الحركة
(١) الركض أم السَّير تحت الأمطار؟
هل يَنبغي عليك الركض أم السير تحت الأمطار عند عبور الطريق بدون مِظلَّة؟ الركضُ يعني بالتأكيد أنك ستقضي وقتًا أقلَّ تحت الأمطار، ولكنه يعني أيضًا أنك قد تتعرَّض لعددٍ أكبر من قطرات المياه. هل الإجابة ستتغيَّر إذا هبَّت الرياح لتقذِف الأمطار في طريقك أم لتُبعِدها عنك؟
إذا كنتَ تقود سيارتك عبْر الأمطار، فما السُّرعة التي ينبغي عليك اختيارها لتُقَلِّل كميَّة المياه المُتساقِطة على الزجاج الأمامي للسيارة لكي تتمكَّن من الحفاظ على وضوح الرؤية أمامك؟
إذا كانت الرياح تهبُّ من خلفِكَ، فإنَّ أفضل استراتيجية هي أن تَركُض بسرعةٍ تتناسَب مع السرعة الأفقية لقطرات المياه المُتساقِطة. وبتلك الطريقة، سيبتلُّ رأسك وكتفاك، ولكنَّك لن تصطدِم بقطرات المياه بوجهك، وهي لن تصطدم بظهرك أيضًا. ورغم ذلك، فإن هذه الاستراتيجية لا تَنطبِق على جسمٍ يُجرى تحريكه عبْر الأمطار إذا كان الجسم يحتلُّ مساحةً أكبر من مساحة المقطع العرضي الأُفقي التي تحتلُّها أنت. فهذا الجِسم سيَجمع كمية ملحوظة من المياه فوق سطحه حتى وإن كانت سُرعته تَتناسَب مع السُّرعة الأفقية لتساقُط الأمطار. ومن أجل تقليل البَلَل، ينبغي أن يُحرَّك هذا الجسم بأقصى سرعة مُمكِنة.
فإذا كنتَ تقود سيارتك عبْر الأمطار، فما يَهمُّك هو الحفاظ على وضوح الرؤية أمامك وليس حرصك على تقليل البلَل. وإذا كانت قطرات المطر تتساقَط مباشرةً لأسفل أو إذا كانَت تندفع تجاهك بسبب الرياح، يجِب أن تقودَ سيارتك ببطء. وإذا كانت الأمطار تَندفِع في الاتجاه الذي تقودُ فيه سيارتك، يجِب أن تجعل سرعة سيارتك تتناسَب مع السرعة الأُفقيَّة لقطرات المياه، ولكن قد لا يكون هذا الأمر عمليًّا.
(٢) القوافل والاختناقات المُروريَّة
إذا كانت الحركة المرورية المُزدحِمة تَسير في سلاسة على امتداد أحد الشوارع مِن دون توقُّف، فكيف ينبغي ضبط توقيت تتابُع إشارات المرور عند التقاطُعات؟ أينبغي تغيير التوقيت حين تبدأ ساعة الذُّروة؟ ولماذا يفشل هذا النظام أحيانًا، كما في حالة العواصف الثلجيَّة مثلًا، بحيث تَحدُث «الاختناقات المرورية» وتتجمَّد حركة المرور تمامًا؟
تتأخَّر حركة السيارات الموجودة في مواضع مُتأخِّرة من القافلة عن الانطلاق عند صدور الضوء الأخضر لأنه يجب أن تنتقل «مَوجة بدْء» إليها أولًا (فالسائقون لا يبدءون في التحرُّك في وقتٍ واحد). سيتطلَّب ذلك انقضاء بضْع عشراتٍ من الثواني. وإذا تأخَّر ذيل القافلة كثيرًا، فسيتوقَّف عند الإشارة الحمراء التالية في التقاطُع الثاني. هَب أن القافلة التالية التي تتحرَّك في الشارع تُساوي في الطول القافلة السابقة عليها، أو أطول منها. حينها فإنَّ عدد السيارات المُتوقِّفة عند الإشارة الحمراء التالية في التقاطُع الثاني سيزداد.
ويسُوء الموقف إذا استمرَّ تزايُد طول القوافل؛ فخطُّ السيارات المتوقِّفة عند التقاطُع الثاني قد يطُول إلى أن يمتدَّ وصولًا إلى التقاطُع الأول، ويمنع سَير المرور من خلاله تمامًا. وهنا يبدأ الاختناق المروري. ومن أجل تخفيف حدَّة المُشكلة، يجِب عكس تتابُع إشارات المرور في التقاطُعَين الأول والثاني؛ بحيث يَجب أن تتحوَّل الإشارة في التقاطُع الثاني إلى الضوء الأخضر قبلَ أن تتحوَّل الإشارة في التقاطُع الأول إلى الضوء عَينِه؛ وذلك حتى يكون بمقدور السيارات المُتوقِّفة عند التقاطُع الثاني إخلاء الطريق قبل أن تصل القافلة التالية. يجِب القيام بهذا التغيير في التتابُع يدويًّا أو بواسطة كمبيوتر يُراقِب عدد السيارات المُتوقِّفة عند التقاطُع الثاني.
ويمكن أن نجد قوافل السيَّارات في حركة المرور داخل الأنفاق كذلك (خاصةً حين يكون تغيير الحارة المرورية محظورًا) وفي الطرق الريفية ذات الحارتَين؛ ففي كلٍّ من هذه الحالات تبدأ القافلة حين تقابل السيارات الأسرع سيارةً أبطأ منها، كشاحنة مثلًا. وفي حالة الطرق الريفية، قد تتشتَّت القافلة إذا تمكَّن السائقون من تجاوُز المركبة البطيئة.
(٣) موجات الصدمة على الطريق السريع
حين تزداد الكثافة المروريَّة على أحد الطرق الحُرة أو السريعة، لماذا تتشكَّل «موجات» داخل حركة المرور يُبطِئ فيها السائقون أو يُسرِعون؟ أحيانًا تتكوَّن هذه المَوجات حين يتسبَّب حادث أو سيارة مُعطَّلة في تعطيل إحدى الحارات، وأحيانًا تُسبِّبها «حوادث وهميَّة» يُبطئ فيها المرور لسببٍ تافهٍ نسبيًّا، كتغيير إحدى السيارات حارتها المرورية. هل تتحرَّك المَوجات في اتجاه حركة السيارات أم في الاتجاه المُعاكس؟ ولماذا يمكن أن تستمرَّ إحدى المَوجات بعد إزالة آثار الحادث أو السيارة المعطَّلة؟
الآن افترض أنَّ السائق في السيارة التي أمامك ضغط المكابح بقوَّة على نحوٍ مفاجئ. ستضغط أنت والسائقون خلفك المكابح بقوةٍ أيضًا، وكلٌّ منكم سيحتاج زمن استجابةٍ قدره ثانية واحدة. سينتقِل فعل الإبطاء بالمِثل على امتداد سيارات الحارة المرورية على صورة موجة، لكن الآن سيصير الفعل ملحوظًا من طرف أي راصدٍ يقِف على جانب الطريق. هذه الموجة هي موجة صدمة. واعتمادًا على تركيز السيارات قبل وبعد مرور الموجة، تستطيع الموجة التحرُّك في نفس اتجاه الحركة المرورية (مع التيَّار) أو في الاتجاه المعاكس للحركة المرورية (ضد التيار)، أو يُمكن أن تكون ساكنة.
افترِض أنَّ ثَمَّةَ موجة صدمة تكوَّنت حين توقَّفَت إحدى السيارات في مرورٍ مزدحم نسبيًّا وأن السائق يحتاج ١٥ دقيقة كي يُبعِد السيارة عن الطريق. بينما تبدأ السيارات في التسارُعَ مجدَّدًا وصولًا إلى سرعة الحركة العادية، تنتقل «موجة تحرُّر» عبْر خط السيارات المُنتظِرة الطويل. ربما يمرُّ وقتٌ طويل قبل أن تَلحق موجة التحرُّر بموجة الصدمة التي لا تزال تنتقل عبْر المرور. وحينها فقط تعود الحركة المرورية كلها إلى وضعِها الطبيعي.
(٤) الحد الأدنى للمسافة الفاصلة بين السيارات
إذا كانت إحدى السيارات تسير خلف سيارة أخرى، فما الحدُّ الأدنى للمَسافة الفاصلة التي تُتيح للسيارة الخلفية التوقُّف قبل الاصطدام بالسيارة الأمامية إذا ما ضغَط قائدُها على المكابح فجأةً وأوقفَها؟ تقضي النصيحة التقليدية بضرورة تَركِ مسافة فاصلة تُعادِل مقدار سيارة؛ وذلك في مُقابل كلِّ عشرة أميال في الساعة (حوالي ١٦ كيلومترًا في الساعة) من سرعة السيارة. هل هذه النصيحة سديدة؟
هبْ أنَّ ثمَّة فارقًا طفيفًا في معدَّلات إبطاء السرعة. هل تُوجَد قاعدة بسيطة يمكن بها حساب الحدِّ الأدنى للمسافة الفاصِلة لتفادي وقوع الحوادث؟ من المُثير للدهشة أنه لا تُوجَد قاعدة عامَّة؛ لأن الحدَّ الأدنى للمسافة الفاصلة يتوقَّف على مربَّع السرعة؛ ولذا ليس من السهل أن تُحسَب — بطريقة تخيليَّة — في موقف افتراضي. ومِن ثم، إذا كنتَ تقودُ سيارتك بسرعةٍ خلْف سيارة أخرى، فمن الأفضل أن تُتيح مسافة فاصلةً أكبر مما تُوصي به النصيحة التقليدية.
(٥) اجتياز الضوء الأصفر
هَبْ أن إشارة المرور عند إحدى التقاطُعات تحوَّلت إلى الضوء الأصفر قبل وصولك إلى التقاطُع. هل ينبغي عليك أن تضغط على المكابح قبل أن تصِل إلى التقاطع، أم تُواصل القيادة على سُرعتك الحالية أم تزيد من سُرعتك؟ لعلَّك تأخذ قرارًا بناءً على تجربتك من خلال تقدير سُرعتك والمسافة التي تفصلك عن التقاطع وعرض هذا التقاطُع وتقديرك للمُدَّة التي سيَستغرِقها الضوء الأصفر. هل تُوجَد إمكانية بأن تُخالِف قانون المرور إذا ما أخذتَ أي قرارٍ من القرارات السابقة حتى وإن لم تتعدَّ حدود السرعة المسموحة؟
(٦) دوَران السيارة حول نفسها بسبب الضغط المُفاجئ على المكابح
ووفقًا للنصيحة التقليدية في هذا الموقِف، إذا بدأت سيارتك تدور حول نفسها، يَنبغي أن تُدير العجلتَين الأماميتَين ناحية اتجاهِ السَّير المرغوب. وعندما تقوم بذلك، يَنشأ عزم دوران للعجلتَين الأماميَّتَين يُقاوم دوران السيارة حول نفسها، ولكن إن لم تكن قائدًا مُحترفًا، فربما تفشل في ذلك وتخرج السيارة عن السيطرة وتدور في الاتجاه المعاكس.
(٧) الاختيار بين الانزلاق وعدم الانزلاق
تخيَّل أنك تقود سيارتك على الطريق حين اعترض مسارك حيوانُ موظ ضخم على مسافةٍ قريبة منكَ. تخيَّل أيضًا أن سيارتك غير مُزوَّدة بنِظام منْع انغلاق المكابح. هل يَنبغي عليك أن تجعل العجلات تَنغلِق من خلال الضغط على المكابح بأقصى قوَّة لدَيك أم ينبغي عليك أن تضغط عليها بأقصى قدْرٍ مُمكِن لكن من دون أن تجعل العجلَات تَنغلِق؟ وإذا انزلقَتْ سيارتك وخرجَت عن السيطرة تمامًا، فلماذا يتوقَّف انزلاق السيارة على نحوٍ مُباغت؟
والخيار الأفضل هو أن تَضغط على المكابح بحيث تجعل العجلات على وشْك الانزلاق؛ ومِن ثَمَّ تكون مسافة التوقُّف قصيرة. أليس كذلك؟ حسنًا، في الواقع، الأمر ليس كذلك؛ لأنَّ هذا الخيار قد يَزيد مسافة التوقُّف بنسبة ٢٥٪ أكثر مما لو جعلتَ العجلات تَنغلِق وتَنزلِق تمامًا.
هَبْ أنك ضغطتَ على المكابح بقوة كافية لتجعل السيارة على وشْك الانزلاق. نظرًا لأنَّ جميع العجلات ما زالت تدور في حركتها المُعتادة، ونظرًا لأنَّ الأحمال الواقعة على العجلتَين الخلفيَّتَين تناقصَت، تكون العجلتان الخلفيَّتان على وشْكِ الانزلاق (وليس العجلتان الأماميَّتان ذواتا الأحمال الإضافية) ويصير الاحتكاك الواقع على العجلتَين الخلفيتَين ضئيلًا. إذا كانت المكابح الأماميَّة والخلفية مُماثلة، فإنَّ درجة الاحتكاك الواقعة على العجلتَين الأماميَّتَين تكون ضئيلة على نحوٍ متساوٍ، وكذلك درجة الاحتكاك الإجمالية للسيارة تكون ضئيلة؛ ومِن ثَمَّ تطُول المسافة التي تقطعها السيارة للتوقُّف عن الحركة.
الآن، هبْ أنك ضغطتَ على المكابح بقوةٍ كافية لتَنغلِق جميع العجلات وتنزلق تمامًا. مع انزلاق العجلات، تَعتمِد قوى الاحتكاك على الأحمال الضاغطة على العجلات. ونظرًا لأن الأحمال مُتزايدة على العجلتَين الأماميَّتَين، تكون درجة احتكاكهما كبيرة. وعلى الرغم من أن درجة احتكاك العجلتَين الخلفيَّتَين ضئيلة، فإنَّ هذا الاحتكاك المُتزايد للعجلتَين الأماميَّتَين يعني أن درجة الاحتكاك الإجمالية للسيارة تكون أكبر ممَّا كانت عليه في الموقف السابق، ولذا تتوقَّف السيارة بعد قطع مسافة أقل. ورغم ذلك، فإنه لا يُحبَّذ جعل العجلات تنغلق لأنَّ الانزلاق يُفقدك السيطرة على السيارة، وربما تدور السيارة حول نفسها بكلِّ سهولة (انظر البند السابق)، ممَّا يتسبَّب في اصطدامك بالسيارات المُجاوِرة أو السيارات القادمة في الحارة المرورية المُقابِلة.
يَحدُث توقُّف السيارة عن الانزلاق على نحوٍ مُباغِتٍ بسبب الزيادة المفاجئة للاحتكاك الواقع على الإطارات. أثناء حدوث الانزلاق فإنَّ المنطقة التي تتلامَس فيها الإطارات بالأسفلت تتشحَّم بالقطران السائل والمطَّاط المُنصهِر (انظر البند التالي). ولكن مع تباطُؤ السيارة، تقلُّ المواد المنصهرة ويقلُّ التشحيم، وهو ما يزيد من الاحتكاك فجأة.
(٨) انزلاق الإطارات على الطريق
إذا حدَث انغلاق لعجلات السيارة أثناء الضغط على المَكابح على نحوٍ طارئ، تَنزلِق الإطارات وتحتكُّ بالرصيف تاركةً علامات احتكاك على الطريق. هبْ أن ثمة سيارة تَنزلِق حتى تتوقَّف بعد بُلوغها سرعةً معيَّنة. هل يُؤثِّر وزن السيارة على طول علامات احتكاك؟ ماذا عن نمط التعريجات الموجودة على الإطارات وعرض هذه الإطارات؟ ماذا لو كانت الإطارات ملساء؟
لماذا يَصعُب إيقاف السيارة عندما يكون الطريق مُبتلًّا بعض الشيء أكثر ممَّا لو كان مغمورًا بمياهٍ مُتدفِّقة؟
وسرعان ما تتجمَّد المادة المُنصهرة من جديد، ولكن يستمرُّ الأثر — علامة الاحتكاك — ربما لمُدة شهور. وعادةً ما يَحتوي الأثر على تحزيزات تمتدُّ بطوله؛ وتكون بسبب التضليعات الموجودة في الإطار أو بسبب الحَصى المُتناثر على الطريق. نادرًا ما تحدُث علامات الاحتكاك على الأسطُح الخرسانية وتكاد تكون غير مرئية على هذه الأسطح، وتتكوَّن بالأساس من أجزاء الإطار المُنصهِر أو المُتمزِّق.
وعندما تَنزلِق السيارة وتتوقَّف دون أن تَصطدِم بشيء، فإنَّ طول المسافة الخاصة بعلامات الاحتِكاك تُتيح للباحث أن يُقدِّر سرعة السيارة عند بَدء انزلاقها. ورغم ذلك، يُوجَد العديد من العوامل المُتغيِّرة التي قد تجعل هذه الحسبة مجرَّد رقمٍ تقديري. أحد هذه العوامل المُتغيِّرة هو كتلة السيارة (أو وزنها)؛ فالسيارة الثقيلة تتطلَّب مسافة أطول قليلًا من السيارات الأخفِّ وزنًا كي تَقِف، وهذا بالأساس يرجِع إلى التشحيم المُتزايد الناتج عن الوزن الأثقل. (في محاكم المُخالَفات المرورية والكثير من كُتب الفيزياء، يَجري تجاهُل هذا التأثير بوجهٍ عام.)
ويتوقَّف طول علامة الاحتكاك أيضًا على ظروف الطريق؛ فعادةً ما تكون العلامات أقصرَ حين يكون ثَمَّةَ حصًى مُتناثِر على الطريق وتكون العلامات أطولَ حين يكون الطريق أملس من كثرة الاستخدام. ولا علاقة لمسافة التوقُّف بعرض الإطارات؛ لأنَّ قُوى الاحتكاك الواقعة على الإطارات تعتمد عمومًا على الوزن الذي تتحمَّله هذه الإطارات وبِنيَتِها وخصائص الالتحام بين الإطارات وسطح الطريق، ولا علاقة لها بعرض الإطارات.
وحين يكون الطريق جافًّا، يكون للتعريجات الموجودة على الإطارات تأثير ضئيل على المسافة التي تَقطعها السيارة للتوقُّف؛ إلَّا أنها قد تكون ذات أهمية بالغة حين يكون الطريق مُبتلًّا. وإذا كان مستوى المياه عاليًا، كما هي الحال عند تساقط أمطار غزيرة، فإن الإطارات قد تَنزلِق (أو يحدُث ما يُسمَّى «الانزلاق المائي») على طبقة رقيقة من المياه والتي تَمنع بدَورها حدوث أي احتكاك تقريبًا. بعبارة أخرى، لا يحدُث تلامُس بين الإطارات والطريق لأنَّ المياه لا تُنَحَّى على جانِبَي الطريق أو تُزاح من أسفل الإطارات. ويزداد الانزلاق المائي سُوءًا حين يكون الطريق مُتَّسخًا وتكون الأمطار قد بدأت تتساقط لتوِّها؛ لأن المياه والوَحل يَمتزجان ليُشكِّلا بقعةً زلِقة شديدة اللزوجة أشبَهَ كثيرًا بالطَّمي السائل. هكذا، يقلُّ الاحتكاك بين الإطار والطريق بشكل كبير، الأمر الذي يتفاجَأ منه الكثير من السائقين الذين يتوقَّفون فجأةً لأنهم يظنُّون أنه مع بدء سقوط الأمطار لا يكون الطريق مبتلًّا بالدرجة الكافية لحدوث الانزلاق المائي. وبعد أن تغسل الأمطار الطريق وبعد أن يَجفَّ الطريق، يُصبح الاحتكاك بين الإطارات والطريق أكثر ممَّا كان قبل سقوط الأمطار لأنَّ الأوساخ قد أُزيلت. وتَحتوي الإطارات المُصمَّمة لتقليل الانزلاق المائي على تعريجاتٍ تُوجِّهُ المياه أو تُزيحها من أسفل الإطارات نحو جانبَي الطريق.
وإذا كانت كميَّة المياه غير كافية لحدوث الانزلاق المائي، فإنَّ بإمكانها أن تُقلِّل الاحتكاك الواقع على الإطارات بدرجةٍ كبيرة. تَلتصِق الإطارات بسطح الطريق الجافِّ؛ لأن الوزن الواقِع عليها يُلصِق الجزء السُّفلي من الإطار بالسطح بشكلٍ مؤقَّت. وهذا الالتصاق يُتيح للإطارات أن تتشابك بالسطح المُتعرِّج لتنساب بين الشقوق البسيطة وتعلَق وسط النتوءات البسيطة. وهذا التعشيق الوثيق بين الإطارات وسطح الطريق المُتعرِّج قد يُسفِر عن المزيد من الاحتكاك الواقع على الإطارات أثناء إيقاف السيارة بشكلٍ طارئ. ورغم ذلك، عندما يكون سطح الطريق مُبتلًّا، تَمتلئ هذه الشقوق بالمياه. وحين تلتصِق الإطارات بالطريق على نحوٍ مؤقت، تَنحبِس المياه في هذه الشقوق، ممَّا يجعل سطح الطريق أملسَ نسبيًّا ويُزيل النتوءات فعليًّا؛ ومن ثَمَّ لا يكون في مقدور الإطارات أن تحتكَّ بهذه النتوءات.
وإذا بدأت السيارة تدور حول نفسها أثناء توقُّفها على نحوٍ طارئ، فستكون العلامات الموجودة على الطريق مُنحنية. ويحدُث دوران السيارة حول نفسها عند انغلاق العجلتَين الخلفيَّتَين قبل العجلتَين الأماميَّتَين أو قد يَحدُث بسبب انحدار الطريق. (عادةً ما يكون منتصف الطريق أعلى من جانبَيه بهدَف تصريف مياه الأمطار.)
إذا كانت العجلات لا تزال تدور أثناء دوران السيارة حول نفسها، فإنها تحكُّ جانبَي الطريق وتترُك «علامات الكحت» التي ينقصها الخطوط المميزة لعلامات الاحتِكاك. ربما يكون كِلا النَّوعَين من العلامات مُتقطِّعًا إذا كان الطريق غير مُستوٍ بالدرجة الكافية، مما يجعل السيارة ترتجُّ أو إذا كانت المكابح غير مُتَّسقة. والفواصل القصيرة في العلامات تكون عادةً بسبب الارتجاج، بينما الفواصل الأطول قد تُشير إلى ضغط قائد السيارة على المكابح على نحوٍ مُتقطِّع.
قصة قصيرة
(٩) بعض الأرقام القياسيَّة لعلامات الاحتكاك
يبدو أن تسجيل الأرقام القياسية لعلامات الاحتكاك على الطُّرُق السريعة بدأ عام ١٩٦٠ على يد سائق يقود سيارة جاجوار على الطريق السريع إم١ بإنجلترا؛ إذ وصل طول العلامات إلى ٢٩٠ مترًا. وفي محكمة المُخالَفات المرورية، زُعِم أنَّ السرعة تخطَّت ١٦٠ كيلومترًا في الساعة (أو ١٠٠ ميل في الساعة)، حين حدَث انغلاق للعجلات أولًا. وإذا افترضْنا أن مُعامل الاحتكاك بين الإطارات والطريق كان يَبلُغ ٧٫٠، يُمكننا أن نُقدِّر سرعة السيارة بحوالي ٢٢٥ كيلومترًا في الساعة (أو ١٤٠ ميلًا في الساعة).
كانت علامات الاحتكاك التي تركَتْها السيارة الجاجوار مُثيرةً للإعجاب، إلَّا أنها لا تُقارَن بالعلامات التي ترَكها كريج بريدلوف في أكتوبر ١٩٦٤ على طريق بونفيل سولت فلاتس بولاية يوتا. وفي محاولة لتحطيم الرقم القياسي وتخطِّي «حاجز» سرعة ٥٠٠ ميل في الساعة (٨٠٥ كيلومترات في الساعة)، قطع بريدلوف بسيارته المُسمَّاة «سبيرت أوف أمريكا»، والمدفوعة بمُحرِّك صارُوخي، مسافة ميل واحد، أولًا في أحد الاتِّجاهَين ثم في الاتجاه المُعاكس، بحيث يُمكن حساب مُتوسِّط تأثير الرياح. وفي المرة الثانية التي قطَع فيها الميل، كان يقود السيارة بسرعة ٥٤٠ ميلًا في الساعة تقريبًا.
ومن أجل إبطاء السُّرعة، أطلق مظلَّة الكَبْح ولكن حبل المظلَّة انقطع تحت وطأة الضغط، كما فشلَت المظلَّة الثانوية أيضًا. بعد ذلك، ضغط على المَكابح، دافعًا الدوَّاسة إلى الأرضية، لكن كل ما فعلته هو ترك علامات احتكاك امتدَّت على طول ستَّة أميال تقريبًا قبل الاحتِراق. كانت السيارة تَسير حينها بسرعة ٥٠٠ ميل في الساعة ومرَّت — بشِقِّ الأنفُس — بين صفَّيْن من أعمدة خطوط الهاتف. وتوقَّفت السيارة في النهاية حين صعدت تلًّا منخفضًا ثم هبطت منه بسرعة ١٦٠ ميلًا في الساعة إلى بِركة مالِحة بعُمق ٥ أمتار. ونظرًا لأن بريدلوف كان مثبتًا بإحكام في مقعده، كاد يَموت غرقًا في مقصورة القيادة المغمورة أسفل المياه. ورغم ذلك، سجَّل بريدلوف رقمًا قياسيًّا وكسر حاجز ٥٠٠ ميل في الساعة بسُرعة متوسطة بلغت ٥٢٦ ميلًا في الساعة.
(١٠) نقَّار الخشب وكبش الجبال الصخريَّة وارتجاج المخ
يدقُّ نقَّار الخشب بمِنقاره على فرع إحدى الأشجار بحثًا عن حشرات ليَأكلها أو ليَصنع مِساحةً تخزينية لطعامه أو ليَجذِب وليفةً له بصوتٍ مَسموع. وأثناء هذا الفعل، يُقدَّر المُعدَّل الذي تتباطأ به حركة رأس الطائر ﺑ ١٠٠٠ ضعف عجلة الجاذبية الأرضية. ربما يكون مثل هذا المعدَّل للتباطؤ مُميتًا بالنسبة إلى الإنسان أو على أفضل تقدير قد يتسبَّب في تلفٍ بالغٍ في الدِّماغ ويُصيب الإنسان بارتجاج في المخ. ولكن لماذا لا يَسقط نقَّار الخشب من فوق الشجرة ميِّتًا أو فاقدًا للوعي في كل مرة ينقُر فيها بعُنفٍ على الشجرة؟
من أجل فرض الهيمنة أثناء موسم التزاوُج، تتصادَم ذكور كِباش الجبال الصخرية بقرونها ورءوسها تصادُمًا عنيفًا. ورغم ذلك، لا تتساقَط الكباش على الأرض فاقدةً الوعي (من الصعب أن تختارك أنثى وأنت مُمدَّد على الأرض وفاقد للوعي). ولعلَّ بعض أنواع الديناصورات ذات القرون (مثل ترايسيراتوبس) كانت تتصادَم بصورةٍ مُشابهة. فلماذا لا تتأذَّى الكِباش من هذا التصادُم؟
وعادةً ما تحمي الكباش، التي تتصادَم برءوسها وقُرونها، أنفسها بثلاثِ سِمات: (١) تلتوي قُرونها لكي تُطيل مدَّة التصادُم، ومن ثَمَّ تُقلل من قوى الاصطدام. (٢) تدور أيضًا عظام الجُمجمة (العظام القَحفيَّة) أو تتحرَّك حول المفاصل (دروز الجمجمة) في حركة أشبَهَ بحركة الزنبرك أو مِفصل الباب من أجل تخفيف أثر الضربة على الرأس. (٣) مُعظَم الطاقة الناجمة عن التصادُم يَنتهي بها المطاف عند عضلات الرقبة القوية للحيوان. وعلى الرغم من أن التصادُمات تبدو شديدة العنف، فقد تطوَّرت عضلات وقرون الحيوانات لدرجة أنه مِن المُستبعَد أن يُكسَر قرنٌ أو يُصاب الدماغ. وعلى الأرجح، استفاد ديناصور «ترايسيراتوبس» مِن وجود جهاز تجويفي مُوسَّع يُبطِّن القَحف العصبي للجمجمة، وهو الذي قد يقوم مقام مُمتصِّ الصدمات.
قصة قصيرة
(١١) لعبة عجلة الجاذبية الأرضية
في يوليو عام ١٩٧٧، في بحيرة إل ميراج دراي، بولاية كاليفورنيا، سجَّلت كيتي أونيل رقمَين قياسيَّين لسباق السيارات في مضمار بلغ طوله ٤٤٠ ياردة. وعند نقطة التوقُّف، كانت كيتي أونيل قد وصلَت إلى أقصى «سرعة ختامية» (سرعة السيارة عند نهاية مضمار السباق) على الإطلاق وحطَّمت الرقم القياسي لأقلِّ وقتٍ مُستغرَق؛ ألا وهو ٣٫٧٢ ثوانٍ. كانت سرعتها مذهلة؛ إذ وصلت إلى ٣٩٢٫٥٤ ميلًا في الساعة (حوالي ٦٣٢٫١ كيلومترًا في الساعة). وبلغ مُتوسِّط سُرعتها أثناء السباق ٤٧٫١ مترًا في الثانية؛ أي بمقدار ٤٫٨١ مرات قدْر عجلة الجاذبية الأرضية.
وفي ديسمبر عام ١٩٥٤، وفي قاعدة هولمان الجوية، بولاية نيومكسيكو، قُيِّدَ دكتور جون ستاب، العقيد بالقوات الجوية، في مقعد مِزلجة صاروخية تدفَعُها تسعة صواريخ. وحين تمَّ إطلاقها، اندفع العقيد ستاب والمِزلجة الصاروخية على مضمار لمدَّة ٥ ثوانٍ ليصِل إلى سرعة ٦٣٢ ميلًا في الساعة؛ أي حوالي ١٠١٨ كيلومترًا في الساعة. وبلغت سرعته أثناء مرحلة الدفع حوالي ٥٦٫٤ مترًا في الثانية المُربَّعة أو ٥٫٧٦ مرات قدْر عجلة الجاذبية الأرضية. بالتأكيد، الأرقام مُثيرة للإعجاب، إلَّا أنَّ الاختبار الحقيقي للعقيد ستاب تمثَّل في التوقُّف باستخدام مكابح مائية، وهو ما استغرق ١٫٤ ثانية فقط؛ حيث إنه أبطأ المِزلجة الصاروخية بمعدَّل يُقدر ﺑ ٢٠٫٦ مرَّة قدْر عجلة الجاذبية الأرضية.
وفي مايو عام ١٩٥٨، في مِزلجة صاروخية مُشابهة بقاعدة هولمان، بلغت سرعة إيلي إل بيدينج، جونيور، حوالي ٧٢٫٥ ميلًا في الساعة أو ١١٧ كيلومترًا في الساعة. وتكاد هذه السرعة تبدو غير لافتة للأنظار؛ لأنه من الشائع بلوغها على بعض الطُّرق السريعة، إلَّا أنها تفرض الانتباه لها حين يكون الوقت المُستغرق لبلوغ هذه السرعة لافتًا. كان الوقت المُستغرق ٠٫٠٤ ثانية؛ أي أقل من لمح البصر. وظلَّت السرعة التي بلغها بيدينج — والتي قُدِّرت بمقدار ٨٢٫٦ مرةً قدْر عجلة الجاذبية الأرضية — رقمًا قياسيًّا في ظلِّ ظروف خاضعة للمُراقبة.
وفي يوليو عام ١٩٧٧، في مقاطعة نُورْثَمابتونشير، بإنجلترا، تحطَّمت سيارة السباق الخاصَّة بديفيد بيرلي وتناقصَت سُرعته من ١٠٨ أميال في الساعة إلى صفر أثناء تحرُّكه مسافة ٢٦ بوصة فقط. (بلغت السرعة ١٧٤ كيلومترًا في الساعة، وقُدِّرت المسافة بمقدار ٢ / ٣ أمتار.) وبدا تباطُؤه مُهلِكًا؛ حيث وصَل ١٧٩٫٨ مرة قدْر عجلة الجاذبية الأرضية، وعلى الرغم مِن أن بيرلي أُصيب ﺑ ٢٩ كسرًا وعانى من خلع ثلاثة مفاصل وتوقَّف قلبه ستَّ مرات، فإنه نجا من الموت بأعجوبة.
(١٢) التصادم الأمامي
تخيَّل فجأةً أنك ترى سيارة قادمة ناحيتك من الاتجاه المعاكس لنفَقٍ ذي اتجاهٍ واحد. لكي تَحُدَّ من خطر وقوع حادث وشيك، هل ينبغي عليك أن تجعل سرعة سيارتك مساوية لسرعة السيارة القادمة في الاتجاه المعاكس، أم تسير بسرعة أكبر منها، أم تخفض سرعتك لتُوقِف السيارة؟
ويُعَدُّ التصادم الأمامي للسيارات أخطر أنواع التصادمات. ومن المُدهش أن البيانات التي جُمعت عن حوادث التصادم الأمامي تُشير إلى أن خطر (أو احتمال) وفاة السائق يقلُّ إذا ما كان هناك ركاب آخرون في السيارة؛ فما السبب؟
الموقف هنا يَختلف عن لعبة كرة القدم الأمريكية؛ حيث قد يَختار اللاعب الإسراع عندما يركض مباشرة تجاه لاعبٍ آخر. يَتمثَّل الفارق في أنَّ اللاعب قد يَرغب أن يكون الاصطدام عنيفًا، ومن خلال توجيه جسده بدقَّة يُمكنه أن يُحوِّل التصادُم إلى مناطق الضعف لدى خصمه أو يُفقِد خصمه التوازُن ويطرحه أرضًا على الملعب.
وتُشير البيانات التي جُمعت عن التصادُم الأمامي للسيارات إلى أنَّ وجود راكب في السيارة بخلاف السائق يُقلِّل من خطر وفاة السائق. ويتوقَّف ذلك الخطر على تغيير سُرعتك المتَّجِهة أثناء التصادم؛ فالتغيير الكبير يعني أنك تعرَّضتَ لتسارُع شديد بسبب قوة شديدة. على سبيل المثال، إذا كانت كتلة سيارتك ضئيلة وكتلة السيارة الأخرى كبيرة، فإن سرعتك المتَّجهة قد تتغيَّر بقدرٍ كبير للغاية لدرجة أنه ستَنتهي بك الحال بالتراجُع إلى الوراء. ووجود كتلة إضافية في سيارتك، نابِعة من وجود راكبٍ آخر أو حتى وجود جوال رمال في شنطة السيارة، قد يُقلِّل من التغيير الواقع على سُرعتك المُتَّجهة، ومن ثَمَّ يُقلِّل خطر تعرُّضك للوفاة. وإليك نتيجةً عددية: إذا فرَضْنا أنَّ سيارتك والسيارة الأخرى مُتطابِقتان وكُتلتك وكتلة السائق الآخر مُتماثِلتان، فإنَّ خطر وفاتك يقلُّ بنسبة ٩٪ تقريبًا إذا كان لدَيك راكب آخر في السيارة يزن ٨٠ كيلوجرامًا.
قصة قصيرة
(١٣) اللَّعِب بالقاطرات
المكان: مدينة واكو، ولاية تكساس. الزمان: ١٥ سبتمبر ١٨٩٦، فكَّر ويليام كراش من شركة السكك الحديدية لميزوري وكنساس وتكساس في فكرة عرْض مؤكَّدة النجاح؛ إذ رتَّب مواجهة بين قاطرتَين عتيقتَين عند طرفَين مُتقابلَين لمسارٍ بلغ طوله ٤ أميال. كانت إحدى القاطرتين مَطليَّة باللون الأحمر والأخرى مطلية باللون الأخضر. تمثَّلت الفكرة في تصادُم القاطرتَين بأقصى سُرعةٍ لهما.
حسنًا، لا يُوجَد شيء يُحقِّق مبيعات مهولة مثل العُنف، ودفع ٥٠ ألف مُتفرِّج ثمنَ تذكرة مُشاهدة حادث التصادم. وبعد أن زُوِّدت القاطرتان بالوقود وثُبِّتت الصمامات الخانقة على وضْع الفتح، وتسارَعت القاطرتان كل منهما ناحية الأخرى. وعندما تصادَمتا، كانتا تسيران بسرعة ٩٠ ميلًا في الساعة تقريبًا أو ١٤٥ كيلومترًا في الساعة.
قُتِل عدَّة متفرِّجين من أثر تناثُر الحطام وجُرِح المئات. أما باقية الحشود فقد استمتَعت على الأرجح بإنفاق المال لمشاهدة العرْض. كان الوجود بالقُرب من التصادُم، وما صحِبَه من تحوُّلٍ جذري في الطاقة الحركية للقطارات إلى طاقة حرَكية للحُطام المُتناثر، أشبَهَ بالوجود بالقُرب من انفجارٍ مُتوسِّط الحجم.
(١٤) التصادُم الخلفي للسيارات وإصابات الرَّقَبة
في حوادث التصادُم الخلفي، تَصطدم سيارة بأخرى من الخلف. وعلى مدار عقود، سعى المهندسون والباحثون في المجال الطبِّي إلى تفسير سبَب إصابة رقَبة راكب المقعد الأمامي في مثل هذه الحوادث. وبحلول سبعينيَّات القرن العشرين، توصَّلوا إلى أن الإصابة كانت بسبب اصطدام رأس الراكب بالجزء العلوي من المقعد عند اندفاع السيارة إلى الأمام؛ ولذا تُعرَف بالاسم الشائع «الإصابة المصعية»؛ إذ إنَّ الرقبة تَنثني إلى الخلف أكثر ممَّا يَنبغي بسبب حركة الرأس. وبسبب هذا الاستنتاج، وُضِعت مَساند الرأس في السيارات، ورغم ذلك، لا تزال إصابات الرقبة تقَع في حوادث التصادُم الخلفي. إذن، ما الذي يتسبَّب في وقوع هذه الإصابات؟
(١٥) منعطفات سباق السيارات
عادةً ما يتحدَّد الفوز بسباق السيارات الفائقة السرعة وَفقًا لأداء السيارات والسائقين أثناء اجتياز المُنعطفات. تخيَّل مُنعطفًا بزاوية تسعين درجة على مضمارٍ مستوٍ، مثل مضمار سباق فورميلا وان. بالتأكيد، تعتمِد الطريقة المُثلى لاجتياز المنعطف على خصائص التحكُّم في السيارة ومهارة السائق وخبرته وظروف مضمار السباق. ومع ذلك، هل يَنبغي بوجهٍ عام أن يَتبع السائق طريقًا دائريًّا حول المُنعطف؟ عادةً يضمن لك ذلك الاختيار أقلَّ وقتٍ مُستغرَق لاجتياز المُنعطَف، ولكن لماذا لا يُعدُّ هذا أفضل اختيار؟
لماذا يُواجِه السائقون مُحترفو قيادة المسارات المستوية لسباق فورميلا وان صعوبةً عند المشاركة في سباق إندي كار، الذي يُوجَد به عادةً مُنعطفات مائلة؟ وبالأخص، لماذا يكون مثل هؤلاء السائقين عرضةً للانزلاق في حركة دائرية إلى الخارج عند قيادة السيارة خلال المُنعطفات؟
وثمَّة ميزة أخرى لهذا التصرُّف. فإذا قطعت المنعطف بسرعة أكبر مما ينبغي، فستتجاوَز الحد الأقصى لقوى الاحتكاك الواقعة على الإطارات وستَخرج السيارة عن نطاق السيطرة. ومن أجل الحفاظ على درجة الاحتكاك، يضغط السائق المُحترف أولًا على المكابح وحينئذٍ فقط يقطع المُنعطَف بحدة. ونظرًا لأن المسافة المُتبقية من المنعطف تكون تدريجية، يستطيع السائق أن يزيد من سرعة السيارة دون المبالغة في الاحتكاك.
ويتمتَّع المُتسابق المُحترِف في سباقات فورميلا وان بشعور حدسي بخُصوص القوى والحركة أثناء اجتياز المنعطف المستوي. ولكن يختلف هذا الشعور تمامًا عند قطع المُنعطفات المائلة، ويتأخَّر السائق في سباقات فورميلا وان كثيرًا عند اجتياز المنعطَفات الحادة.
(١٦) مضمار سباقات العَدْو
لماذا يكون السباق على مِضمارٍ مُستقيم أسرع بوجهٍ عام من سباقٍ بنفس المسافة على مضمار مُنحَنٍ؟ حين يكون المضمار مُستويًا وبيضاويَّ الشكل، لماذا يتفوَّق العدَّاء الموجود في الحارة الخارجية على العدَّاء الموجود في الحارة الداخلية، على الرغم من تَساوي المسافة في الحارتَين؟ لماذا تعتمد السرعة في مثل هذه السباقات على نوعيَّة الشكل البيضاوي للمِضمار؟
وعندما يكون المضمار مُستويًا وبيضاويَّ الشكل، تُحدِّد مسافة السباق على الأجزاء المُنحنية وتيرة السباق. وبوجهٍ عام، تكون وتيرة السباق على مضمار بيضاوي واسِعٍ أسرع من وتيرة السباق على مضمار بيضاوي ضيِّق؛ لأن درجة انحناء الأجزاء المنحنية من المضمار أصغر للمضمار البيضاوي الواسع مقارنةً بالمنعطفات الحادَّة للمضمار البيضاوي الضيِّق. وأفضلُ شكل هندسي (بخلاف المضمار المستقيم، بالطبع) هو المضمار الدائري؛ لأن درجة انحنائه هي الأقل.
(١٧) خدعة الإقلاع
تخيَّل طائرة نفَّاثة مُقلعة من حاملة طائرات تدفعها مُحركاتها القوية أثناء إطلاقها باستخدام آلة المَنجنيق المُثبتة على متْن الحاملة. يُتيح التسارُع العالي الناتج عن هذا الإطلاق للطائرة أن تصِل إلى السرعة اللازمة للإقلاع بعد قطْع مسافة قصيرة على متْن الحاملة. ورغم ذلك، يُجبِر ذلك التسارُع العالي الطيَّار أن يُوجِّه مُقدمة الطائرة إلى أسفل بزاوية حادَّة أثناء الإقلاع. ويُدرَّب الطيارون على تجاهل هذا الدافع، ولكن أحيانًا تسقط الطائرة مباشرة إلى المُحيط. ما المسئول عن هذا الدافِع؟
ليس لدى الطيار المنطلق من على متن حاملة الطائرات في المساء أيُّ دلائل بصرية تقريبًا. وتكون خدعة الإمالة قوية ومُقنعة للغاية، بما يترتَّب عليه شعور الطيَّار كما لو أنَّ الطائرة تُغادِر متن حاملة الطائرات وهي متَّجهة لأعلى بزاوية حادة. ومع غياب التدريب المناسب، يُحاول الطيَّار أن يضبط مستوى الطائرة من خلال توجيه مقدمتها إلى أسفل بزاوية حادَّة، وهو ما يتسبَّب في سقوطها بالمحيط.
قصة قصيرة
(١٨) رحلة طيران كندا رقم ١٤٣
في الثالث والعشرين من يوليو عام ١٩٨٣، كان يَجري تجهيز الرحلة رقم ١٤٣، التابعة لطيران كندا، لقَطْع مسافة طويلة من مدينة مونتريال إلى مدينة إدمونتون؛ وحينها طلب طاقم الطائرة من موظَّفي المطار تحديد كمية الوقود الموجودة على متن الطائرة بالفعل. كان طاقم الطائرة يَعلم أنهم بحاجة إلى ١١٣٠٠ كيلوجرام من الوقود في بداية الرحلة. وقد حدَّد الطاقم كمية الوقود بالكيلوجرامات؛ لأن كندا كانت قد انتقلَت مؤخَّرًا إلى العمل بالنظام المتري؛ إذ إنَّ كمية الوقود كانت تُقاس فيما مضى بالرطل. لم يستطع موظَّفو المطار قياس كمية الوقود الموجودة على متن الطائرة إلَّا باللترات؛ وأفادوا بأنَّ الكمية الموجودة في خزَّان الوقود هي ٧٦٨٢ لترًا. لذا، من أجل تحديد كمية الوقود الموجود على متن الطائرة والكمية الإضافية اللازمة لقطع الرحلة، طلَب طاقم الطائرة من موظفي المطار مُعامِل تحويل اللترات إلى الكيلوجرامات. وجاء الرد بالرقم ١٫٧٧، واستخدم طاقم الطائرة هذا الرقم (١٫٧٧ كيلوجرام يعادل ١ لتر) لاحتساب كمية الوقود الموجودة على متن الطائرة والتي بلَغت ١٣٥٩٧ كيلوجرامًا وكانت كمية الوقود الإضافية اللازمة ٤٩١٧ لترًا.
لكن لسوء الحظ، كان الرد الذي جاء من موظَّفي المطار مبنيًّا على ما جرى به العُرف قبل العمل بالنظام المتري؛ حيث لم يكن الرقم ١٫٧٧ مؤشرًا لتحويل اللترات إلى كيلوجرامات؛ وإنما لتحويل اللترات إلى «أرطال» من الوقود (١٫٧٧ رطل يعادل ١ لتر). في الواقع، كان يُوجَد على متن الطائرة ٦١٧٢ كيلوجرامًا فقط، وكان ينبغي إضافة ٢٠٠٧٥ لترًا آخر. وهذا يَعني أن الرحلة رقم ١٤٣ غادرَت مونتريال وعلى مَتنِها ٤٥٪ فقط من كمية الوقود اللازمة لقطع الرحلة.
وفي الطريق إلى مدينة إدمونتون، وعلى ارتفاع ٧٫٩ كيلومترات فوق سطح الأرض، نفَد وقود الطائرة وشرعت في السقوط. وعلى الرغم من نَفاد الوقود، استطاع الطيَّار أن يهبط بها باستخدام تقنية الطيران الشراعي. ونظرًا لأن أقرب مطار جوي قيد العمل والتشغيل كان يبعد كثيرًا عن مكان الهبوط، وجه الطيار الطائرة نحو مطار قديم مُعطَّل.
ولسوء الحظ، كان مهبط ذلك المطار قد تمَّ تحويله إلى مضمار لسباقات السيارات، وتمَّت إحاطته بحاجز فولاذي. لكن لحسن الحظ، بمجرَّد أن نزلت الطائرة إلى المهبط، تحطَّمت عجلات الهبوط الأمامية، مما تسبَّب في انخفاض مقدمة الطائرة نحو المهبط. أبطأ الانزلاق من سرعة الطائرة لتتوقَّف قبل الاصطدام بالحاجز الفولاذي بمسافة قصيرة، على مرأى ومَسمع من السائقين المشاركين في السباق والجمهور المُندهِش. غير أن جميع ركاب الطائرة خرجوا بأمان. المغزى من هذه القصة: الكميَّات وحدَها عديمة الفائدة من دون الوحدات المناسبة.
(١٩) الشعور بالخوف والرهبة داخل مدينة الملاهي
ما سبب الشعور بالمُتعة والإثارة عند ركوب لعبة الأُفعوانية في مدينة الملاهي؟ بالتأكيد الارتفاعات والسرعات وشعور السقوط الوهمي كلها عوامل؛ إلَّا أن هذه الأحاسيس يمكن الشعور بها عند استقلال مصعد زجاجي خارجي؛ حيث لا تُوجَد طوابير ولا رسوم لركوب المصعد.
ماذا عن ركوب الألعاب التي تتعلَّق وتتدلَّى منها؟ لماذا تتشبَّث، وربما تصرخ أيضًا، أثناء ركوب لعبة الأفعوانية؟
لعبة الأفعوانية مصمَّمة لمنح الشعور الوَهمي بالخطورة (وهذا جزء من مُتعة ركوبها)، لكن في الواقع يبذل المهندسون قصارى جهدهم لجَعل ركوبها آمنًا للغاية. وعلى الرغم من الاهتمام البالِغ بسلامة الركاب، فإن عددًا قليلًا — سيِّئ الحظ — من ملايين الأشخاص الذين يَركبون لعبة الأفعوانية كلَّ عام تنتهي بهم الحال إلى الإصابة بحالة مرضية تُدعى «صداع الأفعوانية». ومن بين الأعراض — التي قد لا تَظهر إلَّا بعد مرور بضعة أيام — دوار وصداع، كلاهما شديد إلى درجة تَستلزم العلاج الطبي. إذن، ما الذي يتسبَّب في الصداع الناجم عن ركوب الأفعوانية؟
- الأفعوانية التقليدية: الارتفاعات والسرعات العالية مُثيرة للغاية، شأنها شأن صوت الخشخشة الصادرة عن الأفعوانية الخشبية القديمة. فعندما تدور بسرعة عبْر منحنًى منخفض، تدفعك قوة طرد مركزي ظاهرة لتُثبِّتك في المقعد؛ وعندما تدور على منحدر شديد الانحناء، تبدو أن السرعة ستُلقي بك من فوق المقعد. وعندما تصعد على حافة أول وأكبر منحدر، يتملَّكك شعور واضح بالسقوط من ارتفاع. ويصِل هذا الشعور الوهمي إلى أَوْجِهِ حين تجلس في العربة الأمامية بحيث يكون جزء صغير فقط من الأفعوانية موجودًا أمامك. ورغم ذلك، أعتقد أن الجلوس في العربة الخلفية يكون مُخيفًا أكثر. فعندما تقترب من الحافة وجزء أكبر من جسم الأفعوانية يبدأ في النزول، تتراكم القوة الواقعة على ظهرك تدريجيًّا في البداية ثم تَزداد سرعتها (يكون المعدل تصاعديًّا)، ومع وصولك إلى الحافة، تَختفي القوة. التجربة أشبَهُ بقوة شيطانية تَقذف بك نحو الحافة على نحوٍ مَحموم ثم تُلقي بك في وضعية السقوط الحر.
- أفعوانية الفأر: تَسير العربات بشكلٍ مُنفصِل على طول المسار. ترتكز المقصورة التي تَجلس فيها فوق إطار ذي عجلات يَتبع المسار، مع وجود مِحوَر الارتكاز بالقُرب من مؤخِّرة العربة. وعندما تصل إلى منعطفٍ حاد، يتبع الإطار المسار المُنحني بدقة، إلا أن المقصورة تواصل سيرها إلى الأمام للحظة قبل أن تستدير أيضًا. في تلك اللحظة، يُساورك شعور وهمي بأن المقصورة خرجت عن المسار وطارت في الهواء.
- الأفعوانية العصرية: تُعطي الحلقات العمودية والدوائر الحلزونية شعورًا بقُوى الطرد المركزي التي تتغيَّر بسرعة في الشدة والاتجاه، ونتيجةً لذلك تنقلب أنت رأسًا على عقب، وكلا العاملَين يبعثان على الشعور بالخوف. فبينما تصعد إلى قمة حلقة عمودية، من المفترض أن تقلَّ قُوة الطرد المركزي الظاهرة مع تباطؤك، إلا أن درجة انحناء المسار تزداد بشدَّة لكي تُحافظ على تلك القوة الظاهرة. وفي بعض أنواع الأفعوانيات قد تتحرَّك عبْر المسار ووجهك متجهٌ إلى الخلف بحيث لا يمكنك التنبُّؤ بأيِّ تغييرات في القوى أو السرعة أو معدَّل التسارُع الذي أنت بصدد أن تتعرَّض له. كما أن ركوب الأفعوانية في الظلام يُقلِّل أيضًا من قدرتك على التوقُّع ويُعزِّز شعورك بالخوف.
-
لعبة البرميل الدوار: عندما تستند إلى الجدار الداخلي لأسطوانة كبيرة دوَّارة، تشعر بأنك
مُثبَّتٌ إلى الجدار بسبب وجود قوة طرد مركزي شديدة (شكل ١-٤أ). وقد تُغير هذه القوة إدراكك للاتجاه نحو
الأسفل وتخلق لدَيك شعورًا وهميًّا بأنك تَميل إلى الخلف. فإذا كانت
القوة كبيرة بدرجة كافية، فإنَّ المسافة بينك وبين الأرضية تتباعَد في
حين أنك تبقى مُثبتًا في مكانك بفعل قوَّة الاحتكاك بينك وبين الجدار.
وعلى الرغم من أن فكرة وجود قوة خارجية هي فكرة مُقنعة للغاية في تلك
الحالة، فإن القوة التي تُثبتك إلى الجدار هي قوة داخلية؛ إذ إن الجدار
يدفعك ناحية مركز الأسطوانة كي تُواصِل الدوران. ونظرًا لأنك لا
تَنحدِر إلى أسفل الجدار، لا بدَّ أن تكون قوى الاحتكاك متَّجهة إلى
أعلى ومُساوية لوزنك.
- لعبة دولاب الهواء ودوَّامة الخَيل والأرجوحة الدوَّارة: تُقدِّم هذه الألعاب إحساسًا أخفَّ بقوة الطرد المركزي. فعندما تَرتفع عربتُك في لعبة دولاب الهواء لتصِل إلى أعلى نقطة بالدائرة، تَشعُر وكأنَّ قوة الطرد ترفعك. وعند أدنى نقطة بالدائرة، تَشعُر وكأنك مثبَّت في المقعد. وفي لعبة دوَّامة الخيل، يبدو أن قوة الطرد المركزي تدفعُك إلى الخارج (شكل ١-٤ب)، ولا سيما إذا كنت تركب خيلًا خارجيًّا يتحرَّك حول الدائرة على نحوٍ أسرع مِن الخيول الموجودة على مقربة من مركز الدائرة. وعندما تركب أرجوحة تدور حول مِحوَر مركزي، تتحرَّك السلاسل عموديًّا كما لو أنَّ قوة الطرد المركزي تدفعك إلى الخارج. وفي كلِّ لعبة من هذه الألعاب الثلاث، لا تُوجَد حقًّا قوة طرد مركزي؛ وإنما تُوجَد قوة جذب مركزي (من مقعد لعبة دولاب الهواء وخيل لعبة دوامة الخيل وسلاسل الأرجوحة الدوارة)، وتلك القوة هو ما يَجعلك تدور.
- لعبة أخطبوط الملاهي: في هذه اللعبة أنت تجلس في مقصورة موجودة على طرف أحد أذرُع الأخطبوط وتدور حول الطرف الخارجي لذِراعٍ أُخرى، أكثر محورية. إذا كانت الأذرُع تدور حول مَحاورها في الاتجاه نفسه، فإنك تَشعر بأعظم قدْرٍ من قوى الطرد المركزي وتسير بأكبر سرعة حين تمرُّ بأبعد نقطة عن مركز جسم اللعبة. وعندما تكون اتجاهات الدوَران مُتعاكسة، تكون سرعتك في أقلِّ مستوًى لها عند أقصى نقطة (بسبب الدوران المتعاكس)، إلا أن القوة الواقعة عليك تتفاوَت بأقصى سرعة لها لأنك تتحرَّك سريعًا عبْر مسارٍ مُنحنٍ بشدَّة.
- ألعاب السقوط الرأسي: في هذه الألعاب أنت تَجلس في مقصورة على ارتفاع ٤٠ مترًا تقريبًا، ثم تتحرَّر هذه المقصورة على نحوٍ مفاجئ وتهبط في وضعية السقوط الحُر. وعلى أثر ذلك، يُراودك شعور بانعدام الوزن لأنك تسقط أنت والمقعد من أسفلك بنفس المعدَّل تقريبًا؛ ومِن ثَمَّ لم تَعُد تشعُر بوجود المقعد كمصدر داعم لك. ويرى بعضُ الراكبين أن هذا الإحساس مُمتِع.
وقد ينتج صداع الأفعوانية من أيِّ لعبة في مدينة الملاهي يكون فيها مُعدَّل التسارُع مرتفعًا ويحدُث فيها تغيُّر سريع في الاتجاه. إنَّ مُعدَّل التسارُع المرتفع يُعرِّض المخ لضغط، وأي تغيير مفاجئ في الاتجاه قد يتسبَّب في ارتجاج الدِّماغ داخل الجمجمة، مما يتسبَّب في تمزق الأوردة التي تربط بين المخ والجمجمة.
قصة قصيرة
(٢٠) فقرة السير داخل الحلقات بالسيرك
ربما تَزخر مُدن الملاهي الحديثة بالمتعة والإثارة، إلَّا أن بريقها يتضاءَل مقارنة ببعض الفقرات البهلوانية المُقدَّمة في السيرك، والتي تَشتمِل على فقرة الدرَّاجات الهوائية التي عُرضت في الفترة بين عامي ١٩٠٠ و١٩١٢. ونظرًا لأنَّ كلَّ سيرك كان يُحاول التفوُّق على غيره، ابتُكرت فقرات جريئة وتمَّ تأدِيتُها، وبعضها عُرض أكثر من مرة إذا ما نجا المؤدُّون من الإصابة. وفي عام ١٩٠١، عرض سيرك آدم فوربيو آند سيلز بروس واحدة من الفقرات البهلوانية الأولى. هبط رجل اشتُهر باسم «ستار» (النجم) بدراجة هوائية من ارتفاع ١٨ مترًا على طول مُنحدَر مائل بزاوية ٥٢ درجة. قد لا يبدو هذا صعبًا للغاية؛ إلَّا أن المُنحدَر كان يتكوَّن من ثلاثة أجزاء عبارة عن سلالم قابلة للتمدُّد، مما يعني أن ركوب الدراجة كان صعبًا للغاية، لا سيما بالقُرب من الجزء السفلي.
وفي العام التالي في صالة ماديسون سكوير جاردن بنيويورك، قدَّم سيرك فوربيو آند سيلز استعراض دافولو ومُناوَرة الدرَّاجة داخل الحلقة. ومع وجود سيارة الإسعاف بالجوار، بدأ دافيلو يقود دراجته نزولًا على منحدَر يبدأ من عند مصابيح السقف المُتوهِّجة ثم مرَّ عبر (داخل) حلقة عمودية بقُطر يبلغ ١١ مترًا ثم إلى داخل شِبَّاك لكي يتوقَّف عن الحركة. وفي عام ١٩٠٤، قدَّم نفس السيرك عرض «بورسوث العظيم» في استعراض آخر بالدرَّاجة الهوائية. كان المُنحدَر مُشابهًا، ولكن أعلى نقطة على الحلقة كانت أبعد مسافة، ممَّا تطلَّب من بورسوث أن يطير مسافة ١٥ مترًا عبْر الهواء، وهو مقلوب، كي يصِل إلى الجزء الثاني من الحلقة.
شرعت الأسرِكة تستعين بالسيارات كبديل. وجزء من السبَّب يعود إلى حداثة السيارات في ذلك الوقت. يقود راكب واحد أو راكبان سيارة على مُنحدَر ويَنقلبان في الهواء مرة أو مرتَين قبل الوصول إلى المنحدَر الثاني. ورغم ذلك، خبا وهَجُ هذا النوع من الفقرات البهلوانية في السيرك بعد عام ١٩١٢، على الأرجح بسبب أنَّ الجمهور اعتاد على عنصر الخُطورة المُتضمَّن في هذه العروض. ولم يَلفِت انتباه الفيزيائيِّين عروض خطيرة أخرى إلَّا في عصر أكثر حداثة حين صعد وهبط إيفل كنيفيل وابنه روبي كنيفيل، ومؤدُّون آخرون للفقرة، بدرَّاجات بُخارية على مُنحدَر وحلَّقوا فوق السيارات والشاحنات.
(٢١) الإمساك بكرة بيسبول طائرة
عندما تُضرَب كرة بيسبول عالية نحوَ الملعب المفتوح، كيف يُحدِّد اللاعب لاقط الكرة الموجود هناك الموقعَ الذي عليه الاتجاه إليه للإمساك بها؟ قد يَركُض اللاقِط إلى النقطة الصحيحة وينتظر الكُرة هناك، أو قد يركض بمعدَّل محسوب ويَصل إلى النقطة الصحيحة في نفس توقيت وصول الكرة. في كلتا الحالتَين، تسهل خبرة اللاقِط عليه الأمر بالتأكيد، ولكن هل تُوجَد إشارات خفيَّة في حركة الكرة يمكنها أن تُرشِده؟
يَحكي روبرت وينستوك — أستاذ الفيزياء بكلية أوبرلين — كيف أنَّ بيب رُوث، باعتباره مثالًا على مهارة لاقِط الكرة، أمسك ذات مرة بكُرة ألقاها جيمي فوكس لاعب فيلادلفيا أثليتيكس. كان روث ينتظر في قلب الجهة اليسرى من الملعب، مُتوقِّعًا كرة طويلة من طرف فوكس، ولكن فوكس ضرب الكرة بزاوية مائلة فطارت عاليًا لمسافة قصيرة. وما إن وصل صوت ضربة الكرة إلى مسامع روث حتى ركض إلى النقطة الصحيحة وانتظر هناك ثم التقطَها بقُفازه.
قصة قصيرة
(٢٢) إلقاء الكرة من مسافة عالية
في أغسطس عام ١٩٣٨، عزم فرانكي بيتلاك وهانك هيلف — لاقطا الكرة بفريق كليفلاند إنديانز للبيسبول — على تسجيل رقم قياسي عالَمي للإمساك بكرات مقذوفة من أعلى مسافة مُمكنة. وبينما كانا ينتظران أسفل ناطحة سحاب ترمينال تاور بكليفلاند، كان كين كيلتنر، لاعب القاعدة الثالثة، يستعدُّ لإلقاء الكرات من أعلى قمَّة ناطحة السحاب؛ أي من ارتفاع ٧٠٠ قدم تقريبًا (أو ٢١٣ مترًا). سجَّل الرقم القياسي السابق من ارتفاع ٥٥٥ قدمًا لاعبان من فريق آخر عام ١٩٠٨، واللذان أمسكا بكرات البيسبول المُلقاة من أعلى نصب واشنطن التذكاري بواشنطن العاصمة.
لم يكن متاحًا لكيلتنر أن يشاهد اللاعبَين الآخرَين وهما واقفان في الشارع؛ ومِن ثم ألقى بالكرات على نحوٍ عشوائي. كان بيتلاك وهيلف يرتديان خوذتَين فولاذيتَين ليَحميا رأسيهما من الإصابة بالكرات التي وصلتْ سرعاتها التقديرية إلى ١٤٠ ميلًا تقريبًا في الساعة (أو ٢٢٥ كيلومترًا في الساعة). أمسك هيلف بالكرة الأولى، مُعلنًا سهولة الإمساك بها بابتسامة عريضة منه، ولكن الكرات الخمسة التالية أفلتَتْ من قبضة بيتلاك. عَلقت إحداها بالطابق الثالث عشر وأمسك بها رقيب بالشرطة بعد ارتدادِها ثلاث مرات. وفي المحاوَلة السادسة، استطاع بيتلاك أن يُمسك بالكرة ويسجِّل الرقم القياسي المشترك.
وفي العام التالي، حاول جو سبرينز من نادي سان فرانسيسكو للبيسبول أن يُمسك بكرة مُلقاة من ارتفاع ٨٠٠ قدم من منطاد. (تزعم بعض التقارير أن السقوط كان من ارتفاع أعلى من ذلك بكثير.) وفي محاولته الخامسة، أمسك الكرة بقفَّازه، ولكن تأثير الإمساك بالكرة جعل يدَه وقفازه والكرة تصطدم بوجهه مما تَسبَّب في تهشُّم فكِّه العلوي في ١٢ موضعًا وكسر خمسة أسنان وسقوطه مغشيًّا عليه، وسقطَت الكرة من يدِه.
وثمَّة مُحاولة أكثر إثارة أُجريَت عام ١٩١٦ للإمساك بكرة بيسبول مُلقاة من طائرة صغيرة. كان من المُفترَض أن تُلقى على ويلبرت روبنسون، مدير فريق بروكلين دودجرز ولاعب البيسبول السابق، الكرة من طائرة على ارتفاع ٤٠٠ قدم، وذلك من جانب مُدرِّب الفريق فرانك كيلي. ولكن بدون علم روبنسون، ألقى كيلي عنبًا أحمر بدلًا من الكرة. وعندما انفجرت حبَّات العنب على الفور، ابتلَّ روبنسون بلبِّ العنب الأحمر وصاح قائلًا: «لقد أُصبت! غَمرتني الدماء!»
(٢٣) ضرب كرة البيسبول
إذا كنتَ تستخدم يدَك اليُمنى، فلماذا حين تُمسِك المَضرب تكون يدُك اليمنى أعلى من يدك اليسرى، وتُولِّي الرامي جانبك الأيسر؟ كم من الوقت تستغرق كرة البيسبول كي تصل إلى قاعدة الضارب؟ كم متاح لك من الوقت لتنفيذ الضربة؟ وما مقدار الخطأ الذي يُمكن أن يحدُث ومع ذلك تنجح في ضرب الكرة؟
يفضل اللاعبون الذين يُحبُّون ضرب الكرة حتى خارج حدود المَلعب أن يستخدموا مضارب ثقيلة، ويَزعُمون أن الوزن الإضافي في عملية الاصطدام يؤدِّي إلى ضرب الكرة لمسافة أبعد. يَختار لاعبون آخرون مضارب خفيفة الوزن أو مُتوسِّطة الوزن للسبب عينه. (أحيانًا، حين يُستخدَم مضرب خشبي، يركِّب اللاعب بصورة غير قانونية قلبًا من الفلِّين كي يُخفِّف الوزن.) مَن المُحقُّ في ذلك الجدال حول الوزن؟ أينبغي على اللاعب الإحماء باستخدام مضرب قياسي مُثبَت على طرفه الخارجي حلقة من الرصاص، أم باستخدام مضرب أخف كثيرًا أو أثقل كثيرًا من المضرب الذي سيُستخدَم في المباراة؟
أي موضع من المضرب يجِب أن تصطدم به الكرة كي تكتسب أكبر قدْرٍ من السرعة؟ لماذا يتسبَّب المضرب أحيانًا في لسْع يدَيك ويُحاول الإفلات من قبضتك عند ارتطامه بالكرة؟
كان الرامُون يَخشون كثيرًا قوة الضارب الأسطوري بيب روث لدرجة أنهم أحيانًا كانوا يتعمَّدون رمْيَ كرات بطيئة بدلًا من السريعة؛ إذ كانوا يَظنُّون أنه لو ارتطمت الكرة بالمضرب ببطء، فسترتدُّ عنه ببطء؛ ومِن ثَمَّ لن تُقذَف لمسافة بعيدة. هل كان تَفكيرهم سليمًا؟
حتى الكرة البطيئة تستغرق أقلَّ من ثانية كي تَصِل إلى قاعدة الضارب، بينما الكرة السريعة قد تستغرق زمنًا قصيرًا للغاية لا يزيد عن ٠٫٤ ثانية. (تحقَّقَ رقم قياسي لسرعة الكرة، مقداره ١٠٠٫٩ ميل في الساعة في ٢٠ أغسطس عام ١٩٧٤ على يدِ نولان رايان، وكان وقتَها يلعب في فريق كاليفورنيا إيجلز.) يُتاح لك بالفعل أقل من ٠٫٤ ثانية؛ لأن عليك أولًا أن تُقيِّم الرمية ثم تُقَدِّر ذهنيًّا مسار الكرة عند لوحة الضارب. باستطاعة اللاعبين المُحترفين أرجحة المضرب في ٠٫٢٨ ثانية تقريبًا، لكن بعض الضاربين المَهرَة يَستطيعون أرجحة المضرب في زمنٍ قليل للغاية يبلغ ٠٫٢٣ ثانية. القدرة على أرجحة المضرب بشكلٍ أسرع تَمنح اللاعب مزية دراسة مسار الكرة لوقت أطول قبل البدء في الأرجحة.
كي تَضرب الكرة خارج حدود الملعب، يجب أن يكون توجيهك للمَضرب دقيقًا في حدود بضعة أجزاء من الملِّي من الثانية. فإذا كان المضرب منخفضًا قليلًا، فستعلو الكرة، وإذا كان مرتفعًا قليلًا، فستضرب الكرة الأرض قبل أن تَقطع مسافة بعيدة. علاوةً على ذلك، يجب أن يكون توقيت الضرب دقيقًا في حدود بضعة أجزاء من الملِّي من الثانية. وما يزيد من صعوبة المهمة هو أن عليك القيام بكلِّ هذا من دون أن ترى الكرة وهي تقترب من المضرب، لأن جهازك البصري يعجز عن تتبُّعها خلال الجزء الأخير من مسارها. ومن قبيل العجب أن بعض اللاعبين يَنجحون باستمرار في ضرب الكرة.
أوضحت التجارب أنَّ سرعة الكرة المضروبة تتحسَّن مع زيادة وزن المضرب؛ وذلك إلى أن يتجاوَز الوزن نحو ٣٥ أو ٤٠ أوقية. والمضرب ذو الوزن المتوسط (نحو ٣٢ أوقية) أفضل من المضرب الثقيل لثلاثة أسباب على الأقل؛ سبَبان منهما معروفان بصورة بَدِيهية لمعظم اللاعبين؛ فالمضرب ذو الوزن المتوسط أسهل في الأرجحة وفي التحكُّم من المضرب الثقيل. كلا هذين العامِلين يرجعان إلى اتِّسام المضرب ﺑ «قصور دوَراني» أقل؛ بمعنى توزيع الكتلة نسبةً إلى المركز (أو المراكز) الذي يدور المضرب حوله في أثناء الأرجحة. السبب الثالث يتعلَّق بانتقال الطاقة خلال الاصطدام بين المضرب والكرة. بصورة عامة، يتحسَّن انتقال الطاقة عند اصطدام أي جسمَين كلَّما كان الجسمان أكثر تقاربًا من حيث الكتلة (أو الوزن)؛ ومِن ثَمَّ في حالة اصطدام المضرب والكرة، حين يكون المَضرب مُتوسِّط الوزن ينتقل قدرٌ من الطاقة من المضرب إلى الكرة أكبر ممَّا في حالة المضرب الثقيل الوزن.
لماذا إذن يُفضِّل بعض الضاربين استخدام مضرب ثقيل الوزن؟ ربما يكون الاختيار مبنيًّا على الطول المُصاحِب للمضرب؛ فالمضرب الخفيف قصير، ويتطلَّب من اللاعب أن يقِف بالقُرب من قاعدة الضرب. وإذا تحركت الكرة عبْر الجزء القريب من «منطقة الضرب»، فربما يتعيَّن على اللاعب أن يضربها بالجزء القريب من المِقبض. وكما سنُوضِّح فيما يلي، فإنَّ مثل هذا الاصطدام يُقلِّل بشدَّة من احتمالات تحقيق ضربة جيدة. ومن أجل تجنُّب هذه المشكلة، قد يختار اللاعبون مضربًا أثقل وزنًا بسبب الطول الإضافي الذي يتمتَّع به. يُمكنهم حينئذٍ الوقوف على مسافة أبعد من قاعدة الضرب؛ ومِن ثَمَّ يحدُث الاصطدام في منطقة أفضل من المضرب.
تكشف التجارب أن اللاعب سوف يُؤرجِح المضرب بسرعة «أقل» لو أنَّ اللاعِب أجرى عملية الإحماء مُستخدمًا مضربًا أثقل أو أخفَّ وزنًا، أو مضربًا مُثبتًا به حلقة من الرصاص على طرفه الخارجي. يبدو أن السبب هو أنه عند الإحماء باستخدام المضرب؛ فإنَّ اللاعب يُرسِّخ برنامجًا عقليًّا معينًا (كيفية استخدام العضلات) من أجل أرجحة المضرب. وإذا كان المضرب المُستخدَم في الإحماء مختلفًا بدرجة كبيرة عن ذلك المُستخدَم في اللعب، فحينها لن يكون البرنامج العقلي ملائمًا تمامًا، ولن يُؤرجَح المضرب المُستخدَم في اللعب جيدًا.
تَعتمد القوى التي تشعُر بها عند اصطدام المضرب بالكرة على موضع الاصطدام على جانب المضرب. في المعتاد يدفع الاصطدام المقبض ويُديره، لكن ليس إذا ضربت الكرة «البُقعة المثالية» المعروفة باسم «مركز الصَّدم». فإذا وقَع الاصطدام بين مركز الكتلة ومركز الصدم، يُدفَع المقبض حينَها في اتجاه الرمية. وإذا وقع خارج مركز الصدم، يَندفع المقبض نحوَ الرامي.
ثمة بُقعة مثالية أخرى مُرتبطة بالذبذبات التي يُمكن لعملية الاصطدام أن تُحدِّثها في المضرب، والذي يُمكن أن يتسبَّب في لسْع يدك. في أغلب الحالات يظهر نوعان من الذبذبات على المضرب. النوع الأبسط منهما، ويُسمَّى الذبذبات «الأساسية»، هو ذلك الذي فيه يتذبذب الطرف البعيد للمضرب بالقدر الأقصى. وعلى الأغلب لن تُلاحظ هذا التذبذُب بسبب تردُّده المُنخفض.
التذبذُب الآخر، والمُسمَّى النغمة التوافُقية الأولى، محسوس بدرجة كبيرة بل ويُمكن أن يُؤذِي يدَيك قليلًا، وفيه يتذبذَب الطرف الحرُّ للمضرب بعُنف، لكن هناك نقطة، تُسمَّى «العقدة» تكون قريبة منك بصورةٍ ما ولا يَتغيَّر موضعها مُطلقًا. هذه البقعة تُسمَّى هي الأخرى البقعة المثالية؛ لأنه لو ضربَت الكرة هذه البقعة، فإن النغمة التوافُقية الأولى لن تُنتَج؛ ومِن ثمَّ لن يكون هناك أي تَذبذُب محسوس في يديك.
يُمكنك العثور على العُقدة في مضربك عن طريق تدليتِه من بين أصابعك والنَّقر على جانبه. حين تُصيب العُقدة، ستُلاحظ عدَم وجود ذبذبات، أو وجود ذبذبات قليلة للغاية. لكن حين تَضرب النقاط الأخرى، خاصَّة تلك القريبة من مركز المضرب، يُمكن الإحساس بالذبذبات وسماعها.
من أجل منْح الكُرة أكبر سرعة مُمكنة، عليك في العموم أن تَضربها في نقطة بين البُقعتَين المِثاليَّتَين ومركز الكُتلة، غير أن الموضع المحدَّد يعتمد على السرعة الأولية للكرة وعلى نسبة كتلة المضرب إلى كتلة الكرة. وكلما كانت الكرة أسرع أو المضرب أخف، فمن المُفترَض أن تضرب الكرة المضرب في موضع أقرب إليك.
أتصوَّر أن بيب روث كان يبتسِم ابتسامة عريضة حين كان يرى كرة بطيئة وهي تُقذَف نحوه. إن ضرب الكرة خارج الملعب يعتمد بالأساس على التحكُّم في المضرب أثناء الأرجحة، وعلى التقدير الدقيق للمَوضع الذي سيتحرَّك فيه المضرب عبْر لوحة الضارب. وكانت الكرة البطيئة تَمنح بيب روث فرصة كبيرة لضبط موضع الأرجحة وتوقيتها.
(٢٤) تمريرات قانونية في الرجبي
في لعبة الرجبي، يَستطيع أحد اللاعبين أن يُمرِّر الكرة بصورة قانونية إلى زميله، بشرط ألَّا تكون التمريرة إلى الأمام. فإذا كان اللاعب المُمسك بالكرة يركُض في اتجاه مرمى الخصم، ففي أيِّ اتجاهٍ مسموح له بتمرير الكرة؟ هل يُمكن أن يُلقي الكرة إلى الخلف نسبةً إليه، ومع ذلك تكون تمريرة غير قانونية إلى الأمام؟
إذا كان حكَم المباراة يركض بينما يُشاهد التمريرة، فسيرى زاوية السرعة المتجهة للكرة في اتِّجاهٍ مختلف تمامًا، وذلك بسبب سُرعته المُتجهة. وحدَهم المشاهدون الساكنون سيَرَون على نحوٍ صحيح ما إذا كان مسار الكرة قانونيًّا أم غير قانوني إلى الأمام.
(٢٥) التقاذُف
الرقم القياسي العالَمي الحالي لتقاذُف الحلقات هو ١١ حلقة، وفي حالة الأجسام الأخرى تكون الأرقام القياسية أقلَّ من ذلك. من الواضح أنَّ تقاذُف الأشياء يحتاج إلى تآزُر جيد بين العينَين واليدَين، وتدريب على إلقاء الأشياء والإمساك بها، لكن هل ثمَّة عامل آخر يَحُدُّ من عدد الأشياء التي يمكن تقاذُفها؟
(٢٦) القفز بالزَّانة
أحدثت الزانات المصنوعة من الألياف الزجاجية ثورةً في لُعبة القفز بالزانة في أوائل ستينِيَّات القرن العشرين. قبل ذلك الوقت كانت الزَّانات تُصنَع من الخيزران، ثم صارت الزانات المصنوعة من الصُّلب والألمونيوم شائعة في خمسينيَّات القرن العشرين. لكن لم تَستَطِع أي مادة التفوُّق على الزانات المصنوعة من الألياف الزجاجية، وبمجرَّد أن بدأ استخدامها، ارتفع الرقم القياسي من ٤٫٨ أمتار إلى ٥٫٨ أمتار. ويقول البعض إنَّ الرقم القياسي من المُفترَض أن يزيد عن الستة أمتار بمسافة مُعتبَرة. لماذا لعبت الزانات المصنوعة من الألياف الزجاجية مثل هذا الدور الهائل في رفع الرقم القياسي؟
ربما يكون كل ما سبَق بديهيًّا، لكن ثمة جانب أكثر تعقيدًا يتمثَّل في أن مرونة الزانة تؤخِّر عملية تحويل طاقة الوضع المرِنة إلى طاقة الحركة الخاصَّة باللاعب الآخِذ في الصعود. وهذا التأخير يُمكِّن اللاعب من إعادة ضبط وضعية جسده بحيث إنَّ مكسب الطاقة الآتي وقتَها من الزانة الآخِذة في الاستواء يؤدِّي إلى حركة إلى الأعلى بدلًا من الحركة إلى الأمام وحسب.
ومن أجل تنفيذ قفزة جيدة، على اللاعب ألا يَركض بسرعة وحسب نحو مكان القفز كي يضمن وجود قدرٍ كبير من طاقة الحركة التي ستُستخدَم، وإنما يجِب عليه أيضًا أن يَقيس خطواته بحيث يضَع الطرف البعيد للزَّانة داخل «الصندوق» الموضوع على الأرض على النحو الصحيح. وحين تُصيب الزَّانة الصندوق، على اللاعب أن يَقفز إلى الأمام حتى يُحافظ على الحركة الأمامية ويَثني الزانة على النحو الصحيح. وبينما تَنثني الزانة، فإنها تُخزِّن بعضًا من طاقة الحركة الأولية الخاصَّة باللاعب. وخلال هذا الانثناء والاستواء اللاحِق عليه، يضمُّ اللاعب ساقَيه ويَميل إلى الوراء حتى يُدير الساقَين والجسم نحو الاتجاه العمودي. ومن أجل المساعدة في فرد الزانة بهدف الحصول مجدَّدًا على مزيدٍ من الطاقة، ومن أجل المساعدة في إعادة توجيه الجسم، يدفع اللاعب يدَه العُليا إلى الأمام بينما يجذب يدَه السُّفلى إلى الوراء. وإذا أُحسِنَ توقيت كلِّ شيء، فإن الزانة المفرودة تُعيد ضخَّ طاقتها المُخزَّنة بحيث تدفع اللاعب إلى الأعلى.
(٢٧) رامية الرِّماح ولِسان الضفدع
وأيضًا، كيف تستطيع الضفادِع أن تُخرج لِسانها بسرعة خاطفة ولمسافة مُذهِلة كي تُمسك بذبابة؟
ويبدو أن الضفادع تلتقط فرائسها بألسنتها باستخدام آلية مشابهة لآلة إطلاق الرماح. فعندما يرصد الضفدع فريسته، فإنه يدفع على الفور لسانه نحو الفريسة، غير أنَّ الجزء الخارجي من اللسان يظلُّ مطويًّا إلى الداخل ناحية باقي اللسان (المتيبِّس في تلك اللحظة). وما إن يقترب اللسان من الفريسة، فإن الجزء الخارجي مِن اللسان يُبسَط إلى الأمام لينقضَّ على الفريسة. هكذا، من خلال بسط الجزء الخارجي إلى الأمام، يُضيف الضفدع إلى الطاقة الحركية الخاصة بالجزء الخارجي. وهذه الطاقة الإضافية تزيد احتمالية أن تعلَق الفريسة في الجزء الخارجي من اللسان حتى وإن كانت مُستلقية على سطحٍ ما يتحرَّك (مثل ورقة الشجر) حين يصطدم اللسان بالفريسة. وبمجرَّد أن تعلَق الفريسة، يسحب الضفدع اللسان والفريسة بسرعة إلى داخل فمه.
(٢٨) المِقْلاع
يستَطيع شخص ماهر إلى حدٍّ ما في استخدام المقلاع أن يقذف حجرًا يزِن ٢٥ كيلوجرامًا بسرعة ١٠٠ كيلومتر في الساعة (أي حوالي ٦٠ ميلًا في الساعة) ليُصيب هدفًا على بُعد ٢٠٠ متر أو أكثر. كيف يكتسِب الحجَر سُرعة كبيرة كهذه؟ والأهم من ذلك، كيف يكتسِب مثل هذا الزخم؟ في بعض معارك الماضي، ثبت أنَّ لهذا السلاح قيمة أكبر من السهم نفسه؛ لأنه حتى إذا ارتدى جندي من الأعداء درعًا جلديًّا، فإن اصطدام الحجَر به قد يتسبَّب في إصابة داخلية مُميتة، بينما قد يرتدُّ السهم عن الهدَف وحسب. وإذا كان الجندي لا يَملك درعًا، فمن السهل أن تخترق الحجارة جسده. كان المقلاع أدقَّ من السهم في إصابة الهدف ويُمكِن أن يقطع مسافةً أطول عادةً. ولهذا السبب، كان رُماة الأحجار يجتمعون عادةً خلف رماة الأسهم، الذين تحتَّم عليهم أن يكونوا على مقربة أكثر من العدو ليَكونوا فعَّالين.
وأشهر معركة استُخدِم فيها المقلاع كانت المعركة القصيرة التي دارت بين داود وجالوت. فعلى مدار أربعين يومًا، تحدَّى جالوت — الفلستي العملاق — بني إسرائيل، ولكن لم يَجرؤ أحدٌ منهم على خوض المعركة ضدَّه حتى جاء داود. اختار داود خمسة حجارة ملساء من جدول مياه ثم سار إلى جالوت حتى صار في نطاق مِقلاعه. ظلَّ داود محافظًا على سلامته لأنَّ سيف جالوت كان لا طائل منه على هذه المسافة الفاصلة. أمسك داود بأول حجَر من جرابه ورشَقه بالمقلاع نحوَ جالوت العملاق. ارتطم الحجَر بقوة دافعة واخترق جبين العملاق.
يُشَدُّ الحزامان باليد اليسرى ويُرفَع المقلاع كلُّه فوق رأس الشخص. بعد ذلك تترك اليد اليُسرى الحزامَين وتضغط اليد اليُمنى على الحجَر من خلال جذب الجراب نحو الجزء الخلفي، ثم لأسفل ونحو الجزء الأمامي. هذه الحركة تُنفَّذ عمومًا بالمِعصم بدلًا من أن تُنفَّذ بالذراع بأكملها. ثم يُلَفُّ الحجَر في دائرة عمودية لثلاث أو أربع مرَّات لتتراكم طاقتُه الحركية. وحين يصل الحجر إلى قاع الدائرة الأخيرة، ينفكُّ الحزام المعقود، مُطلِقًا الحجَر الذي يطير بدَوره نحوَ الهدف.
الميزة في هذا السلاح هو أنَّ الجهد يُمكن أن يُبذَل لإلقاء الحجَر لمسافةٍ أطول ووقتٍ أكبر ممَّا لو أُلقي الحجَر إلى الأمام باليد مثلما تُلقى كرة البيسبول. ويلعب نصف قُطر الدائرة دورًا لأنه كلما زاد نصف القُطر، كانت سرعة انطلاق الحجَر أكبر وكذلك مداه. في العصور الماضية، كان بعض الجنود يحملون معهم عدة مقاليع ذات أحزمة بأطوال مختلفة ليرشقوا الحجارة في نطاقات مختلفة.
(٢٩) الفئوس
ربما يكون الشخص الماهر في إلقاء فأس التوماهوك بحيث يَنغرس النَّصل الحاد للفأس في الهدف، هو مجرَّد شخص مُتمرِّس في ذلك، ولكن هل تُوجَد أيُّ قاعدة عِلمية لهذه المهارة؟ وإذا عرفت تلك القاعدة، هل ستكون قادرًا على إصابة الهدَف من المُحاولة الأولى؟
وما لم تكن مُتمرسًا في إلقاء الفأس، فعلى الأرجح سيكون للفأس سرعة انطلاق مختلفة ومُعدَّلُ دوران مختلفٌ في كلِّ مرة تضربه. وهذا يعني فيما يبدو أن إصابة هدفٍ ما على بُعد مسافة مُعيَّنة سيتطلَّب ضربة حظ. ورغم ذلك، تُوجَد سِمة غريبة في عملية إلقاء الفأس ألا وهي أنَّ النسبة بين سرعة الإطلاق ومعدَّل الدوران مُستقلة عن مدى سرعتك في تحريك ساعدك إلى الأمام. وهذا الاستقلال يعني أنه بصرف النظر عن كيفية إطلاقك للفأس، فإنها ستدور وتكون في اتجاه إصابة الهدف بالنصل على بُعد مسافات محدَّدة منك. ولذا، من أجل إصابة هدفٍ ما، كلُّ ما عليك فعله هو أن تقف على واحدة من تلك المسافات المحدَّدة (التي ستُحدِّدها من خلال الملاحظة أو من خلال عملية حسابية) وتُلقي الفأس. وقد تنجح على الأرجح من المحاولة الأولى.
وبالطبع، حين كانت فئوس التوماهوك تُستخدم كأسلحة في الأيام الأولى من تاريخ الولايات المتحدة، لم يكن في مقدور المحارب أن يضبط مسافته الفاصلة عن هدفٍ ما قبل أن يُلقي فأسه. وبدلًا من ذلك، كان المُحارب يضبط سريعًا المسافة الفاصلة بين يده ورأس سلاحه. وهذه المسافة الفاصلة بين يد الرَّامِي ورأسه تُحدِّد قيمة المسافة بين الفأس والهدف الذي ستُصَوَّب باتِّجاهه. ولكي تقوم بهذا التعديل لأي مسافة فاصلة بينك وبين هدَفٍ ما في وضع قتال، لا بدَّ أن يكون مقبض الفأس طويلًا، وبالطبع كانت الفئوس الأولى تُصنَع بمقابض طويلة.
(٣٠) سلاح البولا
(٣١) مُعدَّات الحِصار
لنَفترِض أنك تَفرِض حصارًا على قلعة شديدة التحصين في أحد القرون الوسطى. أنت لا تُريد أن تَقترِب كثيرًا من القلعة لأنَّ رُماة الأسهم مُتربِّصون فوق جدران الحصن. كيف يُمكنك شنُّ هجوم على الجدران من مسافة بعيدة؟
كان المِقذاف مُدمِّرًا أكثر من ذلك بكثير، وبعض الطرازات كان يُمكنها أن تقذف صخورًا تزن ١٣٠٠ كيلوجرام، وكان يُمكنها أيضًا أن تقذف الأحصنة النافِقة أو حتَّى الجُثَث البشرية. وكانت الأخيرة تُستخدَم عندما يفترس الموت الأَسْوَد الجيش المُهاجِم ويرغَب في إرسال المرَض إلى الحصن ليَنقل المرض إلى المُدافعين. وفي المواقف الهزلية أكثر، تُستخدَم المقاذيف الحديثة لقذف آلات البيانو بل والسيَّارات الصغيرة.
ويُمكِن بذْل تلك القوة من خلال الجذب المُنسَّق إلى أسفل على أيدي عدة رجال. ورغم ذلك، كان يُستعان في المقذاف — الذي قد تُقذَف به أجسام كبيرة لمسافاتٍ بعيدة — بثقلٍ مُضادٍّ ثقيل عند الطرف المقابل؛ عندئذٍ كانت القوة المَبذولة هي قوة الجاذبية التي تُؤثِّر على الثقل المُضاد. يرفع الرجال الثقل المُضاد تدريجيًّا باستخدام سقَّاطة، ثم يُترَك الثقل المُضاد ليسقط بحيث يُمكن للرجال أن ينقلوا قدرًا من طاقة الجذب الكامنة إلى الطاقة الحركية الخاصَّة بالقذيفة. وتكون الطاقة الحركية والقوة الدافعة الخاصة بالقذيفة كبيرتين للغاية، أما إذا كانت القذيفة صخرةً، فيُمكنها أن تُحدِث صدعًا في جدار الحصن. وبمجرَّد أن صار استخدام المقذاف واسع الانتشار، أُعيد تصميم جدران القلاع لكي يُمكنها الصمود أمام القذيفة على نحوٍ أفضل. على سبيل المِثال، صُمِّمت بعض الجدران لتكون مائلةً بدلًا من أن تكون رأسية بحيث تتدحرَج القذيفة عبْر الحائط بقدرٍ ما بدلًا من اختراقه مُباشرة.
(٣٢) المدفع البشري
بدأت الفقرة الاستعراضية بالسيرك، والتي يُقذَف فيها شخص في الهواء عبْر مدفع أو آلة غريبة، في أوائل سبعينيَّات القرن التاسع عشر حين قُذِفَ شخص لمسافة قصيرة والتقطَه أحد المساعدين وهو يقِف على أرجوحة. وحين قدَّم الأخَوان زاكيني الفقرة الاستعراضية عام ١٩٢٢، قرَّروا أن يُقدِّموا حركات أكثر جرأةً بأن يطير المؤدِّي عبْر الهواء ويسقط على شبكة. استندت المدافع الأولى على زنبركات لرفع مؤدِّي الاستعراض لأعلى، ولكن بحلول عام ١٩٢٧ تمَّت الاستعانة بالهواء المضغوط.
وفي سَعيِهم لزيادة عنصر الإثارة في الفقرة الاستعراضية، شرع الأخَوان في أداء الاستعراض الطائر من خلال دواليب الهواء. بدآ بتقديم الاستعراض باستخدام دولاب هواء واحد، ولكن بحلول عام ١٩٣٩ أو عام ١٩٤٠ بلَغا أقصى حدٍّ للسلامة البالغة حين حلَّق إيمانويل زاكيني فوق ثلاثة دواليب هوائية وعبر مسافةٍ أفقية بلغت ٧٠ مترًا.
وفقرة المدفع البشري هي على الأرجح واحدة من أكثر الفقرات المُثيرة التي تُبيِّن آلية حركة القذائف، نظرًا لأنها تتضمَّن بوضوح احتمالية أن يقع مُؤدِّي الاستعراض بعيدًا عن شبكة الأمام. هل تنطوي هذه الفقرة على المزيد من المخاطر الدقيقة؟
وتمثَّلت مُخاطرة دقيقة أخرى في مقاومة الهواء التي يُواجِهُها مُؤدِّي الاستعراض. فحجم مقاومة الهواء يعتمِد على اتجاه الجسم في أثناء طيَرانه عبْر الهواء؛ حيث تكون المقاومة أقلَّ إذا كان الجسم مُوجَّهًا نحوَ اتجاه الانطلاق، وتكون أكبر إذا كان الجسم مُوجَّهًا على نحوٍ عَمودي على ذلك الاتجاه (وهو ما قد يحدُث أثناء الهبوط). ومقاومة الهواء الأقل تزيد مسافة الانطلاق، والمقاومة الأكبر تُقلِّلها. ونظرًا لأنَّ اتجاه جسم المُؤدِّي يتفاوَت من انطلاقةٍ إلى أخرى، ينبغي على المرء أن يحسب (أو يُخمِّن) تقريبًا المدى الذي قد يقطعه مؤدِّي الاستعراض ثم يزيد من حجم الشبكة بما يكفي لتغطية التفاوتات المُحتمَلة بسبب مقاومة الهواء.
(٣٣) تصويبات كرة السلَّة
تَعتمِد لعبة كرة السلة، بطبيعة الحال، على كلٍّ من المهارة والحظ. هل تُوجَد طريقة مُثلى لرمي الكرة على نحوٍ يَزيد من احتمالية تسجيل نقاط؟ على سبيل المثال، هل من الأفضل أن تُلقي الكرة في رميَةٍ عالية مقوَّسة أم تُلقيها عبْر مسارٍ مُستَوٍ أكثر؟ متى تكون حركة استدارة الكرة مُفيدة ومتى تكون غير مُستحبَّة؟
في «الرمية الحرة» (حيث يتسنَّى للاعب أن يُصوِّب الكرة على السلَّة من مسافة ٤٫٣ أمتار دون أن يَعترض طريقه أحد من الفريق الخصم)، قد يستعين اللاعب بتقنية «التصويبة الفوقية»، التي تُدفَع فيها الكرة فوق الرأس، من ارتفاع الكتِف تقريبًا ثم تُلقى من هذا الموضع. بدلًا من ذلك، قد يستعين اللاعب بتقنية «التصويبة التحتيَّة»، التي تُرفع فيها الكرة إلى مستوى خطِّ الخصر ثم تُلقى من هذا الموضع. التقنية الأولى هي الاختيار السائد بين أغلب اللاعبين المُحترفين، ولكن اللاعب الأسطوري ريك باري حطَّم الرقم القياسي في الرميات الحُرَّة باستخدام تقنية التصويبة التحتية. هل تُتيح تقنية واحدة فرصةً أفضل في تصويب الكرة؟
وعادة ما يرمي اللاعبون المُبتدئون الكرة عبْر مسار مُستوٍ على نحوٍ مُبالغ فيه؛ بينما يتعلَّم اللاعبون المُحنَّكون من خلال الممارسة أن يُصوِّبوا الكرة داخل السلَّة برمية مقوَّسة. وكلما كانت الرمية أعلى، تعيَّن أن تكون سرعة الانطلاق المطلوبة أبطأ، وهو ما يستفيد منه اللاعبون ذَوو القامات الطويلة. وميزة طول القامة قوية جدًّا لدرجة أن بعض اللاعبين يَختارون رميَ الكرة أثناء القفْز حتى في حال عدَم تعرُّض لاعب من الفريق الخصم لهم. فإذا جعلتَ الكرة تدور دورانًا خلفيًّا أثناء الرمية، وحدَث أن اصطدمت الكرة بلَوح السلة بدلًا من السلة نفسها، تُولِّد الاستدارة احتكاكًا قد يتسبَّب في ارتداد الكرة إلى السلة مرةً أخرى. وإذا كانت التصويبة من الجانب، فإنَّ الاستدارة الجانبية للكرة قد تُفيد أيضًا.
وفرصة نجاح التصويبة التحتيَّة الخالية من الاعتراض أكبر من فرصة نجاح التصويبة الفوقية، غير أنَّ الأسباب لا تزال محلَّ بحث وجدال. وربما يعود سبب النجاح إلى أن التصويبة التحتية أسهل في تنفيذها، ولكن يبدو أنَّ هناك ميزة أكبر تَكمُن في حقيقة أن الرمية تُتيح للَّاعب أن يجعل الكرة تدور دورانًا خلفيًّا بدرجة أكبر، وهو ما يُمكن أن يُصحِّح وضعية رمية غير دقيقة عند اصطدام الكرة بلَوح السلة.
قصة قصيرة
(٣٤) أرقام قياسية للرَّميات الحُرة
في عام ١٩٧٧، حقق تيد سانت مارتن رقمًا قياسيًّا عالميًّا في الرميات المُتتالية الناجحة من منطقة الرمية الحُرة حيث سدَّد ٢٠٣٦ مرة. وفي العام التالي، حقَّق فريد إل نيومان رقمًا أغرب. فبينما كان معصوب العينين، سجل ٨٨ رمية مُتتالية ناجحة من منطقة الرمية الحُرة. وبعد مرور عدة سنوات، وعلى مدار ٢٤ ساعة، وبدون أن يعصب عينيه، استطاع نيومان أن يسجل ١٢٨٧٤ رمية من إجمالي ١٣١١٦ محاولة.
(٣٥) زمن التعلُّق في الهواء في كرة السلة والباليه
يَبدو بعض لاعبي كرة السلة البارعين وكأنَّهم عالقون في الهواء في أثناء القَفز نحو السلة، ممَّا يُتيح لهم المزيد من الوقت لنقل الكرة من يدٍ إلى يدٍ ثم إلى داخل السلة. وعلى نحوٍ مُماثل، تبدو بعض راقِصات الباليه المُحترفات وكأنهنَّ طافيات فوق خشبة المسرح أثناء القفزة المعروفة باسم «القفزة الكبيرة». بالتأكيد ليس في مقدور أحد أن يُلغي الجاذبية الأرضية أثناء القفز أو الوَثْب، إذن ما تفسير هذين المثالَين على التعلُّق الظاهِري في الهواء؟
ويستطيع لاعب كُرة السلة أن يجعل مسار الرأس أثناء القفز عبْر المَلعب مسطحًا بطريقة مُماثلة؛ وذلك إذا سحب اللاعب الساقَين إلى أعلى ورفع الذِّراعَين والكرة. ورغم ذلك، لا أظنُّ أنَّ اللاعبين يُخطِّطون لفعل ذلك عمدًا. وعلى الرغم من أنَّ اللاعب يرفع الذراعَين والكرة نحو السلة أثناء القفز بالقُرب منها، فإنه نادرًا ما يَرفع الساقَين. ويبدو أن المسار الناتج المسطح قليلًا الذي يَسلكه الرأس يخدَع لاعب الدفاع الذي يقفِز بجوار لاعب الهجوم.
(٣٦) لعب الجولف
كيف يَنبغي عليك أن تُؤرجِح مضرب الجولف كي تَضرب الكرة على النحو الأمثل خلال ضربة طويلة المدى؟ على سبيل المثال، هل ينبغي عليك أن تؤرجِح المضرب لأسفل بأقصى ما تستطيع من قوَّة وكأنك تُهاجم أحدًا بهراوة في أثناء عراك؟ بدلًا من ذلك، إذا كان ينبغي عليك أن تزيد مجهودك أو تُقلِّله أحيانًا أثناء أرجحة المضرب، فهل تُؤثِّر مرونة قضيب مضرب الجولف حين تُجري ذلك التغيير؟
لماذا يكون ضرب الكرة ضربةً قصيرة لمسافة مترٍ أصعب كثيرًا من ضربها لمسافة نصف متر؟ هل يكون ضرب الكرة لمسافة ٣٫٥ أمتار أصعب كثيرًا من ضربها لمسافة ٣ أمتار؟ لماذا قد تتدحرج الكرة ناحية الحفرة مباشرةً ولا تدخل في الحفرة؟
ويعتقد كثير من اللاعبين أن مُرونة قضيب المضرب تُؤثِّر على رحلة انطلاق الكرة؛ لأنها تُحدِّد الزاوية التي يَصطدم عندها رأس المضرب بالكرة. وتستند الحجَّة إلى أن القضيب الذي يَمتاز بمرونة أكبر ينثني إلى الخلف أولًا أثناء الأرجحة ثم يَنطلِق إلى الأمام قبل أن تُضرَب الكرة أكثر ممَّا يَفعل القضيب الأقل مرونة؛ ومن ثَم ينقل مزيدًا من الطاقة إلى الكرة. ومع ذلك، تُوضِّح الدراسات أن مرونة المضرب لها تأثير ضئيل للغاية على رحلة انطلاق الكرة. وفي الواقع قد تُسفِر درجة المرونة الأكبر عن تناقُص الطاقة المنقولة إلى الكرة لأنَّ الضربة تجعل المضرب يتأرجح. وبذا يَصير المضرب الجامد مرغوبًا فيه أكثر لأنه يُتيح تحكُّمًا أكبر لضرب الكرة بإحكام.
وإحدى معايير الصعوبة المُتعلِّقة بالضربة القَصيرة هي الزاوية التي تشغلها الحفرة من منظور الكرة. فإذا أبعدت الكرة عن الحفرة، تتناقَص الزاوية بسرعة مبدئيًّا، مما يَعني أن صعوبة تسديد الضربة تزداد سريعًا. ومع ذلك، وعلى بُعد مسافة تَزيد عن المتر تقريبًا، تبدأ الزاوية في التناقُص ببطء، مما يَعني أن الصعوبة المقترنة بذلك تبدأ في الازدياد ببطءٍ نسبيًّا. بالطبع، هذا التحليل البسيط يُغفِل الصعوبات الأخرى المُرتبطة بالضربة طويلة المدى مثل عدد التفاوُتات المُتزايد في ملمَس العشب وانحدار الأرضية على طول المسار نحو الحفرة.
إذا كانت الكرة تَتدحرج مباشرة ناحية الحفرة، فإنها لن تسقُط في الحفرة إذا تجاوزت السرعة قيمةً حرجة مُعينة حين تمرُّ بالقُرب من حافة الحفرة. هذه الكرة تمرُّ عبْر فتحة الحفرة، وتنخفِض أثناء مرورها، غير أنَّ السقوط غير كافٍ ليَمنع الكرة من الارتداد خارج الحفرة بمُجرَّد أن تصطدم بالجدار الموجود على الجانب البعيد للحُفرة.
قصة قصيرة
(٣٧) ستار الموت الناتج عن اصطدام نيزك بالأرض
(٣٨) القفز العالي والقفز الطويل
قد يُحاول المُستجدُّ في مُمارسة رياضة القفز العالي أن يَثِب فوق العارضة الأفقية من خلال إلقاء ساقٍ من فوق العارضة ثم سحْب الأخرى فوقَها، في حين يَنثني إلى الأمام عند الخصر. وثمَّة قفزة أنجح هي «قفزة الامتطاء»، وفيها يَقلب المرء جسدَه فوق العارضة ليكون وجهُهُ لأسفل وطول جسده موازيًا للعارضة.
عندما فاز ديك فوسبري بمسابقة القفز العالي في دورة الألعاب الأولمبية لعام ١٩٦٨ في مكسيكو سيتي، ابتكر ما بدا وكأنها طريقة غريبة للقفْز. هذا الأسلوب يُعرَف الآن باسم «قفزة فوسبري» ويستخدِمه مُمارسو رياضة القفز العالي على نطاقٍ عالمي تقريبًا. ولتنفيذ هذه القفزة، يركض المُتسابِق بسرعةٍ محسوبة مُتِّجهًا إلى العارضة ثم يلتفُّ في اللحظة الأخيرة، ليمُرَّ بظهره من فوقها ووجهه لأعلى. ما ميزة الاستعانة بمثل هذا الأسلوب في القفز؟ لماذا يكون الاقتراب من العارِضة الأفقية بسرعة محسوبة؟ من المؤكَّد أنَّ الاستعانة بسرعة أكبر قد يَمنح اللاعب الرياضي طاقة أكبر ليَقفِز مسافة أعلى.
أُقيمَت واحدة من أكثر الفعاليات إثارةً للذهول في تاريخ مُسابقات ألعاب القوى في دورة الألعاب الأولمبية بمدينة مكسيكو سيتي؛ ففي مُنتصَف ظهيرة يوم الثامن عشر من شهر أكتوبر، استعدَّ بوب بيمون للمحاولة الأولى من أصل ثلاث محاولات مسموح بها في رياضة القفز الطويل بقياس خطواته على طول منطقة ركضة الاقتراب. ثُمَّ استدار وركض عائدًا مسافة المنطقة كلها، ووصَل إلى منصَّة الانطلاق، ثم حلَّق في الهواء. كانت القفزة طويلة للغاية لدرجة أنَّ جهاز الرصد البصري المُستخدَم لقياس طول القفزات لم يَستَطِع رصد القفزة وتعيَّن إحضار شريط قياس. قال أحد الحكَّام لبيمون الذي جلس في حالة ذهول على جانب المضمار: «مذهلة، مذهلة.» كانت قفزة مدهشة لمسافة ٨٫٩٠ أمتار، وضرب بها الرقم القياسي السابق الذي سجل مسافة ٨٫١٠ أمتار (بفارق قدَمَين تقريبًا).
بالتأكيد، ما ساعد بيمون هو اتِّجاه الرياح الآتية من خلفه؛ لأنها كانت قد وصلت إلى الحدِّ الأعلى المسموح به بواقع ٢٫٠ متر في الثانية. هل استفاد من ارتفاعات وانخفاضات مدينة مكسيكو سيتي، بمعنى: هل كانت أمور مثل كثافة الهواء وقوة الجاذبية هي السبب في قفزته المُدهِشة؟
تُقاس مسافة القفز الطويل من مَوضِع غرْس كعب حذاء الشخص الواثِب في الرمال؛ وذلك عند نزوله على الأرض، ما لم تَنزل مُؤخِّرته وتَطمس آثار الكعب. فإذا مُسحت هذه الآثار، تُحسب مسافة القفزة من عند حافة الحفرة التي تركتها المُؤخِّرة على الرمال. ولذا، من المهم أن تهبط أثناء القفز الطويل بالاتجاه المناسب.
عندما ينطلِق لاعب القفز الطويل، من الموضِع الأخير للقدَم على منصة الانطلاق، يكون الجذع في وضعٍ عمودي تقريبًا، وتكون ساق الانطلاق وراء الجذع، والأخرى تَمتدُّ إلى الأمام. وعندما يهبط اللاعب على الأرض، ينبغي أن تتحرَّك الساقان معًا وتَمتدَّان إلى الأمام بزاوية لكي يترُك كعب الحذاء أثره على الرمال لأكبر مسافة دون أن يُتيح للمؤخِّرة أن تَطمس ذلك الأثر. كيف يستطيع اللاعب أن ينتقل من اتجاه الانطلاق إلى اتجاه الهبوط في أثناء رحلة القَفز؟
وفي القفز الطويل دون ركض بالألعاب الأولمبية القديمة، لماذا كان بعض الرياضيِّين يقفزون مُمسكين بأيديهم «أثقالًا» وصلتْ كُتلتها إلى عدَّة كيلوجرامات؟
تكون ركضة الاقتراب بطيئةً مقارنة مثلًا بالعَدْو القصير؛ لأنَّ مفتاح الفوز يتمثَّل في تنفيذٍ خالٍ من الأخطاء؛ ومِن ثمَّ يكون اختيار التوقيت المُناسب ضروريًّا. وعند نهاية ركضة الاقتراب، يَغرس اللاعب قدَم الانطلاق في موضعٍ مُتقدِّم على مركز كتلة الجسم، وبينما تَنثني الساق المُتقدِّمة، يدور الجسد حول تلك القدَم. يُتيح هذا التصرُّف تخزين بعضٍ من الطاقة الحركية للركض في الساق المَثنية. وبينما تضغط ساق اللاعب على الأرضية، فإنها تدفع اللاعب إلى أعلى، لتنقل بذلك بعضًا من الطاقة المُختزَنة، وكذلك طاقة إضافية مُكتسبة من المجهود العضلي، إلى انطلاقة القافز.
لم يساعد الموقع الجغرافي والرياح بيمون في قفزته الطويلة إلَّا بقدرٍ ضئيل. فمدينة مكسيكو سيتي تقع على ارتفاع ٢٣٠٠ متر فوق سطح البحر، وهو ارتفاع أعلى بكثيرٍ من عدة أماكن أُقيمت بها الألعاب الأولمبية. والارتفاع الشاهق يعني أنَّ كثافة الهواء كانت ضئيلة؛ ومِن ثمَّ كانت مقاومة الهواء المُعيقة للقفزة أقلَّ ممَّا لو كانت القفزة في موقِع ذي ارتفاع أقل. كما أن الارتفاع الشاهق يعني أنَّ تَسارُع الجاذبية كان أقلَّ ومِن ثَمَّ كانت قوة الجاذبية، التي اعترضت انطلاق بيمون وجذبتْهُ في النهاية إلى الأرض، ضئيلة. كما انخفضت درجة التسارُع والقوة أكثر بسبب تأثير قوَّة الطرْد المركزي «الفعَّالة» على بيمون بسبب دوران الكرة الأرضية. وتكون تلك القوة الفعَّالة أكبر على الارتفاعات الأقل؛ لأن مثل تلك الأماكن تتحرَّك أسرع أثناء الدوران.
وعلى الرغم من ذلك، كل هذه العوامل لم تلعب سوى دورٍ صغير في القفزة. إذن، ما الذي جعل بيمون يقفز كلَّ هذه المسافة؟ السبب الأساسي هو أنه اصطدم بمنصَّة الانطلاق أثناء الركض سريعًا. مُعظَم لاعبي رياضة القفز الطويل يَقتربون ببطء أكثر ليتجنَّبوا أن تتعدَّى خطوتُهم الأخيرة منصَّة الانطلاق، الأمر الذي قد يؤدِّي لعدم احتساب القفزة. كما أنهم يرغبون في تجنُّب الانطلاق من أمام المنصة وفقْد الدعم القوي الذي تَمنحه المنصة أثناء الانطلاق وكذلك خسارة مسافة من مسافة القفزة؛ حيث إن القفزة تُحسب بدءًا من المنصة. ونظرًا لأن طول المنصة ٢٠ سنتيمترًا فقط، لا بدَّ أن تكون الخطوة الأخيرة محسوبة.
وفيما يبدو فقد قرَّر بيمون، الذي اشتُهر بالقفزات غير المُحتسَبة، أن يُغامر بمحاولته الأولى وركَضَ إلى المنصة، وتجنَّبت خطوته الأخيرة بالكاد تَخطِّي المنصة. ولو أنه تخطَّى المنصة، لكان من الأرجح أن يُنفِّذ القفزتَين التاليتَين بإبداء اهتمامٍ أكبر للمنصَّة ولإبطاء السرعة.
على مدار ثلاثةٍ وعشرين عامًا تالية لم يَقفز أحد لمسافة تُعادل المسافة التي قفزها بيمون، وحتى بيمون نفسه لم يفعلها ثانيةً. ثم أخيرًا، وفي بطولة العالم لألعاب القوى، قفز مايك باول مسافة ٨٫٩٥ أمتار؛ أي لمسافة أبعد ببوصتَين من بيمون. نفَّذ باول هذه القفزة في طوكيو بدون الاستفادة من الارتفاع العالي للمدينة مع هبوب رياح خفيفة من خلفه بسرعة ٠٫٣ متر في الثانية. وأثبت باول على نحوٍ مذهل أن تأثيرات الارتفاع والرياح هي أمور ثانوية مُقارَنةً بالقُدرة الرياضية.
ولفهم تبديل اتجاه القفزة الطويلة أثناء الانطلاق، تخيَّل أنَّ القفزة ناحية اليمين من منظور رؤيتك. في أثناء الانطلاق من المنصة، تتسبَّب القوة الصادرة عن الساق المُتقدِّمة من المنصة في دوران الجسد في اتجاه عقارب الساعة؛ وهو ما يُفضي إلى جعل جذْع الجسد يتحرَّك إلى الأمام والساق المُتقدِّمة تتحرَّك إلى الخلف. تزداد هذه النزعة للدَّوَران في اتجاه عقارب الساعة عندما تتقدَّم الساق المُتأخِّرة استعدادًا للنزول على الأرض؛ والسبب في ذلك أن القافز يكون بعيدًا عن الأرض، ولذا يجِب أن يظلَّ الزخم الزاوي لجسده ثابتًا. هكذا، حين تلتفُّ الساق المُتأخِّرة في عكس اتجاه عقارب الساعة لتتقدَّم إلى الأمام، يميل باقي الجسد إلى الدَّوران في اتجاه عقارب الساعة.
ومن أجل تقليل الدَّوَران في اتجاه عقارب الساعة، بحيث يكون القافز في الاتجاه الصحيح للنزول على الأرض، يتأرجَح الذراعان بسرعة في اتجاه عقارب الساعة حول الكتفَين. بالإضافة إلى ذلك، ربما تُواصل الساقان التحرُّك كحركتهما في الركض، مع مدِّ الساق إلى الخلف عند دوَرانها مع اتجاه عقارب الساعة وسحْبها إلى الأمام عند دوَرانها في عكس اتجاه عقارب الساعة. (لا تؤثِّر أيٌّ من هذه الحركات على مسافة القفزة، ولكن تُؤثِّر على اتجاه الجسد.) وعادةً ما يفشل القافزون المُستجدُّون في أرجحة الذراعَين بالقدر الكافي، أو ما هو أسوأ من ذلك، يؤرجِحون ذراعًا واحدةً أو كِلتا الذراعَين في الاتجاه الخطأ. لا يكون الجذع والذراعان في أفضل اتجاه، وتكون القَفزة قصيرة لأنَّ آثار الكعب تكون قريبةً أو لأن المؤخِّرة طمسَتْ آثار الكعب.
وقد تَزيد الأثقال، التي استخدمها لاعبو رياضة القفز في الألعاب الأولمبية القديمة، من مسافة القَفزة. وقد يُؤرجِح اللاعب الأثقال في يدَيه إلى الأمام والخلف استعدادًا للقفز، ثم يُؤرجِحُها أثناء الجزء الأول من القفزة، وفي النهاية يؤرجِحها إلى الخلف استعدادًا للنزول على الأرض. وعند الاستعانة بهذا الأسلوب على نحوٍ صحيح، قد يُضيف هذا الأسلوب في القفز مسافة ١٠ سنتيمترات أو ٢٠ سنتيمترًا إلى طول القفزة لسببَين؛ أولًا: مع تحرُّك مركز الكتلة لمنظومة اللاعب والثِّقَل في الهواء، فإنَّ الحركة الأخيرة إلى الخلف تُغيِّر اتجاه الأثقال إلى الخلف نسبةً إلى مركز الثقل؛ ومِن ثَمَّ يتحرَّك اللاعب إلى الأمام نسبةً إلى مركز الثقل. ثانيًا: في أثناء الانطلاق، أرجحة الأثقال إلى الأمام تزيد من قوَّة الاتجاه إلى أسفل الواقعة على نقطة الانطلاق، مما يُعطي مِن ثَمَّ قوة انطلاق أكبر للاعب. (في الواقع، كان اللاعب يستعين بعضلات الكتفَين والذراعَين بالإضافة إلى عضلات الساق أثناء الانطلاق.) وقد يزيد طول القفزة قليلًا إذا ما قذَف اللاعب الأثقال إلى الخلف في أثناء الجزء الأخير من الانطلاقة، مُطلِقًا الجسد إلى الأمام بفعالية. يَهبط مركز كتلة منظومة اللاعب والثِّقل عند النقطة نفسها، إلَّا أنَّ اللاعب يكون مُتقدِّمًا قليلًا على تلك النقطة.
(٣٩) حبَّات الفاصوليا النطَّاطة
إذا أمسكت فتاة صغيرة تَجلس داخل بطانية بالأطراف الأربعة للبطانية وسحبَتْها إلى أعلى بقوَّة بالِغة، فهل تستطيع أن ترفع نفسها؟ حسنًا، بالتأكيد لا تستطيع ذلك، رغم أنَّني أعرف فتاةً حاولت فِعل هذا بكلِّ قوَّتها. إذن، كيف تستطيع حبَّات الفاصوليا النطَّاطة أن تقفز في الهواء؟
(٤٠) شقلبة الخُنفساء المُطَقطِقة وهجوم جمبري السرعوف
إذا وكزتَ خنفساء مُطَقطِقة مُستلقيَةً على ظهرها، فإنها تَثِب سريعًا وترتفع في الهواء لمسافةٍ تصِل إلى ٢٥ سنتيمترًا، مُصدِرةً طقطقة ملحوظة. وفي أثناء القفزة، قد تنقلِب بحيث تستقرُّ على الجانب الأيمن لأعلى. وتتضمَّن الانطلاقة تَسارُعًا كبيرًا يصل إلى ٤٠٠ مرة قدْر عجلة الجاذبية الأرضية، ويَستلزم طاقة قد تصِل إلى ١٠٠ مرة قدر الطاقة المُمكنة لأيِّ عضلة في جسم الخنفساء. كيف تُنتج الخنفساء مثل هذه الطاقة الهائلة التي لا يُمكن عزوها بالطبع إلى أرجلها لأنها تَصدُر وهي مُستلقية على ظهرها؟ أحد مفاتيح الإجابة هي الطقطقة والآخَر هو حقيقة أنَّ الخنفساء لا يُمكنها أن تُكرِّر الحركة على الفور.
يُهاجم جمبري السرعوف فريسته من خلال اللفِّ السريع لزائدة التغذية حولَها. لا تصطدم زائدة التغذية بالفريسة وإنما تُطلِق فقاعات هوائية ينتُج عنها موجة صوتية مُدمِّرة حين تَنفجِر هذه الفقاعات فجأة. وقد يصِل التسارُع عند الطرف الخارجي للزائدة إلى ١٠٠٠٠ مرة قدْر عجلة الجاذبية الأرضية. كيف يستطيع الجمبري أن يُحقِّق مثل هذا التسارُع العالي؟
الانقباض الأَوَّلي البطيء للعضلة يَسمح للخنفساء بأن تختزن الطاقة، والإطلاق المُباغِت لتلك الطاقة يكون مسئولًا عن القوة العالية الخاصَّة بالقَفزة. وقبل أن تتمكَّن الخنفساء من تكرار القفزة، يجِب اختزان الطاقة مرة أخرى، الأمر الذي يَستغرِق بعض الوقت. وتستعين الكثير من الحيوانات بهذا النوع من اختزان الطاقة وإطلاقها للقيام بحركات مُباغتة؛ إمَّا من أجل الإمساك بفريسة أو تجنُّب الوقوع كفريسة.
ويَستعين جمبري السرعوف بإجراءٍ مُشابه؛ فالزائدة المُستخدَمة في الهجوم تَلتصق بإحكامٍ بالجسد بينما يتعرَّض عضوٌ أشبَهُ بالسرج للشدِّ ببطءٍ مثل الزنبرك الذي يُمكن الضغط عليه. وتُثبَّت الزائدة في موضعها بسقَّاطة، وما إن يتعرَّض هذا العضو إلى الحدِّ الأقصى للشد، تَنطلِق السقَّاطة ويتحكَّم العضو في الدوَران السريع الخاص بالزائدة.
قصة قصيرة
(٤١) بعض الأرقام القياسية في رفع الأثقال
في رياضة رفع الأثقال، كثيرًا ما تُكسَر الأرقام القياسية، إلَّا أن الرقم القياسي لأكبر وزنٍ على الإطلاق حقَّقه بول أندرسون عام ١٩٥٧. استخدم أندرسون أسلوب «رفعة الظهر»؛ حيث انحنى أسفل منصَّة خشبية مُدعومة بحوامل قوية. وأمامه وُضِع كرسي قصير كان بإمكانه أن يستخدِمَه لتثبيت نفسه والضغط لأسفل. وفوق المنصة وُضِعَت أجزاء من سيارات وخزانة مملوءة بالرصاص. وبمَجهود مُذهِل من الذراعَين والساقَين رفَع المنصة، كان إجمالي الوزن المجمع ٦٢٧٠ رطلًا (٢٧٩٠٠ نيوتن)!
وربما تحقَّقت رفعة أثقال مُذهلة على نحوٍ مماثل — حسبما ذُكر — من جانب السيدة ماكسويل روجرز من مدينة تامبا بولاية فلوريدا في أبريل ١٩٦٠. فما إن اكتشفَت السيدة روجرز سقوط سيارة من فوق مصدِّ دعم السيارات على ابنها الذي كان يعمل أسفلها، حتى رفعت أحد أطراف السيارة حتى يَستطيع أحد الجيران إنقاذ ابنها. كانت السيارة تزن ٣٦٠٠ رطل (١٦٠٠٠ نيوتن)، رفعت السيدة روجرز ٢٥٪ من وزن السيارة على الأرجح. وكنتيجة لذلك، كُسِرت لها عدَّة فقرات. (تظهر روايات لهذا النوع من الحوادث من آنٍ لآخر. في نوبات الذعر، يستطيع شخص غير مُدرَّب أن يرفع شيئًا يفوق وزنه زيادة مهولة، ولا يُمكنه بأيِّ حال أن يحمله في مُلابَسات أهدأ حالًا.)
(٤٢) سلسلة تصادُمات
إذا اصطدمت كُرة بكُرة ثابتة، فما الظروف التي تكتسب فيها الكرة الثانية أكبر قدْر من الطاقة؟ وهل تكون نفس الظروف لازمة إذا أردْنا للكُرة الثانية أن تَكتسِب أكبر سرعة؟ ماذا ستكون الإجابات إذا اصطدَمَت الكرة بسلسلةٍ من الكُرات الثابتة في البداية؟
تخيَّل أنه يُوجَد مبدئيًّا كرة كبيرة تتحرَّك وكرة أصغر ثابتة. هل يُمكنك أن تزيد الطاقة التي تكتسبها الكرة الأصغر من خلال إضافة المزيد من الكُرات بين الاثنين؟ إذا كان الأمر كذلك، فكم ينبغي أن تكون كُتَل الكُرات الموجودة في المنتصف؟
تخيل كُرة جولف تطير في الهواء نحوَ رأسك. إذا كنت تُريد أن تُقلِّل الطاقة التي ستنتقل إلى رأسك، فهل ينبغي عليك أن تَحمي رأسك بإحدى يدَيك بحيث تصطدم اليد برأسِك؟
أَعِد ترتيب الكرات بحيث تترك مسافة صغيرة بينها، ثم اضرب الكرة الأولى بالكرة الثانية بزاوية مائلة قليلًا عن الصف. على الرغم من أنَّ الاصطدامات الأولية تكون مائلة، فإن الخلل يَختفي تدريجيًّا مع استمرار الاصطدامات. ورغم ذلك، إذا زِدْتَ المسافة الفاصلة بين الكُرات بالدرجة الكافية وكرَّرتَ التجربة، فإنَّ الخلل يزداد مع كلِّ تصادُم يحدُث. وربما تتوقَّف الاصطدامات إذا ما دُفعَت كرة واحدة جانبًا بدرجةٍ كبيرة جدًّا لدرجة أنها تُخفِق في الاصطدام بالكرة التالية. لماذا يتوقَّف سلوك الاصطفاف المُنتظِم-غير المنتظم على المسافة الفاصلة بين الكرات؟
عندما يقع اختيارك بالفعل على الكرات الموجودة عند طرف السلسلة وتريد أن تُحسِّن انتقال الطاقة إلى الكرة الأصغر حجمًا، أضِف كرات في المُنتصَف بحيث يكون لكلٍّ منها كُتلة تُساوي المتوسط الهندسي لكُتَل الكُرات الموجودة على الطرف المقابل من سلسلة الكرات. (والمتوسط الهندسي للكُتَل هو الجذر التربيعي لناتج كتلتَين.) تُحسِّن الخيارات الأخرى لكتلة الكرات الموجودة في المنتصف من انتقال الطاقة ولكن ليس بقَدْر كبير.
وهذا الاستنتاج يُجيب عن السؤال الخاص بكُرة الجولف. فإذا قُمتَ بحماية رأسك بيدك، فربما تزيد بذلك من انتقال الطاقة إلى رأسك؛ لأنَّ لِيَدِكَ كتلة تتوسَّط كتلتَي الكرة ورأسك. ورغم ذلك، من الحِكمة أن تَحمي رأسك بيدك لأنها عريضة وستنشر الطاقة التي سيستقبلها رأسك.
عادةً ما تُفسَّر لعبة سلسلة كرات البندول من منطلق الزخم والطاقة الحركية لأول كرة مُتحركة. والطريقة الوحيدة لعدم تغيُّر تلك الكميات أثناء انتقالها عبْر سلسلة الكرات هي أن تَنتهي الحال باستقبال الكرة الأخيرة لكلِّ الزخم والطاقة الحركية. هكذا، وفي النهاية، تتحرَّك الكرة وحدَها. ورغم ذلك، فإنَّ التفسير بسيط على نحوٍ مُضلِّل لأنَّ أداء الكرات الموجودة في المُنتصَف قد يكون مُعقَّدًا للغاية إذا ما بدأت الحركة من عندِها.
وفي التجربة، حين تَصطدِم الكرة الأولى بالكرة الثانية بزاوية مائلة، تكون النسبة بين المسافة الفاصلة «م» بين الكرات ونصف قطر الكرة «نق»، ذات أهمية. فإذا كانت نسبة «م/نق» أقلَّ من ٤، فإن اختلال الكرات يقلُّ أثناء التصادُم؛ لأنَّ التصادُمات تتغيَّر تدريجيًّا إلى الداخل وتصير مُباشِرة أكثر. وإذا كانت النسبة أكبر من ٤، يزداد اختلال الكرات؛ لأن التصادُمات تتحرَّك تدريجيًّا إلى الخارج على الأسطح المُنحنية للكُرات.
(٤٣) إسقاط مجموعة كُرات من ارتفاع
من الناحية النظرية، إذا ما اختيرت الكُرات على نحوٍ ملائم، فقد تَصِل الكرة العُلوية في المجموعة المكوَّنة من كُرتَين إلى ارتفاع يَبلُغ تسعة أضعاف الارتفاع الذي أسقطت من عنده المجموعة. ومع وجود ثلاثِ كُرات، واختيارها على نحوٍ ملائم وتحت الظروف المثالية، قد تَصل الكرة العلوية إلى ارتفاع يصِل إلى ٤٩ ضعف مسافة السقوط.
ولعلَّك تودُّ أن تُجرِّب مجموعة متنوعة من الكُرات، مثل كرة تنس طاولة أو كرة «سوبر بول» (وهي كُرة مرِنة للغاية، تصنعها شركة وام-أوه) أو كرة تنس. كيف يَنبغي اختيار كرات بحيث ترتدُّ الكرة العلوية لمسافةٍ عالية، ولماذا تَنطلِق بعيدًا للغاية؟
وبدلًا من ذلك، إذا أردتَ أن تَرتفِعَ الكُرة العُلوية لأعلى ارتفاعٍ مُمكن، ينبغي أن تختار كُرةً أخفَّ بكثيرٍ من الكرة السُّفلية. ويتوقَّف الارتفاع الذي تصِل إليه الكرة العلوية على مربَّع السرعة المُتَّجِهة التي تكتسبها الكرة من التصادم. وإذا كانت كتلة الكرة العلوية أصغرَ بكثيرٍ من كتلة الكرة السفلية، تكتسب الكرة العلوية مُربَّع سرعةٍ متَّجهة كبيرًا، وقد تصِل إلى ارتفاع يُقدَّر بتِسعة أضعاف مسافة السقوط.
إذا كنتَ تَلعَب بمجموعةٍ أكبر من الكرات، يتعيَّن عليك أن تُعيد ترتيب الكرات حسب أوزانها لتَتناقصَ تصاعديًّا في المجموعة. عندما ترتدُّ الكُرة السُّفلية، تصطدم بالكرة الثانية وتنقل بعض طاقتها. وبمجرَّد أن يُعاد توجيه الكرة الثانية إلى الأعلى، تصطدم بالكرة الثالثة المُتَّجهة لأسفل، وتنقل بعض طاقتها إليها، ثم تعكس الكرة الثالثة اتجاهها وتصطدِم بالكرة الرابعة وهلمَّ جرًّا. ولو كانت المجموعة كبيرة بالقدْر الكافي، يُمكنك — من الناحية النظرية — أن تُطلق الكرة العلوية حتى مدار الأرض.
قصة قصيرة
(٤٤) تجربة اصطدام
عندما كان جون ماكبرايد طالبًا بجامعة هيوستن في سبعينيَّات القرن العشرين، أجرى هو واثنان من زملائه الطلَّاب تجربة على فيزياء الكرات المُتساقطة من خلال إلقاء كرة بيسبول ليِّنة وكرة سلَّة من الطابق الثالث لمَمرٍّ يَربط بين بِنايتَين للسكن الجامعي. سقطت الكرة بلا حَراك على الأرض وارتفَعَت كرة البيسبول الليِّنة لأعلى فوق رءوسهم، لمسافة ١٠ أمتار فوق الأرض على الأقل. كان الأمر مُمتعًا للغاية حتى المُحاولة الأخيرة وفيها انحرَفَ اصطفاف الكُرتَين واصطدمت كرة البيسبول بنافذة مُشرِف السكن الجامعي، ليَتناثر الزجاج في كلِّ مكانٍ داخل الغرفة. بلَغَت تكاليف تصليح النافذة ٢٥٠ دولارًا، ولكن كان من الممكن أن تكون الغرامة أعلى من ذلك بكثيرٍ لو كان مُشرف السكن الجامعي موجودًا في غرفته في ذلك الوقت.
(٤٥) لعبة الكاراتيه
تأمَّل لكمةً أمامية في لعبة الكاراتيه؛ حيث يبدأ اللاعب وقبضتُه مضمومة وراحة يده مُتجهة لأعلى بجوار الحزام ثم يدفعها إلى الأمام وراحة يدِه متجهة لأسفل. لماذا تُعلَّم هذه الحركة بإجراءَين وقائيَّين: تقدَّم بطول ذراعٍ كاملة ولكِن ليس أبعد من ذلك (أنت لا تَميل إلى الأمام)، اشتبك مع خَصمِك حين تَفرِد يدَكَ لتقطع ٩٠٪ من المسافة (بحيث تُصوِّب لَكمتك على بُعدِ ١٠٪ من المسافة الفاصلة عن جسد الخصم)؟ لماذا يدور الفَخذان والجذع في مرحلة مُبكِّرة من اللَّكمة؟
لماذا تُنَفَّذ اللَّكمة والضربة والركلة وغيرها من المناورات الحركية على مسافة اشتباك قصيرة؟ ما مدى السُّرعة التي يستطيع أن يُحرِّك بها الشخص المُحترِف قبضته أو قدَمه، وما مقدار القوة والطاقة التي يُمكن توفيرها؟ عندما يَكسِر مُحترف لعبة الكاراتيه عظمةً لدى خَصمِه، لماذا لا تُكسَر أيضًا عظمةٌ لدَيه؟ عندما تُكسَر مجموعة من الأشياء مثل ألواح خشبية، لماذا يُفصَل بين هذه الأشياء باستخدام أقلام رصاص؟
لم أكسر قطُّ ألواحًا في دروس الكاراتيه، ولكن حين بدأتُ التدريس رأيتُ أنَّ كسْر الألواح قد يكون تجربةً حيَّةً على القوى المشاركة في التصادم. وذات يوم بينما كنت أسارع للَّحاق بمحاضرة، أمسكتُ في عُجالة بلوحَين من خشب الصنوبر وجدتُهما في المعمل. وفي المحاضرة، اخترت طالبًا ضخم الجثة ليُمسك باللَّوحَين في وضع رأسي لكي أتمكَّن من لَكمهما، ضاربًا إياهما بمِفصلي أول إصبعين من قبضتي اليمنى. لسُوء الحظ، تراجع الطالِب إلى الوراء حين ضربتُ اللَّوحَين، فلم يَنكسِرا. وضربتُهما مرارًا وتكرارًا ولكن دون أن يُحالفني الحظ. وبعد أن غُطِّي اللَّوح الأمامي بالدماء جزئيًّا وتورَّم مِفصَلي أول إصبعين لبضعة مليمترات، استسلمتُ وخرجتُ من قاعة المحاضرات. حاليًّا، أستخدِم «قرميد رصف» يستند إلى ركائز صُلبة عند كلِّ طرف، وأضرب القرميد بالجزء السُّفلي من قبضتي المضمومة. لماذا نجَحَت الاستراتيجية الجديدة أكثر من الاستراتيجية السابقة؟
عندما تُمارس لعبة الكاراتيه، يَجدُر بك الاشتباك مع خَصمِك حين تَنطلِق قبضتك بأقصى سرعة لها، لأنها حينئذٍ تتمتَّع بأكبر قوَّة دافعة؛ ومن ثَم ستُوفِّر أنت أكبر قدر من القوة والطاقة. وتلك النقطة المثالية تتحقَّق حين تقطع قبضة يدك ٩٠٪ من المسافة، وهكذا تقيس ذهنيًّا مساحة اللكمة كما لو أن قبضة يدك ستَصِل إلى طول الذراع كاملًا نحو جسد الخصم قبل نحو ١٠٪ من المسافة؛ فإذا اشتبكتَ في وقتٍ مُبكر أو متأخِّر للغاية، تقلُّ قوى التصادُم وطاقته.
ينبغي أن تضرِب بجزءٍ صغير من جسدِك لكي تكون القوى الواقعة على كلِّ وحدة مساحة من جسم الخَصم أكبر وتَنقل الطاقة لجزءٍ صغير من جسد الخصم. وقد تَنثني الضربة وتكسر عظمة لدى الخصم. وهذا الأسلوب من شأنه أيضًا أن يَحميَك. فعندما تُسدِّد الضربة بشكلٍ مناسب، كأن تَستخدِم مِفصلَي أول إصبعَين أو جانب يدٍ مفتوحة وجامدة أو طرف القدم، وتقوم بتوجيه نفسك على النحو الصَّحيح، فإن القوى الناجمة من التصادُم لا تَكسِر أي عَظمة من عظامك.
وتتَّضح حقيقة أنَّ الانثناء أمرٌ مُهم لكْسر شيء ما عندما يضرب لاعب كاراتيه مُحترف لوحة أو كتلة خرسانية تمتدُّ فوق ركيزتَين. تُوضَع كلتا الركيزتَين عند طرفي الجسم المُراد ضربه بحيث حين تُسدَّد الضربة إلى مركز الدعامة، تخلق القوى عزم دوَرانٍ كبيرًا حول كلِّ نقطة ارتكاز. يُدير عزم الدَّوران الشقَّ الأيسر والأيمن حول نُقطتَي الارتكاز، ويَنثني الجسم نحو الأسفل. وإذا انثنى بالقدْر الكافي، يحدُث شرْخ عند السطح السُّفلي ويندفع لأعلى، وينكسر الجسم تمامًا.
عندما تُكسَر مجموعة من الأجسام التي بَينها فواصل، يكسر لاعب الكاراتيه المُحترِف الجسم الأول في المجموعة، ثم تَكسِر أجزاؤه الجسم الثاني، وهلمَّ جرًّا. ويَنتقِل الكسر عبر المجموعة أسرع من انتقال اللاعب المُحترف. وتُعدُّ ألواح خشب الصنوبر الأبيض وقراميد الرصف الخرسانية أغراضًا نموذجية لإثبات مثل هذه التجارب. يُقطَع خشب الصنوبر ويُلصق بعضه ببعض مع جعل تعرُّقات الخشب عبْر قطاع عرضي قصير؛ ومثل هذا اللَّوح يكون أضعف — ويَسهُل كسرُه — ممَّا لو كانت تعرُّقات الخشب بالطول. وعادةً ما يتمُّ تجفيف قراميد الرصف داخل الفرن مسبقًا لكي يتمَّ التخلُّص من المياه بداخلها؛ لأن الماء قد يزيد من قوة القرميد.
يَستغرق التصادُمُ بلوحٍ خشبي أو قرميد عادةً مدة ٠٫٠٠٥ ثانية. وقد تصل سرعة القبضة في اللكمة الأمامية إلى ١٠ أمتار في الثانية. قد تكون الركلات والضربات التحتيَّة أسرع. وقد تصِل قوة ضربة مُنفَّذة بالقبضة إلى ٤٠٠٠ نيوتن عند كسر لَوح تقليدي. وتكون القوة أكبر عندما لا يُكسَر اللوح لأنَّ اليد لا تخترق عبْر اللوح بالقوة الدافعة المُتبقية. وبدلًا من ذلك، لا بدَّ أن تتوقَّف اليد أو حتى ترتد، وأيٌّ من هذين الإجراءَين يستلزم أن تكون القوة في التصادُم أكبر من القوة المُستخدَمة لكسر اللوح.
عندما تراجَع الطالب في محاضرتي إلى الوراء، أتاحَ للوحَين أن يتحرَّكا نحوه. وهذا التصرُّف زاد من المدَّة المُستغرَقة في التصادم؛ لأنَّ قُوَّتي في التصادم اعتمدت على تلك المدة على نحو عكسي، وقد قلَّل هذا من قوَّتي وصارت غير كافية لكسر اللوحَين. تتميَّز تجربة القراميد بكونها مُثيرة أكثر ولكنها مضمونة أكثر لأنَّ القرميد مُثبَّت بصلابةٍ ومدة التصادُم به قصيرة. وهي أكثر أمانًا أيضًا لأنَّ الجزء السُّفلي السمين من القبضة يُستخدَم للضرب بدلًا من استخدام مفاصل الأصابع، التي تكون بطبيعتها ضعيفة، وأي شخص سدَّد للخصم لكمةً في ذقنه بمفاصل أصابع عارية يستطيع أن يشهد بذلك.
(٤٦) لعبة الملاكمة
لماذا تجعل القفازات — على وجه التحديد — لعبة الملاكمة أكثرَ أمانًا؟ ورغم هذه التدابير الوقائية، لماذا تتسبَّب هذه الرياضة في إصابة للمخ على المدى البعيد، بل وتُسبِّب الوفاة أحيانًا؟
والمُلاكم البارع يعرف كيف «يُراوغ لكمة» موجَّهة نحو رأسه؛ أي يُحرك رأسه إلى الوراء. ولو أنه أبقى رأسه ثابتًا، أو الأسوأ من ذلك، حرَّكه مع اتجاه اللكمة، لكانت قوة التصادم أكبر. وتأتي أخطر الأوقات في مباراة الملاكمة أثناء الجولات الأخيرة حين يكون الملاكمان مُنهكَين وعاجزين عن توقُّع اللكمات والردِّ عليها من خلال التراجُع إلى الخلف.
وأخطر لكمةٍ هي تلك اللَّكمة المُسدَّدة إلى الذقن أو الجبهة، ولا سيما حين تكون اللكمة بزاوية مائلة، لأنها تدير الرأس إلى الوراء، لتضغط بذلك على جذع الدماغ وتُمزِّق أنسجة الدماغ (تحاول جعْل جُزء من الدماغ ينزلق فوق جُزء آخر). حتى وإن لم يسقط الملاكم أرضًا بسبب الضربة القاضية، فإنَّ الدماغ يُصاب حتمًا بتلَف من اللكمة لأن الجمجمة تصطدم به ممَّا يتسبَّب في تحرُّكه إلى الوراء. يعيق التصادم تدفُّق الدم في منطقة التصادم ويسبب سحجات في سطح الدماغ. والتمزق الناتج عن دوران الرأس إلى الوراء يُتلِف الجزء الداخلي من الدماغ. ويقع ضرَر آخر في الدماغ على الجهة المقابلة من اللكمة لأنه حين تتحرك الجمجمة إلى الوراء، لترتجَّ بعيدًا عن المخ، يقلُّ ضغط الموائع الموجودة في المسافة الفاصلة بين الجمجمة والمخ، ممَّا يتسبَّب في تمزق الشعيرات الدموية.
ومع تكرار الضرر، تتراجع قدرة الملاكم على التفكير والتذكُّر والتحدُّث، ثم يُصاب ﺑ «اللكام» على نحوٍ مزمِن. ربما تكون لعبة الملاكمة هي لعبة للبالغين، إلَّا أنها تُضعف قدرات اللاعبين حتى تصِل إلى مستوى قدرات الأطفال الرُّضَّع.
(٤٧) انهيار الممرَّات المُعلقة
في السابع عشر من يوليو عام ١٩٨١، بمدينة كانساس سيتي، كان فندق حياة ريجينسي، الذي افتُتح مؤخرًا، مكتظًّا بجمهور يستمع إلى أنغام فرقة موسيقية تعزف أغانيَ مفضَّلة من فترة أربعينيَّات القرن العشرين ويتراقَص عليها. تجمهر الكثير من الناس عند الممرات التي كانت معلَّقة كجسور عبْر الردهة الشاسعة. فجأة انهار ممرَّان من الممرات المعلَّقة ليسقطا على الجمهور الصاخب الموجود في الطابق الرئيسي، مما تسبَّب في مقتل ١١٤ شخصًا وإصابة ٢٠٠ آخرين تقريبًا.
(٤٨) انهيار مركز التجارة العالمي
حسب قوانين الفيزياء، لماذا انهار بُرجا مركز التجارة العالمي إثرَ اصطدام طائرتَين بهما في الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١؟
-
(١)
أدَّى التصادُم واشتعال وقود الطائرة إلى اندلاع حريق تجاوَزت درجة حرارته ٨٠٠ درجة مئوية. ونظرًا لأنَّ التصادم أزال العَزل الحراري الموجود على الأعمدة الفولاذية الرأسية، تسبَّبت الحرارة العالية في تليين الأعمدة ثم التوائِها تحت وطأة جميع الطوابق العُليا في المبنى. ثم، فجأة، سقطت الكثير من الأعمدة الرأسية وانهار الجزء العلوي من المبنى فوق الطابق الأسفل منه. حتى وإن لم تتأثَّر أعمدة الطابق السُّفلي بالسخونة، فإنَّ هذا الاصطدام المفاجئ والهائل تسبَّب في الْتواء الأعمدة الداعمة للمبنى؛ ومِن ثَمَّ هبطت الطوابق عموديًّا إلى أسفل.
-
(٢)
أدى الاصطدام واشتعال الوقود إلى اندلاع حريق، ولكن درجة الحرارة كانت أقل من القدر اللازم لتليين الأعمدة الرأسية الداعمة. (وكما علَّل بعض الباحثين، لم تحظَ الطوابق التي دمَّرتْها الطائرة بالقدْر الكافي من التهوية للتنفيس عن حريق كبير ولم يَدُلَّ الدخان المتسرِّب من الفتحة التي خلفتها الطائرة على اندلاع حريق كبير.) وعوضًا عن ذلك، تسبَّب الحريق في تمدُّد طابق واحد أو أكثر وعوارضها الأفقية (الجمالونات). ونظرًا لأنَّ هذه الطوابق والعوارض الأفقية كانت مضغوطة، لم يكن بالإمكان أن تتمدَّد إلَّا من خلال الالتواء، وهو ما ضغط الأعمدة الرأسية الداعمة إلى الداخل. كان بالإمكان تعزيز هذا الضغط إلى الداخل، لو أن الأعمدة والعوارض الأفقية قد تمَّ تليينها بالحريق. وبمجرَّد أن تنضغط الأعمدة الرأسية إلى الداخل، فإنها لم تَعُد تدعم الجزء العلوي من المبنى الذي انهار بعد ذلك.
(٤٩) السقوط من ارتفاعات قياسية
فبراير ١٩٥٥: وقع جندي من قوات المظلَّات من ارتفاع ٣٧٠ مترًا (١٢٠٠ قدم) من طائرة طراز سي-١١٩ دون أن يتمكَّن من فتح مظلَّته. وسقط على ظهره في الجليد، مُحدِثًا حفرة وصَل عُمقها إلى مترٍ واحد. وعلى أثر هذا تمَّ نقلُه جوًّا إلى أحد المستشفيات، وتبيَّن إصابته بعدَّة كسور طفيفة وبضع كدمات فقط.
مارس ١٩٤٤: اكتشف الرقيب نيكولاس ألكيماد، ضابط المدفعية بالسلاح الجوي الملكي على متن قاذِفة قنابل طراز لانكاستر أثناء غارة جوية على ألمانيا، أنَّ طائرته مُشتعلة، وأنه غير قادر على الوصول إلى مظلَّته. وعقب قفزه من ارتفاع ٥٫٥ كيلومترات، اصطدم بشجرة ثم سقط على الجليد، ورغم ذلك لم يُصَب إلَّا بخدوش وكدمات.
الحرب العالمية الثانية: قرَّر آي إم شيسوف، ملازم أول بالقوات الجوية السوفيتية، أن يقفز من طائرته بمظلَّة حين هاجمته مجموعة طائرات ماسرشميت. ونظرًا لأنه لم يكن راغبًا في الوقوع ﻛ «فريسة سهلة» أمام الطيَّارين الألمان، قرَّر تأجيل القفز بمظلَّته حتى صار أسفلَهم مباشرةً. ولسُوء الحظ أنه فقد الوعي أثناء السقوط من ارتفاع ٧ كيلومترات. ولكن لحُسن الحظ أنه اصطدَم صدفةً بوادٍ مُغطًّى بالثلوج. وعلى الرغم من إصابته بسبب الاصطدام، عاد إلى الخدمة العسكرية بعد أقلَّ من أربعة أشهر.
وربما الأكثر غرابةً من ذلك هو الفقرة الاستعراضية التي قدَّمها هنري لاموث لفترة طويلة؛ حيث كان يسقُط ببطنِه من ارتفاع ١٢ مترًا في مغطس يصل عمق المياه به إلى ٣٠ سنتيمترًا فقط، ليصطدم بقوة تبلغ ٧٠ مرة ضعف وزنه. (الفقرة الاستعراضية خطيرة للغاية وينبغي ألا تُكَرَّر. وقد سمعتُ عن شابٍّ أحمق حاول أن يؤدِّي هذه الفقرة وانتهت به الحال بالإصابة بشلل امتدَّ من الرقبة حتى أسفل قدَمَيه.)
من الشائع أن تَتناقل وسائل الإعلام قصصًا عن الناجين من السقوط من ارتفاعات شاهقة (والكثير من الأخبار عن ضحايا هذا السقوط). السؤال هنا: لماذا يَنجو الناجون؟
والوقت الذي يستغرقه الاصطدام هو عامل أكثر أهمية؛ فإذا كان التصادُم «شديدًا»، فقد يَستمر من ٠٫٠٠١ إلى ٠٫٠١ ثانية، والقوة المُعيقة للضحية هي بالتأكيد قوَّة قاتلة. ولكن إذا كان الاصطدام «أخف» وطأة (أي إذا استغرقت الضحية وقتًا أطول للتوقُّف)، تكون القوة أقلَّ وقد تنجو الضحية من الموت. والسقوط على طبقة عميقة من الجليد قد يُطيل الاصطدام بالقدْر الكافي لتقليل القوَّة حتى مستوى النجاة. ويبدو أن عُمق ٣٠ سنتيمترًا من المياه كان كافيًا بالنسبة إلى لاموث لكي ينجو من الموت أثناء الغطس.
والضحية التي تسقُط برأسها على الأرض أكثر عُرضةً للموت مُقارنةً بأيِّ وضعية سقوط أخرى، وهذا بسبب الهشاشة الشديدة للعمود الفقري وجِذع الدماغ والدماغ.
(٥٠) إنقاذ جريء بالمظلَّة
في أبريل ١٩٨٧، أثناء القفز بالمظلَّات، لاحظ جريجوري روبرتسون أن رفيقتَه في القفز بالمظلَّة ديبي ويليامز قد فقَدت الوعي نتيجة اصطدامها بقافِزٍ آخَر وتعذَّر عليها فتح مظلَّتها. استطاع روبرتسون، الذي كان أعلى ويليامز بمسافةٍ كبيرة والذي لم يَفتح مظلته للقفز حتى ارتفاع ٤ كيلومترات، أن يَلحَق بويليامز ثم أمسك بها، بعد أن واكَب سُرعتها. فتح روبرتسون مظلَّتَها ثم حرَّر مظلَّتَها ومظلتَه قبل الاصطدام مباشرةً بعشر ثوانٍ. أُصيبَت ويليامز بإصابات داخلية شديدة بسبب انعِدام سيطرتها على الهبوط إلَّا أنها نجَت من الموت. كيف استطاع روبرتسون أن يُمسِك بويليامز؟
عندما لاحظ روبرتسون الخطر الذي يُهدِّد ويليامز، أعاد توجيه جسدِه بحيث يكون رأسُه متَّجهًا لأسفل وذلك لتقليل مقاومة الهواء ضدَّه؛ ومِن ثَمَّ يزيد سُرعته المتجهة إلى أسفل. وصلَتْ ويليامز التي كانت فقدَتْ سيطرتها أثناء السقوط مع وجود قدرٍ كبير من مقاومة الهواء ضدَّها، إلى سرعة حدِّية بلغت ١٩٠ كيلومترًا في الساعة. بلغ روبرتسون، بوضعيَّته الانسيابية، سرعة مقدارها ٣٠٠ كيلومتر في الساعة، ليلحق بويليامز وبينما كان يقترِب منها اتَّخذ وضعيةً أفقية بفرْد الساقَين والذراعَين لزيادة مقاوَمة الهواء ضدَّه وتقليل سُرعته لتصِل إلى سرعة ويليامز.
(٥١) سقوط القطط من ارتفاعات عالية
نادرًا ما ينجو البشَر من السقوط من ارتفاعات عالية، ولكن يبدو أنَّ للقطط حظًّا أوفر في النجاة. أُجريَت دراسة منشورة عام ١٩٨٧ على ١٣٢ قطة وقعَتْ عن طريق الخطأ من ارتفاعٍ يتراوَح بين طابقَين و٣٢ طابقًا (٦ أمتار إلى ٩٨ مترًا)، معظمها هبطت على سطحٍ خرساني. نجَت حوالي ٩٠٪ من القطط من المَوت ونجَت حوالي ٦٠٪ من الإصابة. والمُثير للاستغراب أنَّ درجة الإصابة (مثل عدد كسور العظام أو عدد الوفيات المؤكدة) تقلُّ مع زيادة الارتفاع، وذلك إذا كان السقوط من ارتفاع أكثر من سبعة أو ثمانية طوابق. (القطة التي سقطت من ارتفاع ٣٢ طابقًا لم تُصَب إلَّا بإصاباتٍ طفيفة في منطقة القفص الصدري وسنٍّ واحدة وأُطلِقَ سراحها بعد البقاء ٤٨ ساعة تحت الملاحظة.) لماذا تَحظى القطة التي تسقُط من ارتفاع أكبر بفرصة نجاة أكبر؟ (لا يُمكن ضمان النجاة من الموت بأي حال من الأحوال، ولذا إذا كنتَ تعيش في شقَّةٍ بناطحة سحاب، فاحرص على إبعاد قطتك عن أي نافذة مفتوحة.)
وحين تسقط القطة، تزداد قوَّة مقاومة الهواء الضاغطة إلى أعلى والواقعة على القطة. وإذا كان السقوط من عند حافة النافذة إلى الأرضية، لا تكون مقاومة الهواء كبيرة مُطلقًا. ولكن إذا كان السقوط لمسافة أطول، فربما تَصير مقاومة الهواء كبيرة بالقدْر الكافي لتقليل تَسارُع القطة نحوَ الأسفل. في الواقع، إذا كان السقوط من ارتفاعٍ أكثر من ستة طوابق، فقد تصير مقاومة الهواء كبيرة بالدرجة الكافية لتعادُل قوة الجاذبية الضاغطة إلى أسفل والواقِعة على القطة. تسقط القطة بعد ذلك بدون تَسارُع وبسرعة ثابتة تُسمَّى «السرعة الحدية».
وما لم تصل القطة إلى السرعة الحدية، فإنها ستَخاف من تَسارُعها وستُحافِظ على وضعية سيقانها أسفل جسدِها، استعدادًا للنزول على الأرض. (جسدك أيضًا حسَّاس للتسارُع أكثر من السرعة.) ولكن إذا وصلت القطة إلى السرعة الحدِّية، فإن التسارُع يَختفي وتسترخي القطة نوعًا ما، وتمدُّ سيقانها إلى الخارج على نحوٍ غريزي (من أجل زيادة مقاومة الهواء الواقعة عليها) إلى أن يتوجَّب عليها في النهاية الاستعداد للنزول على الأرض.
وبمجرَّد أن تفرد القطة أطرافها الأربعة، تزداد مقاومة الهواء تلقائيًّا، وهو ما يُقلِّل من سرعة القطة. وكلما زادت مسافة السقوط، قلَّت السرعة، إلى أن تصل إلى سرعة حدِّية جديدة ومخفَّضة تُقدر بحوالي ١٠٠ كيلومتر في الساعة. ولذا، فإن القطَّة التي تسقط من مسافة ١٠ طوابق مثلًا تصِل إلى الأرض بسرعةٍ أقلَّ ممَّا لو كانت تسقط مسافة ٥ طوابق وسيكون لها حظٌّ أوفر في النجاة من الإصابات الخطيرة.
(٥٢) الغَوص الأرضي والقفز بالحِبال
في جزيرة بنتوكوست في نيوهبريد، من اختبارات الرجولة المحلية القفز من منصَّة مُرتفعة نحوَ الأرض، مع الثِّقة في أنَّ حبلًا من أغصان الكروم مربوطًا حول كاحِلَي القافِز ومُثبَّت في أعلى المنصَّة سيوقِف السقطة قبل الوصول إلى الأرض. في مايو ١٩٨٢ أقدَم شابٌّ يافع على قفزة كهذه من ارتفاع يزيد عن ٨١ قدمًا. وقبل أن يُوقِفه الحبل المصنوع من أغصان الكروم، بلغت سُرعتُه نحو ٥٥ كيلومترًا في الساعة. وقد قُدِّرَ التسارُع الذي مرَّ به أثناء التوقُّف ﺑ ١١٠ مرات قدْر الجاذبية الأرضية. ولا تُوجَد تقارير عن الكيفية التي استطاع بها السَّير بعد ذلك.
ثمَّة نُسخة ألطف حِدَّة من القفز بأغصان الكروم، لكنها قد تؤدِّي إلى إصابات خطيرة أو إلى الموت، وهي القفز بالحِبال المعروف باسم قفز البانجي، وفيه يقفز الشخص من منصَّة مرتفعة وثمَّة حبل مطاطي مربوط بكاحِلَيه وبالمنصَّة. بدأت هذه الممارسة في الأول من أبريل (بالطبع!) عام ١٩٧٩ حين قفَز أعضاء بنادي الرياضات الخطيرة من فوق أحد الجسور في بريستول، بإنجلترا. إذا فرضْنا أنك أحد القافزين بالحبال (وبالطبع أنك توقَّفت عن السقوط قبل الوصول إلى ما يُوجَد بالأسفل، وهو ما لا يحدُث دائمًا)، فأين ستشعُر بالقدْر الأكبر من القوة والتسارُع؟ وإذا كنت خائفًا من التجربة وقررتَ استخدام نِصف طول حبل البانجي وحسب، فهل سيقلُّ القدْر الأكبر من القوَّة والتسارُع بمقدار النصف؟
التسارُع إلى الأعلى الذي يُوقِف القافز يكون أحيانًا كبيرًا بما يكفي بحيث يؤذي القافز. والعينان مُعرَّضتان للخطر بشكلٍ خاص لأنه في ظلِّ اندفاع الرأس إلى الأسفل خلال التوقُّف يُمكن لضغط الدم المتزايد في العينين أن يُسبِّب نزيفًا.
(٥٣) الاحتجاز داخل حُجيرة مصعد ساقط
يحدُث الأمر على حين غرَّة؛ فأنت في مصعد قديم غير مُزوَّد بأي منظومة دعم احتياطية، ويَنقطِع الكابل، ويسقط المصعد. ما الذي عليك فِعله كي تَزيد فُرَص بقائك حيًّا، حتى إن كانت هذه الفرص واهية؟ على سبيل المثال، أينبغي عليك أن تقفِز إلى الأعلى قبل ارتطام المصعد بقاع البئر؟
لا يُنصَح بالبقاء واقفًا؛ لأنَّ حينَها ستكون القوَّة موزَّعة على مساحة صغيرة، كمساحة المقطع العرضي لكاحِلَيك. وإذا كان الاصطدام عنيفًا فسينهار كاحِلاك ويَرتطِم جزعك بالأرضية.
أما عن القفز في اللحظة الأخيرة (بالتأكيد من المُستحيل تحديد التوقيت الصحيح وأنت في حُجيرة مُغلقة) فربما يُعدُّ أسوأ ما يُمكن فعله. فإذا قفزت إلى الأعلى في وقتٍ ما خلال السقوط، فستُقلِّل على الأرجح سُرعة هبوطك. افترض أن الحُجَيرة ارتدَّت من قاع البئر، حينها سيكون اتجاه حركتك إلى الأسفل بينما اتجاه حركة الحجيرة إلى الأعلى، وبعد ذلك … حسنًا، لا داعي للخَوض في تفاصيل مُرعِبة.
قصة قصيرة
(٥٤) ارتطام قاذفة قنابل بمبنى إمباير ستيت
في التاسعة وخمسٍ وأربعين دقيقة من صباح يوم السبت، ٢٨ يوليو ١٩٤٥، ارتطمت قاذفة قنابل تابعة للجيش الأمريكي من طراز بي-٢٥ بالطابقَين ٧٨ و٧٩ من مبنى إمباير ستيت بمدينة نيويورك بينما كانت تطير عبْر ضبابٍ كثيف. قُتل رُكاب الطائرة الثلاثة وعشرة عمال كانوا داخل المبنى، وجُرِح ٢٦ شخصًا آخرون. ولو وقَعَ الحادث في أحد أيام العمل العادية لكانت الحصيلة أعلى بكثير.
تسبَّب الاصطدام في انتزاع جناحَي القاذفة ودفْع بدنها ومُحرِّكَيها داخل المبنى، وهناك اشتعل الوقود وكان ساطعًا لدرجة أنَّ المشاهدين الموجودين في الشارع أمكنهم رؤيته رغم الضباب. مرَق أحد المُحرِّكَين من المبنى تمامًا وخرج من الجانب الآخر ليسقُط على سطح مبنًى من اثنَي عشر طابقًا، وهناك أشعل حريقًا آخر.
وحين ارتطمت القاذفة بمبنى إمباير ستيت فإنها ضربت واحدة من العوارض في منطقة المصاعد وأتلفتها هي وبعض كابلات المصاعد أيضًا. تسبب انفجار الطائرة في دفع واحدة من عاملات تشغيل المصاعد، كانت قد فتحت الباب للتوِّ في الطابق الخامس والسبعين، خارج المصعد ثم أمسَكَت بها النار بفعل الوقود المُحترِق الذي كان يتدفَّق نزولًا داخل بئر المصعد. أطفأ زميلان لها النار التي أمسكت بها، وبعد منحها الإسعافات الأولية رافقاها إلى مصعدٍ آخر، حيث وافقت زميلة لها من مُشغِّلي المصاعد على اصطحابها إلى الطابق الأول للحصول على مزيدٍ من المساعدة الطبية. وبمجرَّد إغلاق باب المصعد سُمعَت كابلات المصعد وهي «تنقطع مُصدِرةً صوتًا أشبَهَ بطلقة البندقية»، وسقطت حجيرة المصعد إلى قَبو المبنى.
كان عمال الإنقاذ الذين وصلوا إلى قَبو المبنى بعد وقتٍ قصير يتوقَّعون أن يجدوا شاغلتَي المصعد ميِّتَتَين. لكن بعد أن أحدثوا فتحةً في جدار القبو للوصول إلى الحُجيرة، وجدوا كِلا المرأتَين على قيد الحياة، وإن كانتا تُعانيان من إصابات جسيمة. لقد سقطت المرأتان أكثر من ٧٥ طابقًا، لكن يبدو أن أجهزة الأمان بالمصعد قد أبطأت سرعة الهبوط بما يَكفي بحيث تُقلِّل أثر الاصطدام بقاع البئر. لا تُوجَد تقارير عمَّا فعلته المرأتان خلال السقوط، لكن بسبب الخوف والارتجاج، أشكُّ أنهما ظلَّتا واقِفَتَين.
(٥٥) السقوط خلال الألعاب القتالية والهبوط خلال القفز بالمظلات
حين يُطرَح أحدهم أرضًا خلال ممارسة لعبة الجودو أو الآيكيدو، كيف يَنبغي عليه الهبوط من أجل تقليل احتمالات تعرُّضه للإصابة؟ وكيف يتمكَّن المصارِعون المُحترِفون من تجنُّب الإصابة حين يُلقُون بأنفسهم أو يلقي بعضُهم بعضًا على حلبة المصارعة؟ في أيٍّ من هذه الحالات، لو لم يسقُط الشخص بصورة سليمة، ثمَّة احتمال كبير أن تتعرَّض عظامه للكسْر أو تتعرَّض أعضاؤه الداخلية للإيذاء.
كيف ينبغي على المِظَلِّي أن يهبط بحيث يُقلِّل خطر تعرُّضه للإصابة؟ فرغم أنَّ المظلَّة تُقلِّل كثيرًا من سرعة الهبوط إلا أن هذه السرعة لا تزال ملحوظة، وهي تعادل القفز من نافذة بالطابق الثاني.
يتدرَّب المظلِّي على السقوط والتدحرُج، أولًا عن طريق لمس الأرض بأخمصَي القدم، ثم ثنْي الركبتَين والاستدارة بحيث يَهبط على جانب الساق، وفي النهاية على الجانب الخَلفي للصدر. لهذا الإجراء مزيتان؛ فهو يُطيل مدَّة الاصطدام (ومن ثَم يُقلِّل القوة المؤثِّرة على المظلِّي) كما ينشر قوة الاصطدام على مساحةٍ كبيرة. وإذا هبط المظلِّي واقفًا، فمن المُرجَّح أن يؤدِّي الضغط الواقع على عظام الكاحِلين إلى كسر العظام.
(٥٦) فِراش المسامير
أدخلتُ عرض فراش المسامير في تعليم الفيزياء بعد أن رأيتُه كجُزء من عرض نظري للعبة الكاراتيه. تتألَّف نُسختي من العرض من جزأين؛ في الجزء الأول أرقد عاريَ الجذع بين فِراشَين من المسامير يقِف أعلاهما شخصٌ أو شخصان. ورغم أن المسامير تُؤلم فإنها نادرًا ما تخترق جسدي. ما العامل الذي يُقلِّل خطر الاختراق؟
في الجزء الثاني أستلقي مُجدَّدًا بين فِراشَين من المسامير ويضع مساعدٌ لي قالبًا خرسانيًّا على الفِراش العلوي ثم يُحطمه بمطرقةٍ ثقيلة. هذا الجزء خطير لعدَّة أسباب؛ أحدُها هو الحطام الذي يمكن أن يُصيب العينَين أو الأسنان. (ذات مرة قدَّمتُ «عرض السيرك الجوال» وكان عرض فِراش المسامير هو الفقرة الختامية فيه، غير أنَّ مُساعدي المُعتاد لم يتمكَّن من الحضور؛ ومن ثَمَّ استعنتُ بالأستاذ الذي كان قد وجَّه لي الدعوة. وقد ضرب المطرقة بقوةٍ لكنَّه ارتطم بالقالب الخرساني بزاويةٍ جعلت مُعظم قطع الخرسانة تندفع نحو وجهي. اخترقتْ إحدى القطع ذقني وحين نهضتُ مترنِّحًا كي أُلقي تعليقاتي الختامية كان الدم يتدفَّق بغزارةٍ على جسدي وبنطالي وحذائي. لم يَحدُث مطلقًا أن مررتُ بنهايةٍ درامية لأحد أحاديثي كهذه النهاية، أو بمثل هذه الاستجابة من الجمهور.) لماذا يكون استخدام قالبٍ كبير أكثر أمانًا من استخدام قالبٍ صغير؟
إن القالب الكبير الذي يُهَشَّم لا يضيف بريقًا مسرحيًّا إلى العرض وحسْب، وإنما يزيد أيضًا من الأمن بثلاث طرق: (١) إذا كنتُ سأُضغَط بشدة، فإن القالب الموضوع بالأعلى يجب أن يَتسارع حينها بقوة إلى الأسفل، والقالب الأكبر سيُقلِّل التسارُع بسبب كتلته الأكبر. (٢) أغلب طاقة المطرقة الثقيلة تعمل على تَفتيت القالب ولا تدخل في حركة الفراش. (٣) حقيقة تفتُّت القالب تعني أنَّ وقت الاصطدام يكون أطول مما عليه الحال لو لم يكن القالب موجودًا؛ ومِن ثم تكون القوة في عملية الاصطدام أصغر ممَّا ستكون الحال عليه خلاف ذلك. حين قدمت عرض فراش المسامير للمرة الأولى في الفصل الدراسي استخدمتُ قالبًا صغيرًا بدلًا من قالب كبير. وقد تسبَّبت صدمة المطرقة التي ضربها مساعدي في رقودي مصعوقًا من الألم على الأرض لعدة دقائق.
(٥٧) ملاعق مُعَلَّقَة
نظِّف ملعقة خفيفة ونظِّف جلد أنفك، ثم ازفر برفقٍ في السطح الداخلي للمِلعقة ثم ضعها بحيث يرتكز ذلك السطح على أنفك. اختبر الالتصاق عن طريق تغيير وضعية المِلعقة ثم التخلِّي عنها جزئيًّا. حين تشعُر أنها التصقَت اترُكها. وهكذا صار لدَيك ما أردتَه دومًا؛ ملعقة تتدلَّى من فوق أنفك. من يستطيع مقاومتك الآن؟
لماذا تتعلَّق المِلعقة؟ كيف يساعد الزفر فيها أولًا؟ هل يُمكنك تعليق ملاعق على أجزاء أخرى من وجهك، أو على أجزاء أخرى من جسدك إذا كنتَ ممَّن يُفضِّلون ذلك الأمر؟
كم من الوقت تَستطيع إبقاء المِلعقة مُعلَّقة على أنفك؟ طالما زعمتُ أن رقمي القياسي هو ساعة و١٥ دقيقة، وحققتُه في مطعم فرنسي في تورونتو. ومع ذلك، فالحقيقة هي أن ذلك كان في استراحة للشاحنات في يونجستاون بولاية أوهايو؛ حيث اقترح عليَّ عضو ضخم الجثة بعصابة للدرَّاجات النارية أن المِلعقة ستُعلَّق على نحوٍ أفضل لو أنه أعاد تشكيل ملامح وجهي.
(٥٨) آثار الصخور المُتحركة
أحيانًا تترك الصخور الموجودة في قِيعان البُحيرات الجافة المُنتشرة في ولايتي كاليفورنيا ونيفادا آثارًا طويلة تمتدُّ عبْر أرضية الصحراء اليابسة. ربما تمتدُّ الآثار لمسافة عشرات الأمتار، وقد تصِل كتلة الصخور إلى ٣٠٠ كيلوجرام. ما سبب هذه الآثار؟ هل تُحاول الصخور صُنع مخرجٍ للهروب من كازينوهات القمار الموجودة في لاس فيجاس؟ هل يُدحرجها شخص غريب الأطوار على طول الطريق؟ بصرْف النظر عن السبب، من الصعب حتمًا صنع هذه الآثار لأنَّ الاحتكاك بين الصخرة والأرض الصحراوية كبير بلا شك.
ثمة نظرية أخرى تقول إنَّ الصخور تترك أثرًا حين تدفعها الرياح أثناء هبوب عاصفة مُمطرة نادرة على المنطقة. وبمجرَّد أن تصير الأرض زلِقة بفعل المياه، تستطيع عاصفة الرياح أن تدفع أو تُدحرج الصخر على الأرض بحيث يترك أثرًا. يكون الاحتكاك بين الصخر والأرض في أقلِّ مستوياته حين تكوِّن المياه طبقة رقيقة من الطين فوق أساس صُلب. وربما تَدفع عاصفة من الرياح على نحوٍ مُفاجئ صخرة من وضعيَّتها المُعتادة. وبمجرَّد أن تتحرَّك الصخرة، ستحتاج إلى قوة أقلَّ لمواصلة التحرُّك.
(٥٩) العُقَد
وفي عقدة الوتَد، يلتفُّ الحبل حول العصا في «لفَّتَين مُطوِّقتَين». يقع طرف الجزء الملفوف الأقرب إلى الطرف الحُر تحتَ ضغطٍ ضئيل، بينما يقع الطرف الآخر تحت ضغطٍ أكبر. وإذا كان هذا الجزء ثابتًا، يجِب أن يكون الاحتكاك بين الحبل والعصا كبيرًا بالدرجة الكافية لتحمُّل الفارق في الضغط بين الطرَفَين.
في النهاية، يمرُّ الحبل عبْر لفَّة مُتقاطعة أخرى. وعلى الجانب الآخر، يقع الحبل تحت وطأة ضغط، أيًّا ما كانت درجته، يتسبَّب فيه الثقل. فإذا كان الجزء العلوي من اللفة المُتقاطعة يضغط على الجزء السفلي بالقوة الكافية، تكون اللفة المتقاطعة ثابتة.
هكذا، تُوجد ثلاثة شروط للاحتكاك الواقع على النقاط الموجودة على طول الحبل المُستخدَم في عقدة الوتَد. فإذا كانت اللفَّات المُتقاطعة أو المطوِّقة قوية بشكلٍ خاص، فإن العقدة ستشتدُّ بوجود أيِّ ثقل. ولكن إذا كان أيٌّ منها ضعيفًا، ستنفكُّ العقدة إذا كان الثقل كبيرًا بالقدْر الكافي. تنفكُّ أنواع أخرى من العُقَد بسبب الثقل الكبير رغم قوَّة اللفَّات المُتقاطعة واللفَّات المُطوِّقة، بينما تشتدُّ بعض العُقَد تلقائيًّا لتتوافق مع أيِّ ثقل، حينئذٍ لا يمكن أن تنفكَّ إلا إذا قُطِع الحبل الموجود بين العُقدة والثقل.
(٦٠) تسلُّق الصخور
يمكن تسلُّق صدع عمودي ضيِّق تَبرُز فيه الصخور على جانبٍ واحد أكثر من بروزها على الجانب الآخر باستخدام أسلوب «الاستلقاء على الظهر»، وفيه تَعتلي الجانب المقابل للصخور البارزة، وتُمسِك بيدَيك جانب الصدع القريب، وتَضغط قدمَيك على الجانب المقابل. هذا الأسلوب مُرهق للغاية بسبب الشدِّ العضليِّ الذي تشعُر به في ذراعَيك. فإذا كنت ترغب في تقليل الشد، فإلى أيِّ مدًى يَنبغي عليك أن تخفض قدَمَيك بعيدًا عن يدَيك؟
- (أ)
إذا وجدت، أثناء تسلُّق سطحٍ صخري عمودي، ممرًّا صخريًّا ضيقًا عند مستوى القدم، فهل ينبغي عليك أن تضغط مُقدِّمة حذاء التسلُّق أم جانب الحذاء على هذا السطح؟
- (ب)
افترِض أنك تُواجِه كتلةً صخرية مُنحدِرة بشدَّة يمكنك الوقوف عليها مُنتصبًا. هل تكون أكثر ثباتًا إذا انحنَيت ووضعت يدَيك على الكتلة الصخرية لتولِّد قدرًا من الاحتكاك على يدِك؟
- (جـ)
إذا التقتْ كُتلتان مائلتان بزاويةٍ حادَّة، فهل من الأسلم أن تتسلَّق مباشرة كتلةً واحدة من الكُتلتَين أم تتسلَّق عبْر نقطة الالتقاء؟
- (د)
كيف يُمكنك أن تتشبَّث بشقوق رأسية بالصخور دون أن تستعين بأسلوب الاستلقاء على الظهر؟
- (هـ)
لماذا يَغمِس المُتسلِّقون أصابعهم مرارًا في كيسٍ موجود بأحزمتهم ليُغطُّوا أصابِعَهم بالطباشير؟
- (و)
في أثناء التسلُّق باستخدام الحبل، يمرُّ الحبل عبْر حلقة تسلُّق أو أكثر (وهي عبارة عن حلقات معدنية مُثبتة في الصخور) لتيسير الطريق على مُتسلِّق آخر. هل ينبغي عليك أن تستخدِم حبلًا يتَّسِم بقدرٍ كبير من المُرونة أم حبل يكاد يخلو من المرونة؟
- (ز)
تتمثَّل ميزة استخدام حلقات التسلُّق في أنَّ المُتسلِّق يُمكنه السقوط لمسافة مُعيَّنة فقط إلى الحلقة التالية مباشرة. ورغم ذلك، ثمَّة خطورة طفيفة مُتمثِّلة في احتمالية تمزُّق الحبل وهو يتمدَّد أثناء الهبوط. يعتقد الكثير من مُتسلِّقي الصخور المُبتدئين أنَّ هذه الخطورة مرهونة بارتفاع المُتسلِّق فوق آخِر حلقة قبل الهبوط مباشرةً؛ فكلَّما كان هذا الارتفاع كبيرًا، تمدَّد الحبل أكثر وصار خطر تمزُّق الحبل أكبر. لماذا يُعتبَر هذا الاعتقاد خاطئًا؟
- (ﺣ)
بعض أنواع العناكب تستخدِم في تسلُّقها خيط أمان من الحرير، يُسمَّى خيط السَّحب، والذي من شأنه أن يُساعدها في الهبوط بأمان. ومن المُثير للدهشة أن خيط السَّحب هذا يتَّسم بقدرٍ قليل من المرونة ولا بدَّ أن ينقطع حتى وإن هبط العنكبوت بسرعة مُعتدلة. لماذا، إذن، ينتج العنكبوت خَيط السَّحب؟
- (ط)
يُعاني الكثير من المُتسلِّقين المحترفين آلامًا مُزمنة على طول أصابعهم، وبعض المُتسلِّقين يُعانون أيضًا من تورُّمٍ ملحوظ في راحة اليد ناحية الإصبع المُصاب؛ وذلك عند تحريك الإصبع ناحية راحة اليد. ما الصِّلة التي تربط بين التورُّم والألم وفيزياء التسلُّق؟
في أسلوب «تسلُّق المداخن»، ثمَّة موضع أفضل للأقدام إذا كنتَ ترغب في تقليل الضغط اللازم من جانب القدمَين والكتِفَين على الصخرة. وبوجهٍ عام، يُمكنك أن تُحقِّق هذا من خلال وضع قدمِك في وضعية مُنخفِضة نوعًا ما ثُمَّ تقلِّل الضغط الذي تبذُله حتى تكون قدماك على وشْك الانزلاق. وإذا رفعتَ قدمَيك بينما تُواصِل قدماك الانزلاق، فأنت تُقلِّل بهذا الضغط اللازم بدرجةٍ أكبر. ورغم ذلك، فهذا التصرُّف يزيد الاحتكاك المطلوب اللازم عند الكتِفَين لأنَّ الاحتكاك عند القدَمَين صار الآن أقل، ويجِب أن يكون إجمالي قوى الاحتكاك مُساوية دومًا لوزنِك إذا كنتَ لا تُريد أن تَسقُط. إذا واصلتَ تبديل قدمَيك لأعلى حتى يَصير كتفاك على وشْك الانزلاق، تكون بذلك قد وصلتَ إلى الوضعية التي تستلزِم أقلَّ ضغطٍ على الصخر.
ولأسلوب التسلُّق بالاستلقاء على الظهر موضعٌ أفضل للقدَمَين بحيث يقلُّ الشدُّ العضلي في الذراعين. ابدأ بوضع القدَمَين في مكانٍ مُرتفِع واخفضهما تدريجيًّا أثناء تقليل الضغط. وعندما تخفضهما بالقدْر الكافي حتى تكونا على وشْك الانزلاق، يكون الضغط في أقلِّ مُستوياته.
- (أ)
يُكتسَب أقلُّ قدرٍ من الجهد باستخدام جانب الحذاء. ومن أجل تَثبيت القدَمين، لا بدَّ أن تقاوِم عضلات الساقَين عزم الدوَران من خلال القوى المبذولة على السطح الصخري. ويكون عزم الدوَران أكبر عند استخدام مُقدِّمة الحذاء لأنَّ المسافة بين إصبع القدم وعظمة الساق أكبر من المسافة بين جانب القدَم وعظمة الساق.
- (ب)
كقاعدة عامَّة، ستكون أكثر ثباتًا إذا وقفتَ مُنتصبًا. بكل بساطة قد يتطلَّب الانحناء الكثير من الاحتكاك عند القدَمَين؛ ومِن ثَمَّ قد تنزلقان. كما أنك تكتسِب قدرًا يسيرًا من الاحتكاك من خلال يدَيك، إذا ما بالغتَ في الانحناء إلى الأمام، قد يتسبَّب الاحتكاك المتولِّد عليهما في انزلاقهما لأسفل على المُنحدَر وهو ما يُؤثِّر على ثباتهما.
- (جـ)
تسلَّق من عند نقطة الالتقاء لأنها بالضرورة أقلُّ ميلًا من أيٍّ من الكُتلتَين.
- (د)
قد يُوفِّر الكثير من الشقوق الرأسية الدعم والارتكاز إذا أمكنَك تثبيت أصابعك أو يدِك أو ذراعِك أو قدمِك أو ساقِك عليها ثم الضغط على الجانبَين.
- (هـ)
يَستخدم المُتسلِّقون الطباشير لامتصاص الرطوبة من أطراف الأصابع وهو ما يُوفِّر لهم مسكًا مُحكمًا للسطح الصخري. ثمَّة اعتقاد شائع مَفادُه أن الرطوبة تقلِّل الاحتكاك الثابت (الاستاتيكي) بين الأصابع والصخرة، وهكذا ينبغي أن يُعيد الطباشير الاحتكاك مرة أخرى إلى قيمة البشرة الجافة. ورغم ذلك، كشفت إحدى الدراسات أنَّ الطباشير «يُقلِّل» فعلًا الاحتكاك لسببَين؛ أولًا: عند تجفيف البشرة، يُقلِّل الطباشير تَقَيُّد أطراف الأصابع. ثانيًا: تنساب ذرَّات الطباشير من طبقةٍ زلقة بين أطراف الأصابع والصخرة. ومع ذلك، لا يزال الطباشير خيارًا مُفضَّلًا بشدَّة بين مُتسلِّقي الصخور؛ ولكن الأمر يتطلَّب المزيد من الدراسات.
- (و)
يستخدم مُتسلِّقو الصخور (على النقيض من مُكتشفي الكهوف) حبلًا يتمدَّد على نحوٍ كبير تحت الضغط، بحيث إذا وقَعْت، لا تتوقف فجأة عند نهاية مسافة السقوط ولا تكون القوة المُعيقة لك هائلة؛ فحين يبدأ الحبل يتمدَّد، تحكُّ بعض المواد المصنِّعة للحبل بعضها بعضًا وتَصير أكثر دفئًا، ومُعظم طاقة الوضع والطاقة الحركية التي تَفقِدها أثناء السقوط ينتهي بها المطاف بالتخزين كطاقةٍ حرارية داخل الحبْل.
- (ز)
يعرف المُتسلِّقون المُتمرِّسون أنَّ خطورة تمزُّق الحبل تتوقَّف على «معامل الهبوط» «٢أ/ط»؛ حيث إنَّ «أ» هو ارتفاع المُتسلِّق فوق أعلى حلقةٍ معدنية و«ط» هو طول الحبل بين المُتسلِّق والموضع الذي يُثبت فيه الحبل، عند «ممسك حبل السلامة» على الأرجح. وبناءً على قيمة كلٍّ من «أ» و«ط»، ربما يكون معامل الهبوط عاليًا على نحوٍ خطير حين يكون «أ» قليلًا و«ط» قليلًا أيضًا. وعندما يهبط المُتسلِّق وتزداد قيمة (ط)، لا تكون قيمة (أ) على نفس القدْر من الخطورة.
- (ﺣ)
عندما يصِل العنكبوت إلى طرف خَيط السَّحب أثناء الهبوط، فإن القوة الواقعة عليه من خَيط السحب تجذب المزيد من النسيج من المِغزال الموجود في العنكبوت. والقوة الواقعة على العنكبوت من خَيط السحب ليسَت شديدة للغاية لتمزُّق خيط السحب عند وصول العنكبوت لنقطة توقُّف.
- (ط)
يُصيب الكثير من مُتسلِّقي الصخور أصابعهم عندما يُمسكون بها في وضعية «التشبُّث»؛ حيث يضغط المُتسلق بأصابعه الأربعة ليُحكِم مَسكته بنُتوء علوي مَحدود. وحين يكون وزن المُتسلِّق مدعومًا بأكمله بهذه الطريقة، قد تتضرَّر الأصابع. ولا سيما حين تُمسك الأصابع بالمكان من خلال الأوتار التي تمرُّ عبْر الغُمَد الإرشادية، التي يُطلَق عليها الغُمَد الوَتريَّة، المُتَّصلة بعظام الإصبع. فإذا كان الوزن بالكامل مدعومًا بالأصابع، فإن القوى المطلوبة من هذه الأوتار قد تُمزِّق الأوتار عبْر الغُمَد الوَتريَّة. بعد ذلك، لا يُعاني المُتسلِّق من ألَمٍ في الأصابع وحسب، بل ويُعاني أيضًا من تورُّمٍ ملحوظٍ عندما تتشبَّث الأصابع لأنَّ الأوتار لم تَعُد مشدودةً لتكون مُلتصقة بالعظام.
(٦١) كباش الجِبال الصخرية وتسلُّق الصخور
يَرتدي مُتسلِّقو الجبال أحذيةً ذات نعالٍ خاصَّة لاكتساب قوًى احتكاكية كبيرة بين الحذاء والصخور التي يتسلَّقون عليها. وإذا كانت الصخور مُبتلَّة، يمكن أن يصير التسلق خطيرًا. بالطبع، يُواجِه الكثيرون منا صعوبة أثناء السير على أرضية مُبتلَّة دون حدوث انزلاق. لا تَرتدي كباش الجبال الصخرية أحذيةً ذات نِعال خاصة إلا أنها تستطيع تسلُّق المنحدرات الصخرية بدون حِرصٍ بالغ حتى وإن كانت الصخور مُبتلَّة أو مُغطَّاة بالطحالب. فكيف تتشبَّث الكباش بالصخور؟
(٦٢) نَقْل التماثيل بجزيرة القيامة
نحَتَ أهل جزيرة القيامة القدماء مئات التماثيل الحجرية الضخمة في محاجرهم الخاصة ونقلُوها إلى مواقع أثرية في مختلف أنحاء الجزيرة. كيف تمكنوا من القيام بذلك باستخدام وسائل بدائية؟
(٦٣) نَصْب ستونهنج الأثري
كيف نُقلت ورُفعت الكتل الحجرية لنَصب ستونهنج الأثري، الصرْح الميغليثي الموجود بسهل ساليسبري بإنجلترا، إلى موقعه الحالي؟ أعمدة «السارسين» هي الكتل الحجَرية الضخمة المُنتصِبة؛ و«الأعتاب» هي الكتل الحجرية الأصغر حجمًا التي تُباعِد بين عمودَين من السارسينز.
ثمَّة إجراء من المُرجَّح أكثر أنَّ البنَّائين القُدامى قد استعانوا به وتمثَّل في رفع كتلة حجرية على مِزلَجة مكوَّنة من جذوع خشبية مربوطة معًا. ثم يَجرُّ المزلجةَ مجموعات من الأفراد أو حيوانات السُّخرة التي تجذب الأحبال، ويُيَسِّر إحراز التقدم في هذا الصدد سكب الشحم على الأرضية أمام مجرى المِزلَجة. وقد حرَّك بعض الهواة في العصر الحديث كتلًا حجرية بهذه الطريقة أيضًا.
(٦٤) رفْع أحجار الأهرامات المصرية
تَعيَّن على بناة الأهرامات المصرية نقل الأحجار (التي يَزن الواحد منها في المتوسط ٢٣٠٠ كيلوجرام وبلغ وزن بعضها ١٤٠٠٠ كيلوجرام) من المَحْجر إلى المزالج، التي تتحرَّك بعد ذلك إلى خارج المَحجَر. كيف أمكن نقلُ الأحجار دون الاستعانة بماكينات أو أنظمة بكرات أو أدوات مزوَّدة بعجلات؟
ربما لعِبَت الطريقة التالية دورًا في الأمر: يُثبَّت الحجر بوتدٍ إلى أعلى لتُتيح لعدة أعمدة مَرِنة أن تُوضع أسفل منه، بحيث تمتدُّ إلى خارج جانبَي الحجَر المُتقابلَين. ثم يُرفَع الطرف الظاهر لعمود أو أكثر لمسافة ضئيلة (لنقل نصف سنتيمتر) ويُثبَّت في المكان بمادة قوية تُدَسُّ تحت الأطراف. ويُكرَّر الإجراء بعد ذلك مع أكثر من عمود، إلى أن تُرفَع جميع الأعمدة بالقدْر نفسه. وبذلك يكون الحجَر على ارتفاعٍ أعلى. كيف أتاح هذا الأسلوب لبضعة أشخاصٍ أن يرفعوا وزنًا ضخمًا، ولماذا تُمثِّل مرونة الأعمدة أهمية؟
في موقع الأهرامات، كيف استطاع العمَّال أن يرفعوا الأحجار إلى موضعها على الهرَم؟ بالأحرى، هل استُخدِمَت مُنحدَرات ترابية؟
بينما يمكنك، باستخدام الأعمدة المرِنة، أن ترفع طرف أيِّ عمود من الأعمدة بقوةٍ أقلَّ كثيرًا من وزن الحجَر. ويرجع السبب في ذلك إلى أنه حين يُرفَع الطرف، لا يتحرَّر الحجَر من الأعمدة الأخرى التي تُواصِل دعمه.
ولرفع الحجارة في موضعها على الهرَم، ربما استعان العمال بمُنحدَرات تُرابية، إما على جانب الهرم مباشرةً أو حول الهرم في مسار حلزوني. فمن المُرجَّح أنَّ مجموعة من الرجال سحبوا الحجارة لأعلى المُنحدَر باستخدام الحبال، مُستخدِمين المياه لتقليل الاحتكاك بين الحجارة ومسارها. قد يُقلِّل الصعود التدريجي القوة اللازمة ومِن ثَمَّ يُقلِّل العدد اللازم من الرجال لرفع حجَر. وعلى الرغم من ذلك، وبقدْر ما تبدو تلك الحقيقة مُغرية، ربما كانت المُنحدَرات ضخمة (يبلغ طولها حتى ١٫٥ كيلومتر) وسحب حجر ضخم عند زاوية منحدر حلزوني ربما كان بطيئًا ومُجهدًا.
(٦٥) لعبة اللفائف المُتَّصِلة (سلانكي)
لعبة اللفائف المُتَّصِلة هي لعبة يدَوية حركية شهيرة من إنتاج شركة بووف سلانكي، يُمكن أن تجعلها تتحرَّك إلى أسفل (لعلَّ تَقفِز لأسفل هو الوصف الأدق) لعدَّة درجات من السُّلَّم. فأنت تضع اللفائف عند أعلى درجة، وتجذِب أولى حلقات اللفائف إلى أعلى ثم إلى أسفل لتَنتقِل الحركة إلى الدرجة الثانية، ثم تتركها. تهبط اللفائف إلى أسفل حتى تصِل إلى آخر درجةٍ بشرط أن تكون أبعاد الحلقات مُلائمة. والوقت الذي تَستغرقه لعبة اللفائف المُتَّصِلة لتصل إلى آخر درجة بالأسفل يتوقَّف على عدد الحلقات (ولعلك تُرتِّب اللفائف لتتجاوز درجتَي سُلَّم في كلِّ مرة) ولكن الوقت لا يتوقَّف على ارتفاع كلِّ درجة سُلَّم. (فاللفائف تتحرَّك لأسفل عبْر درجاتٍ عالية ودرجات مُنخفِضة في الوقت نفسه.) كيف تُحقِّق لعبة اللفائف المُتَّصلة هذه الحركة؟
ويُعزى نجاح لعبة اللفائف المُتصِلة في نزول درجات السلم (وبالبطء الكافي الذي يُمكِّنك من رؤية الحركة التنازلية) إلى المقطع العرضي المُستطيل الخاص بسلك اللفائف. ويُقلِّل ذلك التصميم — المُسجَّل كبراءة اختراع باسم ريتشارد تي جيمس في عام ١٩٤٧ — النسبة بين صلابة الحلقات وكتلتها مُقارنة بالسلك ذي المقطع العرضي الدائري؛ فالنسبة الأقل تُسفِر عن سرعةٍ أقلَّ للمَوجة التي أطلقتها على طول الحلقات. واللفائف البلاستيكية، ذات النسبة المختلفة، ومِن ثَمَّ سرعة الموجة المُختلفة، تتحرَّك بنصف سرعة لفائف السلك الفولاذي.
وبالنسبة لأيٍّ من النَّوعين، يتحدَّد الوقت الذي تستغرقه لعبة اللفائف في هبوط درجات السلم من خلال نسبة الصَّلابة إلى الكتلة، لا ارتفاع درجة السلم. ففي الدرجات القصيرة، تنتقل المَوجة ببطء، وفي الدرجات العالية تَنتقِل الموجة على نحوٍ أسرع، والوقت الذي تستغرقه الموجة لقطع مسافة لعبة اللفائف بأكملها هو نفس الوقت المُستغرق لقطع مسافة درجتي سلم.
(٦٦) بُرج المُكعَّبات المائل
باستخدام المُكعَّبات أو الكتب أو قطع الدومينو أو البطاقات أو العُملات المعدنية أو أيِّ مجموعة أخرى من الأغراض المُتماثلة، كوِّن كومة تمتدُّ بداية من حافة الطاولة. بالنسبة لأي عدد من الأغراض، ما الترتيب الذي يضمَن أقصى تعلُّق في الهواء (المسافة الأفقية بداية من حافة الطاولة وحتى أبعد نقطة على الكومة)؟ افترض أنَّ الكومة مكوَّنة من قطع الدومينو بارتفاع «ط». كم عدد القطع اللازمة لتكوين كومة معلَّقة في الهواء بارتفاع «ط»؟ وماذا عن كومة بارتفاع «٣ط»؟
وبالاستعانة بمجموعة كاملة تتكوَّن من ٢٨ قطعة دومينو، قُم ببناء قنطرة تملأ الفراغ بين طاولتَين لهما ارتفاعَان مُتماثلان. ما الترتيب الأمثل الذي يضمن أقصى استغلال للمساحة؟
مكعَّبات الليجو (حقوق الطبع والنشر محفوظة لشركة وام-أوه) هي لعبة مكعَّبات بلاستيكية صغيرة. على طرفٍ واحد من الجوانب الفسيحة للمكعَّب تُوجَد أربع فتحات وعلى الجانب المقابل تُوجَد أربعة نتوءات قصيرة. ويُمكن رصُّ مكعَّب واحد فوق آخر بحيث تَلتصِق الجوانب الأربعة كلٌّ منها بالآخر، أو يُمكن إزاحة المُكعَّب العُلوي حتى نصف طول المكعَّب السُّفلي بحيث يلتصِق جانبان فقط من الأربعة. افترض أن «س» هو نصف طول المكعب، و«ع» هو عدد المُكعَّبات الموجودة لدَيك. كم عدد الأبراج الثابتة (القائمة بذاتها) التي يُمكنك أن تُكوِّنها من جميع أعداد المكعَّبات «ع»؟
تخيَّل برجًا كلُّ مكعَّب فيه، باستثناء المكعب الأدنى، مرصوص إما مباشرة فوق مكعب آخَر أو تمَّت إزاحته ناحية يَمين المكعَّب الموجود أسفل منه. ما هو الحد الأدنى لعدد المكعَّبات اللازم لتكوين بُرج مُعلَّق مكوَّن من «٤س» مثلًا؟ هل تُوجَد طريقة أكفأ لرصِّ المُكعَّبات للحصول على نفس البُرج المعلَّق؟
ارتفاع البُرج المعلَّق | عدد قطع الدومينو المطلوبة |
---|---|
ط | ٤ |
٢ط | ٣١ |
٣ط | ٢٢٧ |
٤ط | ١٦٧٤ |
لا تُوجَد حدود من الناحية النظرية لهذا الترتيب الخاص بقطع الدومينو، وإنما حدود عملية وحسب.
ويساعد الثقل الموازِن أيضًا إذا كنت ترغب في بناء قنطرة بمجموعة كاملة مكوَّنة من ٢٨ قطعة دومينو. فإذا كان الجانبان الأيسر والأيمن مدعومَين ذاتيًّا، فقد تصِل المساحة إلى حوالي «٣٫٩٧ط»، إلا أنه يُوجَد تصميم واحد على الأقل لا يكون فيه الجانبان مدعومَين ذاتيًّا على نحوٍ مُستقل ويشغل مساحة «٤٫٣٥ط» تقريبًا.
وجميع الأبراج المُعلَّقة والقناطر يُمكن التوسُّع فيها إذا رتَّبت قطع الدومينو في خطوط قُطرية، بدلًا من ترتيبها على حوافها الطويلة، بحيث تكون مُتعامِدة على حافة الطاولة.
وبالاستعانة بثلاثة مكعَّبات ليجو، يُمكنك أن تبني خمسة أبراج مُختلفة (باستثناء ترتيبات الصورة المعكوسة) وأربعة منها تكون ثابتة تمامًا. يكون بُرج واحد ذا ثباتٍ هامشي، وأقلُّ اضطراب يُطيح به لأنَّ مركز الكتلة يقَع على خطٍّ يمرُّ عبْر حافة المكعَّب الأدنى. والحد الأقصى لارتفاع البُرج المُعلَّق هو «٢س» (طول المكعب) ذلك بالنسبة إلى البرج ذي الثبات الهامِشي، و«س» بالنسبة إلى الثلاثة الأبراج الأخرى، وصفر بالنسبة إلى أكثر الأبراج ثباتًا (والمَبنية على خطٍّ مُستقيم).
(٦٧) بُرج بيزا المائل
بدأ البرج الشهير في مدينة بيزا، بإيطاليا، يَميل ناحية الجنوب خلال تشييده الذي استغرَق قرنَين من الزمان. وأخيرًا عندما أُضيفت غُرفة جرس الكاتدرائية أعلى المبنى، وُضِعَت في وضْع عمودي على أمَل أن تُوقِف ميل بقية المبنى. (إذا رأيتَ البُرج نفسه أو صورة فوتوغرافية له، فستُلاحظ أن غرفة جرس الكاتدرائية تُعطي للبُرج شكل ثمرة الموز.)
أغلق البُرج أبوابه أمام السيَّاح لسنواتٍ عديدة بعد انهيار بُرج آخر بمدينة بافيا؛ مُسفرًا عن مقتل أربعة أشخاص. ولكن هل كان بُرج بيزا على وشْك الانهيار فعلًا؟ على أيِّ حال، كان البرج يَميل نحو الجنوب بزاوية أكثر قليلًا من خمس درجات، وعلى الرغم من أن الميل كان يزداد سنويًّا، فإنَّ الزيادة لم تتعدَّ ٠٫٠٠١ درجة في كلِّ عام. فإذا كان البرج سينهار، أفلا يعني هذا حتميَّة تحرُّك مركز كتلة البُرج بعيدًا عن القاعدة؟ وهذا لن يحدُث قبل مرور فترة طويلة.
(٦٨) إسقاط قِطَع الدومينو
بمجرَّد أن تَسقط القطعة الأولى على القطعة الثانية في صفٍّ طويل مُنتصِب من قطع الدومينو، التي تفصل بينها مسافات منتظمة، تنتقل حركة السقوط كالمَوجة عبْر الصف. بعد أن تبدأ الموجة في الحركة، كم عدد قطع الدومينو التي تتحرَّك في أيِّ لحظة بعَينها وما الذي يُحدِّد سرعة الموجة؟ من الواضِح أنه لا ينبغي فصل قِطَع الدومينو بعضها عن بعض بمسافة تزيد عن طول قطعة الدومينو نفسها، ولكن هل يُوجَد حدٌّ أدنى للمسافة الفاصلة؟ لماذا لا يسقط صفٌّ من مكعبات أطفال بنفس الطريقة التي تسقُط بها قطع الدومينو؟ هل يمكنك أن تُحدِث تفاعلًا تسلسُليًّا عبْر صفٍّ من قِطَع الدومينو حيث تكون القطعة الأولى صغيرة جدًّا وتزداد كل قطعة تدريجيًّا عن القطعة التي تسبقها في الحجم بنسبة مُعيَّنة؟
عندما تُسقِط أول قطعة دومينو في الصف، تَلتفُّ القطعة حول وضع الاتزان المتزعزع ثم تسقُط لتصطدم بالقطعة الثانية. وإذا وكَزْتَ قطعة الدومينو الأولى برفق، حينها تنشأ طاقة الاصطدام من سقوطها من وضْع الاتزان المُتزعزع. وعندما تكون قِطَع الدومينو مُتقاربة للغاية، تكون مسافة السقوط قصيرة للغاية بحيث يتعذَّر توفير الطاقة الكافية لإسقاط القطعة الثانية. تزداد احتمالية السقوط مع وجود مسافة فاصلة أكبر بين قِطَع الدومينو، شريطة ألا تتعدَّى المسافة طول قطعة دومينو واحدة. والأمر ينطبِق على بقية قطع الدومينو الموجودة على طول الصف. (بالتأكيد، يُمكنك أن تضرب بعُنف القطعة الأولى في صفِّ الدومينو ولا تقلق حيال المسافة الفاصلة، ولكن هذا ليس مُمتعًا على أيِّ حال.)
وفي أيِّ لحظة بعينها، قد تتحرَّك خمسُ أو ستُّ قِطَع دومينو. تكتسب الموجة سرعة أثناء تحرُّكها على طول الصف، مع وصول السرعة إلى قيمة مُعيَّنة تتوقَّف على المسافة الفاصلة بين قِطَع الدومينو ودرجة الاحتكاك بين قِطَع الدومينو ومدى ارتداد بعض قطع الدومينو عن بعض. وعندما تكون المسافة الفاصلة بين قِطَع الدومينو أصغر، تتحرَّك المَوجة على نحوٍ أسرع وتكون الخشخشة الصادرة عن التصادُم أكثر حدَّة.
وصف لورن وايتهيد — من جامعة كولومبيا البريطانية بمدينة فانكوفر — كيف أنَّ التفاعُل التسلسُلي ينتشر عبْر صفِّ قِطَع الدومينو الذي يتدرَّج بنسبة ١٫٥ (من جميع الأطراف) من قطعة دومينو إلى أخرى. وعندما أسقط القطعة الأولى من خلال «وكزِها بعصًا طويلة رفيعة» تتضخَّم الطاقة الموجودة في التفاعُل التسلسُلي بمقدار حوالَي ٢ مليار مرة عند سقوط القطعة رقم ١٣ والأخيرة. ووفق حساباته فإنه مع وجود الترتيب المناسب لقِطَع الدومينو، فإنَّ الأمر سيتطلَّب صفًّا مُكوَّنًا من ٣٢ قطعة فقط لإسقاط قطع دومينو بطول مبنى إمباير ستيت (وهو أكثر ممَّا يستطيع كينج كونج أن يفعله).
(٦٩) سقوط المداخن والأقلام الرصاص والأشجار
إذا أوقفت قلمَ رصاصٍ في وضعية عمودية ثم تركته ليسقط، فهل يتحرَّك الطرف المُستدقُّ في اتِّجاه السقوط أم في الاتجاه المعاكس؟
عندما تسقُط شجرة، في أي اتجاه يتحرَّك الطرف السُّفلي؟ وما الشكل الذي تتَّخِذه الشجرة في أثناء السقوط؟ هل يُمكن أن تنكسِر الشجرة مثل المدخنة؟ لماذا تبدو الشجرة أحيانًا وكأنها تطفو فوق السطح قبل أن تَرتطم بالأرض؟ لماذا ترتطم أرومة الشجرة أحيانًا بالجِذْل بشدَّة بالغة إلى درجة تكاد يُقتلع معها الجذر؟
(تخيَّل أنك حطَّاب خرَج إلى الغابة وتشهَدُ سقوط أول شجرة كبيرة تقطعُها بيدِك. أنت لستَ أحمق؛ فأنت تُفكِّر في الاتجاه الذي ستَسقُط عنده الشجرة؛ ومِن ثمَّ تقِف عند الجهة المُقابلة. ولكن بعد أن اصطدمت الشجرة بالأرض، ارتَدَّت ناحيتك لتنتقِم، لتصطدِم بصدرك وتكسر لك ثلاثة ضلوع. حان الوقت لتضع الفأس جانبًا.)
يتوقَّف الاتجاه الذي يتحرَّك فيه الطرف المُستدقُّ للقلم الرصاص عند سقوط القلم الرصاص، على قدر الاحتكاك بين سنِّ القلم والسطح الذي يتلامَس معه. فإذا كان الاحتكاك ضئيلًا، يتحرَّك الطرف المُستدقُّ في عكس اتجاه السقوط. ومع وجود قدرٍ أكبر من الاحتكاك، يتحرَّك الطرف المُستدقُّ مع اتجاه السقوط، حتى وإن تحرَّك أولًا في عكس ذلك الاتجاه.
وتَميل الشجرة المُجتثَّة إلى الانثناء إلى الخلف مثل المدخنة، ولكنها لا تَنكسِر إلَّا إذا كانت مَيِّتة ومُتعفِّنة. إذا حدَث الكسْر في وقتٍ مبكِّر من السقوط، فقد يسقط الجزء العلوي في عكس اتِّجاه الجزء السُّفلي، مما يَزيد الموقف خطورة إذا كنت بالقُرب من المكان. وإذا قطعتَ شقًّا في جانب واحد من شجرة حيَّة ثم قطعت شريحة أفقية عبْر الجهة المُقابِلة، فستقَع الشجرة في اتجاه الجانب المشقوق، فيَنكسِر المِفصَل وتدفع الأرومة إلى أعلى ثم تَجذبها ناحية اتجاه السقوط. وإذا كانت الشجرة بها فروع وفيرة، ستَنضغِط حين تَرتطِم الشجرة بالأرض، وارتدادها قد يدفع الأرومة نحوَ الجِذْل. ويأتي إحساس الطفو من مقاومة الهواء الذي تُواجِهه شجرة مُورقة حين تقترِب من الأرض.
(٧٠) كسْر سنِّ القلم الرصاص
غالبًا ما يَنكسِر سنُّ القلم الرصاص عندما أكتب بحماس. أين يكون موضع الكسر بالضبط؟ لماذا تزداد احتمالية كسْر السنِّ إذا كان القلم حادًّا وتقلُّ هذه الاحتمالية إذا كان السنُّ كليلًا من كثرة الاستخدام؟
عندما يكون سِنُّ القلم حادًّا، يَحدُث التكسُّر عند جزءٍ ضَيِّق؛ ومِن ثَمَّ لا يتطلَّب إلا قوة ضئيلة لبدئه. وإذا كان السنُّ كليلًا على نحوٍ أكبر فإن أقصى حدٍّ للانثناء يحدُث في موضع أعلى من عمود الرصاص وعند قطاعٍ أوسع، وتكون القُوى المطلوبة أكبر. وفي تلك الحالة، يقلُّ احتمال كسْر سِنِّ القلَم تحت ظروف الكتابة العادية. وإذا كان سِنُّ القلم كليلًا جدًّا لدرجة أن نُقطة الحدِّ الأقصى للانثِناء تكون في إطار القِشرة الخشبية، يكون التفسير غير مُلائم في هذا الموضع، ولا يُمكِن كسْر السنِّ إلا إذا ضغطَت على السِّنِّ بعُنفٍ على سطح الورقة (وهو بالتأكيد علامة على السلوك غير السوي).
(٧١) انهيار جزء من الجسر
في الساعة ١:٢٨ من صباح يوم الثامن والعشرين من يونيو عام ١٩٨٣، ببلدة جرينيتش، ولاية كونيتيكت، بالولايات المتحدة الأمريكية، انهار جسْر طوله ٣٠ مترًا يمرُّ فوق نهر ميانوس على الطريق آي-٩٥. وبسبب الظلام، أخفق سائقو سيارتَين ومقطورة جرارة وشاحنة في تعيين حدود الجزء المفقود في الوقت المناسب، وساروا عبْر الحافة المكشوفة وسقطوا في النهر من ارتفاع ٢٠ مترًا، وعلى إثر ذلك تُوفِّي ثلاثة أشخاص وأُصيب ثلاثة آخرون.
أحيانًا تنهار الجسور بسبب التقادُم أو الحاجة إلى الصيانة، ولكن بدا الجسر الموجود على طريق آي-٩٥ في حالة جيدة. هل ثمَّة شيء غريب في تصميمه أو طريقة مرور السيارات على الجسر ربما أدَّى إلى وقوع مأساة؟
أتاح المِفصلان بعض المُرونة عند وصلة الجسر بحيث يتسنَّى له الاستجابة للاهتزازات الناجمة عن حمولة السيارات ولأيِّ تغيير في الطول بسبب تغيُّر درجة الحرارة. ويبدو أنَّ إحدى الصواميل الموجودة في الزاوية بعيدًا عن مركز الجزء الموصول قد انحلَّت وتحرَّر المسمار المربوط بها، ممَّا تسبَّب في سقوط هذا الجزء في النهر. ما القوة الجانبية التي حرَّرت المسمار؟ أثبتَت الإجابة أنها تستحقُّ الدراسة إذا ما أردْنا تجنُّب وقوع مثل هذه الكوارث.
وبعد قدر كبير من الاهتزاز والضغط، تحرَّرت إحدى الصواميل الموجودة عند تلك الزاوية وانزلق مسمارها من مكانه، مما تسبَّب في سقوط الزاوية. وتسبَّب تناقُص الدعم لذلك الجزء من الجسر في جعل الحمل يزيد على باقي نقاط الارتكاز وتسبَّب في انهيار وصلة الجسر. ولو كان شكل الجزء على هيئة مربَّع بدلًا من شكل الماسة، لشاركت جميع الزوايا الأربع في مقاومة الدوَران على نحوٍ مُتساوٍ؛ ومِن ثمَّ لصار انهيار إحدى الزوايا مستبعدًا أكثر.
(٧٢) تقوُّس القطار
حين يَصطدم قطار مُصادفةً بجسم ضخم ويَخرج عن القضبان إثر ذلك، لماذا يتقوَّس القطار والعربات عادةً بدلًا من الانحراف بالكامل على جانبٍ واحد من القضبان؟ لماذا لا يتعدَّى التقوُّس العربات القليلة الأولى الموجودة في المقدِّمة؟
وبينما تَنحرف مُقدمة العربة الأولى ناحية اليسار، تميل العربة إلى الاستدارة حول مركز كتلتها ممَّا يتسبَّب في انحراف مؤخِّرة العربة الأولى ناحية يمين القضبان. ونظرًا لارتباط العربة الأولى بالعربة الثانية تَنحرِف مقدمة العربة الثانية أيضًا ناحية اليمين، ورغم ذلك فإنَّ هذا الانحراف أقلُّ مقارنة بانحراف محرِّك القطار أو مقدمة العربة الأولى. وهذا هو التفسير.
(٧٣) رميات البولينج
هل يكون الانعطاف حقيقيًّا أم وهميًّا؟ هل استراتيجية اللاعبِين المُحترفين الخاصَّة بتوجيه الكُرة بزاوية مائلة داخل صفِّ القوارير استراتيجية مضمونة النتائج فعلًا؟
وإذا اخترقت الكرة صفَّ القوارير عبْر مسارٍ مائل من خلال الثغرة، تقلُّ كثيرًا احتمالية الارتداد على نطاقٍ واسع؛ ومِن ثمَّ تسقُط المزيد من القوارير. وإذا مال المسار بمقدار عدَّة درجات على المِحور المركزي لحارة اللعب، وإذا اصطدمت الكرة بجانب القارورة الأمامية بشكلٍ صحيح، تسقُط القوارير الخارجية على كلا جانبي المصفوفة المثلَّثة الشكل مثلما تسقط قِطَع الدومينو وتصطدم الكرة بقارورتَين داخليَّتَين، مما يتسبَّب في إسقاط قارورة مقابل الأخرى.
تتوقَّف زاوية اقتراب الكرة من الثغرة على النسبة المبدئية بين الدوَران الجانبي والسرعة المُتَّجهة إلى الأمام وعلى زيادة احتكاك الكرة أثناء تحرُّكها على طول الممر. من الطبيعي أن تكون مساحة اﻟ ٥٠٪ الأولى من الحارة، أو نحو ذلك، مشحَّمة بالزيت لتقليل الاحتكاك. وبعد إلقاء الكرة مباشرة، تَنزلِق على الممرِّ المُشحَّم بالزيت وتتحرَّك في مسارٍ مُنحَنٍ نحو القوارير. وعندما تشرع الكرة فجأة في التدحرُج بدلًا من الانزلاق، عند نقطة ما على المنطقة الجافَّة (غير المشحمة) من الممر، يستقيم مسارها. وانحراف الكرة هو عبارة عن مسار مُنحنٍ بشدَّة تَسير فيه الكرة قبل أن يبدأ التدحرُج مباشرةً. وتعتمد قُدرة اللاعب على قذف الكرة بزاوية مُنحرفة على تغيُّر درجة الاحتكاك على طول مسار الكرة، كما تَعتمِد أيضًا نوعًا ما على حقيقة أنَّ الكرة ليست مُنتظمة الشكل بسبب الثقوب الموجودة بها.
(٧٤) لعبة البلياردو وضرْب الكُرات
ما الموضِع الذي ينبغي أن تصطدِم عنده عصا البلياردو بالكرة البيضاء لتُحقِّق النتائج التالية، وما تفسير ذلك؟
-
(١)
تدحرج الكرة على الفور بدون أن تنزلق.
-
(٢)
تصطدم الكرة بكرة هدَف ثابتة، ثم بعد ذلك بفترة قصيرة، تتبع تلك الكرة، فيما يُعرف باسم «الضربة التابعة».
-
(٣)
تَصطدم الكرة على نحوٍ مُشابهٍ بكرة هدف ولكنها ترتدُّ ناحيتك بعد ذلك، فيما يُعرف باسم «الضربة المرتدَّة».
-
(٤)
تصطدم الكرة على نحوٍ مُشابهٍ بكرة هدف ولكنها تتوقَّف بعد التحرُّك لمسافة قصيرة وحسب.
عندما تصطدم عصا البلياردو بالكرة البيضاء في أيِّ موضعٍ على امتداد محور عمودي يمرُّ عبْر مركز كتلتها ثم تصطدم بالكرة الهدف، ما الزاوية بين مسارَي الكرتَين؟ إذا اصطدمت الكرة البيضاء بالحاجز (الجانب البارز من الطاولة) بزاوية مُعينة، ففي أي اتجاهٍ سترتد؟ إذا اصطدمت العصا بالكرة نحو أيٍّ من جانبَي المحور العمودي المار عبْر مركز الكتلة ثم اصطدمت بالحاجز، كيف يَختلف اتِّجاه ارتدادها؟
لماذا يكون ارتفاع حاجز الطاولة ٧ / ٥ نصف قطر الكرة (نق)؟
تتضمَّن الإجابات الطريقة التي تُدير بها عصا البلياردو الكرة. إذا ضُربَت الكرة عند ارتفاع ٧ / ٥نق، يولد التصادُم «دوَرانًا علويًّا» بالقدْر الكافي الذي يجعل الكرة تتدحرَجُ إلى الأمام دون أن تنزلِق فوق الطاولة. إذا اصطدمت الكرة البيضاء بالكرة الهدف، تَنتقِل الطاقة المُرتبِطة بالحركة الأمامية إلى الكرة الهدف، وتدور الكرة البيضاء في مكانها لفترةٍ قصيرة حتى يمتص الاحتكاك طاقة حركتها الدَّوَرانية. (يكون الاحتكاك في الاتجاه الأمامي وقد يدفع الكرة لمسافةٍ قصيرة في ذلك الاتجاه قبل توقُّف الكرة عن الدوران.)
وإذا ضُربَت الكرة عند موضعٍ ما فوق مركزها، يكون دوَرانها في الاتجاه المُناسب لتَتدحرج إلى الأمام، إلَّا أن مُعدَّل الدوران إما يكون كبيرًا للغاية أو صغيرًا للغاية؛ ومِن ثَمَّ تَنزلق الكرة مبدئيًّا. يولِّد الانزلاق احتكاكًا، مما يَجعل الدوَران والحركة إلى الأمام مُتزامنَين؛ ومِن ثَمَّ تتدحرج الكرة بسلاسة إلى الأمام.
إذا ضُربت الكرة عند موضعٍ ما أسفل المركز، يكون «دوَرانها الخلفي» في الاتجاه الخطأ للتدحرُج بسلاسة، ويكون الاحتكاك كبيرًا وفي الاتجاه الخلفي. وسرعان ما تُعكَس حركة الدوَران بفعل الاحتكاك وكذلك يُبطئ الاحتكاك من حركة الكرة إلى الأمام؛ ومِن ثَمَّ تتدحرَج الكرة بسلاسة. وإذا اصطدمت الكرة البيضاء بالكرة الهدَف قبل بلوغ تلك المرحلة، تَنتقِل الحركة الأمامية وتدور الكرة البيضاء في مكانها لوقتٍ قصير قبل أن يتسبَّب الاحتكاك الشديد الواقع عليها في تدحرجها إلى الوراء ناحيتك.
تُنفَّذ الضربة العمودية بضرب جانب الكرة البيضاء نحوَ الأسفل. وعلى أثر الضربة تَندفِع الكرة نحو الدوَران كما لو أنها تقوم بحركة عبارة عن مزيج من الارتداد والدوَران الجانبي. تدفع الضربة أيضًا الكرة في اتجاهٍ واحد، ولكن الاحتكاك الناجم من الدوَران يجعل المسار مُنحنيًا.
يتمُّ اختيار طول الحاجز بحيث إنَّ اصطدام الكرة بالحاجز لا يتسبَّب في انزلاق الكرة فوق الطاولة وخسارة طاقتها بسبب الاحتكاك. وعوضًا عن ذلك، تتدحرج الكرة بسلاسة بعد اصطدامها فورًا.
(٧٥) لعبة الجولف المُصغَّرة
في لعبة الجولف المصغَّرة، تُضرَب كرة الجولف عبْر ملعب صغير مُحاط بجدران قصيرة الارتفاع. الفكرة هي أن تُسدِّد الكرة داخل الحفرة بأقل عدد من الضربات. عادةً ما تكون الحفرة خلفَ عائق ما أو عند زاوية المَلعب، ومن أجل الوصول بأقصر الطرق المُمكنة، يجِب على اللاعب أن يجعل الكرة ترتدُّ بعيدًا عن الجدار. كيف يَنبغي أن تُسدِّد الكرة داخل الحُفرة باستخدام ضربةٍ واحدة فقط؟
يستطيع اللاعبون المُحترِفون للعبة الجولف المُصغَّرة (ولعبة البولة — ضرب من البلياردو — التي يَحدُث فيها ارتداد الكرات على نحوٍ مُماثل) تخيُّل سلسلة من مثل هذه الارتدادات. بالتأكيد بعض الأمور العملية، مثل درجة خشونة أرضية الملعب ومَيلها وتفاصيل الاصطدام الفِعلي بالجِدار، تُفسد هذا التحليل البسيط، ولذا تتطلَّب لعبة الجولف المُصغَّر قدرًا من الحظ السعيد.
(٧٦) خُدَع الكرة المطاطية
إذا قُذِفتْ كرة سوبر بول المطاطية (وهي كرة عالية المرونة تصنعها شركة وام-أوه)، فإنها ترتدُّ مباشرة تقريبًا إلى يدِك مرة أخرى. هبْ أنك تَقذف الكرة لأسفل مباشرة وتجعلها تدور. أين تتَّجه الكرة إذن؟
تأتي خدعة تغيُّر ارتفاع الوثبة من الاختلاف في درجة انحدار المسار الذي تقطعه الكرة. فبينما تُبدِّل الكرة بين الوَثبات القصيرة والطويلة، فإن زاوية الوثْب تتغيَّر أيضًا. (الخدعة مغرية للغاية لدرجة أنَّني أكَّدتُ على صحَّتها مرَّتَين في كتاباتي رغم أنَّني جادلت بأنه يتعذَّر تغيُّر الارتفاع.)
تثِب كرة السوبر بول المطاطية على نحوٍ جيد للغاية بسبب الاهتزازات التي يولِّدها الاصطدام داخلها. عندما تُقذَف كرة مطاطية عادية، يتسبَّب الضغط المفاجئ على الجهة السفلية في اهتزاز الكرة. والوقت الذي تستغرقه الهزَّة يتوقَّف على المادة المصنوع منها الكرة. والأرجح أنَّ الوقت يختلف عن الوقت المطلوب لحدوث الاصطدام الكامل، وفي تلك الحالة تواصِل الكرة اهتزازها بعد ارتفاعها عن الأرضية. تتطلَّب الاهتزازات طاقة؛ ومِن ثَمَّ تكون طاقة الكرة قليلةً بحيث يتعذَّر دفعها إلى أعلى ولا ترتفع إلى حدٍّ كبير.
تتكوَّن كرة السوبر بول من لُبٍّ مُحاط بقشرة من مادة مختلفة. تُغيِّر التركيبة الاهتزازات بحيث يتساوى الوقت الذي تستغرقه أول هزَّة مع وقت مكوث الكرة على الأرضية. وعندما يعكس الجزء السفلي من الكرة الجانب الواقع عليه الضغط وترتدُّ الكرة بقوَّة من الأرضية، يكون الاهتزاز إلى الخارج بعيدًا عن الأرضية؛ ومِن ثَمَّ يُساعد في قذف الكرة. وكنتيجة لذلك، تعود طاقة الاهتزاز إلى حركة الكرة المُتَّجِهة إلى أعلى، مما يُتيح للكرة الارتفاع إلى أعلى.
ومن أجل تحديد الاتجاه الذي تَقفز فيه كرة السوبر بول، إليك وصفة نابِعة من الحاجة إلى الحفاظ على ثَبات الطاقة الحركية للكرة والزخم الزاوي في أثناء الوَثب. تُقلَب السرعة المتَّجهة الرأسية وكذلك تُقلَب السرعة الأفقية لأدنى نقطة في الكرة، ولكن يَصعُب تخيل الأمر لأنه يَشتمِل على دوران الكرة والسرعة المُتَّجهة الأفقية لمركزها. وإذا جمعت اتِّجاهي السرعة المُتَّجِهة الرأسية والسرعة المُتَّجِهة الأفقية بعد التصادُم مباشرة، حينئذٍ ستتوصَّل إلى الاتجاه الذي تَثِب فيه الكرة.
(٧٧) ضربات كُرة الراح
تُحدَّد قفزة كرة الراح — وهي كرة مطاطية إلى حدٍّ معقول — جزئيًّا حسب اتجاه دوران الكرة حول نفسها. ويُمكنك أن تجعل الكرة تدور حول نفسها من خلال ضرب الكرة بالمضرب عند الجزء العلوي أو الجزء السُّلفي منها. أو يُمكنك أن تضرب الكرة نحو الجدار أو السقف بحيث يولد الاصطدام دوَرانًا. وبمجرَّد أن تدور الكرة حول نفسها، فإن الاستدارة قد تجعل الكرة تَثِب لدرجةٍ تُربك معها خصمك. على سبيل المثال، ماذا يحدُث للكرة إذا اصطدمت أفقيًّا بالجدار إما بضربة ملتفَّة أمامية أو ضربة ملتفَّة خلفية؟
ما تفسير المسار الذي تتَّخِذه الكرة عند استخدام الضربة المُتعرِّجة؟
قصة قصيرة
(٧٨) هدف مُثير للجدال
(٧٩) لعبة التِّنس
عند أي موضع من رأس مضرب التِّنس ينبغي ضرب الكرة إذا أردت (أ) أكبر سرعة للكرة، (ب) أقل قوة واقعة على يدك بسبب التصادُم، أو أقل محاولة من مِقبض المضرب ليدور خارج سيطرة قبضتك أثناء التصادُم أو (ﺟ) أقل اهتزازات من جانب المضرب بسبب التصادُم (ومِن ثَمَّ أقل اهتزازات من جانب مقبض المضرب مُقابل يدِك)؟
هل ثبات قبضتِك يؤثر على سرعة ارتداد الكرة؟ هل يُوجَد حقًّا شيء كالملعب السريع أو الملعب البطيء؟
النقطة المُثلى الأولى هي المنطقة التي يُعطي التصادم عندها أكبر سرعة للكرة. وهذه النقطة المُثلى قريبة من المنطقة مثلَّثة الشكل الموجودة في المضرب، لا ناحية مركز رأس المضرب كما قد تظن. والموضع مُرتبِط بالطاقة المفقودة في التصادُم. أثناء التصادُم، يَنبعِج كل من المضرب والكرة ثم يَعودان إلى شكلهما الأصلي مرة أخرى. والطاقة المُتولِّدة من انبِعاج المضرب لا تعود إلى الكرة مرة أخرى لأنَّ الكرة تُغادر خيوط المضرب قبل أن يرتدَّ المضرب مرة أخرى. ولذا، من أجل تقليل فقد الطاقة، ينبغي أن تُضرَب الكرة من أقرب نقطة للمنطقة المثلَّثة الشكل حيث يكون إطار المضرب أكثر صلابةً بسبب المقبض القريب من هذه المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، الطاقة المفقودة بسبب انبعاج الكرة تُحرِّك النقطة المُثلى إلى أعلى بعيدًا عن المنطقة المثلَّثة قليلًا. هذا الفقد في الطاقة يكون أكبر بالقُرب من المنطقة المثلثة حيث تكون الخيوط مُتصلبة أكثر؛ ومِن ثَمَّ توفِّر بنية أكثر صلابة بالنسبة للكرة مقارنة بالخيوط الأقرب إلى المركز. ومِن ثَمَّ، تكون النقطة المُثلى الأولى قريبة من المنطقة المثلَّثة بسبب صلابة المضرب عند هذه النقطة، لكنها فوق المنطقة المثلَّثة بسبب الخيوط المرِنة أكثر عند هذه المنطقة.
النقطة المُثلى الثانية هي المنطقة التي لا يُولِّد عندها التصادم قوة واقعة على اليد المُمسِكة بمقبض المضرب. وعلى الرغم من أن التصادُم يَميل إلى دفع كلٍّ من المضرب واليد إلى الخلف، فإنه يَميل إلى إدارة المضرب. وعندما يَحدث التصادُم عند النقطة المُثلى الثانية، فإن اندفاع اليد إلى الخلف تعادله الحركة الأمامية لمقبض المضرب نتيجة لدورانه. وإذا ضُربت الكرة عند مسافة بعيدة من اليد وأبعد من النقطة المُثلى الثانية، يتسبَّب دوران المضرب في انسلات المقبض من اليد. وإذا ضُربت الكرة من عند مسافة قريبة من اليد وأقرب من النقطة المُثلى، يتسبَّب الدوران في تحرك المقبض ناحية اليد.
والنقطة المُثلى الثالثة هي المنطقة التي يتسبَّب عندها التصادم في اهتزاز المضرب (ومن ثم يتسبَّب في اهتزاز بسيط لليد عند المقبض). وإذا اصطدمت الكرة بالمضرب في موضعٍ آخر، فإنه يهتزُّ لفترةٍ وجيزة وربما يهتزُّ بقوة، مثلما يهتزُّ اللوح الخشبي الموجود على آلة الإكسليفون عند العزف عليها.
كما تُوجَد أيضًا نقطة مُثلى رابعة غير محدَّدة جيدًا وفيها يُحدِّد اللاعب بصفة شخصية أفضل موضعٍ للتصادُم لأي عدد من الأسباب.
وعلى الرغم من أن بعض مُدرِّبي التِّنس يَنصحون اللاعبين بإحكام الإمساك بالمضرب في أثناء اصطدام الكرة بالمضرب بُغية زيادة سرعة ارتداد الكرة، فإنَّ الأبحاث تُبين أن سرعة الارتداد لا تتأثَّر بإحكام المسكة. ويبدو أنَّ الميزة الأساسية لإحكام المسكة هو تحقيق سيطرة أفضل على استدارة المضرب التي تحدُث عندما يحيد التصادُم عن المحور الطولي للمضرب. والعَيب الأساسي لإمساك المضرب بإحكام هو أنَّ قوة التصادم والاهتزازات الناجمة عن ذلك تَنتقِل أكثر إلى الذراع، وهو ما قد يُساهم في الإصابة المعروفة باسم «مرفق لاعب التنس». ومن أجل تقليل هذا الانتقال، يُرخي اللاعب المُحترف قبضته عن المضرب قبل اصطدامه بالكرة مُباشرة من خلال التوقُّف عن تسريع المضرب.
وقد تؤثِّر المادة التي تُغطِّي الملعب (الملاعب المُغطَّاة بالطَّفل والخشب والعشب والأغطية بمُختلف أنواعها) على السرعة الأفقية للكرة التي تُضرَب على ارتفاعٍ مُنخفِض فوق الشبكة وتصطدِم بالملعب، لتَنزلِق عبْر الملعب قبل ارتدادها. إنَّ القدْر المُتبقِّي من طاقة السرعة الأفقية للكرة بعد الضربة يُحدِّد ما إذا كان الملعب من النوع السريع أم البطيء؛ ففي الملعب السريع، يكون الاحتكاك قليلًا ويتمُّ الاحتفاظ بقدْرٍ أكبر من السرعة الأُفقية. وفي الملعب البطيء، يكون الاحتكاك كبيرًا ويتمُّ الاحتفاظ بقدْرٍ أقلَّ من السرعة الأفقية. وعندما تُضرَب الكرة ضربة مُنحنية عالية، تهبط الكرة بزاوية مائلة بما يَكفي لتتدحرَج (بدلًا من أن تَنزلِق) فوق الملعب، وتفقد الكرة دومًا حوالي ٤٠٪ من سرعتها الأفقية بصرْف النظر عن المواد التقليدية التي يُغطَّى بها الملعب.
(٨٠) الدرَّاجات الهوائية والدراجات النارية
لماذا تكون الدرَّاجة الهوائية أو النارية المُتحرِّكة مُستقرة نسبيًّا، حتى وإن كنت تقودُها بدون استخدام المِقوَد؟ كيف تَنعطِف بالدرَّاجة على الطريق؟ هل يُمكنك أن تَنعطِف بدون استخدام المِقوَد؟ لماذا صار التصميم الحديث للدراجات أكثر استقرارًا من التصميمات السابقة بدرجةٍ كبيرة؟ على وجه الخصوص، لماذا تكون الدرَّاجات الهوائية الحديثة مزوَّدة بماسك العجلة الأمامية الذي يَنحني بعيدًا عن الراكب؟ ما ميزة الدرَّاجة ذات مركز الكتلة المُنخفِض في السباقات؟
ويبدو أن أفضل تفسير يتضمَّن «أثر» العجلة الأمامية؛ أي المسافة الفاصلة بين التقاء الخط الرأسي المار عبْر المِحوَر الأمامي بالأرض والتقاء الخطِّ التخيُّلي لمحور التوجيه بالأرض. فإذا امتدَّ الأثر إلى الأمام من عند إطار العجلة (كما هي الحال مع معظم — وربما جميع — الدراجات)، فحينئذٍ عندما تميل ميلًا عارضًا، تنحرِف العجلة الأمامية تلقائيًّا، متسبِّبةً في تقليل درجة الميل. إذا ساهمت في إدارة العجلة، فإنك قد تُساعد في تصحيح المسار، ولكنَّك لستَ مُضطرًّا إلى ذلك. وإذا تركَتِ الدرَّاجة أثرًا يمتد نحو الخلف بدلًا من الأمام، فإنَّ العجلة الأمامية لن تتحرَّك تلقائيًّا لتصحيح الميل العارض؛ ومن ثَم قد يتعيَّن عليك أن تُصحِّح هذا الميل بنفسك؛ الأمر الذي يجعل ركوب الدراجة في هذه الوضعية صعبًا.
لطالما خضع السؤال عن كيفية الانعطاف بالدراجة الهوائية أو البخارية المُتحرِّكة لنقاشٍ طويل أيضًا، وجزء من السبب يرجِع إلى أنَّ التفسير الصحيح يبدو خاطئًا. فإذا أردتَ أن تنعطف بالدراجة ناحية اليمين مثلًا، يجِب أن تدير العجلة الأمامية نحوَ اليسار وهذا ما يُطلق عليه «التوجيه المُضاد». حينئذٍ أنت وهيكل الدراجة والعجلة الأمامية تَميلون تلقائيًّا ناحية اليمين؛ أي نحوَ الانعطاف المنشود. هذا المَيل يَخلُق عزم دوَران يقاوم التوجيه المُضاد، ليجعلك تنعطِف أنت وهيكل الدرَّاجة والعجلة الأمامية ناحية اليمين، ثم تستقيم الدرَّاجة بعد ذلك.
وفي سباق الدرَّاجات حيث يكون الراكب في وضعية مستقيمة ويَضغَط على الدوَّاسات بسرعة، تتمايَل الدرَّاجة ناحية اليسار واليمين بقوة، لتدور حول نقاط التَّماس على الطريق أو الأرضية. وكلما كان مركز ثقل الدراجة مُنخفِضًا، صارت نقاط الارتكاز أقرب، وصار من الأسهل الاهتزاز يمينًا ويسارًا بالنسبة إلى الراكب.
(٨١) قفزات طويلة بالدرَّاجات البخارية
قام المؤدِّي البارع إيفل كنيفل بالكثير من القفزات المُذهلة في فترة الستينيَّات والسبعينيَّات من القرن العشرين؛ حيث قاد الدرَّاجة البُخارية عبْر مُنحدَر وطار في الهواء فوق سيَّارات أو شاحنات عديدة ثم هبَط على مُنحدَر آخر أقصى الناحية الأخرى. كان إيفل كنيفل ينجح عادةً في أداء القفزات، ولكنه في بعض الأحيان كان يَفقِد السيطرة على الدرَّاجة البخارية في أثناء الهبوط على الأرض، وأُصيب بإصابات خطيرة إثر ذلك. وفي عام ١٩٧٨، حاول شابٌّ أداء قفزة مُشابهة فوق جناحَي طائرة من طراز دوجلاس دي سي ٣ ولكنه ارتكب خطأً قاتلًا؛ ألا وهو ترك مِقوَد الوقود مفتوحًا على آخِره في أثناء الطيران في الهواء. لماذا أدَّت تلك الغلطة إلى وفاته؟
(٨٢) لوح التزلُّج
لماذا يَسهُل عليك التوازُن على لوح التزلج أثناء تحرُّكه أكثر مما لو كان ثابتًا؟ كيف يُمكِنُك القفز بلَوح التزلُّج (وبنفسك) من فوق حاجزٍ ما، وهي مُناوَرة شهيرة في الشوارع تُعرف باسم «التزلُّج الهوائي»؟
وفي النماذج الأكثر تعقيدًا، اكتشف الباحثون أنه عندما تتعدَّى السرعة قيمةً حرجة ثانية، يختل اللَّوح ويميل ميلًا عارضًا ويتطلَّب خفَّةً ورشاقة من الراكب. ورغم ذلك، يبدو أنه يتمُّ استعادة الاستقرار والثبات إذا تخطَّت السرعة قيمةً حَرِجة ثالثة، إلا أنَّ هذه السرعة عالية على نحوٍ غير مُعتاد في هذه الرياضة.
ولكي تُنفِّذ حركة التزلُّج الهوائي أثناء تزلُّجك على الرصيف واقترابك نحو عائقٍ ما، عليك اتِّباع النمط التالي. في اللحظة المناسبة، تَنزلِق قدمك الأمامية نحوَ الخلف، وتخفض نفسك ثم تندفِع بكل قوةٍ إلى أسفل على لَوح التزلُّج لتدفَع نفسك إلى أعلى. ونظرًا لأن قدمك الخلفية موجودة على الجزء الخلفي من لَوح التزلُّج، خلف العجلتَين الخلفيَّتَين، يتسبَّب الضغط لأسفل في جعْل الجزء الخلفي من لَوح التزلُّج يصطدم بالرصيف. يدفع التصادُم لوحَ التزلُّج إلى أعلى ويجعله يدور حول مركز كُتلته. وبينما يرتفع لَوح التزلُّج ويدور، تضمُّ كلتا ساقيك إليك لكيلا تعوق ارتفاع اللوح، إلا أنك تجعل قدمك الأمامية تنزلق نحو الأمام لتتحكَّم في الدوران. وإذا نجحت، ستَرفعُ قدمُك الأمامية لوحَ التزلج على مَقربة من قمَّة ارتفاع لَوح التزلج. ثم تُجهز نفسك بعد ذلك للهبوط، بحيث تسمَح لساقَيك أن تَنثنيا بسبب التصادُم؛ وذلك لكي تُخفِّف من وقْع الصدمة.
(٨٣) لعبة رمي الحلقات
في لعبة رمي الحلقات، تُلقي الحلقة المعدنية (وهي حلقة أشبَهُ بحدوة الحصان) على قضيب معدني على بُعد ١٢ مترًا. في أثناء الرمية، تخفض ذِراعك لأسفل وتُرجعها إلى الخلف، ثم تُؤرجِحُها بسرعة إلى الأمام، محرِّرًا الحدوة بمجرَّد أن تكون ذراعك في مستوًى أفقي. عندما تسقُط الحدوة على الأرض، أنت ترغب في أن تستقرَّ وهي مُحيطة بالقضيب. ربما تَنتهي بها الحال في ذلك المَوضع إذا ما ارتطمَتْ بالأرض أولًا، ولكن يكون أمامك فرصة أفضل إذا اصطدمَت الحدوة بالقضيب أثناء طيرانها في الجوِّ وهبطت في المكان المنشود.
(٨٤) تدوير طوق الهولا والوَهق
كيف يُحافظ المرء على وضعية طَوق الهولا (وهو طوق تُنتِجه شركة وام-أوه) لأعلى وهو يدور حول الجسم في مُستوى أفقي؟ وكيف يُجيد رعاة البقر تحريك الوهق على نحوٍ مُشابه؟
(٨٥) لُعبة اليويو
عندما تُقذَف لعبة اليويو إلى أسفل بالطريقة المُعتادة، كيف يكتسِب دوَرانها الطاقة اللازمة للحفاظ على الحركة؟ لماذا تزداد حركتها إلى أسفل في البداية ثم تَتناقص بعد ذلك؟ لماذا «ترقد» — أي تُواصِل الدوَران لأسفل عند طرف الخيط — بعض أنواع لعبة اليويو في حين أن البعض الآخر يَصعد مباشرة على طول الخيط بمجرَّد أن يصل إلى طرف الخيط؟ كيف تُحفِّز لعبة اليويو الراقدة لتُبادر بالصعود لأعلى؟ لماذا تصعد بوهن أكثر، أو لا تَصعد على الإطلاق، إذا ما تركتَها راقدةً لفترةٍ أطول مما ينبغي؟ عندما تكون لعبة اليويو قريبة من يدك، لماذا يدُور سطحُها حول الخيط (وهي حركة يُطلَق عليها المبادرة)؟ لماذا من المُستبعَد كثيرًا أن تُبادر لعبة اليويو الراقدة في الحركة مرة أخرى؟
ويمكن أداء عددٍ من الخُدَع باستخدام لعبة اليويو، بما في ذلك خدعة «حول العالم» و«تمشية الكلب». في الخدعة الأولى، تدور لعبة اليويو المُتحرِّكة في دائرة رأسية كبيرة وفي الوقت نفسه تكون عند طرف الخيط. وفي الخدعة الثانية، تَنخفِض لعبة اليويو الراقدة لتَصِل إلى الأرض؛ حيث تُدحرَج في ذلك المكان. إذا ظلَّ الخيط مشدودًا وكان كذلك في وضعية أفقية، ما الاتجاه الذي ستتحرَّك فيه لعبة اليويو إذا اهتزَّ الخَيط فجأة؟
تُوجَد مجموعة مُتنوِّعة من أشكال اليويو إلا أنَّ أروعَها على الإطلاق نفَّذها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عام ١٩٧٧. وصل طول الخيط (وهو عبارة عن خيط من النايلون) إلى ٨١ مترًا؛ وكان هيكل لعبة اليويو عبارة عن عجلتَي درَّاجة هوائية قُطرهما ٦٦ سنتيمترًا مُرتبطان أحدهما بالآخر من خلال عمود فولاذي؛ وأُسقطت اليويو من ارتفاع مبنًى مكوَّن من ٢١ طابقًا.
بل والأكثر إثارة من ذلك كانت لعبة اليويو التي بلَغ وزنها ١١٦ كيلوجرامًا والتي ألقاها توماس كون عام ١٩٧٩ من فوق رافعةٍ على ارتفاع ٣٠ مترًا ليسجل بذلك رقمًا قياسيًّا في أثقل لعبة يويو. كان طول لعبة اليويو ١٫٣ متر وعرضها ٠٫٨٠ متر وبهذا كانت الأبعاد مُتناسبة مع لعبة اليويو القياسية.
لعبة اليويو في الفضاء: أحيانًا يلعب رائد الفضاء لعبة اليويو في الفضاء. لماذا يصعب إرقاد لعبة اليويو في مثل هذه البيئة؟
إذا كان الخَيط مربوطًا بالعمود الأوسط (عادة من خلال ثُقبٍ فيه)، تلفُّ لعبة اليويو على الفور مرَّةً أخرى حول العمود، وذلك دون أن يتغيَّر اتجاه دوران لعبة اليويو. عوضًا عن ذلك، إذا كان الخيط معقودًا حول العمود الأوسط ولم يكن الارتداد شديدًا، ترقُد لعبة اليويو. ويُمكنك أن تُعيدها إلى الحركة من خلال هزِّ الخَيط إلى أعلى. تجذب تلك الهزَّة لعبة اليويو إلى أعلى وتُحرِّر الضغط الواقع على الخَيط لفترة قصيرة. ونظرًا لأن لعبة اليويو تتحرك، فإنها تعلَق بجزء من الخيط المتدلِّي من العمود. وإذا توفَّر القدْر الكافي من الاحتكاك، يظلُّ الجزء العالِق من الخَيط ملفوفًا، ثم تُجبَر لعبة اليويو على لفِّ المزيد من الخيوط، مما يجعلها تصعد لأعلى. وإذا انتظرتَ طويلًا لتحفيز اليويو الراقدة، يُفقَد قدْر كبير جدًّا من الطاقة بسبب الاحتكاك بين العمود الأوسط والعقدة الموجودة حوله، ولن تتمكَّن لعبة اليويو من الصعود مرة أخرى إلى يديك.
في الفضاء، تتعطَّل الجاذبية الأرضية نظرًا لأنَّ كلًّا من رائد الفضاء واليويو يَكونان في حالة سقوط حُر. وبالنسبة إلى لعبة اليويو، يجب أن يُلقي رائد الفضاء لعبة اليويو لأنها لن تسقط من تلقاء نفسها. وعندما تصِل اليويو إلى طرف الخيط، يَجعلها التوقُّف المفاجئ تَثِب، ومن المُرجَّح أكثر أن تعلَق بالخيط المُتراخي وتُجبَر على العودة مرة أخرى. ولجعل لعبة اليويو ترقد، يجِب أن يجذب رائد الفضاء الخيط برفق أثناء الوثب بحيث يَمنع الشدُّ تراخي الخيط. وبإمكان رائد الفضاء عندئذٍ أن يُؤرجِحَ اليويو في دائرة للحفاظ على الشد.
تَميل الاضطرابات العارضة إلى تحرُّك لعبة اليويو في حركة مبادرة، إلا أنه لا يمكن تقدير المبادرة عادةً إلَّا عندما تكون لعبة اليويو بالقُرب من اليد؛ حيث تدور ببطء. وعندما ترقد لعبة اليويو، تخلق السرعة العالية للدوَران قدرًا كبيرًا من الزخم الزاوي يثبت اليويو في مقابل الاضطرابات. حينئذٍ تكون اليويو أشبَهَ بجهاز الجيروسكوب (المدوار).
سأترك لك تحليل خُدَع حركة اليويو، ولكن بالنسبة إلى خُدعة «تمشية الكلب» لعلك ترغب في التفكير في بعض التنويعات الخاصَّة باتجاه الخيط كما هو مُشار إليه في البند التالي.
(٨٦) إرخاء خيط اليويو
هب أنك أرخيتَ خيطًا قصيرًا من لعبة اليويو، ووضعت اليويو على طاولة بحيث يَرتخي الخيط عند أسفل المحور المركزي، ثم جذبتَ الخيط أفقيًّا نحوك. هل ستتحرك اليويو ناحيتك أم بعيدًا عنك، أم ستدور في مكانها؟ ماذا ستفعل إذا جذبتَها إلى أعلى بزاوية عند سطح الطاولة؟ كيف تتصرَّف اليويو إذا قمتَ بإدارتها بحيث يرتخي الخيط من عند قمة المحور المركزي؟ قبل أن تُجرب اليويو، خمِّن الإجابات. وإن لم يكن لديك يويو، يمكنك الاستعاضة عنه بأنواع عديدة من البَكَر، مثل بكرة الخيوط.
أسند درَّاجة إلى طاولة، وأعد الدوَّاسة لتكون في أدنى وضعية لها، ثم اسحب الدواسة نحو مؤخرة الدراجة. هل ستتحرَّك الدراجة، وإذا تحركت فعلًا، في أي اتِّجاه ستكون حركتها؟
وعندما يَرتخي الخَيط من أعلى، تدور اليويو ناحيتك في أيِّ زاوية من زاويا الجذب نظرًا لأن التمديد يكون يسار نقطة التلامُس دومًا.
أما بالنسبة إلى خُدعة الدراجة، فتدور الدراجة إلى الخلف نتيجة جذبك لها. تؤثر القوى الاحتكاكية المُتجِّهة إلى الأمام على العجلتَين، على الرغم من أنها أصغر من قوة جذبك، وتعمل عند نصف قطر كبير وتُسيطِر على الدَّوَران، ممَّا يتسبَّب في تدوير الدوَّاسة إلى الأمام في عكس اتجاه الجذْب.
(٨٧) القيادة عبْر حاجز الصوت
في عام ١٩٩٧، سجلت سيارة نفَّاثة من طراز ثراست سوبرسونك رقمًا قياسيًّا لأقصى سرعة للمركبات في صحراء بلاك روك بولاية نيفادا. بلغت سرعة السيارة ١٢٢٢ كيلومترًا في الساعة (أو ٧٥٩ ميلًا في الساعة) في أحد الاتِّجاهين وبلغَت سرعتها في الاتجاه المعاكس ١٢٣٣ كيلومترًا في الساعة. تخطَّت كلتا السُّرعتَين سرعة الصوت في ذلك الموقع (١٢٠٧ كيلومترات في الساعة)، وبعثت السيارة مَوجات صادمة (دوي اختراق حاجز الصوت) عبْر الصحراء وصولًا إلى المشاهدين. كان تسجيل رقم قياسي لأقصى سرعة لمَركبةٍ تسير على الأرض أمرًا في غاية الخطورة لأسباب مُتنوِّعة كثيرة؛ مثل احتمالية أن يرفع ضغط الهواء من أسفل مُقدِّمة السيارة ويتسبَّب في انقلابها إلى الوَراء (أثناء السير على نحوٍ أسرع من الصوت). وكان ثمة خطَر أكثر غموضًا مُرتبطًا بعجلات السيارة. هل يُمكنك تخمين ذلك الخطر؟
قصة قصيرة
(٨٨) انفجار وحدة فحص الدوَران
تُفحَص أجزاء الماكينات الكبرى، التي تَخضع لسرعة دوران عالية ولفترة طويلة، أولًا لتقييم إمكانية الفشل داخل «وحدة فحص الدوران». وفي هذه الوحدة، يتمُّ «تدوير» جزء من الماكينة (حتى يصل إلى سرعة عالية) داخل أسطوانة من القراميد الرصاصية وحاوية مبطَّنة، جميعها داخل هيكل فولاذي مُحاط بغطاء مُحكَم بشدَّة. وإذا تسبَّب الدوَران في تهشُّم الأجزاء، من المفترَض أن تحجز القراميد الرصاصية الملساء القطع لتخضع لتحليلٍ لاحِق.
في مطلع عام ١٩٨٥، أُجري فحص دوران لجزء دوار فولاذي (أسطوانة) ذي كتلة بلغت ٢٧٢ كيلوجرامًا ونصف قطر بلغ ٣٨ سنتيمترًا. وحين وصلت العينة إلى سرعة زاوية بلغت ١٤٠٠٠ دورة في الدقيقة، سمِع مهندسو الفحص دويًّا مكتومًا صادرًا من غرفة الفحص التي تشغل مساحة تمتدُّ من الطابق الأسفل منهم إلى الغرفة التي تعلوهم. وبعد المُعاينة، اكتشفوا أن قراميد الرصاص تناثرَتْ في الردهة المؤدِّية إلى غرفة الفحص، وأن الباب المؤدِّي إلى الغرفة طار إلى موقف السيارات المُتاخِم، واندفع قرميد رصاصي من موقع الفحص ليَخترق حائط مطبخ الجيران، وانهارت العوارِض الهيكلية لمبنى الفحص، وهبطت الأرضية الإسمنتية أسفل حجرة الدوران مسافة ٠٫٥ سنتيمتر، واندفع الغطاء الذي يزن ٩٠٠ كيلوجرام مخترقًا السقف ثم وقع مرة أخرى على أدوات الفحص. وبفعل الحظ الحسَن وحدَه لم تخترق شظايا الانفجار غرفة مهندسي الفحص.
(٨٩) قوارب الكاياك
تخيَّل أنك تُبحِر في المياه الصافية عند مُنحدرات نهرية وانقلب بك قارب الكاياك الذي تركبه. وحين تُدرك أنه ليس من الحكمة أن تواصل رحلتك بقاربٍ مقلوب رأسًا على عقب تُحاول تعديل وضع القارب دون أن تترُك قَمرة القيادة التي تحميك بعض الشيء. كيف تفعل ذلك؟
قبل أن يظهر جسدك على السطح، فإنه يواجه قوَّة الطفو التي تُلغي وزنك فعليًّا. ورغم ذلك، وبينما يتحرك جسدك نحوَ السطح، يَكتسِب وزنك أهمية ويُمكن أن يوقف الدوران بسهولة. ومن أجل تجنُّب التوقُّف، حافظ على مُستوى جسدك في المياه لأطول فترة مُمكنة من خلال الانحناء على جانبٍ واحدٍ ثم اترُك قارب الكاياك يُواصل الدوران في وضعية عمودية بينما تُواصِل أنت جذْب المجداف لأسفل أو إلى الوراء. وما إن يصير قارب الكاياك في وضعٍ قائم، اجلِس بظهرٍ مفرود.
يَستعين بعضُ قائدي قَوارب الكاياك بأسلوب «تحريك مِفصَل الورك» في أثناء مرحلةٍ عكس اتجاه القارب. ومن خلال تحريك مفصل الوركَين في الاتجاه المعاكس للتجديف، يدور قارب الكاياك قسرًا. وهذا الإجراء مُفيد للغاية عند ضياع المجداف ولا يُمكن الاستعانة بشيء عِوَضًا عنه إلَّا الأذرُع المَمدودة.
(٩٠) رياضة الكيرلنج
في رياضة الكيرلنج، يُدفَع «الحجَر» الدوَّار كي يَنزلق عبْر حلبة جليدية نحو المنطقة المُستهدفة. يكون الحجر، وهو جسم ثقيل، مدعومًا بحزام دائري مُحكَم. يكون المسار الذي يسلكه الحجَر في البداية مُستقيمًا ولكن يبدأ تدريجيًّا في التقوُّس نحو أحد جانبَي الحلبة، ويَزداد التقوُّس حين يَقترب الحجَر من نهاية المسار. على سبيل المثال، إذا انطلَقَ الحجَر في حركةٍ دائرية في اتجاه عقارب الساعة كما يُرى من أعلى، فإنه يَنحرِف جهة اليمين. ويستغلُّ اللاعبون المُحترِفون التقوُّس كي تلتفَّ حجارتهم حول حجَرٍ آخر قد يَحجب الهدف. لماذا يتقوَّس مسار الحجَر؟
عادةً ما تُمارَس لعبة الكيرلنج على جليد مُحبَّب (جليد ذي نتوءات مُتَّجهة لأعلى) تتكوَّن عندما تُرَشُّ المياه على الحلبة، ربما لأنَّ هذا السطح يُتيح المزيد من الانحراف. يعتقد الكثير من اللاعبين أنَّ كنس الجليد بحماسةٍ أمام الحجر يُضيف إلى طول المسار وكذلك يَزيد الانحراف. ما تفسير هذه التأثيرات؟
ومسألة الجليد المُحبَّب غير مُفسَّرة، وأحيانًا يُستهان بمُمارسة الكنس دون وجهِ حق؛ فالسطح المُحبَّب قد يُعزِّز اعتماد الاحتكاك على السرعة. بالتأكيد، يُزيل الكنس الحبيبات الخشِنة ونُدفَ الثلج التي قد تُعيق الحجر، ولكنه قد يزلق حركة الحجَر من خلال إذابة الجليد ولو جزئيًّا.
(٩١) السَّير على الحبال
كيف يُساعد عمود طويل وثقيل السائر على الحبال في الحفاظ على توازُنه، ولا سيما إذا كان العرض في الهواء الطلْق ومع هبوب رياح مُعتدلة؟
وبعض عروض السَّير على الحبال تبدو خطيرة للغاية؛ ففي عام ١٩٨١ سار ستيفن ماكبيك على سلك يَربط بين قِمَّتَين بجبال تسوجشبيتسه، الواقعة على الحدود بين النمسا وألمانيا، وأثناء جزءٍ من استعراض السَّير، كان ماكبيك على ارتفاع كيلومتر فوق سطح الأرض. وفي اليوم نفسه سار على كابل تستخدمه عربات التلفريك بين قِمَم الجبل. واستطاع بطريقةٍ ما أن يتغلَّب على درجة مَيلٍ تجاوزت ٣٠ درجة.
وفي عام ١٩٧٤ سار فيليب بيتي فوق سلك يربط بين بُرجَي مركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك على ارتفاع ٤٠٠ متر من مستوى الأرض. كان قد مدَّ السلك بين البُرجَين باستخدام سهمٍ وقَوس. وبعد أن عبَر المسافة بين البُرجَين ٧ مرات على الأقل، قامت الشرطة باعتقاله بجريمة التعدِّي على مُمتلكات الغَير. يبدو أنهم لم يَستطيعوا التفكير في أيِّ أسبابٍ أخرى لمنعه؛ نظرًا لأنَّ المُشرِّعين لم يتوقَّعوا احتمالية إدراج السَّير على الحبال تحت بند الجرائم الجنائية.
(٩٢) ركوب الثِّيران
لماذا يُعَد ركوب الثِّيران أو الماشية غير المروَّضة في رياضة الروديو (أو ركوب الثور الآلي في الحانات، كما كان شائعًا في سبعينيَّات القرن العشرين) أمرًا في غاية الصعوبة؟ هل يُوجَد أيُّ شيءٍ يستطيع الراكب المُحنَّك أن يفعله لكي يَبقى على ظهر الثَّور بخلاف التشبُّث بالطَّوق المربوط حول صدْر الحيوان؟
ويستطيع الراكب أن يُحسِّن أداءه إذا فرد إحدى ذراعَيه في حين أمسك بالطَّوق بالذِّراع الأخرى. ثم يُمكنه بعد ذلك أن يفرد ذِراعه في اتجاهٍ يقاوم أيَّ دوَران مُفاجئ لجسم الراكب نتيجةً لحركة الثور أسفل منه. ولا بدَّ أن يفرد الذراع الطليقَةَ عاليًا بدلًا من أن تكون على مستوًى مُنخفِض؛ بحيث تكون كُتلتها بعيدة عن المركز الذي يَميل الراكب أن يدور حوله في أيِّ لحظة. حينئذٍ فقط تستطيع حركة الذراع الطليقة أن تُقاوم بفعالية دوران الجزء العلوي الأضخم من الجسم. وإذا أمسك الراكب بقُبَّعة كبيرة في يدِه الطليقة، قد تَزيد مُقاومة الهواء الواقعة على القبَّعة في أثناء التلويح بها من قدْر المقاومة لدوران الجزء العُلوي من الجسم.
ويفعل المُتزلِّج حديث العهد بالتزلج بحذاء ذي نصل أو عجلات، شيئًا مُشابهًا لحلِّ مُشكلة فقْد التوازُن ولو جزئيًا. ففي أثناء مُحاولتِي الأولى للتزلُّج على الجليد، عندما اختلَّت الزلاجات، أدرتُ ذراعي تلقائيًّا على هيئة دوائر رأسية من فوق كتفي (مثل الطاحونة الهوائية) لكي أُحافظ على وضعية مركز الكتلة فوق الزلَّاجات؛ ومِن ثمَّ أحافظ على توازُني وما تبقَّى من كرامتي.
(٩٣) تمزيق ورق التواليت
يتمثَّل أحد إحباطات الحياة، حتى وإن كان ثانويًّا، في سحْب لفافة ورق التواليت المُجزَّأ، لينتهي بك الأمر بسحْب مُربَّع واحد فقط، وهو بالتأكيد لن يَفي بالغرض. تقتصر المشكلة على اللفافات الجديدة، ونادرًا ما تحدُث هذه المشكلة مع اللفافات التي أوشكَت على النفاد. لماذا تكون لفافات ورَق التواليت الجديدة مُزعِجة جدًّا في هذا الصدد؟ هل للزاوية التي تسحب بها ورق التواليت أهمية؟ وهل تسُوء المشكلة إذا كان الورق يُسحَب من أعلى اللفافة أم من أسفلها، إذا كان وضع اللفافة معكوسًا؟
عندما تكون لفافة الورق جديدة، يضغط وزنها على القضيب المعدني ويجعل الحد الأقصى للاحتكاك كبيرًا، وهو ما يعني أن السَّحْب المطلوب لتدوير اللفافة سيَقطع الورق بالتأكيد. وعندما تُوشِك اللفافة على النفاد ويكون وزنها أقل، يكون الحدُّ الأقصى أقل؛ ومِن ثَمَّ يُمكِنُك أن تتغلَّب على الاحتكاك بجذبةٍ بسيطة، وبدون أن يتمزَّق الورق على الأرجح. إذا كنت تسحَب في اتجاه علوي، كما هي الحال عادةً إذا كان الطرف السائب أسفل اللفافة، فأنت تُساعد في دعم اللفافة؛ ومن ثَمَّ يكون الحد الأقصى للاحتكاك أقل. هكذا تقلُّ احتمالية تمزُّق الورق. (في هذا التفسير، تجاهلت الدور الذي تلعبه أذرع عزم الدوران؛ أي المسافة بين محور الدوران ونقطة الضغط. ولعلَّك ترغب في مُراجعة نتائجي من خلال النظر في مدى تغيُّر ذراع عزم الدوران عند سحْب ورق التواليت عندما توشك اللفافة على النفاد.)
مع الأسف، لا مفرَّ من الفيزياء حتى داخل الحمام.
(٩٤) قذف الحجارة والقنابل
كيف يُمكنك أن تقذف حجرًا مسطحًا على سطح المياه؟ هل يُمكنك زيادة عدد وثبات الحجَر فوق سطح المياه من خلال زيادة السرعة أو الدوَران الذي تُلقي به الحجَر؟ كيف يتقافَز الحجَر فوق الرمال المُبتلَّة ولماذا يترك زوجًا من الآثار الغائرة المُتقارِبة التي تفصلها مسافات مُتباعِدة على طول مساره؟
في أثناء الحرب العالمية الثانية، ألهم قذف الحجارة فوق المياه فكرة ابتكار أحد الأسلحة المُستخدَمة في سلاح الجوِّ الملَكي. قرَّر سلاح الجو الملَكي تدمير عدَّة سدود حيوية في ألمانيا، ولكن كانت السدود مَتينةً للغاية لدرجة استحالة تدميرها إلَّا إذا وُضعت المُتفجِّرات بالقُرب من القاع؛ ومِن ثَمَّ فإنَّ تدمير الأسطح العلوية لن يُفيد، وكانت الطوربيدات التي تسقطها الطائرات في المياه تَعلَق في الشباك المُنتشرة بالقُرب من السدود. وتزايَدت صعوبات المهمة بحقيقة أنَّ السدود كانت تقع في وديان عميقة وضيِّقة قد تُعيق الهجوم الجوي، وأي هجوم لا بدَّ أن يُشَنَّ في ليلة ظلماء إذا كان مُقدَّرًا للطائرة أن تتفادَى هجوم المدفعية التي تحمي الوديان.
ومن أجل إيجاد حلٍّ للمشكلة، ابتكَر سلاح الجوِّ الملَكي قنبلة أسطوانية بطول ١٫٥ متر وقُطر أصغر قليلًا من ذلك. وحين كانت الطائرات تقترب من السد، كان المُحرِّك يُطلِق قنبلة بقدرٍ كبير من الدوَران الخلفي (بحركة علوية مُعاكسة لاتجاه حركة الطائرة)، وقُذفت قُنبلة من ارتفاع ٢٠ مترًا فوق سطح الماء. (كانت الطائرة مزوَّدة بمِصباحَين ساطعَين يصدُر منهما أشعة مائلة بحيث يلتقي الشعاعان على بُعد ٢٠ مترًا أسفل الطائرة. ومن خلال العثور على الارتفاع الذي يُعطي أصغر بُقعة من الضوء على سطح المياه، تُمكِّن الطيار من وضع الطائرة على الارتفاع المناسب.)
ماذا حدَث حين وصلتِ القُنبلة إلى المياه؟ هل كان لدوَران القنبلة أيُّ استخدامات أخرى عند السد؟
ويُعدُّ قذف الحجارة هوايةً قديمة، ولكن في السنوات الأخيرة استُحدِث «حجر» صناعي يتكوَّن من الرمال والجص. يكون سطحه السُّفلي مقعَّرًا لكي يُقلِّل الاحتكاك بالمياه وكذلك يُقلِّل فقْد الطاقة. بينما وصل الرقم القياسي العالمي للحجَر الطبيعي حوالي ٣٠ قفزة، فإن الحجَر الصناعي يصِل إلى ٣٠ أو ٤٠ قفزة.
ومن أجل تفسير مسار الحجَر فوق الرمال، هبْ أنَّ الحجَر اصطدم أولًا عبْر حافته الخلفية، تُحفَر حفرة ضحلة في الرمال، ويَقلِب الاصطدام الحافة الأمامية بسرعة لتحفُر بذلك حفرة قريبة. بعد ذلك يدفع الاصطدام الثاني الحجَرَ عبْر الهواء وكذلك يُعيد توجيهه بحيث يَنغرِس زَوج آخر من الآثار على طول الشاطئ وهكذا.
عندما اصطدمت قُنبلة سلاح الجوِّ الملَكي بالمياه، فإن حركة الدوَران الخَلفي جعَلَت القنبلة تَقفز بسبب الحركة السريعة للسَّطح السُّفلي في مقابل المياه. الفقد التدريجي للطاقة أثناء قفْز القُنبلة قلَّل من مسافة كلِّ قفزة، إلا أن القفزة ظلَّت كبيرة بالدرجة الكافية لتَجتاز شباك الطوربيد. وعندما اصطدمت القنبلة بحائط السد، أجبر الدوران الخلفي أسطوانة القنبلة على التدحرُج أسفل الحائط. بعد ذلك أشعلت شُحنة هيدروستاتيكية، مجهَّزة على عمق ١٠ أمتار، فتيل القُنبلة. وقال أحد المعلِّقين: «كانت فكرة بسيطة وجميلة لوضع قُنبلة تزن حوالي ١٠ آلاف رطل على بُعد بضع أقدام.»
طُورت قنبلة مُشابهة، ولكنها أصغر حجمًا وكروية الشكل، لإغراق السفن. كان لا بدَّ من تدوير قُنبلتَين لتدُورا دوَرانًا خلفيًّا بمعدل ١٠٠٠ دورة في الدقيقة ثم تسقُطان مِن ارتفاع ٨ أمتار وعلى بُعد حوالي ١٫٥ كيلومتر من الهدف. تمثَّلت الفكرة في أنهما ستَتقافَزان فوق سطح المياه مثل الأسماك الطائرة؛ ومِن المُرجَّح أن تَتفاديا الشباك والقنابل التي تحمي الهدَف. وبمجرَّد أن تَصطدما بالهيكل، تتدحرَجان إلى أسفل على عُمقٍ تَنفجِر عنده الشُّحنة التي تزن ٦٠٠ رطل. ويُمكِن الاستعانة بهذه القنابل أيضًا لاختراق الأنفاق الطويلة؛ فمن خلال إطلاقها عبْر فتحة النفَق، قد تَتقافَز على طول مسافةٍ عميقة من النَّفَق قبل الانفجار. ولأسبابٍ شتَّى، لم تُستخدَم القنابل الأصغر حجمًا مُطلَقًا لأيٍّ من هذَين الغرضين. (على الرغم من أنَّ عِلم الفيزياء مُمتعٌ دومًا، فإنَّ تطبيقاته تكون مُروِّعة أحيانًا.)
(٩٥) دوران المُتزلِّج حول نفسه
إنَّ دوَران المُتزلِّج حول نفسه على أطراف الأصابع هي طريقة معهودة للحفاظ على الزَّخَم الزاوي. فعندما يضمُّ المُتزلِّج ذراعَيه إلى جسده، تدور الزلَّاجة على نحوٍ أسرع. وترجع الزيادة في الحركة الدائرية إلى حقيقة أنه لا يُوجَد عزم دوَران خارجي واقِع على المُتزلِّج، ومن ثَمَّ لا يُمكن لحركته أن تُغيِّر من زخمه الزاوي. هكذا، ونظرًا لأنه يُحرِّك جزءًا من كُتلتِه (الذراعَين وساقًا واحدة على الأرجح) نحو المِحوَر الذي يدور حوله، لا بدَّ أن يَزيد معدَّل دورانه. هذا الرأي صحيح بالتأكيد، ولكن ما القوة التي تجعله يدور على نحوٍ أسرع، وما سبب زيادة طاقتِه الحركية بالضبط؟
(٩٦) دوران الكتاب
المحور المُثير للمشكلة هو المحور الذي يكون عنده توزيع الكتلة والقصور الذاتي الدوَراني مُتوسِّطًا. لو أنك رميتَ الكتاب حول ذلك المحور على نحوٍ مثالي، فإنه سيدور على نحوٍ مستقر. لكن تتمثَّل المشكلة في أنه لا يُمكِنُك أن تُنفِّذ مثل هذه الرمية المثالية. أنت ستُخطِئ حتمًا، وحينئذٍ سينتج عن الخطأ اهتزاز يَزداد سريعًا. وَفق أحد التفسيرات، يُولِّد الخطأ في الترتيب الأوَّلي قوةَ طردٍ مركزي فعَّالة (قوة مُتخيَّلة متَّجهة نحو الخارج باتجاه قطري) واقعة على الكتاب والتي تجعله يدور حول المحور ذي القصور الذاتي الدوَراني الأكبر. والاهتزاز الذي تراه هو عبارة عن مزيجٍ من الدَّوَران الذي بدأته أنت والدوران الإضافي الناتج عن قوة الطرد المركزي.
ويظهر المِحوَر المُعقَّد المُثير للمشكلة وذو التوزيع المتوسِّط للكتلة في جميع أنواع الأجسام. ورغم ذلك، إذا كان أيٌّ من المِحورَين يتمتَّع بقصورٍ ذاتيٍّ دوَرانيٍّ مُتساوٍ، يكون الدوَران حول أيٍّ من المَحاور غير مُستقر، وربما يتحوَّل الدوران إلى لفَّةٍ بطيئة حول المحور بدلًا من أن يكون اهتزازًا واضحًا. بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت مقاوَمة الهواء الواقعة على الجسم المُتحرِّك كبيرة، يكون الدوران — حول المحور ذي توزيع الكتلة والقصور الذاتي الدوَراني الكبيرَين — غير مُستقر. ومن أجل توضيح هذه الخاصيَّة، اقذِف بطاقة مُستطيلة في الهواء بينما تجعلها تدور حول ذلك المحور، تفيد الاحتمالات بأن الأمر سينتهي بالبطاقة وهي تدور حول المحور ذي القصور الذاتي الدوَراني الأقل.
(٩٧) سقوط القطط وحركات روَّاد الفضاء وقفزات الغَوص
إذا سقطت قطَّة من ارتفاع متر أو أكثر بوضعيَّةٍ مقلوبة رأسًا على عقب، فإنها تعدل نفسها سريعًا لكي تهبط أرضًا على مخالبها. ويبدو أنَّ هذه الفعلة تَخرق قانونًا صارمًا في علم الفيزياء؛ ألا وهو: عندما يَغيب عزم الدَّوَران الواقع على جسمٍ ما، فإنه لا يُمكن تغيير الزخم الزاوي لهذا الجسم. في هذه الحالة، يَنطبق هذا على جسم القطة. تبدأ القطة السقوط من دون دوَران؛ ومِن ثَمَّ يكون الزخم الزاوي لها صفرًا، ويغيب عزم الدَّوران الواقع عليها. ورغم ذلك، يُوحي دورانها أن زخمها الزاوي لا يَبقى صفرًا. السؤال: هل تخرِق القطة القانون؟
داخل المركبة الفضائية المُتحرِّكة، كيف يستطيع رائد الفضاء أن يَدور يسارًا أو يمينًا، في حركة «مُنعرجة»، دون أن يلمس شيئًا؟ كيف يُمكن أن «ينعرج» رائد الفضاء، بمعنى أنه يدور إلى الأمام أو الخلْف حول مِحور أفقي يتنقل يَمنةً ويسارًا؟ هل «اللفَّة»، بمعنى الدوَران حول محور أفقي يمتدُّ من الأمام إلى الخلف، مُمكنة؟ (في هذه الحالة، يكون للجسم زخم زاوي صفري القِيمة ويَغيب عزم الدوران الواقع عليه، ورغم ذلك يدور بشكلٍ ما.)
يختلف الوضع مع قفزَة الغطَّاس من على متْن سفينة أو منصَّة لأن السقوط يبدأ عادة بقدْر من الزخم الزاوي عندما يَدفع الغطَّاس نفسه من المنصَّة أثناء القفز. في أبسط قفزات الغطس، ينقلب الغطَّاس بحيث تكون يداه أول شيء يدخل الماء. لماذا يَزداد معدَّل الدوَران عندما يقفز الغطاس بقفزة الغطس بفرْد الساقَين وتحويطهما بالذِّراعَين (قفزة بايك) أو بقفزة الغطس بانثناء الوِرك والرُّكبتَين (قفزة تاك) قبل الاعتدال للدخول في المياه؟ الدوَران السريع مطلوب إذا أراد الغطَّاس أن يلفَّ في الهواء عدة مرات قبل أن يصِل إلى المياه.
كيف يستطيع الغطَّاس أن يلفَّ قبل الغطس؟ على سبيل المثال، ربما يقوم الغطَّاس بثلاث لفاتٍ هوائية في حركة الشقلبة الأمامية. هل يجِب أن تأتيَ الحركة الملتفَّة نتيجة لدفعة مُعينة من المنصَّة أم هل يستطيع الغطَّاس أن يَنطلِق من المنصَّة في حركة شقلبة خالصة ثم يلفَّ في الهواء؟ الكثير من التقنيات الفيزيائية التي يستعين بها الغطَّاسون يستخدمها المُتزلِّجون أثناء «المناورة الهوائية» (أداء مناوَرات بارعة في الجو) ولاعبو الجمباز ومُتزلِّجو الألواح والمشاركون في سباق الدرَّاجات بي إم إكس.
وبعض قفزات الغطس والقفزات على منصَّة الترامبولين مشابهة لسقوط القطة من ارتفاع من حيث إنها تبدأ بدون زخم زاوي. ولكن، بدون ميزة عزم الدَّوَران الناتج من الدفع على المنصَّة، يستطيع الغطاس أو مؤدِّي الترامبولين أن يؤدي حركاتٍ دائريةً في الهواء.
- تفسير ١: تخيَّل أنَّ القطَّة تتكوَّن من نصفَين مُتَّصِلين بمفصل مَرِن عند منتصف عمودها الفقري. يمرُّ محور عبْر كلِّ نصفٍ وكلا المِحورَين يلتقيان بزاوية لأنَّ الجسم مُحدَّب إلى أسفل. وبمجرَّد أن تسقط القطة، يدور النِّصفان حول محورَيهما المُستقلَّين في الاتجاه «نفسه»، في حين يدور المفصل حول محور أفقي في الاتجاه «المعاكس». على سبيل المثال، إذا كان النِّصفان يدوران في اتجاه عقارب الساعة من منظور خلفي، فإن المِفصَل يدور عكس اتجاه عقارب الساعة. (تذكَّر أنه نظرًا لأنَّ النصفَين يدوران معًا، فإن جسم القطة لا يتلوَّى.) يتضمَّن الدَّوران زخمًا زاويًّا، ولكن علامة الزخم الزاوي المتَّجه مع عقارب الساعة تكون سالبة، في حين أنَّ علامة الزخم الزاوي المُتَّجه عكس عقارب الساعة تكون مُوجبة. ومِن ثَمَّ إجمالي الزخم الزاوي الخاص بالقطة أثناء دوَرانها يظلُّ صفرًا، وهي القيمة التي تبدأ القطة بها سقوطها.
- تفسير ٢: مرة أخرى، ألقِ نظرة من منظور خلفي. تسحب القطة ساقَيها الأماميَّتَين إلى الداخل، وتُبقي ساقَيها الخلفيَّتَين ممدودتَين، وتحرك ذيلها في عكس اتجاه عقارب الساعة. هذه الحركة تجعل كلًّا من الرأس والجسم يدوران مع عقارب الساعة، ولكن مع سحْب الساقَين الأماميَّتَين، يدور النصف الأمامي من القطة أكثر من النصف الخلفي. (لاحظ أنه في هذا التفسير، جسم القطة يتلوَّى.) وبينما يواصل الذَّيل دورانه، تمد القطة ساقيها الأماميتَين وتسحب ساقيها الخلفيتَين. يتسبَّب هذا التعديل في دوَران النصف الخلفي مع اتجاه عقارب الساعة على نحوٍ أسرع من النصف الأمامي؛ ومن ثَمَّ يتناقَص التِواء الجسم. في النهاية، تصحح القطة من وضعها وتهبط وهي متشبِّثة بالأرض بمخالبها الأمامية. (إذا كانت القطة بلا ذيل، تقوم إحدى ساقيها الخلفيَّتَين بدَور الذيل.) وكما هي الحال مع التفسير الأول، يظلُّ إجمالي الزخم الزاوي أثناء السقوط صفرًا.
ولو كنت أنت رائد الفضاء المذكور في البند، إليك طريقة لكي تَخلُق زاوية انعراج. افرِد ساقك اليُمنى إلى الأمام وساقك اليسرى إلى الخلف. ثم ضُم ساقيك مرة أخرى بعد اندفاع ساقك اليُمنى ناحية اليمين والخلف وساقك اليسرى ناحية اليسار والأمام. وكما تُرى من أعلى، تتحرَّك الساقان في اتجاه عقارب الساعة. وأثناء تحرُّكهما، لا بدَّ أن يدور جذعك في عكس اتجاه عقارب الساعة لكي يَبقى إجمالي الزخم الزاوي الخاص بك صفريَّ القيمة.
لكي تُنفِّذ حركة منعرجة، ارفع ذراعَيك لأعلى يسارًا ويَمينًا ثم حركهما في دوائر في الاتجاه نفسه، كما لو أنك تَسبَح. يدور جذعُك في الاتجاه المعاكس، ومرة أخرى يظلُّ إجمالي الزخم الزاوي الخاص بك صفرًا، وتأتي اللفَّة من مزيجٍ من الحركة المُنعرجة والتأرجُح. (أين تنتهي بك الحال إذا ما تعرَّضتَ لسلسلةٍ من الانعراجات ناحية اليسار وحركة مُنعرجة أمامية ثم انعراج نحوَ اليمين؟ ماذا عن سلسلةٍ من الحركات المُنعرِجة وانعراج نحوَ اليمين ثم حركة مُنعرِجة خلفية؟ من المُثير للدهشة أنَّ الأمر ينتهي بك في نفس الاتجاه، رغم أنك تُشبِهُ في أيٍّ من هذه الحالات فردًا من فرقة المُهرِّجين الثلاثة.)
إذا نفذت قفزة الغطس بفرْد الساقين أو انثناء الورك والركبَتَين أثناء الشقلبة الهوائية، يزداد معدَّل دورانك لأنك تجذِب الكتلة نحوَ المحور الذي تدور حوله. (في هذه الحالة تُشبِهُ المُتزلِّج الذي يضمُّ ذراعَيه وساق واحدة أثناء الدَّوَران حول نفسه على أطراف أصابعه.) يُقلِّل الجذب الداخلي توزيع الكتلة خاصَّتك. ولا يتغيَّر الزخم الزاوي الخاص بك الناتج عن ذلك التوزيع ومعدَّل دورانك.
وإذا حرَّكتَ ذراعك اليُمنى إلى أعلى وذراعك اليُسرى إلى أسفل أثناء الشقلبة الهوائية، فإنَّ حركتهما تُجبِر جذعك على الدوَران مع تحرُّك رأسك نحو اليمين. لا تُغير الحركة الزخم الزاوي الخاص بك ولكنها تتسبَّب في عدم استقامة المحوَر الذي تتشقلب حوله من اتجاه الزخم الزاوي، وتتمثَّل النتيجة في حدوث الْتِواء. وهكذا، لستَ بحاجة إلى بدء حركة التِواء من خلال دفع منصَّة الغطس ولكن يُمكن تنفيذ حركة الالتواء في الهواء.
(٩٨) الشقلبة الرباعية
في العاشر من يوليو عام ١٩٨٢، بمدينة توسان بولاية أريزونا، الولايات المتحدة الأمريكية، أفلَتَ لاعِب الأكروبات الهوائي، ميجيل فاسكيز، قبضتَه من قضيب أرجوحته أثناء أداء فقرةٍ في سيرك ذا رينجلينج براذرز آند بارنوم آند بيلي، وثَنى رُكبتَيه وتشقلَبَ أربع مرَّاتٍ كاملة ثم أمسكَ بيد أخيه، خوان، الذي كان مُتدلِّيًا من فوق أرجوحة أخرى. كانت هذه هي المرة الأولى التي تؤدَّى فيها شقلبة «رباعية» أمام جمهور السيرك، على الرغم من أن المحاولة بدأت منذ عام ١٨٩٧ حين نُفِّذت أول شقلبة ثلاثية. ما الذي يجعل الشقلبة الرباعية صعبةً للغاية (وبالتَّبعيَّة، يجعل الشقلبة أربع مرَّاتٍ ونصف مُستحيلة)؟
ومن أجل استيفاء الشرط الأول، يقفز لاعب الأكروبات وهو يثني وركه وركبتَيه ليُقرِّب كتلته من مركز الكتلة الذي يدور حوله. وهذه الحركة تزيد معدَّل الدَّوَران مثلما يزداد المعدل عندما يضمُّ المتزلِّج ذراعَيه وإحدى ساقيه إلى الداخل أثناء الدوران حول نفسه. ورغم ذلك لا يستطيع معظم لاعبي الأكروبات أن يضمُّوا أنفسهم بإحكام كافٍ ليَحصُلوا على معدل الدوران المطلوب للشقلبة الرباعية.
ومن أجل استيفاء الشرط الثاني، لا بدَّ أن يلاحظ لاعب الأكروبات الأجواء على نحوٍ جيد بما يَكفي لمعرفة عدد اللفَّات التي قام بها، لكي يخرج من الدَّوَران في الوقت المناسب للإمساك به. ورغم أن سرعة الدوران الخاصة بالقفزة الرباعية (ومِن ثَمَّ القفزة ذات الأربع لفَّات ونصف) تكون كبيرة للغاية لدرجة أن الأجواء المُحيطة تكون غير واضحة بالنسبة إلى لاعب الأكروبات لكي يُقدِّر الدوَران على نحوٍ صحيح؛ ومِن ثَمَّ يستحيل تقريبًا الإمساك به.
(٩٩) سقوط الخُبز المحمَّص
تُوجَد قطعة خُبز محمَّص، الجزء العلوي منها مدهون بالزبد، على طاولة المطبخ، ثم تمَّ الاصطدام بالطاولة بدون قصد لتسقط قطعة الخبز على الأرضية. هل الاعتقاد السائد بأن الخبز المحمَّص سيَسقط دومًا على الجزء المدهون بزبدة حقيقيًّا (باعتباره مثالًا توضيحيًّا لقانون ميرفي الذي ينصُّ هنا على أنه إذا كان «من المُمكن» وقوع الفوضى، فإنها «ستقع» حتمًا)؟
(١٠٠) فن الباليه
يُعزى جمال ورونق فن الباليه جزئيًّا إلى الألاعيب الفيزيائية الدقيقة والخفية وراء هذا الفن. إذا كانت راقصة الباليه ماهرةً، فإنك لن تُلاحظ أبدًا فيزياء حركتها. وبدلًا من ذلك، سترى حركات يبدو بها خلل غريب، كما لو أنها تتحدَّى بعض قوانين الفيزياء، ورغم ذلك فربما تعجز عن تحديد وجه غرابتها. إليك مِثالَين:
في حركة «تور جوتيه» (أو القفزة الدورانية)، تقفز الراقصة من على الأرضية بدون دوران ظاهري ثم تستدير بلفَّة كاملة في الهواء. (لا تؤدي الراقصة حركات دائرية كتلك التي يؤدِّيها رائد الفضاء كما هو مُبيَّن في بندٍ سابق، فمن الصعب اعتبار هذه الحركات ذات رونَق جمالي، وعلى الأرجح ستتطلَّب وقتًا طويلًا.) وقبل أن تهبِط الراقصة على الأرض مباشرة، تتوقَّف عن الدَّوَران.
حركة «فوتيه» (أو الدوران على ساق واحدة) هي عبارة عن سلسلة من الحركات الدَّوَرانية تؤدِّيها راقصة الباليه على ساق واحدة في حين تمدُّ الساق الأخرى إلى الخارج ثم تضمُّها إلى الداخل على فترات مُنتظِمة. وأحد الأمثلة الصعبة على حركة «فوتيه» في الباليه الكلاسيكي موجود في الفصل الثالث من باليه «بحيرة البجعة» عندما يتعيَّن على البجعة السوداء أداء ٣٢ لفة.
في كلا المِثالَين، كيف تُنفَّذ الحركة؟
في حركة «فوتيه»، تضغط راقصة الباليه على الأرضية لتبدأ الدوران ثم تَرتفِع «على أطراف أصابع» قدم واحدة. ثم تضم الساق الأخرى نحو محور الجسد لتزيد الدوران. وعندما تستدير نحو الجمهور، تمدُّ ساقها الطليقة بحيث تستغلُّ تدريجيًّا الزخم الزاوي لبقية الجسم، وللحظةٍ تُواصل الساق الدَّوران حول مِحور الجسد بينما لا يدور باقي الحسم. ويُتيح التوقُّف القصير للراقصة أن ترتخي للحظة من وضعية الوقوف على أطراف الأصابع وتضغط على الأرضية بقدمها لتدور مرةً أخرى.
(١٠١) التزلُّج على الجليد
تُوجَد مجموعة مُتنوِّعة من الطرق التي يُمكنك أن تدور بها أثناء التزلُّج على مُنحدَر، ولكن ما الذي يجعلك تدور بالضبط؟ في حركة «أوستريان تيرن»، تهبط بجسدك نحو الزلَّاجات ثم ترتفع بسرعة مع الاستدارة بالجزء العلوي في الاتجاه المعاكس لاتجاه الدوران المنشود.
ثمة أسلوب آخر يتطلَّب منك أن تُحافظ على الزلَّاجات في وضعية مُستوية على الجليد بينما تُحرِّك ثقلك نحوَ الأمام أو الخلف. ويتوقف الاتجاه الذي تدور نحوه على زاوية انحراف مسارك نزولًا على المُنحدَر. يُسمَّى مسار النزول المباشر على المنحدَر «خط الهبوط». فإذا تحرَّكتَ إلى يسار الخط ونقلتَ ثقلك إلى الأمام، ستلفُّ مع اتجاه عقارب الساعة كما تُرى من أعلى. ونقل ثقلك إلى الخلف يُسفِر عن دوَران عكسي. وتكون النتائج عكسية إذا تزلَّجتَ على يمين خطِّ الهبوط.
ويمكن القيام بالحركات الدَّوَرانية إذا «دفعت» الزلَّاجات تدريجيًّا؛ بمعنى أنك تقوم بإمالتها بحيث تَنغرِس الحافة المُرتفعة في الجليد. على سبيل المثال، إذا نقلتَ ثقلك نحوَ الأمام أثناء الدفع بحدَّة بينما تتزلَّج يسار خط الهبوط، فأنت تستدير عكس اتجاه عقارب الساعة. لاحظ أنه مع الاندفاع، يُسبِّب نقل الثقل دوَرانًا يكون معاكسًا للاتجاه الذي تسلُكه حين تُبقي الزلَّاجات في وضعية مستوية.
لماذا تتقوَّس الحافة الخارجية لزلَّاجة السباقات من الأمام إلى الخلف؟ لماذا يفضل بعض المُتزلِّجين الزلَّاجات الطويلة بدلًا من القصيرة؟ عندما تتزلَّج نزولًا على خط الهبوط، لماذا يجب عليك أن تميل إلى الأمام بحيث يكون جسدُك مُتعامدًا على المنحدر؟ وإذا قرَّرتَ، في حماقة، أن تبقى منتصبًا، فلماذا تسقط؟
في عام ١٩٧١، سُجِّلَت طريقة مُبتكرة للدوَران في أثناء التزلُّج على يد ديريك سوينسون من جامعة نيومكسيكو. فبدلًا من استخدام عَصَوَي التزلُّج، حمل سوينسون إطار درَّاجة ثقيلًا، مُمسكًا إيَّاه بمحور مُزوَّد بمقبضَين. كان مستوى الإطار عموديًّا وكان الجزء العلوي منه يدور بعيدًا عن سوينسون. وعندما أراد أن يَستدير ناحية اليمين، كان يخفِض يدَه اليُمنى ويرفع يدَه اليسرى. وتطلَّبَت الاستدارة ناحية اليسار ترتيبًا عكسيًّا. ما سبب الحركات الدورانية؟
تتقوَّس حافة الزلَّاجة قليلًا لكي تُيسِّر عليك الحركات الدَّورانية أكثر. عندما تضغط بحافة الزلَّاجة لأسفل نحوَ الجليد، تُواجِه الزلَّاجة أقلَّ مقاومة من خلال الانزلاق عبْر مسار يُعتبَر امتدادًا للمنحنى.
تهتزُّ الزلَّاجات القصيرة بسهولة بالغة على المسار الوعر لدرجة أنك قد تفقد توازنك. وعلى الرغم من أنَّ الزلَّاجات الطويلة أصعب في التحرُّك والمراوغة بها، فإنها تهتزُّ على نحوٍ أقل.
لتُدرك لماذا يجِب عليك أن تَنحني إلى الأمام في أثناء التزلُّج أسفل خط السقوط، تخيَّل أنَّ وزنك يُمثله مُتَّجه يمرُّ بمركز كتلتك. يُمكن تقسيم المُتَّجه إلى «عنصرَين» أو جزأين؛ عنصر يُشير إلى أسفل المُنحدَر ومسئول عن حركتك، وعنصر ثانٍ يُشير مباشرة إلى المنحدَر. إذا أردتَ أن تستقر، لا بدَّ أن يُشير العنصر الثاني نحوَ قدمك. إذا قرَّرت أن تتزلَّج أثناء اتِّخاذ وضعية عمودية، فإنَّ العنصر الثاني سيَخلُق عزم دوَران حول قدمك ويُديرك إلى الخلف نحوَ الجليد.
وفي تجربة سوينسون، هبْ أن الاحتكاك الواقع على الزلَّاجة يُمكن تجاهله، بمعنى أن سوينسون والإطار في معزِل عن أي عزم دوران خارجي، ثم تخيَّل أنك تُلقي نظرة من أعلى. نظرًا لأن الإطار يدور في البداية حول محور أفقي، لا تلُاحظ دوران أيٍّ من الإطار أو سوينسون بالقُرب من مجال رُؤيتك. وهذا يعني أنه لا يُوجَد زخم زاوي للإطار ولسوينسون حول المِحوَر الرأسي، وهي حالة لا يُمكن تغييرها بسبب غياب أي عزم دوران خارجي. فإذا أخفض سوينسون المِقبَض الأيمن ورفع الأيسر، سترى حينئذٍ الإطار يدور عكس اتجاه عقارب الساعة، الأمر الذي يعني أنه يتمتَّع الآن بقدْر من الزَّخم الزاوي الرأسي. ومن أجل الحفاظ على إجمالي الزخم الزاوي صفرًا كما كان في البداية، لا بدَّ أن يَستدير سوينسون مع اتجاه عقارب الساعة من منظور رؤيتك؛ ومن ثَمَّ تديره حركته إلى يمينه.
(١٠٢) التِّيه وسط الجليد
تخيَّل أنك استيقظتَ لتجد نفسك مفقودًا وسط بِركة كبيرة مجمَّدة تتكدَّس فوقها طبقات الجليد لدرجةٍ تجعلها زلِقة بدرجة بالغة بحيث لا يُمكنك أن تمشي أو تزحف فوقها. كيف يُمكنك الهروب؟
هبْ أنك مُستلقٍ على بطنِك فوق الجليد، وبينما تُفكِّر في الهروب، قررتَ أنه يجِب عليك أن تنقلب على ظهرك لتحميَ نفسك من التجمُّد حتى الموت. كيف يُمكنك أن تَنقلِبَ على ظهرك؟
وتسري قوانين الفيزياء نفسها إذا حاول شخص أن يَقذف كرة بولينج أثناء التزلُّج بحذاء مزوَّد بعجلات ذات قدْرٍ ضئيل من الاحتكاك واقعٍ على دوَران العجلات. لقد حاولتُ فعل ذلك، وعلى الرغم من أن حذاء التزلُّج تحرَّك إلى الوراء، لم يتحرَّك جذعي العلوي ولم أستطع تجنُّب الوقوع على وجهي إلَّا من خلال التشبُّث بأقرب شخصٍ يقِف بجواري.
ولكي تنقلِب على سطحٍ جليدي زلِق للغاية، ارفع ذراعًا واحدة، ثم اضرب بها، وهي ممدودة، الجليدَ على نحوٍ مُنظَّم. وعلى الرغم من أنه قد لا يُوجَد احتكاك واقع على يدِك من جانب الجليد الزلِق، فإنه تُوجَد قوة واقعة على يدِك من الجليد متجهة رأسيًّا لأعلى. وتلك القوى تُتيح لك أن تستدير بجذعك لكي تستلقيَ على ظهرك.
قصة قصيرة
(١٠٣) ترتيب الحركات الدَّوَرانية مُهم
إذا سرتَ مسافة ٣ أمتار ناحية الشمال، ومسافة ٣ أمتار ناحية الشرق، ومسافة ٣ أمتار ناحية الجنوب، ستنتهي بك الحال بالوقوف عند النقطة نفسها بصرف النظر عن اختيارك لترتيب تلك المسافات الثلاثة. ربما يكون الدَّوَران مختلفًا. ثبِّت ذراعك اليمنى إلى أسفل، ووجِّه راحة يدِك نحوَ فخذك. ومع الحفاظ على ثبات معصمك، ارفع أولًا ذراعك حتى تكون في مستوًى أفقيٍّ وأمامي. ثانيًا: حرِّكها أفقيًّا إلى أن تُشير ناحية اليمين. ثالثًا: اخفِضها إلى جانبك، بحيث تكون راحة يدك موجَّهة نحو الأمام. إذا بدأت مرة أخرى، ولكنَّك عكست الحركة؛ أي اتجاه ستكون راحة يدك موجهة نحوَه؟
(١٠٤) أوضاع لعبة النحلة الدوَّارة
نظرًا لأن قوة الجاذبية تجذب لعبة النحلة إلى أسفل، فإنها تَخلق عزم دوَران واقع على لعبة النَّحلة، ممَّا يجعلها تدور على رأسها المُدبَّب على الأرضية ومِن ثَمَّ تتسبَّب في سقوطها. في الواقع، لو لم تدُرْ لعبة النحلة، فإنها تَسقط. ورغم ذلك، ونظرًا لأن لعبة النحلة تدور ولها زخم زاوي بالفعل، يُغيِّر عزم الدوران الاتجاه الخاص بالزخم الزاوي وحسْب، مما يَجعل المتَّجه يدور حول طرفه بحيث يتَّخذ شكلًا مخروطيًّا. ونظرًا لأن الزخم الزاوي يكون على طول المِحوَر الأساسي للعبة النحلة، فإنَّ المحور الأساسي يتَّخذ شكلًا مخروطيًّا أيضًا.
وبمجرَّد أن تَنطلِق لعبة النَّحلة الدوَّارة، يهبط مركز كُتلتها قليلًا، وأثناء ترنُّحها، لا بدَّ من اتِّباع قاعدتَين: لا بدَّ أن يبقى كلٌّ من زخمها الزاوي حول المحور الرأسي وإجمالي طاقتها ثابتَين. ونظرًا لأنَّ الهبوط يُحرِّك دوران لعبة النحلة بعيدًا عن المحور الرأسي، لا بدَّ أن تكون حركة المبادرة سريعة بالدرجة الكافية للحفاظ على ثبات إجمالي الزخم الزاوي حول المحور الرأسي. وتأتي الطاقة الحركية للمُبادرة من هبوط مركز الكتلة الخاص بلعبة النحلة وما يترتَّب عليه من انخفاض في طاقة الوضع.
إذا أطلقت لعبة النحلة بقدْر كافٍ من الدَّوَران، فستُحافظ النحلة على الوضعية الرأسية بدون حركة مبادرة أو تمايُل. ولكن عندما يَستنزف الاحتكاك ومقاومة الهواء، عند الطرف، الطاقةَ بالتدريج، ينخفض الدوَران ليصل إلى قيمةٍ حَرِجة، ثم تبدأ لعبة النحلة في السقوط والمبادرة والتمايل. ومع استنزاف الطاقة أكثر، تَميل لعبة النحلة أكثر، وتدور أسرع وتتمايَل على نحوٍ أكبر، حتى تصطدم في النهاية بالأرضية.
«التوقُّف» هو وضعية تكون فيها لعبة نحلة دوَّارة ذات تصميم يُتيح لها الدوَران بقيمةٍ حَرِجة أكبر تَكفي لحدوث الاحتِكاك عند الطرف كي تدور لعبة النحلة عموديًّا بحيث تقِف مُنتصبة. عادةً تكون لعبة النحلة الدوَّارة عريضة ولها طرف غير حاد، إلا أن سطح الأرضية يُعتبَر عاملًا أيضًا. يحدُث الاحتكاك لأنَّ الطرف يَنزلق أثناء دوَرانه ويتحرَّك كذلك في دائرة على الأرضية بسبب حركة المبادرة.
قصة قصيرة
(١٠٥) حقيبة مسكونة بالعفاريت
يُقال إن روبرت وود، أستاذ الفيزياء الشهير بجامعة جونز هوبكنز، مزح مع حمَّال الحقائب في أحد الفنادق. ووفقًا لما جاء في القصة، أدار وود حدَّافة ضخمة ثُم أغلق الحقيبة عليها قبل وصول حمَّال الحقائب. وعندما سار الحمَّال بالحقيبة في الرواق، لم يُلاحظ شيئًا سوى الوزن. ولكن عندما حاول أن يَنعطِف، أبتِ الحقيبة أن تَنعطِف معه على نحوٍ غامض. كان حمال الحقائب خائفًا للغاية لدرجة أنه ترَك الحقيبة «المسكونة» وفرَّ هاربًا.
(١٠٦) لعبة النَّحلة ذات السَّاق
يُوجَد نوع مُميَّز من لعبة النحلة الدوَّارة، يُطلق عليه «النحلة ذات الساق»، يتكوَّن من جزء كروي الشكل ذي ساق تحلُّ محلَّ الجزء المُفرغ. تدور اللعبة من خلال تدوير الساق بين إصبعي الإبهام والسبابة، مُطلقًا إيَّاها مع توجيه الجزء الكروي (الأثقل وزنًا) إلى أسفل. وبشرط أن يكون هناك قدْر كافٍ من الاحتكاك بين لعبة النحلة الدوَّارة والأرضية، تُصحِّح النحلة الدوَّارة وضعها ثم تدور حول الساق. فيما يتعلَّق بالنسبة إليك، اتِّجاه الدوَران لا يتغيَّر، وبالنسبة إلى لعبة النَّحلة الدوَّارة الاتجاه ينعكس.
يمكنك أن تُلاحظ نفس وضعية الانتصاب إذا جعلت كرة قدم أو بيضة مسلوقة أو خاتم التخرُّج المُطعَّم بحجَر أملس يدور. في كل حالة، لماذا يتحرَّك مركز كتلة الجسم إلى أعلى في عكس اتجاه الجاذبية الأرضية؟
(١٠٧) البيضة الدوَّارة
يُمكنك أن تُحدِّد ما إذا كانت البيضة نيِّئة أم مسلوقة بدون أن تُقشِّرها؛ وذلك إذا قمتَ بإدارتها على جانبها. فالبيضة النيِّئة تدور بوهَن، بينما البيضة المسلوقة تدور جيدًا. إذا قُمتَ بإدارة بيضة مسلوقة بسرعة كافية، فإنها تقِف على أحد طرفَيها. وإذا لمستَ أعلى مركز بيضة نَيِّئة تدور على جانبها، يبدأ الدَّوَران مرة أخرى بعد لمسها، ولكن في حالة البيضة المسلوقة، تُقلِّل هذه اللمسة أيَّ حركة لاحقة. هل يمكنك أن تفسر هذه الحركات؟
(١٠٨) لعبة الديابولو
يُمكنك أن تزيد السرعة من خلال إرخاء الخيط بعض الشيء، وترك لعبة الديابولو تهبط، وتعديل وضعية يدَيك، ثم تكرار العملية مرة أخرى. وإذا وُلِّدت سرعة كافية، تدور لعبة الديابولو حول الخيط بثبات. ومن خلال رفع كلتا يدَيك بسرعة، يُمكنك أن تقذِف اللُّعبة في الهواء ثم تَلتقطها مرة أخرى على الخيط أثناء نزولها.
وإذا كانت لعبة الديابولو مُتوازِنة بشكل تقريبي، فإن قوة الجاذبية الواقعة على الجزء الأثقل وزنًا تولِّد عزم دوران ضئيلًا وتمنَحُ اللعبة قدرًا إضافيًّا ضئيلًا من الزخم الزاوي المتَّجه الذي يُشير ناحية اليسار أو اليمين. وكنتيجة لذلك، لا تَنقلِب لعبة الديابولو بسبب الجاذبية، ولكنها «تبادر» نحو اليسار أو اليمين؛ بمعنى أن محورها الأساسي يلفُّ ناحية اليسار أو اليمين. (يولد الاحتكاك مع الخيط عزم دوران، ولكن إذا كان الخيط مُتمركزًا بشكلٍ تامٍّ أو تقريبي، فإنَّ عزم الدوران سيُبطئ الدوَران تدريجيًّا وحسب.)
إذا بدأ الطرف البَعيد في الانخفاض، يمكنك أن تستغلَّ الخيط لتولد عزم دوران يجعل الطرف يرتفع مرة أخرى. اجذب الخيط بيدك اليمنى ناحيتك وعكس اتجاه الجانب الأيمن من اللعبة. إن الضغط عكس الجانب الأيمن يُولِّد عزم دوران نحو الأسفل وهذا يُعيد متَّجه الزخم الزاوي الخاص باللعبة إلى المستوى الأفقي مرةً أخرى.
ولكي توجِّه اللعبة نحو اليمين، باعد بين يدَيك ثم اجذبهما نحوك. فإما أن يجذب الخيط الجانب السُّفلي من اللعبة أو أنه يَنزلِق نحوك، مما يجعل الطرف البعيد للعبة الديابولو أثقل من الطرف القريب. إذا لم ينزلق الخيط، يولد الضغط على الجانب السُّفلي للعبة عزم دوران يجعل اللعبة تدور. وإذا انزلق الخيط، فإن عزم الدوران الناشئ من الجاذبية الواقعة على الجانب الأثقل وزنًا يجعل اللعبة تدور.
(١٠٩) لعبة النحلة الدوَّارة البيضاوية
النحلة البيضاوية هي نوع لافت للانتباه من لعبة النحلة الدوارة ذات جزء سُفلي بيضاوي مقوَّس. والأنواع المُباعة منها كلعبة لا تدور إلا في اتجاهٍ واحد فقط. وإذا أدرْتَها في الاتجاه الآخر، تتوقَّف سريعًا، وتهتزُّ لأعلى وأسفل، ثم تدور في الاتجاه الذي تَنشُده. بعض أنواع النحلة البيضاوية المصقولة تتصرِف على نحوٍ مماثل. ولعلك تجد نوعية نادرة تعكس دورانها عدَّة مرات قبل أن تنفَد طاقتها. لماذا تعكس النحلة البيضاوية اتجاهها؟
(١١٠) قذف العملات المعدنية والزُّجاجات في الهواء
انقُرْ عملة معدنية بإصبعك لتجعلها تدور فوق سطح الطاولة، ثم شاهِدْها واسمع صوت حركتها. مع بدء استقرارها على الطاولة، تَتناقَص حدَّة صوت اصطدامها ثم تزداد. هل تدور على نحوٍ أسرع؟ كلا، إذا ألقيتَ نظرةً عليها، تكون النقوش عليها مُبهَمة بسبب الحركة، ثم تصير واضحة بما يكفي للتعرُّف عليها.
وازِن زجاجة على حافة سطحٍ ما ثم اجذِبها في اتجاهات مُعاكسة مُستخدِمًا يدًا عند كل جانب، واجعلها تدور. في أثناء الدوران تتحرَّك الزجاجة تدريجيًّا نحو المحور الرأسي وتزداد حدة صوت اصطدامها. يُمكنك أيضًا أن تلفَّ زجاجة في وضعٍ أفقي تقريبًا، إلا أن البدء يكون أصعب. إذا كان بإمكانك أن تُغيِّر اتجاه البدء، فستتَّخذ الزجاجة وضعًا أفقيًّا بالتدريج أثناء اللف، لكن على عكس العملة المعدنية، تقلُّ حدَّة صوت الاصطدام أثناء النزول.
هل يُمكنك أن تُفسِّر هذه الحركات؟
عند تدوير زجاجة في وضعٍ رأسي تقريبًا، فإنها تُبادر أيضًا. وبينما يتحرَّك محورها الأساسي في الاتجاه الرأسي تدريجيًّا، يهبط مركز كُتلتها، وتُستنزف الطاقة مرة أخرى في شكل حركة مُبادرة وتزداد حدَّة الصوت. وعند تدوير الزجاجة في وضعٍ أفقي تقريبًا، تقلُّ حركة المبادرة لأنَّ الزجاجة تهبط إلى أن تصِل حركة المبادرة إلى قيمة نهائية ضئيلة. ثم تستلقي الزجاجة وتتدحرج على الطاولة.
(١١١) الجودو والآيكيدو والمصارعة الأولمبية
كثيرًا ما تَعتمِد لعبة الكاراتيه على القوة وعلى الاصطدام بقوة كبيرة، غير أن الجودو والآيكيدو والمصارعة الأولمبية توظِّف عادةً أساليب يمكنك من خلالها أن تجعل خصمك يفقد توازنه بما يكفي بحيث يسقُط أرضًا. أشهر الحركات هي رمية الورك الأساسية في الجودو؛ وفيها تجعل خصمك يدور حول وركك من الخلف بحيث يَسقُط على البساط. وربما تندهِش إذا علمتَ أنك إذا لم تتدبَّر الرمية جيدًا من منظور الفيزياء، فمن المُرجَّح أن تفشل، خاصَّة لو كان خصمك أكبر منك حجمًا وأقوى. كيف ينبغي إذن أن تنفذ رمية الورك؟
تدبَّر أيضًا المثال التالي من لعبة الآيكيدو. يُمسك بك الخصم من الخلف، وتلتفُّ ذراعاه حول ذراعيك وتُمسك يداه رسغَيك بإحكام. كيف يُمكنك أن تُلقيَه على البساط؟
يتضمَّن الآيكيدو القتال بالعِصي، والذي يُمكِن أن يحدُث فيه السيناريو التالي. يُهاجمك الخصم بطرف عصًا طويلة، ويكون الخصم قريبًا بحيث لا يُمكنك الإمساك بالعصا وجذبها إلى الأمام أكثر، علاوة على ذلك فإنَّ هذه الخطة ستُواجه القوة بالقوة. فهل ثمَّة سبيل أفضل لإسقاط خصمك؟
في سؤال الآيكيدو الأول، ينبغي عليك أن تضمَّ يدَيكَ سريعًا إلى صدرك (كي تَحبِس ذراعَي خصمك) بينما تُحرِّك قدمَك اليُمنى إلى الأمام أيضًا، وتسقط أرضًا وأنت تدور بجسدك إلى اليمين. حين تفعل هذا ستجعله يميل إلى الأمام ويُحرِّك مركز كتلته إلى نقطة دوران أعلى ظهرك. حينها لن يستطيع أن يمنع نفسه من أن يُلقى على البساط.
القتال بالعِصيِّ أمر صعب الإتقان، والإجابة التي سأُقدِّمها هنا شديدة الإيجاز بحيث يصعُب أن تفسِّر هذا الفن. حين يَندفِع خصمك إلى الأمام ينبغي عليك أن تخطو إلى يَمين العصا، وأن تستدير بحيث تستطيع يدُك اليُمنى الإمساك بالجزء الخارجي للعصا، وتستطيع يدك اليمنى الإمساك بالجزء الواقع بين يدَيه. بعد ذلك تَرفع العصا سريعًا وإلى الوراء فوق رأسه، بحيث يَسقط إلى الوراء. من المُهم أن تبدأ حركتك بينما تَندفِع العصا إلى الأمام، لأنَّ في ذلك الحين سيكون خصمك مُلتزمًا بالعزم الأمامي الذي أحدَثه ولن يَستطيع مُقاوَمة تحريكك للعصا إلى الأعلى.
(١١٢) دوران الرصاصة حول نفسها وتمريرات الكرة الطويلة
لماذا تكون البُندقية مزوَّدة بحزوز (ثُلمات حلزونية على امتداد الجزء الداخلي لماسورة البندقية) تُسبِّب دوران الرصاصة حول نفسها؟ وحين تكون الطلقة طويلة ومقوَّسة، ما الذي يجعل الرصاصة تميل بمُقدِّمتها إلى الأسفل بحيث تَضرب الهدف بمُقدِّمتها أولًا؟
في كرة القدَم الأمريكية، لماذا على الظهير الربعي أن يُدير الكرة بقوة حول نفسها لو أراد لها الطيران في الهواء بسلاسة وأن تَهبط خلال النصف الثاني للتمريرة؟ هذا الإجراء لا يجعل الكرة تطير لمسافة أبعد وحسب؛ ولكن أيضًا يجعل التقاطها أسهل. يقوم الراكل بركل الكرة بقدْرٍ من الدوران من أجل جعْلها تطير في نفس المسار السلس، لكن لماذا؟ ألا يجعل هذا الكرة أسهل في الإمساك من طرف لاعبي الفريق المنافس؟
بعض الأظهرة الربعية لا يَقدرون إلَّا على إرسال تمريرات متذبذبة لأنهم يفشلون في لفِّ الكرة حول محورها الطولي فقط. فاللفُّ الإضافي حول محور قصير يمرُّ بعرض الكرة يُنتج التذبذُب، والذي يُعَدُّ مثالًا على المبادرة الحركية؛ بحيث إنَّ المحور الطولي الذي تدور الكرة حوله يدور حول دائرة. يكون اللف والمُبادرة في الاتجاه ذاته (على سبيل المثال في اتجاه عقارب الساعة لو كان الظهير الربعي يَستخدِم اليد اليُمنى)، ويبلغ معدَّل المبادرة ثلاثة أخماس معدَّل اللف.
إذا نجح الظهير الربعي في لفِّ الكرة حول نفسها خلال التمريرة، فلن يَجعلها هذا تَنتقِل لمسافة أبعدَ بسبب توجيهها الانسيابي وحسْب، وإنما سيتمكَّن أيضًا المُتلقِّي من أن يُحدِّد بصورة أفضل بكثيرٍ الموضع الذي ستَهبط الكرة فيه. وحين يجعل الراكل الكرة تدور حول نفسها فإن الهدَف عادةً يكون جعْل الكرة تَنتقِل لمسافة أبعد، لكن ثمَّة هدف ثانوي يتمثَّل في الإبقاء على الكرة في الهواء لفترةٍ أطول حتى يتسنَّى لأعضاء فريق الراكل قطْع مسافة كبيرة من الميدان قبل أن تَهبط الكرة. إن الوقت الذي تقضيه الكرة في الهواء يُسمَّى «زمن التعلُّق» في الهواء، وحين تُركَل الكرة من دون لفٍّ أو حين تُرمى بصورة عشوائية مُتذبذبة فإنَّ مقاومة الهواء تُزيل سريعًا الطاقة الحركية من الكرة، ويقلُّ زمن التعلُّق.
حين تُطلَق الرصاصات إلى الأعلى مباشرة، فإنها أحيانًا تُحافظ على ثباتها خلال الرحلة، وتعود إلى الأرض بقاعدتها أولًا. ورغم أنَّ هذا لا يُصيب في مقتلٍ على الأرجح؛ فمِن المُمكن أن يتسبَّب في جرْح شخصٍ ما. وإذا انقلبَت في أثناء سقوطها أرضًا فستَهبِط بسرعة أبطأ من سُرعتها عند مُغادَرة الفوَّهة، وتكون احتمالات الإصابة أقل. ومع ذلك، إذا بدأ شخص إلى جوارك في إطلاق الرصاص في الهواء، يَجدُر بك أن تَختبِئ بدلًا من أن تقِف في العراء مُتفرِّجًا على ما يحدُث.
(١١٣) إطلاق أُرجوحة الملاعب
كيف «تُحرِّك» الأرجوحة بحيث تصعد عاليًا؟ إذا كانت الأرجوحة في حالة سكون في البداية، كيف تُحرِّكها من دون أن تدفع الأرض بقدمَيك أو تجعل أحدًا يدفعك؟
يُمكنك أن تُحرِّك الأرجوحة من خلال جذب الأحبال حين تتحرَّك إلى الأمام ودفعها حين تتحرَّك إلى الخلف. فالحركة التي تُولِّدها في الأحبال تُنتج قوى في يدَيك تدفعك إلى الأمام حين تجذب وإلى الخلف حين تدفع.
وإحدى الطرق لتحريك الأرجوحة هي الوقوف أو الجلوس مُنتصبًا ممسكًا بالأحبال بيدَيك بينما ذراعَاك مُنثنيتان، ثم تميل بسرعة إلى الخلف حتى تُفرَد ذراعاك عن آخرهما. يدور مركز كتلتك حول مقعد الأرجوحة، في حين يدور المقعد حول القضيب الذي يدعم الأرجوحة. يمدُّ سقوطك اللحظي الأرجوحة بالطاقة الحركية وكذلك زخمها الزاوي.
(١١٤) أرجحة مِبخَرة عملاقة
بعد أن تبدأ حركة المبخرة الأشبه بحركة البندول بدفعةٍ من أحدهم، يُؤرجِح الرجال المبخَرَة من خلال جذب الحبل بشدَّةٍ حين تصل المبخَرَة إلى أدنى نقطة لها، ثم يُرخي الرجال شدَّة الجذب حين تصل المبخرة إلى أعلى نقطة لها. يُقلِّل الجذب الشديد طول حركة البندول مسافة حوالي ثلاثة أمتار، وتَخفيف الجذب يُعيد الطول. وبعد ١٧ جذبة، تَستغرِق أقلَّ من دقيقتَين، تتأرجح المبخرة إلى أعلى ﺑ ٩٠ درجة تقريبًا، مُقتربة من السقف. إن انتقالها السريع عبْر أدنى نقطة يؤجِّج الفحم والبخور الذي يَحترق داخل المبخَرَة. لماذا تُضيف الحركة المحسوبة لفريق الرجال طاقةً إلى الحركة البندولية للمِبخرة؟
(١١٥) البندول والحفرة
في واحدة من أروع قصص الرعب لإدجار ألان بو بعنوان «الحفرة والبندول»، وجد سجين نفسه طريحًا على الأرض يتدلَّى من فوقه بندول على ارتفاع يتراوَح ما بين ٣٠ و٤٠ قدمًا. في البداية، يبدو البندول ساكنًا بلا حَراك، ولكن فيما بعد عندما نظر السجين إلى أعلى مرة أخرى، اكتشف أنه يتأرجَح في حدود مسافة ياردة ويبدو أنَّ المسافة بينه وبين البندول تَتناقص. وما أفزعه أنه أدرك أن الطرَف السُّفلي عبارة عن «هلال فولاذي لامع … والطرف السُّفلي منه حادٌّ مثل شفرة الحلاقة …»
وساعةً تلوَ الأخرى، صارت حركة البندول باعثةً على التنويم؛ إذ يهبط الهلال تدريجيًّا وتزداد مسافة الأرجحة، لتصِل إلى «ثلاثين قدمًا أو أكثر.» ويَصير هدفه واضحًا: يمرُّ برشاقة مباشرة أمام قلب السجين. «إلى الأسفل؛ يزحف البندول بثبات إلى الأسفل. كنت أجد مُتعة جنونية في مقارنة سرعته نحوَ الأسفل بسرعته الأُفقية. نحو اليمين، نحو اليسار — في كل اتجاه — بصرخة رُوح ملعونة! … إلى أسفل، إلى أسفل بلا هوادة!»
هَبْ أن الهلال يتدلَّى من حبل يَنفلِت تدريجيًّا. لماذا يَزداد مدى الأرجحة مع هبوط الهلال؟
(١١٦) البندول المعكوس وراكبو الدراجة الأُحادية
إذا تمَّ عكس اتجاه بندول عادي، يكون مزعزعًا وسيَسهل سقوطه. ومع ذلك، إذا تأرجح الحامل الخاص به رأسيًّا وبسرعة، وإذا كان يوجد قليل من الاحتكاك بين البندول والحامل، لماذا يقف البندول منتصبًا؟ يكون البندول مستقرًّا للغاية لدرجة أنك لو وَكَزته جانبًا، فإنه سيَستعيد وضعه المُنتصِب سريعًا.
وعوضًا عن ذلك، إذا تذبذب حامل البندول على نحوٍ أفقي، يتأرجَح البندول حول المحور الرأسي وهو مقلوب رأسًا على عقب، كما لو أنَّ اتجاه الجاذبية الأرضية مَعكوس. يستغلُّ راكب الدرَّاجة الأُحادية قانونًا فيزيائيًّا مشابهًا. عندما يشرع الراكب في السقوط — إلى الأمام مثلًا — يَستعيد التوازُن مرة أخرى لفترة قصيرة من خلال توجيه العجلة إلى الأمام بعض الشيء. وعندما يَشرع الراكب في السقوط إلى الخلف، يُوجِّه العجلة إلى الخلف.
هل يُمكن رصُّ عدة قضبان متَّصِلة بعضها ببعض في مجموعة؛ بحيث تقف منتصبةً مثل البندول المعكوس، إذا ما اهتزَّ القضيب السُّفلي على نحوٍ رأسي؟ هل يُمكن جعل سلك طويل يقف منتصبًا بنفس الطريقة؟ والسؤال الأهم من بين كلِّ الأسئلة: هل يُمكن جعل حبلٍ يقف منتصبًا مثلما يحدُث في الخدع الكلاسيكية الهندية المُستخدَم فيها الحبال التي فيها يمتدُّ الحبل إلى أعلى بدون أيِّ وسيلة للدعم عند الطرف المُعلَّق في الهواء؟
ويمكن جعل عدَّة قضبان، مُرتبطة بعضها ببعض في سلسلة، تقف منتصبة إذا اهتزَّ القضيب السفلي عموديًّا وبسرعة كافية. ويمكن جعل سلك طويل للغاية يقف منتصبًا بمفرده (ينثني السلك تحت وطأة وزنه) إذا اهتز. ورغم ذلك، لا يمكن جعْل حبلٍ ينتصب لأنه مرن جدًّا؛ ومن ثَمَّ خدعة الحبال الهندية ما هي إلَّا خدعة بصرية.
(١١٧) مُوازنة حمولة كبيرة فوق الرأس
في بعض الثقافات، كما هي الحال في الثقافة الكينية، يستطيع الأفراد (ولا سيما النساء) وضع حمولاتٍ ضخمة فوق رءوسهم. لعلهم يتمتَّعون بعضلات رقبة قوية وقُدرة بالغة على التوازُن، إلَّا أن السِّمة المُثيرة للدهشة فعلًا تتمثل في الجُهد اليسير المطلوب للقيام بذلك. على سبيل المثال، ربما يكون في مقدور امرأةٍ أن تحمل وزنًا يصل حتى ٢٠٪ من وزنها دون أن تُضطرَّ إلى اللهاث (في الواقع، دون بذْل أي جهد إضافي من جانبها)، في حين أنه يصعب جدًّا على السيدات الأوروبيَّات أو الأمريكيات اللاتي يتمتَّعن بالصحة والقوة نفسها أن يحملنَ مثل هذه الحمولة. ما السرُّ وراء الأشخاص البارعين في موازنة الأحمال فوق رءوسهم؟
تسير النسوة البارعات في موازنة الأحمال على رءوسهن، في كينيا مثلًا، بهذه الطريقة المُعتادة والقاصِرة قليلًا حين «لا يحمِلنَ» شيئًا فوق رءوسهن.
ولكن حين تضع النساء الأحمال فوق رءوسهن، يكون زمن قصور المشية بعد الوصول إلى أعلى نقطة أقل. في الواقع، ربَّما لا يتطلَّب حَمل ثقل معقول (٢٠٪ من وزن الجسم) بذل جهد أكبر من المُعتاد للسَّير بدون أثقال على الإطلاق، ربما لأنَّ الثقل يجعل السيدة تُغير طاقة الوضع إلى طاقة حركية بكفاءة أكثر من المُعتاد. وإذا كان الثقل يتعدى ٢٠٪ من وزن الجسم، فلا بدَّ أن تبذُل السيدة طاقة أكبر مما لو كانت لا تَحمل أثقالًا، حتى وإن كانت تبذل طاقة أقلَّ من السيدة الأوروبية، مثلًا، التي تسير بشكل مختلف.
(١١٨) موازَنة الأحمال على عارضة مُهتزَّة
الهدَف الأساسي وراء استخدام عارضة مطاطية هو تخفيف حدَّة التبايُن في القوة الواقعة على الكتف. السرُّ هو أنه بمجرَّد أن تحدُث الاهتزازات على طول العارضة، تهتزُّ الأحمال في عكس اتِّجاه مركز العارضة؛ فعندما تتحرَّك العارضة إلى أعلى، يتحرك المركز إلى أسفل، والعكس صحيح. يهتزُّ المركز على نحوٍ معاكس للكَتِف؛ فعندما يتحرَّك الكتف إلى أعلى، يتحرك المركز إلى أسفل؛ ومِن ثَمَّ تتوافَق حركة الكتف مع الأحمال، مما يؤدي إلى بذل قوة شِبهِ مُستمرة من جانب الكتف. عندما يتحرَّك الكتف إلى أعلى، فإن اهتزاز العارضة يجعل الأحمال تتحرَّك إلى أعلى. وعندما يتحرك الكتف إلى أسفل، تساعد حركة مركز العارضة إلى أعلى في دعم حركة الأحمال إلى أسفل.
(١١٩) البندولان المُقترنان
ربما من المُثير للدهشة أنه يُمكن رؤية انتقال الاهتزازات من خلال بوصلتَين مُتماثلتَين. ضعْ واحدة على الطاولة، ثم ضع الثانية إلى جوارها بعد هزِّها لجعل الإبرة تهتز. تتأرجَح الاهتزازات ذهابًا وإيابًا بين البُوصلتَين.
ما السبب وراء هذه الحركة؟
إذا حركتَ بندولًا واحدًا، يظهر كِلا النمطان ويتنافَسان معًا. بعد ذلك، يتأرجَح البندولان بتردُّد يُمثِّل مُتوسِّط التردُّدات المُرتبطة بكلِّ نمَط. تتفاوَت السَّعة (الخاصة بالتأرجح) وفقًا لمعدل مُساوٍ لاختلاف التردُّدات الخاصَّة بالنمطَين. وبينما تتضاءل السعة الخاصة بأحد البندولَين، تزداد السعة الخاصَّة بالبندول الآخر، ثم تنعكس التغيُّرات. يحدث تبادُل مُماثِل للحركة بالنسبة إلى البوصلتَين لأن الإبرتَين تهتزَّان حول اتجاه الشمال المغناطيسي مثلما يهتزُّ البندولان حول اتجاه الجاذبية.
(١٢٠) البندول الزُّنبركي
في هذه الأمثلة، ما تفسير التبادُل الدوري للحركة؟
هبْ أنه في لحظة ما يهتزُّ الجسم في البداية. حينئذٍ تبدأ الطاقة في الانتقال من حركة الاهتزاز إلى حركة البندول. يكون الانتقال بسبب تغيُّر طول البندول في أثناء الاهتزاز. الموقف أشبَهُ بطفلٍ يقف ويجلس القرفصاء مرَّتَين أثناء كلِّ هزة كاملة لأرجوحةٍ ما. يُغير الطفل الطول الفعلي للأرجوحة، ويزود هذا التصرُّف حركة الأرجوحة بالطاقة ومِن ثَمَّ ترتفع عاليًا.
وبمجرَّد أن يكتمِل انتقال الطاقة، يُعكَس الاتجاه بسبب جذب الجسم المعلَّق للزُّنبرك في كل مرة يتأرجح فيها الجسم ليصل إلى أقصى نقطة. يحدُث الجذب مرتين أثناء كل مرة يتأرجَح فيها البندول بالكامل، ومن ثَمَّ يتوافق تردُّده مع تردُّد حركة الاهتزاز الخالصة ويظهر الاهتزاز مرة أخرى. وعندما تسُود حركة الاهتزاز مرة أخرى، تعود الطاقة إلى حركة البندول. وهكذا دواليك.
(١٢١) الجرس الذي لا يصدُر عنه صوت
عندما وُضع جرس كاتدرائية كولونيا لم يدقَّ عند أرجحتِه لأنه كان يتأرجح على نحوٍ مُتوافِق مع لسان الجرس في اتجاه واحد؛ ومِن ثَمَّ لم يَصطدِم لسان الجرس بالجزء الداخلي من جسم الجرس. ما الذي يُمكِن فِعله حيال هذه المشكلة، باستِثناء إلقاء الجرس من بُرج الكاتدرائية والتخلُّص منه؟
(١٢٢) تأثير الاسباجيتي
ماذا تَنثُر قطرات الصلصلة على نطاق واسع أثناء شفْط شرائط المكرونة الاسباجيتي الطويلة إلى داخل فمك؟ هذا التأثير ليس مُمتعًا فقط على مائدة الطعام، وإنما يُمثل اهتمامًا أيضًا بالنسبة إلى مُعدات التصميم التي يستخدمها المهندسون والتي تسحَب الأوراق (التي تُعاني من «تأثير الاسباجيتي») أو تخرج الأوراق (التي تعاني من «تأثير الاسباجيتي العكسي»).
ثمَّة تفسير مُناسب يشتمل على عنصر الزخم الزاوي. إذا التفَّ الطرف المُتدلِّي لشريط المكرونة حول فتحة فمك، لا بدَّ أن يلتفَّ على نحوٍ أسرع كلما اقترب من تلك الفتحة. الأمر أشبَهُ نوعًا ما بمتزلِّج الجليد الذي يدور في البداية على أطراف أصابعه بذراعَين مفرودتَين إلى الخارج ثم يضمُّهما إلى الداخل.
يمكن ملاحظة تأثير الاسباجيتي في شريط القياس المعدني الذي يُسحَب إلى داخل الحاوية تلقائيًّا عند الضغط على الزر. فعندما يقترِب طرف شريط القياس من فتحة الحاوية، فربما ينحرف الطرف ويصيبك. وتُوصي التعليمات أن تسحب الجزء الأخير ببطء لتتجنَّب الوقوع في هذه المشكلة.
(١٢٣) العنكبوت والذُّبابة
كيف يَجلس العنكبوت وسط الشبكة الدائرية واثقًا من أنَّ الذبابة تشابَكَت أو علَقَت في الشبكة؟ لماذا لا تَنهار الشبكة إذا اخترقتها الذُّبابة؟ بعد الاصطدام بالشبكة، لماذا لا تطير الذُّبابة لتهرُب بكلِّ سهولة؟
وبعض العناكب تَنسُج شباكها بطريقةٍ تُتيح لها ضبط التوتُّر الواقع على الخيوط. وعندما تكون العناكب جائعة للغاية، تزيد التوتُّر بحيث إنَّ الاهتزاز الصادر عن الفريسة الصغيرة الحجم يَبعث موجاتٍ محسوسة عبْر الشبكة. وعندما تكون العناكب غير جائعة، فإنها تُقلِّل التوتُّر بحيث لا تنبعث الموجات المحسوسة إلَّا بسبب اهتزاز الفرائس الكُبرى.
في عام ١٨٨٠، وصف سي في بويز (الفيزيائي المعروف بكتابه الشهير عن أغشية الصابون الرقيقة) كيف أنه استطاع أن يَجذِب انتباه عنكبوت الحدائق من خلال مسِّ حافة شبكة العنكبوت أو أيِّ شيء يدعم الشبكة باستخدام شوكة رنانة مُهتزَّة (الرنين أ). كان بإمكان العنكبوت أن يُميِّز مكان الشوكة بكلِّ سهولة بشرط أن يُوجَد في منتصف الشبكة. ورغم ذلك، إذا لم يكن العنكبوت موجودًا في منتصف الشبكة، فعليه أن يتوجَّه إلى المنتصف أولًا قبل أن يتمكَّن من العثور على مكان الشوكة. عندما وضع بويز الشوكة بالقُرب من العنكبوت بدلًا من وضعها على جزء من الشبكة بعيدًا عن العنكبوت، ميَّز العنكبوت الاهتزازات باعتبارها خطرًا وبسرعةٍ نزل من الشبكة باستخدام خَيطٍ مَتين.
يُقال إنَّ ثمَّة نوعية مُعينة من العناكب الاستوائية تعيش على سرقة طعام العناكب الأخرى لأنها لا تَنسج الشباك الخاصَّة بها، ولكنها تسرق الفرائس من العنكبوت المُضيف صاحب الشبكة. ومن أجل مُراقبة الشبكة، يمدُّ العنكبوت السارق خيوطًا (لمسافة ٢٠ أو ٣٠ سنتيمترًا) من موقع رقوده إلى مِحور الشبكة والخيوط الشعاعية للشبكة. ومتى أوقعت شبكة العنكبوت المضيف ذبابة، مثلًا، تُرسَل الاهتزازات على طول الخيوط المُراقبة. ومن خلال نمَط الاهتزازات، يستطيع العنكبوت السارق أن يُحدِّد موضع الذبابة الحبيسة التي سيأكلها العنكبوت المُضيف لاحقًا. إذا كان الأمر كذلك، فإنَّ العنكبوت السارق سُرعان ما يتسلَّل إلى داخل الشبكة ليسرِق الفريسة الحبيسة.
تقوم الشبكة مقام الفلتر للإيقاع بالفريسة الطائرة التي تكون في نفس حجم العنكبوت تقريبًا أو أصغر من خلال امتصاص الطاقة الحركية والزخم الزاوي للفريسة. والشبكة مصمَّمة بحيث تنهار (تتفسخ) إذا كانت الفريسة أكبر من العنكبوت لأنها حينئذٍ تستطيع أن تُؤذِي العنكبوت.
عندما تَصطدم الفريسة بالشبكة، تتمدَّد الخيوط ولكنها تقوم مقام سائل لزِج تحتفظ داخلها بمُعظم طاقة التصادُم؛ ومن ثَمَّ لا تستطيع الفريسة الفكاك من الشبكة بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، تُوضَع القطرات اللاصقة (التي تكون أشبه بخرَز بالغ الصغر) على طول بعض الخيوط (الخيوط الآسرة) لحبْس الفريسة. (يفصل الخرَز مسافة كافية تُمكِّن العنكبوت من اقتفاء أثره على طول الخيط بدون أن يوقع نفسه في شراك الخيط.) ستُصارع الفريسة ولكن نظرًا لأن الخَيط يتمدَّد بسهولة بالغة، فإنها تَعجز عن العثور على أيِّ شيء يُمكنها من تحرير نفسها من القطرات.
(١٢٤) اهتزاز جسور المُشاة وقاعات الرقص
في عام ١٨٣١، كان جنود سلاح الفرسان يَعبُرون جسرًا معلقًا بالقرب من مانشستر، بإنجلترا، وحسب المُفترض فإنهم كانوا يَخطُون على نحوٍ متوافق مع الاهتزازات التي أحدثوها على الجسر. انهار الجسر حين تداعى أحد المسامير التي تُثبته، وسقط أغلب الرجال في الماء أسفل الجسر. ومنذ ذلك الحين يُؤمَر الجنود بأن «يكسروا إيقاع الخطوات» حين يعبرون أحد الجسور الخفيفة. كيف يُمكن للسَّير في خطوات مُتجانسة أن يسبب انهيار جسْر؟
في عام ٢٠٠١ افتُتح جسر أنيق مُنخفِض على نهر التايمز في لندن بهدَف ربط معرض «تيت مودرن» للفن الحديث بمنطقة كاتدرائية القديس بولس كاحتفال بالأَلفية الجديدة. ومع ذلك فعندما بدأت أولى حشود المُشاة السير فوق الجسر، بدأ جسر الألفية، كما أُطلِق عليه، في الاهتزاز بشدَّة لدرجة أن بعض المُشاة اضطرُّوا إلى الحفاظ على توازُنهم عن طريق الإمساك بالحاجز الجانبي. فما الذي سبَّب الاهتزازات؟
لماذا يُمكن أن تحدُث اهتزازات مُشابهة في قاعة الرقص أو في أثناء حفل صاخِب لموسيقى الروك؟
كان كلُّ شخص، عند السير على جسر الألفية، يُنتج قوةً مؤثرة على الجسر، ولم يكن اتجاه القوة إلى الأسفل وحسب وإنما إلى اليسار أو اليمين كذلك. وهذه القوة تحدُث لأن أي شخص يسير في المُعتاد عن طريق تحريك جسده إلى اليسار وإلى اليمين. هذه القوة المتَّجهة من اليسار إلى اليمين والعكس صغيرة، لكنها على الجسر وقعت بتردُّد (مقداره نصف هرتز أو نصف وحدة في الثانية) كان يَتوافَق على نحوٍ تقريبي مع التردُّد الذي يُمكن أن يَتمايل به الجسر إلى اليسار وإلى اليمين. هذا التوافق في التردُّد يُقال إنه أحد شروط «الرنين»، وتنحو الاهتزازات حينها إلى أن تزداد قوة، كما يَحدُث عندما تزداد أرجحة الطفل الذي يركب أرجوحة في ملعب الأطفال قوةً إذا دفعتَهُ بتردُّدٍ يَتوافق مع تردُّد الأرجوحة.
في البداية كان المُشاة يَسيرون على نحوٍ غير مُتجانس، فكانت حركتهم غير متناغِمة بالأساس؛ ومِن ثمَّ لم تزدَدِ الاهتزازات إلَّا ببطء. لكن سرعان ما صارَت الاهتزازات كبيرة بما يَكفي لدرجة أن بعض المُشاة لم يستطيعوا الحفاظ على توازُنِهم إلا عن طريق السير بصورة مُتناغِمة معها. ومع زيادة عدد المُشاة الذين يسيرون في تناغُم معها، زادت الاهتزازات قوة، وهو ما جعل السير أصعب وحث المزيد من المُشاة على السير على نحو مُتناغم معها. وفي النهاية، كان حوالي ٤٠ بالمائة من المشاة على الجسر يَسيرون بصورة مُتجانسة وكانت الاهتزازات المُتَّجهة من اليسار إلى اليمين والعكس ملحوظة، بل وأدَّت إلى اهتزازاتٍ من أعلى إلى أسفل والعكس. ومن أجل إصلاح الجسر، ركَّب المُهندسون جهازًا لتشتيت الطاقة المُتولِّدة من تأرجُح الجسر من اليسار إلى اليمين، وبهذا منعوا المُشاة من السير على نحوٍ مُتجانِس معها.
يُمكن أن تحدُث اهتزازات مشابهة، لكنها بالأساس ناتجة عن تأثيرات رأسية، في أرضيات المكاتب وصالات الألعاب الرياضية وقاعات الرقص. وهي تكون ملحوظةً بوجهٍ خاص حين يقفِز المشاهدون على نحوٍ متناغم كما يحدُث في بعض أنماط الرقص مثل رقصة «البوجو». أيضًا يمكن أن تحدُث الاهتزازات في منطقة مقاعد المُشاهِدين بحفل موسيقي إذا دقَّ المشاهدون بأقدامهم على الأرض أو حتى إذا صفَّقوا بأيديهم بقوَّة في تناغُم مع الموسيقى. يتراوَح في المُعتاد تردُّد هذا النشاط الذي يقوم به المشاهدون بين ١ هرتز و٣ هرتز. وإذا اقتربت القيمة من أدنى تردُّد رنين لقاعة الرقص أو منطقة المقاعد، فمن المُمكن أن ينشأ الرنين، وحينها لا تكون شدَّتُه وسرعته ملحوظة وحسب لدى المشاهدين وإنما تكون مُخيفة. ومن أجل تجنُّب الرنين والضَّرَر المُحتمَل للبناء أو انهياره، توصي قوانين التشييد والبناء عمومًا بألَّا تقِلَّ أدنى قيمة لتردُّد الرنين الخاص بالبناء عن ٥ هرتز.
(١٢٥) المباني الآيِلة للسقوط والصخور المُتزعزِعة
في أثناء بعض الزلازل، انهارَت مبانٍ مُستقرَّة أشبه بالكتل الحجرية بفعل الهزة الأرضية، في حين بقِيَت مبانٍ، أشبَهُ بالأعمدة وتبدو مُتزعزعة، مُنتصِبةً فوق الأرض. وحتى المنشآت مثل خزَّانات المياه المشتركة المصنوعة على شكل كُرة جولف مُتوازنة على حامل الكرة البلاستيك تَصمُد أمام الهزَّات الأرضية في حين أن الخزانات الأسطوانية الشكل لا تصمد. ما سبب استقرار المباني التي تبدو مُتزعزعة؟ هذا السؤال ذو أهمية واضحة في تصميم المباني الحديثة في المناطق التي يكون بها نشاط زلزالي. كما أنه ذو أهمية أيضًا في الحفاظ على المنشآت القديمة مثل التماثيل الكلاسيكية والأعمدة الموجودة في أماكن مثل اليونان.
وفي المناطق التي تَنتشِر فيها الصخور؛ حيث تكون الصخور مُعرَّضة لعوامل التعرية بسبب التجوية، تستطيع الصخور أن تكشف ما إذا كان من المقدَّر حدوث نشاط زلزالي في المنطقة. على سبيل المثال، الصخور الموجودة في بعض المناطق بولاية كاليفورنيا، والقريبة من فالق سان أندرياس الشهير بمسافة ٣٠ كيلومترًا، تُشير إلى عدم وجود نشاط ملحوظ للزلازل خلال بضعة آلاف من الأعوام الماضية. ما الأدلَّة البسيطة الموجودة في الصخور التي يُمكنها أن تدلَّ على غياب النشاط الزلزالي؟
في بعض المناطق التي تَتناثَر فيها الصخور، تترك تجوية الصخور بعض الصخور تتوازَن على قاعدة ضيِّقة من المواد المُتبقية. وهذه «الصخور المُتزعزِعة» (كما يُطلَق عليها) قد تَسقُط عادةً باليد وقد تتساقَط بهزَّة أرضية متوسِّطة أثناء نشاط زلزالي؛ ومِن ثَمَّ تَعني حقيقة أن الصخور لا تزال صامدة لآلاف السنين أن المنطقة لم يَظهر فيها نشاط زلزالي ملحوظ أثناء تلك الفترة.
(١٢٦) غرق الغوَّاصة النووية «كورسك»
في أغسطس عام ٢٠٠٠، بينما كان الأسطول الشمالي الرُّوسي يجري مناورات ببحر بارنتس شمال روسيا، غرقت الغوَّاصة النوَوية «كورسك» على نحوٍ غامِض. ومع انتشار خبر فقدانها، لاحظ خبراء الزلازل من مُختلف أنحاء نصف الكرة الأرضية الشمالي أنهم في يوم غرق الغوَّاصة «كورسك» سجَّلوا موجاتٍ اهتزازية غريبة صادرة من بحر بارنتس. وأشار تحليل البيانات إلى السبب وراء غرق الغواصة. والمُثير للدَّهشة أكثر، أنه كشف العمق أيضًا. كيف يُمكن تحديد العُمق من قياسات أُجريَت من مكانٍ بعيد للغاية؟
ومن خلال هذه الرسومات، استنتج المُحلِّلون أن المجموعة الأولى من الموجات الاهتزازية كانت ناجمةً عن انفجار حدَث على متْن الغوَّاصة، ربما بسبب طوربيد فشل في الانطلاق عند إطلاقه. اخترق الانفجار بدَن الغوَّاصة واشتعلَت النيران وغرقت الغواصة. وبعد ذلك تولَّدت موجات اهتزازية أقوى بكثير بعد غرق الغواصة وتولَّدت على الأرجح حين تسبَّبت النيران في انفجار عدَّة صواريخ (خمسة على الأرجح) شديدة الانفجار موجودة على متن الغواصة في آنٍ واحد. وصلت هذه الموجات الأقوى إلى محطات رصْد الزلازل على هيئة ذبذبات بفاصلٍ زمني حوالي ٠٫١١ ثانية.
ومن خلال ذلك الفاصل الزمني، استطاع المُحلِّلون أن يُقدِّروا العمق الذي وصلت إليه الغوَّاصة الغارقة. وقع الانفجار الأقوى عندما وصلَتِ الغواصة إلى قاع المُحيط؛ إذ أرسلت ذبذبة إلى قاع البحر وذبذبة إلى أعلى عبْر المياه. «ارتدَّت» الذبذبة المنتقلة عبر المياه عدَّة مرات بين سطح المياه وقاع البحر. وفي كلِّ مرة كانت الذبذبة تصطدم بقاع البحر، كانت تُرسِل ذبذبة أخرى إلى اليابسة، ورصدت محطات رصد الزلازل هذه الذبذبات عند وصولها إلى اليابسة واحدةً تلوَ الأخرى؛ ومِن ثَمَّ كان الفاصل الزمني المُقدَّر ﺑ ٠٫١١ ثانية بين أي ذبذبتَين أرضيَّتَين مُتعاقبتَين مُساويًا للزمن الذي تستغرقه الذبذبة المائية كي تَرتفع إلى سطح المياه وتعود إلى قاع البحر مرةً أخرى. ومن خلال الاستعانة بذلك الفاصل الزمني، استنتج المُحللون أنَّ الغواصة غرقت على عمق ٨٠ مترًا تقريبًا، في الواقع، اكتُشف فيما بعدُ أن الغوَّاصة غرقت على عُمق ١١٥ مترًا، وهو عُمق قريب بدرجة كبيرة من العُمق المحسوب.
ولقد سجَّل خبراء الزلازل انفجاراتٍ كبرى أخرى، مثل انفجار الشاحنة المُلغَّمة في نيروبي بكينيا، عام ١٩٩٨، في هجوم إرهابي شُنَّ على السفارة الأمريكية. وفي عام ١٩٨٩، سجَّلوا موجات زلزالية صادرة عن موجة صدمية (صوتية) تولَّدت من إطلاق المكوك الفضائي «كولومبيا» أثناء تحليقه فوق لوس أنجلوس في رحلة عودته (الناجحة) إلى قاعدة إدواردز الجوية. وفي ١١ سبتمبر ٢٠٠١، سجَّل خبراء الزلازل اصطدام الطائرتَين المخطوفتَين ببُرجَي مركز التجارة العالمي وما تلاه من انهيار للبُرجَين.
(١٢٧) آلية التعقُّب لدى عقرب الرمال
عندما تتحرَّك خنفساء على الرمال وفي نطاق بضع عشرات السنتيمترات من العقرب فإنه يلتفُّ على الفور ناحية الخنفساء ويندفع إليها (كي يَلتهمها). يستطيع العقرب فعل ذلك دون أن يرى الخنفساء (فهو كائن ليلي) أو يَسمعها. كيف يستطيع العقرب أن يُحدِّد بدقةٍ بالغة موقع فريسته؟
(١٢٨) موجات الجليد
لماذا يُمكن لخطوةٍ واحدة على حقلٍ جليدي، في ظروف نادرة كما هو واضح، أن تُثير «هزة جليدية» تنتقل بعيدًا عن الموقع، بصوت سقوطٍ منخفض التردُّد عادةً؟
(١٢٩) موجات ملاعب كرة القدم
(١٣٠) السُّترات الواقية من الرصاص
كيف تعوق نوعية نسيج السترات الواقية ذخائر الأسلحة الخفيفة (رصاص المسدَّسات وشظايا القنابل أو القذائف)؟ ولكنها لا تعوق اختراق سكين؟
والسُّترة الواقية لا تعوق السكِّين لأن نصل السكين يمكن أن يخترق بسهولة الألياف الموجودة بين الأنسجة، ويُمكن للنصل الحاد أن يَقطع الألياف في أثناء تحرُّك السكين إلى الأمام. ولعلك تعتقد أن درع الزرد، الدرع المرن الذي كان الفرسان يرتدونه أيام القتال، سيُجدي نفعًا أكثر، إلا أنه مُصمَّم لصدِّ الضربة العريضة للسيف، لا الاختراق المُركَّز لنصل السكين.
(١٣١) إشكالية رامي السهام
بصرف النظر عن دقَّة توجيه السهم، بمجرَّد أن يَنطلِق السهم ويبدأ في التحرك بعيدًا عن جذع القوس، فإنه يحيد عن الهدف بنحو ٧ درجات. ورغم ذلك، فإنه يتوجَّه نحو نقطة الهدف. ويكون انحراف السهم أكثر غرابة إذا تمَّت مُتابعة السهم بالحركة البطيئة؛ فعلى الرغم من أنه يَستنِد إلى الجذع عند الاستهداف، لا يلمس السهم الجذع مرة أخرى أبدًا بمُجرَّد أن ينطلق. وبدلًا من الانزلاق على طول الجذع، فإنه يتلوَّى حوله. ما تفسير هذا السلوك، وكيف يجد السهم سبيله؟
عندما يُستخدَم القوس الطويل في القتال، لماذا كان السهم يُجهَّز بوضْع كرة من شمع العسل على رأس السهم؟
ولكي يلتفَّ السهم حول الجذع بشكل صحيح، لا بدَّ أن يمرَّ باهتزازٍ كامل لمرة واحدة في اللحظة التي يُغادر فيها الوتر، ويتطلَّب هذا الشرط قدرًا مُعيَّنًا من مرونة السهم. فإذا كان السهم مرنًا أكثر مما ينبغي، تكون الاهتزازات بطيئة للغاية ويَصطدم الطرف ذو الريشة بالجذع. وإذا كان السهم جامدًا أكثر ممَّا ينبغي، فإن الاهتزازات تكون سريعة للغاية أو يكون مدى الحركة الجانبية صغيرًا للغاية؛ ومِن ثَمَّ لا ينطلق السهم من القوس بطاقته الكاملة بسبب الاحتكاك أو اصطدام الطرف ذي الريشة.
يُقال إنَّ كرة شمع العسل كانت توضع على رأس السهم بحيث يخترق السهم درع الجندي على نحوٍ أفضل. ويرجع السبب في ذلك إلى أن الكرة تَصطدم بالدرع أولًا، ويتسبَّب الاصطدام في جعل السَّهم مُتعامدًا أكثر على الدرع حالَما يصِل رأس السهم إلى الدرع. وهكذا، ليس من المُرجَّح أن يصطدم السهم بالدرع ويَحيد عنه، بل من المُرجَّح أكثر أن يخترقه.
(١٣٢) النباتات المهتزَّة
يمكن أن تُكسَر شجرة أو تُقتلَع إذا انثنَت بسبب هبوب عاصفةٍ أو إعصار استوائي. كيف يمكن أن تُعرَّض لمِثل هذا الخطر في العواصف الأصغر أيضًا؟
بالطبع، لا تهبُّ الرياح بمُعدَّلٍ ثابت؛ ولكن إذا اقترب مُتوسِّط تردُّدها من تردُّد رنين الشجرة، ربما يكون التَّمايُل كافيًا لكسر الشجرة أو اقتلاعها. ورغم ذلك، إذا كانت الشجرة مُحاطةً بأشجار أخرى، فلا تُحمى الشجرة من العواصف بصورة جزئية وحسب، وإنما تَفقد طاقة حركتها تدريجيًّا أثناء احتكاك فروعها بفروع الأشجار الأخرى. وأيُّ شجرة، سواء وسط أشجار أُخرى أو مَعزولة، ستَفقِد أيضًا طاقةً بسبب مقاومة الهواء الواقعة على أوراقها وتمدُّد جذوعها وانضغاطها.
ونباتات المحاصيل عُرضة أيضًا للتأرجُح الرنَّان بسبب هبَّات الرياح؛ ومِن ثَمَّ يمكن أن تنكسر أو تُقتلَع بسبب هبوب الرياح المُتواصِل بمعدَّلٍ يقترب من تردُّد الرنين. بالنسبة إلى سيقان الذُّرة، يبلغ هذا التردُّد من ١ إلى ٢ هرتز؛ أي إنه أعلى من تردُّد الأشجار.
(١٣٣) اهتزاز المباني العالية
قد يتسبَّب اصطدام الرياح بمبنًى عالٍ في اهتزاز المبنى، وهو أمر قد يُثير ضِيق سكان المبنى أو حتى غثيانهم. وليس من العملي أو الاقتصادي جعل المبنى أكثر صلابةً لتقليل التمايُل بسبب الرياح. كيف يمكنك أن تُقلِّل الاهتزازات إلى مستوًى مقبول؟
بعض المباني مزوَّدة بمُولِّد ذبذبة زُنبركي مزدوَج، بحيث يُوضَع مُولِّد ذبذبة فوق الكتلة الخاصة بالمولد الزنبركي الأكبر. يتمُّ تعديل ذبذبات المولد الأصغر باستخدام دائرة إلكترونية ترصد اهتزازات المبنى. تُوجَد مبانٍ أخرى مُزوَّدة بمولد ذبذبات مائي حيث تتذبذب المياه من جانبٍ لآخر على نحوٍ غير مُتجانِس مع المبنى. ومن أجل تقليل تمايل بُرجَي بتروناس بكوالالمبور، ماليزيا، وارتفاعهما ١٠١ طابق (٥٠٨ أمتار)، وُضع بندول بكرة تزن ٦٨٠ ألف كيلوجرام عند الطابق الثاني والتسعين.
(١٣٤) الغطس من فوق المنصَّة المُتحرِّكة
في رياضة الغطس من فوق المنصَّة المُتحرِّكة، يُدرك الغاطس المُحترف كيف يؤدِّي القفزة من وضعية العَدْو؛ ففي البداية يأخذ الغاطس ثلاثَ خطوات سريعة على طول المنصَّة ليبدأ اهتزاز المنصَّة ثم يَقفز نحو الطرف المعلَّق في الهواء بحيث يندفع عاليًا في الهواء. يستطيع الغاطس المُستجدُّ أن يُقلِّد تلك الحركة ولكنه يفشل فشلًا ذريعًا في الاندفاع عاليًا ولعلَّه يصطدم في النهاية بالمنصَّة. ما «السر» وراء ارتفاع الغاطس المُحترِف عاليًا؟
(١٣٥) إلقاء الطُّعْم لصيد السَّمك
إذا ألقيتَ طُعْمًا اصطناعيًّا في الهواء بأقصى قوة لدَيك، فإنه لا يَقطع سوى مسافة قصيرة بسبب مُقاوَمة الهواء. إذن، كيف يُمكنك إلقاء الطُّعم لمسافة كبيرة باستخدام صنارة وبكَرة؟ بالتأكيد، تكون المُهمَّة أصعب لأن الصنارة تُواجِه أيضًا مقاومة الهواء، ورغم ذلك يُتيح هذا الإجراء سرعة كبيرة للطُّعْم.
تُقيد مقاومة الهواء المسافة التي يَقطعها خيط الصنارة. وهذا هو السبب الذي يَجعل الصيادين يبحثون عن حلقةٍ صغيرة في الخيط بحيث تنتقل الحلقة في قدرٍ أقلَّ من الهواء. كما أنهم يَبحثون أيضًا عن حلقةٍ غير منتظمة الشكل ذات جزء علوي مُشيرٍ إلى الأَمام وجزء سُفلي أقلَّ تقوسًا. وتُنتِج مُقاومة الهواء الواقعة على الجزء السفلي من هذه الحلقة رفعة أفقية على الخيط تُتيح رميةً أطول. وهذا الأسلوب يَستخدِمه الصيادُون في مسابقات الصيد بالطُّعم الاصطناعي.
يُؤمن بعض الصيادين بأن انثناء العَصا في الرمية الخلفية التمهيدية هو المصدر الأساسي للطاقة التي يَكتسبها الطُّعم أثناء الرمية الأمامية، ولكن الدِّراسات أثبتَت أن لهذا الأمر مساهمةً ضئيلة. ورغم ذلك، مرونة العصا لها أهمية في تصويب الرَّمية والتعامُل مع السمكة. تُقاس صلابة العصا من خلال وزن الحمولة اللازمة عند طرف العصا لجعلها تنثني بقدرٍ مُعيَّن. وعادةً يَختار الصيَّادون عصًا أصلبَ عند صيد الأسماك الأكبر حجمًا؛ لأنَّهم لا يُريدون العصا أن تنثني. يُقاس تردُّد العصا من خلال المُعدَّل الذي تَهتزُّ به عندما يُثبت الطرف المُستهدَف في المكان ويحيد الرأس في البداية بقدْرٍ ضئيل ثم يَنطلِق. إن العِصيَّ ذات التردُّد العالي، التي تُوصَف ﺑ «الرشاقة»، عادةً ما تكون مفضَّلة في الرميات الطويلة. وتُقدِّم العِصيُّ ذات التردُّد المُنخفِض تَحكُّمًا أكبر وتُستخدَم في وضع الطُّعْم بدقَّة في المكان المراد.
(١٣٦) معركة جزر فوكلاند، مدفع بيج بيرثا
في أثناء الحرب العالمية الأولى، اشتبَكَت القوات البحرية البريطانية بالقوات البحرية الألمانية في معركة بالقُرب من جزر فوكلاند، التي تقع على دائرة عرض ٥٠ درجة جنوبًا. وعلى الرغم من أنَّ الطلقات البريطانية كانت مُسدَّدة بدقَّة، فإنها كانت تَستقِرُّ على نحوٍ غامِض على بُعد مئات الأمتار يسار الأهداف. هل كانت أجهزة التصويب مُعطَّلة عن العمل؟ كلا، لا تبدو كذلك؛ لأنها كانت مُصنَّعة بدقَّة في إنجلترا. إذن، ما العَيب؟
في أثناء القصف الألماني لباريس في تلك الحرب، قصَف مدفعٌ ثقيل — لُقِّب باسم «بيج بيرثا» — قنابل على المدينة من مسافة ١١٠ كيلومترات. ولولا أنَّ الألمان وضعوا في الحُسبان المبادئ العِلمية، لأخفقوا في تسديد ضرباتهم إلى الهدَف بمسافة كيلومترين تقريبًا.
عندما شرَع الألمان في فحْص المدفع البعيد المدى، تفاجئوا باكتشاف أنه إذا قُذِفَت القنبلة بزاوية كبيرة، أكبر من ٤٥ درجة، فإنها تَنطلِق لمسافة أبعد كثيرًا، ربما الضعف، ممَّا لو أُطلقت بزاوية ٤٥ درجة. مع الوضع في الاعتبار أنه في الكثير من المواقف الشائعة تُنتج زاوية الإطلاق التي تساوي ٤٥ درجة أقصى مدًى للضربة، لماذا كانت القنابل تنطلق لمسافةٍ أكبر عند إطلاقها بزاوية أكبر؟
وعندما تُقصف قنبلة بعيدة المدى، فإنها لا تكتسب السرعة فقط بسبب القصف وإنما يكون قدْر مُعيَّن من السرعة بسبب دوَران الكرة الأرضية عند موقع القصف. وفي أثناء رحلة القنبلة في الهواء، يُواصل الهدف الدوَران حول محور الكرة الأرضية بسبب الدوَران. وإذا لم تُوضَع حركة الهدف في الحسبان، فإنَّ القنبلة تُخطئ الهدف. على سبيل المثال، في نصف الكرة الأرضية الشمالي، هَبْ أن الهدف يُوجد إلى شَمال موقع قصف القنبلة. فإن كلًّا من الهدف وموقع القصف يدُوران نحو الشرق حول محور الكرة الأرضية، إلَّا أن الهدف، نظرًا لوجوده عند دائرة عرض أكبر، يتبع دائرة أصغر ممَّا يَتبعُها موقع القصف. ونظرًا لأنَّ كلا المَوقعَين لا بدَّ أن يَستكمِلا دائرة كاملة خلال يوم، يتحرَّك الهدف على نحوٍ أبطأ من مَوقع القصْف. وعندما تقصف القنبلة نحو الشمال، فإنها تَنطلِق أيضًا بنفس السرعة نحو الشرق مثلَما يَحدُث مع مَوقِع القصْف. وفي أثناء رحلتها في الهواء، تَنتقِل نحو الشرق على نحوٍ أسرع من الهدف؛ ومن ثَمَّ تَنتهي بها الحال شرق الهدف. ومن منظور شخص موجود في موقع القصف، تَنحرِف القنبلة نحوَ الشرق، بمعنى أنها تَنحرِف نحوَ يمين الهدف.
يضبط جنود المدفعية مقدار الانحراف من خلال التجربة والخطأ، إلَّا أن ضبط جهاز تصويب المدفعية يعتمِد على دوائر العرض ويكون اتجاهه في نصف الكرة الأرضية الشمالي مُعاكِسًا لاتجاهه في نصف الكرة الجنوبي. كانت المدفعية الإنجليزية مضبوطة بدقَّة وَفق دائرة عرض إنجلترا، ولكنها للأسف خاطئة بالنسبة إلى دائرة عرض جنوبي جزر فوكلاند. وبالنسبة إلى الرحلة الطويلة لانطلاق القنابل من مدفع بيج بيرثا، كان الألمان على درايةٍ بضرورة تصحيح الانحراف الناجم عن تأثير كوليوليس؛ بمعنى أنه في أثناء رحلة انطلاق القنبلة في الجو، كانت باريس تتحرَّك.
عندما قصَفَ الألمان قنابل طويلة المدى بزاويةٍ أكبر من ٤٥ درجة، انتقلت القنابل عبر الامتدادات الرقيقة للغِلاف الجوي، مما قلَّل مقاومة الهواء الواقعة عليها؛ ومِن ثَمَّ قطعت القنابل مسافة أبعد على نحوٍ مُذهل.
(١٣٧) جاك وشجرة الفاصوليا المتَّجهة إلى الفضاء
هل تُوجَد أيُّ طريقة لوضع قمرٍ صناعي في مداره ثم إسقاط حبل منه إلى الأرض لكي يُمكن رفع لوازم ضرورية إلى القمَر الصناعي؟ هل تُوجَد أيُّ طريقة يُمكن بها تَحريك القمر الصناعي بعيدًا ثم إبقاء الحبل المقطوع في مكانه؟ (ربما يكون لدَيك الآن «شجرة فاصوليا» ولكن ليس لدَيك عملاق.)
إذا كان القمر الصناعي موجودًا في مدار يَترك الطرف السُّفلي للحبل يحفُّ سطح الكرة الأرضية، وإذا كان الحبل مَرِنًا، فإنه بذلك قد يُوفِّر وسيلة نقل شِبهَ مجانية. يُمكن ربط مقصورة ركَّاب في الطرف السُّفلي من الحبل، وبينما يتمدَّد الحبل بسبب قوة الجذب الصادرة عن القمر الصناعي، فإنَّ المقصورة ستَقفِز في الغلاف الجوي ثم تهبط مرة أخرى بعد قطع مسافة بعيدة. وعلى الرغم من أنه في أثناء الصعود، جذب المقصورة مقابل القمر الصناعي قد يُقلِّل طاقة القمر الصناعي، فستعود أغلب الطاقة أثناء النزول حين تجذب المقصورة القمر الصناعي على طول مداره. ومن أجل إتاحة فقدان الطاقة الحَتمي، قد يُزوَّد القمر الصناعي بصاروخ صغير.
(١٣٨) الاعتدال الربيعي وإيقاف البَيض على أطرافه
حاول أن تَجعل صفًّا من البيض يقِف على أطرافه. تُفيد الاحتمالات بأنه سيَسقط على الفور. هل لدَيك فرصة أفضل لجعل البيض يَقف على أطرافه أثناء يوم الاعتدال الربيعي كما يعتقد البعض؟
إذن، لماذا استمرَّت الشائعات حتى يومِنا هذا؟ ربما يعود أحد الأسباب إلى أن عددًا قليلًا من الأشخاص يَبذلون جهودًا مُتضافِرة في يوم الاعتدال الربيعي، في ذلك اليوم بالذات، لإيقاف البيض على أطرافه. (ولا بدَّ أن هؤلاء الأشخاص يَشعرون بالملل الذي يدفعهم للقيام بذلك.) وإذا حقَّقُوا نجاحًا مُتواضِعًا في ذلك اليوم، حينئذٍ يدَّعون أنَّ هناك شيئًا مميزًا بخصوص الجاذبية الأرضية في ذلك اليوم. ولو أن الفكرة صحيحة، ستشعُر بالفارق بكلِّ تأكيد؛ فكُتلتك أكبر من كتلة البيضة؛ ومن ثَمَّ ينبغي أن تشعُر بالجذب المُستقرِّ من الشمس أكثر بكثير من البيضة. وغنيٌّ عن القول أنك لن تَشعُر بالفارق في يوم الاعتدال الربيعي وعلى الأرجح لن تعرِفَ حين يمرُّ عليك هذا اليوم.
وإذا وجدتَ بيضةً تقف على طرفها، فعلى الأرجح ستجد أن طرفها مسطَّح قليلًا، على الرغم من أن ذلك قد يكون عند منطقة صغيرة. وفيما يلي طريقة خادِعة لإيقاف أيِّ بيضة على طرفها: اصنَع كومة صغيرة من الملح، واضغَط برفقٍ الطرف الحادِّ للبَيضة لأسفل فوق الكومة، اضبط وضعَ البيضة بحيث تكون مُنتصبة، ثم انفخ الملح بحذَر بعيدًا عن البيضة. فبلُّورات الملح القليلة المُتبقيَّة تَنحشِر بين البيضة والطاوِلة وتُوفِّر الدعم الكافي للحفاظ على البيضة في وَضعيَّةٍ مُنتصِبة. ربما لا يرى الشخص الذي يَجهل ما قمتَ به توًّا بلورات الملح المُتبقِّية؛ ولعلَّك تعزو انتصاب البيضة إلى دَفقٍ مُتزايدٍ للأشعة الكونية مثلًا (ولِمَ لا؟ فالأمر منطقي تمامًا مثل عزو وَقفِ النموِّ إلى الاعتدال الربيعي). يُمكنك أيضًا أن تتحايَل على الأمر من خلال تسوية طرَف البيضة باستخدام ورق السنفرة.
إليك طريقة أخرى تُؤتي ثمارها أحيانًا. رُجَّ البيضة لكي تُمزِّق الغشاء المُحيط بالصفار. ثم أمسك البيضة في وضعٍ عمودي على الطاولة لبضع دقائق لتُتيح للصفار أن يستقرَّ عند القاع؛ ومِن ثَمَّ تخفض مركز كتلة البيضة. حينئذٍ ربما تُواصل البيضة المُثقلة عند الطرف الوقوف منتصبةً حين تتركها.
يبدو أن عادةَ إيقاف البيض على أطرافه في أول يومٍ من فصل الربيع بدأت في الصين قبل آلاف السنين. ومنذ ذلك الحين، يتمُّ إيقاف عددٍ لا حصر له من البيض في ذلك اليوم بالذات. ولعلك تظنُّ أنَّ هذا النجاح يُثبت أنَّ هذا اليوم استثنائي. حسنًا، الأمر ليس كذلك؛ فاليوم الأول من فصل الربيع في التقويم الصيني يأتي قبل يوم الاعتدال الربيعي بتسعين يومًا.
(١٣٩) تأثير القمر
يؤمن أغلب الناس أن عدد المواليد وحوادث السيارات وحالات دخول غُرفة الطوارئ بالمُستشفيات والأعمال العدوانية وعددًا كبيرًا من الأنشطة الإنسانية الأخرى يَزداد عند اكتمال القمر. كيف يُمكن للقمر أن يُحدِث هذا التأثير الجنوني؟ هل سبب هذا التأثير هو قوَّة الجاذبية الخاصَّة بالقمر، أم هو تأثير نفسي؟ أم أنه لا وجود له من الأساس؟
هل يُمكن أن يكون تأثير المدِّ والجزر الناتج عن الجاذبية هو السبب؟ بالتأكيد للقمر تأثير ملحوظ ويَسهُل رؤيته على المُحيطات، ويتسبَّب في حدوث المدِّ والجزر. هل يَستجيب الناس إلى التأثير نفسه؟ كلا، يُعزى المدُّ والجزر إلى تفاوت قوَّة الجاذبية للقمر (والشمس) عبْر جميع أنحاء الكرة الأرضية. وهذا التفاوُت على مساحة شاسعة يُسفِر عن تجميع المياه. وأثناء دوَران الكرة الأرضية، تدور بعض مناطق المُحيطات عبْر هذا التجميع ويَحدُث عندها مدٌّ وجزر. وتفاوُت تأثير قوة جاذبية القمر على عرض الشخص (أو طوله) هو تفاوت ضئيل للغاية؛ بحيث لا يُسفِر عن أي تأثير مُشابِهٍ للمدِّ والجزر. من ثَمَّ هذه أيضًا ليست الإجابة.
ولكن لماذا نضع الجاذبية في الحسبان؟ فالقمر البدْر يعني أن وجه القمر الكامل (من منظورنا) تُنيره الشمس. وامتداد هذه الإنارة لا يُؤثِّر بأيِّ حال من الأحوال على قوة الجاذبية الواقِعة علينا بسبب القمر. ومن ثَمَّ قد يَعتقِد المرء أن تأثير القمر هو تأثير نفسي؛ بمعنى أن الناس يَهتاجون بشكلٍ أو آخر بسبب الإضاءة الزائدة في المساء، حتَّى وإن كانوا يَعيشون في مدينة ساطعة الإضاءة أو لا يَخرُجون في المساء.
للأسف، إذا سجَّلتَ أرقام المواليد أو حوادث السيارات أو حالات دخول غرفة الطوارئ في المُستشفيات أو الأعمال العدوانية أو أي نشاط إنساني آخر حسب أطوار القمر، فلن تجد أيَّ مُبالغة عند اكتمال القمر. وتأثير القمر ما هو إلَّا أسطورة، حتَّى في أوساط العاملين بقطاع الصحَّة الذين يَجدُر بهم أن يَعرِفوا الحقيقة أكثر من غيرهم.
(١٤٠) تل الجاذبية
تَنتشِر حول العالم أماكن تبدو فيها الجاذبية وكأنها تَسحب السيارة على مُنحدَر أحد التِّلال صعودًا. أحد هذه الأماكن يقع على حدود مدينة منتور بولاية أوهايو. فعندما أُوقِف سيارتي عند سَفح التل دون تعشيق ناقل الحركة، تبدأ السيارة في إبطاء حركتها تدريجيًّا حتى تتوقَّف ثم تبدأ في الاتجاه نحوَ قمَّة التل. هل يُمكِن للجاذبية أن تجذب السيارة إلى أعلى في مثل هذه الأماكن؟ (إذا زُرتَ واحدًا من هذه التلال، كن حذرًا للغاية كي لا تَصطدِم بك سيارة أخرى؛ فالسائق لن يتوقَّع وجود سيارة متوقِّفة أو تتحرَّك ببطء.)
أحيانًا يرجع التأثير الخادع بوجود مَيلٍ كاذب إلى وجود مَيلٍ أكثر حدَّة للطريق قبل وبعد الجزئية التي يظهر فيها التأثير. في أحد الأمثلة، إذا كان الجزء القريب والبَعيد مِن الطريق مُنحدِرَين بشدَّة والجزء الأوسط مُنحدِرًا على نحوٍ مُعتدِل وحسب، قد يبدو الجزء الأوسط وكأنه يصعد أعلى التل. قد يُؤثر المستوى الأفقي أيضًا على إدراكِك للمَيل؛ على سبيل المثال، تخيَّل طريقًا أفقيًّا يَنعطِف نحو اليسار عند سفْح التل مباشرة والذي يُخفي الأفق الحقيقي من ورائه. يتكوَّن لدَيك الانطباع بأن الطريق يَقترب من التل، وينعطف إلى أسفل؛ لأنَّ الأفق الظاهر يكون عند قمَّة التل؛ ومن ثَمَّ يكون عاليًا.
(١٤١) السقوط عبْر مركز الأرض
تخيَّل ثقبًا يمتدُّ عبْر محور دوَران الكرة الأرضية من أحد القُطبَين إلى القطب الآخر. لو قُدِّرَ لك السقوط داخل هذا الثُّقب، كم ستَستغرِق حتى تَصِل إلى الجهة المقابلة، وإذا لم تجد مَهربًا بطريقة أو أخرى، ما الذي سيَحدُث لك؟ هل ستكون الأمور مختلفة بأيِّ حالٍ من الأحوال إذا كان الثُّقب يمرُّ عبْر الكرة الأرضية من موضعٍ آخر؟
اقتُرحت نسخة أقصر من هذا النفق للتنقُّل عبْر المناطق التي تتَّسِم بالكثافة المرورية، كما هي الحال بين مدينة نيويورك وواشنطن العاصمة. كان مِن المُقرَّر حفْر نفَقٍ مُباشِر بين المدينتَين ووضع مسارٍ للسكك الحديدية. وعندما يَنطلِق قطار على طرف مسار السكة الحديدية، فإنه لا يكاد يَستلزِم أيَّ طاقةٍ من المُحرِّك ليَصل إلى الطرف المقابل من المسار. ما الذي يَدفعه، وكم تَستغرِق الرحلة؟
في رواية «من القطب إلى القطب»، وهي مِن أوائل روايات الخيال العلمي للروائي جورج جريفيث، حاول ثلاثة أشخاص القيام برحلة عبْر الكرة الأرضية من خلال حفرة طبيعية (خيالية بالطبع) تمتدُّ بين القُطبَين الشمالي والجنوبي. وابتداءً من عند القطب الجنوبي، هبطَت كبسولتهم أولًا نحوَ مركز الأرض بينما أبطأتها بالونات تَمتلِئ بالهليوم أو الهيدروجين. وحسب سَير أحداث القصة، صارت قوة الجاذبية الواقعة على المُسافرين كبيرة على نحو مُفزِع أثناء اقترابهم من مركز الأرض، وعند المركز تحديدًا، تَختفي قوَّة الجاذبية بشكلٍ مؤقَّت.
ثم جاء الصعود نحوَ القطب الشمالي أبطأ ممَّا هو مُتوقَّع، واستخدموا البالونات مرةً أخرى ليَرتفِعُوا؛ إلَّا أن حسابات العالم الموجود على متْن الكبسولة كشفَت عن أنَّ الكبسولة لن تصِلَ إلَّا لارتفاع مُعيَّن وحسْب وسيكون هناك توقُّف تدريجي، مما يَتسبَّب في وضع الركاب في حالة حصار، وحتى التخلُّص من الماكينات الثقيلة يَفشل في تخفيف الحمل بالدرجة الكافية. ومِن فرْط شعوره باليأس، انحنى العالم بنفسه عبْر كوَّة سُفلية، وتشبَّث بيدَيه لفترةٍ وجيزة، ثم سقَط بعيدًا عن الكبسولة. وكان فقْد كُتلته كافيًا لجعل الكبسولة تصل إلى نهاية النَّفق حيث فرَّ الراكبان الآخران. (عادةً ما يُضحِّي العلماء بأنفسهم لصالح الآخرين.) هل القصة منطقية؟
الآن، واصِل السقوط. بينما تَقترِب من المركز، يقلُّ نصف القُطر الخاص بمَوقِعك وحجم الكُتلة المُتبقِّية والمحصورة في الكرة؛ ومِن ثَمَّ تقلُّ أيضًا قوة الجاذبية الواقعة عليك. وعندما تمرُّ عبْر المركز، تُساوي الجاذبية صفرًا بشكل مؤقَّت. والصعود عبْر باقي المَمرِّ هو عكس الهبوط. وبافتراض تَوافُر الظروف المِثالية، مثل غياب مقاومة الهواء والمسافة المُتساوية بين الصعود والهبوط والفكرة الإعجازية المُتمثِّلة في قدرتك على تحمُّل الحرارة والظروف الفتَّاكة الأخرى الموجودة في مركز الأرض، ستتوقَّف عند وصولك إلى الفتحة الموجودة عند نهاية طريق الصعود.
ويُقَدَّر الوقت المُستغرق لقطع الممرِّ كاملًا ﺑ ٤٢ دقيقة تقريبًا. (وتفترض هذه النتيجة أنَّ كثافة الأرض مُتجانسة. وإذا كان اللبُّ أكثر كثافةً من باقي الأرض، يكون الوقت أقل بمقدار عدَّة دقائق.) وإذا لم تجِد مَخرجًا، فلسوف تقطع الممرَّ ذهابًا وإيابًا إلى الأبد.
ولو كان الممرُّ موجودًا في مكانٍ آخر، فلا بدَّ أن يكون مائلًا لو أردتَ تفادي التصادم بجانبَي الممر. تتمثَّل المشكلة في أنك تبدأ الهبوط بسرعة الدوران التي تحظى بها الأرض عند فتحة الممر. وبينما تسقط نحوَ المركز، تمرُّ على أجزاء ذات سرعة دوران أقل وستَصطدِم بجانب الممر.
يكون الممر الرابط بين مدينتَين أقربَ إلى مركز الأرض عند المنتصف. سيهبط القطار في النصف الأول من مسار السكك الحديدية ثم يَصعد النصف الثاني. ولن تكون هناك حاجة إلى طاقة إضافية إلَّا من أجل التغلُّب على الاحتكاك ومقاومة الهواء. ستَستغرِق الرحلة ٤٢ دقيقة، كما هي الحال مع الممر الرابط بين القُطبَين.
سأترك التفاصيل الخاصَّة بقصَّة الخيال العلمي لتحليلك أنت.
(١٤٢) تمدُّد أكياس التسوُّق البلاستيكية
عندما تملأ كيس تسوُّق بلاستيكيًّا بلوازم البقالة ثم تَحمل الكيس من عند الفتحتَين الموجودتَين في الجزء العلوي من الكيس، لماذا تَصمد الفتحتان أمام الحمولة، وبعد مرور بضع دقائق، يبدأ الكيس في التمدُّد، ربما ليصِل إلى حدِّ التمزُّق؟
(١٤٣) ممرُّ العمالقة وأعمدة النشا
ممرُّ العمالقة بأيرلندا الشمالية عبارة عن طبقة من الحمم البركانية (البازلت) ويتكوَّن الآن من أعمدة بازلتيَّة ذات ارتفاعات مُختلفة. الأعمدة مُذهِلة لأنها تبدو من مقطع عرضي مُتعدِّدةَ الأضلاع، والكثير منه مسدَّس الأضلاع. كيف يُمكن لحمم بركانية، كانت مائعة فيما مضى، أن تتشكَّل على هيئة أعمدة رأسية مُتعدِّدة الأضلاع؟ يُمكِنُك أن تصنع أعمدة مُشابهة بخليطٍ من المياه ونِشا الذُّرة المُجفَّف بمصباح حراري.
بعد هذه المرحلة الأولى من تكوين الصَّدع، يَنشأ تكوين ثانوي من الشقوق داخل الحمم البركانية. وقد يبدأ كلُّ شقٍّ من هذه الشقوق في خطٍّ مُستقيم ولكن أثناء توغُّل الشقوق في جسم الحِمَم البركانية، فإنها تَنحو إلى الانشقاق (أو «التشعُّب»). واستنادًا إلى المُعدَّل الذي تبرُد به الحِمَم البركانية، يُسبِّب تقاطُع الشقوق الثانوية مع شقوق المرحلة الأولى تفسُّخ الحِمَم البركانية إلى أعمدة خماسية أو سداسية الأضلاع.
يُمكنك أن تُلاحِظ شقوق مرحلة أولى وشقوق ثانوية مُشابهة في مواقف كثيرة، مثل طبقات الطين الجاف. يُمكنك أيضًا أن تتأمَّل تكوُّن الشقوق في تجربة مُحكَمة باستخدام خليطٍ من المياه ونشا الذُّرة. وبينما تنتشر (تتغلغل) المياه عبْر المزيج ثم تتبخَّر، يشرع الخليط في الانكماش ومِن ثَمَّ يتعرَّض للضغط وينحو إلى تكوين شقوق. واستنادًا إلى المُعدَّل الذي تتبخر به المياه، يُمكن أن ينتُج عن الشقوق الثانوية أعمدة من نشا الذُّرة ذات أشكالٍ خماسية وسداسية الأضلاع.
(١٤٤) الأظافر المكسورة
إذا كُسِر ظُفرك، فلماذا ينحو الكسر إلى الانحراف يسارًا أو يَمينًا بعَرض الظُّفر بدلًا من التوغُّل على طول الظفر؟
(١٤٥) تجعيد الورق على هيئة كُرة
خُذ قطعة ورق وجعِّدها بين يدَيك، واضغطها على هيئة كرة. سرعان ما تَصِل إلى نقطة لا يُمكنك عندها عصر الكرة أكثر. ورغم ذلك فإنَّ نسبة ٧٥٪ من الكرة عبارة عن هواء؛ فما الذي يعُوقك عن ضغط الكرة أكثر؟
من أجل اعتصار كرة مُجعَّدة بدرجة أكبر، عليك أن تَعتصِر النتوء الموجودة وكذلك تصنع نتوءات جديدة؛ ممَّا يَستلزِم منك المزيد من الطاقة. وتصير الآن عملية إعادة ترتيب الألياف أكثر صعوبة. وفي النهاية، تصِل إلى مرحلة يتطلَّب فيها المزيد من الاعتصار قدرًا من الطاقة والقوَّة أكبر مما يُمكنك تقديمه. ولو صادف أنك وضعتَ الكرة تحت حمولة ثقيلة، ستَنهار تدريجيًّا في غضون الأسابيع القليلة التالية أو حتى السنوات القليلة القادمة؛ فالألياف تتحرَّك تدريجيًّا في «انسِياب لَدِن» كما لو أنها داخل بلاستيك ساخن مائع بعض الشيء.
(١٤٦) الخدعة وراء المُتفجِّرات المأساوية
ذات يومٍ مرَّ آر في جونز، الأستاذ بجامعة أبردين، على دورق مياه خارج أحد المعامل بمدينة أكسفورد وهو يَحمِل مُسدَّسًا. وبغرَض التسلية، أطلق النار على الدَّورق، مُتوقعًا أن يتناثَرَ في كومة من الشظايا كما ينبغي أن تكون الحال عند إطلاق رصاصة على الدَّورق. وبدلًا من ذلك، اختفى الدَّورق تمامًا. وقد ألقى محاضرة عن السَّبب في وقتٍ لاحِق.
وبعد مرور سنوات، عزَم سلاح المهندسين المَلكيِّين بأبردين على إسقاط مدخنةٍ صناعية طويلة باستخدام قوانين الفيزياء التي جاءت في مُحاضرة آر في جونز. ومِن ثَمَّ، وضعوا عبوةً متفجِّرة داخل الجزء السُّفلي من المدخنة المَبنيَّة بالقرميد ثم مَلئوا المدخنة بالمياه لارتفاع مِترَين. وتوقَّعوا أن الانفجار من شأنه أن ينسِفَ الأساس ويُساوي المدخنة بالأرض. حسنًا، كانوا مُحقِّين جزئيًّا؛ إذ انفجر الجزء السفلي — بمسافة مِترَين — من المدخنة، ولكن على نحوٍ مُرتَّب للغاية لدرجة أنَّ باقي المدخَنة سقط بعناية وثبات على بقايا الأساس القديمة. عندئذٍ واجه المُهندِسون مشكلةً أسوأ بين أيديهم.
لماذا نُسِفَ الدورق والمتران السُّفليان من المدخنة تمامًا؟
تُظهر مجموعة من الصور المُدهِشة — بعض الصور الوامِضة المُبكِّرة التي التقطها «دكتور» إدجيرتون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا — استجابة مِصباح عادي لاختراق رصاصة له. عندما تَخترق رصاصة بُصَيلة المصباح الكهربائي، فإنها تُحوِّل الزجاج عند نقطة الاختراق إلى مسحوق ويَندفِعُ جزء من المسحوق نحوَ السلاح مرة أخرى. ألا يَنبغي أن تستلزم اعتبارات القوة والزَّخم أن يُرسَل المسحوق في الاتجاه الذي تسلكه الرصاصة وحدَه؟
عندما اغتيل الرئيس جون كينيدي، تناثَرت بعض أجزاءٍ من دماغه إلى الجزء الخلفي من سيَّارته في اتِّجاه لي هارفي أوزوالد، الذي يظنُّ أغلب المُحقِّقين أنه من أطلق الرصاصة القاتلة. ورغم ذلك، يظنُّ بعض المُحقِّقين أنَّ تناثُر أجزاء من الدماغ نحو الخلف هو في الحقيقة دليل على أن ثَمَّةَ رصاصة أخرى لا بدَّ أنها انطلقت من قناصٍ ثانٍ فوق ربوةٍ على بُعد مسافة قصيرة من مُقدِّمة السيارة. هل الأمر كذلك حتمًا؟
يُعزى تناثُر مسحوق الزجاج إلى الخلف في تجربة إدجيرتون إلى تمدُّد المائع؛ أي كمية الغاز الضئيلة التي يَحتويها المصباح الكهربائي. أنا هنا لا أقصد الاستهانة بمقتل الرئيس كينيدي أو حتى نزع الجانب العاطفي من الحدَث، إلَّا أن تناثُر أجزاء الدماغ في الجزء الخلفي من السيارة يرجِع على الأرجح إلى استجابة السائل الموجود في الدماغ للاصطدام المُباغِت لرصاصة أوزوالد.
(١٤٧) لماذا تَميل الصور المُعلَّقة؟
إذا علَّقتَ صورة ذات حبلٍ قصير على حامل، مسمار مثلًا، فعلى الأرجح ستَميل الصورة. ما الذي يجعلها مُتزعزعة؟ هل يُوجَد أي شيء يُمكنك القيام به لتثبيتها بدلًا من ربط الحبل حول المسمار أو استخدام مسمارين مُتباعدَين؟
(١٤٨) مفاجأة الزُّنبركَين
إذا قطعتَ الخيط القصير الرابط بين الزُّنبركين بحيث يُساهم الخَيطان الأطول في دعم القالب، فهل سيهبط القالب إلى أسفل؟
(١٤٩) ثبات عبوة المشروب الغازي
تُقاس درجة ثبات عبوة المشروب الغازي أو عبوة الجعة على الطاولة من خلال الطاقة اللازمة لإمالة العبوة من وضع الثبات المُعتاد إلى حيث يقع مركز كُتلتها مباشرةً فوق حافة الطاولة. هل العبوة المُمتلئة أكثر استقرارًا أم أقل من العبوة الفارغة؟ وهل تكون العبوة مُستقرَّة أكثر إذا وُجِد بها السائل عند ارتفاع معيَّن؟ ربما يكون السؤال مُهمًّا إذا صادف وجود الطاولة على متن رحلة طيران أو على متن قطار متحرِّك أو إذا حاول ساقي الحانة أن يدفع العبوة عبْر سطح طاولة الحانة.
إذا صببتَ سائلًا من عبوة تدريجيًّا، فإنَّ ثمَّة ثلاثة عوامل تؤثر على ثبات العبوة. ينخفض مركز الكتلة إلى أن يَصِل سطح السائل إليه، ثم يَبدأ مركز الكتلة في الارتفاع. تقلُّ كتلة السائل عندما يَتناقَص. وعندما تَميل العبوة، ينساب السائل المُتبقِّي بحيث يَبقى سطحه العلوي في مستوًى أفقي. وأخذ هذه العوامل في الاعتبار يُوضِّح أن عبوة الجعة أو المَشروب الغازي تكون أكثر ثباتًا عندما يكون ارتفاع السائل أكبر قليلًا من نصف قطر العبوة.
(١٥٠) بندول ويلبرفورس
(١٥١) سباق التسارُع
في سباق التسارُع، ثمَّة عاملان لقياس عنصر التشويق في مسار الربع ميل؛ ألا وهما: السرعة النهائية والزمن المُستغرَق. من أجل الاستعداد للسباق، لماذا يزيد السائق سرعة المُحرِّك فجأة بحيث تدور العجَلتان الخلفيَّتان؟ لماذا هذا الإجراء يُقلِّل الزمن المُستغرَق لقطع المسار، ولكنه لا يَزيد السرعة النهائية بشكل ملحوظ؟
(١٥٢) هل ينبغي أن تَنعطِف أم تتوقَّف؟
من الصعب أن تجد عمليات فيزيائية واقعية أكثر من التصادُمات التي تتضمَّن احتمالية مقتلك. على سبيل المثال، هَبْ أنك اكتشفتَ فجأة أنك تقود مباشرة نحوَ حائطٍ من القرميد عند تقاطُع طرُق. هل ينبغي عليك أن تَضغط على المكابح بالكامل، أم تنعطِف ناحية اليسار أو اليمين بأقصى سرعة، أم تنعطف أثناء الضغط على المكابح؟
هبْ بدلًا من ذلك أنك رأيتَ صندوقًا أمامك على امتداد الطريق السريع. لكي تتفادى الاصطدام بالصندوق، هل ينبغي عليك أن تضغط على المكابح بالكامل أم تُحاول أن تتفادى الصندوق من خلال الانعطاف بالسيارة حوله؟
وإذا كانت سيارتك وسيارة أخرى تتَّجهان نحوَ تقاطُع على طول شارعَين متعامدَين وبسرعتَين مُتماثلتَين، هل ينبغي عليك وعلى قائد السيارة الأخرى أن تَضغطا على المكابح بالكامل دون أن تُغيِّرا الاتجاه؛ أم ينبغي على كلِّ واحدٍ منكما أن ينحرف بعيدًا عن الآخر بحيث تَفترق السيارتان عند التقاطع على طول الطرق المجاورة؟
وتتوقَّف إمكانية تفادي الصندوق على النسبة بين عرض الصندوق والمسافة التي تَفصلك عنه حين تشرع في الاستجابة. الحد الفاصل هنا هو حين يكون عرض الصندوق يُساوي حوالَي نصف المسافة. فبالنسبة إلى الصناديق الأعرض، تُشير الدراسات إلى أنه ينبغي عليك أن تضغط على المكابح بالكامل أثناء توجُّهك مباشرة إلى الصندوق. وبالنسبة إلى الصناديق الأصغر حجمًا، يُمكنك أن تتفادى الصندوق بالقيادة حوله.
وفي حالة وجود سيارتَين على وشْك الاصطدام عند تقاطع الطرق، لعلَّ من الأفضل بالنسبة لقائدي السيارتَين أن ينحرفا. ورغم ذلك، لا يقلُّ الخطر كثيرًا لأنَّ السيارتَين ستتركان الطريق وتَشقَّان طريقهما عبْر أيِّ شيءٍ في طريقهما.
(١٥٣) المرور بجوار حافلة
(١٥٤) الجزء المُتجعِّد على الشريط اللاصق
بالنسبة للكثير من أنواع الشرائط اللاصقة، بينما تجذِب الشريط من البكرة، يتجعَّد جزء صغير من الشريط (حيث ينضغط الشريط على نحوٍ ملحوظ ويتجعَّد حول البكرة) عند الطرف الواصل بين الشريط والبكرة. ولعلك ترى الجزء المُتجعِّد على نحوٍ أفضل إذا لصقتَ شريطَين أحدهما بالآخر ثم نزعتَهما على نحوٍ تدريجي. ما السبب وراء انضغاط هذا الجزء من الشريط اللاصق؟
(١٥٥) التزلُّج في منحنًى
في رياضة التزلُّج الجماعي، يكون الهدَف بالتأكيد هو إتمام الجولة بدايةً من قمَّة المضمار وحتى أدنى نقطة فيه في أقلِّ وقتٍ مُمكن. وعادةً ما يُحَدَّد الفائز بناءً على كسور من الثانية، وهو هامش زمني قد يَصل إلى جزءٍ واحد فقط من الألف. عند الأجزاء المُستقيمة من المضمار، الهدَف هو أن تَنزلِق بأكبر قدر مُمكِن من الإنسيابية. ما الاستراتيجية التي ينبغي اتِّباعها للانعطاف؟ عندما تدخُل المُنعطَف، هل ينبغي لك أن تقود الزلَّاجة بسرعة عالية فوق المُنحدَر أم تُبقيها في أدنى مستوًى بقدْر الإمكان؟ هل ثمَّة خطورة للسقوط (ومِن ثَمَّ الاصطدام والتحطُّم) في كلتا الحالتَين؟
تكون المُنعطَفات على مضمار التزلُّج الجماعي مائلة بحيث يُمكن للسرعة أن تكون عالية. هذا الميل يجعل القوة الداعِمة الواقعة عليك تَميل وتجعل الزلَّاجة تميل فوق السطح الجليدي. يكون المَيل نحوَ مركز الدائرة لكي تُوفِّر القوة الداعمة المزيد من قوة الجذب المركزي. الآن، يُمكنك أن تنعطف بسرعةٍ دون أن تنزلق إلى جانب الطريق، شريطة أن تصعد فوق السطح المائل للمنعطف.
ورغم ذلك، أنت لا تُريد أن تتسلَّق المنعطف المائل أكثر ممَّا يلزم؛ وذلك لثلاثة أسباب. أولًا، كلما صعدْتَ إلى أعلى أكثر، لا بدَّ أن تسير لمسافةٍ أبعد لتُكمِل الجولة؛ ومِن ثمَّ تزيد من زمن الرحلة. ثانيًا: إذا صعدْتَ لأعلى، يستغرق الاحتكاك على طول الحاملات المعدنية للزلَّاجة ومقاومة الهواء وقتًا أطول؛ ومِن ثمَّ تخرج من المنعطف بسرعةٍ أقلَّ ممَّا لو أبقيتَ الزلَّاجة في مستوًى منخفض. ثالثًا، إذا صعدتَ لأعلى بسرعة أقلَّ ممَّا ينبغي قد يتسبب ذلك في السقوط بسبب المَيل.
(١٥٦) الانزلاق بسرعةٍ بالغة
(١٥٧) منزل الأمير الصغير
يُحكى أن الزائر الغامض الذي ظهَر في الحكاية الساحِرة بعنوان «الأمير الصغير» أتى من كوكبٍ لا يَكاد يكون أكبر من بيت. كيف يُمكن أن تبدو الحياة على مثل هذا الكوكب؛ على سبيل المثال، هل بإمكان الأمير الصغير أن يتمشَّى فوق الكوكب؟
(١٥٨) الهبوط بثمرة قرع
في عام ١٩٨٧، وكفقرةٍ استعراضية في عيد الهالوين، أخذ اثنان من قَفَّازي المظلات يَتقاذفان ثمرة قرع بينهما ذهابًا وإيابًا في الجوِّ أثناء قيامهما بفقرة سقوطٍ حُر غرب شيكاجو. كانت الفقرة الاستعراضية مُمتعة للغاية إلى أن فتح آخِرُ قافزٍ مُمسِك بثمرة القرع مظلَّته. تَسبَّب هذا التصرُّف في انفلات ثمرة القرْع من يدَيه. وللأسف، هبطت ثمرة القرع عموديًّا مسافة كيلومتر، واخترقَت سطح أحد المنازل، وارتطمت بأرضيَّة المطبخ، وتناثرت في أرجاء المطبخ الذي تمَّ تجديده مؤخرًا. ما الذي جعل القافز بالمظلَّة يفقد السيطرة على ثمرة القرع؟
(١٥٩) صيد سمكة مشاكسة
إذا كانت السمكة صغيرة، لعلَّ في مقدورك أن تَسحبَها من خلال تدوير بكرة الصنارة بكلِّ بساطة وجذب خَيط الصنارة، ولكن إذا كانت السمكة كبيرة وكثيرة الحركة والمقاومة، ما الذي ينبغي عليك القيام به لتسحبَها؟
وإذا أردتَ أن تُنهك قوى السمكة، فإنَّ الإمساك يكون أسهل باستخدام العصا التي تَنثني؛ لأنك في تلك الحالة تُقصِّر المسافة بين يدَيك وبين طرف العصا وتُقلِّل عزم الدَّوران الذي تُنشئه السمكة. بعد ذلك، أنت في حاجةٍ إلى عزم دوران أقلَّ من يدَيك لتُبقيَ العصا في موضعها الصحيح.
(١٦٠) لعبة العصا والحلقة
هي لعبة تتكوَّن من حلقةٍ بلاستيكية تدور حول عصًا خشبية. إذا أمسكتَ بالعصا في وضع رأسي مع تثبيت الحلقة عند القمَّة ثم قمتَ بإدارة الحلقة، فإنها ستتحرَّك تدريجيًّا إلى أسفل العصا. لماذا يتباطأ مُعدَّل نزولها ويزداد دوَرانها أثناء السقوط؟ وإذا قلبت العصا قبل أن تصِل الحلقة إلى القاع، يُمكِنُك أن تحافظ على استمرار الحركة إلى ما لا نهاية.
ويُحَدَّد معدَّل الهبوط بناءً على درجة مَيل الدوَّامة، وهي ثابتة بسبب الاتجاه المائل للحلقة. وبينما تدور الحلقة على نحوٍ أسرع، تصير أفقية أكثر، ويقلُّ كلٌّ من ميل الدوَّامة ومعدَّل الهبوط.
إذا دارت حلقتان بالقُرب من قمَّة العصا، قد يُصادف أن تلحق الحلقة العلوية بالحلقة السفلية. وعندما تتلامَسان، تقفز الحلقة العلوية إلى أعلى نتيجة التصادُم، صاعدةً إلى أعلى.
(١٦١) المروحة الدوَّارة على عصًا مُثقَّبة
عندما تَعرِض اللعبة على شخصٍ يجهلها، يمكنك أن تنقل الضغط بين إصبعَي الإبهام والسبابة خلسةً لتَعكِس الدوَران. ولا يُوجد حدٌّ للأسباب التي يُمكنك أن تعزو إليها تغيير الاتجاه، مثل تبايُن حدَّة الأشعة الكونية.
ما هي آلية عمل اللعبة؟
(١٦٢) دفع الجُلَّة والإطاحة بالمِطرقة
ما الزاوية التي ينبغي عليك أن تدفع بها الجُلَّة لتُحقِّق أقصى مدًى؟ هل هي ٤٥ درجة كما تدَّعي بعض الكُتب الدراسية؟ إن لم يكن الأمر كذلك، فهل يكون الانحراف بسبب مُقاومة الهواء التي تُواجِهها الجُلَّة أثناء الطيران في الهواء؟
ما الزاوية التي ينبغي عليك أن تُطيح بها بالمِطرقة في رياضة الإطاحة بالمطرقة؟ لماذا يدور اللاعب الرياضي حول نفسه قبل أن يُطيح بالمطرقة، بينما يتحرَّك إلى الأمام أيضًا؟ وقُبَيل الإطاحة مباشرةً، لماذا يجذِب اللاعب المِطرقة نحوَ جسده؟
ومن أجل مُراكمة الطاقة الحركية للمِطرقة قبل الإطاحة بها، يُدير اللاعب المطرقة عدة مرات (مع تثبيت قدمَيْه على الأرض)، ثم يبدأ في الدوران عدة مرات مع المطرقة أثناء التحرك عبْر دائرة الإطلاق؛ وذلك من أجل زيادة سُرعة المطرقة. وحركة المطرقة لا تكون أفقية. بدلًا من ذلك، ترتفع المطرقة إلى نقطة عالية عندما يُواجِه اللاعب الاتجاه المراد الإطاحة بالمطرقة فيه، ثم تنخفض المطرقة إلى نقطة مُتدنِّية في الاتجاه المعاكس تمامًا. وأثناء السقوط يجذِب اللاعب، وهو يُثبِّت كلتا قدمَيْه بشكلٍ مؤقَّتٍ على الأرض، في اتجاه حركة المِطرقة ومن ثَم يزيد الطاقة الحركية.
وبينما يُتمِّم اللاعب آخِرَ لفَّةٍ ويصل إلى حافة دائرة الإطلاق، يجذب المِطرقة فجأةً ناحية جسده ليزيد من سُرعتها (الموقف أشبَهُ بالمُتزلِّج على الجليد الذي يضمُّ ذراعَيه وساقيه ناحية جسده أثناء الدوران على أطراف أصابعه؛ فهذه الحركة تزيد من مُعدَّل الدوَران)، ثم تُطَوَّح المطرقة عند مستوى الكتِف. وهكذا، ينبغي الإطاحة بالمِطرقة بزاويةٍ أقلَّ من ٤٥ درجة بسبب هذا الارتفاع المبدئي للإطلاق.
(١٦٣) القفز أثناء سباقات تزلُّج المُنحدَرات
إذا كان المُتزلِّج المُتمرِّس ينزل منحدرًا ولاحظَ أنَّ المنحدَر يزداد انحدارًا على طول الطريق، فسيجثو المُتزلِّج ثم يقفز إلى أعلى ليرفع ساقَيه ويُحلِّق في الهواء قبل أن يصل إلى جزءٍ مُرتفعٍ من المنحدَر. لماذا لا ينتظر المُتزلِّج حتى يصل إلى الجزء المرتفع من المنحدر ليستعين به في التحليق في الهواء؟
(١٦٤) شدُّ مفرَش المائدة من أسفل الأطباق
تُعَدُّ عملية شدِّ مَفرش المائدة من أسفل مجموعة من الأطباق تجربة مدرسية كلاسيكية. عندما كنتُ أُواعد الفتيات كنتُ أجد صعوبةً في بدء حوار في المُواعدة الغرامية الأولى، وكثيرًا ما كنتُ أُقدِّم عرضًا استعراضيًّا أمام الفتاة، ولكني لم أَكن أستعين بأطباقٍ أو أوانٍ زجاجية عادية، وإنما بدلًا من ذلك كنتُ أستعين بكئوس المُختبَر وقوارير بها نبيذ. كان هذا الأداء هو ما يجعل الحوار يستمرُّ دومًا. ورغم ذلك، إذا كان عليك أن تؤدِّي التجربة في واحدةٍ من مواعداتك الغرامية، فاعلم أن تأدية التجربة ليستْ كافية. فلكي تُحافظ على استمرار الحوار، عليك أن تشرح آلية عمل التجربة. فما هي آلية عمل التجربة؟
قصة قصيرة
(١٦٥) الجرُّ باستخدام الأسنان
في الرابع من أبريل عام ١٩٧٤، استطاع جون ماسيس، من بلجيكا، أن يَجُرَّ سيارتَي رُكَّاب على طريق السكك الحديدية لونج أيلاند ريلروود بنيويورك بعد أن أطبق أسنانه على شكيمة مربوطة بالسَّيَّارتَين بحبل، ثم مال إلى الخلف وضغط على عوارض السكة الحديدية باستخدام ساقَيه. بلغ وزن السيارتَين ٨٠ طنًّا، أو ٧٠٠ ألف نيوتن، ولكن نظرًا لأن ماسيس لم يحمل السيارتَين، فإنَّ كتلة السيارتَين مثَّلت أهميةً بالغة؛ فلقد استطاع بطريقةٍ ما أن يُحرِّك كتلةً بلغتْ حوالي ٧١ ألف كيلوجرام عبْر مسافةٍ قابلة للقياس. (في محاضرات الفيزياء، أحيانًا يكون مفهوم الجهد — باعتباره حصيلة القوة والمسافة التي يقطعها الجسم — مملًّا، إلَّا أنَّ ماسيس غرس روحًا جديدة، رغم غرابتها، في المفهوم.)
(١٦٦) الكرسي المُهتز
إذا كنت تجلس على كرسي فوق أرضيةٍ عادية ومستوية، يمكنك أن تُحرك نفسك وتحرك الكرسي فوق الأرضية من خلال مجموعة هزَّات ومن دون أن تلمس الأرضية بقدمَيك. لكن لا يمكن تحريك الجسم الساكن في البداية (المقصود هنا أنت والكرسي) ما لم تكن هناك قوة «خارجية» (دخيلة) واقعة عليه. فما القوة التي تدفعك أنت والكرسي؟
(١٦٧) رفع شخص باستخدام الأصابع
لعلَّك رأيتَ الفقرة الاستعراضية التالية من العروض السحرية: يختار الساحر ثلاثة أشخاص من الجمهور ليُساعدوه في رفع شخصٍ رابع، شخص ثقيل إلى حدٍّ ما من الجمهور أيضًا. تتطلب الفقرة الاستعراضية من الساحر والمساعدين الثلاثة أن يرفعوا الشخص الرابع من فوق الكرسي في حين يستخدِم كلُّ شخصٍ منهم إصبع السبابة فقط. يضع الساحر إصبعه تحت إبط الشخص الجالس، ويضع كلُّ واحدٍ من المُساعدِين إصبع السبابة بالطريقة نفسها: واحد تحت الإبط، وواحد أسفل الركبة اليسرى، وواحد أسفل الركبة اليمنى. وبجهدٍ عظيم، يحاول الساحر والمُساعدون الثلاثة أن يرفعوا الشخص الجالس، بلا طائل لأنه ثقيل للغاية.
ومن أجل إضفاء عنصر السحر على الأمر، يضع الساحر والمُساعدون أيديهم فوق رأس الشخص الجالس ثم يضغطون قليلًا. من المفترض أن يُقلِّل هذا الضغط من وزن الشخص الجالس. ويتمُّ تغيير وضع الأصابع من أجل الرَّفعة المرهونة بإشارة من الساحر. في هذه المرة، يتم رفع الشخص الجالس بسهولة.
ما الذي يحدُث؟ بالتأكيد، لو كان ضغطٌ بسيط إلى أسفل على رأسي يُمكن أن يقلِّل وزني، لما كنتُ أقلق بشأن كوني زائدَ الوزن.
وفي أثناء المحاولة الثانية، تُبذَل القوى الأربع في آنٍ واحد، بسبب الإشارة التنسيقية التي يُصدِرها الساحر. حينئذٍ لا يكون هناك عزم دوران واقع على الشخص الجالس، والآن مع تقاسُم وزن الشخص بالتساوي بين الأشخاص الأربعة، يُمكن رفع الشخص بجهدٍ معقول.
(١٦٨) الصواريخ ومشكلة القارب الجليدي
هبْ أنَّ صاروخًا ثابتًا في البداية تمَّ إشعاله أثناء وجوده في الفضاء. هل يمكن أن يصل إلى سرعةٍ أكبر من السرعة الصادرة عن الدَّافع الخاص به؟ هل سرعته النهائية مُتوقِّفة على ما إذا كان الوقود يُحرَق ببطءٍ أم بسرعة؟ لماذا الصواريخ المُنطلقة من الأرض مُصمَّمة بحيث تُطلَق على مراحل؟ (نشأت الفكرة في الصين في حدود سنة ١٠٠٠ ميلادية.) هل يُوجَد عدد مِثالي للمراحل؟ هل يُمكن أن يكون الصاروخ الوحيد المرحلة مُصمَّمًا ليكون قويًّا بالدرجة الكافية لإطلاق قمَرٍ صناعي في المدار أو إرسال البشَر إلى سطح القمر؟ إلى أيِّ مدًى يمكن تنفيذ الخطَّة التي وردَتْ في إحدى روايات جول فيرن؛ حيث أُطلقَتْ كبسولة تحمل بشَرًا كقذيفة مُنطلقةٍ من مدفعٍ كبير غائص في الأرض؟
تخيَّل أنك تجلس في مركبٍ جليدي صغير فوق رقعة جليدية زَلِقة للغاية وتريد اجتيازها، وحول الشاطئ الجليدي تتناثر الأحجار. قررتَ أنت أن تحمل بعضًا من هذه الأحجار على متن القارب لكي تستطيع أن تدفع القاربَ عن طريق إلقاء الحجارة من متْن القارب ونحوَ الشاطئ، إلَّا أنه لا يُوجَد إلَّا مساحة محدودة لكتلة إجمالية مُحدَّدة من الحجارة فقط. من أجل توفير أكبر سُرعة نهائية للقارب الجليدي، هل ينبغي عليك أن تنتقي عددًا كبيرًا من الحجارة الصغيرة الحجْم أم عددًا أقلَّ من الحجارة الأكبر حجمًا؟ بعبارةٍ أخرى، هل ينبغي عليك أن تُلقي كتلةً كبيرةً أم صغيرة مع كلِّ قذفة؟ ولكي تستقيم الحجَّة، هبْ أنك تقذف الحجارة، الكبيرة أو الصغيرة، بنفس السرعة التي تتناسَب معك ومع القارب.
في رواية فيرن، كان يُمكن أن يُقتل الأشخاص بسبب التسارُع الذي شهدوه.
ستُوفِّر للقارب الجليدي سُرعة نهائية أكبر إذا ما ألقيتَ عددًا كبيرًا من الحجارة الصغيرة بدلًا من أن تُلقي عددًا أقلَّ من الحجارة الكبيرة. لتفهَم المغزى وراء ذلك، فَكِّر أولًا في إلقاء حجَرٍ واحدٍ كبير ثم فَكِّر في إلقاء حجرَين أصغر حجمًا، كتلة كلٍّ منهما نصف كتلة الحجَر الأكبر حجمًا. وفي الخطة الثانية، الحجَر الأول يوفِّر قدرًا مُحدَّدًا من السرعة الأمامية للقارب، وكذلك الحجَر الثاني الذي لا تزال ممسكًا به. وهذا يعني أنك حين تُلقي بالحجر الثاني، تكون الزيادة في سُرعة القارب أكبر ممَّا لو ألقيتَ الحجر الأول.
قصة قصيرة
(١٦٩) من الأرض إلى الزُّهرة
خرجَتِ المحاولة الأولى لإرسال البشَر إلى كوكب الزُّهرة من مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند، عام ١٩٢٨. صمَّم روبرت كوندت ومساعدان آخران صاروخًا من الحديد المزوي وقماش الأشرعة. وكان يعمل بالجازولين الذي يتبخَّر ويُرَشُّ داخل أنابيب فولاذية ثم يشتعِل من خلال شمعات الاحتراق.
كان من المُقرَّر أن يقوم كوندت بالرحلة بمفرده، حاملًا معه الطعام والشراب ومصباحَين وحقيبة إسعافات أولية. لم يُمثِّل التوجيه مشكلة لأنه خطَّط لتوجيه المركبة بحِرص عند الإقلاع. وحين يصِل إلى كوكب الزهرة، كان يعتزم فتح مظلَّة حريرية على ارتفاع ٢٥ قدمًا ليُبطِّئ عملية نزوله. أما طريقة عودته فلم تكن واضحة تمامًا، ولكن إذا لم يكن هناك طعام أو شراب على سطح الكوكب، فلن يعتزم البقاء طويلًا على أيِّ حال.
وفي يوم تجربة الانطلاق، تسلَّق كوندت المركبة وأدار المُحرِّك ليرتفع مسافة رُبع ميل، فقط ليتفقَّد الأمر. انبعثتْ سحُبٌ كبيرة من النار والدُّخان من الأنابيب الفولاذية، ولكن الصاروخ لم ينطلِق. زاد كوندت من تدفُّق الجازولين، وصارت النيران لافتةً للنظر حتى إنَّ حركة المرور في الشارع توقَّفَت. ورغم ذلك، لم ينطلق الصاروخ. أخذ كوندت يُجرِّب حتى نفدَ الوقود في النهاية.
لم يصل كوندت إلى كوكب الزهرة قط، وإلَّا كنتَ تعرف قصته الآن.
(١٧٠) انتقاء المِطرقة
لكي تحفُر في الخشب أو في حجَرٍ أملس باستخدام أزميل، هل ينبغي عليك أن تستخدِم مطرقةً خشبيَّة أم فولاذية؟ ما الأفضل إذا كنتَ ستحفُر في شيءٍ أصلبَ بكثير، مثل الجرانيت؟ لماذا يُفضَّل استخدام مطرقة فولاذية بدلًا من المطرقة الخشبية لدقِّ مسمارٍ في خشب؟
وبالتأكيد، المطرقة الفولاذية هي الخيار المناسب لدقِّ المسامير؛ إذ تتشوَّه المِطرقة الخشبية عند استخدامها لدقِّ رأس مسمار، ممَّا يتسبَّب في إهدار جزء من طاقة المطرقة.
(١٧١) مُنظِّم الضغط
يتكوَّن وعاء الضغط التقليدي من قِدْرٍ مُغلق بإحكام باستثناء أنبوب مركزي تعلوه أسطوانة مُثبتة على نحوٍ غير مُحكم. يُوجَد بالأسطوانة ثلاثة ثقوب محفورة على جانبها، وكلُّ ثُقب له قطر مُختلف. أُحدِّد درجة الضغط داخل القِدْر عن طريق اختيار أيِّ ثُقب يُعشَّق داخل الأنبوب. ولكن كيف يُؤتي هذا الإجراء ثماره؟ على أي حال، وزن الأسطوانة لا يتغيَّر بتغيُّر الثُّقب الواقع عليه الاختيار.
(١٧٢) انزلاق العصا فوق إصبعَين
ضع عصًا فوق إصبعَي السبَّابة في وضعٍ أفقي، مع وضع الإصبعَين عند طرفَي العصا، ثم حرك إصبعَيك بشكلٍ مُتجانس إحداهما نحوَ الأخرى. هل تنزلق العصا بشكلٍ مُتجانس؟ كلا، إنها تنتقل بين الانزلاق على إحدى الإصبعَين إلى الإصبع الأخرى، لتتغيَّر عدَّة مرات قبل أن تصل الإصبعان إلى مُنتصف العصا. لماذا يحدُث هذا؟
قصة قصيرة
(١٧٣) شدُّ الحبل العملاق
في مدينة هاريسبرج، بنسلفانيا، ١٣ يونيو ١٩٧٨، حاول نحو ٢٢٠٠ طالب ومدرس أن يسجلوا رقمًا قياسيًّا عالميًّا في لعبة شدِّ الحبل. بلغ طول الحبل النيلون المجدول ٦٠٠ متر، وسُمكه ٢٫٥ مليمتر وصُمِّمَ لتحمُّل قوة تبلغ ٥٧ ألف نيوتن (١٣ ألف رطل). ورغم ذلك، وبعد مرور فترةٍ وجيزة على بَدء المسابقة، تمزَّق الحبل فجأة. فقد أرخى المُتسابقون المَوجودون بالقُرب من المنتصف أيديهم عن الحبل وواصل المُتسابقون الأبعد مسافةً جذب الحبل؛ ومِن ثمَّ انزلق الحبل سريعًا عبْر بعض الأيادي. وفقد ما لا يقلُّ عن أربعة طُلَّاب أصابعهم أو أطراف أصابعهم من الاحتكاك.
(١٧٤) التصويب عبْر المُنحدَر
هبْ أنك ضبطتَ جهاز تصويب بندقية لمسافة مُعينة أثناء وجودك في نطاق التصويب. إذا صوبت على هدفٍ على بُعد نفس المسافة ولكنك إما أعلى مُنحدَر أو أسفله، فهل ستستقرُّ الطلقات في الهدَف تمامًا أم أعلى ممَّا ينبغي أم أدنى مما ينبغي؟
(١٧٥) تشغيل سيَّارة على طريق زَلِق
عندما يكون الطريق زلقًا وتكون السيارة يدوية التحكُّم، هل ينبغي أن تضع ناقلَ الحركة على السرعة الأولى أم الثانية؟
(١٧٦) مُوازنة الإطارات
عند وضع إطارٍ جديد حول عجلةٍ ما، يجب «موازنته»، وهو إجراء يتمُّ فيه ربط ثقلٍ صغير، وهو كتلة من الرصاص، إلى حافة الإطار. إذا لم يكن الإطار متوازنًا، فلن يتدحرَجَ الثقل بسلاسة وإنما سيهتزُّ أو يرتطم بإطار التثبيت. تُعزى كلتا المُشكلتَين إلى حقيقة أن كتلة العجلة لا تنتشر بالتساوي حول المركز، كما لو أن العجلة لها كتلة إضافية عند موضعٍ ما بداخلها. وعندما تتوازَن العجلة، فإن كتلة الرصاص تُوازِن الكتلة الإضافية، وبعد ذلك تسير العجلة على نحوٍ أكثر سلاسة.
إحدى الطرق لموازنة العجلة هي أن تضعها على حامل طاولة مائل مُزوَّد بميزان الاستواء. يكون الحامل والعجلة أشبَهَ بأرجوحة التوازُن الموجودة في ملعب الأطفال حيث تُسبِّب الكتلة الإضافية مَيلًا نحوَ اتجاهٍ واحد. ستضع كتلة من الرصاص على الجانب المقابل من المَيل ثم تُوازِن الثقل باستخدام قواطع إلى أن يستوي الحامل، وهو ما سيدلُّ عليه ميزان الاستواء. وهذه التقنية يُطلَق عليها «التوازن الاستاتيكي».
أما في «التوازن الديناميكي»، فالعجلة تدور أفقيًّا حول مركزها. تتسبَّب الكتلة الإضافية على جانبٍ واحد في جعل العجلة تترنح، ولكن عند إضافة ثقل إلى الإطار وتشذيبه على نحوٍ ملائم يختفي الترنُّح.
هل تقنِيتا التوازُن مُتماثلتان؟ بعبارة أخرى، هل كلتا التقنيتَين تمنعان الاهتزاز والاصطدام؟
لكي ترى الاختلاف، تأمَّل أولًا التوازُن الاستاتيكي في وضعية أرجوحة التوازُن. يخلق الوزن الإضافي عند أحد جانبَي العجلة عزْم دوران يحاول أن يُدير العجلة في اتجاهٍ واحد حول مركزها. ويتوقف حجم عزم الدوران على حجم الكتلة الإضافية وعلى المسافة الأفقية الفاصلة بين المركز. وتخلق الكتلة عزم دوران في الاتجاه المُعاكس. ونظرًا لأنه لا بدَّ أن يكون عزم الدوران واقعًا على إطار تثبيت العجلة، فإنَّ المسافة الفاصلة بين المركز تكون ثابتة. هكذا، لكي تُوازِن عزمَي الدوران، تبدأ بكتلة رصاص ثم تُشذِّبها حتى يتناسَب عزم دوَرانها مع عزم الدوران الآخر. وعندما تُرَكَّب العجلة في السيارة، فإنها لن تصطدم بإطار التثبيت الخاص بها.
ويتوقَّف الاهتزاز على العُمق الذي تقبع عنده الكتلة الإضافية داخل العجلة. مرة أخرى تأمَّل العجلة حين تكون في وضعٍ أفقي، فإذا كان لها أن تدور بسلاسة، فلا بدَّ أن تدور حول المحور الرأسي المار عبْر مركزها. ورغم ذلك، فالكتلة الإضافية المدفونة داخل العجلة تجعلها تدور حول المحور المائل بعيدًا عن الخط الرأسي؛ ومِن ثمَّ تهتزُّ العجلة. ومن أجل تعديل محور التدوير، تُرْبَط كتلة إضافية في موضعٍ ما على حافة الإطار كما كان في السابق، ولكنها الآن لا بدَّ أن تكون ذات حجمٍ مختلف، وربما يختلف موضعها أيضًا. وعلى الرغم من أنَّ ذلك الإجراء يُقلِّل الاهتزاز، فإنه لم يعُد يُوازن عزمَي الدَّوَران المُتأرجِحين، ولا يزال يُوجَد قدْر من الاصطدام. ونظرًا لأنَّ الاصطدام المُتبقِّي يكون صغيرًا عادةً، يُعتبر التوازُن الديناميكي هو التقنية الأفضل من بين تقنيتَي التوازن.
(١٧٧) لعبة التصويب على الزجاجات
أثناء التجوُّل في المهرجانات الاحتفالية، قد تُصادِفك لعبة التصويب على الزجاجات باستخدام ثقل بندول يتدلَّى في مستوى الزجاجة. يُوضِّح لك الشخص المسئول عن اللعبة أنه غير مسموح لك أن تؤرجِح الثقل مباشرةً نحوَ الزجاجة، وبدلًا من ذلك، عليك أن تعمل على ضرب الزجاجة بالثقل في أثناء أرجحة العودة. لا يبدو الأمر شديد الصعوبة. أليس كذلك؟ فمن خلال التدريب قليلًا على الأرجحة، من المُفترَض أن تفوز بالجائزة. أليس كذلك؟
(١٧٨) الكأس المُعلَّقة، على وشْك التحطُّم
اربط كأسًا زجاجيةً أو شيئًا آخر ثقيلًا نوعًا ما إلى جسمٍ أصغرَ أو أخفَّ وزنًا، مثل مِمحاةٍ مطاطية، بواسطة حبلٍ يبلغ طوله مترًا. امسك قلمًا في مستوًى أُفقي، ولفَّ الحبل حول القلم، ثم اجذِب الجِسم الأخفَّ وزنًا ناحية اليسار أو اليمين حتى تصير الكأس أسفل القلم مباشرة والجسم الأخف وزنًا في مستوًى أفقي تقريبًا مع القلم. إذا ما تركتَ الجسم الأخفَّ وزنًا، ما الذي سيحدُث؟ أعرف أنه سؤال سخيف. ستجذب الكأس الثقيل الحبل (وفي النهاية الجسم الأخفَّ وزنًا) من فوق القلم أثناء السقوط، حتى يتهشَّم الكأس على الأرضية. أليس كذلك؟
(١٧٩) كسْر سِنِّ المِثقاب
إذا خُفِضَ سنُّ مثقابٍ عالي السرعة بشدَّة بالغة أثناء العمل به على سطحٍ ما، لماذا ينكسر السن؟
(١٨٠) الساعات المُتأرجِحة
كانت ساعة الجيب، التي انتشرت في عصورٍ سابقة، تُحافظ على التوقيت المضبوط عند ارتدائها، لا حين تتدلَّى من سلسلة. فعندئذٍ قد تُقدِّم الساعة أو تؤخِّر ١٠ دقائق أو أكثر كل يوم، بينما تتدلَّى أيضًا بغموض كالبندول. وروى أحد المُحقِّقين في هذا الأمر مشهدًا غريبًا لحائطٍ مليء بساعات تتدلَّى من سلاسل وتتأرجح بخفَّة. ما سبب هذا التصرُّف الذي يعكس تذبذب التوقيت؟
قصة قصيرة
(١٨١) تسطيح جسر البوابة الذهبية
في عام ١٩٨٧، واحتفالًا بالذكرى السنوية الخمسين لبناء جسر البوابة الذهبية، استقبل الجسر جموعًا من المُشاة ساروا عليه بمناسبة الاحتفال بالجسر المَهيب. وقد ظهرت أعداد غفيرة من الأشخاص على الجسر. وعندما احتشد ٢٥٠ ألف شخصٍ على الجسر، تسطح الجزء الأوسط منه بدلًا من أن يتقعَّر كالمُتوقَّع، وتراخَت بعض الحوامل الداعمة، وبدأ الجسر يتأرجَح يمينًا ويسارًا (كما حدَث مع جسر الألفية في لندن عام ٢٠٠١). وتحوَّل يوم الاحتفال هذا إلى اختبارٍ مُفاجئ لمتانة جسر البوابة الذهبية. ولحُسن الحظ فقد اجتاز الاختبار.
(١٨٢) ترنُّح عربات القطار
في التصميم التقليدي للقطارات، تكون العجلات «مخروطية» (مائلة)، ومُقيَّدة من خلال فلانشة داخلية لتبقى على القضبان، ومُتَّصِلة في أزواجٍ من خلال محور العجلة. وعادةً ما تكون القضبان — ذات القمَّة المُستديرة — مائلة إلى الداخل قليلًا. عندما يتحرَّك القطار على طول مسارٍ مُستقيم، لماذا تتأرجح المقصورات أو العربات يمينًا ويسارًا، وهي حركة يُطلَق عليها «الترنح»؟
والترنُّح لا يحدُّ من سرعة القطار وحسب، وإنما ينحو أيضًا إلى تشويه القضبان وأرضية السكة الحديدية. ونظرًا لأنَّ التآكُل الناجم عن ذلك لا يكون مُتساويًا على الجانبَين الأيسر والأيمن، تميل العربات التي تجرُّها القاطرة لكي تُوازِن التآكل على الجانبَين.
وقد يتسبَّب انحراف عارض في بدء حركة الترنُّح، إلا أن قوى الاحتكاك الناجمة عن اعوجاج القضيب والعجلات بسبب وزن القطار يمكن أن تتسبَّب في الاهتزاز. فإذا كانت سرعة القطار أقل من قيمةٍ حرجة معينة، تختفي الاهتزازات الناجمة من الانحراف. ولكن إذا كانت السرعة أعلى تزداد الاهتزازات، والفلانشات وحدَها هي التي تحمي القطار من الخروج عن المسار. وأحيانًا تكون الاهتزازات شديدة جدًّا حتى إن العجلة تخرج من القضبان رغم وجود الفلانشات.
(١٨٣) اهتزاز هوائي السيارة
(١٨٤) صهريج منع التمايل في السفن
عادةً ما يكون تمايُل السفينة أمرًا مُقلقًا جدًّا، ولكن إذا ضربت الأمواج جانب السفينة بنفس تردُّد التمايُل الذي تشهده السفينة، يُمكن أن يشتدَّ التمايُل ليصِل إلى درجةٍ خطيرة. (هذا التوافُق في التردُّد هو مثال على «الرنين»، ويمكنك أن تلاحظ تراكمًا مُشابهًا للاهتزازات إذا دفعتَ طفلًا يجلس على أرجوحة في كلِّ مرة يتأرجح عائدًا إليك.) ومن أجل تقليل درجة الخطورة، كانت بعض السفن في الماضي تُزَوَّد بصهريجٍ يمتدُّ بعرض السفينة وكان جزء منه يُملأ بالمياه. كانت أبعاد الصهريج تُحَدَّد بحيث يكون لخضخضة المياه داخل الصهريج نفس تردُّد تمايُل السفينة. ألا يبدو هذا خطأً تمامًا، أليس الخضخضة ستزيد من درجة التمايل؟
اسْتُخدمت صهاريج منع التمايل أولًا في السفن الألمانية وذلك في مطلع القرن العشرين. وعلى الرغم من أنها حقَّقت نجاحًا في الطرق البحرية المعتادة، فإنها أثبتت عدم جدارتها عند اشتداد الأمواج، حتى إنها في بعض الحالات كانت تعزز التمايل أكثر.
(١٨٥) تموُّج الطرُق
الكثير من أسطح الطرق غير الممهدة تكون سَلِسَة في البداية، ولكن سرعان ما يظهر عليها تعرُّجات مرتفعة ومنخفضة غير عميقة، تفصلها مسافات تتراوَح ما بين نصف متر ومتر كامل، على طول الطرُق التي تقطعها السيارات. لا يُمكن أن تكون هذه التعرُّجات المنتظمة بسبب التعرية المناخية كما هي الحال مع حفر الطريق المعتادة. فما سبب هذه التعرُّجات؟ ولماذا لا تختفي هذه التعرُّجات ويصبح الطريق ممهدًا بسبب اصطدام العجلات بالأجزاء المرتفعة؟ يمكن ملاحظة تموُّجات مشابهة على قضبان القطارات والترام والمسارات المُنحدِرة التي يقطعها المُتزلِّجون؟ هل تتنقل التعرُّجات على طول الطريق والقضبان والمسارات؟
(١٨٦) رؤية جانب واحد فقط من القمر
لماذا لا نرى سوى جانبٍ واحد فقط من القمر؟ (يوجد تبايُن فيما نرى، ولكن ليس كثيرًا.) نظرًا لأن القمر يدور حول الأرض، ألا ينبغي لنا أن نرى السطح بأكمله؟
(١٨٧) أقمار الاستطلاع
عند رصد الأنشطة في منطقةٍ ما على سطح الكرة الأرضية من الفضاء الخارجي، تُصوِّر أقمار الاستطلاع المنطقة. وتُضبَط الأقمار الصناعية بتوقيتٍ مُعيَّن بحيث إذا توقَّف قمر ما عن رصد المنطقة، يتولَّى قمر آخر المهمة. أليس من الأسهل تخصيص قمر صناعي واحد لرصد المنطقة، ليدور في مدارٍ بنفس السرعة التي تدور بها المنطقة محلُّ الرصد والاهتمام حول محور دوران الأرض؟ ربما تبدو تلك الاستراتيجية أفضل، ولكن من المستحيل ترتيب هذا الأمر بالنسبة لمعظم المناطق على سطح الكرة الأرضية. لماذا تؤتي الاستراتيجية الأسهل ثمارها، وأين يكون ذلك؟
(١٨٨) مقاومة الهواء وسرعة القمر الصناعي
معظم الأقمار الصناعية تدور حول الأرض عبْر طبقاتٍ رقيقة من الغلاف الجوي وتواجه قدرًا ضئيلًا من مقاومة الهواء. من المُفترَض أن تُبطِّئ المقاومة القمر الصناعي مثلما تُبطِّئ مقاومة الهواء الواقعة على سيارة متحركة من سرعة السيارة. وعلى الرغم من ذلك، في حالة القمر الصناعي، فالمقاومة تزيد من السرعة. كيف تستطيع قوة مُعيقة أن تتسبب في زيادة السرعة ومن ثم الطاقة الحركية؟
(١٨٩) مسار سفينة الفضاء المُتجهة إلى القمر
(١٩٠) جاذبية الأرض والشمس الواقعة على القمر
نظرًا لأنَّ القمر يدور في مدارٍ حول الأرض، لا بدَّ أن تتغلَّب قوة الجاذبية الأرضية الواقعة عليه على جاذبية الشمس. أليس كذلك؟ حسنًا، الإجابة لا؛ لأن جاذبية الشمس تزيد عن ضعف جاذبية الأرض. إذن، لماذا لا نفقد القمر؟
(١٩١) تأثير الاندفاع بالجاذبية
إذا اقتربت كبسولة فضائية من كوكبٍ ما بالقدْر الكافي، ربما تواجه «مساعدة الجاذبية» أو «تأثير الاندفاع بالجاذبية»؛ ومِن ثمَّ تكتسب طاقة. ولكن أليست هذه الفكرة خاطئة؟ تخيَّل أنك ترصد الكبسولة من فوق الكوكب. بينما تقترِب الكبسولة، من المُفترَض أن تكتسب طاقة بسبب قوة جاذبية الكوكب، ولكن ألا تُفقَد الطاقة مع ابتعاد الكبسولة؟
(١٩٢) رسم خريطة الهند
في الماضي، حين أُجري مسح أراضٍ للهند، قيل إن القياسات لم تكن دقيقةً بعض الشيء؛ لأن خيط الشاقول لم يكن يتدلَّى بالضبط على امتداد خطٍّ رأسي، لا سيما في الجزء الشمالي من البلاد. لماذا يُحتمَل أن تكون هذه القصة حقيقية؟
(١٩٣) الحلاقة بشفرة مزدوَجة
إذا حلق أحدهم باستخدام ماكينة حلاقة ذات شفرة مزدوجة، هل تُوجَد سرعة مثالية ينبغي له أن يسحب بها الشفرة على الجلد، أم هل ينبغي أن يسحب الشفرة بأسرع ما يُمكن أو بأبطأ ما يمكن؟
يرتدُّ باقي الشعرة إلى اتجاهها الأصلي وتبدأ في الانكماش إلى داخل الجلد. وإذا لامست الشفرة الثانية الشعرة بعد أن ارتدَّت وقبل أن تنكمِش، تستطيع الشفرة أن تنتزع جزءًا أكبر من الشعرة، ومن ثَم تُؤجِّل الحاجة إلى الحلاقة المرة القادِمة. ومن أجل إجراء حلاقة دقيقة، لا ينبغي تحريك ماكينة الحلاقة بسرعة بالِغة لدرجةٍ لا يحدُث معها ارتداد الشعرة أو ببطءٍ بالغ لدرجة أن الانكماش يحدُث بالكامل. تُقدر السرعة المثالية ﺑ ٤ سنتيمترات في الثانية الواحدة، ولكن القِيمة ستختلف من ماكينة حلاقة لأخرى بسبب اختلاف خصائص البشرة والشعر (لا سيما المرونة).
(١٩٤) سيطرة التعرية النهرية
ثمَّة حجج تؤيد أن الضفة اليُمنى من الأنهار الواقعة في نصف الكرة الأرضية الشمالي تُعاني من التعرية أكثر من الضفَّة اليسرى، والعكس الصحيح في نصف الكرة الجنوبي. لماذا قد تكون هذه الفكرة صحيحة، على الرغم من أنَّ التأثير ضئيل بالتأكيد وتُخفيه عوامل أخرى؟