تمهيد
بدأت فكرة هذا الكتاب في ليلة مُظلِمة ومُوحِشة من عام ١٩٦٨، حين كنتُ طالبَ دراسات عُليا بجامعة ميريلاند. حسنًا، في الواقع، جميع الليالي تقريبًا مُظلمة ومُوحشة في نظر معظم طلاب الدراسات العُليا؛ ولكنِّي أَقصد أن تلك الليلة بعَينها كانت كذلك بحق. كنتُ أعمل مدرسًا مساعدًا بدوامٍ كامل. وفي وقتٍ مُبكر من ذلك اليوم كنتُ قد أعطيتُ شارون — إحدى طالباتي — اختبارًا قصيرًا. وقد أبلتْ فيه بشكلٍ سيِّئ، وفي النهاية وجَّهت إليَّ سؤالًا مثَّل لي تحدِّيًا؛ إذ قالت: «ما علاقة أيٍّ من هذا بحياتي؟»
بادرتُ بالإجابة على الفَور قائلًا: «شارون، هذا علم الفيزياء! إنه علمٌ ذو صلةٍ وثيقة بحياتك!»
حينها اعتدلَت كي تُواجهني مباشرةً وقالت بنبرةٍ مُتوتِّرة ومحسوبة وهيَ تُضيِّق عينَيها: «هلَّا تضرب لي بعض الأمثلة!»
أخذتُ أُفكِّر مرارًا وتكرارًا ولكني عجزتُ عن التوصُّل إلى مثالٍ واحد. لقد قضيتُ ستَّ سنواتٍ على الأقل في دراسة الفيزياء وها أنا أعجز عن التوصُّل إلى مثالٍ واحد وحسب.
في تلك الليلة أدركتُ أن مشكلة شارون هي في الحقيقة مشكلتي أنا؛ كان هذا الشيء المَدعو بعلم الفيزياء مُتعلِّقًا بالأبحاث التي يُجريها علماء الفيزياء داخل مبنًى مُخصَّص لذلك؛ ولا علاقة له بالعالَم الواقعي الذي تعيش فيه شارون (أو الذي أعيش فيه أنا). ولهذا، قرَّرتُ أن أجمع بعضًا من الأمثلة الواقعية، لأجذب انتباهها إلى هذا العلم، وهذه الأمثلة المُجمَّعة خرجت على هيئة هذا الكتاب الذي بين يدَيك؛ وشيئًا فشيئًا أضفتُ إلى المجموعة المزيد من الأمثلة.
وسُرعان ما رغب طلَّاب آخرون في الحصول على نُسَخ من محتوى هذا الكتاب، بدايةً من طلاب الصف الدراسي الذي كانت فيه شارون، ثم زملائي من طلاب الدراسات العُليا، ثم بعض أفراد هيئة التدريس. وبعد طباعة مادة الكتاب على هيئة «تقرير فني» من جانب قسم الفيزياء بجامعة ميريلاند، حصلتُ على فرصة للتعاقُد على نشْر هذا الكتاب من دار نشْر جون وايلي آند صَنز.
ونُشِر هذا الكتاب عام ١٩٧٥، بعد مرور بضع سنوات على تعييني أستاذًا لمادة الفيزياء بجامعة كليفلاند، ثم خضع للمراجعة والتنقيح في عام ١٩٧٧. ومنذ ذلك الحين، تُرجِم إلى ١١ لغة كي يُنشَر في مختلف أنحاء العالم. وهذه هي الطبعة الثانية من الكتاب الذي أُعيدُ كتابتَه وتصميمه بالكامل مرة أخرى.
عندما شرعتُ في تأليف المادة العلمية لهذا الكتاب، لم أُجرِ بحثًا إلَّا في عشرات الدوريات البحثية فقط، مُتفقِّدًا إيَّاها صفحةً بصفحة. وفي تلك الأثناء اكتشفتُ عددًا محدودًا من الأبحاث ذات الصِّلة بالمَوضوع. بالطبع، كان التشبيه المُفضَّل لي فيما يخصُّ هذا المشروع هو أنني كنتُ أُنقِّب عن الذهب على سفْح جبل قاحل؛ فقد كانت قِطَع الذهب قليلةَ العدد وصعبًا العثورُ عليها.
لكن تغيَّر وجه العالم؛ فحاليًّا يُنشَر كلَّ عام المئات من الأبحاث ذات المادة العِلمية الشبيهة بما جاء في هذا الكتاب، وبالاستعانة بالتشبيه الذي ذكرتُه آنفًا، فقد عثرتُ على عروق الذهب الخام. والآن، لم أَعُدْ أُنقِّب في عددٍ محدود من الدوريات وحسْب، بل أطَّلع على ٤٠٠ دورية علمية مباشرةً وأستعين بمُحرِّكات البحث لأُنقِّب من خلالها عن مئات الدوريات الأخرى. وفي أيامٍ كثيرة أجد أصابعي تَتنقَّل برشاقة على لوحة مفاتيح جهاز الكمبيوتر الخاص بي، وأتمنَّى لو أن شارون تنظُر من وراء كتِفي إلى الأشياء المُثيرة للفضول التي أَعثُر عليها. من خلال هذا الكتاب ستُتاح لك تلك الفرصة؛ تعالَ وانظُر من وراء كتِفي وسترى أنَّ علم الفيزياء ذو «علاقة وثيقة بحياتك».
الموقع الإلكتروني لهذا الكتاب
-
أكثر من ١٠ آلاف استشهاد مِن دوريات وكُتب العلوم والهندسة والرياضيات والطب والقانون. جُمِعت الاستشهادات وَفْق العناوين المذكورة في هذا الكتاب وصُنِّفَت حسب الصعوبة.
-
معلومات إضافية.
-
ملاحظات وتحديثات وتعليقات إضافية.
-
فهرس مُستفيض.
أصل تسمية هذا الكتاب
سمَّيتُ المجموعة الأصلية من هذه الألغاز الفيزيائية تيمُّنًا بالعُروض الجوية التي يؤدِّي فيها الطيارون المُتهوِّرون حركاتٍ استعراضيةً خطيرة تقشعرُّ لها الأبدان. وقد ظننتُ أن مثل هذه العُروض الجوية تُعرَف بوجهٍ عام باسم «السيرك الطائر»، وتمنيتُ أن تَلفت صورة الطيارين المُتهوِّرين انتباه أحدهم ليقرأ كلماتي.
وقد عرفت بعد ذلك أن السيرك الطائر هو بالأساس سيرك مُتنقِّل يُسافر من مكان إلى آخر على متن القطارات. وفي وقتٍ لاحق أُطلِق الاسم على طراز من الطائرات الألمانية التي تطير وتتحرَّك بتلك الطريقة. أصبح الاسم مُرتبطًا بالطيَّار الألماني الشهير، الملقَّب باسم البارون الأحمر، الذي قام بطلاء طائرته باللون الأحمر في الحرب العالمية الأولى ليُرهِب أعداءه في الجو.
ثم ظهرت الفرقة الكوميدية التي عُرفت باسم مونتي بايثون لأول مرة في إنجلترا من خلال المسلسل الكوميدي «فلاينج سيركَس» (السيرك الطائر) بعد عام من استخدامي للاسم والتشبيه. هكذا، فمِن المؤكَّد أن الاسم صار معروفًا في كلٍّ من أمريكا وإنجلترا في ذلك العام. (إلا أن مشهد «الببغاء الميِّت» هو بالأساس مشهد من تأليف فرقة مونتي بايثون.)
ثَبْت المصادر
جميع الاستشهادات الواردة في هذا الكتاب موجودة على الموقع الإلكتروني للكتاب، وتمَّ تجميعها وَفقًا للعناوين المذكورة، ومصنَّفة حسب الصعوبة الرياضية. ويَحتوي الموقع الإلكتروني على أكثر من ١٠ آلاف استشهاد.
التواصُل معي ومُراسَلتي
أُرحِّب كثيرًا بالملاحظات والتعليقات والأفكار الجديدة والاستشهادات. أما بخصوص الجزئية الأخيرة، فسأكون مُمتنًّا إذا أرسلتَ إليَّ الاستشهاد كاملًا بلا مختصرات وبأرقام الصفحات كاملة؛ ولكن إذا تعذَّر ذلك، فإن أقلَّ القليل من المعلومات سيُثير انتباهي. وإذا استطعت إرسال نسخة من بحثٍ ما أو عنوان موقع إلكتروني، فإن هذا سيكون رائعًا.
وبوجهٍ عام، لا أُدرج قائمة بالمواقع الإلكترونية في الاستشهادات؛ لأنَّني لا يُمكنني التأكد بصفةٍ دورية ممَّا إذا كانت المواقع لا تزال قائمة وقيْد العمل أم لا.
إنني أُدرِّس بدوامٍ كامل، وأعمل على تأليف هذا الكتاب بدوامٍ كامل، وأعمل على تأليف كتاب دراسي آخر بعنوان «أساسيات علم الفيزياء» بدوامٍ كامل مُضَعَّف. هذا وقت كبير مُستقطَع للعمل بدوامٍ كامل، وأنا وقتي محدود؛ لذا، أرجو أن تتفهَّم لماذا لا أستطيع الردَّ على كلِّ رسالة أو كل تعليق يصِلني.
جامعة كليفلاند
الكُتب الدراسية
-
«كيف تعمل الأشياء: فيزياء الحياة اليومية» (How Things Work: The Physics of Everyday Life) تأليف لويس إيه بلومفيلد (دار نشر جون وايلي آند صَنز)، مقدمة غير رياضية إلى الفيزياء.
-
«الفيزياء» (Physics)، تأليف جون دي كاتنيل وكينيث دبليو جونسون (دار نشر جون وايلي آند صَنز)، مقدمة إلى الفيزياء استنادًا إلى علم الجبر.
-
«أساسيات علم الفيزياء» (Fundamentals of Physics) تأليف ديفيد هاليداي وروبرت ريسنيك وجيرل ووكر (دار نشر جون وايلي آند صَنز)، مقدمة إلى الفيزياء استنادًا إلى علم التفاضُل والتكامُل.
شكر وتقدير
ثمَّة عدد كبير من الأشخاص أودُّ أن أشكرهم على تشجيعهم لي في فتراتٍ كنتُ أقول فيها لنفسي: «الأمل مفقود تمامًا!» حسنًا، هذا فقط جزء من السبب، وإنما باقي السبب هو أن الكثير من الأشخاص تحمَّلوني حين كان يتملَّكُني هاجس بأنه «يجِب عليَّ أن أعمل اليوم كما لو أن شمس الغد لن تُشرق!»
أتوجَّهُ بالشكر إلى جيرل ومارثا ووكر (والديَّ اللذَين أمضيا لياليَ كثيرةً دون نوم — حين كنتُ مُراهقًا — قَلِقَيْن على مستقبلي وما إذا كان ستَنتهي بي الحال في السجن أم سأُحقِّق النجاح)، وإلى بوب فيليبس (معلم الرياضيات والفيزياء في مدرستي الثانوية، الذي فتح لي آفاقًا جديدة من العالم)، وإلى فيل ديلافور (الذي شجَّعني على بدء العمل في التدريس)، وإلى جو ريديش (الذي ساهم في الحصول على الملاحظات الأساسية لهذا الكتاب الذي نشَرَه قسم الفيزياء بجامعة ميريلاند في شكل تقرير فني)، وإلى فيل موريسون (أول مَن شجَّعني على نشر التقرير الفني على هيئة كتاب، والذي كتَب مراجعة رائعة له في مجلة سَاينتِفيِك أمريكان، وهو ما وفَّر لي على الأرجح فرصة كتابة العمود الصحفي «العَالِم الهاوي» في المجلة نفسها على مدار ١٣ عامًا)، وإلى دينيس فلاناجان (محرِّر مجلة سَاينتِفيِك أمَرِيكان، الذي قام بتعييني والذي قدَّم لي النُّصْح والإرشاد على مدار سنوات)، وإلى دونالد دينيك (المُحرِّر المتخصِّص في الفيزياء بدار نشر وايلي آند صَنز في أوائل سبعينيات القرن العشرين، والذي قدَّم لي أول تعاقُد على نشر هذا الكتاب)، وإلى كارل كاسبر وبرنارد هامرميش (اللذَين فكَّرا بالقدر الكافي في أعمالي المؤلَّفة لتعييني في منصب أستاذ مساعد بجامعة كليفلاند)، وإلى ديفيد هاليداي وروبرت ريسنيك (اللذَين سَمحا لي بالمشاركة في كتابهما الذي بعنوان «أساسيَّات علم الفيزياء» في عام ١٩٩٠)، وإلى إيد ميلامان (الذي درَّبني على تأليف الكتب الدراسية)، وإلى ماري دين سوندرز (عميدة كلية العلوم بجامعة كليفلاند، التي وفَّرت مناخًا إيجابيًّا لظهور هذه الطبعة من الكتاب، والتي راجعَت عددًا كبيرًا من المسوَّدات مراجعةً نقدية)، وإلى ستيوارت جونسون (مُحرِّر الفيزياء بدار نشر جون وايلي آند صَنز الذي أرشَدني خلال تأليفي هذا الكتاب والطبعات العديدة التي صدَرت من كتاب «أساسيَّات علم الفيزياء»)، وإلى كارول سايتزر (التي قرَأت مسوَّدة هذا الكتاب وأجرَتِ العديد من التغييرات الوجيهة)، وإلى مادلين لاسور (المُصمِّمة الفنية لهذا الكتاب)، وإلى إليزابيث سواين (محرِّرة قسم الإنتاج بدار نشر جون وايلي آند صَنز التي أشرَفَت على إنتاج هذا الكتاب)، وإلى كريس ووكر وهيذر ووكر وكلير ووكر (أبنائي الكبار الذين تحمَّلوا هوَسِي بالكتابة والتدريس طوال حياتهم بأكملها)، وإلى باتريك ووكر (ابني الصغير الذي لم يتحمَّل السنوات الكثيرة التي قضيتُها في العمل في القَبو وحسْب، وإنما علَّمني أيضًا كيف أتسلَّق الصخور الصناعية الموجودة على جدار التسلق بصالة الألعاب)، وإلى (الشخص الأهم في حياتي) ماري جولريك (زوجتي التي ساهمَت في الكثير من أفكار هذه الطبعة، والتي شجَّعتني على المُواصَلة في كلِّ مرة أصرخ فيها قائلًا: «الأمل مفقود تمامًا»).
قسم الفيزياء
كلية العلوم
جامعة كليفلاند
٢١٢١ يوكليد أفينيو
كليفلاند، أوهايو، الولايات المتحدة الأمريكية ٤٤١١٥
فاكس: الولايات المتحدة الأمريكية ٢٤٢٤-٦٨٧-٢١٦