أجاممنون
الأشخاص
- رقيب: قد أقيم على أعلى القصر يرقب العلامات.
- الجوقة: تتألف من الشيوخ ذوي المكانة في المدينة.
- كلوتيمنسترا.
- رسول.
- أجاممنون.
- كسندر.
- إيجستوس.
تقع القصة في أرجوس أمام قصر أجاممنون.
الفصل الأول
المنظر الأول
فيبدأ الفصل الأول بالرقيب قد أقامته كلوتيمنسترا يترقب هذا الضوء. فهو يشكو طول مقامه وما يعاني من سهر الليل، وإنه لكذلك إذ يلمح الضوء فيُسَر؛ لأن حريته قد عادت إليه، ولأن ملكه قد انتصر، ويسرع فيحمل النبأ إلى كلوتيمنسترا.
المنظر الثاني
يصيحان بأورستيس كأنهما صقران قد ملأهما الحزن على فرخيهما، فهما يحلقان ويصفقان بجناحيهما دون عشهما، قد قاما عليه يحفظانه ويحوطانه، فلم يجد عليهما ذلك شيئًا. فما هي إلا أن غضب بعض الآلهة — بان وأبلون أو ذوس — لهما فأرسل آلهة الانتقام تثأر من المُغِيرِ الظالم. كذلك يبعث هذا الإله القوي إله الضيافة ابن أثريه عدوًّا للإسكندر، كذلك يريد أن يحتمل اليونان في امرأة لعوب ألوان الألم وصروف الجهاد حيث تجثو الركب على الصعيد، وتنقصف الرماح لأول هجمة. أما الآن فقد سبق السيف العذل وليبلغنَّ الكتاب أجله. فلن يفل غضب الآلهة — آلهة الانتقام — صراخ ولا بكاء ولا قربان.
أما نحن الذين حرمتهم السِّنُّ شرف المرافقة لهذا الجيش، فقد بقينا هنا مُسنِدِين إلى العصا ضعفَنا الذي هو أشبه شيءٍ بالطفولة، فإذا كان الطفل تحييه قوة جديدة يشبه الشيخ فلا يستطيع أن يقوم بأعمال أورستيس؛ فإن الشيخ قد انْحَسَرَ عنه شعره كأنه الشجرة اليابسة الجرداء لا يمشي إلا منطويًا على العصا، ليس له ما يميزه من الطفل. إنما هو طيف يهيم تحت الضوء.
أما أنت يا ابنة تندار — أيتها الملكة ملكة أرجوس — فما يحملك على أن تأمري بهذه الضحايا الكثيرة، ما حاجتك إليها، ما رغبتك فيها، أي نبأ ذي خطب قد انتهى إليك؟ إن العرف لينتشر على معابد الآلهة، آلهة البيت، وآلهة السماء والأرض والجحيم، ترتفع أضواء المصابيح إلى السماء، يمد ضوءها الهين زيت نقي، وتحمل أنواع القربان من القصر. أعفينا من هذا القلق الذي يحملنا أحيانًا على ألَّا ننتظر إلَّا الشر، وأحيانًا على أن نستبشر فيذود الأمل عن نفوسنا اليأس والحزن.
إني لأستطيع أن أذكر الآن سَفر جيشنا يملأه الوعيد وسوء النذير، لنُغَنِّ — إن ثقتي بالسماء لتدعوني إلى ذلك، وإن سني لتمكنني منه — على أي طيرة فظيعة مضى الملِكان وفي أيديهما سلاح الانتقام، تتبعهما زهرة اليونان وزعماؤهم متحدين قد أزمعوا قهر تروادة.
لهذين الملكين، ملكي السفن، ظهر بالقرب من قصريهما الضخمين ملكان من ملوك الطير: أحدهما أبيض، والآخر أسود، قد أخذا يمزقان بمخالبهما أرنبًا حُبلى لم يؤمنها الهرب، وازدردا أجنَّتها. لنتغنَّ، لنتغنَّ أشعارًا ملؤها الشؤم، ولكن ليكذب ما اشتملت عليه من طيرة!
عرف الكاهن الجليل١ كاهن الجيش في هذين الصقرين المفترسين، ابني أثريه وغيرهم من زعماء اليونان. فيملكه الطرب، ويصيح: لَتُؤْخذن مدينة بريام بعد أن يطول حصارها، ولتصبحن ثروتها المتراكمة منذ أمدٍ بعيد نهبًا للظافر. فعسى ألا يحطم غضب الآلهة هذا الحديد قد اتخذ لقهر التراوديين! إن أرتميس لساخطة على هذا البيت؛ فإن كلاب أبيها ذوات الأجنحة قد مزقت فيه أمًّا تعسة ومزقت أجنَّتها وقد كانت توشك أن تولد، فمقصف هذين النسرين إليها بغيض. لِنَتَغَنَّ، لِنَتَغَنَّ أشعارًا ملؤها الشؤم، ولكن ليكذب ما اشتملت عليه من طيرة!
إن أرتميس لتحمي ضعاف الطير لا تستطيع أن تنهض، وسكان الغابات لم تفارق بعدُ ثديَّ أمهاتها. أجل، إن نبأ هذين النسرين لسعيد، ولكنه لا يخلو من خطر. أيها الإله ذو السهام، أي أبلون! امنع اختك أن تبعث الريح مضادة لسفن اليونان، وأن تضع العقاب لها في سبيل سفرها، أنها لشديدة الحرص على أن تظفر بضحية وحشية لا يصحبها لهو ولا قصف، ضحية هي مصدر خلاف وانشقاق، هي إهانة للطبيعة، للزواج المقدس. في أعماق قصر من القصور يغلي بغض مخوف شديد الخطر، فيه تذكر فتاة٢ في حاجة إلى الثأر. ذلك هو الحظ السعيد السيئ في وقتٍ واحد، تنبأ به كلكاس لملكينا حين ظهر هذان النسران. فليملأنا رجاؤه وخوفه. لِنَتَغَنَّ، لِنَتَغَنَّ أشعارًا مملؤها الشؤم ولكن ليكذب ما اشتملت عليه من طيرة
أي ذوس! كائنًا من كنت٣ إن يعجبك هذا الدعاء فأنا داعيك به! عبثًا أبحث عمن يستنقذ نفسي من همومها، فلن أجد غيرك لي ملجأً.
لقد كان المتكبِّر تملؤه الجرأة يزدري كل شيء. يظهر بعدَ أن لم يكن شيئًا، فما هي إلا أن يظهر حتى يجد له قاهرًا فيزول. ولكن من يتغنى نشيد النصر فرحًا مبتهجًا مشرفًا به ذوس فهو ظافر بكل ما أراد.
ذوس هو الذي يَسُنُّ للناس سُنَّةَ الرشد والحذر، يعاقبنا فيؤدبنا عقابه، يعاقبنا أيقاظًا ورقودًا، أليس ينبعث الندم في قلوبنا أثناء النوم. وسواء أرَضِينا أم كرهنا فإن الحكمة بالغة إلينا: هذه الحكمة يهديها الآلهة إلى الناس فتثبت مشرفة علينا لا تضطرب ولا تزول.
كذلك أذعن رئيس السفن للقضاء، غير مُتَّهِمٍ كاهنه، بينما كانت الأحداث والمصائب تنوء بالأكويين على ساحل أوليس٤ بأعين كلكاس. لقد كانت الريح تهب عنيفة من فم أسترمون فتعوق السفن عن الإقلاع حاملةً إلى الجند الجوع والغرق والفرقة، غير مُعفية أداةً ولا سفينة جاهدة في إذبال زهرة اليونان، مكرهةً إياهم على راحة ما كانوا يعرفون لها أمدًا. فما هي إلا أن يعرض الكاهن باسم أرتميس دواءً أشد شرًّا وأنكر نكرًا من هذه الزوبعة، سمعه الملكان فحطما صولجانهما وذرفا دموعًا غزارًا. وأخذ كبيرهما يصيح: يا لك من قضاء شديد القسوة! أأعصي؟ أأنحر ابنتي، زينة بيتي، أؤدنس يد الأب بدم ابنته مسفوكًا على المذبح؟ إلى أي الأمرين يجب المُضِيُّ؟ أأدع أسطولي وأتخلف عن حلفائي؟ إنهم ليصيحون، يطلبون ضحية تُسكن الريح، وا حسرتاه! إنهم ليستطيعون أن يفعلوا ذلك غير آثمين. إنهم إنما يطلبون النصر.
على أنه يذعن لحكم القضاء، قد غيَّر قلبه رأي فظيع مجرم ملؤه الإثم، كذلك يجرؤ الإنسان فيسرع إلى ما يبعثه على الندم، كذلك تخدعه تلك المشيرة تشير بالخزي، جنون مشئوم سيئ العاقبة. يجرؤ على أن يقتل ابنته بيده ليطير إلى الحرب وليثأر لامرأة مخطوفة، يتخذ من هذه التضحية فألًا لسفره، والزعماء السفاحون لا تمسهم الرحمة لصلاة الأب وبكائه، ولا ينالهم إشفاق على ابنته. يدعو الآلهة، ويأمر القسس — وهو أبوها — أن تُحمَل قهرًا إلى المذبح كما تُحمل الضحايا، مائلة الرأس تزينه «الشرائط» قد أُقفِل فمُها العذب، يخشون ما عسى أن يبعث من لعنات، فتخرسها كلمة ممقوتة. ولكن بينما يروي دمها الأرض، تنبعث نظراتها فتخترق قلب ناحرها وتملؤه إشفاقًا. حسناء كأنها آية من آيات الفن، يخيل إلى من رآها أنها تتكلم، تذكر بتلك المقاصف التي كانت تزينها بأغانيها العِذَاب، حين كان صوت هذه العذراء الطاهرة يملأ حياة أبيها السعيد جمالًا وبهجة.
ليس من يعلم ليس من يستطيع أن يقول، ماذا عسى أن تأتي به حوادث الدهر. إن فن كلكاس ليس عبثًا، وإن العدل ليحملنا على أن نتنبأ بما هو كائن بعد الذي قد كان. إن اتِّقاء ما ليس إلى اتِّقائه سبيل لخطل، إن في ذلك لتعجلًا إلى الحزن. ليصدقن مستقبل الأمر كل التصديق ما جاء به الوحي. ليكن هذا المستقبل مملوءًا بالخير لهذه التي تدنو! (تظهر كلوتيمنسترا) فهي وحدها التي تقوم الآن على هذه الدولة!
الفصل الثاني
المنظر الأول
تقدُم كلوتيمنسترا فتسألها الجوقة عن أسباب سرورها وهذه الضحايا التي تقدمها إلى الآلهة. فتعلن كلوتيمنسترا انتصار اليونان وسقوط تروادة، فتشك الجوقة وتؤكد كلوتيمنسترا خبرها وتصف كيف وصل إليها. وتَوَدُّ لو قصد اليونان في انتصارهم ولم يُسرِفُوا في إهانة المغلوبين وازدراء آلهتهم. ليأمنوا شر البطر والطغيان.
المنظر الثاني
ثم تتغنى الجوقة بانتصار اليونان وشُكر الآلهة والنعي على باريس حين اختطف هيلانة، وعلى هيلانة حين تبعته.
إن أرييس الذي يحمل الناس على أن يستبدل الجثث من الذهب، ويحمل ميزان النصر والهزيمة في الموقعة، لا يرد من تروادة على هذه الأسر المحزونة إلا بقايا مؤلمة، قد جمعت بعد التحريق: إناء يملؤه التراب. إن هذه الأسر لتئن ذاكرةً مهارة أبنائها في الحرب وموتهم المجيد، ولأجل من ماتوا في سبيل امرأةٍ أجنبية، ومن يدري لعلهم يسرون السخط والحنق، ولكن ليس من شكٍ في أن سخطهم واقع على أبناء أتريه. إن شبابًا غضًّا قد وجد قبره تحت أسوار تروادة، إن الأرض المغلوبة لتدفن المنتصر. إن سخط الشعب الشديد الثقل، وإن اللعن الذي ينبعث من فمه لمستتبع أثره دائمًا. إن شعورًا مظلمًا يملأ قلبي وينذرني بسوء العاقبة. لن يفلت من أيدي الآلهة من أسرف في سفك الدماء.
وما يكاد يمضي الزمن حتى تمحو هذه الآلهة السود آلهة الانتقام ذلك المجد المؤثل أقامه صاحبه على الظلم والجور. ليست الحياة الخاملة شيئًا يُذكر، ولكن المجد يُلام فيه صاحبه، عبء ثقيل يدني ما بيننا وبين الصاعقة. ألا فلنُؤثِرِ الخير الذي لا يبعث على الحسد.
لا أريد أن أدمر المدن، ولا أن أكون أسيرًا يخضع لسيده.
ما أسرع ما انتشر هذا الخبر السعيد في أرجوس، حملته إلينا أضواء النار، من يدري أنها حق، من يدري: لعل الآلهة يخدعوننا؟ أي طفل، أي أحمق يؤمن بنبأ علامة كهذه حتى إذا كُذِّبَ الخبر تعرض للخجل وتكلم لغة غير التي يتحدثها الآن؟ لقد قُضِيَ علينا أن نُذعِن لامرأة، فلنهنئها بظاهر هذا النبأ؛ فإن المرأة سريعة إلى التصديق والاقتناع، وما أسرع ما تزول هذه الانتصارات التي تتحدث بها.
الفصل الثالث
تعلن كلوتيمنسترا إلى الجوقة أنها ترى رسولًا مقدمًا، ولا تشك في أنه يحمل النبأ السعيد، ويقدم هذا الرسول فيحيي وطنه ويعلن انتصاره، ويشكر الآلهة، ثم تبتهج الجوقة وكلوتيمنسترا، وتظهر هذه حبها للملك وأمانتها له وأنها منصرفة إلى إعداد استقباله بما هو أهل له من كرامةٍ وإجلال.
ثم ينكر الرسول على الملكة إعجابها بنفسها وتسأله الجوقة عن منلووس فيُنبئها بأنه قد استخفى؛ لأن زوبعة عرضت للأسطول ففرقت سفنه.
وتتغنى الجوقة سوء حظ منلووس وما أَلَمَّ بتروادة من الشقاء وما يعرض للإنسان في حياته من تبدُّل الحال وتقلُّبها.
الفصل الرابع
يقدُم أجاممنون على عجلةٍ ومعه أسيرته كسندرا. فتتلقاه الجوقة بالتهنئة ويجيبها محييًا وطنه شاكرًا آلهته معلنًا أنه مثبت ما وجد من خير ومستأصل ما وجد من شر.
المنظر الأول
وا لهفتاه! فلو أنه تلقى من الضربات والطعنات أثناء الحرب ما حملت إلينا الأنباء، لما أصبح جسمه الآن إلا جراحة.
ولو أنه مات مرة كما حملت إلينا الأنباء، لكان له أن يفخر بأنه ادَّرع أكثر من ثلاثة أدراع قبل أن يهبط إلى الجحيم، كأنه جريون٥ ذو الأجسام الثلاثة. كثيرًا ما حطمت أيد أجنبية — بالرغم مني — تلك الآلات: آلات الموت التي كنت أعدها لأتخلص بها من الحياة حينما كانت تبلغني هذه الأنباء.
إن نبأً منها قد منعني أن أحمل إليكم أورستيس: ثمرة حبنا كما كان يجب عليَّ أن أفعل. لا تدهشوا لذلك؛ فإني قد وكلته إلى عناية ضيفكم الأمين: استرفيوس الفوكي. وقد حملني على أن أتوقع خطرًا مزدوجًا أثناء ما كنتم تتعرضون له من الحوادث أمام تروادة؛ فإن الشعب الثائر كان يستطيع أن يخلع طاعة شيوخه، وقد ألف الناس أن يُنحوا بالألم والعذاب على التعِسين، أقول ذلك لا منتحلة له ولا متهمة فيه. أما أنا فإن دموعي قد نضبت إلى آخر قطرة من قطراتها، وإن عينيَّ لتحملان آثار تلكم الليالي الطوال، قضيتها باكية ناحبة، أنتظر من غير غناء ما كان قد وعدني زوجي من علامة تنبئني بالنصر. فإذا أخذني النعاس فإن حركة تأتيها أخف الحشرات كانت كافية لإيقاظي من نومٍ مثَّل لي الحلم فيه أشد وأطول ما كان يستطيع تمثيله من خطر. أما الآن فقد نسيت كل هذه الآلام. إنما مكان زوجي مني مكان الكلب الأمين من قطيعه، والبحار الماهر من سفينته، والدعامة القوية من قصرٍ مَشِيد تشده وتثبته، والولد الوحيد من أبيه، ومنظر الأرض من الملاح اليائس، أو ظهور النهار المضيء بعد الزوبعة المظلمة، والينبوع العذب من المسافر أضناه الصدى. أي فرح يملكني حين أراه قد أفلت من كل هذه الأخطار! أجل إنه لخليقٌ بكل ما قدمت من صفة: ليعفه الجسد، فقد تألمت غير قليل. أما الآن أيها الزوج العزيز! فانزل عن عجلتك، ولكن أيها الملك لا تدنس بالتراب القدم التي سحقت تروادة.
أيها الخدم، ما لكم تتريثون في تنفيذ أمري؟! ما لكم تتريثون في مد هذا البساط؟! ليستر الأرجوان موضع قدميه، ليدخل محفوفًا بالإجلال هذا القصر، حيث لم نكن ننتظر أن نراه. فأما ما بقي بعد هذا؛ فإن عنايتي تعينها عناية الآلهة ستنفذ ما سبق به القضاء.
(فيجيبها أجاممنون منكرًا عليها كثرة هذا المدح كارهًا أن يمشي على الأرجوان، وتلح عليه في ذلك، فيطيع ويوصيها بأسيرته، وتصلي كلوتيمنسترا إلى ذوس، تسأله أن يتم ما أراد.)
الفصل الثالث
وتتغنى الجوقة ما يملأ قلبها من خوفٍ وتوقُّع للشر برغم ما ترى من انتصار الجيش وعودته.
الفصل الرابع
المنظر الأول
تأتي كلوتيمنسترا فتدعو كسندرا — أسيرة أجاممنون — أن تنزل عن عجلتها وأن تدخل القصر، وتنصح لها بالرضى والطاعة، وتعدها اللطف وحسن المثوى. وتنصح لها الجوقة أن تسمع وتطيع، ولكن كسندرا لا تجيب. فتنصرف الملكة.
المنظر الثاني
ثم تدعو الجوقة كسندرا إلى الطاعة، فتصيح هذه مستصرخة أبلون، ذاكرة ما وقع في هذا القصر من جريمة، متنبئة مع شيءٍ من الألغاز، بما سيُقترف فيه من إثم، فلا تفهمها الجوقة.
(ثم تتغنى الجوقة بما فهمت من هذا الوحي وما تتوقع من سوء، وتنبئها كسندرا بما سبق في أرجوس من الجرائم وبأنها قد كانت موضع حب أبلون كلف بما فمنته فمنحها الوحي، ثم أبت عليه فهو عليها ساخط.)
اذهبي فزيني أشقياء آخرين. إليَّ أبلون، هلم فاسترد هذا الثوب ثوب النبوَّة. لقد رأيتني فيه موضع الهُزْءِ الظالم من العدو والصديق، أُعامَل معاملة الساحرات، وأُدعَى شقية، مشعوذة غرثَى، لقد لقيت كل ألم. أما اليوم أيها الإله، إله الوحي، فإلى أيِّ موت تسوق نبيتك؟ لقد نُحِرَ أبي على مذبح الآلهة، أما أنا فسَأُذبَح على أدنأ عرش. على أن الآلهة لن يتركوا موتي من غير أن يثأروا له. عمَّا قريب سيعود ذلك الذي يُوقِع بها العقاب، ابنٌ قاتل لأمه،١٢ منتقم لأبيه، يعاني الآن آلام النفي، طريد في غير هذه الأرض، ولكنه سيعود ليُتِمَّ شقاء هذه الأسرة، ليردنه إلى داره ما يستنزل أبوه المحتضر على المجرمين من سخط. علام آسف هنا وأنا غريبة نازح؟ لقد رأيت ما كتب القضاء على تروادة، وإن الذي أعده القضاء لمن انتصر عليها لجور من السماء. ألا فلنستقبل الموت، فقد أقسم به الآلهة علينا قسمًا منكرًا لا حنث فيه. أي أبواب الجحيم، ألا فلتفتحي؛ فإني أدعوك. لعل ضربة واحدة ترزقني الموت! لعل دمي يسيل أمواجًا، ولعل عينيَّ تغمضان من غير ألم.
(ثم تعجب الجوقة بها وترثي لها، وتستنزل هي السخط على قاتليها وتنبئ بقتل أجاممنون، وتسرع إلى القصر مقدِّمة نفسها إلى القتَلة لأنها قد وثقت بأن ليس لها مفر من الموت.)
(وتتغنى الجوقة شقاء الإنسان وما يلقى أبناء أترية من سوء العاقبة.)
(وإنها لفي ذلك؛ إذ تسمع صوت أجاممنون، وقد عمل فيه سلاح القتلة. فتفزع لذلك وتتساءل أتدعو الشعب إلى الثورة، أم تفزع لنصر الملك؟ ولكنها تضيع الوقت بالتردد والاستشارة.)
المنظر الخامس
(تنكر عليها الجوقة ما عملت وما قالت، فتجيبها فاخرة غير حافلة فتنذرها الجوقة بالنفي والسخط.)
إليكموه صريعًا في التراب، هذا الذي أبكاني غير قليل، عشيق كرزييس، وإلى جانبه الأسيرة، تلك النبية تلهمها الآلهة، عشيقته الحنون، كانت تقاسمه السرير في سفينته، بأعين البحارة! لقد لقيا ما كانا يستأهلان من جزاء، أحبب إليَّ بأن أراه كما هو الآن! وتحت قدميه تلك التي أحبها أشد الحب، هذه الإوزة التي تغنت موتها فأحسنت التغني، هذه التي قادها إلى القصر لتتم له ما يمنحه سرير زوجه من لذة ناقصة!
(ثم تتغنى الجوقة سوء عاقبة أجاممنون، ويشتد الحوار بينها وبين كلوتيمنسترا، تلك تلوم، وهذه تتَّقي اللوم، وتتنبَّأ الجوقة بأن المجرم لاقى جزاء ما صنع، ويأتي إيجستوس فيشتد الجدال بينه وبين الجوقة حتى يهم أن يأمر بالقبض عليها، ولكن كلوتيمنسترا تنصح لها بالانصراف، وتشير على إيجستوس بالحلم والأناة.)