوق يضاعف شجاعتهم ثم يصدر الأمر. فما هي إلا أن تقع المقاذيف القاطعة على الأمواج الملحة فتضطرب. وإنهم لعلى مرأى منَّا، يتقدم جناحهم الأيمن في نظامٍ حسن ويتبعه سائر الجيش. ولقد كنا نسمع ألف صوت يصيح: «هلموا يا أبناء اليونان، خلِّصوا وطنكم، خلصوا نساءكم، وأبناءكم، ومعابد آلهتكم، وقبور أجدادكم؛ فإن موقعة واحدة لمُظهِرة ما أعد لهم القضاء.»
فلا يجيب الفرس على هذه الصرخة إلا بالغمغمة: وما كان لنا أن نتقي المعركة. هذه المقدمات النحاسية مقدمات السفن تصطدم، تبدأ الصدمة سفينة يونانية فتحطم سفينة فينيقية. ثم يختلط كل شيء. فيثبت أسطولنا لأول شدة، ولكن سفننا وقد كثر عددها وضاق بها المكان، لا تستطع أن يعين بعضها بعضًا، فتصطدم مناقيرها الحديدية وتتحطم مقاذيفها، وقد أحاط بها اليونان المَهَرة في أعمال البحر، فيوقعون بها من كل ناحية، ويجعلون عاليَها سافِلَها، ويستخفي البحر تحت الشظايا وجثث الموتى، وتغطي الجيف الساحل والصخور وقد أخذ الأسطول كله يفر غير منتظم. وهؤلاء بحارتنا الأشقياء، كأنهم الحيتان أو غيرها من وحوش البحر، قد أخذت في الشراك فتُعمل في رءوسهم بقايا المقاذيف والمقاعد. وقد امتلأ الساحل صراخًا وأنينًا. حتى يُقبِل الليل فيخفينا عن أعين المنتصر.
عشرة أيام كاملة٦ لا تكفي لوصف ما فقدنا ولكن حسبكم أن تعلموا أن الدهر لم يعهد قط عددًا من الناس كهذا العدد قد هلك في يومٍ واحد.
(ثم تتفجع الملكة والجوقة لما أَلَمَّ بالفرس وتُعلن الملكة أنها فاعلة ما عزمت عليه من تقريب القرين واسترضاء الآلهة، وتطلب إلى الجوقة العناية بتعزية الملك وتسليته إذا عاد.)
المنظر الثالث
إن آسيا كلها لتَئِنُّ وقد نزح عنها سكانها، لقد سلبها أكزرسس أبناءها، أكزرسس أضاعهم. أكزرسس أسلم كل شيء من غير رَوِيَّة ولا أناة إلى سفنٍ ضعيفة! ماذا ينفعنا اليوم أن قد ملك علينا دارا وأن قد كان يُعبد في سوس ولا يستطيع قاهر أن يقهره!
وا حسرتاه! لقد مضت سفن سود ذات أجنحة بما كان لنا من مشاة وبحارة … لقد أضاعتهم السفن … لقد خانتهم السفن عند اللقاء! … يا للآلهة! … لقد أهلكتهم أيدي الأيونيين! … لقد خبرنا أن ملكنا لم يُفلِتْ من أيديهم إلا بشِق النفس، بعد أن عبر سهول تراقيا وحقولها يجللها الجليد!
ضحايا الموت وا لهفتاه! … قد تُرِكُوا قهرًا … آه يا للآلهة … على سواحل سيكريه! أعولى آسيًا، مَزِّقِي صدرك، لترتفع صيحة آلامك إلى السماء: ارفعي صوتك المحزن وصراخك المؤلم. لعبة الأمواج٩ يا للهول! … قد أصبحوا طعامًا لأولئك السكان البكم، سكان الأمواج الملحة. لا بيت إلا وله سيد يبكيه! يستعبر الأب وقد أصبح من غير ولد، ويشكو الشيخ وطأة القضاء. كل شيء يبعث في نفوسهم الألم والحسرة.
لن تطول طاعة آسيا لفارس. لن يطول أداء الإتاوة قد فرضها سيدٌ قاهر، ولن يطول بقاء هذا العرش، كان يعبده الناس راكعين. لقد ذَوَى سلطان ملوكنا: لا شكيمة تمنع لغط اللاغط: لقد انقطعت تلك السلسلة التي كانت تغل الشعوب، وتحطم ذلك النَّيْرَ الذي كان يذلها: لقد هلك الفرس! لقد رَوَوْا بدمائهم رُبَى جزيرة أجكس.
الفصل الثالث
ثم تُقدم أتوسا وقد حملت من العسل واللبن ومن الزهر والفاكهة ما تتقرب به إلى الآلهة والموتى، فتتفجع وتتفجع الجوقة لما أصاب الفرس. ثم تتغنى الجوقة داعية روح دارا أن يصعد من الجحيم لتسأله وتستشيره.
الفصل الرابع
يظهر ظل دارا على حافَة القبر فيسأل الجوقة عمَّا أصاب الفرس فلا تستطيع أن تجيبه، وتنبئه بذلك زوجة أتوسا، فيأسف ويلهف ويتحدث بأن مصدر هذا الرُّزء إنما هو كان من عقد الجسر على البسفور؛ فقد أهان الفرس بذلك إلهًا إذ قيدوا حركة البحر. ومن شأنها أن تكون مطلقة. ثم ينعي على ابنه طيشه ونَزَقه وطمعه في قهر أثينا التي لا تُقهر. ويعلن أن سلطان الفرس قد تزعزعت أركانه، وخليق بهم أن يحتفظوا بما بقي في أيديهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.
الفصل الخامس
يُقبل الملك الأعظم أكزرسس منهزمًا، فتلقاه الجوقة مُعولة متوجِّعة وتسأله لائمةً مرة ورَاثِيَةً أخرى عمَّن أَهلكَ من جيش فارس وزعمائها وما أضاع من مجدها وسؤددها. فيجيبها نادمًا معتذرًا، متوجعًا متفجعًا، وتُقاسمه الجوقة كل ذلك.
•••
ربما لم تقع هذه القصة من نفسنا موقعها من نفس اليونان، ولكن ينبغي ألا ننسى أن جمال هذه القصة إنما هو فيما تَمَثَّلَ من ظَفَر مدينة صغيرة ضئيلة الجيش كأثينا على أضخم دولة وأعظم سلطان في الأرض يومئذٍ كدولة الفرس وسلطانهم. وأن الذين شَهِدُوا تمثيلها هم أنفسهم الذين دحروا الفرس وأجلَوْهُم عن بلاد اليونان، فهم إنما كانوا يرون مجدهم قائمًا بين أيديهم ويشهدون ذل الفرس الذين أذلوهم قبلًا. على أن في القصة أنواعًا من الجمال الفني، ليس من الميسور نقلها إلى غير اللغة اليونانية. ومن هنا قَلَّ المختار منها في هذا السِّفْر.