أفاضل حماة
من البديهي أن المؤرخين لا يُعنَون في كُتب التراجم بذكر غير أولي الفضل من الملوك والعلماء والشعراء ومشاهير الرجال؛ لأنهم هم الرجال الحقيقيون لا غيرهم، وإذا كان لحماة الحظ الأوفر من هؤلاء الرجال فقد ذكرنا من تراجمهم ما أوصلنا البحث والتنقيب إليه، مع الاعتراف بأن رجالًا كثيرين لم تصل إلينا أخبارهم فإنها دُرِسَت بتقادم الزمن. هذا وإننا لا نتجاوز القرن الثالث عشر في تراجم الرجال تاركين رجال القرن الرابع عشر لفرصة أخرى، وبالله التوفيق.
الملك المظفر
تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، صاحب الأوقاف والمدارس الكثيرة في حماة وغيرها. بنى في الفيوم من مِصر مدرستين، وبنى مدرسة في الرها. كان أديبًا فاضلًا شجاعًا مُحَدِّثًا، سمع الحديث من الحافظ السلفي وأبي طاهر بن عوف وغيرهما، وله نَظم حسن، وقد مدحه الشعراء بأبدع القصائد، ومن الشعراء الذين مدحوه أسعد بن مماتي، قال:
إلى أن قال:
وهكذا مشى في مدحه عَلَى هذا النمط. وقد قضى هذا الملك أيامه في الحروب، توفي سنة ٥٨٧، وقد مر ذكره، وهو الذي حفر خندق قلعة حماة مائة ذراع وفصل الباشورة عن القلعة.
الملك المنصور
محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر، ملك كريم النفس شجاع، عالِم يحب العلماء، سمع الحديث في الإسكندرية من الحافظ السلفي، وجمع من الكتب ما لا مزيد عليه، وممن كان يلازمه من العلماء سيف الدين الآمدي، وكان في خدمته في حماة قريب من مائتي عالِم من نُحاة وفقهاء. كانت حماة في أيامه زاهرة بالعلم. وله باع طويل في التأليف، فمن تآليفه تاريخ كبير عَلَى عدد السنين في عدة مجلَّدات فيه فوائد عظيمة. وكتاب مضمار سر الحقائق وسِيَر الخلائق كبير نفيس يدل عَلَى فضل مؤلفه. قال صاحب فوات الوفيات: لم يُسبق الملك المنصور إلى هذا الكتاب. وقال الشيخ شهاب الدين القوصي: قرأَت عَلَى الملك المنصور قطعة من كتاب مضمار سر الحقائق فوجدته لم يُسبق إلى مثله.
وله كتاب طبقات الشعراء في عشرة مجلدات. وكان مع ذلك له عناية كبرى بإعمار بلده والنظر في مصالحها، وكان له نظم جميل منه:
ومنه:
الملك المظفر محمود
الملك المنصور
الملك المنصور ناصر الدين أبو المعالي محمد بن الملك المظفر محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر عمر بن شاهنشاه بن أيوب.
كان مولده سنة ٦٣٢، ويوم ولادته هنَّأْ أباه به شيخ شيوخ حماة عبد العزيز الأنصاري بقصيدة منها:
تولى مُلك حماة بعد أبيه وكان عمره عشر سنين — كما تقدم — وقام حينئذٍ بتدبير المملكة شيخ الشيوخ — المذكور آنفًا — إلى أن كبِر. كان ذكيًّا فطنًا، محبوب الصورة، حليمًا للغاية يتجاوز عمَّا يكره ويكتمه ولا يفضح قائله.
أبو الفداء
هو الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل أبو الفداء بن الملك الأفضل نور الدين علي بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب.
كان شهمًا فاضلًا عالِمًا عظيمًا، وكان الملك الناصر ملك البلاد المصرية والسورية يكتب إليه، ويبتدئ كتابه بقوله: يقبل الأرض. وما أشبه ذلك من عبارات التكريم. كان المؤيد ذا مكارم وفضيلة تامة، عالِمًا بالفقه والطب والحكمة والتاريخ والهيئة والجغرافيا وعلوم كثيرة غيرها. وكان محبًّا لأهل العلم مقربًا لهم، وممَّن كان في خدمته أثير الدين الأبهري صاحب كتاب إيساغوجي وقد رتب له ما يكفيه، وممَّن كان في خدمته أيضًا الشاعر الشهير جمال الدين بن نباتة، وصفي الدين الحلي، وقد رتب لكل منهما في السنة ستمائة درهم غير التحف. وله مؤلفات مفيدة جدًّا، منها التاريخ المشهور وهو مطبوع متداوَل معتمَد، ومنها كتاب تقويم البلدان في مجلد وهو مطبوع طبع أوروبا، وهو معتمَد أيضًا وقليل الوجود، ومنها كتاب نظم الحاوي في فقه الشافعي، وكتاب الكناش مجلدات كثيرة جمع فيه النحو والصرف والمنطق وعلم الهيئة وغيرها من العلوم وهو غير مطبوع وقليل الوجود، وكتاب الموازين في علوم كثيرة وهو مفقود. وبالجملة فإن محاسنه كثيرة. وكان له نظم جليل، فمنه:
وله:
وله:
وله غير ذلك موشحات وسواها. ولابن نباتة ديوان عَلَى حدة مطبوع في مدائحه، ومما قاله في رثائه:
وله أيضًا يرثيه ويهنئ ابنه الأفضل بالمُلك:
وقد رثاه الصفي الحلي بقصائد، منها أنه خمَّس قصيدة ابن زيدون فقلبها للرثاء، وممَّا قاله فيه سنة ٧٣٢:
منها:
منها:
منها:
منها:
ومنها يعرض بذكر ابنه من بعده:
وللصفي الحلي في ديوانه المطبوع شيء كثير من مدائحه في أبي الفداء، فمن ذلك قوله من موشح:
•••
•••
•••
•••
•••
وكان قد حضر وفاته في حماة فبكى. ولابن نباتة المصري — كما قدمنا — مدائح فيه جميلة، فمن غرر قصائده قوله من قصيدة طويلة:
ومن شعرائه الشيخ شهاب الدين محمود، مدحه بقصيدته التي مطلعها:
وبالجملة فقد كان أبو الفداء آيةً باهرة وفردًا من أفراد الرجال. ومن آثاره جامعه — المار الذكر — ومقبرة باب الجسر التي وقفها في حياته، وحمام العبيسي الباقية للآن، وقطعة حرم جامع نور الدين الشرقية التي بناها مدرسة للحنفية. وتآليفه النافعة المعتبرة في أقطار الأرض. تولى ابنه الملك الأفضل بعده أوقافه وأوقاف نور الدين حسن مدة حياته، ثم تبعثرت تلك الأوقاف بعده وما زالت تُفقد وتتناقص حتى غُيِّرَت معالمها وبُدِلَت رسومها. توفي سنة ٧٣٢، ودُفِن في جامعه — المشهور بجامع الحيات الآن — بحجرة صغيرة، وتحت هذه الحجرة مغارة كبيرة فُرِشَت أرضها بالرمل الحجازي، وفي وسط الحجرة قبر من حجر الرخام محفور بعض حجارته بالآيات القرآنية، وعند رأسه حجر محفور بما صورته: هذا ضريح العبد الفقير إلى رحمة ربه الكريم إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر شاهنشاه بن أيوب بن عمر في شهور سنة ٧٢٧. ومن العجائب أن تاريخ القبر سابق تاريخ الوفاة فالذي يظهر أنهم كانوا يُهيِّئون القبر قبل الموت زهدًا في الدنيا.
السلطان حسن
شيخ الشيوخ
الشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري بن محمد بن عبد المحسن المعروف بشيخ الشيوخ بحماة، كان مولده بجمادى الأولى سنة ٥٨٦، وكان دَيِّنًا فاضلًا متقدمًا عند الملوك، وله النثر البديع والنظم البديع، غزير العقل عارفًا بتدبير المملكة. وممَّا وصفه به صاحب فوات الوفَيَات قوله: هو الإمام العلامة الأديب الشاعر ابن القاضي عبد الله الأنصاري، رحل فيه والده وأسمعه المسند كله من عبيد الله بن أبي المجد الحربي، وقرأَ كثيرًا من كتب الأدب عَلَى الكِنْدي، وسمع من جماعة، وبرع في العلم والأدب، وكان من الأذكياء المعدودين، وله محفوظات كثيرة. سكن ببعلبك مدة، وسكن دمشق، ثم سكن حماة. وكان صدرًا كبيرًا نبيلًا معظَّمًا وافر الحرمة كبير القدر. روى عنه الدمياطي، وأبو الحسن اليونيني، وابن الظاهري، وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة. وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي: لا أعرف في شعراء الشام بعد الخمسمائة وقبلها من نظم أحسن منه ولا أجزل ولا أفصح ولا أصنع ولا أسرى ولا أكثر؛ فإن له في لزوم ما لا يلزم مجلدًا كبيرًا، وما رأيت له شيئًا إلا وكتبته لما فيه من النكت والتوريات الفائقة والقوافي المتمكنة والتركيب العذب واللفظ الفصيح والمعنى البليغ. فمن ذلك قوله:
قلت: وكُتب الأدب طافحة بأشعاره، ففي خزانة الأدب وبديعية النابلسي منها شيء كثير، وقد رأيت في حماة جزءًا مختصرًا من أشعاره غير مطبوع. وقال السبكي في الطبقات: وُلِدَ سنة ست وثمانين وخمسمائة، كان من أذكياء بني آدم، وسمع من ابن كليب، ومن أبي اليُمن الكندي، وأبي أحمد بن سكينة، ويحيى بن الربيع الفقيه وغيرهم، وبرع في الفقه والشعر وحدَّث كثيرًا، وتوفي سنة اثنتين وستين وستمائة. ومن بديع قوله:
وقد مَرَّ له في هذا التاريخ بعض من شعره.
ابن بكران
محمد بن المظفر بن بكران بن عبد الصمد بن سليمان الحموي. قال السبكي في الطبقات: هو الزاهد الورِع عَلَم الأئمة، وُلِدَ بحماة سنة ٤٠٠، ورحل إلى بغداد فسكنها وتفقَّه بها عَلَى أبي الطيب الطبري. وسمع الحديث من عثمان بن دوست، وأبي القاسم بن بشران، وأبي طالب بن غيلان، وأبي الحسن العتيقي وآخرين. وروى عنه أبو القاسم السمرقندي، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وهبة الله بن طاووس المقري وغيرهم. وكان أحد المتقنين لمذهب الشافعي، ورِعًا زاهدًا مُتقنًا. وكان قاضي القضاة ببغداد، ولي هذا المنصب بعد وفاة الدامغاني سنة ٤٧٨، ثم تغير عليه الخليفة المقتدي بالله العباسي، ثم خلع عليه واستقام أمره. قال ابن سكرة: لو رُفِعَ مذهب الشافعي من الأرض لأمكن أن يُمليه ابن بكران من صدره.
لما أراد الخليفة توليته قضاء القضاة امتنع من القبول فما زالوا يرجونه حتى قَبِلَ وشرط عليهم أن لا يأخذ رزقًا عليه ولا يَقبل شفاعة ولا يُغير ملبوسه، فأُجيب إلى ذلك، فلم يتبسم في مجلسه قط، وكان لا يَقبل من سلطان عطية ولا من صديق هدية، ويسوي بين الرفيع والوضيع في الحكم، ويحافظ عَلَى جاه الشرع الشريف. وجاء يومًا الخليفةُ مدعيًا، فسأله البيِّنة، فقال الخليفة: بينتي فلان والمشطب. فقال قاضي القضاة: لا أقبل شهادة المشطب لأنه يلبس الحرير. قال الخليفة: إن السلطان ملك شاه ووزيره نظام الملك يلبسان الحرير. قال: ولو شهدا عندي ما قبلت شهادتهما أيضًا. وما زال قاضي القضاة حتى توفي ٤٨٨، وكان يُلقب بالشامي.
الشيخ مسلم
ابن خضر بن قسيم الحموي، كان من الشعراء المُجِيدين، ومن قوله يمدح عماد الدين زنكي حينما حاصر الروم قلعة شيزر في سنة ٥٣٣ أربعةً وعشرين يومًا، فجاءَهم زنكي ونزل عَلَى العاصي بين شيزر وحماة، وفك شيزر من الحصار، وغنم من الروم غنائم كثيرة، فقال مسلم يمدحه:
توفي سنة ٥٤٣.
البرمكي الحموي
تاج الدين محمد بن هبة الله البرمكي الحموي، سافر من حماة إلى مِصر في زمن صلاح الدين الأيوبي وتوطن فيها، كان فقيهًا فرضيًّا نحويًّا ممتلكًا إمامًا من أئمة المسلمين. قال السبكي: إليه مرجع الديار المصرية في فتاويهم. وله نظم كثير، منه أرجوزة سماها حدائق الفصول وجواهر الأصول، صنفها للسلطان صلاح الدين، وهي حسنة جدًّا عذبة النظم، قال في خطبتها:
وقال في آخرها:
وله أرجوزة أخرى في الفرائض نظمها للقاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني سماها روضة المرتاض ونزهة الفراض، وكان مدرسًا بالمدرسة الصلاحية وخطيبًا بالقاهرة كثير الاشتغال بالعلم، وله ديوان خُطب أيضًا وتعليقات مهمة.
ابن رزين
محمد بن الحسن بن رزين موسى بن عيسى بن موسى العامري الحموي، قاضي القضاة بالديار المصرية، لقبه تقي الدين، وكنيته أبو عبد الله، وُلِدَ سنة ٦٠٣ بحماة. قرأ بعضًا من كتاب التنبيه في صغره، ثم انتقل إلى الوسيط فحفظه كله، وحفظ المفصل كله، والمستصفى للغزالي كله، وكتاب ابن الحاجب في الأصول والكافية في النحو. وسافر إلى حلب فقرأَ المفصَّل عَلَى موفق الدين بن يعيش، ثم قَدِمَ دمشق فلازم الشيخ تقي الدين بن الصلاح وأخذ عنه، وقرأْ القراءات عَلَى السخاوي وسمع منه ومن كريمته، وحدَّث عنه قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وآخرون. وولي بدمشق إعادة دار الحديث الأشرفية، ثم تدريس الشامية البرانية، ثم وكالة بيت المال بدمشق، ثم انتقل إلى القاهرة وأعاد بقبة الشافعي رحمه الله، ثم درَّس بالظاهرية، ثم ولي قضاء القضاة وتدريس الشافعي، وامتنع أن يأخذ عَلَى القضاء معلومًا. وكان فقيهًا فاضلًا، حميد السيرة، كثير العبادة، حسن التحقيق، ذا علوم كثيرة، مشارًا إليه بالفتوى من النواحي البعيدة. توفي في ٣ رجب سنة ٦٨٠.
ابن أبي الدم
إبراهيم بن أبي الدم، وُلِدَ في حماة سنة ٥٨٣ ونشأْ فيها، ثم سافر إلى بغداد فسمع الحديث من ابن سكينة وغيره، وحدَّث بحلب والقاهرة. وله تآليف جليلة، منها: شرح الوسيط، وكتاب أدب القضاة وتاريخ جليل. وله في مذهب الشافعي أقوال مهمة ذكر بعضها في طبقات الشافعية. كان آيةً باهرة، ورجلًا مفردًا مَلَأَت شهرته البلاد، وانتفع الناس بتآليفه المنيرة، وكان محترمًا جليلًا مهابًا عفيفًا ورِعًا لا يعرف الهزل في قول ولا فعل. توفي سنة ٦٤٢.
ابن الفقيه
إبراهيم بن نصر بن طاقة المعروف بابن الفقيه، وُلِدَ في حماة سنة ٥٧٢ ونشأْ فيها، ثم رحل في طلب العلم، وقرأ عَلَى ابن الجوزي، ثم سكن مِصر ولُقب بالمصري، وكان فقيهًا أديبًا رئيسًا وجيهًا، سمع منه الحديث الحافظ المنذري وغيره، وولي نظر الأحباس ونظر ديوان الأعمال القوصية. وكان له شِعر جميل، فمنه في مدح الملك الكامل:
ومن شعره:
وقد امتُحِنَ في أيام الصالح نجم الدين أيوب وعُوقِب بالضرب حتى مات في سنة ٦٣٨ عَلَى أمورٍ تافهة، وكان نادرة زمانه.
ابن بركات
جمال الدين بن بركات الحموي، مِنْ أفاضل الرجال، ومِنْ أَجَلَّ العلماء. له نفسٍ عالٍ في التآليف المفيدة. وممَّا ألَّفه من الكتب النافعة كتاب مختصر سر الأوائل والملوك ووسيلة العبد المملوك، ألَّفه في أواخر القرن السابع، وهو تاريخ نافع. ابتدأَ فيه من زمن الجاهلية، وختمه بخلافة المهتدي سنة ٢٥٥، وهذا التاريخ توجد نسخة منه في باريس. وله تاريخ آخر جميل سماه التاريخ المنصوري وتوجد منه نسخة في بطرسبرج، وله تآليف غيرها.
قاضي القضاة ابن واصل
هو الشيخ العلَّامة جمال الدين محمد بن سالم بن واصل قاضي القضاة بحماة، كان مولده سنة ٦٠٤، وكان فاضلًا إمامًا مبرَّزًا في علوم كثيرة مثل المنطق والهندسة وأصول الدين والفقه والهيئة والتاريخ. وله مؤلَّفات حسنة منها: مُفرج الكروب في أخبار بني أيوب، ومنها الأنبروزية في المنطق صنَّفها للإمبراطور ملك الصقالبة — إيطاليا — المسمى فردريك، حينما أرسله الملك الظاهر بيبرس رسولًا إلى الإمبراطور المذكور. ومنها: مختصر كتاب الأغاني. قال أبو الفداء: ترددت إليه في حماة مرارًا كثيرة، وكنت أعرض عليه ما أَحُلُّهُ من أشكال إقليدس في الهندسة وأستفيد منه، وكذلك قرأَت عليه منظومة ابن الحاجب في العَروض؛ فإن جمال الدين صنَّف لهذه المنظومة شرحًا حسنًا مطوَّلًا فقرأَته عليه، وصححت أسماء من لهم ترجمة في كتاب الأغاني عليه، فرحمه الله ورضي عنه. قلت: ومن كان أبو الفداء تلميذه فهو مِنْ أعلم العلماء. توفي الشيخ جمال الدين المذكور سنة ٦٩٧، ودُفِن في حماة وقبره مجهول.
ابن رواحة
أبو علي الحسين بن عبد الله خطيب حماة الشهير بابن رواحة، كان أديبًا ناثرًا شاعرًا فاضلًا، وقد نَسب إليه ابن حجة في خزانة الأدب قوله:
وذكر له صاحب فوات الوفيات قوله:
وقوله أيضًا:
وقد كان في القرن السادس ولم أطَّلِع عَلَى ذكر مولده ووفاته رحمه الله.
قاضي القضاة ابن جماعة
محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن صخر. قال السبكي في الطبقات: هو شيخنا قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله الكناني الحموي، حاكم الإقليمين مِصْرًا وشامًا، وناظم عقد الفخار الذي لا يُسامى، متحلٍّ بالعفاف، منحل إلا عن مقدار الكفاف، مُحدِث فقيه، ذو عقلٍ لا يقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه. مولده سنة ٦٣٩ بحماة. ولي قضاء القدس مدة، ثم درَّس بالقيمرية بدمشق، ثم ولي قضاء القدس وخطابتها، ثم أُعيد إلى قضاء القضاة بالديار المصرية، وسار في القضاء سيرةً حسنة. سمع بديار مِصر من أصحاب البوصيري ومن ابن القسطلاني، وأجازه ابن مسلمة وغيره، وقرأ بدمشق عَلَى أصحاب الخشوعي، وسمعنا الكثير عليه. ومات في مِصر سنة ٧٣٣ ودُفِن بالقرافة. قلت: وقد كان له نظم بديع. قال السبكي: ومن شعر قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ما أنشدنيه ولده سيدنا قاضي القضاة عز الدين أبو عمر عبد العزيز بقراءتي عليه في القاهرة، قال: أنشدنا والدي لنفسه:
وله أيضًا:
وقال:
وله تآليف حسنة، منها: رسالة في الأسطرلاب، ومنها كتاب جليل سماه كشف المعاني بحث فيه عن معاني آي القرآن، فمن بحثِه قوله: قال في البقرة: رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا، وفي إبراهيم: رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا؛ لأن آية البقرة دعا بها إبراهيم عند ترك إسماعيل وهاجر في الوادي قبل بناء مكة، وآية سورة إبراهيم بعد عوده إليها وبنائها. وهكذا مشى في هذا النحو مما لم يُسبق إليه. وخلف من الأولاد ابنه الآتية ترجمته.
قاضي القضاة ابن جماعة
عبد العزيز بن محمد بن جماعة وُلِدَ سنة ٦٩٤ بدمشق بالمدرسة العادلية الكبرى بمنزل والده المتقدِّم الذكر، كان ذا ديانة وتصوُّن وطلب للحديث، سمع كثيرين، ورحل من مِصر إلى الشام، وسمع الحديث من أبي المعالي الأبرقوهي وابن عساكر. وولي قضاء القضاة بالديار المصرية، وتدريس زاوية الإمام الشافعي في مِصر، وتدريس الفقه والحديث بجامع طولون، وتدريس جامع الأقمر ونظره وغير ذلك من الوظائف، ثم عُزِلَ عن قضاء القضاة ثم أُعيد إليها بعد ثمانين يومًا، واستمر يُظهر القلق من هذا المنصب ويؤثِر الانقطاع والعزلة ويطلب الإقالة فلا يُجاب حتى عزل بعد ذلك نفسه سنة ٧٦٦. واتفق له ما لم يتفق لغيره، فإن الأمير الكبير يلبغا مدبر المملكة نزل بنفسه — وهو ملك البسيطة — إلى داره ودخل عليه ورجاه أن يعود فأبى، واستمرَّ عَلَى الزاوية وجامع طولون وجامع الأقمر، وانفصل عن قضاء القضاة وما يتعلق بهذه الوظيفة، ثم توجَّه إلى الحجاز وبعد الزيارة عاد إلى مكة فتوفي فيها سنة ٧٦٧. وبالجملة فإنه كان محبًّا للحديث ولسماعه معمور الأوقات بذلك، نافذ الكلمة عند الملوك، كثير العبادة، كثير الحج، ونال ما لم ينله أحد من مزيد السعد مع حسن الشهرة ونفاذ الكلمة وطول المدة، وقد كان والده قبل رحيله من حماة يسكن في محلة الباشورة قرب جامع القان.
ابن العديم
هو نجم الدين أبو القاسم عمر بن الصاحب كمال الدين العقيلي الحنفي المعروف بابن العديم، كان علَّامة زمانه وزينة دهره. مُجيدًا في أكثر العلوم. عنده من الفنون وعلوم الأدب ما قل أن يكون لغيره. وكان جيِّد الخط والشعر ذا مروَّة طبيعية وتحفُّظ عجيب بحيث إنه لم يُحفظ عنه أنه شتم أحدًا مدة ولايته. وكان قاضي حماة مُعتَبَرًا عند الملوك ذا مكانة عظيمة. مشى أهل البلد كلهم في جنازته يوم توفي سنة ٧٣٤. ورثاه ابن الوردي بأبياتٍ جيدة، منها:
وقد آثر صاحب حماة بعد وفاة ابن العديم أن لا ينقطع أمر تولية القضاء من هذا البيت لأهل حماة، فولي بعده ابنه جمال الدين عبد الله وهو شاب أمرد لا نبات بعارضيه.
ابن الفارض
شرف الدين عمر بن المرشد الحموي الأصل، كان لآبائه بيت في حماة ومجد، ثم رحل والده إلى مِصر فولِد له عمر — المذكور — ونشأ فيها تقيًّا عابدًا زاهدًا شاعرًا مُجيدًا، وديوانه مطبوع مرارًا، وشعره أشهر من أن يُذكر، وتائيته الكبرى لها شروح عديدة، ولديوانه شروح كثيرة. كانت ولادته سنة ٥٧٦، ووفاته سنة ٦٣٢.
يُحكى أن السلطان محمد الملك الكامل كان يحب أهل العلم ويحاضرهم في مجلس مختص بهم، وكان يميل إلى فن الأدب فتذاكروا يومًا في أصعب القوافي. فقال السلطان: من أصعبها الياء الساكنة فمن كان منكم يحفظ شيئًا منها فليذكرها. فتذاكروا في ذلك فلم يتجاوز أحد منهم عشرة أبيات. فقال السلطان: أنا أحفظ منها خمسين بيتًا قصيدة واحدة وذكرها. فاستحسن الجماعة ذلك. فقال القاضي شرف الدين كاتب سره: أنا أحفظ منها مائة وخمسين بيتًا قصيدة واحدة. فقال السلطان: يا شرف الدين، جمعتُ في خزائني أكثر دواوين الشعراء في الجاهلية والإسلام، وأنا أحب هذه القافية فلم أجد فيها أكثر من الذي ذكرتُه لكم، فأنشدْني هذه الأبيات التي ذكرتَ، فأنشده قصيدة الشيخ اليائية التي مطلعها:
فقال السلطان: يا شرف الدين، لمن هذه القصيدة فلم أسمع بمثلها؟ وهذا نفس محب. فقال: هذه من نظم شرف الدين عمر بن الفارض. فقال: وفي أي مكان مقامه؟ فقال: كان مجاورًا بالحجاز وفي هذا الزمن حضر إلى القاهرة وهو مقيم بقاعة الخطابة في الجامع الأزهر. فقال السلطان: يا شرف الدين، خُذ مِنَّا ألف دينار وتوجه إليه وقل عنا: ولدك محمد يُسلم عليك ويسأْلك أن تَقبل هذه منه برسم الفقراء الواردين عليك. فإذا قبِلها فاسأله الحضور إلينا لنأْخذ حظنا من بركته. فقال: مولانا السلطان يعفيني من ذلك، فإنه لا يأخذ الذهب ولا يحضر، ولا أقدر بعد ذلك أن أدخل عليه حياءً منه. فقال السلطان: لا بد من ذلك. فأخذ القاضي الذهب وتركه مع إنسان في صحبته وقصد مكان الشيخ فوجده واقفًا عَلَى الباب ينتظره. فابتدأه بالكلام وقال: يا شرف الدين، ما لك ولذكري في مجلس السلطان؟ رُدَّ الذهب ولا تجئني إلى سنة. فرجع وقال للسلطان: وددت أن أفارق الدنيا ولا أفارق رؤية الشيخ سنة. فقال السلطان: مثل هذا الشيخ يكون في زماني ولا أزوره فلا بد لي من زيارته ورؤيته. فنزل السلطان في الليل إلى المدينة مستخفيًا هو وفخر الدين عثمان الكاملي وجماعة من الأمراء الخواص عنده. فلما أحس بهم الشيخ خرج من الباب الآخر الذي بظاهر الجامع وسافر إلى الإسكندرية وأقام بالمنار أيامًا ثم رجع إلى الجامع الأزهر. فبلغ السلطان حضوره وأنه متوعِّك المزاج، فأرسل إليه مع فخر الدين الكاملي يستأذنه أن يُجهز له ضريحًا عند قبر أمه بقبة الإمام الشافعي فلم يأذن له الشيخ، ثم سأله أن يبني له تربة تكون مزارًا مختصًّا به فلم يُنعِم له بذلك، ثم نَصَلَ من ذلك التوعُّك وعافاه الله.
عبد الرحيم البارزي
هو عبد الرحيم نجم الدين بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم بن هبة بن حسان نجم الدين الجهني الحموي الشافعي البارزي، قاضي حماة وابن قاضيها وأبو قاضيها، وُلِدَ في حماة، كان إمامًا فاضلًا فقيهًا أصوليًّا خيِّرًا، له في العلوم النقلية والعقلية باعٌ طائلٌ ونظرٌ عالٍ، ونال قضاء القضاة في الديار الحموية، ولم يأخذ عَلَى القضاء رزقًا، وكان مشكور الأحكام وافر الدراية والديانة محبًّا للفقراء والصالحين. درَّس وأفتى وصنَّف التصانيف الحسنة، حدَّث عن موسى بن الشيخ عبد القادر، وسمع الحديث من أبيه الشيخ إبراهيم البارزي. قال الذهبي: كان عبد الرحيم البارزي إمامًا فاضلًا فقيهًا، ومن مشايخه القاسم بن رواحة الحموي، توفي سنة ٦٨٣ في تبوك عَلَى طريق الحج ونُقِلَ فدُفِن في البقيع. وكان له شعر حسن، فمنه:
ومنه يخاطب الملك المنصور صاحب حماة:
ومنه:
قاضي حلب البارزي
هو فخر الدين عثمان بن كمال الدين محمد بن البارزي الجهني الحموي، نشأْ في حماة وقرأْ فيها العلوم عَلَى آبائه، ثم عُيِّن قاضيًا لحلب وفيها توفي فجأَة سنة ٧٣٠ بعد أن توضَّأ وجلس في مجلس الحكم ينتظر إقامة العصر، وكان يحفظ كتاب الحاوي في الفقه وله عليه شرحٍ جميل في ستة مجلدات، وكان يحفظ الحاجبية في النحو والتصريف أيضًا، وكان ذا عِفَّة وشهامة وورع وصداقة، وحينما توفِّي أسِف عليه الحلبيون والحمويون أسفًا شديدًا رحمه الله تعالى.
شرف الدين البارزي
هو قاضي القضاة شرف الدين أبو القاسم هبة الله ابن قاضي القضاة عبد الرحيم نجم الدين أبي محمد عبد الرحيم بن قاضي القضاة شمس الدين أبي الطاهر إبراهيم بن هبة الله بن المسلم بن هبة الله بن حسان بن محمد بن منصور بن أحمد بن البارزي الجهني الحموي الشافعي، عَلَم الأئمة وعلامة الأمة. تعين عليه القضاء في حماة فقبله، وتورع عن المعلوم من بيت المال فما أكله، بل فرش خده لخدمة الناس، ولم يعزِّر أحدًا ولا ضربه ولا أسقط شاهدًا، هذا مع نفوذ أحكامه وقبول كلامه، والمهابة الوافرة والجلالة الظاهرة، والتواضع للفقراء والمساكين. أفنى شبيبته في التقشف والعبادة وطلب العلم، وشيخوخَته في تصنيف الكتب الجيدة، وطُلِبَ مرات لقضاء الديار المصرية فأبى وقنع بمَصره، واجتمع عنده من الكتب ما لم يجتمع لأهل عصره، وشُدَّت إليه الرحال من البلاد البعيدة يتعلمون منه، وصار المعوَّل في الفتاوى عليه، واشتهرت مصنفاته في حياته بخلاف العادة. قال في طبقات الشافعية: وسمع من أبيه وجده، ومن الشيخ عز الدين الفاروثي والشيخ جمال الدين بن مالك. وأجازه الشيخ عز الدين بن عبد السلام، والشيخ نجم الدين البادراني، والحافظ رشيد الدين العطار وأبو شامة. وانتهت إليه مشيخة المذهب ببلاد الشام، وقُصِدَ من الأطراف، وكان إمامًا بالمذهب وفنون كثيرة. وقال الذهبي في المعجم: كان عديم النظير، وله خبرة تامة بمتون الأحاديث، وانتهت إليه رياسة المذهب.
وله التصانيف الكثيرة. فمن مؤلفاته: كتاب البستان في التفسير ٦ مجلدات، وكتاب روضات المحبين اثنا عشر مجلدًا، وكتاب المجتبى مختصر جامع الأصول في الحديث، وكتاب الوفا في أحاديث المصطفى، وكتاب المجرد من المسند أربع مجلدات، وكتاب إظهار الفتاوي في شرح الحاوي في الفقه، وكتاب تيسير الفتاوي من تحرير الحاوي، وكتاب شرح نظام الحاوي أربع مجلدات، وكتاب المغني مختصر التنبيه، وكتاب تمييز التعجيز، وكتاب توثيق عرى الإيمان، وكتاب السرعة في القراءات السبعة، وكتاب الدراية لأحكام الرعاية. ومن نثره الذي يُقرأ عكسًا وطردًا قوله: «سور حماه بربها محروس.» وُلِدَ سنة ٦٤٥ بحماة، وتوفي سنة ٧٣٨.
ولما بلغ زين الدين بن الورد خبر وفاته رثاه بقصيدة، منها يخاطب ابن بنته القاضي نجم الدين البارزي:
ومنها:
وبالجملة فقد كان رحمه الله تعالى محبوبًا ممدوحًا عالي الجناب.
محمد البارزي
هو ناصر الدين محمد بن البارزي الجهني صاحب دواوين الإنشاء في البلاد الإسلامية، نشأْ في حماة وغذي لبان العلم فيها، وطبقت شهرته البلاد الشاسعة، وهو الذي أمر تقي الدين بن حجة بتأليف كتاب خزانة الأدب، ولابن حجة فيه مدائح بديعة ذكر بعضها في خزانة الأدب، فمنها وقد كتب بها من مِصر سنة ٨٠٢ إلى حماة:
ومما مدحه فيه قوله من قصيدة أولها:
ومنها:
وكانت وفاته في أواسط القرن التاسع.
ابن حماد
هو العلَّامة الخطيب جمال الدين يوسف بن محمد بن مظفر بن حماد الحموي الشافعي، كان خطيبًا في الجامع الأعلى، دَيِّنًا عالِمًا فاضلًا، قرأ عَلَى مؤمل البالسي والمقدار القيسي، وحفظ كثيرًا من الأحاديث، وحدَّث واشتغل وأفتى، وكان عَلَى قَدمٍ عالٍ من العبادة والإفادة رحمه الله. توفي سنة ٧٣٣.
الخباز الحموي
هو الشيخ يحيى الخباز الحموي، كان فاضلًا شاعرًا مشهورًا، ومن شعره:
وله غير ذلك أشعار كثيرة أورد بعضها صاحب خزانة الأدب في نوع التورية.
ابن قرناص
محي الدين بن قرناص الأديب الناثر الشاعر، صاحب الباع الطويل في فنون الأدب والشعر، كان له نظم محبوب، فمنه في بعض حدائق حماة:
وقوله:
وقوله:
وقوله:
وغير ذلك شيء كثير. وقد تقدم ذكر آل قرناص فيما سبق.
محب الدين الحموي
هو القاضي محب الدين بن تقي الدين الحموي. قال الخفاجي: نزيل الشام وشامة من بها من الوجوه والأعلام، ذو كمالٍ وأدب وعزة من نظم ونثر وكُتب وشعر، إذا حل بنادٍ تهلَّل صدره وانشرح وتزينت بدُرَر كلماته عقود الملح. قلت: وقد نشأَ في حماة وبها تعلم العلم والأدب ثم رحل إلى دمشق وفيها توفي، ومن شعره:
وله تآليف منها كتاب شرح شواهد التفسير مختصر، رحمه الله.
مقلد بن منقذ
هو أبو الفتوح مقلد بن منقذ الكناني الملقب بمخلص الدولة. قال ابن خلكان: كان رجلًا نبيل القدر رُزِقَ السعادة في بنيه وحفدته، وكان مقيمًا بالقرب من قلعة شيزر عند جسر بني منقذ المنسوب إليهم، وكانت أشغالهم في حماة ولهم فيها عقار نفيس وبيوت. قلت: ومقلد هذا هو والد ملوك شيزر، وقد ذكرته في تراجم الحمويين لأن شيزر من توابع حماة وفي جهتها الغربية. وبالجملة فقد كان هذا الرجل أميرًا عظيمًا. وقد رثاه القاضي أبو يعلى حمزة بن عبد الرزاق أبي الحصين بقصيدة يعلم قارئها حقيقة فضائل المرثي، وهي:
قال ابن خلكان: وإن كانت طويلة لكنها غريبة قليلة الوجود بأيدي الناس، وما رأيت أحدًّا قَطُّ يحفظ منها إلا أبياتًا يسيرة فأحببت ذكرها لذلك. وقد توفي الأمير منقذ سنة ٤٣٥.
المظفر الشيزري
هو أسامة أبو المظفر بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي [الشيزري] الملقَّب مؤيد الدولة مجد الدين، من أكابر بني منقذ ملوك قلعة شيزر التابعة حماة، كان عالِمًا شجاعًا، وله تصانيف عديدة في فنون الأدب، تنقَّل في البلاد واجتمع بالأفاضل والملوك، وله شعر بديع، فمنه:
وقال وقد احترقت دار لرجل مصري يُسمى ابن طليب:
وقال:
وكتب لأبيه مرشد جوابًا عَلَى أبياته:
ومنه:
وقال في ضرسٍ قلعه:
كان مولده سنة ٤٨٨ في قلعة شيزر، ووفاته سنة ٥٨٤ في دمشق، ودُفِن شرقي قاسيون عَلَى جانب نهر بردى الشمالي.
سديد المُلك
هو أبو الحسن سديد المُلك علي بن مقلد بن منقذ الكناني [الشيزري] صاحب قلعة شيزر، كان شجاعًا مقدامًا قوي النفس كريمًا، وهو أول من مَلَكَ قلعة شيزر من بني منقذ، وكانت القلعة بيد الروم فحدثته نفسه بأخذها فنازلها وتسلَّمها بالأمان في رجب سنة ٤٧٤، ولم تزل في يده ويد أولاده إلى أَن جاءت زلزلة سنة ٥٥٢ فهدمتها وقتلت كل مَنْ فيها من بني منقذ كما تقدم. وكان سديدُ المُلك المذكور مقصودًا، وخرج من بيته جماعة نجباء أمراء فضلاء كرماء، ومدحه جماعة من الشعراء كابن الخياط والخفاجي وغيرهما. وكان له شعر جيد أيضًا، فمنه قوله وقد غضب عَلَى مملوكٍ له وضربه:
وكان موصوفًا بقوة الفطنة. ويُنقل عنه حكاية عجيبة، وهي أنه كان يتردد إلى حلب قبل تملُّكه شيزر — وملك حلب يومئذٍ تاج الملوك محمود بن مرداس — فجرى أمر خاف سديد الملك المذكور على نفسه منه، فخرج من حلب إلى طرابلس الشام — وصاحبها يومئذٍ جلال الملك بن عمار — فأقام عنده، فتقدم ملك حلب إلى كاتبه أبي نصر محمد بن الحسن بن علي بن النحاس الحلبي أن يكتب إلى سديد المُلك كتابًا يتشوَّقه ويستعطفه ويستدعيه إليه، وفهم الكاتب أنه يقصد له شرًّا — وكان صديقًا لسديد المُلك — فكتب الكتاب كما أُمِر إلى أن بلغ إلى «إن شاء الله تعالى» فشدد النون، فلما وصل الكتاب إلى سديد المُلك عرضه عَلَى صاحب طرابلس ومَنْ في مجلسه من خواصه، فاستحسنوا عبارة الكتاب واستعظموا ما فيه من رغبة صاحب حلب فيه وإيثاره لقربه، فقال سديد المُلك: إني أرى في الكتاب ما لا ترون. ثم أجابه عن الكتاب بما اقتضاه الحال، وكتب في جملة الكتاب: «أنا الخادم المقر بالإنعام» وكسر الهمزة من «أنا» وشدَّد النون. فلما وصل الكتاب إلى محمود صاحب حلب ووقف عليه الكاتب سُرَّ بما فيه، وقال لأصدقائه: قد علمت أن الذي كتبته لا يخفى عَلَى سديد المُلك وقد أجاب بما طيَّب نفسي. وكان الكاتب قصد قول الله تعالى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ، فأجاب سديد المُلك بقوله تعالى: إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا، فكانت هذه معدودة من تيقظه. وكانت وفاته سنة ٤٧٥ رحمه الله.
الخيثمي
قاضي القضاة تقي الدين أبو بكر بن الخيثمي الحنفي الحموي. كان في الغاية القصوى من الفضل وعلوم الأدب. كان يراسله من مِصر تلميذه ابن حجة ويمدحه بأبيات جميلة يذكر فيها بعض صفاته الجليلة، فمنها قوله فيه سنة ٨٢٠:
خطيب الدهشة
ابن حجة
تقي الدين أبو بكر محمد بن حجة. وُلِدَ في حماة ونشأْ فيها، وقرأَ فنون الأدب على شيخه القضامي والخيثمي. قال السخاوي في الضوء اللامع: كان تقي الدين إمامًا عارفًا بفنون الأدب متقدمًا فيها، طويل النفَس في النثر والنظم، فمن نظمه ما قاله مادحًا لملك حماة تمربغاء منطاش الأخضري الأفضلي قائلًا من قصيدة:
قلت: وقد تقدم من شعره جملة. وله تآليف كثيرة مفيدة منها: كتاب بروق الغيث الذي انسجم في شرح لامية العجم، وكتاب كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام، وقهوة الإنشاء، والثمرات الشهية في الفواكه الحموية، وأمان الخائفين من أمة سيد المرسلين، وثمرات الأوراق في المحاضرات، وكتاب الزاوية مختصر ديوان شيخ الشيوخ الحموي، وديوان شعر لطيف، وكتاب خزانة الأدب شرح بديعيته يستغني فيه مُطالعه عن غيره من كتب هذا الفن. وقد رحل ابن حجة من حماة إلى مِصر وحاز رتبة كتاب ديوان الرسائل، وكان مشغوفًا باستعمال التورية في نظمه ونثره، ثم عاد في آخر حياته إلى حماة وتوفي فيها سنة ٨٣٧، ودُفِن في تربة باب الجسر، وبني على قبره قبة بَقِيَتْ جدرانها إلى نهاية القرن الثالث عشر، فعمل له بعض الناس حجارة على لحده حُفِرَ عليها: «إن هذا قبر الغزالي.» والعامة الآن يزورونه باسم الغزالي ويجهلون أنه ابن حجة، عَلَى أن الغزالي دُفِن في مدينة طوس ولا يعرف حماة.
ابن مليك
هو علاء الدين بن مليك الحموي، ذكره الخفاجي في الريحانة وأثنى عليه ووصفه بأنه من الشعراء المُجيدين جدًّا. قلت: وقد نشأ في حماة ولم تطب له فيها المعيشة فرحل إلى دمشق وأقام فيها إلى أن توفي، وله ديوان مطبوع معروف فمنه:
ومنه:
ومنه:
توفي سنة ٩١٧.
الشيخ علوان
ابن السيد عطية، نسبه معروف وفضله مشهور، وُلِدَ في حماة في محلة باب الجسر ونشأْ فيها. قال النجم الغزي في الكواكب السائرة: إن سيدي الشيخ علوان سمع من الشمس محمد بن داود الباذلي كثيرًا من البخاري، وقرأ عليه من أول مسلم، وسمع بعض البخاري بحماة على الشيخ نور الدين علي ابن زهرة الحنبلي الحمصي، وأخذ عن مشايخ في دمشق كثيرين منهم محمود بن حسن البزوري الحموي، وأخذ الطريقة عن علي بن ميمون المغربي. وقد أجمع الناس عَلَى جلالته وتقدُّمه وجمعه بين العلم والعمل. وانتفع الناس به وبتآليفه الكثيرة، منها: المنظومة الميمية المسماة بالجوهر المحبوك في نظم السلوك اختصرها من كتاب إحياء العلوم فإنه كان مشغوفًا بمطالعته وقراءته، وهي مطبوعة، ومنها مصباح الهداية ومفتاح الولاية في الفقه، وتقريب الفوائد وتسهيل المقاصد، والنصائح المهمة للمملوك والأئمة، وبيان المعاني في شرح عقيدة الشيباني مطبوعة، وعقيدة مختصرة وشرحها، ورسالة الفتح اللطيف بأسرار التصريف، وشرح تائية الفارض الكبرى، وشرح تائية الصفدي، وكتاب مجلي الحزن في مناقب ابن ميمون، والنفحات القدسية شرح الأبيات الششترية، وعرائس الغرر وغرائس الفكر في أحكام النظر، ونسمات الأسحار في كرامات الأخيار، وفصل الخطاب في جيش ابن الخطاب، ورفع الحجاب بين المشايخ والأصحاب، وشرح حزب البحر للشاذلي، وشرح «إنما الأعمال بالنيات»، وشرح البردة والتائية والرائية والقافية، وأسنى المقاصد في تعظيم المساجد، وشرح منهاج الغزالي، والسيف القاطع في قبول الجوائز، وإزاحة الأوهام، وديوان خُطب، والهمع في شرح أبيات الجمع وتآليف أُخر.
كان مشهورًا بالكرامات مستغرقًا أوقاته بالعبادة ومجاهدة النفس، قضى بعض حياته في محلة باب الجسر، ثم أصبح في بعض الأيام فرأى مسجده مهدومًا ولا قوة له عَلَى دفع هادميه، فرحل إلى محلة العليليات ومضى فيها بقية حياته. وتوفي سنة ٩٣٦ عن ٦٣ سنةً، ودُفِن في زاويته المعروفة بحماة في محلة العليليات. وخلف ولدين نجيبين أحدهما الشيخ محمد أبو الوفا، وهو من العلماء الفضلاء المشار إليهم بالبنان، ورث مقام أبيه ورعًا وصلاحًا وعلمًا وزهدًا وإرشادًا، وكان بينه وبين التمرتاشي صاحب التنوير في الفقه محبة عظيمة فإنه كان يَقدِم لحماة لأجل زيارته، وانتفع به خلق كثيرون. وللشيخ علوان ذرية باقية في حماة معروفون بنسبتهم إليه ومن هذه الذرية فضلاء سيأتي ذكرهم.
أويس
هو العالِم العامل الفاضل التقي الورِع الزاهد الشيخ أويس الحموي، صاحب التآليف العديدة والعلم الغزير، فمن تآليفه: كتاب سكردان العشاق، ومفازة الأسماع والأرفاق، فيه فوائد تاريخية اجتماعية، توجد نسخة منه في باريس. قضى حياته في حماة وتوفي فيها سنة ٩٠١، وقبره معروف الآن غربي المدينة تسميه العامة قبر السلطان أويس وهو معتقَد يُزار.
قاضي المعرة
محب الدين بن داود الحموي قاضي معرة النعمان، فضله مشهور وعلمه واسع. فمن تآليفه النافعة كتاب حادي الأظعان النجدية إلى الديار المصرية، وصف فيه رحلته من نجد إلى مِصر، توجد منه نسخة في المكتبة الخديوية في مِصر وفي باريس. توفي في أواخر القرن العاشر.
ابن معروف
هو أبو الوفا ابن معروف الحموي الشافعي. كان عالِمًا فاضلًا زاهدًا. قرأَ في حماة عَلَى شيخه أبي بكر اليمني الزاهد، ثم هاجر إلى مِصر فقرأَ عَلَى الرملي الصغير والشيخ حمدان، وأخذ الحديث عن النجم الغيطي والعربية عَلَى قاسم الشنواني، ثم قَدِمَ حماة بفضل وافر، وأخذ الطريقة الخلوتية من الشيخ القصيري ورحل مع شيخه المذكور إلى قريته قصير، ثم عاد إلى حماة وركب منابر الوعظ ونصح وأطال، واعتقده الناس وصار شيخ حماة وقدوتها، وكان الناس يتبركون بزيارته وظهرت له كرامات عديدة.
وكان له نظم حسن فمنه:
ومن تآليفه: نزهة الأخيار ومجموع النوادر والأخبار يوجد في برلين، وديوان شعر نفيس توجد منه نسخة في برلين أيضًا، وفيه فوائد تاريخية وفلكية مهمة. وتوفي سنة ١٠١٦ وعاش ٨٠ سنة، ودُفِن بحماة في زاويته المعروفة بزاوية الشيخ معروف، وقبره يُزار للآن، وخلَّف ولدًا على قدمه زهدًا وصلاحًا وهو الشيخ محمد المعروفي.
منلا حسين الأشقر
قال المحبي: هو حسين بن ناصر بن حسن بن محمد بن ناصر بن الشيخ القطب الرباني شهاب الدين الأشقر العقيبي الحنفي الحموي. كان عالِمًا فهامة جامعًا لأنواع الفنون، وُلِدَ في حماة ونشأْ بها وقرأ عَلَى أكابر علمائها كالسيد عمر بن عسكر والشيخ نجم الدين الحجازي، وتولى بحماة مدرسة «الجلدكية»، واشتهر بالعلم والفضل، ثم رحل إلى دمشق بأهله وتوطَّنها وأخذ بها عن البرهان اللقاني وغيره، وكان حسن الخَلق والخُلق جميل الذكر صافي القلب والفكر متواضعًا عاملًا بعلمه. قلت: ولم يبقَ في حماة من أهل هذا البيت أحد وإنما لهم جامع في السوق مشهور مسمى باسمهم وله أوقاف. وقد توفي المذكور سنة ١٠٤٢ في دمشق ودُفِن بمقبرة الفراديس.
رجب العلواني
قال المحبي: رجب بن حسين بن علوان الحموي الأصل الدمشقي الفرضي الفلكي، أعجوبة الزمان في العلوم الغريبة كان لديه منها فنون عديدة، وأمهر ما كان في العلوم الرياضية كالهيئة والحساب والفلك والموسيقى والفرائض، انتفع به في دمشق خلق كثيرون، كان حسن الذات كامل الصفات ملازم العبادة منعزلًا عن الناس، توفي ١٠١٢.
ابن قضيب البان
هو عبد القادر بن محمد أبي الفيض السيد الأفضل المعروف بابن قضيب البان الصحيح النسب. قال المحبي: وُلِدَ في حماة وهاجر به أبوه إلى حلب سنة الألف وتوطن بها وترحل في البلاد، ثم وجهت عليه نقابة حلب وديار بكر وحماة عَلَى التأييد واستمر نقيبًا حتى مات، وقد نُسِبَت إليه كرامات عديدة. وله تآليف حسنة الوضع دالة عَلَى رسوخ قدمه سِيَّمَا في التصوف، منها: الفتوحات المدنية، ونهج السعادة، وناقوس الطباع في أسرار السماع، وشرح أسماء الله الحسنى، ورسالة أسرار الحرف، وكتاب مقاصد القصائد، ونفحة البان، وحديقة اللآل في وصف الآل، والمواقف الإلهية، وعقيدة أرباب الخواص، وغير ذلك ممَّا ينوف عَلَى أربعين تأليفًا كلها تصوف، وله ديوان شعر في التصوف، وتائية عارض فيها تائية الفارض، فمن شعره قوله:
توفي سنة ١٠٤٠ ودُفِن في حلب ومدة حياته ٧٩ سنة، وله قرابة في حماة — يُسمون اليوم بيت الحافظ — يسكنون في محلة المدينة.
عبد النافع
وقد ذكره الخفاجي وأثنى عليه، ومما قال فيه: هو فاضل تود العين قربه، وأديب بديع زمانه، وتاج عروس أقرانه. قلت: وله تآليف حسنة منها الرسالة الهادية إلى اعتقاد الفرقة الناجية في العقائد وتفسير سورة الإخلاص مجلد. توفي سنة ١٠١٦ في إدلب، ورثاه قاضي حماة في ذاك الحين — وهو الفاضل إبراهيم البتروني الحلبي — فقال:
الدفتري
هو حسن الدفتري المشهور بابن قنبق، كان فاضلًا ناظمًا بالعربية والتركية والفارسية، وله إنشاء حسن، فمن شعره:
الشاكر الحموي
أبو الصفا أحمد بن عمر بن عثمان الشاكر الحموي، وُلِدَ في حماة وقرأَ فيها، ثم طاف في البلاد مدة، ثم سكن دمشق، ذكره المرادي في تاريخه وأثنى عليه، كان إمامًا عالِمًا فاضلًا متصوفًا بارعًا ناظمًا ناثرًا بليغًا نبيهًا، حصل له في دمشق أموال طائلة ممن امتدحهم بشعره أنفقها كلها في تخبطه بصنعة الكيمياء، ومات فقيرًا سنة ١١٩٣ ودُفِن في سفح قاسيون، ومن شعره:
وهي طويلة.
ومنه:
وديوانه في ثلاث مجلدات ضخمة اسمه حانة العشاق وريحانة الأشواق.
السيد إسحاق
الكيلاني، ذكره المرادي وأثنى عليه، وقال: سكن دمشق، وكان معظَّمًا عند العظماء والناس، وكان يكتب التعاويذ والتمائم. قُتِلَ في معرة النعمان وهو ذاهب إلى حلب سنة ١١٨٥ ودُفِن في ظاهر المعرة.
السيد مصطفى العلواني
ابن إبراهيم بن حسن بن أويس العلواني الحموي أحد الأفاضل. قال المرادي: كان أديبًا بارعًا ناثرًا ناظمًا كاتبًا لوذعيًّا ألمعيًّا، له الحسب والنسب، مُحرِزًا دقائق الكمالات، جانيًا ثمرات الفضائل، وُلِدَ بحماة وقرأَ عَلَى والده فَنَّ العربية والأدب، ثم اشتغل عَلَى أفاضل دمشق، واستفاد من الشيخ عبد الغني النابلسي، ثم وجهت عليه نقابة أشراف حماة ثم عُزِلَ منها وعاد فسكن دمشق، وكان يحب العزلة في مدرسة الوزير إسماعيل باشا في سوق الخياطين فكانت الطلبة تتردد إليه للقراءة عليه، ووجِه عليه تدريس الزاوية المذكورة، وتوفي سنة ١١٩٣ ومدة حياته ٨٥ سنة، ومن شعره:
القصيفي
الشيخ حسين القصيفي بن رجب، كان فاضلًا أعجوبة عالِمًا شاعرًا كثير الهجاء مولعًا بالتصوف، توفي سنة ١١٢٣.
سليمان السواري
عبد الرحمن الكيلاني
هو ابن السيد عبد القادر بن إبراهيم بن شرف الدين الكيلاني الحموي نزيل دمشق، ذكره المرادي وأورد له في تاريخ قصائد حسنة، ووصفه بأنه فاضل محقق مدقق أديب ماهر نبيه ناظم ناثر بارع، وُلِدَ في حماة وأكمل القراءة في دمشق، ثم حاز نقابة الأشراف فيها، لكن قام عليه الأشراف وهجموا عَلَى داره فعُزِلَ عنها ولزم بيته، وكان يُقرئ الطلبة في داره بعض العلوم، ومن شعره:
وشعره كله جيد. توفي سنة ١١٧٢.
الأمير حسن الأعوج
قال المحبي: هو حسن بن محمد الأمير الجليل أبو الفوارس المعروف بابن الأعوج أمير حماة، أوحد أمراء الدهر، وعين باصرة الأدب، وشمس فلك المجد، له أدبٌ بارع وحسب وطيب أرومة. وُلِدَ في حماة ونشأ بها، وهو من بيت أصيل الرياسة عريق النسب، أما من جهة أبيه فأمير ابن أمير، وأما من جهة أمه فهي بنت محمد بن سلطان العارفين الشيخ علوان الحموي صاحب الكشف والكرامات، وقد وُجهت عليه ولاية حماة ثم عُزِلَ منها وولي المعرة ثم أُعِيدَ لحماة وهكذا بين عزلٍ ونصب، وكان له شعر جميل — ذكر منه المحبي جملةً — فمنه:
توفي في داره الموجودة للآن في محلة المرابط سنة ١٠١٩، ودُفِن في مدفن آبائه في جامع المرابط، وله ذرية باقية للآن — تبدل اسمهم فسموا «بيت الباك» — وهم قليلون جدًّا يرتزقون ممَّا بقي من العقار الذي تبعثر أيادي سبا، وقد كان لبني الأعوج دُور وقصور في المرابط منها جامع الجديد المختص ببني الججكلي — كان دارًا لبني الأعوج — وغيره كدار بيت الأوزون وغير ذلك.
حسن المنير
قال المحبي: هو السيد حسن بن محمد بن علي السيد الأجل الحسيني المعروف بالمنير الحموي الأصل الدمشقي الفقيه الشافعي، خلاصة الخلاصات من السادة الكُمَّل الأخيار، كان عالِمًا فقيهًا ورِعًا زاهدًا، جمع بين العلم والعمل، وكان فيه نفع عظيم للناس، وتخرج عليه خلقٍ كثيرون وتفقهوا وانتفعوا، وكان الناس يعظمونه ويهابون ساحته فإذا أقبل من بعيد تبادروا لتقبيل يده، وكان متواضعًا بشوشًا إلى الغاية لم نسمع أحدًا تأذى منه مدة عمره، توفي سنة ١٠٩٤ في دمشق ودُفِن في باب الصغير، وله ذرية باقية في دمشق.
الحوراني
العطوي
السيد محمد جمال الدين العطوي نقيب أشراف حماة، كان عالِمًا كبيرًا وفاضلًا عظيمًا، وكانت نقابة الأشراف مختصة بالبيت العطوي، والذي أظُنُّه أن هذا البيت قد درَسَ أهله. توفي المترجم المذكور سنة ١٠٩٠.
ابن سوار
مصطفى زين الدين بن عبد القادر بن محمد الشهير بابن سوار الحموي الأصل الدمشقي المولد الشيخ الإمام الصالح، نشأْ في صيانة وترعرع بالرزانة، حسن السمت مهابًا معتقَدًا، جلس للتدريس وانتفع به عالم كثيرون، توفي سنة ١٠٧١ في دمشق، ورثاه الأمير المنجكي بقوله:
وله تاريخ جيد جميل.
ابن عسكر الحموي
هو يحيى بن عمر الشهير بابن عسكر الحموي، كان من الأفاضل البالغين رتبة التفرد، الصارفين إلى التحصُّل كل الهمة، قرأَ في حماة عَلَى علمائها وبرع إلى أن فاق عَلَى جميع أقرانه، ورحل إلى دمشق وولي تدريس مدرسة القيمرية فأفاد وأخذ عنه كثيرون، ثم عاد إلى حماة وتوفي فيها سنة ١٠٧٠.
ابن رجب
تاج الدين عبد الوهاب بن رجب نزيل دمشق، كان مولده بحماة، ثم رحل إلى دمشق وسكن دارًا بجوار المدرسة الصابونية وقرأَ عَلَى علمائها، وبرع في الفنون لكن غلب عليه علم العربية فصار فيه وحيدًا، فكان يُدرِّس في الجامع الأموي وانتفع به خلق كثيرون، وهو من بيتٍ كبير في حماة وله قرابة مع بيت الأعوج، وتوفي سنة ١٠١٥ في دمشق.
القباني
علاء الدين علي بن أحمد الحموي الأَصل والمسكن، كان فقيهًا نبيلًا، سافر إلى دمشق مع والده وسكن في حي قبر عاتكة ثم الصالحية، أتقن القراءات السبع عن الشهاب الطيبي، والحديث عن البدر الغَزِّي، والفقه عَلَى النجم البهنسي. وبالجملة فإنه كان فاضلًا لطيف المحاورة ظريف النادرة وصوته في القراءة حسن، وولي خطابة جامع يلبغا وإمامة السليمية، وله شعر متوسط. توفي في الصالحية سنة ١٠٠٧ وجاوز سنه السبعين ودُفِن في مقبرة الدقاقين.
العقيبي
علي بن زين الدين عمر الشيخ العارف بالله، وُلِدَ في حماة وأخذ عن الشيخ علوان، ثم رحل إلى دمشق وسكن العقيبة بأمر شيخه، وكان عالِمًا فاضلًا ميَّالًا للتصوف، توفي في دمشق سنة ١٠٠١ ودُفِن بزاويته في العقيبة ومدة حياته مائة سنة.
البصير
هو علي البصير الحنفي الحموي الفقيه البارع اللسن، كان آيةً باهرة في الحفظ والإتقان، وُلِدَ في حماة وقرأْ بها، ثم رحل إلى طرابلس وعمره أربعون سنة وتوطَّنها وولي الإفتاء فيها مدة حياته، وكان محبوبًا مُهابًا. له تآليف كثيرة منها: قلائد الأنحر شرح ملتقى الأبحر في الفقه الحنفي، ومنها نظم الغرر ألفين بيتًا، ونظم العوامل الجرجانية، ونظم قواعد الإعراب، ونظم ألغاز الفقه سماه الحور العين يشتمل على ألف سؤال وأجوبتها وغير ذلك. توفي سنة ١٠٩٠ ودُفِن بمقبرة الغرباء في طرابلس.
ابن كاسوحة
عمر بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن علي السعدي الحموي الأصل المعروف بابن كاسوحة، قرأ عَلَى الشيخ الرملي في مِصر وابن غانم المقدسي والشربيني وغيرهم، كان فاضلًا عالِمًا قليل الحظ، توفي سنة ١٠١٧ في دمشق.
المحبي
هو محمد بن أبي بكر الملقب محب الدين الحموي، وُلِدَ في حماة ونشأ بها، وقرأَ عَلَى والده، ثم عَلَى الشيخ أبي الوفاء بن الشيخ علوان رحمه الله وعليه تخرَّج، ثم قرأَ عَلَى الشيخ تقي الدين البقا الحموي، ثم عَلَى الشهاب أحمد الأتاسي الحمصي، ثم انتقل إلى دمشق، وتزوج بنت إسماعيل النابلسي، ثم حاز إفتاء الشام وكان المشار إليه بالبنان. وله تآليف عديدة منها: حاشية عَلَى التفسير، والهداية، والدُرر والغرر، ومنظومة في الفقه، وعمدة الحكام، وشرح شواهد الكشاف، وشرح منظومة ابن الشحنة في المعاني والبيان، والسهم المعترض، والرد عَلَى مَنْ فجر، والرحلات، وعشرون رسالة وترسلات. وكان ممن توحَّد في عصره في معرفة العلوم خصوصًا التفسير والفقه والنحو والمعاني والفرائض والحساب والمنطق والحكمة والزايرجا والرمل وغير ذلك، وله شعر جميل منه:
وهو جد الشيخ محمد المحبي مؤلف تاريخ خلاصة الأثر المشهور. توفي سنة ١٠١٦ في دمشق ومدة حياته ٦٧ سنة، ورثاه أفاضل العلماء، وقد ذكره حفيده في تاريخه — راجعه إن شئت — وله ذرية في دمشق.
الحمامي
هو الشيخ أحمد بن عمر العلواني نزيل حلب، قرأ عَلَى أستاذه أبي الوفا بن علوان مقدمات العلوم، ولازمه ثم سافر من حماة، ونزل عَلَى حلب بمحلة المشارقة فكان يُقرئ المبتدئين بمسجد شمعون بمحلة سويقة حاتم، وكان يَقنع بسد الرمق ويلبس الثياب الخشنة مع قدرته عَلَى أحسن من ذلك، وله مؤلفات مقبولة منها: تروية الأرواح وأعذب المشارع في السلوك والمناقب، وكان له شعر عَلَى طريقة التصوف، وكان يقيم الذكر على طريقة الخلوتية ثم عاد إلى طريقة الشيخ علوان. توفي سنة ١٠١٧ ودُفِن بجانب الشيخ شاه ولي ملاصقًا لمقام الخليل.
أحمد العلواني
الشيخ أحمد بن محمد بن راضي العلواني، قرأ عَلَى والده، وكان إمامًا في الكيزاوية بحلب، وكان ذا علومٍ غزيرة من علوم شريعة وحقيقة، وتوفي سنة ١٠١٨.
العسكري
السيد أحمد بن يحيى بن عمر المعروف بالعسكري مفتي الشافعية بحماة العالِم العَلم الفصيح الكامل الأدوات، قرأَ عَلَى أبيه وعَلَى الشيخ سري الدين محمد البكري الشرابي، وكان فقيهًا فرضيًّا حسابيًّا أديبًا لبيبًا، درس بعد أبيه بالمدرسة العصرونية، وكانت وفاته سنة ١٠٩٤.
السيد علي الكيلاني
وهي طويلة وله غيرها كثير ذكرها المرادي في تراجمه. توفي سنة ١١١٣ ودُفِن في زاوية آبائه.
المكي
مصطفى المكي. قال المرادي: هو ابن فتح الله الشافعي المكي، مؤرخ مكة وأديبها الفاضل، العالِم الأديب البارع المفنن الأوحد، أصله من حماة ورحل منها لدمشق وقرأ بها ثم رحل إلى مكة وجعلها دار إقامته، وله التاريخ الحافل المسمى «فوائد الارتحال ونتائج السفر في تراجم فضلاء القرن الحادي عشر»، وله غير ذلك، وهذا التاريخ حافل في ثلاث مجلدات. توفي سنة ١١٢٣.
الأشقر
المكي
محمد بن عبد الرحمن بن محمد شمس الدين الحموي نزيل مِصر، كان إمامًا عالِمًا بالفقه والتفسير والحديث والقرآن والأصول والنحو، كثير الاستحضار للأحاديث، أديبًا ذكيًّا فصيحًا ورِعًا متواضعًا متصوفًا، عظيم المروءة والبِر، حسن الصوت بالقراءة، صادق اللهجة، علمه متين، وعقله رصين، وأدبه باهر، وشعره زاهر، أَلَّف وصنَّف، فمن تصنيفه حاشية عَلَى المغني وحاشية عَلَى شرح القواعد الهشامية، وله بديعية أولها:
توفي في مِصر ودُفِن فيها.
الشمس الميداني
محمد شمس الدين بن محمد الحموي الأصل الدمشقي المولد، العالِم المُحدِّث، صدر العلماء الحافظ المتقن بديع التقرير متين التحقيق، كان مهابًا ناصرًا للحق، ذكره المحبي وأثنى عليه جدًّا وقال إنه عالِم عصره ورئيس محدثيه وفقهائه، انتفع به خلق كثير، توفي سنة ١٠٣٣ في دمشق ورثاه الشعراء بالمراثي العديدة.
ابن ظفر
حجة الدين بن ظفر، المشهور بعلمه وتآليفه — منها البشر في خير البشر — قطن حماة واتخذها موطنًا وطاب له المقام، وكان في غاية من النباهة والنبالة. وله نظم جميل يذكر فيه مقاصفها وبعض أماكنها — نظمه حينما كان غائبًا عن حماة في بعض أسفاره يتشوق به إليها وأرسله إلى صديق له — قال:
محمد الدباغ
هو الشيخ محمد بن حسن بن السيد علي الدباغ المنسوب إلى عكرمة — رضي الله عنه — كان إمامًا عالِمًا فاضلًا، له اليد الطولى عَلَى شيوخ حماة، اشتهر في زمنه وكان أمين الفتوى فيها، وُلِدَ سنة ١٢٢٥، واشتغل في العلوم العقلية والنقلية. وصنَّف عدة مؤلفات منها: ملخص أحكام حاشية ابن عابدين، حاشية نيل المرام عَلَى رشحات الأقلام شرح كفاية الغلام: مجموعة فتاوى خمس مجلدات، حاشية في المنطق عَلَى متن الشيخونية، حاشية التحفة السنية على الرسالة المقدسية: نحو، حاشية عَلَى النفحة المعطرة: منطق، حاشية عَلَى الفضالية: توحيد، حاشية عَلَى البيقونية: مصطلح، رسالة في قسمة التركات، رسالة في إثبات حدوث العالم: فلسفة إسلامية، رسالة في الفرائض، تقريرات عَلَى التصوف، شرح الرسالة العضدية في الوضع، حاشية عَلَى نتائج الأفكار: مجلدان، رسالة في البحث عن صفة العلم، رسالة في الوضع، تقريرات عديدة. توفي سنة ١٢٨٨ ودُفِن في حماة، وعُني بعده ابنه وحفيده بأمانة الفتوى ثم تبعاه رحمهم الله ولهم ذرية باقية.
الشيخ حمود
ابن الشيخ مصطفى المفتي في حماة ابن الشيخ عباس ابن الشيخ إسماعيل ابن ملا ذاده البخاري، كان من فضلاء عصره المعدودين، ذا نظم ونثر، فمن نظمه قوله:
وله قصيدة في المدائح النبوية طويلة جدًّا، منها:
كان مدرسًا في جامع الأشقر، وقد توفي سنة ١٢٤١ فخلفه ابنه الشيخ زهير علمًا وفضلًا وتدريسًا، وله ذرية باقية في حماة معروفون بنسبتهم إلى الشيخ زهير، والمُترجم المذكور جد الهلالي المشهور، وقد أرخ الشيخ حمود وفاة نفسه بأبياتٍ قبل موته فصادف موته فيما قيل وهي:
السيد محمد سعيد الأزهري الكيلاني
وُلِدَ بحماة سنة ١١٦٨ ونشأْ بها، ورحل إلى مِصر لتحصيل العلوم الشرعية والفنون الأدبية، وجاور في الجامع الأزهر سبع سنين، قرأَ عَلَى الشيخ سليمان الجمل مؤلف حواشي تفسير الجلالين، والشيخ مرتضى الحسيني الواسطي الزَّبيدي صاحب تاج العروس في شرح القاموس، والشيخ محمد الشنواني، والشيخ عبد الرحمن النحراوي المقري، والشيخ أحمد الدمشقي الشهير بالعطار من علماء الأزهر في ذلك العصر، ورجع إلى حماة في سنة ١٢٠٢ ودرس وأفتى، وكان عالِمًا فاضلًا ورِعًا زاهدًا متواضعًا تصدَّر للإرشاد والإفتاء، وبنى في الجانب الشرقي من جامع نور الدين الحجرة التي تُشرف عَلَى نهر العاصي وأقام بها للتدريس والإرشاد، وانتفع بصحبته خلق كثيرون، وكان وافر العقل مكرِمًا لأهل الفضل محبًّا للفقراء والمساكين مساويًا لهم سخي النفس، وله شعر رقيق منه قصيدة مكتوبة في جدار حجرة أحفاده في الطيارة منها:
ومن تآليفه شرح مختصر عَلَى الحِكَم العطائية لم يُطبع، وله نسخة مولد نبوي، ومكتبته لم تزل حتى وقتنا هذا في حجرته، وعَلَى أكثر كتبه التي قرأَها في الأزهر تقارير بخطه، وكان شافعي المذهب. ورحل إلى بغداد لزيارة جده في سنة ١٢٤١، وحصل له فيها احترام وإجلال، ومكث نحو أربعين يومًا، وتوفي فيها في تلك السنة ودُفِن في جوار جده، وقبره معروف فيها، وله ذرية بحماة معروفة.
الجابي
هو الشيخ مصطفى الجابي الحموي، أحد العلماء الأفاضل، كان له إِلمامٌ بعلم تعبير الرؤيا وعلم الحرف، وعليه وظيفة التدريس في جامع الشيخ إبراهيم، وكان ورِعًا تقيًّا معتقِدًا، وله ديوان شعر مطبوع. توفي سنة ١٢٩٤ فأرَّخ الهلالي وفاته بما رقم على حجارة لَحْدِهِ بقوله:
ولصاحب الترجمة ذرية مشهورة في حماة فيهم من يعنون بتحصيل العلم.
ياقوت
اشتهر ياقوت بأنه حموي، والحقيقة أنه ليس حمويًّا؛ لأنه رومي الأصل أُسِرَ من بلاده وبِيعَ في بغداد لرجل حموي يُسمى عسكرًا فنُسِبَ ياقوت إليه نسبةً إضافية فقيل ياقوتُ الحمويِّ، فلهذا لم نذكر ترجمته في عداد الحمويين.
تنبيه
هذا ما عثرنا عليه أثناء البحث عن تراجم الرجال الحمويين مع المحافظة عَلَى شرطنا المتقدم وهو أن لا نتجاوز القرن الثالث عشر. وقد عزب عن علمنا رجال كثيرون لم تصِل يدنا إلى تراجمهم من فضلاء القرون الأولى، ورجال لم يساعدنا أبناؤهم عَلَى معرفة ماضيهم وآثارهم وليس لنا اطِّلاع عليها. على أن كل إنسان بلغه خبر تأليفنا لهذا التاريخ فليعذرنا مَنْ أُهمِلَ شأْنه. عَلَى أننا سنُعيد طبع هذا التاريخ إن شاء الله قريبًا فنضم إليه فوائد عديدة وتراجم جديدة إذ البحث مُوَاصِلٌ بعضه، والمستعان بالله، ولنذكر هنا بعض فوائد تُفيد الغريب ويطَّلع عليها مَنْ بعدنا في الأزمنة المقبلة.
هوامش
وقد ذكر أبو الفداء في تاريخه أنه توفي سنة ٦٤٢ فترى هنا مباينة. والله أعلم.