المنظر الأول
(بروميثيوس – الجوقة – هرمس)
هرمس
:
إليك أيها الماكر الحول، المملوء حقدًا وسخطًا، الجاني على الآلهة، الذي
اختص بالشرف أبناء الإنسان، أنت الذي اختلس النار السماوية، إليك أسوق
الحديث. يأمرك أبي أن تعلن: ما هذا الزواج الذي يروقك أن تتحدث عنه، والذي
سيقضي على سلطانه؟ تحدث من غير إلغاز، يجب أن ترفع النقاب عن كل شيء. أي
بروميثيوس، لا تضطرني إلى أن أعود إليك برسالةٍ أخرى … فأنت تعلم أنك لا
تستطيع أن تقهر ذوس.
بروميثيوس
:
بأي حديثٍ وقح يملَؤُه الكبر قد نطقت! إنه لحديث من كان للآلهة عبدًا.
أيها السادة الجدد في دولة جديدة! تحسبون أنكم تسكنون قصورًا لن ينالها
الضيم. أَلَمْ أَرَ طاغيتين٧ قد هويا؟ وسأرى سقوط الثالث. ليكونن هذا السقوط أسرع من
سابقَيْه وأشد خزيًا، أتظن إذن أنني أخشى هذا الإله الجديد أو أَفْرَقَ
منه؟ شديد ما بيني وبين ذلك من البعد. انطلق، عُدْ غير مُبطِئٍ من حيث
أتيت! فلن تطلع من سري على شيء.
هرمس
:
ألا تزال حريصًا على هذا الكبر الذي جلب عليك ما أنت فيه من
الشقاء!
بروميثيوس
:
ثق بأني لن أرضى رفك بديلًا من عذابي. إني لأوثر، أجل إني لأوثر أن أظل
مشدودًا إلى هذا الصخر على أن أكون الرسول الأمين لأبيك. كذلك يجب أن نهين
من أساء إلينا.
هرمس
:
آه! لعل آلامك تلذ لك وتملؤك سرورًا وغبطة.
بروميثيوس
:
تملأني لذة وغبطة! آه، وددت لو أصاب أعدائي وأنت أولهم ما أنا فيه من
سرورٍ ونعيم.
هرمس
:
ماذا؟ أتتهمني بسوء حالك؟
بروميثيوس
:
ليس لي إلا كلمة واحدة. إني لأبغض الآلهة جميعًا الذين أثقلتُهم إحسانًا
فيُثقلونني مساءة.
هرمس
:
لقد اضطرب عقلك، إني لأرى ذلك، إن أَلَمَكَ لفوق ما تطيق.
بروميثيوس
:
ودِدتُ لو طال بي هذا الألم، إن كان بغض الأعداء ألمًا.
هرمس
:
إنك لثقيل الظل في النعمة!
بروميثيوس
(وقد تنهَّد ألمًا)
:
وا حسرتاه!
هرمس
:
هذه كلمة لا يعرفها ذوس.
بروميثيوس
:
سيُعلمه الزمن إياها؛ فإن الزمن يُنضِج كل شيء.
هرمس
:
ومع ذلك فهو لم ينضج حكمتك.
بروميثيوس
:
لا؛ فإني لن أحدثك بما تشاء، أيها العبد الدنيء.
هرمس
:
إذن فلست تريد أن تنبئني بما يريد أبي.
بروميثيوس
:
إني لمدين لأبيك بشيءٍ كثير! ومن الحق عليَّ أن أرضيه.
هرمس
:
إنك لتسخر مني، إنك لتعاملني معاملة الطفل.
بروميثيوس
:
أوَلست طفلًا، وأشد من الطفل سذاجة، إذا كنت تعلل نفسك بأن تقف من سري
على شيء؟ ليس هناك عذاب ولا مكر يستطيع أن يقهرني على أن أبيح هذا السر
لذوس قبل أن تحطم هذه الأغلال المشئومة. لقد قلت فلتسقط الآن صاعقته يستطير
شررها، ولتضطرب الطبيعة، ولتنبعث من جوف الأرض نارُها الملتظية فتخالط
البرد الناصع، فلن أُذعِنَ لشيء، ولن أُسمِّي له ذلك الذي سينزله عن
عرشه.
هرمس
:
انظر، أينفعك هذا الإصرار.
بروميثيوس
:
لقد رأيت كل شيء، ولقد صَحَّ عزمي على ما أريد منذ زمنٍ طويل.
هرمس
:
أحمق! اجترئ، اجترئ مرة على أن تتعلم الحكمة من آلامك.
بروميثيوس
:
عبثًا تُثقل عليَّ فأنا أَصَمُّ كأمواج البحر، لا تحسبن أني سأُشفِق
مِمَّا قدر لي ذوس، وسأصير من الضعف والهلع بمنزلة المرأة، فأبسط إليه يدي
ضارعًا متوسلًا في أن ينقذني من هذه الأغلال، أنا بعيد من ذلك.
هرمس
:
أرى أن كل ما أقوله لك غير منتج. فرجائي لا يستطيع أن يمسك أو يكسر من
حدتك؛ فأنت كالجواد الجَموح لم يُستأنس، تَعَضُّ الشكيمة ولا تنقاد
للِّجام. ولكنك تبذل عبثًا ما تبذل من سخطٍ وغضب؛ فقوتك دون ما تحاول. فلا
أشد ضعفًا ووهنًا من كبر الأحمق. لئن لم أستطع أن أقنعك فمثل لنفسك على أقل
تقدير هذه العاصفة التي لا سبيل إلى اتِّقَائها، هذه الزوبعة القاصفة،
زوبعة الآلام التي ستنزل بك؛ فإن ذوس سيحطم هذه الصخرة الوعرة بصاعقته
ورعده، وسيواري جسمك تحت شظايا الصخر. فإذا مضت عليك الحقب الطوال عدت إلى
الظهور، ولكن ما أسرع ما يُقبل هذا النسر الشره نسر ذوس، كلب ذو جناحين
يمزق جسمك تمزيقًا، نهم تغذوه طوال الدهر مادة سوداء دامية هي كَبِدُك، لا
تؤمل لهذا العذاب آخرة، إلا أن يضع بعض الآلهة نفسه موضعك، ويرضى النزول
إلى حيث يقيم أدويسيوس ذلك الإله الخفي في هوى ترتار المظلمة. والآن فتدبر،
وراجع نفسك؛ فإني لا أقدم إليك نذيرًا باطلًا. لقد سبق بذلك القضاء؛ فإن فم
ذوس لا يعرف اللَّغْوَ ولا الكذب، لا ينطق بشيءٍ إلا حققه. تأمل وتدبر، ثق
بأن الإصرار لا يعدل الحكمة.
الجوقة
:
يَوَدُّ هرمس لو نزلت عن كبريائك واصطنعت الحكمة، وإن رأيه لرشيد فخليق
بك أن تتبعه، إن من الخزي أن يصر الحكيم على خطته.
بروميثيوس
:
لم ينبئني بشيءٍ جديد، وما أيسر أن يلقى عدوٌّ أذى عدوه. فلتصعقني بعد
ذلك الصاعقة. ليرعد الرعد ولتشهر في الفضاء حرب الرياح القاصفة ولتزعزع
عواصفها الأرض وأصولها، وليجمع هبوبها العنيف بين أمواج البحر ونجوم
السماء، ولينفق ذوس ما ملك من قوةٍ عنيفة قاهرة ليقذف بي في أعماق ترتار
المظلم؛ فأنا على رغم ذلك كله حي لن ينال مني الفناء.
هرمس
:
أليس هذا الكلام كلام أحمق مفتون؟ ألم يبلغ من الهذيان أقصاه؟ ولو أن
الحظ أعانه، فإلى أي حد ينتهي به الغضب؟ ولكن من الحق عليكن أنتن اللاتي
يرثين لآلامه أن ترحلن عن هذا المكان؛ فإن قصف الرعد المُفزِع قد يوقع
الاضطراب بعقولكن.
الجوقة
:
آه! قَدِّمْ إلينا من النصح ما نستطيع أن نسمع له؛ فإن آذاننا لا تستطيع
أن تُصغي لما تقول. إنك لتدعوني إلى الخزي. كلا، لأقاسمنه آلامه. فقد علمت
أن أبغض الخيانة، إنها لأشد الرذائل في نفسي مقتًا.
هرمس
:
اذكرن على أقل تقدير ما قدمتُ من نذير، فإذا أصابكن ما سينزل به من شقاء
فلا تلُمن القدر في ذلكن، لا تزعمن أن ذوس قد أخذكن على غرة، ولا تتهمن إلا
أنفسكن؛ فإنكن لن تقعن في أشراك الشقاء من غير أن يكون قد سبق إليكن النصح
والإرشاد.
(ثم يذهب هرمس وتتبعه العذارى.)