الموائع
(١) سيَّارات السباق على السَّقف
تعتمد السيارة التي تنطلِق في منعطفٍ مستوٍ في سباق سيارات الجائزة الكبرى على الاحتكاك كي تبقى في المُنعطف. أما إذا كانت السيارة مسرعة للغاية، فإن الاحتكاك يتوقَّف وتنزلق السيارة من على المنعطف. في السابق، كان لزامًا على السيارة أن تقطع المنعطفات المستوية ببطءٍ نسبي. إلا أن سيارات السباق الحديثة مُصمَّمة بحيث تندفِع إلى الأسفل على المضمار حرفيًّا كي تمنح الإطارات قدرةً جيدة على التمسُّك بالطريق. وفي الحقيقة، هذا الدفع السُّفلي، أو ما يطلق عليه «الرفع السالب» قوي للغاية حتى إن بعض السائقين يتفاخرون بأنهم يستطيعون قيادة السيارات مقلوبةً رأسًا على عقب على سقْفٍ طويل. فما الذي يُسبِّب الرفع السالب؟ وهل من الممكن حقًّا قيادة سيارة سباق مقلوبة رأسًا على عقب كما حدث خياليًّا مع سيارة سيدان في أول أفلام «رجال ذوي بزات سوداء»؟
يمكن الاعتماد على الرفع السالب عندما تكون السيارة هي السيارة الوحيدة التي تقطع أحد المُنعطفات، كما هي الحال في التجارب التأهيلية، غير أنَّ السائق الماهر يعرف أن الرفع السالب يُمكن أن يختفي أثناء السباق. فما الذي يجعله يختفي؟
ينتج تأثير الأرض عن التدفُّق الضيِّق للهواء أسفل السيارة. فعند ضغط الهواء في ممرٍّ صغير أسفل السيارة، تزداد سرعته على حساب ضغطه. ولذلك، يُوجَد ضغط هواء أقلُّ أسفل السيارة مقارنةً بأعلاها، والاختلاف في الضغط يُثَبِّت السيارة على المضمار. في السباق، يمكن للسائق تقليل المقاومة الهوائية في السيارة باتِّباع سيارة أخرى عن كثَب، ويُعرَف هذا الإجراء باسم «التعقُّب». رغم ذلك، تستطيع السيارة القائدة قطع تدفُّق الهواء المُنتظِم أسفل السيارة المُتعقِّبة، فتمنع تأثير الأرض عليها. وإذا لم يتوقَّع سائق السيارة المُتعقِّبة منع تدفُّق الهواء ومن ثَم يُبطِّئ من سرعته، فمن المُحتمَل أن ينزلق من على المضمار.
كانت «تشابرال ٢ جيه» أول سيارة سباق تستخدِم تأثير الأرض. كان لدَيها مروحتان في المُؤخِّرة لامتصاص الهواء أسفل السيارة من فتحات في المقدمة. كما كانت مزوَّدة برفرفٍ سفلي قريب من الطريق على كلا الجانبَين منع هواء الجانبَين من الدخول إلى التدفُّق. كان الضغط المُنخفِض أسفل السيارة يُبقي السيارة على المضمار عند المنعطفات السريعة، وقلَّلَ تدفُّق الهواء من المروحتَين من تكوُّن الدوَّامات المعتادة خلْف السيارة، فقلَّل مقاومة الهواء في السيارة. ونتيجة لذلك، كانت السيارة سريعة على نحوٍ معقول في أجزاء المضمار المستقيمة وسريعة على نحوِ لا نظير له في المنعطفات. لقد كانت جيدة جدًّا في واقع الأمر حتى إنها مُنعت من السباقات.
(٢) التعقب
يستفيد سائقو سيَّارات السباق، باختلاف أساليب السباق، بعضهم من بعض عن طريق التعقُّب، حيث تكون السيارة المُتعقِّبة خلف السيارة القائدة على نحوٍ شبه مباشر. من الواضح أن هذا الأمر خطير. فما الفائدة التي يُقدِّمها؟
وإذا سارت السيارة المُتعقِّبة خلف السيارة القائدة، فإنَّ الفائدة ستعود على كلتا السيارتَين؛ فالسيارة المُتعقِّبة تمنع تكوُّن الدوامات عند مؤخرة السيارة القائدة، ويقلُّ فرق الضغط بين مُقدِّمة السيارة القائدة ومؤخِّرتها. يقلُّ تأثير الهواء على مقدمة السيارة المُتعقِّبة؛ ومِن ثمَّ يقلُّ فرق الضغط بين مقدمة السيارة المُتعقِّبة ومؤخِّرتها.
يمكن أن يَستخدِم سائق السيارة المُتعقِّبة أسلوب «اجتياز المقلاع» للدوَران حول سائق السيارة القائدة؛ حيث يتراجع السائق المُتعقِّب نسبيًّا عن السيارة القائدة فيسمح ببدء تكوُّن الدوَّامات خلف السيارة القائدة. تعمل دوَّامات الضغط المُنخفِض على إبطاء السيارة القائدة وسحب السيارة المُتعقِّبة للأمام. وباختيار التوقيت الدقيق يستطيع السائق المتعقب الاندفاع نحوَ منطقة الدوَّامة ثم الالتفات إلى جانب السيارة القائدة.
ويُقال إن جونيور جونسون كان أول من استخدم هذه الأساليب الديناميكية الهوائية في سباق دايتونا ٥٠٠ ناسكار عام ١٩٦٠، الذي ربِحَه رغم أن سيارته صُنِّفت أبطأ سيارة بين سيارات السباق.
ويُستخدَم التعقُّب في رياضات أخرى أبرزها سباق الدراجات. بالإضافة إلى ذلك، فالحيوانات أيضًا تُمارِسه كما يحدُث حين تقود البطَّة الأم صغارها في طابور عبْر البحيرة. بطبيعة الحال لا يتحرك البطُّ بسرعة كافية للقلق بشأن الديناميكا الهوائية، لكن صغار البط يستفيدون من الأثر الهادئ الذي تترُكه البطة الأم خلفَها وهي تتقدَّم الطريق.
(٣) الديناميكا الهوائية للقطارات العابرة
يُنتج القطار فائق السرعة الذي يتحرك بسرعة ٢٧٠ كيلومترًا في الساعة أو أسرع، موجةَ ضغطٍ أثناء اندفاعه في الهواء، فيُجبر الهواء على التدفُّق حول جانبَي القطار وفوقه. ماذا يحدث عندما يسير القطار في نقق؟ ماذا يحدُث عندما يمر قطاران بالمواصفات نفسها مُتقاربَين في اتجاهَين مُتضادَّين؟ إذا مر قطار فائق السرعة أمام شخص يقف بالقُرب من خط السكة الحديدية (مثلما يمكن أن يحدث في محطة لا يتوقَّف فيها القطار)، هل سيكون هذا الشخص مُعرضًا للخطر؟
عند مرور قطارَين متجاورَين يقلُّ أيضًا الضغط الموجود بينهما. وإذا كان القطاران داخل نفق، فمن الممكن أن ينخفض الضغط أكثر. في السابق، عندما كانت سرعة القطارات آخذةً في الزيادة، كانت النوافذ تنخلع من القطارات أثناء مرورها في بعض الأحيان.
وسواء أكان المرور في نفق أم في الهواء الطلق، فإن تدفق الهواء حول قطارَين يقترب كلٌّ منهما من الآخر، ويمر أحدهما إلى جوار الآخر ثم يغادر أحدهما الآخر، إنما هو عملية معقدة وتتطلب محاكاة حاسوبية. رغم ذلك، فمن الممكن أن نستخدم توضيحًا بسيطًا لانخفاض الضغط. إن كل قطار يقاوم الهواء من المساحة الموجودة بينهما؛ ومِن ثمَّ ينخفض الضغط بسبب قِلَّة الهواء.
وفي حالة مرور قطار فائق السرعة أمام شخص، فإن موجة الضغط الصادرة عن مقدمة القطار وتدفُّق الهواء الشديد الاضطراب الناتج يمكن أن يُسقِطا الشخص أرضًا، أو يُسقِطاه نحو القطار أو على السكة الحديدية (وهو الاحتمال الأسوأ).
(٤) انهيار جسر تاكوما ناروز القديم
يُظهِر أحد أكثر الفيديوهات الفيزيائية إثارةً الالتِواء العنيف الذي أصاب الجسر القديم في بلدة تاكوما ناروز في السابع من نوفمبر عام ١٩٤١. كانت الرياح معتدلة في ذلك الصباح (حيث بلغت ما يقرب من ٦٨ كيلومترًا في الساعة؛ أي ما يعادل ٤٢ ميلًا في الساعة)، إلا أن الجسر المتين للغاية تَدَمَّرَ في غضون ساعاتٍ قليلة بعد بدء حركات التأرجُح الملتوية.
أثناء تشييد الجسر، أطلق عمَّال البناء عليه اسم الفرس الراكض بسبب مَيله إلى التأرجُح، ممَّا جعل الجسر يُشبه مسار القطار الأفعواني. في الواقع، بعد افتتاح الجسر رسميًّا كان السائقون يتجمَّعون على الجسر بسبب غرابة حركات التأرجُح التي كانت كافيةً في بعض الأحيان لجعل العربات تختفي من زاوية رؤية السائق. وعلى الرغم من أنَّ كثيرًا من الناس أرجعوا انهيار الجسر إلى مَيله إلى التمايُل الشديد، فمن الواضح أنَّ التمايُل ليس له علاقة بانهيار الجسر. فما الذي سبب الانهيار؟
وعندما أصبحت الذبذبات عنيفة (ومخيفة) اضطر شخصان إلى الزَّحف على أطرافهم الأربعة للنزول من الجسر. وصعد أحد أساتذة الجامعة الجسر لإنقاذ كلبٍ تُرِكَ وحدَه في سيارة مهجورة، لكنه تراجع عندما حاول الكلب المذعور عَضَّه. يُوضِّح الفيديو أنه عاد من السيارة محاولًا السير على الخط المركزي المُستقِر نسبيًّا الذي كان الجسر يلتوي حوله. بعد فترة قصيرة، سقط جزء من الجسر وكفَّ الجزء المُتبقي عن التأرجُح، لكن بعد ذلك بدأ التأرجُح من جديد، وسقط جزء كبير من الجزء المُتبقي من الجسر المُمتد على النهر.
رغم أن كثيرًا من مُعلمي الفيزياء استخدموا انهيار الجسر كمثالٍ مُثير على الرنين، فإن انهيار الجسر كان بسبب التأرجُح والالتِواء وليس بسبب الرنين والتمايُل. في الواقع، كان سبب الانهيار رياحًا مُستقِرة نسبيًّا، وليس رياحًا متقطِّعة مُتوافقة مع تردُّد رنين الجسر. أطلق الجسر دوَّامات على نحوٍ شديد الشبَه بالكبل المُعلق في الرياح. ويمكن أن تتسبب هذه الدوامات في تمايل الجسر إذا كان تردُّد ظهورها يساوي تردد رنين اهتزاز الكبل. ورغم ذلك، فلم يكن من شأن التمايل أن يتَّسم بالقوة الكافية لتدمير الجسر.
(٥) الديناميكا الهوائية للمباني
في الأيام التي تكثُر فيها الرياح، لماذا تكون الرياح عاصفة جدًّا بالنسبة للأشخاص الذين يسيرون قريبًا من المباني؟ إذا أردتَ أن تتجنَّب الرياح العاصفة وكنت مُضطرًّا إلى البقاء قُرب المبنى، فأين يجِب أن تقف؟ لماذا تتمايل بعض المباني في الرياح؟ بعض المباني بها منطقة مفتوحة في الدور الأرضي إمَّا للسيارات أو للمُشاة. فلماذا يمكن أن تكون الرياح في هذه المنطقة المفتوحة شديدة القوة؟
بالإضافة إلى ذلك، ستصبح الرياح العاصفة أقلَّ شِدةً عند النقطة الواقعة على الجانب المُواجِه للرياح؛ حيث تنقسِم الرياح إلى نصفَين، بحيث يلتفُّ النصف حول المبنى من جانب ويلتفُّ النصف الآخر حول الجانب المُقابل.
وإذا كان المبنى له ممر مفتوح — يمكن للرياح أن تسير فيه — فسوف تزداد سرعة الرياح؛ لأنها تمرُّ عبْر ممرٍّ ضيق. وهذه الزيادة في سرعة الرياح تُسفر عن نتيجتَين؛ أولًا: يمكن أن تُسبب الرياح انحناء المُشاة (بل تطرحهم أرضًا)، ويمكن أن يكون من الصعب فتح الأبواب المُطلَّة على هذا الممر إذا كان لا بدَّ أن تتمايل في الرياح القادمة. ثانيًا: يقلُّ ضغط الهواء في الممرِّ نظرًا لتغيُّر الطاقة لمواجهة الزيادة المطلوبة في سرعة الرياح. لذلك تُصبح النوافذ والأبواب المُطلة على الممر بارزةً للخارج في الممر. وفي بعض الحالات تتكسَّر النوافذ ويتعذَّر إغلاق الأبواب.
يمكن أن يتسبَّب اختلاف ضغط الرياح عند جانب المبنى المُواجه للرياح في ترنُّح المبنى أو تأرجُحه، وتصبح قمة المبنى هي الجزء الأكثر حركة. يمكن لهذا الترنُّح أن يصيب السكان بالغثيان، ويمكن أن يُصابوا بالغثيان من صوت الهبوب ذي الموجات دون الصوتية والموجات الصوتية المسموعة الذي تُحدِثه الرياح القوية عندما تصنع دوامات عند زوايا المبنى. والمباني المرتفعة المُعرَّضة للترنُّح في الرياح الشديدة تكون مزوَّدة عادة بأجهزة مُضادة للترنُّح، مثل الكتلة المركبة على النوابض المُثبَّتة فوق السطح بحيث تتحرك الكتلة الثقيلة في اتجاهٍ معاكس لحركة المبنى.
يمكن للرياح الشديدة الناتجة عن إعصارٍ استوائي أو إعصارٍ قمعي أن تُسقط منزلًا أو أي مبنًى كبير نسبيًّا. ويمكن أيضًا أن تقتلِع السقف إما عن طريق الهبوب عليه تحت الحافة المواجهة للرياح أو عن طريق تقليل ضغط الهواء الجوي للغاية فوق السقف بحيث تشدُّ الرياح أجزاءً منه للأعلى وتسحبها بعيدًا. بالإضافة إلى ذلك، فهذه الرياح العاتية لا تستطيع فقط ضرب النوافذ الموجودة في المبنى الموجود على الجانب المواجه للرياح، بل تستطيع أيضًا اقتلاع النوافذ على الجانب المُعاكس للرياح أو على جوانب تكوُّن الدوَّامات.
(٦) الطائرات الورَقية
ما الذي يجعل طائرةً ورقية تُحلق عاليًا؟ وما الذي يحدد الطيران المُستقر مقارنة بالطيران الفوضوي الذي تستمرُّ فيه الطائرة الورقية في الدوَران والرفرفة؟
وإذا كانت الطائرة الورقية لا تطير طيرانًا مُتزنًا، فإن عزم الدوران الناتج عن هذه القوى يجعل الطائرة تدور تلقائيًّا حول «نقطة الزمام» (نقطة افتراق الحبل الطويل الأساسي إلى خيوطٍ مُتجهة إلى نقاطٍ مُتعدِّدة على إطار الطائرة الورقية). يُغيِّر الدوَران زاوية هجوم الطائرة الورقية ومِن ثَمَّ يُغير الرفع والمقاومة. نتيجة لذلك، لا تدور الطائرة فحسب بل تتحرَّك رأسيًّا أيضًا. تُغير الحركة الرأسية زاوية سحب الحبل لنقطة الزمام ومِن ثَمَّ السحب الأفقي والرأسي للحبل.
يحدُث الطيران المُتزن إذا اختفت ثلاث كميات: (١) عزم الدوران. (٢) القوة العمودية الصافية. (٣) القوة الأفقية الصافية. ولكي تختفي هذه الكميَّات فلا بدَّ من التوجيه الصحيح للطائرة، بالإضافة إلى ضرورة سحْب الخيط بالزاوية الصحيحة وبالقوة الصحيحة، عندها تُصبح الطائرة في «حالة اتزان». يمكن أن تُوجد أكثر من حالة اتِّزان على أي سرعةٍ من سرعات الرياح. وإذا تغيَّرت سرعة الرياح يجب تغيير كلٍّ من توجيه الطائرة وزاوية الخيط كي تصير الطائرة الورقية في حالة اتزان جديدة.
(٧) القفز التَّزَلُّجي
لماذا يستطيع مُمارس القفز التزلُّجي قطع ٢٠٠ متر تقريبًا إذا قفز في هيئةٍ جيدة، بينما يقطع مسافةً أصغر بكثيرٍ إذا قفز بهيئة سيئة؟ لماذا تنتهي بعض القفزات بسقوطٍ خطير، وكيف يتجنَّب القافز السقوط؟
يعرف القافز الماهر كيف يُوجِّه جسده والزلَّاجة سريعًا على النحو الصحيح لزيادة الرفع مُبكرًا في بداية القفزة. يكمُن السرُّ في القفزة العلوية عند نهاية مُنحدَر الإقلاع. يجب أن تُنتج تلك القفزة دورانًا إلى الأمام لجعل القافز والزلَّاجة في اتجاه الهبوط الصحيح، بحيث تتَّخِذ الزلَّاجة والجسم الزاوية الصحيحة في مواجهة الهواء المار. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يضبط القافز توقيت الدوَران للأمام بحيث يختفي العزم الواقع على الزلَّاجة والجسم لحظة وصول القافز إلى الاتجاه الصحيح. كل هذه المناورات ضرورية لقفزة جيدة آمنة، لكن ما يُصعِّبها هو الاعتماد على كثافة الهواء، التي تُحدِّد جزئيًّا شدَّة الهواء الذي يواجهه القافز. فإذا كان القافز معتادًا على كثافة الهواء عند ارتفاعٍ منخفض على سبيل المثال وحاول القفز عند ارتفاعٍ مُرتفِع حيث كثافة الهواء أقل فمن الممكن أن يحدُث خطأ في التوقيت والقفزة.
(٨) سرعة المُتزلِّج على المُنحدرات الثلجية
السرعة هي هدف الكثير من مسابقات التزلُّج على المُنحدرات، لا سيما بالنسبة للمُتزلِّجين الساعِين إلى تحطيم الرقم القياسي العالمي في سرعة التزلُّج (أسرع من ٢٤٠ كيلومترًا في الساعة). ومقاومة الهواء هي العقبة الرئيسة في هذه المنافسات، وهي في واقع الأمر أكثر أهميةً من الاحتكاك الواقع على الزلَّاجة. فكيف يمكن للمُتزلِّج تقليل مقاومة الهواء؟
ومن الصعوبات الكثيرة لسباقات سرعة التزلُّج على المُنحدرات الثلجية ضرورة بذل جهد للحفاظ على الساقَين في الوضعيَّات الصحيحة. فنظرًا لدخول الهواء بين الفخذَين، فإن سرعة الهواء تكون أكبر ممَّا عليه الحال خارج الفخذَين. تأتي الطاقة المطلوبة لزيادة السرعة من ضغط الهواء. وهكذا يكون ضغط الهواء بين الفخذَين أقلَّ مقارنةً بخارجهما، ويميل الفخذان إلى الالتصاق. يجِب أن يقاوم المُتزلِّج هذا المَيل باستمرار.
(٩) البومرانج
لماذا يرتدُّ البومرانج؟ بعض عِصِي البومرانج قد تقوم بجولة دائرية لمسافة ٢٠٠ متر، وبعضها يمكن أن تقوم بعدة دورات قبل الهبوط. حيت تُلقى عصا البومرانج وسطحها شِبه عمودي؛ فلماذا يميل السطح للأسفل عادةً أثناء الطيران؟ لعِصي قطع البومرانج أشكالٌ مُتعددة إلى جانب شكلها التقليدي الذي يُشبه الموزة المَحنيَّة. فهل من الممكن أن تُصبح عصًا مستقيمةً عصَا بومرانج؟
كي تُلقي البومرانج بيدك اليُمنى أمسِكْه أولًا بالقُرب من رأسك مع جعل السطح المحدَّب مواجهًا لك وجعل سطح البومرانج مائلًا قليلًا إلى اليمين على المستوى العمودي. بعد ذلك مُدَّ ذراع القذف للأمام سريعًا مُحركًا يدَك بقوة حول معصمك. عندئذٍ تنشأ قوة رفع على البومرانج إلى أعلى وإلى يسارك، والجزء العلوي من القوة هو ما يُبقِي البومرانج طائرًا.
يعتمد حجم قوَّة الرفع الواقعة على ذراع البومرانج على سرعة مرور الهواء بالذراع. ونظرًا لأنَّ الذراع العلوية تلفُّ دائمًا للأمام (في نفس اتجاه طيران البومرانج نفسه) والذراع السُّفلية تلفُّ للخلف، فإن قوة الرفع على الذراع العلوية تكون أكبر دائمًا من تلك الواقعة على الذراع السُّفلية.
نظرًا لوجود قوة رافعة إلى أعلى على الذراع العلوية فإنها تَخْلُق، على مسافة من مركز البومرانج، عزمَ دورانٍ يحاول لَفَّ سطح البومرانج. ولأنَّ البومرانج يدور سريعًا، فإن عزم الدوران يلفُّ المحور الذي يدور حوله البومرانج بحيث يُشير المحور نحوَكَ أكثر، وترى قدرًا أكبر من الوجه العُلوي للبومرانج. مع دوَران البومرانج ينحني مسار طيرانه، والنتيجة مسار مُنْحَنٍ يجعل البومرانج يعود إليك.
ويُمكن تحويل العصا المُستقيمة إلى بومرانج إذا أُلقِيَت بالطريقة التي يُلقى بها البومرانج. يكون الدَّوَران المبدئي حول المحور القصير المار بالمركز غير مُستقر، ويتحوَّل الدوَران إلى المحور الطويل المُمتدِّ على طول العصا. هذا التحوُّل يعيد توجيه العصا، لكن الاتجاه الذي تدور حوله العصا لا يتغيَّر. وأثناء طيران العودة يغير الدوَران اتجاه تيار الهواء العابر إلى الأسفل، وهذا يؤدِّي إلى رفع العصا.
(١٠) رمي البطاقات
ارْمِ بطاقة ائتمان (أو غيرها من البطاقات الصُّلبة) مع جعل حافتها الطولية للأسفل وعلى مستوًى أفقي (اجعل وجهَيْها صوب اليسار واليمين). لماذا لا تنزلق البطاقة ببساطة عبر الهواء لتصطدم بالأرض أسفل نقطة الرمي مباشرةً؟
من الخدع الشائعة إلقاء بطاقات اللعب على صندوق مفتوح من أعلى. أستخدمُ بطاقات الائتمان البلاستيكية. وإذا ألقيتُها عشوائيًّا، فإنها تترنَّح على الفور تقريبًا، وتتوقَّف ثم تسقط على الأرض. هل من طريقة لتحقيق التوازُن للبطاقة أثناء طيرانها في الهواء بحيث أحظى بفرصة جيدة في إصابة الهدَف؟
الحيلة في رمي البطاقة تكمُن في موازنة البطاقة بحيث لا تتعرَّض للرفرفة أو التدحرُج. ومن الطرق الشائعة لتحقيق ذلك مَسْك البطاقة ووجهُها إلى الأسفل ووَضْع الإبهام أعلاها، والسبابة على الحافة الطولية، ووضع الإصبع الوسطى بالأسفل. بثني الرسغ ترجع البطاقة للوراء إلى أن تلمس قاعدة راحة اليد. ثم بدفع الرسغ للأمام تنطلق البطاقة مع الدوَران حول محورٍ عمودي. القوة المؤثرة على البطاقة من الهواء تجعلها تدور بحيث تُصبح عمودية، وتدور حول محورٍ أفقي. في هذه الحالة يُمكن أن يكون الطيران مُستقيمًا على نحوٍ مذهل، ويمكن للبطاقة أن تُصيب الهدف بقوة. في الواقع، يجِب أن تتوخَّى الحذر كي لا تُصيب البطاقة عين أحد الأشخاص.
بعض المؤدِّين ماهرون للغاية في رمي بطاقات اللعب على الجمهور في المسرح، وصولًا إلى قسم الشرفات، أو حتى جعلها تدور كالبومرانج.
(١١) البذور الدوَّارة
كيف تتمكن بذور شجر المران والدردار والقيقب من البقاء في الهواء لفترة طويلة قد تسمح للنسيم بحمْلها بعيدًا عن الشجرة الأم؟
ربما يكون الفعل أسهل في التصوُّر إذا رَكِبْتَ إلى جانب البذرة. بينما يأتي الهواء في اتجاهك فإنه يندفع صوب الجانب السُّفلي من الجزء المُجنَّح. و«قوة الرفع» هي العنصر أو «الجزء» العمودي على الجناح من اندفاع الهواء، وتساعد هذه القوة في دعم البذرة. يجعل اندفاع الهواء الجناحَ يدور مثل ريشة الطائرة المروحية، ويسمح أيضًا للبذرة بالانزلاق إلى أحد الجوانب. وغالبًا ما يسمح الجمع بين الدوَران والانزلاق بهبوط البذرة في صورة حلزونية مع الدوران أيضًا حول مركز كتلتها.
(١٢) الثعابين الطائرة
بالنسبة لأولئك الذين يخافون الثعابين يُوجَد ثعبان يمكن أن يسبب لهم الكوابيس مدى الحياة. يستطيع ثعبان شجرة الجنة (كريسوبيليا بارادايس) تسلُّق إحدى الأشجار والقفز من مسافة عالية، ثم الانزلاق نحو الأرض. ومن الممكن أن يُغيِّر مسار انزلاقه أثناء الطيران نحوَ هدفٍ جديد قد يكون شجرة أخرى. فكيف يمكن للثعبان أن ينزلق في الهواء؟
وإن الرفع الناتج عن تذبذب الثعبان ليس مفهومًا جيدًا بعد. ورغم ذلك، لنا أن نفترض أنه أثناء حركة النصف الخلفي المُتقعِّر من الجسم إلى اليسار واليمين يُمكن أن يتغيَّر اتجاه الجانب السُّفلي. وإذا تبدَّل من خلال المَيل إلى اليسار والميل إلى اليمين فمن الممكن أن يزيد قوة الرفع.
(١٣) تأثير مقاومة الهواء على كُرات التنس
لماذا تصِل كُرة التنس المُستعملة عادةً على المُستقبِل أسرعَ من كرة التنس الجديدة المضروبة بالطريقة نفسها بالضبط؟
(١٤) انحراف كرة القدم حول حائطٍ دفاعي
كيف يمكن أن يستخدم لاعب كرة القدم ركلةً حُرة لإرسال الكرة في مسارٍ «مُنْحَنٍ» حول حائط دفاعي من اللاعبين ويُدخلها إلى شبكة المرمى؟ هذه الركلة، المُسمَّاة «ركلة الموزة» بسبب شكل مسار طيران الكرة، تبدو غريبة، ومن الممكن أن تُفاجئ حارس المرمى تمامًا في أغلب الأحيان، لا سيما عندما يُعيق الحائط رؤية المرحلة الأولى من تحليق الكرة.
أما الجزء السحري من الركلة فقد يكون ناتجًا عن تغيير سرعة الكرة أثناء التحليق. فمقاومة الهواء على الكرة تعود إلى حدٍّ بعيد إلى الاختلاف ما بين تأثير ضغط الهواء المُرتفِع على السطح الأمامي للكرة ودوَّامات الضغط المُنخفض على السطح الخلفي. عندما تُبطِّئ الكرة يتغيَّر مدى منطقة الدوَّامات، فيزيد في البداية ثم يقل؛ ومِن ثمَّ تختلف مقاومة الهواء بالطريقة نفسها. ومِن ثَمَّ، فإنَّ بطء الكرة يزداد في البداية ثم يقل، وهو ما يُمكن أن يَخدَع حارس المرمى.
(١٥) الديناميكا الهوائية لكُرة الجولف
لماذا تُوجَد نقرات على سطح كرة الجولف؟ إذا ضربت كرة جولف ودارت إلى الأمام (حيث تدور قمَّة الكرة في اتجاه مسيرة الكرة)، فإن الكرة سوف تدور للأمام عندما تصطدم بالأرض الخضراء. هل هذا أمر مرغوب من جانبٍ لاعبٍ عادةً ما يسدِّد ضربات تسقُط على مسافة أقصر كثيرًا من الحفرة؟
الوظيفة الأساسية للنقرات هي تقليل مقاومة الهواء على الكرة من خلال تقليل فرق الضغط بين مقدِّمة الكرة ومؤخِّرتها. في المقدمة يكون الضغط مرتفعًا بسبب اصطدام الكرة بالهواء. فأثناء انزلاق الكرة في الهواء يتعلق الهواء بالكرة ثُم ينفصل عنها عند نقطة مُعيَّنة، وعندما ينفصل عنها يُشكل دوَّامات يكون فيها ضغط الهواء أقل. وإذا كانت منطقة تكوُّن الدوَّامات عند مؤخِّرة الكرة مُمتدة، فإن فرق الضغط بين مقدمة الكرة ومؤخرتها يمكن أن يكون كبيرًا. وهذا يعني أن مقاومة الهواء تصير كبيرة ولا تطير الكرة لمسافة بعيدة. أما عندما تصبح الكرة مُغطَّاة بالنقرات (أو مُثلَّمة)، فإن الهواء الموجود على جوانب الكرة يتخلخل، ممَّا يسمح بتعلُّق الهواء بسطح الكرة بطريقة أفضل والوصول لمسافةٍ أبعد عند سطحها الخلفي قبل انفصاله وتكوين الدوَّامات. ومِن ثَمَّ، فالكرة ذات النقرات تمتلك منطقةً تُشكُّل دوَّامات أصغر في المؤخِّرة (ومِن ثَمَّ مقاومة هواء أقل) مقارنةً بالكرة الملساء.
وعلى الرغم من أنَّ الكرة ذات النقرات تُحلق لمسافة أبعد على الملعب، فمن الممكن أن تحلق لمسافة بعيدة خارج الملعب عند تسديد ضربة مُنحنية. وهذا يعني أن النقرات تزيد المسافة وليس التحكُّم.
تشهد الكرة الدوَّارة قوة «رفع». وإذا ضربتْ عصا الجولف الكرة في موضعٍ منخفض بحيث تدور الكرة «دورانًا خلفيًّا» (أو «دورانًا لأسفل»)، فسيكون الرفع موجبًا، ومتجهًا لأعلى، ومِن ثَمَّ تُبقِي قوة الرفع الكرة في الهواء وتحلق الكرة لمسافة أبعد. وإذا ضربت عصا الجولف الكرة في موضعٍ مرتفع بحيث تدور الكرة «دورانًا أماميًّا» (أو «دورانًا لأعلى»)، فسيكون الرفع سالبًا، ومُتجهًا لأسفل؛ ومِن ثمَّ تُسبب قوة الرفع دفع الكرة لأسفل مبكرًا. ومِن ثَمَّ، فإن الدوران لأعلى يسمح بتدحرُج الكرة لمسافةٍ أطول على العشب، لكنه يُقَصِّر تحليق الكرة في الهواء.
(١٦) الديناميكا الهوائية لكرة البيسبول
كيف يرمي الرامي في لعبة البيسبول كرة سريعة لا تسقط فيها الكرة فعليًّا بفعل الجاذبية وحدَها أثناء طيرانها إلى الضارب؟ إذا لم يتوقَّع الضارب بطريقةٍ صحيحة كرةً سريعة، فمن المُمكن أن تكون الضربة المائلة منخفضة جدًّا بحيث لا يتحقق احتكاكٌ جيد مع الكرة. فكيف يرمي الرامي كرة مُنحنية ينحني فيها مسار الطيران صَوب الضارب أو بعيدًا عنه، أو صوب الأرض؟
بالإضافة إلى هذا الانحراف الأساسي، فإنَّ الخياطة على الكرة الدوارة تتعرَّض لمقاومة الهواء، وهذا يُمكن أن يُغيِّر من اتجاه حركة الكرة ويُبطِّئها. تلتفُّ الخياطة حول الكرة لتُمسك قطعتَي الجلد المُكوِّنتَين لسطح الكرة. عادة ما تُوصف طريقة مسك الكرة ورميها من منظور الضارب. في إحدى الرميات الأساسية التي يُطلق عليها الكرة السريعة ثنائية الخياطة، يرى الضارب دائمًا جزأين من الخياطة في الكرة أثناء دوَرانها في رحلتها. وفي «الكرة السريعة رباعية الخياطة»، يرى الضارب أجزاء مُتعاقبة من الكرة تدور أمام ناظريه أثناء طيران الكرة في الهواء. وعلى الرغم من أنَّ كِلا النوعَين من الكرة السريعة يمنحان الرفع الموجب نفسه، فإن بعض الرُّماة يزعمون أن أحد النوعَين أو الآخر هو الأفضل.
تُلقى الكرة المُنحنية إما بدوَران جانبي أو دوران علوي. وإذا تسبَّب الدوران الجانبي في قذف الهواء إلى يسار الرامي، فإنَّ الكرة سوف تنحرف يمينًا إما ناحية الضارب أو بعيدًا عنه، اعتمادًا على إذا ما كان الضارب أيمن أم أعسر. وإذا كانت الكرة تدور دوَرانًا علويًّا، وهي الرمية التي تُعرَف باسم رمية «الإسقاط»، فإنَّ الهواء يُقذف لأعلى فيسبب انحرافًا لأسفل (رفعًا سالبًا). أما الرمية «المُنزلقة» فهي رمية ذات دوَران جانبي لكن بدوَران أقل بحيث يكون الانحراف أقل، مما يمكن أن يخدع الضارب.
هذه هي الرميات الأساسية. ويُمكن للرامي الماهر إمالة دوَران الكرة للحصول على اتجاه الرفع والانحراف المرغوبَين، بحيث يُغيرهما ما بين كلِّ رمية وأخرى لإرباك الضارب. يبحث لاعبو البيسبول المُحترفون عندما يحين دَورهم في ضرب الكرة عن أدلَّة حول الرمية القادمة في الطريق، ومن هذه الأدلة التوجيه الأخير ليَدِ الرامي أو الخياطة الدوَّارة في الكرة. وهذه المهمة صعبة؛ لأن الضارب يمكن أن يرى الكرة بوضوح فقط في الجزء الأول من رحلتها، وبعد ذلك تُصبح الكرة ضبابية ويبدأ التأرجُح.
(١٧) ديناميكا الكريكيت
في لعبة الكريكيت «يرمي» الرامي الكرة برمية ذراع مستقيمة، فيلقي الكرة على الأرض بحيث ترتدُّ في الاتجاه العام للضارب الذي يحاول بعد ذلك ضربها بالمضرب. وعلى الرغم من أن الوصف الأساسي لا يبدو مُثيرًا، فإن اللعبة يمكن أن تكون مليئةً بالمفاجآت، وتجلس أُمَم كاملة مشدوهةً تُتابع هذه المباريات. فكيف يمكن للرامي السيطرة (ولو تقريبيًّا) على اتجاه الكرة؟
(١٨) الطيور التي تطير في تشكيل على هيئة حرف V
وقد يكون توفير الطاقة أحد الأسباب التي تجعل السمك يسبح أيضًا في أسراب. وتشكيلات الدوامات الناتجة عن السمكة القائدة يمكن أن تساعد في تقليل الجهد المطلوب من الأسماك الموجودة في مؤخرة السرب.
(١٩) السباحة في سائل لزج
يجب أن يدفع السباح الماء أو يسحبه كي يشق طريقه فيه. والماء من الموائع بطبيعة الحال؛ ومِن ثمَّ فإن دفع أو جذب الماء ليس بكفاءة دفع أو جذب شيء صلب. إذا أضفنا شيئًا إلى الماء ليصبح أكثر لزوجة؛ ومِن ثمَّ يُصبح أقلَّ ميوعة، فهل يستطيع الشخص أن يسبح في هذا الماء على نحوٍ أسرع؟
(٢٠) خطوط التكثُّف
لماذا تترك الطائرات في بعض الأحيان خطوطًا بيضاء خلفها في السماء؟ لماذا تتضخم هذه الآثار في بعض الأحيان أو تُصبح لولبية؟
وهذه الدوامات يمكن أن تُشكل خطورة على الطائرات الأخرى، لا سيما الطائرات الأصغر حجمًا والأخف التي من الممكن أن تنقلب بسبب إحدى هذه الدوامات. لذلك يتوخَّى طيارو الطائرات الصغيرة حذرًا بالغًا في تجنُّب آثار الطائرات الأكبر حجمًا. رغم ذلك، يُقال إن دوَّامات أطراف الأجنحة استُخدمت استخدامًا نافعًا في السموات الإنجليزية أثناء الحرب العالمية الثانية؛ فعند حدوث إحدى هجمات القنابل الطائرة فاو-١، كان الطيار الإنجليزي يطير إلى جانب إحدى هذه القنابل ويستخدِم دوَّامة طرف الجناح في قلبها كي تتحطم.
عادة ما يكون طول خطِّ التكثُّف المكوَّن من قطرات الماء قصيرًا؛ لأن القطرات تتبخر. أما الثلج فيمكن أن يشكل خط تكثُّف طويلًا، وطويل الأجل، شريطة ألا يصبح الثلج كبيرًا لدرجة تسمح بسقوطه. يمكن لخط التكثف طويل الأجل أن يتمدد عندما يُكَوِّن بخار الماء قطرات أو بلورات إضافية. وفي بعض مناطق الطيران عالية الكثافة يمكن أن تتداخل خطوط التكاثف المُمتدة وتُغطي جزءًا كبيرًا من السماء.
وفي بعض الأحيان تتحوَّل خطوط التكاثف إلى حلقات عندما تبدأ في التحلل، وعندها تبقى أسس الدوامات هي المرئية. ويمكن أيضًا أن تتحوَّل خطوط التكاثف إلى أشكال (منفوشة) تشبه «الفشار» في حالة هبوط أجزاء منها، مما يجعلها تتمدَّد.
وإذا كان خط التكثُّف تحت ضوء ساطع وألقى ظلًّا على الهباء الجوي أسفله (مثل الدخان أو الضباب أو الشبورة)، فإنَّ الظلَّ يبدو خطًّا داكنًا في السماء. وعندما تكون الشمس خلف الطائرة، ربما يبدو الخط الداكن أمام الطائرة، كما لو كان امتدادًا داكنًا لخط التكثُّف الصادر عن الطائرة.
يمكن أيضًا أن تُصدِر الطائرة خطًّا داكنًا يُعرف باسم «خط التبديد» عندما تطير عبر سحابة رقيقة نسبيًّا، فتتخلص من قطرات الماء وبلورات الثلج في السحابة عن طريق تبخيرها، إما من خلال الطاقة الحرارية الصادرة عن المحركات أو بمزج الهواء الدافئ بالأعلى بالسحابة الموجودة بالأسفل. ويمكن أيضًا أن تنتج الطائرة خط تبديد إذا أطلقت المحركات على السحابة رطوبة كافية تجعل البلورات الثلجية يزداد حجمها لدرجة سقوطها من السحابة.
(٢١) رفرفة ستار حوض الاستحمام للداخل
أثناء الاستحمام دائمًا ما يرفرف ستار حوض الاستحمام للداخل ويحتك بساقي. ليس ستاري شيئًا استثنائيًّا؛ لأن معظم الستائر تتسم بهذه السمة المزعجة إلا لو كانت مثبتة بثقل أو مزودة بقطع مغناطيس صغيرة. فما الذي يدفعها للداخل؟
ويمكن أيضًا لحركة الهواء الناتجة عن مقاومة الهواء بفعل تدفق المياه أن تحدُث عندما يتدفَّق الماء مُشكلًا ما يُشبه نظام الكهف؛ فالسَّحْب يحمل الهواء إلى الكهف على امتداد مسار الماء، مما يعني ضرورة تدفق كمية مساوية من الهواء خارج الكهف. وفي بعض الأنظمة، يمكن أن يشعر مستكشف الكهف بتدفق الهواء إلى الخارج.
(٢٢) كلب البراري وأعشاش النمل العملاقة
كلب البراري نوع من القوارض يعيش في السهول المفتوحة في الغرب الأوسط الأمريكي وكثير من المناطق السكنية، ويبني جحورًا طويلة يتراوح عمقها ما بين متر إلى خمسة أمتار، يكون لها مدخلان أو أكثر. لا تستطيع الرياح أن تهبَّ في هذه الأنفاق لإدخال الأكسجين لكلاب البراري. فلماذا لا تختنق في جُحورها؟
يبني النمل القاطع الأوراق أعشاشًا ضخمة يصل عُمقها إلى ستة أمتار تقريبًا لإسكان ما يقرب من خمسة ملايين نملة. يجب أن يتنفَّس النمل داخل المتاهة المُعقدة المكونة من الممرَّات المحفورة تحت الأرض، كما تحتاج الفطريات التي يزرعها من أجل الصغار إلى الأكسجين، ولا يمكنها مقاومة درجات الحرارة التي تزيد على ثلاثين درجة مئوية. يمكن أن يرفع نشاط كل هذا النمل داخل العش درجة الحرارة بسهولة عن هذه القيمة. فكيف تجري تهوية هذا العش للتحكم في كل من الأكسحين ودرجة الحرارة؟
يُولِّد النمل والفطريات في الأعشاش العملاقة للنمل قاطع الأوراق الكثيرَ من الطاقة الحرارية؛ ومِن ثمَّ ترفع درجة حرارة كثيرًا داخل الأعشاش. وعلى الرغم من أن هذا الهواء الدافئ يميل إلى الارتفاع بحيث يخرج من العش فإن هذه الأعشاش أكبر وأعقد من أن تجري تهويتها بهذه الطريقة. بدلًا من ذلك تحصل هذه الأعشاش على التهوية بفضل مقاومة الهواء، من خلال الرياح التي تهبُّ أمام فتحات السطح بطريقة مشابهة كثيرًا لطريقة تهوية جحور كلاب البراري.
(٢٣) دوَّامة حوض الاستحمام
عند تصريف الماء من حوض الاستحمام لماذا يدور فوق البالوعة في شكل حلزوني ويتحول لدوَّامة، وما هو اتجاه الدوران: أهو في اتجاه عقارب الساعة أم عكس اتجاه عقارب الساعة؟ إذا كان اتجاه الدوران يعتمد على نصف الكرة الأرضية الواقع فيه حوض الاستحمام، فماذا سيكون اتجاه الدوران إذا كان حوض الاستحمام يقع في مكان قريب من خط الاستواء؟ هل الماء يتدفق إلى الدوَّامة من السطح العلوي بالضرورة، كما لو كانت الدوامة ميزابًا يصرف الماء من السطح العلوي؟ ما الذي يُحدد عمق الدوامة؟ (يمكن أن تكون الدوامة تجويفًا هوائيًّا بسيطًا على سطح الماء، أو يمكن أن تكون عمودًا هوائيًّا مُمتدًّا للأسفل إلى البالوعة.) لماذا أحيانًا ينعكس اتجاه الدوران فجأة في الدقائق الأخيرة لتصريف المياه من الحوض؟ لماذا يصدر صوت عن بعض دوامات حوض الاستحمام؟
الماء المُتدفق في حوض التصريف هو نظام ضيق المدى للغاية تحكُمه عوامل أكبر من تأثير كوريوليس. ويُحدِّد اتجاه الدوران في الأساس الاتجاه العام لدوران الماء عند تدفُّقه في الحوض أو عندما يُدَوِّره أحد الأشخاص. فمثلًا، إذا كان الماء يسيطر عليه تدفق في اتجاه عقارب الساعة، فإن الماء يمكن أن يحتفظ بجزء من اتجاه هذا التدفق لساعة أو ربما أكثر. وفي حالة تصريف الماء أثناء دورانه في اتجاه عقارب الساعة، فإن الدوامة المكونة فوق البالوعة ستكون في اتجاه عقارب الساعة. من العوامل الأخرى التي يمكن أن تُحدد اتجاه التدفُّق انعدام التناظُر في حوض الاستحمام (فمن الممكن أن يكون موقع البالوعة غير مُتناظر)، والاضطراب الناتج عن سَحب السدادة، واختلاف درجات الحرارة بين الماء بين ناحية (مثلًا الناحية المُطلَّة على بقية الحمام) والناحية المُقابلة (الجدار).
أُجريَت تجربة تأثير كوريوليس في حوض استحمام خاص وفي ظلِّ اتخاذ احتياطات مُعينة؛ إذ كان الحوض دائريًّا، وكانت البالوعة موجودة في مُنتصفه، وترك الماء ليستقرَّ لفترةٍ طويلة في الحوض، وكانت درجة حرارة الماء ثابتة، وعُزل الماء عن أي اضطرابٍ مُحتمل قد يُسببه الأشخاص الموجودون في الغرفة، وسحبت سدادة البالوعة بحذَر بالغ. في ظل هذه الاحتياطات حدد تأثير كوريوليس حركة الدوران، ولأن الحوض كان موجودًا في بوسطن فقد كان تصريف المياه عكس اتجاه عقارب الساعة.
معظم الماء الذي ينزل في البالوعة يتحرك نحو البالوعة القريبة من قاعدة حوض الاستحمام. وعندما يصل الماء إلى البالوعة، ينزل بعضه في البالوعة على الفور، لكنَّ كثيرًا من الماء يدور ﻟ «الأعلى» قبل أن ينزل البالوعة. والماء الذي ينزل في مركز البالوعة يأتي من سطح الماء العلوي؛ أي من التجويف الذي نراه على البالوعة. إذا كانت الدوَّامة قوية، يكون قاع التجويف رفيعًا وغير مُستقر، وتتصاعد منه فقاقيع هواء.
أما مدى الدوامة (أي عمق عمود الهواء في الدوامة) فيُحدده جزئيًّا قُطر البالوعة. عادة ما تُسفر البالوعة العريضة عن تجويفٍ ضحل على سطح الماء. أما البالوعة الضيقة فإنها تنتج عادةً دوامة قوية ضيقة يمتدُّ فيها عمود الهواء إلى البالوعة. ويمكن للبالوعة متوسطة الحجم أن تنتج دوَّامة تتَّجِه لأسفل في البداية ثم تتراجع لأعلى.
أما سبب عكس اتجاه الدوَران في الدقيقة الأخيرة فهو غير مفهوم جيدًا. أحد التفسيرات يقضي بأنه عندما تُصبح طبقة الماء ضحلةً جدًّا، فإن تدفق الماء في الدوامة يكون صعبًا بسبب الاحتكاك بقاع الحوض.
ويمكن أن تصدر دوامة حوض الاستحمام صوتًا إذا كانت قوية لدرجة تسمح ﺑ «حبس» (أسر) الهواء في صورة فقاعات تُصدر صوتًا أثناء تذبذُبها وانهيارها. ومن الممكن أن يهتزَّ سطح الماء أيضًا، فيصدر اختلافات في ضغط الهواء في صورة موجات صوتية.
(٢٤) دوَّامة في فنجان قهوة
قَلِّب فنجان قهوة سادة برفق ثم أزل الملعقة. أثناء دوران القهوة في الفنجان. صُبَّ ببطء وبرفق لبنًا باردًا أو قشدة باردة في المنتصف. لماذا يظهر تجويف في المنتصف؟ لماذا لا يظهر التجويف إذا كان اللبَن دافئًا أو ساخنًا؟
(٢٥) تَجَمُّع أوراق الشاي، دوَران الزيتون
إذا قلبتَ فنجانًا من الشاي تتناثر فيه أوراق الشاي عبْر القاع (ثم أزلتَ الملعقة) لماذا تتجمَّع أوراق الشاي في المركز السفلي؟ ولماذا قبل الوصول إلى المركز تُشكل الأوراق ما يُشبه الحلقة حول المركز ثم تتحرَّك للداخل؟
في حالة تقليب كأس من المارتيني يحتوي على زيتونة، فإن الزيتونة سوف تتحرَّك حول محور الكأس مع السائل الدوَّار لكنها ستدور أيضًا حول محور داخلي. لماذا يكون اتجاه الدوران مُعاكسًا لاتجاه الدوَّامة؟
ما لم يُلاحظه أينشتاين هو أن أوراق الشاي سرعان ما تشكل حلقة بعد إزالة الملعقة قبل أن تصل إلى المركز في النهاية. فالأوراق البعيدة عن هذه الحلقة تنجذب نحوها بفعل التدفق الثانوي، وأوراق الشاي الأقرب للمركز تدور بعيدًا عنه. وعندما يخبو دوران الماء في الفنجان، يقلُّ نصف قُطر هذه الحلقة؛ ومِن ثمَّ تتحرك الأوراق تدريجيًّا نحو المركز، وتستقر فيه في النهاية.
وإذا حدث تقليب الشاي من خلال وضع الفنجان على طاولة دوَّارة، مثل مُشغل الأسطوانات الموسيقية، فسيبدأ التقليب عند قاع السائل بسبب الاحتكاك بين السائل الموجود هناك وبين سطح الفنجان. وتدريجيًّا سيصعد دوران السائل إلى السطح العلوي. وأثناء هذا الصعود، سَيَلِفُّ السائل الموجود في السطح السُّفلي للخارج، ولن يميل السائل في السطح العلوي إلى الدوران. ونتيجة لذلك سيحدُث تدفُّق ثانوي: إلى الخارج عند القاع، وللأعلى عند الجدار، وللداخل عند القمة، وللأسفل عند المحور المركزي. هذا التدفُّق معاكس للتدفُّق الناتج عن تقليب الملعقة، والآن سوف تنتهي الحال بأوراق الشاي أسفل جانب الفنجان.
عند تقليب كأس من المارتيني به زيتونة فإن الزيتونة تكون بين السائل الذي يتحرَّك بسرعة قرب مركز الكأس وبين السائل الذي يتحرك ببطء بعيدًا عن المركز. ومِن ثَمَّ، فإن تأثير السحب على الزيتونة يمكن أن يكون كبيرًا عند النقطة الأقرب للمركز، مما يجعل الزيتونة تدور في الاتجاه المُعاكس للدوامة. (ونظرًا لوجود عوامل كثيرة مثل توزيع الكتلة في الزيتونة المثقوبة المَحشيَّة، فإن الزيتونة يمكن أن تدور في اتجاه الدوامة أو تدور عشوائيًّا.)
(٢٦) الأنهار المُتعرِّجة
لماذا يميل النهر إلى التعرُّج (تكوين مسار يُشبه نير الثور) بدلًا من السير في خط مُستقيم؟ إذا نظرتَ من الطائرة يمكن أن تجد أن بعض الأنهار تسير على نحوٍ شديد التعرُّج. ما الذي يُسبب حلقات الماء المنفصلة التي يُطلَق عليها «البُحيرات القوسية»، والموجودة على جانب النهر شديد التعرُّج؟
وإذا أصبحت الحلقة كبيرة، فإنَّ النحت على طول التعاريج المؤدية للحلقة يُمكن أن يفصل الحلقة مكونًا بحيرةً قَوسية.
(٢٧) دوَران الطائر في الماء
لماذا يدور طائر الفلروب (طائر مخوض صغير) بقوة في الماء أثناء تدلِيَةِ رأسه لأسفل لينقُر في سطح الماء؟
(٢٨) صعود الماء جوانب البيضة الدوَّارة
إذا أدرتَ بيضة مسلوقة مثلما تدير لعبة النحلة الدوارة، فإنها ستقِف على أحد طرفَيْها. فلماذا إذا أدرتَها في بِركة ماء ضحلة (عُمقها بضعة مليمترات) يصعد الماء جانب البيضة قبل أن يسقط عنها؟
(٢٩) نسَق تدفق الماء في صورة دائرة داخل الحوض
عند سقوط تيار ماء يتدفق بانسيابية من صنبور على حوض مسطح مفتوح البالوعة، لماذا تتكون دائرة حول نقطة التصادم يكون الماء فيها أعمق في الجزء الخارجي من الدائرة؟
غالبًا ما تظهر القفزات الهيدروليكية في كثيرٍ من المجاري المائية الشائعة، كما يحدث عندما يتدفق الماء إلى الطريق عبْر حافة الرصيف، ومن خلال مواسير الصرف الصحي الموجودة تحت الأرض، وعبر قنوات الري المائلة. ابحثْ عن موجة ثابتة عند تدفق الماء لا سيما عند وجود عائق أمام هذا التدفق. تنشأ الموجات عند تدفق الماء على العائق أو بعيدًا عنه. معظم هذه الموجات تفقد طاقتها ببساطة وتختفي، لكن موجةً واحدة ذات طول موجي مُعين تعلو المجرى وتتحرك بسرعة تَحرُّكِ الماء في أسفل المجرى؛ ومِن ثمَّ تصبح الموجة ثابتة. إن الاضطراب المُستمر للماء الذي يسببه العائق يُغذي الموجة بالطاقة باستمرار، مما يجعلها تستمر. يمكنك أن تتأمَّل سلسلةً ثابتة من القِمَم والوديان بدلًا من الجدار الواحد الذي تراه في الحوض. يُمكن أن تمثل القفزات الهيدروليكية في المجاري السريعة الجريان مشكلة خطيرة (وربما قاتلة) عند ركوب الطوف على الأمواج؛ إذ مِن الممكن أن يصبح الطوف محصورًا عند القفزة أو قد ينقلب بسبب اضطراب الماء.
إذا وضعت بحرصٍ قطرة ماء أعلى مجرى القفزة الهيدروليكية في حوض المطبخ، فمن الممكن أن تصبح القطرة محصورة عند جدار القفزة وتظلَّ طافيةً لمدة طويلة (دون أن تندمج في الماء فحسب) بسبب استمرار مقاومة الهواء أسفلها بفعل الماء المتدفق.
ويمكن لمجرى أحد الموائع اللزِجة، مثل مانع التجمد (إيثيلين جليكول)، أن يكوِّن قفزة هيدروليكية دائرية، لكن يمكن أيضًا أن يتحوَّل تلقائيًّا إلى قفزة هيدروليكية مُضلعة ذات حوافَّ مُستقيمةٍ وأركانٍ حادة.
(٣٠) مستوى الماء في القنوات
لنفترض أنك في قاربٍ يتحرك في قناةٍ ضيقة وضحلة جدًّا. عندما تمرُّ مقدمة القارب على نقطة على جانب القناة، هل يرتفع منسوب المياه في تلك النقطة أم ينخفض؟
(٣١) الأمواج المُنعزلة
في عام ١٨٣٤ شهد المهندس ومعماري البحرية البريطاني جون سكوت راسل موجةً غريبة في قناة مائية بالقُرب من إدنبرة. فقد كان هناك خيول تجرُّ أحد القوارب بسرعة في الماء، وفجأةً توقَّفت الخيول وتوقَّف القارب. رغم ذلك، لم تتوقَّف الموجة التي كانت عند مُقدمة القارب، بل استمرَّت في التقدُّم في القناة بسرعة ٤ أمتار في الثانية. تمكَّن راسل من اتباع هذه الموجة على صهوة جواده، وبلغ ارتفاعها حوالي ثُلث متر وطولها حوالي عشرة أمتار (بعرض القناة)، لمسافة تقرُب من ثلاثة كيلومترات قبل أن تغيب عن نظره في «انعطافات القناة». اندهش راسل من عدم تضاؤل المَوجة أثناء سفرِها. فإذا ضربتَ الماء في مجرًى مائيٍّ فإن الأمواج التي تصنعها تتضاءل سريعًا جدًّا ولا تستطيع بالتأكيد أن تُسافر عدة كيلومترات حتى على سطح مسطحٍ مائي عريض. فما الذي كان مختلفًا في موجة راسل؟
رأى راسل موجة منعزلة انطلقتْ من القارب عندما توقف فجأة. وعلى الرغم من أن الحسابات الرياضية الخاصة بهذه الموجة تُشتَهر بالصعوبة، فإن الموجة المنعزلة نفسها بسيطة. في العادة تخضع الموجات المُرسَلة عبْر الماء إلى التصنيف وفقَ الطول المَوجي، وتُعرَف هذه العملية بالتشتُّت؛ ولذلك، إذا أرسل الارتطام مجموعة أمواج مختلفة في الطول الموجي، فإن الأمواج تتشتَّت وتتلاشى أيضًا مع المسافة. أما في حالة الموجة المنعزلة، فإن اضطراب مستوى الماء يزيد بفعل الموجة نفسها؛ مما يمنع التشتُّت، ومن ثَمَّ تحتفظ الموجة بشكلها. في الواقع، من المُفترض أن تسافر الموجة المنعزلة لمسافةٍ طويلةٍ جدًّا لأنها تفقد طاقتها تدريجيًّا بفعل انخفاض لُزوجة الماء (الاحتكاك الداخلي).
وفي الموجة العادية يتحرك جزء من الماء في مسارٍ دائري أو بيضاوي، لكن لا ينتقل في اتجاه حركة الموجة. على سبيل المثال، إذا ضربتَ الماء لإرسال الأمواج في بحيرة، فإن الموجات فقط، وليس الماء، هي ما يتحرك على سطح البحيرة. أما الموجة المنعزلة فمختلفة لأنها «تنقل» الماء بالفعل. ولتوضيح ذلك، جعل راسل قوارب كثيرة تجرُّها الخيول تُرسِل موجاتٍ مُنعزلةً على طول إحدى القنوات. ووجد راسل أن عُمق الماء زاد عند طرف القناة البعيد وانخفض (بالقدر نفسه) عند الطرف القريب.
(٣٢) أمواج المد
عندما يدخل المدُّ ثم يغمر أنهارًا مُعينة، لماذا تُكَوِّن المياه الداخلة جدارًا مضطربًا يُطلَق عليه «موجة المد»، التي يُمكن أن تزيد عُمق المياه للغاية أثناء تجاوزها نقطةً معينة في النهر؟ في بعض الأنهار (مثل نهر سيفرن في إنجلترا) وفي بعض المناسبات (عندما يكون المد مناسبًا)، يمكن أن تكون الموجة التي تكتسح النهر مرتفعةً بدرجةٍ كافية تجعل المُتزلِّجين على الأمواج يركبونها لمسافة عدة كيلومترات.
ولوقتٍ طويل قبل أن يُصبح ركوب الأمواج رياضةً كان الصيادون يضعون قواربهم عادةً عند مَصبِّ النهر ليحصلوا على ركوبةٍ إلى أعلى النهر على ظهر موجة المَد. من الواضح أن هذا الاستخدام كان غير معروف لقادة وطواقم سفن البحرية الملكية التي استكشفت نهر تشيانتانج في الصين عام ١٨٨٨. ذاتَ ليلةٍ بينما كانت السفن راسيةً في النهر، سمعَت الطواقم دويًّا هائلًا. وبعد حوالي ثلاثين دقيقة، أسرتْ موجةُ مدٍّ السفنَ وحملتها ضدَّ التيار لمسافةٍ تقرُب من كيلومتر رغم تشغيل محركات السفن بكامل طاقتها لمواجهة الحركة. كان الدويُّ ناتجًا عن اضطراب موجة المد، ذلك الاضطراب الذي كان من الممكن أن يقلِب السفن.
(٣٣) المدُّ والجزْر
ما الذي يُسبِّب المد والجزر؟ لماذا يحدث في بعض المواقع الشاطئية ذروتَا مدٍّ يوميًّا ويحدُث في المواقع الأخرى ذروة واحدة فقط؟
وتُوجَد بعض العوامل التي تزيد الأمر تعقيدًا؛ فالنتوءات ليست موجودةً على نحوٍ دقيق تمامًا على خطٍّ يربط بين الأرض والقمر؛ لأنَّ حركة الماء تشهد احتكاكًا داخل الماء ومع حوافِّ الشواطئ. هذا الاحتكاك يؤخِّر استجابة الماء للبسط الصادر عن القمر. وبهذا فإن نقطة المد العالي في مدينة ساحلية قد تحدُث بعد ساعة أو أكثر من وصول القمر إلى أعلى نقطة في السماء. على سبيل المثال، تتأخَّر نقطة المد العالي في بحر المانش لساعاتٍ كثيرة لأن حركة الماء تجد مقاوَمة كبيرة.
ويُوجَد عامل تعقيد آخر يتمثل في أن قوة جاذبية الشمس تميل أيضًا إلى بسط توزيع الماء. إلا أن تأثير الشمس يقلُّ عن نصف تأثير القمر بشكلٍ تقريبي. وعلى الرغم من أن الشمس أكبر كثيرًا من القمر، فإنها أبعد كثيرًا عن الأرض. وعندما يكون القمر محاقًا وبدرًا، تكون الشمس والقمر على استقامةٍ واحدة ويُطلَق على تأثير الجاذبية المجتمِع للشمس والقمر، الذي يُسفر عن فائضٍ في المدِّ والجزْر، اسم «المد والجزر التام». وعندما تفصل بين اتجاه الشمس والقمر زاويةٌ مقدارها ٩٠ درجة، ينتج عن تأثير جاذبية الشمس والقمر معًا «المد والجزر الناقص». وبسبب عوامل التعقيد المختلفة، من المُمكن أن تشهد بعض المواقع الشاطئية مدًّا وجَزرًا واحدًا ملحوظًا يوميًّا.
(٣٤) المدُّ والجزْر في خليج فندي
ظاهرة المدِّ والجزر في خليج فندي (نوفا سكوشا، كندا) مُثيرة للغاية؛ ففي بعض الأحيان يصل نطاق الفرق في منسوب المياه بين أدنى مستويات الجزْر وأعلى مستويات المدِّ إلى ١٥ مترًا خلال ساعات قليلة. فلماذا يمكن أن يكون نطاق المدِّ والجزْر كبيرًا لهذه الدرجة في هذا المكان ولا يكون كبيرًا لهذه الدرجة في أماكن أخرى؟
ويمكن أيضًا أن يتذبذب الماء في الخليج في حالة ضخِّه على نحوٍ موافق للرنين. فعلى سبيل المثال، تميل تأثيرات المدِّ والجزر الصادرة عن القمر إلى إحداث ذبذبات في الخليج؛ وهو ما يجعل الماء يهتز. إلَّا أنَّ الذبذبات في معظم الخلجان تكون صغيرة لأن وقت تأثيرات المد والجزْر لا يتوافق مع زمن الذبذبة في الخليج. أما خليج فندي فهو مختلف؛ لأن زمن الذبذبة فيه يعادل ١٣٫٣ ساعة، وهو قريب على نحوٍ معقول من الزمن الفاصل بين نتوءات المد والجزْر الذي يبلغ ١٢٫٤ ساعة؛ ولهذا تكون حركة الماء في الخليج شديدة.
وتُشير السجلات التاريخية إلى أن اختلافات المد والجزر في خليج فندي قد زادت تدريجيًّا لأن زمن الرنين في الخليج تغيَّر تدريجيًّا ليقترب من زمن تَغايُر المد والجزر. ويمكن أن يكون هذا التغيُّر ناتجًا عن تغيُّراتٍ في شكل الخليج بسبب زيادة منسوب البحر.
(٣٥) الماء الميِّت
في رحلةٍ في القطب الشمالي في أغسطس ١٨٩٣ صادفَتِ السفينة «فرام» ما يُطلَق عليه حاليًّا «الماء الميِّت» في الساحل الشمالي لسيبيريا. كانت السفينة تستطيع التحرُّك بسرعة ستِّ أو سبع عُقدات، لكنها في الماء الميِّت لم تستطِع التحرُّك إلا بسرعة ١٫٥ عقدة فقط، على الرغم من هدوء كلٍّ من الماء والطقس. بالإضافة إلى ذلك، كانت السيطرة على السفينة قليلة، واضطُرَّ القبطان في واقع الأمر إلى السير في حلقات تفاديًا لمنطقة الماء الميت. لم يكن الماء مختلفًا من الناحية الشكلية عن بقية ماء المُحيط المُمتد. فما الذي سبَّب انخفاض السرعة وفقدان السيطرة على الدفة؟
تُوجَد مقدمة السفينة فوق القمَّة الأولى في الموجة الداخلية. ويتحرَّك الماء أسفل هذه القمة في الاتجاه المعاكس للسفينة، فيقاوم حركة السفينة. ونتيجة لطول السفينة «فرام» فقد كانت دفَّتها أيضًا فوق قمَّة الموجة الداخلية؛ ومن ثَمَّ لم تكن الدفة ذات فائدة كبيرة في توجيه السفينة.
(٣٦) الأعاصير القُمعيَّة
يمكن أن تحدُث الأعاصير القُمعية في أماكن كثيرة في العالم، لكنها تهديد شِبه مُستمر في منطقة واسعة بمنتصف الولايات المتحدة الأمريكية يُطلق عليه «مجاز الأعاصير القُمعية». تُثير هذه الأعاصير الانبهار والخوف في كلِّ من يراها أو يختبئ منها؛ لأنها مزيج من الجمال والشرِّ في الوقت نفسه.
ما الذي يُسبب الأعاصير القُمعية، ولماذا تحدُث على نحوٍ متكرر في مجاز الأعاصير القُمعية؟ هل يدمر الإعصار القُمعي المنازل بدفع جدرانها للداخل أم بسحبها للخارج؟ هل تستطيع رياح الأعاصير القُمعية أن تغرس قشَّة في الخشب فعليًّا كما تزعم أحيانًا الصحف الشعبية؟
ولا تُرى الأعاصير القُمعية إلا إذا التقطت الأتربة وأجزاء الحطام من الأرض ورفعتها عاليًا عبْر القمع، أو تسببت في تكثيف كبير للماء في صورة قطرات مائية. والأعاصير الأكبر حجمًا تتركَّب على الأرجح من عدة دوَّامات مُتزامنة؛ إذ تدور دوامات عديدة أصغر حجمًا حول دوامة مركزية أكبر. وللأعاصير أشكال مختلفة؛ فمنها ما يُشبه الأقماع أو الأعمدة أو الحبال (الثعابين). وبعض الأعاصير القُمعية شِبه عمودية، والبعض الآخر يمتدُّ أفقيًّا قبل أن ينزل لأسفل. ويبدو أنَّ كل الأعاصير تتحرَّك عشوائيًّا، فهي تضرب أماكن مُتباعدة في الريف تاركةً ندبات كبيرة على الأرض.
وعلى النقيض من الاعتقاد الشائع، فإن خطر الإعصار القُمعي الذي يُهدِّد المنازل لا يتمثل في الانخفاض المفاجئ في ضغط الهواء خارج المنزل الذي قد يؤدي إلى انفجار الجدران للخارج. فضغط الهواء لا ينخفض كثيرًا في واقع الأمر. ولذلك، في حالة اقتراب الإعصار القُمعي لا تُهدِر وقتًا في فتح النوافذ آملًا أن يكون ضغط الهواء الداخلي مُساويًا لضغط الهواء الخارجي، بل اركض واختبئ! قد يكون القبو أفضل ملاذ، أما في حالة عدم وجوده فسيكون الحمَّام ودرعه الجزئي المُتمثل في حوض الاستحمام والمواسير أفضل ملاذ.
أما الخطر الذي يتهدَّد المنزل فهو الرياح عالية السرعة المُحيطة بالإعصار القُمعي. فبمجرَّد هبوب الرياح على حواف سقف المنزل يمكنها أن تقتلعه. ومع ضياع السلامة الهيكلية للمنزل سوف تهبُّ الرياح دافعةً الجدار المُواجه لها للداخل وسوف تهبُّ على الجدران الثلاثة الأخرى وتجعلها تبرُز للخارج. وعلى النقيض ممَّا تراه في فيلم «ساحر الأوز» فمن غير المُحتمَل أن يقتلع الإعصار القمعي المنزل بالكامل وأن ينقله. بل الأرجح هو تَحطُّمه ونَقْل أنقاضه لتُستخدَم على الأرجح كشظية لتدمير منزل قريب. وإذا لم يتحطم المنزل، فمن الممكن أن يدور في نهاية المطاف حول نقطة ارتكاز، ستكون مواسير الحمَّام على الأرجح، بحيث تنتهي به الحال في اتجاهٍ جديد.
يمكن أن تكون رياح الإعصار القُمعي قوية لدرجة كافية لغرس قشة في الخشب أو لغرس عصًا خشبية في أنبوب من الصلب. وفي المُحاكاة المُختبرية لرياح الأعاصير القُمعية، اخترقت الشظايا وخِلال الأسنان وقش المقشة أنواعًا مختلفة من الأهداف الخشبية بعد إطلاقها من مدفع هوائي.
قصة قصيرة
(٣٧) النظر إلى الإعصار القُمعي
قليل من الناس نجَوا من تجربة النظر إلى قُمع الإعصار القمعي. وأدقُّ وصفٍ مُسجل لهذه التجربة أدلى به النقيب روي إس هول الذي ضرب الإعصار القُمعي بيته في مايو ١٩٤٨؛ فبعد اقتلاع سقف المنزل واندفاع بعض الجُدران إلى الداخل، صار هول قادرًا على رؤية منزل جاره وشعر بالاطمئنان؛ لأنَّ منزله لم يَطِرْ في الهواء كما كان يخشى كثيرًا. ورغم ذلك، رأى بعدها شيئًا مريعًا؛ فعلى بُعد ٢٠ مترًا تقريبًا هبط شيء حتى ارتفاع ستة أمتار تقريبًا فوق الأرض وحلَّق في تذبذبٍ رأسي بطيء. كان هذا الشيء مُنحنيًا وسطحه المُقعَّر مواجهًا له. وأدرك حينها مصدومًا أن هذا الشيء المُحلِّق كان السطح الداخلي لقُمع الإعصار، وأنه «كان داخل القمع»!
وعندما نظر لأعلى داخل القمع بدا أنه يمتدُّ لألف قدَم ويتأرجح ويميل تدريجيًّا. كان يضم منطقة مركزية ساطعة تلمع مثل مصباح الفلورسنت. وكلما انحنى القمع تكونت الحلقات على طوله. وعندما وجد هول أن داخل القمع لا يسحَب شيئًا لم يجد غضاضة في التنفُّس (وهو ما يعني أن ضغط الهواء لم يكن منخفضًا بطريقة ملحوظة)، وتعجَّب من الصمْت التام (على النقيض من الدَّويِّ الشديد الذي يحدث مع اقتراب الإعصار القُمعي). وفجأة ابتعد القمع وخرجت أسرة هول من المخبأ ووجدته.
(٣٨) الشواهق المائية والسُّحُب القُمعية
ما الذي يُسبب الشاهقة المائية، وهي تلك الدوَّامات الكبيرة التي نراها فوق الماء؟ لماذا يمكن أن تنجو بعض القوارب أحيانًا عند مُقابلة الشاهقة المائية؟
وعلى الرغم من أن القوارب تنجو في الغالب من الشواهق المائية الضعيفة، فإن الشواهق المائية الأكبر يُمكن أن تلحق ضررًا كبيرًا بقاربٍ متوسط الحجم ويمكن أيضًا أن تقلبه بسهولة. والشواهق المائية الأكبر حجمًا هي على الأرجح المسئولة عن قصص الأسماك التي تهطل من السماء؛ إذ تستطيع الشاهقة المائية سَحْب قدرٍ كبير من الماء والأسماك لأعلى قبل أن تنتقل للأرض حيث تفقد طاقتها الحرارية وتتبدَّد وتسقط حمولتها.
وتكون النهاية السُّفلية مُحاطة ﺑ «غلاف من الرذاذ» يتمثل في أسطوانة رذاذ مُكتنزة دوَّارة. والثلث الأسفل من القُمع مرئي إلى حدٍّ بعيد بسبب الماء المسحوب لأعلى إلى القمع، ويمكن رؤية بقية القُمع إذا تكثَّف بخار الماء إلى قطرات يُمكنها بعد ذلك تشتيت ضوء الشمس.
(٣٩) الدوَّامات الترابية والدوَّامات الضبابية والدوَّامات البخارية
الدوامات الترابية هي زوابع تظهر غالبًا في المناطق الحارة، لكنها تظهر أيضًا على سطح كوكب المريخ البارد. تُصبح هذه الدوَّامات مرئية بسبب التراب والقاذورات والفضلات الأخرى التي تلتقطها من الأرض ثم تحملها لأعلى. كثير من الدوَّامات الترابية صغير وغير ضار، لكن بعضها يبلغ ارتفاعه كيلومترًا تقريبًا وتكون كبيرة لدرجة تكفي لحمل حيوانات صغيرة (أو ربما أطفال). والدوَّامات الترابية على سطح المريخ أكبر حجمًا، وقد يصل ارتفاعها إلى ستة كيلومترات.
والدوَّامات الضبابية زوابع يمكن أن تظهر في الضباب، والدوَّامات البخارية زوابع يمكن أن تظهر على الماء في الأيام الباردة. وكلتاهما تستمرُّ لفترة وجيزة ولا تسبب ضررًا.
فما الذي يُسبب هذه الأنواع من الزوابع؟
يمكن أن تنتقل الدوَّامة الترابية من الأرض إلى الماء، لكن إن لم تلتقط الكثير من الماء فقد يكون من الصعب رؤيتها، وسيكون الدليل الوحيد على وجودها هو الحافة الدائرية التي تكوِّنها على الماء.
يمكن أن تحدُث الدوامة الضبابية عندما يرتفع الضباب من العشب الرطب الواقع تحت ضوء ساطع؛ فالعشب يُسخِّن الهواء الذي يعلوه مباشرةً، ثم يبدأ هذا الهواء في الصعود على نحوٍ شبيه بصعود الهواء الساخن في الدوامة الترابية. إلا أن الرطوبة الموجودة في الهواء تتكثَّف لتُكوِّن قطرات، وتطلق هذه العملية قدْرًا كبيرًا من الطاقة الحرارية وتجعل الهواء الساخن يرتفع بسرعة أكبر. أما الدوَّامة البخارية فيمكن أن تحدث فوق الماء عندما تكون درجة حرارة الهواء أقل من درجة التجمُّد وتكون درجة حرارة الماء فوق درجة التجمُّد. عندئذٍ يكون الهواء المجاور للماء أكثر دفئًا عن الهواء الذي يعلو الماء، وهذا موقف عدم اتزان.
قد تتمكن من صنع دوَّامات بخارية مُصغرة في يوم بارد الطقس؛ فكل ما عليك هو وضع إناء واسع أسفل النافذة وملؤه بماء شديد السخونة. بعد ذلك افتح النافذة بحيث يتدفَّق الهواء البارد الكثيف من النافذة وعبر الماء. سيتصاعد الهواء الساخن وبخار الماء الصادر عن الماء لأعلى عند دخولهما مجال الهواء البارد؛ لأن الهواء البارد أكثر كثافةً، ولأن بخار الماء يبدأ في التكثُّف مُطلِقًا طاقةً حرارية. كما يندفعان أيضًا أفقيًّا بفعل تدفُّق الهواء البارد. وقد تُسفِر الحركة الرأسية والأفقية المُجتمعة، بالإضافة إلى بعض الاضطراب، عن دوَّاماتٍ سريعة الزوال تُصبح مرئية بسبب تكثُّف قطرات الماء.
(٤٠) الدوَّامات الحلقية
كيف يُطلِق المُدخِّن حلقة دخان؟ لماذا تتمدَّد حلقة الدخان إذا اقتربت من الجدار؟ كيف يُنتِج الدولفين حلقة هواء مُشابهة في الماء؟
وإذا اقتربت الحلقة الدُّخانية من الجدار، فإن احتكاك تدفُّق الهواء بالجدار يجعل الحلقة تتمدَّد. ويقلُّ مُعدَّل الْتِواء الهواء على نحوٍ شبيهٍ بانخفاض مُعدَّل دوران المُتزلِّج على الجليد حول نقطةٍ ما عندما يَفرد ذراعَيه للخارج.
يُحبُّ الدولفين أيضًا اللعب بالدوَّامة الحلقية، ويُمكن أن يُنتِج واحدةً بعدَّة طُرق. إليكم الطريقة الأكثر شيوعًا على الأرجح، وفيها يسبح الدولفين على جانبه وهو يُقلِّب زعنفة الذيل الرأسية (في هذه اللحظة) من جانبٍ إلى آخر. أثناء تحرُّك الزعنفة في الماء يتباطأ التدفُّق المُجاور للزُّعنفة بفعل الاحتكاك، فيؤدِّي إلى حركةٍ مُنحنية تتطوَّر إلى دوَّامة حلقية على مُسطح رأسي. ينقلب الدولفين ويُوجِّه فتحة النفْث إلى الدوَّامة الحلقية، وينفُث الهواء في قلب الدوَّامة حيث يتوزَّع سريعًا عبْر الدوامة. يؤثر الهواء على طفو الدوامة ويعمل أيضًا عمل المادة الكاشفة. قد يلعب الدولفين بالدوَّامة عن طريق تعقُّبها، والسباحة داخلها وإنتاج دوَّامة حلقية أخرى للتفاعل معها، أو قد يكسر جزءًا منها فيلتف مُكوِّنًا دوامة حلقية فرعية أصغر.
في حُجرة الدراسة يُمكن تكوين الدوامة من خلال «المدفع الهوائي»، وهو عبارة عن صندوق به فتحة دائرية في المقدمة وغطاء مرن (مثل كيس القُمامة البلاستيكي) موضوع على الظهر المفتوح نوعًا ما. عند سحْب الغطاء المرِن للخلف وإطلاقه فإنه يدفع تيَّار هواء من خلال الفتحة الدائرية. وكما هي الحال مع نفْث حلقة الدخان، فإن التدفق يُكوِّن دوامة حلقية لكن دون مساعدة المادة الكاشفة. وباستخدام المدفع الهوائي يمكن أن تفاجئ شخصًا في الغرفة حين يرى دوَّامة حلقية كبيرة تقترِب منه دون سابق إنذار.
يمكن تكوين الدوَّامة الحلقية أيضًا من خلال إسقاط قطرة في مائع من نوعها أو في مائع يمكن أن تختلط به. مع ارتطام القطرة واختراقها للمائع فإنها تُكوِّن دوامة حلقية. ومن السهل رؤية هذا التكوُّن إذا كانت القطرة تحتوي على كميةٍ صغيرة من الصباغ.
(٤١) السيفون والمراحيض
وعلى النقيض من الاعتقاد الشائع، فإن الضغط الجوي «لا يدفع» السائل لأعلى الأنبوب. في الواقع، إذا تغيَّر الضغط الجوي فإنَّ عملية انتقال الماء لن تتأثر.
عند انتقال السائل عبْر الأنابيب يُقال إنه تحت ضغط «إجهاد الشد»؛ نظرًا لأنَّ أيَّ جزءٍ من السائل في جزء التدفُّق لأعلى يسحب لأعلى ولأسفل في الوقت نفسه. ومن المُثير للدهشة أن الماء يمكنه مقاومة إجهاد الشدِّ لدرجة مُعينة، وعند تجاوز هذه الدرجة فإن الماء يُكوِّن فجأةً تجاويف ويتبخَّر من خلالها. يمكن زيادة ارتفاع السيفون إلى أن يحدُث انتقال السائل في أعلى الأنبوب. وعندما تقطع تجاويف الهواء استمرارية تدفُّق الماء، فإن انتقال الماء يتوقَّف ويتسرَّب الماء ببساطة من الأنبوب.
وسوف يتوقَّف انتقال السائل عبْر الأنابيب أيضًا إذا تسلَّل الهواء إلى جزء التدفُّق لأعلى، وتجمَّع في الأعلى وقطع استمرارية تدفُّق الماء. ويحدُث هذا النوع من المقاطعة في المرحاض العادي. عندما يُصَبُّ الماء إلى قاعدة المرحاض من الخزَّان فإن الضغط الزائد في قاعدة المرحاض يدفع الماء إلى ماسورة التصريف؛ مما يُشكِّل أنبوبًا لانتقال الماء. ثم ينتقل الماء وما فيه إلى الماسورة إلى أن يُصَرَّف الماء الموجود في قاعدة المرحاض على نحوٍ شِبه كامل. بعد ذلك يُمكن أن يُكوِّن الهواء فقاقيع في السيفون فيقطع استمرارية تدفُّق الماء في أعلى السيفون ويمنع عملية انتقال السوائل عبْر الأنبوب. عادة يستمرُّ ماء الخزان في دخول قاعدة المِرحاض لعدَّة دقائق أخرى، لكن هذا لا يكفي لإعادة بدْء عملية انتقال السائل عبْر الأنبوب. ورغم ذلك، فإنه يعمل كعازلٍ للروائح التي يُمكن أن تتسرَّب إلى الوعاء من ماسورة التصريف.
(٤٢) السَّحالي التي تسير على الماء
كيف تستطيع سحلية البازيليسق الجري على الماء دون أن تغُوص فيه؟ ليست السحالي الصغيرة الخفيفة الوزن هي وحدَها القادرة على الهروب من مُفترسيها بهذه الطريقة، لكن السحالي البالغة الأكبر والأثقل وزنًا تستطيع فِعل ذلك أيضًا.
(٤٣) قضيب من الرصاص يطفو في قارب
افترِض أنك جالس في قارب يطفو على بُحيرة صغيرة في الباحة الخلفية، وأن لديك داخل القارب قطعة فلِّين كبيرة جدًّا وقضيبًا من الرصاص. ماذا يحدُث لمستوى الماء في البِركة إذا ألقيتَ الفلين على العشب، وإذا ألقيتَ الفلين في الماء، وإذا ألقيتَ القضيب على العشب، وإذا ألقيتَ القضيب في الماء؟
ماذا يحدُث لمستوى الماء إذا أحدثتَ ثُقبًا في قعْر القارب كي يدخل الماء تدريجيًّا لإغراقه؟ وإذا تغيَّر مستوى الماء، فهل يبدأ في التغيُّر عندما يدخل الماء القارب لأول مرة؟
وعندما يكون قضيب الرصاص في القارب تنطبق قاعدة الكُتَل المُتماثلة نفسها. افترض أن القضيب تبلغ كتلته ١ كيلوجرام، فإنها تزيح كمية من الماء لها كتلة مساوية لواحد كيلوجرام. وهذا يشغل قدرًا كبيرًا من الماء، فحجم الماء يساوي حجم القضيب بمقدار ١١ مرة. وإذا ألقيتَ القضيب على العُشب فإنه لا يزيح ذلك القدر الكبير من الماء، وينخفض مستوى الماء في البِركة. أما إذا ألقيتَ القضيب في الماء، فإنه يغُوص تمامًا. ومِن ثَمَّ فإن كمية الماء المُزاح تُماثل حجم القضيب. والكمية الآن هي ١ / ١١ من الكمية المزاحة عندما كان القضيب طافيًا عبْر القارب. ومِن ثَمَّ ينخفض مستوى الماء.
وعندما يبدأ القارب في استيعاب الماء، فإنه يظلُّ طافيًا ومِن ثَمَّ يزيح القدْر نفسه من الماء. ولا يتغيَّر مستوى الماء إلَّا عندما يكفُّ القارب عن الطفو؛ أي عندما يُغمَر تمامًا. عندئذٍ ينخفض مستوى الماء فجأة.
(٤٤) طفو القضبان والأوعية المفتوحة
ويعتمد اتجاه القضيب القصير على نسبة كثافة القضيب إلى نسبة كثافة السائل. ونظرًا لطفو القضيب فإنَّ النسبة لا يُمكن أن تزيد عن ١. وعند قيمةٍ تقترب من الصفر يكون القضيب خفيفًا للغاية حتى إنه لا يكاد يغرق ويطفو ووجهُه مُواجِهٌ لأسفل. وإذا قلَّلنا كثافة السائل تدريجيًّا، فسوف يغُوص القضيب تدريجيًّا ويستمرُّ في الطفو ووجهه لأسفل. رغم ذلك، عندما تصل النسبة إلى حوالي ٠٫٢١ فإن القضيب يبدأ في المَيل، وعندما تصل النسبة إلى حوالي ٠٫٢٨ يطفو وجوانبه مُكوِّنة زاوية قياسها ٤٥ درجة مع الخط الأفقي.
وإذا استمررْنا في خفض كثافة السائل، فإنَّ الاتجاه لن يتغيَّر إلَّا عندما تصل النسبة إلى ما يقرُب من ٠٫٧٢ ثم يقلُّ الميل إلى أن يُصبح وجه القضيب للأسفل ثانية عندما تصل النسبة إلى ما يقرُب من ٠٫٧٩. وعندما تصل النسبة إلى واحد، يغطس القضيب تمامًا ووجهه ما زال لأسفل.
(٤٥) ثُقبٌ في سد، سفينةٌ في حوضٍ جاف
تَحكي إحدى الحكايات الشعبية عن صبيٍّ هولندي يُنقِذ بلدته من الفيضان بوضع إصبعه في ثقبٍ اكتشفه في السدِّ فيصدُّ بهذا ماء بحر الشمال. كيف يُمكن لصبيٍّ أن يصُدَّ ماء بحر الشمال بأكمله؟
عند وضْع سفينة في حوض جاف يُصَرَّف الماء وتتحرَّك الجُدران إلى الداخل حتى تُحكم قبضتها على السفينة في النهاية. أثناء عملية تصريف الماء، ما هي أقلُّ كمية ماء لازمة لكي تطفو السفينة؟
ولا تُوجَد إجابة كاملة للسؤال المُتعلِّق بالحوض الجاف. ورغم ذلك، فقُدرة السفينة على الطفو لا تعتمد على عُمق المسطَّح المائي أو عرضه. فما يهم هو ارتفاع الماء على جانبَي السفينة. من الناحية النظرية، إذا ظلَّ الارتفاع ثابتًا، فإن ضغط الماء على السفينة سيوفر دائمًا الطفو لأعلى اللازم لمواجهة تأثير قوة الجذْب لأسفل. ومِن ثَمَّ، فإن طبقة رفيعة من الماء تحتضِن بدَن السفينة ستكون كافية. رغم ذلك، فإذا كانت طبقة الماء رقيقة للغاية فإنها ستكون غير مُستقرَّة وأي مُقاطعة عرضية قد تُسبِّب تلامسًا مفاجئًا بين جدران الحوض الجاف والسفينة ومِن ثَمَّ ينتهي الطفو.
(٤٦) فُقدان الوعي الناتج عن قوَّة التَّسارُع لدى الطيَّارين
طالما قَلِقَ الطيَّارون «المُقاتلون» من الانعِطاف الحاد؛ لأنهم من المُمكن أن يتعرَّضوا لفُقدان الوعي الناتج عن قوة التسارُع. تُوجَد العديد من الإشارات التحذيرية للطيار للتخفيف من حدَّة الانعطاف؛ فعندما يكون تسارُع الجذب المركزي ٢ أو ٣ جي، يشعُر الطيار بالثقل. وعندما يكون في حدود ٤ جي تتحوَّل رؤية الطيار إلى الأبيض والأسود وتضيق الرؤية لتُصبِح ما يُعرف بمصطلح «الرؤية النفقية»؛ حيث تختفي الرؤية المُحيطيَّة وتبقى فقط الرؤية الأمامية (كما لو كنتَ تنظُر من خلال نفق). وإذا ثبَت التسارُع عند ٤ جي أو زاد، تقلُّ الرؤية وسرعان ما يفقد الطيَّار الوعي. فما الذي يُسبِّب هذه التغيُّرات لدى الطيار؟
(٤٧) الدورة الدموية في الثعابين والزرافات والديناصورات الطويلة
لماذا يُوجَد القلب في منطقة وُسطى في ثعبان الماء، ويُوجَد قريبًا نسبيًّا من الرأس في ثعبان الأرض، وأقرب كثيرًا إلى الرأس في الثعبان مُتسلِّق الأشجار؟ كيف تتمكَّن الزرافة من إرسال الدم إلى رأسها دون أن يتجمَّع الدم في سيقانها؟ كيف تتجنَّب الزرافة التعرُّض للتلف الدماغي أو حتى الإغماء عندما تميل لتشرَب من بِركةٍ على سبيل المثال؟ كانت ديناصورات الصوروبودا عملاقة ذات أعناق بالغة الطول؛ فكيف تمكَّنَت من إرسال الدم إلى الرأس وشُرب الماء؟
يفتقر ثعبان الأرض العمودي إلى ضغط الماء ومِن ثَمَّ يُعاني من تجمُّع الدم. ورغم ذلك، فإن موضع قلبه أفضل؛ لأنه أقرب إلى الدماغ منه إلى النقطة المتوسطة في جسم الثعبان. أما ثعبان الأشجار فهو أكثر تكيفًا؛ إذ إن قلبه أقرب من الدماغ، كما أن النصف السفلي من الثعبان ضيق التصميم لمنع تجمُّع الدم. ومِن ثَمَّ، يستطيع ثعبان الأشجار التسلُّق من دون التعرُّض للإغماء.
وتعاني الزرافة من مشكلةٍ أخطر بكثير في تدفُّق الدم. فنظرًا لأن رأسها أكثر ارتفاعًا عن قلبها، فلا بدَّ أن يكون ضغط الدم كبيرًا للغاية. على سبيل المثال، بالنسبة لزرافة طولها ٤٫٠ أمتار، لا بدَّ أن يُناهز متوسط ضغط الدم في الشريان الأورطى ٢٥٠ملم زئبق (مليمتر زئبقي) ليُصبح ضغط الدم في الدماغ معقولًا ويساوي ٩٠ملم زئبق. ولأن السيقان تبعُد عن القلب إلى الأسفل بمسافة بعيدة، كان من الممكن أن يُسبِّب ضغط الدم الكبير جدًّا تجمعًا دمويًّا شديدًا في السيقان والأقدام لولا تصميمها؛ فالسيقان عضلية ولها جلدٌ مشدود يُشبِه في عمله جوارب الضغط. وعندما تُنزِل الزرافة رقبتها لتشرب، فإنها تتحرَّك ببطءٍ لتسمح بتكيُّف ضغط الدم. كما تفتح ساقَيها الأماميتَين بحيث ينخفض قلبها. وعلى الرغم من أن «شبكة التروية الدموية» التي تُغذِّي الدماغ بالدماء تساعد في حماية الدماغ، فإن الزيادة المُفاجئة في ضغط الدم قد تُصيب الزرافة بالإغماء أو التلَف الدماغي.
أما مشكلة ديناصور الصوروبودا في تدفق الدم فكانت أفدح، حتى لو لم يرفع رأسه بالكامل مُطلقًا. وعلى الأرجح كان يتحرك ببطء ليسمح بتعديل ضغط الدم. كما كان لدَيه أيضًا قلب ضخم يُمثِّل حوالي ٥ في المائة من وزن جسمه.
(٤٨) هل كانت ديناصورات الصوروبودا تسبح؟
كانت الديناصورات المعروفة باسم الصوروبودا، بما فيها ديناصور الأباتوصور (الذي كان يُعرَف أيضًا باسم «برونتوصوروص») والديناصور مامنتشيصوروص الطويل الرقبة على نحوٍ سريالي، تمتاز بالضخامة حتى بمقاييس الديناصورات. وطالما ظلَّ مطروحًا السؤال المُتعلِّق بالطريقة التي تمكَّنت بها الديناصورات من المشي (فضلًا عن الركض). وكان من الاحتمالات المُقترحة أنها قضت وقتًا كبيرًا من حياتها في السباحة في الماء أو الخوض فيها. فهل يستطيع الديناصور العملاق أن يسبَح؟
رغم ذلك، كان بمقدورها أن تخوض في الماء حتى صدورها دون مشكلة، وكانت الديناصورات ذات الأرجل الأمامية الأطول تستخدِمها كمجاديف لتشقَّ طريقها في الماء مثلما يستخدِم الملَّاحون في فينيسيا المجاديف لتحريك الجندول في الماء. وفي الحقيقة عُثر على آثار للديناصورات المُجدِّفة، وكانت هذه الآثار مُختلفةً عن آثار الأقدام الكاملة التي تركتها الديناصورات السائرة؛ لأنَّ الديناصور المُجدِّف يحفِر طرف المِخلب في الطين ثم يَسحبُه للخلف تاركًا قناة ضيِّقة بها بعض الطين المُلقى في الخلْف.
(٤٩) حجارة المَعِدة عند الديناصورات والتماسيح
لماذا تحتوي أمعاء كثيرٍ من رُباعيات الأطراف، سواء الحية مثل التماسيح أو الحفريات مثل ديناصور البليزوصور، على حصواتٍ وأحجار يُطلق عليها «حجارة المعدة»؟
وحجارة المعِدة في ديناصور البليزوصور كانت تعمل أيضًا كثقَّالةِ تَوازنٍ حيث تسمح للحيوان بالغوص جيدًا في الماء. فنظرًا لأن البليزوصور كان لدَيه عنق طويل ثقيل أمام رئتَيْه الطافيَتَيْن؛ فقد كان يُعاني من التدحرُج عندما يكون الماء هائجًا. كان من شأن هذا التدحرج أن يَقلَّ إذا كان لدَيه حجارة في المعِدة الموجودة خلف الرئتَين.
(٥٠) تأثير كواندا
عندما يَستفزُّ النمل الخنافسَ القاذفة فإنها تُصدِر رغوة أو رذاذًا ساخنًا (١٠٠ درجة مئوية) وسامًّا. وتستطيع الخنافس القاذِفة الأكثر شيوعًا (التي يُطلَق عليها براتشينيني) توجيه رذاذها الذي يُشبِهُ البصق من خلال تدوير حافة بطنها مثل بُرج المدفع. وإذا هاجمت النملة إحدى الأقدام الأمامية على سبيل المثال، تُصوِّب الخنفساء حافة البطن للأسفل وللأمام مُستهدفةً الرجل. وبمجرَّد أن تُصاب النملة فإنها تهرُب مسرعة. لا تمتلك خنافس باوسيني، وهي نوع من الخنافس القاذفة أقلُّ شيوعًا، حافةَ بطنٍ مُتحركة، بل تطلق الرذاذ أمامًا نحو المُؤخرة أو إلى الجانب فحسب. ورغم ذلك، تستطيع الخنفساء استهداف النملة بمهارة حتى إذا كانت النملة أمامها أو على رجلها الأمامية. فكيف تُطلق الخنفساء الرذاذ إلى الأمام رغم أن هذا أمر غير ممكن؟
تمتلك خنافس باوسيني حواف أمام فتحة الغُدَّة التي ينطلق منها الرذاذ. ولكي تطلق الرذاذ إلى الأمام فإنها تضبط الفتحة بحيث يصطدم الرذاذ بالحافة. وهناك يمكن إمالة الرذاذ بزاوية تصِل إلى ٥٠ درجة أثناء التفافه حول الحافة المائلة عن طريق تأثير كواندا. وعندما يُغادر الرذاذ الحافة فإنه يطير في الهواء كبصقٍ خفيف. وتستطيع الخنفساء ضبط الاتجاه الأخير للبصق من خلال ضبط مكان اصطدام الرذاذ بالحافة أثناء إطلاقه من الغُدة.
(٥١) تأثير إبريق الشاي
وإذا تدفَّق الماء بمزيدٍ من البطء فإنَّ آخر نقطة يلمس فيها الماء البزبوز يمكن أن تتحوَّل إلى الجانب السفلي من البزبوز. ويُعزى هذا الالتصاق عادةً إلى الانجذاب التبادُلي بين جزيئات الماء وجزيئات البزبوز. يُفَسَّر هذا الأمر تفسيرًا غير دقيق على أنه راجع إلى «التوتُّر السطحي»، ويُوصَف عادة كمثالٍ على «التبليل». إلا أن السبب الرئيسي لالتفاف التيار حول الحافة ونزوله من البزبوز هو أن ضغط الهواء يدفع التيار نحو البزبوز. وحتى عند تغطية الجانب السفلي للبزبوز بالزبد لتقليل تجاذُب الجزيئات والتخلص من التبليل، سيظلُّ التيار يلتفُّ حول الحافة وينزل مُلامسًا للبزبوز.
تُحدِّد عوامل كثيرة مكان تحرُّر التيار من البزبوز. وإذا أُجرِيَت تجربة بإبريق شاي مُعين ومعدَّل تدفُّق مُعين للماء، فمن الممكن أن تختلف المسافة التي يمكن أن يقطعها الماء عبر الجانب السُّفلي من الإبريق من تجربةٍ لأخرى. وللتخلُّص من تأثير إبريق الشاي من الممكن أن يكون للبزبوز ثُقب صغير على جانبه السُّفلي قُرب الحافة. وعندما يصل التيار إلى الثقب سيعمل التغيُّر المُفاجئ في انحناء السطح على انفصال التيار (فيعرقل التيار). يُستخدَم أسلوب مُشابه في حواف النوافذ للتغلُّب على تأثير إبريق الشاي عندما يتدفَّق ماء المطر أسفل الحافة ويكون من المُمكن أن يدخل إلى نقطةٍ غير محميَّة من التسرُّب في الجدار؛ إذ يحتوي الجانب السفلي من حافة النافذة على شقٍّ عمودي ضيِّق يجعل الماء ينفصل عن حافة النافذة. وللتغلُّب على تأثير الإبريق عند صبِّ أي سائل من إناء الطبخ المعدني مثلًا، ضع سكينًا أو قضيبًا عموديًّا على مكان مُغادرة السائل للإناء. سوف يلتصِق السائل بالسكين أو القضيب أثناء نزوله عليه بدلًا من التدفُّق لأسفل خارج الإناء.
يُمكن أن نرى تأثير إبريق الشاي في بعض نوافير المياه حيث يفيض الماء على حافة الوعاء ويسيل إمَّا على الجانب السفلي للحافة أو يتقوَّس للوراء صوب الوعاء كلَوح مائي ساقط. وإذا كانت الحافة دائرية، فإن هذا اللوح المائي سيُكوِّن سطحًا مُغلقًا يُدعى «جرس الماء».
(٥٢) الصعود على مراحل عند الغَوص لأعماقٍ سحيقة
عندما يصعد غوَّاص السكوبا (الغوص باستخدام معدات التنفس تحت الماء)، أو غواص البحار العميقة إلى سطح الماء، لماذا ينتظر عند أعماقٍ مُعينة لفتراتٍ مُحددة بدلًا من الاستمرار في الصعود؟ لماذا يكون كثيرٌ من الغواصين في حالةٍ جيدة عندما يتبعون هذا الإجراء ويشعرون بالتعب إذا صعدوا سريعًا بعد الغوص؟ (فالألم يبدأ سريعًا بعد بدء الصعود.) تغوص الحيتان غالبًا إلى أعماقٍ سحيقة، فهل تُعاني من أي ضرر؟
والهدف من جدولة الصعود هو التخلُّص الكافي من النيتروجين المذاب بحيث لا تبقى فقاعات النيتروجين داخل الغواص عند صعوده إلى السطح. ورغم ذلك، فإنَّ النيتروجين المُذاب المُتبقِّي يمكن أن يكوِّن فقاعاتٍ إذا ركب الغوَّاص طائرة بعد وقتٍ قصير من صعوده إلى السطح. وعلى الرغم من احتواء الطائرات الحديثة على مقصورات ذات ضغطٍ عالٍ، فإن ضغط الهواء يكون أقلَّ من الضغط الجوي العادي على الأرض، وهذا الضغط المُنخفض يسمح للنيتروجين بتكوين الفقاعات.
على الرغم من الاعتقاد السائد الذي يقول إن الحيتان مُحصَّنة من أخطار الغَوص على أعماقٍ سحيقة، فقد أظهرت بعض الأدلة أنها أيضًا يُمكن أن تُعاني من التحنِّي، لا سيما إذا اضطرت إلى الصعود للسطح بسرعة عالية.
واسْتُخدِم مصطلح «التحنِّي» للمرة الأولى لوصف أمراض العُمَّال الذين يُشيِّدون الأنفاق على عُمق سحيق يتطلَّب زيادة الضغط الجوي كما حدث خلال تشييد دعامات جسر بروكلين في ستينيَّات القرن التاسع عشر؛ فعند صعود العمال إلى السطح كان بعضهم يشعُر بآلام في العضلات لدرجة جعلتهم يَحْدَودِبون على نحوٍ شبيهٍ نسبيًّا بنساء الطبقة الراقية في ذلك الزمن، اللاتي كُنَّ يَسرنَ بوضعيَّة مُحدَودِبة مبالغٍ فيها يُطلَق عليها «الانحناءة الإغريقية». ومن هنا بدأ استخدام مصطلح التحنِّي لوَصف الأمراض الناتجة عن تنفُّس هواءٍ عالي الضغط.
(٥٣) الغطس بأنبوب التنفُّس عند البشر والأفيال
في الغطس بأنبوب التنفس يتنفس السبَّاح عن طريق أنبوب يمتدُّ لأعلى مستوى الماء. لماذا يُحَدَّد طول الأنبوب بحوالي ٢٠ سنتيمترًا؟ أي ما الخطر الشديد المُتمثل في استخدام أنبوب أطول باستثناء صعوبة دوَران الهواء دخولًا وخروجًا؟ الفيل أيضًا يستطيع الغطس بأنبوب التنفُّس مُستخدمًا خرطومه. فكيف يستطيع الفيل تحمُّل عُمق الغطس المُعتاد بالنسبة إليه والذي يصل لحوالي مترَين؟
ويبدو أن الفيل البالِغ قد يتعرَّض لاعتصارٍ رئوي في كلِّ مرة يسبح فيها غوصًا؛ لأن رئتَيه أسفل مستوى سطح الماء بحوالي مترَين، وهذا يعني أن فَرْق الضغط بين ضغط دمه وضغط الهواء في الرئتَين كبير. إلا أنَّ رئتَي الفيل مَحميَّتان بطريقةٍ خاصة. «الجنبة» هي غشاء يُغلف الرئتَين في أي حيوانٍ ثديي. وعلى النقيض من الثدييات الأخرى، فإنَّ جنبة الفيل تمتلئ بنسيجٍ ضامٍّ يُمسك الأوعية الدموية الصغيرة ويحميها في جُدران الرئتَين. وبهذه الطريقة لا تتمزَّق الأوعية الدموية أثناء الغطس بالخرطوم.
(٥٤) الغَوص لأعماقٍ سحيقة، والهروب من الغوَّاصة
من إجراءات السلامة المُستخدَمة في الغَوص باستخدام أدوات التنفُّس تَعَلُّم طريقة ملء الرئة بالهواء من خزَّان شخصٍ آخر ثم الصعود إلى السطح. ما الخطر في هذا الصعود؟ هل يمكن لشخصٍ الهروب من غوَّاصة مُعطَّلة من خلال ملء الرئة بالهواء في الغوَّاصة ثم السباحة لأعلى حيث السطح؟
ما الخطر في ملء الرئة بالهواء عند سطح الماء ثُم النزول إلى الماء مثلما يفعل بعض الناس في الرياضة (الغَوص الحُر) وفي العمل التجاري (مثل غوَّاصي «الآما» اليابانيين في جنوب المُحيط الهادئ)؟ ما الخطير في فقدان الضغط الجوي للحظات أثناء الغَوص في عُمق البحر مع ارتداء بذلة غطس؟
من الناحية النظرية، يُمكن للشخص السِّباحة من الغواصة المُعطلة إلى السطح إن لم تكن الغواصة على عُمقٍ سحيق وإذا زفر الشخص أثناء الصعود. إلا أنَّ الزفير يتطلَّب تدريبًا كبيرًا؛ لأنَّ المرء يميل إلى الاحتفاظ بالهواء في الرئتَين أثناء هذه السباحة المُريعة لمسافةٍ غير معلومة للوصول إلى السطح. والأسوأ من ذلك هو الحاجة المُلحَّة إلى التنفس. وتعتمد الحاجة إلى التنفُّس على كمية الضغط الموجود في الرئتَين بسبب ثاني أكسيد الكربون. وإذا وصل هذا الضغط إلى قيمةٍ حرجة مُعيَّنة فإن الحاجة إلى التنفُّس تُصبح لا تُحتمَل. وإذا زفر الشخص بطريقةٍ صحيحة أثناء الصعود، فإنه لا يصل لهذه القيمة الحرِجة أسفل السطح فحسب بل بعيدًا عنه كثيرًا. وإذا استطاع الشخص السباحة وصولًا إلى هذه النقطة فإنَّ ما تبقى له من رحلة الصعود قد يكون أسهل نسبيًّا.
ويمكن أيضًا إنقاذ طاقم الغوَّاصة عند تدلية غُرفة على شكل جرس إلى الغواصة. وفي الواقع، استُخدمت هذه الغرفة لإنقاذ ٣٣ فردًا من طاقم الغواصة الأمريكية «سكوالاس» في مايو ١٩٣٩ عندما تعطلت على عُمق ٨٠ مترًا. أدلى الغوَّاصون حبال توجيهٍ من سفينة على السطح إلى فتحة الغواصة. ثم أدلوا الغرفة على امتداد حبل التوجيه. كانت الغرفة مفتوحةً في القاع ولم تمتلئ بالماء نظرًا لإطلاق الهواء من الخزانات لزيادة ضغط الهواء. وعندما وصلت الغرفة إلى الفتحة اتَّصلت اتصالًا مُحكمًا غير مُنفذٍ للماء مُحكمة بحلقة مُحيطة بالفتحة العلوية للغواصة. وبعد تثبيت الغرفة بالحلقة وخفض الضغط الهوائي انفتحت الفتحة العلوية للغواصة؛ كي تسمح للعديد من أفراد الطاقم بالصعود إلى الغرفة للقيام برحلة الصعود إلى السطح.
في الغوص الحُر تأتي القدرة على حبس النفس لمدةٍ طويلة من التدريب، ومن صدمة الماء البارد على الوجه (التي يُطلَق عليها «استجابة الغواص»)، والاستعداد للتعرُّض للأذى البدَني. يمكن أن يزيد التدريب من كفاءة الرئتَين والوقت الفاصل بين مرات التنفُّس. وتُقلِّل صدمة الماء البارد من استهلاك الأكسجين. وعادةً ما يكون النزول مدعومًا بشيءٍ ثقيل (مربوط بالحزام على الأرجح) يسقط في نهاية النزول. ورغم ذلك، فبدون هذا الشيء الثقيل أيضًا يكتسِب الغوَّاص «طفوًا سالبًا» (قوة صافية للأسفل) أثناء النزول. والطفو العادي (الطفو الموجب) يكون مُتجهًا لأعلى وناتجًا عن شَغل الغوَّاص لحيِّز مُعين في الماء. رغم ذلك، فمع نزول الغوَّاص تنضغط الرئتان ويشغل الغوَّاص حيزًا أقل. يقلُّ الطفو ويصبح أصغر من قوة الجاذبية. ونتيجة لذلك يُصبِح تأثير القوة الصافية على الغوَّاص مُتجهًا لأسفل، ويغوص الغواص. ويتقلَّص حجم الرئتَين لحجم علبة مشروبٍ بارد، ويتسرَّب الدم إلى المكان الذي كان من المُفترَض أن تشغله الرئتان.
تحدُث هذه التغيُّرات الفسيولوجية إذا بدأ الغوَّاص عند سطح الماء ورئتاه مليئتان بالهواء. أما إذا بدأ الغوَّاص من غرفةٍ مغمورة فإنه قد لا يشعُر بأي انزعاجٍ إذا تنفَّس الهواء (أو أي مزيجٍ أكسجيني آخر) في ضغط الماء المُحيط. وعلى الرغم من أنَّ الغَوص في أعمق أجزاء المحيطات يبدو غير مُرجَّح، فإنه ليس مستحيلًا من الناحية الفسيولوجية.
عندما يعمل أحد الأشخاص في بذلة مُخصَّصة للغطس العميق، فإنه يُزَوَّد بالهواء من خلال خرطوم في القُبَّعة الصُّلبة (الخوذة)، أما المضخة الموجودة في طرف الخرطوم الذي ينتهي عند السطح فتزيد ضغط الهواء في البذلة ليتناسب مع ضغط الماء المحيط. وإذا ضعفت المضخَّة أو تعطَّلت فإن صمامات الأمان تُغْلَق على الفور لمنع انخفاض الضغط داخل البذلة إلى مستوى ضغط السطح. قديمًا عندما كانت المُعدَّات تفتقر لهذه الصمامات، كان تعطُّل المضخة يعني أن ضغط الماء سوف يحشُر حرفيًّا جسَد الغوَّاص داخل الخوذة.
(٥٥) كارثة بحيرة نيوس
في أغسطس ١٩٨٦ في وادي جنوب بحيرة نيوس في الكاميرون بأفريقيا تسبَّبت سحابة غاز أو هباء جوي مُميت في قتْل ما يقرُب من ١٧٠٠ شخص وعدد لا يُحصى من الحيوانات. وأعلن المُحقِّقون الذين وصلوا إلى المَوقع بعد عدَّة أيام أن البحيرة نفسها هي السبب وليس أي نوع آخر من الغازات البُركانية السامَّة. فكيف يمكن أن تبعث البحيرة غازًا قاتلًا؟
وعلى الأرجح لن نعرِف بالتأكيد أبدًا ما الذي حفَّز ارتفاع المياه السُّفلية في بادئ الأمر. قد يكون هذا المُحفِّز مزيجًا من مياه الأمطار التي تسرَّبت إلى البحيرة ورياح شديدة القوى هبَّت على البحيرة من الطرف الذي دخلت منه مياه الأمطار. فنظرًا لأن مياه الأمطار كانت أكثر برودةً نسبيًّا ومِن ثَمَّ أشدَّ كثافة من مياه البحيرة الموجودة، فإن وضع مياه الأمطار على مياه البحيرة الموجودة كان غير مُستقر. وإذا حركت الرياح الشديدة طبقة مياه الأمطار عبْر البحيرة ثم غطست مياه الأمطار هناك، فمن الممكن أن يتسبَّب غَوصها في ارتفاع المياه العميقة مرة أخرى عند الطرف المُقابل من البحيرة. ومع ارتفاع هذه المياه العميقة تدريجيًّا إلى ضغط مائي أقل، بدأ الغاز في الانبعاث من المحلول.
ما زالت بحيرة نيوس تعجُّ بمعدلات عالية من ثاني أكسيد الكربون، ويخشى الباحثون إمكانية حدوث اندلاعٍ آخر مُميت. وفي واقع الأمر، يُحذِّر الباحثون الجميع من الاقتراب من البحيرة لا سيما في موسم الأمطار.
قصة قصيرة
(٥٦) القفز فوق المنزل وركوب السموات على كرسيٍّ قابلٍ للطَّي
في سبتمبر ١٩٣٧ في ملعب جولف في شاطي أولد أوركارد في ولاية مين قضى آل مينجالون، مُصور الأفلام الإخبارية، النصف الثاني من عصر أحد الأيام في محاولة تصوير حركة خطيرة معروفة باسم «القفز فوق المنزل». وعلى نحوٍ مُتكرر كان يجري نحوَ المنزل ويقفز للأعلى مُرتديًا حمَّالة مربوطة بسبعةٍ وعشرين بالونًا مُمتلئًا بالهيدروجين، على أمل أن يحمِلَه طفوُ البالونات للأعلى ويتجاوز به البناية. إلا أنَّ كلَّ محاولاته باءت بالفشل؛ لأنه لم يتمكن إلا من الصعود لمسافة ٢٥ قدمًا فقط، وكانت هذه المسافة غير كافية.
ولمَّا أخذ ضوء الشمس في المغيب قال: «لنضعْ هذه المرة ما يُساعدنا على أداء قفزة جيدة وننتهي من هذا الأمر.» فنفخ مينجالون خمسة بالونات أخرى وربطها بالحمَّالة، وقام بآخِر قفزة في اليوم. إلا أنه أثناء الارتفاع أصبح حبل الأمان الممدود بين الحمَّالة ومَصدِّ إحدى السيارات مشدودًا ثم انقطع.
كان الضوء قد بدأ في الانزواء وكانت ثمَّة عاصفة على وشْك الهبوب عندما بدأ مينجالون ينحرف صوب المُحيط الأطلنطي. في البداية راقَبَه والده ومساعده في رُعب ثم قفزا في السيارة. وانضم إليهم الأب مولين، كاهن إحدى الكنائس المحلية، وكان يتحلَّى بالفطنة إذ حمل معه بندقية عيار ٢٢ شديدة القوة. انطلق الثلاثة خلف مينجالون، لكن مينجالون الذي كانت تحمله البالونات غاب عن نظرهم على نحوٍ مُتكرِّر عندما كان ينحرِف صوب سُحب المطر. بالإضافة إلى ذلك، كانت السيارة مُقيَّدة بالسير على الطُّرق، ولم تكن الطرق بطبيعة الحال تتتبَّع مسار مينجالون بدقَّة.
وبعد ساعة عندما أصبح مينجالون على ارتفاع ٢٥٠ مترًا تقريبًا عن الأرض رآه الرفاق الذين كانوا يتعقَّبونه في السيارة. فأوقفوا السيارة وقفزوا منها، ثم أصاب الأب مولين بدقَّة ثلاثة من البالونات كي ينزل مينجالون إلى الأرض دون أن يلحَق به أذًى. كان فقدان الطفو كافيًا لإنزاله ببطء، وبطبيعة الحال لو كان الأب مولين قد أصاب الكثير من البالونات لأصبحت النهاية مأساوية. في أثناء الطيران أسقط مينجالون الكاميرا، لكنها وُجدت سليمة لاحقًا في حقل بطاطس. وسجَّلت الكاميرا حدثًا أكثر إثارة ممَّا كان يقصد مينجالون في بادئ الأمر.
في يوليو ١٩٨٢ قام لاري والترز أحد سُكان سان بيدرو في ولاية كاليفورنيا برحلة طيران مُشابهة لكن دون قصد. لقد انطلق والترز من طريقٍ في ضاحية لوس أنجلوس راكبًا كرسيًّا قابلًا للطيِّ مُزوَّدًا باثنَين وأربعين بالونًا مملوءًا بالهيليوم. في البداية انطلق لأعلى بسُرعة ٢٥٠ مترًا تقريبًا في الدقيقة، وسُرعان ما وصل إلى ارتفاع ٥ كيلومترات حيث رآه طيارَا اثنتَين من الطائرات. كان الإبلاغ عن رجُلٍ يطير بكرسيٍّ قابل للطي تطفو به البالونات يبدو غريبًا في عيون المُراقبين الجويِّين في مطار لوس أنجلوس الدولي لولا أن أحد أصدقاء والترز كان قد تمكَّن من الاتصال بالمُراقِبين في السابق.
وبمجرَّد أن أصبح والترز في الهواء البارد الخفيف بدأ يُقلِّل من الطفو من خلال التصويب على بعض البالونات بمسدس خرَز. إلا أنه أثناء الإثارة والمُعاناة من نقْص الأكسجين أسقط مُسدَّسَه دون قصد. وعلى الرغم من أن نقص الأكسجين يُسبِّب قدرًا من النشوة، فقد انزعج والترز عندما بدأ كرسيه للحظة في الارتفاع مرة أخرى. وبمجرَّد أن شرَع مجددًا في الهبوط على نحوٍ مُتواصِل، أخذ يُسيطر على سقوطه بإسقاط أوعية مملوءةٍ بالماء بين الحين والآخر تخفيفًا للحمل.
عندما اقترب والترز من الأرض علقت البالونات في أسلاك الكهرباء، لكنَّه لحُسن الحظ انتهت به الحال مُتدلِّيًا على مسافة مِترين تقريبًا من الأرض. وكان بُعدُه عن الأرض كافيًا للقضاء على الاحتمال المُحدِق المُتمثل في نفاذ الكهرباء عبرَه إلى الأرض. وتجنبًا لخطر تعرُّض والترز للصَّعق الكهربي فصل المُنقذِون التيار الكهربي عن المنطقة قبل إنزاله.
استمرَّت رحلتُه ساعة ونصف الساعة، وامتدَّت لمسافة ٥ كيلومترات رأسيًّا و١٦ كيلومترًا أفقيًّا. في البداية كانت وكالة الطيران الفيدرالية في حيرة مِن أمرِها حول كيفية مُقاضاة والترز (فلم تكن تُوجَد أي قواعد مكتوبة حول الطيران بكُرسي قابل للطي في خطوط الطيران الجوية)، لكن بعد مُداولة استمرَّت ستة أشهر غرَّمَتْه الوكالة غرامة كبيرة بسبب انتهاكات عديدة من بينها تشغيل مركبة جويَّة دون شهادة صلاحية للطيران.
(٥٧) تدفُّق زُجاج نوافذ كاتدرائيات العصور الوسطى
بعض الألواح الزجاجية للنوافذ المُركَّبة في الكاتدرائيات أثناء العصور الوسطى أكثر سُمكًا في الأسفل مُقارنةً بأعلاها. فهل تدفَّق الزجاج تدريجيًّا للأسفل مع مرور القرون؟
وتُوجَد تفسيرات أخرى لأشكال ألواح النوافذ الزجاجية من بينها عملية التصنيع. فعلى سبيل المثال، ربما يكون الزجاج قد صُنع أولًا عن طريق النفخ على صورة أسطوانية ثم قُطِع وسُطِّح في النهاية. وربما كان الجزء السفلي من الأسطوانة أكثر سُمكًا من الجزء العلوي، ومِن ثَمَّ فإنَّ أحد أجزاء اللَّوح الزجاجي النهائي سيكون أكثر سماكة. وربما بطبيعة الحال ركَّب العمال هذه النوافذ الزجاجية واضِعين الجزء الأكثر سماكةً في الأسفل.
(٥٨) موائع لزجة غريبة
لماذا يتدفَّق الكاتشب بسهولة أكبر من الزجاجة إذا رُجَّت أولًا؟ ربما لاحظتَ هذه النتيجة إذا حاولتَ صبَّ الكاتشب على الهمبورجر واكتشفتَ أن شخصًا آخر على الطاولة كان قد رجَّ الزجاجة للتو، في هذه الحالة سيكون الكاتشب في النهاية أكثر من الهمبورجر المَوجود في الطبق.
لماذا يتدفَّق الحِبر بسهولةٍ من القلم الجاف عندما تستخدِم القلم ولا يتدفَّق عندما يكون القلم في جيبك أو في حقيبتك؟ لماذا الدهان أحادي الطبقة يتدفَّق بسهولةٍ على الحائط ولا يتدفَّق ثانية من الحائط وينزل على الأرض؟ لماذا يُفرَد الزبد على الخُبز الموجود في درجة حرارة الغرفة باستخدام السكين ولا يسيح من تلقاء نفسه؟ لماذا مزيج الماء والنشا الثقيل من الصعب تقليبه إذا حاولتَ التقليب بسرعةٍ لكن من السهل تقليبه إذا قلَّبتَه ببطء؟
لماذا يكون معجون السيليكون (الذي يُباع تحت اسم العلامة التجارية سيلي باتي) أو المزيج المُشتَق من الكحول مُتعدد الفينيل (الذي يُباع تحت اسم العلامة التجارية سلايم) صلبًا إذا ضربته، ومطاطًا للغاية إذا ارتدَّ من الأرض، ومائعًا عند تدليتِه على قضيب؟
أما النوع الثاني من الموائع فيُطلَق عليه الموائع غير النيوتنية؛ لأنَّ لزوجتها تعتمد على طريقة دفعها إلى التدفُّق. مثال على ذلك الكاتشب؛ فإذا تُرك مُستقرًّا لفترة، فستكون لزوجته عالية، ممَّا يجعل من الصعب صبُّه من زجاجة ذات فتحة صغيرة. أما عند رجِّه أو تقليبه لثوانٍ، فستنخفض لزوجته على نحوٍ ملحوظ. ولذلك، لجَعْل الكاتشب يتدفَّق بسهولة من الزجاجة يُمكنك رجُّها عدة مرات؛ فالرجُّ يجعل أجزاءً من الكاتشب تنزلق بعضها على بعض، وهذه الحركة النسبية (يُطلَق عليها «القص») تفكك على الأرجح الجزيئات الطويلة السلسلة المُتداخِلة في خليط الكاتشب، ممَّا يسمح بسهولة التدفُّق. وعندما يُقلِّل القصُّ من لزوجة المائع، يُقال على المائع إنه «مُتميِّع بالرَّج» أو «مُترقِّق بالقص».
والحبر الموجود في القلم الجاف، والدهان أُحادي الطبقة، والزبد كلها أمثلة على موائع تترقَّق بالقص؛ فعند الضغط عليها من خلال كرة القلَم أو الفرشاة أو السكين يُقلِّل الضغط ومحاولة الحركة من لُزوجتها وتتدفَّق المواد بسهولةٍ كبيرة. وبمجرد توقُّف الضغط ومحاولة التحريك تُصبح اللزوجة مرة أخرى أكبر من القدرة على التدفُّق.
يوصَف هذا المزيج الثخين من النشا والماء بأنه مائع «مُثخَّن بالقص»؛ لأن التحريك الخفيف للمزيج يزيد من لزوجته. (لا يُظهر مزيج الماء والنشا الخفيف هذا التأثير.) وإذا ضربت المزيج الثخين براحةِ يدِك فإن الحركة النسبة تزيد على الفور لزوجته كثيرًا حتى إن المزيج يُصبِح شِبهَ صلب ولا يُطرطش بالتأكيد، إلا أنَّ هذه اللزوجة والقدرة على التدفُّق تعود على نحوٍ شِبه فوري. والزيادة اللحظية في اللزوجة تعود على الأرجح إلى اتِّخاذ جُزيئات النشا وضعية عمودية على اتِّجاه التدفُّق؛ ومِن ثمَّ توقف التدفق سريعًا. وبمجرد اختفاء محاولة التدفُّق تختفي هذه الوضعية. وإذا ألقيتَ حفنةً من المزيج الثخين على الأرض، فسيكون شِبه صلب أثناء التصادُم لكنه سيتدفَّق على الأرض بعد ذلك. وإذا غرستَ قضيبًا عريضًا للغاية أو ملعقة كبيرة جدًّا في المزيج ثم سحبتَ القضيب أو الملعقة لأعلى فقد تتمكن من رفع الخليط والوعاء ولو للحظة.
ومعجون سيلي باتي وسلايم كلاهما من الموائع غير النيوتنية اللَّزِجة. فإذا وُضِعا في وضع مُتدلٍّ على قضيب كي تسحبهما الجاذبية برفق، فسوف يتدفَّقان لأسفل. وعند التعرُّض لقوة أكبر وأكثر مفاجأة، كما في التصادم، فإن هذه المواد تتصرَّف مثل الكرة البلاستيكية؛ لأن الجزيئات الطويلة في المادة تلتفُّ وتتصرَّف مثل النوابض. وعند استخدام قدرٍ أكبر من القوة فإنها تنكسِر. على سبيل المثال، إذا سحبتَ فجأةً طرفَيْ حزمةٍ من معجون سيلي باتي في اتِّجاهَين مُتعارضَين، فسوف تنكسِر الحزمة على نحوٍ يُشبه كثيرًا انكسار قضيب معدني يُسحَب في اتجاهَين مُتعارضَين. ويمكنك أيضًا قطع سيلي باتي وسلايم بالمقص؛ فمع الضغط الكبير المفاجئ لشفرتَي المقصِّ ينقُص المائع ومِن ثَمَّ يُصبح المائع صلبًا وهشًّا.
ممكن أن ترى تأثيرًا آخر غريبًا إذا دفعت سيلي باتي في أنبوبٍ أجوف؛ فعندما يخرُج من الطرف الآخر يتمدَّد على النحوِ الذي يُعرَف باسم «انتفاخ القالب». ويحدُث هذا التمدُّد؛ لأن الجزيئات الطويلة ترتدُّ أثناء انبثاقها من الأنبوب، وذلك بعد أن تكون قد تعرَّضت للانضغاط خلال دفع المادة عبْر جُدران الأنبوب.
وتستطيع أنواع أخرى من الموائع غير النيوتنية التدفُّق خارج الأوعية كما يتدفَّق الماء من السيفون. فإذا جذبتَ جزءًا من المائع لأعلى جانب الكأس الزجاجي وسحبتَ ذلك الجزء عبر الحافة، فإن تدفُّقه خارج الكأس الزجاجي يُمكن أن يسحب بقية المادة لأعلى وعبر الحافة.
(٥٩) انعكاس الحساء
عندما تُقلِّب أنواعًا مُعينة من الحساء المعلب، مثل حساء الطماطم، ثم تزيل ملعقة التقليب، لماذا ينعكس الدوَران قُبَيل توقفه؟ لكي ترى هذا الانعكاس امزج أولًا علبة حساء الطماطم المُكثَّف بكميةٍ صغيرة من الماء (أقل من الكمية العادية). ثم قُم بالتجربة مع تسليط ضوءٍ على سطح الحساء.
(٦٠) التيَّار السائل المُرتد
صُبَّ تيارًا رفيعًا من شامبو الشعر أو صابون اليد السائل على سطحٍ منبسط يستطيع التيار أن يكون عليه كومة تسيل إلى الخارج. لماذا في بعض الأحيان يقفز التيَّار قفزاتٍ كبيرة إلى الجوانب عند الصبِّ من ارتفاعات مُعينة ومع سوائل مُعينة؟ (أنا أحصل على قفزاتٍ جيدة جدًّا ومُتكرِّرة عند استخدام صابون اليد آيفوري.)
(٦١) الموائع المُتسلقة للقضبان
إذا وضعتَ قضيبًا دوَّارًا في إناء ماء عميق، فسيجعل القضيب الماء يدور مُكونًا دوَّامة تمتدُّ لأسفل القضيب. لكن إذا وضعتَ بدلَ الماء بياضَ بيضٍ أو مُعالِج زيت السيارات «إس تي بي» أو غيرها من الموائع، فلماذا «يتسلق» المائع الدوَّار القضيب مُتبعًا السلوك الذي يُطلَق عليه «تأثير فايسنبرج»؟
(٦٢) لفائف حبل سائلة
(٦٣) أمواج الماء
ما الذي يُسبب أمواج الماء؟ أي كيف تتولَّد الأمواج؟
(٦٤) الأمواج المُتطرِّفة والأمواج المارِقة
مُعظم أمواج المُحيطات لها نطاق أطوال مُعيَّن، يمكن أن يكون مُرتبطًا بظروف الرياح والعواصف. ورغم ذلك، ففي بعض الأحيان تحدُث موجات أكبر حجمًا. وإذا وصفْنا «الموجة المتطرفة» بأنها ذات طول مُخيف، فإنَّ «المَوجة المارقة» يُمكن أن تُوصَف بأن طولها مُريع. يَسبِق هذه الموجة نقطة مُنخفضة تُوصَف غالبًا بأنها «حفرة في الماء». وبعض السفن الكبرى التي كانت قوية لدرجةٍ كافية لمقاومة العواصف العنيفة تحطمت أثناء انزلاق مقدمتها لأسفل في هذه الحفرة ثم سحبها لأعلى بفعل موجة تصل إلى ارتفاع ٣٠ مترًا تقريبًا. أما ارتفاع الموجة المارقة التي ضربت باخِرةَ البحرية الأمريكية «رامابو» عام ١٩٣٣ فقد بلغ ٣٤ مترًا حسب قياس ضابط المراقبة الذي استخدَم طريقة التثليث لمسح الموجة المواجهة لمنصَّة المُراقبة. (التصرُّف بطريقة فيزيائية في مواجهة الموت يتطلَّب شجاعةً فيزيائية كبيرة.)
رُصدَت كلٌّ من الأمواج المُتطرفة والأمواج المارقة حول العالم، لكن بحار ساحل جنوب شرق أفريقيا تُنتِج أزيد من حصَّتِها من الأمواج المارقة، وهو ما يؤكده عدد السفن الكبير المفقود في هذه المنطقة. فما الذي يُسبِّب الأمواج المُتطرفة والأمواج المارقة؟
يُطلق على هذا التجمُّع البسيط للأمواج «تجمُّع أمواج خطِّي». أما الأمواج المُتطرفة فهي «تجمُّع غير خَطِّي»؛ أي إنَّ تجمُّع الأمواج الفردية يُولِّد نسبيًّا قِممًا وقيعانًا شديدة الارتفاع وشديدة الانخفاض. وربما في أثناء زيادة ارتفاع القمم تدعم الرياح نموَّها بحيث يكون ارتفاع القمَّة النهائي أكثر من المُتوقَّع. أو ربما في مواقف مُعينة تُسفِر زيادة حجم الموجة الجديدة الناتجة عن نقطةٍ حرجة مُعينة عن تعديل الأمواج الفردية ويخلُق موجةً ناتجة أكبر حجمًا. باختصار، بعض السِّمات تدعم الموجة الناتجة. من غير المُرجَّح حدوث موجة مُتطرفة، لكن في بعض الأحيان تضرب هذه المَوجة السفن السياحية أو غيرها من السفن، فتفاجئ القباطنة الذين يَميلون عادةً إلى اعتقاد أنها أمواج مُكوَّنة من تجمُّعات خطية.
والأمواج المارقة (التي يُطلَق عليها أيضًا «الأمواج العملاقة» أو «الأمواج العاتية») أكثر صعوبةً في الشرح، لكن من المؤكد أنها ناتجة أيضًا عن تجمُّع غير خطِّي للأمواج. ورغم ذلك، فإنَّ حدوثها قُبالة ساحل جنوب شرق أفريقيا يعود إلى مواجهة تيَّار أقولاس والأمواج التي تدفعها الرياح في هذه المنطقة. يتدفَّق تيار أقولاس القوي صوب الجنوب الغربي في مسارٍ مُتعرِّج، وتتدفق الأمواج التي تدفعها الرياح صوب الشمال الشرقي عادةً. ونظرًا لأن الأمواج تدفع التيار إلى التعرُّج، فمن المُمكن تركيزها مثلما يُمكن تركيز موجات الضوء عن طريق العدسة. وفي ظلِّ الظروف المُناسبة، فإن هذا التركيز يُسفِر عن حفرة في الماء يتبعها موجة عملاقة تميل صَوب الحفرة.
(٦٥) التِفاف الأمواج للاقتراب من الشاطئ
يتغيَّر أيضًا شكل الأمواج لأنَّ ما نراه يتحرَّك على سطح الماء هو في الواقع مجموع الكثير من الأمواج الفردية المُختلفة الأطوال الموجية. يعتمد مدى التباطؤ؛ ومِن ثمَّ الالتفاف أيضًا، على الطول المَوجي؛ ولذلك تتباطأ الأمواج الفردية وتلتفُّ بمُعدلات مختلفة.
(٦٦) مرور الأمواج عبْرَ فتحة ضيقة
ويمكن أن يحدُث الحيود أيضًا عند مرور الموجة على طرف الحاجز؛ حيث يتمدَّد الجزء القريب من الحاجز إلى «منطقة الظل»؛ أي المنطقة الواقعة خلف الحاجز المَحمية بوضوحٍ من الأمواج.
(٦٧) التَّذبذُب والرَّجْرَجة
عندما تحمِل وعاءً مفتوحًا يحتوي على سائل، مثل طبق ماء، وتسير به، لماذا يترجرج السائل؟ ما الذي يتحكَّم في مُعدل الرجرجة؛ أي عدد مرات تذبذُب سطح الماء في الثانية؟ هل يمكن رجرجة حوض استحمام مليء بالماء أو حمام سباحة؟ ماذا عن البِركة أو الميناء أو البحيرة؟
يُمكنك رجرجة حَوض استحمامٍ مليء بالماء إذا حرَّكت بدَّالًا عريضًا للخلف والأمام في الماء. جرِّب التردُّدات إلى أن تصل إلى التردُّد الأساسي. وعندها يمكنك أن تجد الرجرجة القوية التي يمكن أن تجعل الحوض يَفيض على الأرضية بسهولة.
يُمكن أن تحدُث الرجرجة أيضًا في حاويات السوائل الأكبر حجمًا مثل شاحنة الجازولين أو صهريج القطار. بالطبع في هذه الحالة من الممكن أن تُسبب الرجرجة غير المنضبطة اضطراب الشاحنة ويُمكن أن تؤدي لحادثة، ولذلك تُرَكَّب في أغلب الأحيان حواجز داخل الشاحنة لتقليل الرجرجة.
يُمكن أن يفيض حمام السباحة عند تردُّدٍ مُنخفض كثيرًا إذا قفز الناس في الماء بطريقة مُنسَّقة ومُتكررة لتكوين التردُّد الأساسي. ويمكن لمكبسٍ ميكانيكي كبير يهتزُّ عند أحد طرفَي حمام السباحة أن يفعل الأمر نفسه، لكن هذا أقل إمتاعًا بكثير.
أما المسطحات المائية الكبيرة مثل البِرَك والموانئ والبُحيرات فسوف تترجرج وفقَ نسق التردُّد الأساسي الخاص بها إذا تذبذب الماء بفعل موجات الزلازل أو اختلافات ضغط الهواء (مثل الرياح). يُطلق على حوادث الرجرجة الضخمة في المسطحات المائية الطبيعية «التذبذب». وفي حادثةٍ شهيرة وقعت في مارس ١٩٦٤، أطلق زلزال في ألاسكا مجموعة ذبذبات وصلتْ حتى خليج المكسيك. كان مُعظم هذه الذبذبات أصغرَ من أن يُلاحَظ، لكن بلغ قياس إحداها مِترَين من أعلى منسوب مياه إلى أدنى منسوب مياه.
يُمكن أن تترجرج الموانئ وأحواض المدِّ والجزر أيضًا عند «ضخِّها» من قبل المدِّ والجزْر أو بفعل اضطرابٍ صادر عن عاصفة أو تسونامي. في هذه الحالة تُصبح أشبهَ نسبيًّا بزجاجة أو أرغن ذي أنابيب يتعرَّض للضخِّ من خلال مصدر هواء مُتذبذب، فيما عدا أنَّ النتيجة هي تذبذُب مستوى الماء بدلًا من تذبذُب الموجة الصوتية.
وفي المُعتاد يكون مدى التذبذُب في الميناء (ومِن ثَمَّ احتمالية الدَّمار) أكبر في فتحة الميناء الضيقة (الفتحة المؤدية للمُحيط). ومن أسباب هذه النتيجة ما يُطلَق عليه «مفارقة الميناء»، ومفادها أن الفتحة الواسعة تسمح لطاقة الموجة القادمة بالعودة إلى المُحيط، في حين أنَّ الفتحة الضيقة تأسر بفعالية الطاقة القادمة. تحدُث نتيجة مُشابهة مع الأمواج الصوتية؛ فإذا نفختَ في الفم الضيق لزجاجة صودا مُمتلئة جزئيًّا، فسوف تُصدِر صوتًا رنَّانًا عاليًا في محيط الزجاجة الهوائي. أما إذا نفختَ في زجاجةٍ ذات فم أوسع فسيكون الصوت الرنان مكتومًا وربما من المُستحيل إطلاقه.
(٦٨) آثار البطِّ وحاملات الطائرات
والسبب الأساسي في هذا النَّسَق هو «الأمواج المرحلية» التي تظهر على سطح الماء بسبب الاضطراب الصادر عن قاربٍ متحرك على سبيل المثال. والموجة المرحلية التي تُشبه شكل الموجة الجيبية تنتقل عن طريق إحداث ذبذبةٍ في سطح الماء. إلا أنك لا تستطيع فعليًّا رؤية الموجة المرحلية على الماء؛ لأن القارب يُنتج عددًا هائلًا من هذه الأمواج التي يتراكب (أو «يتداخل») بعضها مع بعض، ويُمكنك فقط أن ترى «الأمواج الجماعية» التي تنتُج عن هذا التداخل. تبدو الأمواج الجماعية وكأنها تنتقل على الماء، لكنها في الواقع تُنتَج باستمرار عن طريق تداخُل الأمواج المرحلية التي تُسافر أسرع مرتَين من الأمواج الجماعية.
وما يزيد أمواج الماء تعقيدًا هو أن الأمواج ذات الطول الموجي الأطول تنتقل بشكلٍ أسرع من الأمواج ذات الطول الموجي الأقصر. ولذلك تميل الأمواج المرحلية ذات الطول الموجي الطويل إلى تخطي الأمواج المرحلية ذات الطول الموجي القصير.
وإذا كنت قريبًا من أحد القوارب والأثر الذي يترُكه في ضوء النهار قد تُلاحظ أن الأثر أكثر هدوءًا من الماء خارجه. وعلى الرغم من كلِّ الأمواج الصادرة عن الاضطراب الناشئ عن القارب فالنتيجة تظلُّ واحدة، وهي أن الأثر يحتوي على الأرجح على عددٍ أقلَّ من الأمواج الجماعية قصيرة الطول الموجي مقارنةً بالماء الموجود خارج الأثر. وفي بعض الأحيان تعني هذه الحالة أن انعكاس ضوء الشمس بالنسبة لك يكون أكثر شبهًا بالمرآة؛ ومِن ثمَّ يكون أكثر سطوعًا داخل الأثر عنه خارجه.
(٦٩) ركوب الأمواج
ما الذي يجعل راكب الأمواج (على لَوح ركوب الأمواج) يتحرَّك صوب الشاطئ أو مع مسار الموجة؟ هل يمكنك ركوب قمة الموجة أو الاتجاه للخلف؟
ويشتمل ركوب الموجة على تضافُر عوامل ثلاثة تؤثر على راكب الأمواج ألا وهي: (١) الطفو، وهو عمودي على سطح الماء، ويحدُث لأن لوح التزلُّج مغمور جُزئيًّا. (٢) الجاذبية المُتجهة لأسفل، وهي تُحاول أن تجعل راكب الأمواج ينزلق على وجه الموجة. (٣) السَّحْب الموجود على سطح الماء الذي يُقاوم حركة اللَّوح على الماء، ويعود السحب إلى ضغط الماء على اللوح والاحتكاك بين اللوح والماء أثناء انزلاق كلٍّ منهما أمام الآخر.
ومن خلال التجديف بيدَيه للوصول إلى السرعة المطلوبة، يستطيع راكب الأمواج الجاثي على ركبتَيه أن ينتقل من الوجه الخلفي إلى الوجه الأمامي للموجة عبْر ذروتها. وبمجرَّد أن يتَّخذ الراكب وضعيته فإنه يقف وينتظر ركوبة مجانية (كفى تجديفًا). ومن خلال ضبط اتجاه اللوح في الماء يُمكن للراكب أن يضبط السَّحب ووضعية اللَّوح على الوجه الأمامي. ينعدم تأثير القوى الثلاث (أي يحصل راكب الأمواج على «التوازن») في نقطة ما على الجزء السفلي من الوجه الأمامي. وهناك تكون قوة الطفو مائلةً في اتجاه تحرُّك الموجة ومِن ثَمَّ تميل إلى دفع الراكب. تميل الجاذبية إلى سحب الراكب لأسفل المُنحدر لكن سَحب الماء يَميل إلى مقاومة تلك الحركة، ومِن ثَمَّ يركب الراكب الموجة. وللتنقُّل على وجه الموجة أو للتحرُّك على طول الموجة، يُغير الراكب اتِّجاه اللَّوح ومِن ثَمَّ يُغير سحب الماء. وفي العموم، تغيير الوقوف للخلف يجعل مُؤخِّرة اللَّوح أكثر انغماسًا في الماء، مما يزيد السَّحب ويُبطئ اللوح؛ ومِن ثمَّ يتسلَّق الراكب الوجه الأمامي. وتغيير الوقفة للأمام يجعل الراكب يُسرع وينزلق هابطًا على وجه الموجة.
لا يستطيع راكب الأمواج ركوب الموجة إذا كانت تتدفَّق أو تنحدِر على نحوٍ يكفي لحدوث اضطراب. وإذا ظهر الاضطراب في وقتٍ واحد على طول الموجة بالكامل فسوف ينتظر الراكب الموجة التالية فحسب. أما إذا جاءت الموجة بزاوية إلى الشاطئ، فإن التدفق والاضطراب يبدآن عند أحد طرفَي الموجة ويتحرَّكان على طول الموجة (ويُقال في هذه الحالة إن الموجة «تتقشر»). يحاول الراكب ركوب الموجة عند منطقة التدفُّق التي تُوجَد أمام الاضطراب بقليل. وإذا تقشَّرت الموجة سريعًا جدًّا، تلحق نقطة الاضطراب بالراكب وعندها تنتهي الركوبة.
وأكثر أنواع حركات ركوب المَوج إثارة على الأرجح هي حركة «الأنبوب» حيث تنحدِر قمَّة موجة طويلة للغاية لتصطدِم بقاع الموجة تاركةً نفقًا بين نقطة السقوط وبقيَّة الموجة. وإذا استطاع الراكب الركوب على الجزء الأمامي من الموجة قبل بدء تكوُّن الأنبوب فسيكون من المُمكن ركوب الموجة عبْر الأنبوب.
(٧٠) حركة خنازير البحر والدلافين
غالبًا ما تُصاحب خنازير البحر والدلافين القوارب والسفن، فتتحرك خلسة بجانب السفينة على عُمق مترٍ تقريبًا أسفل الماء. وقد تكون واقفةً مُنتصبة أو مُستلقية على أحد الجوانب أو تستعرض حركاتها ببساطة بالدوران حول مِحور الجسم. لكن لا يبدو أنها تسبح، بل هي تتحرك فحسب كما لو كانت مربوطة بالسفينة، وربما يدوم هذا لساعات. فما الذي يدفعها؟
(٧١) أمواج الحافة
ويُمكن أيضًا رؤية أمواج الحافة في كوب الخمر الملآن أو شِبه الملآن. مَرِّر إصبعًا نظيفة وجافَّة حول الحافة. وإذا فعلتَ ذلك على نحوٍ صحيح فمن الممكن أن يُسبِّب الاحتكاك أمواجًا عمودية على الحافة. ويُمكن أن تكون الأمواج شديدة القوة حتى إنَّ بعض قطرات الخمر تتطاير في الهواء. لماذا يُسفِر الاحتكاك عن أمواج؟
عند تصوير فيديو بالحركة البطيئة للمجداف وعند البدء في الاهتزاز أفقيًّا ستجد التسلسل التالي: في كلِّ مرة يتحرك فيها المجداف لأعلى فإنه يرفع تلًّا على طول عرضه الأفقي، وعندما يتراجع فإنه يُخلِّف واديًا على طول ذلك العرض. وأثناء تكوُّن هذه التلال والوديان فإنها تبتعد عن المجداف مثل الأمواج الشعرية العادية.
وبعد عمل المجداف لما يقرُب من دقيقة، ستجد أن المجداف في كل مرة يتحرك فيها للأمام يرفع سلسلةً من التموُّجات العمودية عليه والمُتداخلة مع تلِّ الموجة الشعرية العادية. إلا أنه تُوجَد مجموعتان من التموُّجات: فحركة المِجداف الأمامية ترفع مجموعة، وحركة المجداف الأمامية التالية ترفع المجموعة الثانية وهكذا. وتتكوَّن التموُّجات في المجموعة الأولى في منتصف تموُّجات المجموعة الأخرى. ولذلك، فإن مُعدَّل ظهور أيٍّ من المجموعتَين يُعادل نصف مُعدل اهتزازات المجداف.
يمكن أيضًا تكوين أمواج الحافة من خلال وعاء انبجاس الماء النحاسي الصيني. لكننا هنا نحكُّ مِقبَضَي الوعاء بدَل الحافة. وإذا انطلقَتْ أمواج الحافة على نحوٍ صحيحٍ فمن المُمكن أن تقذف الماء في الهواء لارتفاع نصف متر.
ويُمكن إنتاج أشكال أمواج الحافة والأشكال الأكثر تعقيدًا (التي تشمل أنماطًا جميلة مثل الشرائط والسُّداسيات والدوائر) في طبقةٍ ضحلة من الماء والجليسرين إذا اهتزَّ السائل رأسيًّا.
(٧٢) نتوءات الشواطئ
ما الذي يُسبِّب نسَق النتوءات التي تُزيِّن كثيرًا من الشواطئ؟
(٧٣) الزيت والأمواج
منذ القِدَم عرف الناس أنَّ إلقاء طبقة من الزيت (مثل زيت الزيتون) على المياه المفتوحة يمكن أن يُقلِّل الأمواج أو يمنعها، حتى في ظلِّ وجود رياح قوية قادرة على تكوين الأمواج. كان هذا التأثير معروفًا لدى بنجامين فرانكلين الذي كان يحمل معه كمية صغيرة من الزيت كي يتمكَّن من توضيح هذا التأثير. وذات مرة، بينما كان يحضُر حفلًا بالقُرب من أحد الأنهار وكان النسيم يدفع الأمواج الصغيرة، سار إلى أعلى النهر نسبيًّا وهزَّ عصاه عدَّة مرات هزاتٍ «سحرية» دون أن يجعل روَّاد الحفلة يرَون رذاذ الزيت المُتساقِط من العصا. واندهش الحضور عندما اختفتِ الأمواج على نحوٍ شبه فوري وأصبح النهر راكدًا.
عند الطيران فوق المياه المفتوحة يُمكنك أن تلاحظ بُقَع التلوث. قد تكون هذه البُقَع أكثر انعكاسًا من الماء، لكن الأكثر أهمية هو أن سطحها أكثر لمعانًا في ضوء الشمس من سطح الماء غير الملوَّث المُجاور لها؛ لأن البُقَع تُقلل الأمواج أو تمنعها.
فلماذا يُهدِّئ الزيت المياه المفتوحة؟
(٧٤) القطرات الطافية
في بعض ماكينات صُنع القهوة تسقط بعض قطرات القهوة إلى بِركة القهوة. من المُفترَض أن تتناثر تلك القطرات وتندمج سريعًا في البِركة، لكنها تتسابق فوق سطح البِركة، وقد تندفع للأمام والخلف داخل الوعاء عدَّة مرات.
يمكن أيضًا تكوين القطرات الطافية عند احتكاك كوبٍ تقليدي من الفوم يحتوي على القهوة (أو غيرها من المشروبات) بسطح طاولة بحيث يتعرَّض الفنجان للالتصاق والانزلاق مرات مُتكررة. وإذا كانت الحركة المضطربة للفنجان سريعة بالقدْر الكافي فإنَّ التموُّجات الناتجة على السائل تنثُر القطرات في الهواء. وعند سقوط تلك القطرات فمن الممكن أن تطفو على السائل بدلًا من الاندماج فيه على الفور. وعند توقُّف حركة الالتصاق والانزلاق، فإن القطرات تندمج سريعًا.
وأيضًا عندما يصطدم تيَّار ماء ثابت من الصنبور بحوض مسطح، فمن الممكن أن يُكوِّن نسَقًا دائريًّا حول نقطة الاصطدام. داخل الدائرة يكون تدفُّق الماء سريعًا وضحلًا، وخارج الدائرة يكون أبطأ وأقلَّ ضحالة. ومِن ثَمَّ، فإن الدائرة هي فعليًّا جدار يحدُث عنده انتقال للماء. وإذا أسقطتَ قطرةً من قطَّارة على مجرًى مائي من فوق الجدار، فقط تطفو القطرة وهي مُعلقة على الجدار.
فلماذا تطفو قطرات الماء في كل هذه الحالات؟
إلا أنه في الأمثلة المذكورة تُوجَد حُجة أكثر إقناعًا تفسر ارتفاع القطرة ألا وهي أن القطرة مدعومة بطبقة هواء بينها وبين البِركة. لنتأمَّل أولًا الموقف الشائع المُتمثل في إطلاق قطرةٍ فوق بِركة ثابتة؛ لأنَّ هذا الموقف يتضمَّن أيضًا طبقةً من الهواء: أثناء سقوط القطرة يتدفَّق الهواء السفلي للخارج إلى أن تلمس القطرة البِركة أولًا، ثم تندفع موجة عبر القطرة قاطعةً النصف السفلي الذي يندمج فورًا في البِركة، وعند نزول النصف العلوي يدعمه الهواء السفلي جزئيًّا لكنه يتدفَّق للخارج إلى أن تلمس القطرة المُتبقية البِركة أولًا، ومرة أخرى تندفع موجة على القطرة قاطعةً النصف السفلي الذي يندمج فورًا في البِركة. وهكذا تتكرَّر الدورة، ربما لعدَّة مرات، قبل أن يندمج آخر القطرة الأصلية في البِركة بدلًا من الانشطار إلى نصفَين.
نتأمَّل بعد ذلك سلسلة القطرات الساقطة في ماكينة صُنع القهوة. في عملية التناثُر التي سنناقشها في البند القادم، يمكن للقطرة أن تهبط بمجرَّد امتلاء الفوهة التي تركتها القطرة السابقة بالسائل المندفع للداخل. والاندفاع للداخل يدفع القطرة الجديدة إلى الارتداد نسبيًّا إلى أحد الجوانب. ومع نزول القطرة بعد ذلك فإنها تميل إلى طرد الهواء السُّفلي. إلا أنه نظرًا لتحرُّك القطرة يظلُّ الهواء الجديد مدفوعًا تحتها؛ ومِن ثمَّ تظلُّ دائمًا مدعومة بطبقة من الهواء السفلي. ويتشابَهُ مثال الحوض مع هذه الحالة، فيما عدا أن القطرة ترتكِز على الجدار وتدفُّق الماء يسحبُ باستمرارٍ الهواء الجديد تحت القطرة لاستمرار الدعم.
وإذا حدث اهتزاز في البِركة والقطرة، فمن المُمكن أن تضخَّ الحركة الهواء تحت القطرة بسرعة كافية لدعم القطرة. تحدُث حركة الضخِّ في الكوب المصنوع من الفوم الذي يُسحَب على سطح الطاولة بطريقة الالتصاق والانزلاق. وعلى الأرجح ستفلح أيضًا أي طريقة أخرى لإحداث اهتزازٍ رأسي في القطرة والبِركة إذا كان تردُّد الاهتزاز مُساويًا تقريبًا لتردُّد اهتزاز الكوب المصنوع من الفوم.
ويمكن أيضًا أن تحوم القطرة إذا كانت حرارتها أو حرارة البِركة مرتفعة. وفي هذه الحالة سيكون بخار الماء هو الغاز الذي يدعم القطرة. ويُطلَق على هذه الآلية عادةً اسم «تأثير ليدنفروست» ونتناوله في الفصل الرابع الذي يتحدَّث عن العمليات الحرارية.
(٧٥) القطرات المُتناثِرة
ما الذي يحدُث لقطرة ماء مثل نقطة المطر عندما تصطدم بسطحٍ أفقي صُلب أو بِركة ماء؟ لماذا تتناثر بعض القطرات (أي تُلقي أجزاء منها لأعلى وللخارج) ولا يتناثر البعض الآخر؟
عند نزول قطرة دم أو قذفِه من ضحية في مسرح الجريمة يحتاج الباحث الجنائي إلى تحديد سرعة وحجم القطرة من البُقعة التي تركتها على السطح. ومن الصعوبات المُتأصِّلة في هذا الأمر أن حجم البُقعة يعتمد على «كلٍّ من» سرعة وحجم القطرة؛ أي إنَّ البقعة كبيرة الحجم قد تكون ناتجة عن قطرةٍ صغيرة ذات سرعة عالية أو عن قطرة كبيرة ذات سرعة مُنخفضة. هل تُوجَد طريقة لتحليل بقعة الدم للكشْف عن هذه المعلومة؟ (تخيَّل ماذا سيفعل شيرلوك هولمز.)
«السطح المائي»: يمكن للنقطة التي اصطدمت بسطحٍ مائي أن تتناثر أو أن تمتزج بالسطح أو أن تطفوَ فوقه. لا يمكن أن يحدُث الطفو الذي ناقشناه في البند السابق إلا إذا سقطت القطرة من مسافةٍ قصيرة. وأما بالنسبة للسقوط من مسافةٍ أعلى، فإن القطرة تُحدِث عادةً فوهة نصف كُروية في سطح الماء ثم تُكَوِّن تاجًا حول حدود الفوهة. ومع انحسار التاج وتراجُعِه إلى الفوهة، فإن التدفُّق الداخلي السريع يُلقي الماء للأعلى في نافورة مركزية. وقد تُسقِط النافورة قطرةً أو أكثر أثناء وصولها لأعلى ارتفاع. وفي النهاية تنحسر النافورة وينتهي التناثُر.
في بعض الحالات سوف ينغلق التاج على نفسه مكونًا قُبة، وسوف تُحاصَر أي نافورة مركزية في الداخل دون رؤيتها. وإذا ضربت القطرة الماء دون أن تُحدِث تاجًا فسوف تُحدِث دواماتٍ مُتَّجِهةً لأسفل تُشبِه في شكلها الكعكة الأفقية؛ فيدور الماء لأسفل في داخل الكعكة ولأعلى خارجها. يمكن لإضافة ألوان الطعام في القطرة أن تجعل الدوَّامة مرئية. والقطرة التي طرحتها نافورة مركزية يمكنها أيضًا تكوين دوامة. تكون النافورة المركزية في طبقة الماء الرقيقة أكثر وضوحًا؛ لأن الحدَّ الصلب السُّفلي يجعل التاج يتحوَّل بمزيدٍ من القوة إلى النافورة المركزية. أما أعلى ارتفاع للنافورة فيحدُث عندما يكون عُمق طبقة الماء مُساويًا لنصف قُطر الفوهة التي أحدثتْها القطرة. (ومن المُفاجئ أنه عند إزالة الهواء الموجود فوق طبقة الماء أو وجود غازٍ أخف بدلًا منه، يمكن أن يختفي التناثُر.)
والقطرات الساقطة على الماء في سلسلةٍ سريعة يُمكن أن ترتدَّ عن الماء؛ لأنه بعد نزول القطرات الأولى القليلة تصطدم القطرات اللاحقة بالحفرة في الوقت الذي يبدأ فيه الماء في الصعود لأعلى لإعادة ملء الحفرة. ولذلك، فأيٌّ من القطرات اللاحِقة يمكن أن يُلقى لأعلى ببساطة.
يمكن أن تتعرَّض قطرات الشمع الذائب الساقطة على سطحٍ معدني أملس إلى نوع التناثر نفسه الذي تتعرَّض له قطرات الماء، لكنها سوف تتجمَّد في المراحل النهائية. تُصبح الأنماط الأخيرة جذَّابة عندما تُسقِط نتوءات أو تيجان المُحيط قطراتٍ صغيرة؛ لأنَّ هذه القطرات المُتجمِّدة تبقى مُحيطة بمنطقة التناثر الرئيسية. قطرات المعدن المُذاب الساقطة على سطحٍ معدني مُسطَّح يُمكن أيضًا أن تتجمَّد مكوِّنة أشكالًا مُثيرة، إلا أن هذه القطرات تخضع لعملية «تَسَطُّح» بدلًا من عملية «التناثر»؛ لأنها تنتشِر على السطح المستوي وتظهر الأصابع على طول المُحيط. تنفصل بعض الأصابع في صورة قطرات معدنية مُنعزلة. وزيادة خشونة السطح تُقلِّل عادةً عدد الأصابع وتزيد عرضها.
ومن أجل تحديد سرعة وحجم قطرة الدم السائلة من ضحية في إحدى الجرائم يحتاج الطبيب الشرعي إلى فحص حجم البُقعة وكذلك عدد الأصابع الموجودة حول المحيط. تُسفر السرعة العالية عن عدد أصابع أكبر. إلا أنَّ ما يجعل عملية التحليل صعبةً هو طبيعة السطح الذي اصطدمت به القطرة؛ فالسطح الخشِن يجعل الأصابع تتداخل ويُقلِّل حجم البُقعة. ولذلك يتطلَّب الأمر عملًا تجريبيًّا مكثفًا لتسجيل خصائص بُقَع الدم على أنواع الأسطح الشائعة من الخرسانية إلى الورقية وحتى الزجاجية. وبدلًا من ذلك، عند العثور على بُقَع الدم في مسرح الجريمة لا بدَّ من أخذ عيِّنة من السطح الصلب المُلطخ بالبُقع إلى المُختبر مرةً أخرى حيث يُمكن تحليل تجارب تستخدِم قطرات دم معروفة الحجم وارتفاع السقوط على ذلك السطح.
(٧٦) الفقاعات في الصودا والجعة والشامبانيا
لماذا تتكوَّن الفقاعات في الصودا والجعة والشامبانيا وغيرها من المشروبات الغازية بعد فتح الوعاء؟ لماذا تتكوَّن فقط على السطح الداخلي للوعاء ولا تتكوَّن داخل السائل نفسه؟ لماذا يكبر حجمها عند صعودها؟ ولماذا يتكوَّن قِطار من الفقاعات بحيث تتتبَّع الفقاعة الأخرى لا سيما في الشامبانيا؟ لماذا ترتفع الفقاعات في الشامبانيا عادةً أسرع من ارتفاعها في الجعة؟ إذا نظَّفتَ كأس شراب بمسحوق غسيل وتركته يجف في الهواء قبل أن تصُبَّ فيه مشروبًا غازيًّا فلماذا ينتهي تقريبًا تكوُّن الفقاعات؟
عند إضافة الثلج أو الملح إلى كأس من الجعة صُبَّ للتوِّ لماذا يزداد إنتاج الفقاعات بقوة، ربما لدرجة فيضان السائل من الكأس؟ لماذا تتناثر محتويات المشروب الغازي للخارج عند رجِّ المشروب قبل فتحه؟
شراب الشاندي هو مزيج من الجعة ومشروب مُرطِّب يتمثَّل عادةً في الليمونادة أو جعة الزنجبيل. وعند صبِّ الجعة على المشروب المُرطب لا يحدث شيء جدير بالملاحظة. أما إذا أُضيف المشروب المُرطب إلى الجعة، فإن فوران الفقاعات قد يفيض من الوعاء. فما سبب هذا الاختلاف؟
عند وضع قِطَعٍ صغيرة من الليمون في كأس من الجعة لماذا يُمكن أن تصعد وتهبط في الكأس على نحوٍ مُتكرِّر؟ وعند صبِّ جعة جينيس سريعًا في كأس لماذا تتكوَّن الفقاعات في صورة طبقات على جانب الكأس، ولماذا تتَّجِه هذا الطبقات ﻟ «الأسفل»؟
في العموم، يمكن أن تتكوَّن الفقاعة ثم تكبُر فقط إذا كان حجمها يفوق قيمةً حرجة مُعيَّنة. ومشكلة الفقاعة الأصغر حجمًا تكمُن في سطحها شديد الانحناء؛ إذ يتسبَّب الانجذاب المُتبادل بين جزيئات الماء على السطح في انفجار الفقاعة على الرغم من الدفعة الخارجية الصادرة من غاز الفقاعة. أما سطح الفقاعة الأكبر حجمًا فهو أقلُّ انحناءً، والقوة الداخلية لجزيئات الماء على السطح ليستْ كافية لتجعل الفقاعة تنفجر. ورغم ذلك، فإن الفقاعات الأكبر من الحجم الحرِج من غير المُحتمَل أن تتكوَّن داخل السائل نفسه؛ فلا يمكن أن تكبُر ولا أن تظهر فجأة بهذا الحجم. ومِن ثَمَّ، فإن «تَنَوِّي» (إنتاج) الفقاعات يحدُث على السطح فقط، على الجدران والقاع في الأساس (لكنَّه يحدُث أيضًا على أي مادة صلبة في السائل). وفي النهاية تصبح كمية ثاني أكسيد الكربون المُتبقية في السائل أصغرَ من أن تُكَوِّن مزيدًا من الفقاعات.
والتفسير الأكثر شيوعًا لتَنَوِّي الفقاعات يتضمَّن وجود خدشٍ في جدار الكأس وفقاعة موجودة من قبل. إذا كان عرض الخدش مناسبًا، فمن المُحتمَل ألا يكون سطح الفقاعة شديد الانحناء ومِن ثَمَّ لا تنفجر الفقاعة. علاوة على ذلك، يمكن لثاني أكسيد الكربون أن يمرَّ ببطءٍ من السائل إلى الفقاعة، فينفخ الفقاعة ويزيد طفوها. وفي النهاية، تصبح الفقاعة كبيرة على نحوٍ كافٍ لخروج مُعظمها من الخدش والطفو لأعلى. ويبدأ إنتاج الفقاعات مرة أخرى من كمية الغاز الصغيرة المُتبقية في الخدش.
تُشير الأدلة الحالية إلى أن «معظم» الفقاعات في كأس الشراب لا تبدأ بسبب الخدوش، بل تبدأ في الألياف السليولوزية التي ظلَّتْ مُلتصِقة على سطح الكأس عندما غُسلت أو جُفِّفت في السابق بمنشفةٍ ورقية أو قماشية. وتحتوي هذه الألياف الجوفاء على هواء محبوس يبدأ إنتاج الفقاعات. وعند فتح الوعاء، يتسرَّب ثاني أكسيد الكربون إلى الهواء المحبوس من خلال نهايات الألياف المفتوحة. وعندما تصبح الفقاعة كبيرة على نحوٍ كافٍ ينفصل جزءٌ منها من إحدى النهايات، وتتكرَّر العملية. وإذا لم يُجفف الكأس بالورق أو القماش أو إذا غُسل بمسحوقٍ وجُفِّف بالهواء النظيف الصادر عن آلة فسيفقد الكأس هذه الألياف السليولوزية ومِن ثَمَّ لن يتمكن من إنتاج الفقاقيع. والفقاقيع الوحيدة التي سيكوِّنها ستكون ناتجة من الاضطراب الذي يحدُث عند ملء الكأس لأول مرة.
إذا فتحت عبوة صفيحية تحتوي على مشروب غازي من خلال جذب حلقة السحب فإن إنتاج الفقاقيع بكامله سيحدُث عند السطح العلوي المغمور من الحلقة. (استخدم مصباحًا يدويًّا للنظر داخل بقية العلبة الصفيحية.) ومن المُفترَض أنَّ تكوُّن الفقاقيع يحدُث عند تعلُّق البقايا بالحلقة. وإذا نظفت قمَّة العلبة الصفيح بورَقٍ أو قماش لأسباب صحية فإن جزءًا من البقايا سيكون من ألياف السليولوز.
وإن الثلج يحتجِز الهواء في أجزاءٍ مختلفة من سطحه؛ ومِن ثمَّ يمكن أن يكون تأثيره مثل الألياف. أما الملح فمُختلف؛ فعندما يضيف الشخص الملح إلى الجعة، فإنه يذوب في المحلول ويُقلل كمية ثاني أكسيد الكربون الممكن ذوبانها في السائل. يحتوي السائل بالفعل على كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون؛ ولذلك سرعان ما يخرج ثاني أكسيد الكربون من المحلول.
وبمُجرَّد إطلاق الفقاقيع يميل الطفو إلى دفعها لأعلى؛ لأنها أخفُّ من السائل المُحيط. إلا أن جزيئات مثل البروتينات تبدأ بالالتصاق بالفقاقيع سريعًا، فتزيد من السحب وتُبطئ الصعود. هذا التباطؤ يحدُث في الجعة أكثر من حدوثه في الشامبانيا لأنَّ الجعة عامرة بالبروتينات؛ ومن ثَمَّ تسبق فقاقيع الشامبانيا فقاقيع الجعة.
إذ رُجَّ وعاء المشروب الغازي قُبيل فتحه فإنَّ الغاز الموجود عادةً فوقه يختلط به في صورة فقاقيع صغيرة. وعندما يقلُّ الضغط يمكن لثاني أكسيد الكربون أن يخرج فجأةً من المحلول عن طريق التحرُّك إلى هذه الفقاقيع، وقد يكون نموُّ الفقاقيع شديد القوة لدرجة دفع الفقاقيع للسائل من الوعاء، بل من الممكن أيضًا أن تُطلقه للخارج. وتجنبًا للفوضى، يجب أن يبقى الوعاء المرجوج موضوعًا لفترةٍ قبل فتحه، للسماح للفقاقيع بالوصول إلى القمة والانفجار. (لا أعرف لماذا يُسرِّع القرْع على الوعاء هذه العملية إلا إذا كان يزيح الفقاقيع التي تكون مُلتصقة بجدار الوعاء.)
يعتمد تكوُّن الفقاعات في جعة «شاندي» على مكان وجود الجعة بالقُرب من جدار الكأس، أي المكان الذي يُمكن أن تتكوَّن فيه الفقاعات. فعلى سبيل المثال، إذا صُبَّت الجعة على الليمونادة فإن معظمها سيُكوِّن في البداية طبقةً فوق الليمونادة. ومِن ثَمَّ ستتكوَّن الفقاعات في الأساس في الطبقة العُليا ويمكن أن تهرُب بسهولة إلى السطح العلوي بالطريقة المُعتادة. أما إذا صُبَّت الليمونادة على الجعة، فستتكوَّن الفقاعات في الطبقة السفلى وستضطر إلى التسلُّق عبْر الليمونادة للوصول إلى السطح العلوي. بالإضافة إلى ذلك، مع تدفق بعض الليمونادة إلى الجعة، يمكن أن توفر بعض جزيئاتها (مثل اللب) أماكن لتكوُّن الفقاعات وهروبها. باختصار، فإنَّ معدل تَكوُّن الفقاعات يزيد ويجب أن تتَّجِه تلك الفقاعات لأعلى عبر الليمونادة للوصول للسطح العلوي. والنتيجة هي تسارُع إنتاج الرغوة ووجود فرصة جيدة للفيضان.
ويمكن لقطعةٍ صغيرة من الليمون، وحبَّةٍ واحدة من الفول السوداني (ليس من النوع المُجفف المُحمص)، وغيرها من العناصر أن تجمع عددًا كافيًا من الفقاقيع قُرب قاع السائل كي تطفو إلى القمة. وكثير من الفقاعات تنفجر هناك؛ ومِن ثمَّ يغرق الشيء مرة أخرى في القاع. وكلما واصلَتِ الفقاقيع التكوُّن، تكرَّرت العملية.
عند صبِّ جعة جينيس في كأسٍ تملأ الفقاقيع الجعة في البداية. وعندما تندفِع الفقاقيع إلى بعضها يُمكن أن يلتصِق بعضها ببعضٍ مكونة «مجموعات فقاقيع» تتسبَّب في تباطؤ الفقاقيع في صعودها. يفصل المجموعات رأسيًّا بعضها عن بعض مسافة تعتمد على اختلاف مُعدَّلات الصعود بين الفقاعة الحرة ومجموعة الفقاقيع. (من الممكن أن تتكوَّن مجموعات الفقاقيع في الصهارة البازلتية والحِمَم البُركانية المُتدفِّقة إذا كانت الطبقة سميكة على نحوٍ يسمح للفقاقيع الصاعدة بتكوين مجموعاتٍ قبل الوصول إلى سطح الطبقة.)
يقول بعض الناس إنَّ حركة مجموعات الفقاقيع للأسفل ما هي إلا وهم، لكن الحركة تبدو حقيقية ويمكن أن تكون قائمة على أحد التأثيرين التاليَين أو كليهما: (١) الفقاقيع في منتصف الكأس سوف تصعد أسرع من الفقاقيع الموجودة على الجدار؛ إذ يُعيقها احتكاك الجدار والسَّحْب الواقع على المجموعات. ولذلك، تسحب الفقاقيع الصاعدة السائل الموجود في منتصف القدح لأعلى، مما يجعل السائل الذي يحلُّ محلَّه يتحرَّك لأسفل قُرب جدار القدح. (٢) تندفع الفقاقيع المُتحرِّرة من سطح المجموعة إلى أعلى لتنضمَّ إلى قاعدة المجموعة العُليا التالية. ومِن ثَمَّ، تفقد كل مجموعة فقاقيع من سطحها العلوي وتكتسب في الوقت نفسه فقاقيع في سطحها السفلي، ولذلك يتحرَّك مركز المجموعة لأسفل.
(٧٧) فقاعات الصابون ورغوة الجعة
ما الذي يجعل فقاعة الصابون التي كنتَ تنفخها من الحلقة وأنت طفل مُتماسكة؟ لماذا يلزم وجود صابون أو سائل مُنظف، هل يمكن أن تنفخ فقاعة من الماء؟ لماذا تستمرُّ الفقاعة لوقتٍ أطول إذا كانت تحتوي أيضًا على الجلسرين؟ (امزج المنظف والماء والجلسرين بنسبة ١ :٣ :٣ تقريبًا.) لماذا لا يتسرَّب السائل الموجود على جدار الفقاعة إلى قاع الفقاعة فيجعل القمة تنفتح وتنفجر؟
لماذا تستمرُّ الرغوة (الزَّبَد) على الجِعَة المصبوبة لمدة أطول من الرغوة الموجودة على الصودا المصبوبة؟ لماذا تختفي رغوة الجعة في النهاية؟
وتميل المياه داخل الفقاعات إلى التسرُّب إلى القاع بسبب الجاذبية. إلا أنه عندما يترقَّق السطح تبدأ جُزيئات المنظف على السطح الداخلي في طرد جزيئات المنظف على السطح الخارجي، ويتباطأ الترقُّق أو يتوقَّف. ورغم ذلك، يكون الجدار رقيقًا لدرجةٍ كافية كي يتمزَّق الغشاء بسبب التبخُّر، أو الاضطرابات العرضية أو لانتشار (مرور) الهواء في الغشاء.
ويجعل الجلسرين فقاعة الصابون مُستقرة؛ لأنَّ لُزوجَتَه العالية (الاحتكاك الداخلي) تُبطِّئ تسرُّب المياه إلى قاع الفقاعة. كما يُقلل أيضًا التبخُّر من الفقاعة.
أما في رغوة الجعة فإنَّ السائل على جدران الفقاعة يتسرَّب ببطءٍ ومِن ثَمَّ تترقَّق الجدران حتى انفجار الفقاعة. إلا أن التسرُّب يتباطأ بسبب انجذاب جزيئات مُعينة بعضها إلى بعض، وإلى السائل أيضًا. لا يُستخدَم هذا الاستقرار في المشروبات الغازية الأخرى التي يكون من غير المرغوب فيه وجود رغوة عالقة. لكن من المُمكن التخلُّص من رغوة الجعة على نحوٍ شِبه فوري عند إضافة الزيت، مثلما يُمكن أن يحدُث إذا كان الشخص يحتسي الجعة أثناء تناول الأطعمة المقليَّة أو أثناء وضع أحمر الشفاه؛ فالزيت يُقلِّل التوتُّر السطحي عندما يلامس الفقاعة، بينما يُمزِّق السائل المُحيط الفقاعة.
وتترقق أجزاء من جدران الفقاعات أيضًا بسبب امتصاص السائل عند الوصلات المُنحنية التي تلتقي عندها الفقاعات، ويُطلَق على هذه المناطق «حدود بلاتوه» نسبةً إلى العالم البلجيكي جوزيف أنطوان فرديناند بلاتوه الذي عاش في القرن التاسع عشر. وضغط السائل يُحدِّده انحناء السطح الناتج عن التوتُّر السطحي؛ فنجد أن الانحناء الكبير يعني ضغطًا أقلَّ على جدران السائل. ولذلك فإن ضغط السائل يكون أقلَّ عند حدود بلاتوه المُنحنية مقارنةً بالجدران الأكثر تسطحًا. ومِن ثَمَّ، ينسحب السائل من أجزاء الجدران المُسطَّحة القريبة إلى حدود بلاتوه، فتتحوَّل «الرغوة الرطبة» إلى «رغوة جافة».
وتُساعد البروتينات المُتجمِّعة على جدران الفقاعات في استقرار رغوة الجعة لسببَين على الأقل: (١) إنها تزيد من اللُّزوجة ومِن ثَمَّ تُقلِّل التسرُّب. (٢) إنها تميل أيضًا إلى منع اقتراب جانبَي الجدار قربًا كافيًا بحيث يتمزَّق الجدار بسبب الاضطراب العرضي، ممَّا يسمح ﺑ «التحام» الفقاقيع (اندماجها).
حتى إذا كانت الجدران مُستقرة فسوف تتغيَّر رغوة الجعة تدريجيًّا نظرًا لانتشار (مرور) ثاني أكسيد الكربون في الفقاعة عبْر الجدران. ونتيجة لذلك تفقد الفقاعات الموجودة على سطح الرغوة الغاز الموجود بها وتتقلص. تتقلص الفقاعات الأصغر على نحوٍ أسرع؛ لأنها شديدة الانحناء؛ ومِن ثمَّ فإن التوتُّر السطحي عند جدرانها يضغط على الغاز بداخلها على نحوٍ أشد مقارنةً بالفقاعات الأكبر حجمًا. وتتقلص أيضًا الفقاعات الأصغر حجمًا؛ لأن الضغط يجعل ثاني أكسيد الكربون ينتشر في الفقاعات الأكبر حجمًا حيث الضغط الأقل بسبب الانحناء الأقل. ومِن ثَمَّ، تكبر الفقاعات الأكبر على حساب الفقاعات الأصغر المجاورة.
من طُرق إبطاء انتشار الرغوة والحفاظ عليها استخدام غاز النيتروجين في الجعة بدلًا من غاز ثاني أكسيد الكربون. إن غاز النيتروجين ينتشر في جدران السائل بمُعدل أبطأ. ورغم ذلك، فنظرًا لأن رغوة الجعة المُضاف إليها النيتروجين أكثر استقرارًا، فإن صبَّ الجعة دون أن تفيض الرغوة الكثيفة من الكأس يتطلَّب الصبر. على سبيل المثال، تشتهر جعة جينيس بأنها تحتاج إلى وقتٍ طويل للصبِّ بسبب احتوائها على النيتروجين.
ويُعدُّ تبريد كأس الشراب طريقة أخرى لإبطاء انتشار الرغوة. وفي هذه الحالة، نظرًا لتكوُّن الفقاعات على جدار الكأس فإنها ستحتوي على غاز أكثر برودةً عندما تتَّحِد مع الرغوة الموجودة في القمة. ويعمل انخفاض الحرارة على إبطاء مُعدَّل انتشار جزيئات الغاز في جدران السائل.
وأحيانًا تتعرَّض قمَّة الرغوة في كأس الجعة إلى خسارة مُفاجئة في الفقاعات، وتُعرَف هذه العملية باسم «الانفجار المُتسلسل». فالفقاعات في القمَّة تكون قد جفَّت على الأقل ومِن ثَمَّ تصبح هشة. وعندما تتمزَّق إحدى هذه الفقاعات، تُحفِّز اهتزازات الرغوة أو الهواء بقيَّة الفقاعات على التمزُّق.
والشخص الخبير في جعة جينيس يعرف الطريقة الصحيحة لصبِّها من الزجاجة، التي تتمثَّل في قلب الزجاجة فجأةً داخل الكأس. بطبيعة الحال تُصبح الجعة غير مُستقرة وتبدأ في التدفُّق للخارج. ورغم ذلك، فالتدفُّق يتذبذب في عملية تُعرَف باسم «الخرخرة»، فتخرج الجعة في دفعاتٍ من أحد جوانب فتحة الزجاجة، ويتدفَّق الهواء للداخل في صورة دفعات من الجانب الآخر. وإذا وضعت فتحة الزجاجة على الرغوة المُتكوِّنة أعلى السائل المُصبوب فسوف تُصبح محبوسة في الهواء المُتدفِّق للداخل وتُسحَب إلى الزجاجة. وفي النهاية ستُصبح الكأس مملوءةً بالجعة وتصبح الزجاجة مملوءة بالرغوة.
(٧٨) الفقاعات المُنفجرة
عندما تنفجِر فقاعة على سطح سائل مثل الماء لماذا تنثُر قطرات ماء صغيرة في الهواء؟ عندما تنفجر فقاعة في طبقة فقاعات الشامبانيا لماذا تُكوِّن الفقاعات المجاورة تشكيلًا يُشبِه الوردة كما لو كانت تلك الفقاعات بتَلاتها؟
تستطيع فقاعة الصابون المنفوخة من حلقة بلاستيكية أن تُحلِّق في الهواء لبضع ثوانٍ قبل انفجارها، فهل تختفي على الفور؟ وأين تذهب كل جزيئات الصابون والماء؟
وإذا انفجرت الفقاعة على السطح العلوي للشامبانيا أثناء احتسائها فإن النوافير والقطرات الصغيرة تُطلِق روائح تصل إلى داخل الأنف فتعزز متعة احتساء الشامبانيا.
وإذا كانت الفقاعة المنفجرة مُحاطة بفقاعات أخرى فإن التدفُّق لأسفل أثناء الانفجار يمتصُّ الفقاعات المُحيطة نحوها ويُمدِّدها في صورة أشكال تُشبِه أوراق الوردة النامية للخارج من نقطة الانفجار المركزية.
وفقاعة الصابون الطافية في الهواء سوف تنفجر عندما تتمزَّق عند نقطة مُعينة على سطحها. يتمدَّد المزْق في صورة دائرة، وتجمع حافة الدائرة السائل في طريقها أثناء تحرُّكها عبْر بقية الغشاء بسرعة ١٠ أمتار تقريبًا في الثانية، وهو معدل أسرع من أن تلاحظه. وتستمر الحافة في إلقاء القطرات (آلاف القطرات في مجموعها) حتى تصل إلى الجهة المقابلة بالضبط لنقطة التمزُّق الأصلية في الفقاعة.
(٧٩) الحيتان وشبَكات الفقاقيع
لماذا تُطلِق أنواع عديدة من الحيتان الهواء لتُكوِّن فقاقيع أثناء البحث عن طعام مثل الكريل؟
(٨٠) الحشرات المُهروِلة على الماء
كيف تتمكن الحشرة المهرولة على الماء من الاستقرار على الماء أو التحرُّك فوق سطحه؟ لماذا تُولِّد الحركة موجاتٍ أمام الحشرة وخلفها؟ لا تُصدِر الحشرة المهرولة على الماء ضوضاء وتقبَع على الفور فوق الماء، فكيف تستطيع أن تُخبر الحشرات المهرولة الأخرى أنها تريد رفاقًا أو تُشير إلى منافسي رفاقها بضرورة الابتعاد؟
وبطبيعة الحال لو كانت الحشرات المهرولة على الماء كبيرة الحجم لغرقَتْ في الماء ولأصبح اسمها الحشرات الغارقة في الماء. وتعود قدرة سطح الماء على تحمُّل حشرة مهرولة في الماء عادية (خفيفة الوزن) إلى مقاومة الجزء الذي يلمس الماء في كل قدم (الرسغ) للماء، فالرسغ «لا يبتل». ولو كان الرسغ يبتل بسهولة لتمكن الماء من تسلق الرِّجل ولغرقت الحشرة. ومن الأمور المانعة للبَلَل إفراز شمعٍ يُغطي الرسغ مما يجعله «كارهًا للماء». إلا أن السبب الرئيسي لعدَم غرق الحشرة هو التركيبة المجهرية للرسغ؛ فهو مُغطًّى بشعيرات دقيقة (هلبانات دقيقة) عليها أخاديد صغيرة. والسطح الكاره للماء الذي يبدو خشنًا أسفل المجهر فعَّال جدًّا في عدم السماح للماء بتغطية الأرجل. وبدونه ستظلُّ الحشرة المهرولة على الماء قادرة على الوقوف على الماء، لكنها لن تتمكن أبدًا من الجري أو القفز وسيكون من السهل أن تُصبح وجبةً خفيفة لبعض الحيوانات.
وعادة ما يكون من الصعب رؤية الدوَّامات التي تنتجها الأرجل الوسطى. وخلف الحشرة نسبيًّا يُمكن أن تتحوَّل حركة الدوامة إلى موجة، لكن نظرًا لأن الأمواج ضحلة وطويلة الطول الموجي نسبيًّا يكون من الصعب أيضًا رؤيتها. أما الأمواج الأكثر وضوحًا فهي ذات الطول الموجي القصير التي تَصدُر أمام الحشرة. وتَستخدِم الحشرة هذه الأمواج المتجهة للأمام التي قد تكون واضحة أمام الحشرة على مسافةٍ تعادل ستة أو سبعة أمثال طول جسمها، لتحديد الفرائس أو العقبات أو الحشرات الأخرى أثناء اندفاعها وسَيرها على نحوٍ مُتعرِّج على سطح الماء. (راقب الحشرات لفترةٍ وستجِد أنها لا تتصادم أبدًا على الرغم من تحرُّكاتها المجنونة.)
تتواصل الحشرات المُهرولة على الماء فيما بينها عن طريق ضرب سطح الماء لإرسال موجات بمدى تردُّدٍ عالٍ نسبيًّا وبمعدَّل ٢٠ مرة تقريبًا في الثانية. وإذا سقطت نملة في الماء وبدأت تترنَّح مُولِّدة موجات فإن الحشرات المهرولة على الماء الموجودة في المنطقة تعترض الموجات ثم تندفع مباشرةً إلى النملة بسرعة مُذهلة كي تتغذَّى عليها.
وتتجنَّب الحشرات المهرولة على الماء أجزاء سطح الماء المُغطَّاة بطبقةٍ رقيقة من الملوثات مثل المواد الزيتية؛ لأنها لا تستطيع الانزلاق على هذه المادة أو إرسال إشاراتها الموجية عبرها. وإذا وقعتْ صدفةً في إحدى هذه المناطق فلا يمكنها الهروب إلا بالقفز.
(٨١) تكوُّن حبيبات على القضبان وخيوط اللُّعاب
اغمس قضيبًا رفيعًا (أو أحد الألياف) في فنجان من الزيت أو العسل ثم اسحبْه لأعلى رأسيًّا. في أثناء تدفُّق المائع لأسفل القضيب، لماذا يُكَوِّن حبيبات؟ ولماذا تبدو إحدى الحبيبات مُسيطرةً ومُستحوذةً على الحبيبات الأصغر التي تسير في طريقها؟ ولماذا يتكوَّن المزيد من الحبيبات بعد مرور الحبيبة الكبيرة المُستحوذة على بقية الحبيبات؟
إلَّا أن مُحيط الخيط يقلُّ مع تباعد الإبهام والسبابة، وفي النهاية يصبح الخيط غير مستقِرٍّ أمام الموجات ذات الطول الموجي الذي يفوق مُحيط الخيط. والسبب في ذلك أن التشوُّه الناتج عن مثل هذه المَوجة يُقلِّل فعليًّا منطقة السطح الكلية؛ ومِن ثمَّ يعزز التوتُّر السطحي التشوُّه بمجرَّد حدوثه بدلًا من إيقافه. يُحول التوتر السطحي الأجزاء التي تُصبح أكثر عرضًا إلى حبيبات، بينما الأجزاء التي تصبح ضيقة تترقَّق لتصبح الخيط الرفيع الموجود بين الحبيبات. كما أن المسافة بين الحبيبات تعمل على تقارُب الطول الموجي للموجة مما يسبب الانتقال. (إذا كانت الحبيبات الأكبر يفصل بينها حبيبات أصغر، فعلى الأرجح حدثت عملية تكوُّن الحبيبات أكثر من مرة، باستخدام طول موجي مختلف في كل مرة.) ومن المُمكن أن يكون الخيط الصغير الموجود بين الحبيبات أصغرَ من أن يُرى.
وبالمِثل فإن الطبقة الرقيقة من المائع على القضيب (أو الليف) تكون غير مُستقرة، والاضطرابات العرضية والتوتُّر السطحي سوف يُعيدان تشكيل الطبقة في شكل حبيبات. وإذا كان القضيب رأسيًّا، فمن المُمكن أن تتدفَّق الحبيبات إلى الأسفل، لا سيما الكبيرة منها. وسوف تندمج الحبيبات الأصغر في طريقها مع الحبيبة الكبيرة، لكن بعد مرور الحبيبة الكبيرة من المُمكن أن تنقسِم أيضًا الطبقة الرقيقة المُتبقية إلى حبيبات. أما إذا كانت الطبقة شديدة الرقة، فإن التدفُّق لأسفل يمنع الحبيبات من التكوُّن.
تستخدم بعض العناكب المَيل إلى تكوين الحبيبات عند نسْج شباكها؛ فبعد بناء الشبكة الأساسية، تُغطِّي العناكب «خيوط الأسْر» المنوط بها أسْر الحشرات بسائل يتحوَّل فورًا إلى حبيبات على الخيوط. وهذه الحبيبات الزلِقة يمكن أن تأسِر الذبابة لفترة كافية تسمح للعنكبوت بالوصول إليها بعد أن يكتشف ضربات الذبابة عن طريق اهتزازات الشبكة.
وتظهر ظاهرة التحبُّب أيضًا في لحام الصلب. فإذا سار مصدر الحرارة على الصلب ضمن نطاق سرعاتٍ مُحدَّد، فستبقى سلسلة من «الحدبات» (أو البروزات) المُتعقِّبة عندما تتجمَّد بُقعة السائل المُتعقِّبة. وعندما يتجاوز مصدر الحرارة نقطة من الصلب المصهور يمكن أن يُكَوِّن التوتُّر السطحي لهذا السائل حبَّةً قبل أن تتجمَّد. وإذا سار مصدر الحرارة ببطء شديد أو بسرعة شديدة، فلن تتكون الحدبات.
(٨٢) حصد المطر بواسطة سحالي الصحراء
بعض السحالي الصحراوية بارعة جدًّا في الحصول على ماء الشُّرب في المناسبات النادرة التي قد يتكوَّن فيها النَّدى أو قد يسقُط فيها المطر (ومن هنا جاء مصطلح «حصد المطر»). على سبيل المثال، سحلية الشيطان الشائك الأسترالية تحصل على الماء من الندى بالجلوس عليه، وتحصل على الماء أيضًا من المطر الخفيف بالوقوف مُباعِدة بين اليدَين والقدمَين في ماء المطر. كيف يُمكِّن أحد هذَين الإجراءَين السحلية من الحصول على شربة ماء؟
ولكي تشرب السحلية الماء تقوم بحركاتٍ صغيرة مُتكرِّرة بفكِّها السُّفلي فتزيل الماء من القنوات القريبة من الفم. وأثناء شُرب السحلية يُعَوَّض الماء في تلك القنوات بالماء المسحوب من بقية الجلد. ويُمكن أيضًا أن تساعد الجاذبية في انتقال الماء إلى الفم إذا وقفت السحلية خافِضةً الرأس ورافعة المُؤخِّرة.
(٨٣) حصد الفرائس على يدِ الطيور الشاطئية
انثُر القليل من حُبيبات الفلين في ماءٍ في حوضٍ واسع ثم حاوِل أن تلتقط واحدة من الحبيبات بإمساكها بالإبهام وإصبع. على الأرجح سيتسبَّب قفل الإبهام والإصبع في الماء في دفع الماء وقطعة الفلِّين بعيدًا عنك. والآن تأمَّل طائرًا شاطئيًّا يتعيَّن عليه أن يصيد العوالق (وهي صغيرة) من الماء بمِنقاره. ألا يُواجه المشكلة نفسها التي تواجهها في إمساك قطع الفلين؟
(٨٤) القطرات والأغشية السائلة على الأسطح الصلبة
لماذا تتمدَّد بعض السوائل على سطحٍ صلب مثل السطح العلوي الزجاجي للطاولة، بينما تكوِّن سوائل أخرى حُبيبات؟ لماذا تستطيع بعض القطرات التعلُّق بالسطح ولو كان مائلًا أو كانت القطرة تتدلَّى منه؟
عند تسرُّب طبقة من أحد السوائل على سطحٍ ذي انحدار مُعتدل، لماذا عادةً تصبح الحافة السفلية مُنحنية أو تتقدَّم في صورة تدفُّقات وبُقَع؟ يمكنك عادةً ملاحظة هذا الأثر عند استخدام مَسَّاحةٍ من المطَّاط لإزالة الماء والصابون أو سائل تنظيف الزجاج من زجاج السيارة الأمامي المائل. ادفع لأسفل ثم تَوقَّف قبل الوصول للنهاية. لماذا يتفرَّق السائل على هيئة أصابع تندفِع لأسفل الزجاج الأمامي؟
عندما ينساب ماء المطر لأسفل حائط خرساني رأسي كما هي الحال في المباني العامَّة، لماذا يكون تقدُّم الماء غير مُتساوٍ عادةً؟ وعندما يتسرَّب الماء تدريجيًّا إلى الكهف لماذا يميل عادةً إلى تكوين نوازل كهوف مخروطية الشكل؟
وما زالت تفاصيل كيفية انتشار السائل على السطح الصُّلب غير مفهومة بالكامل؛ لأنها تتضمَّن تفاعلات ذريَّة على حافة السائل. وفي كثير من الحالات تتحرك الحافة فقط بسبب انتشار «غشاء سابق» شديد الرقَّة أمام الحافة على نحوٍ طفيف. ثم تجذب الجزيئات في الغشاء السائل الجزيئات الموجودة في الحافة، دافعةً الحافة للأمام. وفي بعض الأحيان تصبح الحافة ثابتة (عالقة) بسبب تشوُّهٍ في السطح أو نقطة تجاذُب قوي. وإذا بدأت القطرة في التبخُّر فإن الحافة الأمامية تميل إلى التقلص، لكن يمكن أن تُصبح ثابتة مرة أخرى عند نقاطٍ مُعينة، مما يجعل التقلص (يُطلق عليه «إزالة التبلل») غيرَ مُتساوٍ.
وتتَّسِم بعض السوائل اللَّزِجة مثل الزيوت والجليسرين بطريقة انتشارٍ غريبة على السطح المائل لأسفل؛ حيث سرعان ما ينقسِم خطُّ التقدُّم إلى أصابع بينها مسافات مُتساوية، ثم تنسال الأصابع لأسفل السطح على نحوٍ أسرع من بقية المناطق الفاصلة بينها. وتتكوَّن الأصابع لعدم ثبات خطِّ التقدُّم ولأن الاضطرابات العرضية تُشكِّل موجاتٍ على امتدادها. تسيطر إحدى هذه الموجات على خطِّ التقدُّم، فتخلق تدفُّقات قوية لأسفل ذات فواصل مُنتظمة المسافات على طول الخط.
إذا سال غشاء سائل على منحدر فإن نقطة الثبات تُعيق تقدُّم الغشاء المُوحَّد تاركةً منطقة جافة أسفل تلك النقطة. يمكن أن ترى نتائج الثبات وعدم الاستقرار عند استخدام مَسَّاحة مطاطية لإزالة الماء والصابون من على زجاج السيارة الأمامي. عندما ينزل المطر على جدارٍ خرساني رأسي فإن الحافة الأمامية لا تتقدم عادةً على نحوٍ مُوحَّد صوب الأرض؛ فبعض المناطق تسمح للماء بالنزول على نحوٍ أسرع من المناطق الأخرى، وزيادة التسرُّب تلك في منطقة واحدة يمكن أن يرسل «إصبعًا» عريضة من الماء لأسفل الحائط وإلى أحد الجانبَين.
تتكوَّن هوابط الكهوف من كربونات الكالسيوم الذي يترسَّب من الماء المُتسرِّب إلى الكهف. إذا بدأ الترسيب في نقطة في سقف الكهف، فإن الماء يَميل إلى التسرُّب إلى قاع النتوء المُتكوِّن. ونظرًا لأن طبقة الماء تكون أكثر سُمكًا عند النقطة السُّفلى، فإن الترسيب يكون في أعلى مُستوياته هناك، ممَّا يجعل طول النتوء يزداد على نحوٍ أسرع من العرض، ومن ثَمَّ ينتج الشكل العام المُرتبط لدَينا بهابط الكهف المثالي. أما إذا كان مُعدَّل تسرُّب الماء بطيئًا نسبيًّا مقارنةً بمعدَّل الترسيب، فمن الممكن أن تتكوَّن أشكال أخرى مثل القضبان والتراكيب المُلتوية الجميلة التي يُطلَق عليها «هلكتيت» وتعني الهوابط غير المنتظمة.
(٨٥) تجاذُب حبوب الفطور
إذا طفَتْ حبَّتان بيضاويَّتان، من حبوب الفطور المعروف باسم العلامة التجارية تشيريوز، مُتقاربتان في طبَقٍ من اللبن فلماذا تتجاذبان؟ وإذا تركت الكثير من الحبوب البيضاوية طافية في اللَّبَن في أماكن عشوائية، فلماذا تميل إلى التجمُّع خلال دقائق قليلة؟ لماذا تتجمَّع الحُبيبات البيضاوية أيضًا على جوانب الطبق؟ وتُعرَف هذه التأثيرات المختلفة في مُجملها باسم «تأثير تشيريوز».
وسطح السائل القريب من جدار الطبق مُقوَّس أيضًا لأعلى بفعل التوتُّر السطحي، ولذلك عندما يقترب شكلٌ بيضاوي من الجدار، فإن السطح الوسيط يُصبح شديد الانحناء. ومِن ثَمَّ، تسحَب القوة الشكل البيضاوي إلى الجدار. وإذا ملأتَ الطبق تمامًا باللبن ثم أضفتَ المزيد كي يكون سطح اللبن أعلى نسبيًّا من حافة الطبق، فإنَّ سطح السائل بالقُرب من الحافة سينحني لأسفل. وعلى هذا النحو فإن الشكل البيضاوي الذي يقترِب من الحافة يدفع بعيدًا عنها. وهذه الفيزياء هي أساس أحد تحدِّيات الحَوض الشائعة المُتعلِّقة بطفو أحد الأشياء في كوب من الماء؛ حيث يُطرح هذا السؤال: هل يمكنك منع الشيء الطافي من البقاء بالقُرب من جدار الكوب في نهاية المطاف؟
ويُمكن لشفرة موسى مُسطَّحة مزدوجة الحافة أن تطفو في الماء إذا وُضعَت في الماء بحرص. وعلى النقيض من حبوب الفطور البيضاوية، فإن شفرة الموسى تطفو أسفل مستوى الماء نسبيًّا، ومِن ثَمَّ ينحني سطح الماء لأسفل ليُقابل الشفرة. رغم ذلك، إذا طفت شفرتا حلاقة مُتقاربتان فإنَّ التوتُّر السطحي يجعلهما تتجاذبان بحيث يُصبح السطح الوسيط مُسطحًا وتقلُّ الطاقة.
وفي العموم، يُطلَق على المادة «أليفة للماء» (أي في العموم «مُحبَّة للماء») إذا كان الماء ينجذب لها، ويُطلَق عليها «دَفوع للماء» (أي في العموم «كارهة للماء») إذا كان الماء لا ينجذِب لها. وعند طفو شيئَين أليفَي الماء فإنهما سوف ينجذبان ولو على مسافة كبيرة، وسوف يتجاذَب الشيئان كارها الماء أيضًا. إلَّا أن الشيء المُحبَّ للماء والشيء الكاره للماء سوف يتنافران؛ لأنه إذا اقتربا فسوف يزيد انحناء سطح الماء، وهذا يتطلَّب طاقة.
(٨٦) قلاع الرمال
ما الذي يجعل قلعة الرمال مُتماسكة؟ إن كوم الرمال في صندوق اللعب بالرمل الموجود في الملعب لا يُمكن أن يكون شديد الانحدار ولا يمكن تشكيل الرمال إلا في صورة تل، ورغم ذلك فإنَّ الجدار في قلعة الرمال يمكن أن يكون رأسيًّا. ويمكن أن يكون لمَعالم القلعة، ومنها الأبراج، أركان حادة. بالإضافة إلى ذلك، فإن كثيرًا من التشكيلات الرملية التي تكونت بطريقة طبيعية، ويُطلَق عليها «منحدرات»، يكون لها جدران شِبه رأسية. فما الذي يسمح بوجود الجدران الرأسية؟
إذا أصبحت الرمال مُشبَّعة بالماء فلا تعود الحبيبات مُتماسكة بفعل جسور الماء المُستقلة الثابتة، بل تُصبح زلِقة بفعل الماء لدرجة أنها تنهار. يرش صانعو القلاع الرملية المُتمرِّسون أبنِيَتهم بالماء بحيث ينجذِب الماء إلى الأسطح لتكوين جسور ماء مُستقلة. وإذا تركت القلعة الرملية لتجف، فإن الأسطح الخارجية تفقد هذه الجسور المائية بسبب التبخُّر وسرعان ما تنهار.
وإن رمال الشواطئ المُبتلَّة أكثر تماسُكًا من الرمال النقية (السيليكا)؛ لأنها تحتوي على جزيئات من الطين والمواد العضوية التي يُمكن أن تُؤسِّس روابط كهربائية مع حبيبات الرمل. علاوة على ذلك، يمكن تغطية طبقة الرمال بقشرةٍ من الملح تضيف قوى ترابط إضافية بين الحبيبات. وفي منطقة زحف الموج حيث تغمُر مياه البحر الرمال بانتظام، تُثير المياه فقاقيع هواء في الرمال فتمنحها ملمسًا أكثر نعومة. وعلى هذا النحو، يُمكن أن تختلف «صلابة» الرمال اختلافًا ملحوظًا جدًّا كلَّما انتقلت من الرمال الجافة أعلى الشاطئ نزولًا إلى الرمال المُشبَّعة بالهواء والمُبلَّلة نسبيًّا، وصولًا إلى الرمال المنقوعة في الماء، وانتهاءً بالرمال المُشبَّعة بالماء والغائصة فيه.
(٨٧) مظهر القهوة الرديئة
إذا فحصتَ فنجان قهوة رديئة (مثل القهوة التي تبقى ساخنة لساعاتٍ طويلة الموجودة في مطاعم الدرجة الثانية) فستجد أن مظهر السطح يتغيَّر عند وضع الملعقة وإزالتها، فما السبب؟ فعندما تكون الملعقة بالخارج يفتقد السطح للَّمَعان، وهذا غير مُستحسَن. وعند وجود الملعقة تتكوَّن على السطح دوائر صغيرة لامعة، وإن كان هذا المنظر أقلَّ جاذبية أيضًا.
(٨٨) دموع الخمر وتغيُّر سطح السوائل الأخرى
ويتسلق غشاء الخمر السائل لارتفاع أعلى بسبب خاصية إضافية راجعة إلى الاختلاف في التوتُّر السطحي بين الغشاء المُتسلِّق والسائل الأساسي. تتجاذب الجزيئات الموجودة على سطح السائل، وتتجمع واضعةً السطح في حالة توتُّر بحيث نعزو «التوتر السطحي» إلى السطح. والتوتر السطحي في الماء كبير جدًّا لكنه صغير في الخليط المكون من الكحول والماء. وعندما تبدأ طبقة الكحول الممزوج بالماء في تسلق جدار الكأس، فإن الكحول يتبخَّر سريعًا تاركًا غشاءً مائيًّا أساسيًّا على الجدار. ونظرًا لأنَّ ذلك الماء تَوتُّره السطحي أكبر من التوتُّر السطحي لمزيج الكحول والماء الموجود في السائل الأساسي، فإن السائل الأساسي ينجذب بقوةٍ لأعلى نحو الطبقة الموجودة على الجدار. ونظرًا لازدياد سُمك الطبقة، فمن الممكن أن تنجذب الحافة العلوية لمسافةٍ أعلى بسبب الالتصاق بالكأس؛ ومِن ثمَّ يتسلق الغشاء لارتفاعٍ أعلى ممَّا قد يرتفع له الماء وحده.
وإن قوة الجاذبية التي تسحَب الغشاء المُتسلِّق لأسفل تَحِدُّ من ارتفاع التسلُّق. ومع تبخُّر الكحول من الغشاء يميل التوتُّر السطحي في الماء المُتبقي إلى سحب الماء في صورة قطرات. تتعلَّق هذه القطرات في البداية بجدار الكأس بسبب الالتصاق لكنها في النهاية يزداد حجمها وتتحرَّر فجأة مندفعة لأسفل على جدار الكأس صوب السائل الأساسي. ويمكن تكوُّن هذه القطرات شريطة ألا يكون الشراب مُخفَّفًا للغاية أو قويًّا للغاية؛ فيجب أن يكون الشراب مزيجًا من الكحول والماء ليحدُث التلاعب بين القيم المختلفة للتوتر السطحي في السائل الأساسي والغشاء المُتسلق.
عندما يتحرك أحد الموائع بسبب اختلاف التوتر السطحي في منطقة عنه في منطقة أخرى يُطلَق على هذه الحركة مصطلح «تأثير مارانجوني» نسبةً إلى أول من درس هذا التأثير. ويمكن لتأثير مارانجوني تفسير سبب انتشار بعض القطرات على السطح الصلب انتشارًا واسعًا. ويمكن أن يسبق الانتشار المرئي طبقةٌ رقيقة جدًّا يكون فيها التبخُّر أسرع من بقية القطرة. وفي حالة دموع الخمر القوية، فإنه إذا أسفر التبخُّر في الطبقة الرفيعة عن زيادة التوتُّر السطحي في السائل المُتبقِّي في الطبقة، فسوف ينسحب السائل البديل إلى الطبقة قادمًا من بقية القطرة، ممَّا يجعل القطرة تتمدَّد على السطح.
(٨٩) أشكال الديدان في مشروب تيا ماريا
في الغالِب يُقدَّم مشروب تيا ماريا مُضافًا إليه عدة مليمترات من القشدة على السطح ويُشرَب بشفاطة. فلماذا عند ترك المشروب راكدًا لعدة دقائق تظهر حركة قوية ويُكوِّن السطح خلايا أو أشكالًا أنبوبية تُشبه الدِّيدان؟
(٩٠) الأشكال في القهوة الساخنة وغيرها من الموائع
عند تسخين طبقة من الزيت في مِقلاةٍ على نار هادئة لن يتحرَّك الزيت إلا قليلًا، أو قد لا يتحرَّك مُطلقًا. أما إذا اشتدَّت النار تدريجيًّا، فسيبدأ الزيت في التحرُّك مكونًا خلايا بينار في شكل مُضلَّعات. (لا بدَّ من وجود ضوء ساطع لرؤية الشكل.) وفي حالة وجود نار أشدَّ قوةً نسبيًّا فمن المُمكن أن تتَّخِذ المُضلعات شكلًا سُداسيًّا يُشبه خلية النحل.
أضِف اللبَن بالتدريج قُرب جدار فنجان شفَّاف يحتوي على الشاي الساخن. سيغطس اللبن إلى قاع الفنجان. أضِف كميةً كافية من اللبن بحيث تحتوي ثلاثة أرباع الفنجان على اللبن الأبيض الواضح بسهولةٍ في قاعه. لماذا يُمكن أن تظهر بعد عدَّة دقائق أحزمة أفقية في الجزء الذي يحتوي على اللبن في الفنجان؟
ويمكن أن تحدُث سلسلة شبيهة عند وجود سائل في السطح العلوي. فإذا تحرَّك ذلك السائل لأسفل في سائلٍ أكثر دفئًا نسبيًّا وأقلَّ كثافة، فإنه يندفع لأسفل وتزداد الحركة.
ونظرًا لأن سطح القهوة مفتوح، فإن الحركة عبْر السطح تتأثَّر أيضًا بالتوتُّر السطحي الناتج عن تجاذُب جزيئات الماء فيما بينها. وعندما يبرد الماء الموجود على السطح، يزداد توتره السطحي نسبيًّا؛ لذلك فالتوتر السطحي في المنطقة التي يهبط فيها الماء (الأكثر برودة) أكبر من التوتر السطحي في المنطقة التي يصعد فيها الماء (الأكثر دفئًا). والاختلاف في التوتُّر السطحي يجذب الماء عبْر السطح من المنطقة الصاعدة إلى المنطقة الهابطة. ونظرًا لأن التوتُّر السطحي الكبير يجعل الماء يتموَّج، فإن المنطقة الهابطة تُكوِّن نتوءًا أعلى نسبيًّا من المنطقة الصاعدة، فهو أشبَهُ بسلسلة تلال قصيرة تُحيط بأحد الأودية. ثم يُغطَّى سطح القهوة بخلايا من مناطق عريضة (وديان) من السائل الصاعد ونتوءات ضيقة من السائل الهابط.
وعندما يصِل الماء الأكثر دفئًا إلى السطح يتبخَّر جزء منه، لكن اعتمادًا على الرطوبة، من المُمكن أن يتكثَّف البخار سريعًا ليُكوِّن قطرات ماء في الهواء الذي يعلو المنطقة الصاعدة مباشرةً. تسقط القطرات الأكبر حجمًا على سطح السائل مرةً أخرى، بينما القطرات الصغيرة للغاية تحملها بعيدًا تيارات الهواء الموجودة فوق القهوة الساخنة، في حين تستطيع القطرات المتوسطة الحجم أن تحُوم لأنها مُعلَّقة بفعل تدفُّق الهواء والرطوبة لأعلى من القهوة. وعندما يتشتَّت ضوء الغرفة الأبيض أو ضوء الشمس على هذه السحابة الرفيعة تُصبح السحابة مرئية وضاربة إلى البياض. تفقد النتوءات المُميَّزة للسائل الهابط القطرات الحائمة ومن ثَمَّ تكتسِب شكل القهوة الداكن الطبيعي. وإذا أحضرتَ شيئًا مشحونًا (مثل مشط بلاستيكي مشحون بتمريره في الشَّعر) قُرب سطح القهوة، فسوف تُزال القطرات الحائمة كهربائيًّا وسيختفي المظهر الضارب إلى البياض.
وتحدُث أنماط دوران مُشابهة في طبقة الزيت التي تُسخَّن في مقلاة. وبينما تبرد القهوة من أعلى، فإن الزيت يسخن من أسفل، لكن السِّمة المُهمة هي أن اختلاف الحرارة موجود بين السطح العلوي والسطح السُّفلي للسائل. وإذا تجاوز الاختلاف في درجة الحرارة قيمةً حرجة مُعينة، يُصبح الحمل الحراري غير ثابت أمام الاضطرابات العرضية. تُحرِّك الاضطرابات أجزاءً من السائل في اتجاهاتٍ مختلفة، ويمكن للطفو والتوتُّر السطحي أن يتغلَّبا على اللُّزوجة لتكوين خلايا من السائل الصاعد والهابط. في بعض السوائل، تُكوِّن الحركة تركيبات أسطوانية طويلة؛ حيث يكون السائل صاعدًا في أحد الجوانب وهابطًا في الجانب المقابل. تتكوَّن المُضلعات التي نراها في الزيت من مناطق واسعة من الزيت الساخن الصاعد وخطوط ضيِّقة من الزيت البارد الهابط. وكما هي الحال في القهوة الساخنة، فإن التوتُّر السطحي للزيت البارد يفوق التوتُّر السطحي للزيت الساخن، ومن ثَمَّ ينجذب الزيت على السطح من المنطقة الصاعدة إلى المنطقة الهابطة.
والشرائط التي يمكن أن تظهر بعد إضافة اللبن إلى الشاي الساخن ناتجة عن اللفائف الأفقية التي تجري حول جدار الفنجان، وهو نمط دوَران قد ينتج عن التبريد من خلال الجدار. وهذا التأثير الذي وصفه لي لأول مرة الألماني كريستيان روس عام ١٩٨٧ يمكن أن يتطوَّر إلى ثمانية شرائط، لكنك قد تحتاج إلى التجربة للحصول على الظروف المناسبة لظهورها.
يمكن أن تظهر خلايا بينار أيضًا في الشمع الذائب من شمعة كبيرة. إن التوتُّر السطحي في الشمع الساخن أقلُّ من نظيره في الشمع البارد، ومن ثَمَّ فإن الاختلاف في التوتر السطحي بين الفتيلة والحافة الخارجية للشمعة يمكن أن يدفع خلايا الحمل الحراري. وإذا أُطفِئَت الشمعة بعناية، فمن الممكن أن تترك الخلايا نتوءات في الشمع عندما يبرد ويتجمَّد.
(٩١) أشكال بُقَع القهوة
عندما تنسكِب القهوة على سطح أفقي وتُترَك لتتبخَّر لماذا يتميز مكان البقعة الأصلية بوجود حلقة بُنية مميزة؟ عندما تُترَك بِرَك الماء المالح لتتبخَّر على رصيفٍ على سبيل المثال، لماذا تُميَّز حافة البِركة بحلقة بيضاء؟
القهوة الشرق أوسطية مزيج قوي من الماء والسكر وحبوب البن المطحونة طحنًا ناعمًا، وهو يُغلى في «إبريق» ثم يُصَبُّ في فنجانٍ صغير مع رواسب البن. عندما تبرد القهوة وتصل لدرجة حرارة مناسبة لاحتسائها، تغُوص الرواسب تدريجيًّا في قاع الفنجان. يرشف الشارب القهوة حتى الطبقة السُّفلى ثم يضع الفنجان جانبًا. وإذا تُرك المزيج المُتبقي المُكوَّن من السائل والرواسب ليتبخر لعدة ساعات، فستكوِّن الرواسب نسَقًا مُدهشًا من الخطوط الداكنة والفاتحة الرفيعة حول حافة السائل. وهذه الخطوط التي يبلغ طول كلٍّ منها عدة مليمترات والعمودية على الحافة، يفصل بينها مسافات موحَّدة كما لو كانت قد رُسِمَت على يد رسام. فما الذي يُسبب هذا النسَق؟
ويترك التبخر، الذي يُمكن أن يكون سريعًا جدًّا في الطبقة الرفيعة عند حافة البقعة، راسبًا للمادة المحلولة في الماء التي يُطلَق عليها «المذاب». ونظرًا لثبات خط التماس، فإنَّ القهوة تتدفَّق نحوَ الحافة من منتصف البُقعة لتحلَّ محلَّ الماء المفقود في التبخُّر. ومِن ثَمَّ يترسَّب المزيد والمزيد من المادة المُذابة عند الحافة، فتتراكم حلقة بُنية تصبح مرئية في النهاية. وبمجرَّد تكوُّن الحلقة يُصبح خط التماس أكثر ثباتًا. رغم ذلك، عندما يقلُّ السائل في البُقعة يمكن أن يتغلَّب خطُّ التماس على الثبات ويتراجع للداخل فجأة. وعندها يثبت مرة أخرى وتتكوَّن حلقة جديدة أصغر. ويمكن لتدفُّقاتٍ مُشابهة أن تترك حلقة بيضاء حول بُقعة من الماء المالح آخِذة في التبخُّر.
يمكن أيضًا أن تحدُث تدفُّقات مشابهة عند حافة القهوة المُعدَّة على الطريقة الشرق أوسطية مُعرَّضة للتبخُّر إذا كان آخر السائل موجودًا في فنجانٍ ذي جدارٍ مائل بحيث تكون حافة السائل ضحلة. بالإضافة إلى ذلك، يتحوَّل التدفُّق إلى سلسلة خلايا مُنتظمة تدفع راسب البنِّ الداكن المطحون طحنًا ناعمًا خارجًا إلى الحافة وتُرجع السائل من الحافة. التدفُّق إلى الخارج يُرسِّب البن المُذاب عند الحافة، والتدفُّق الداخلي يكسَح أيَّ مادة مُذابة. والنتيجة هي نسَق مُنتظم من الخطوط القصيرة تتناوَب ما بين الداكن والفاتح حول جدار الفنجان. ولو قُلِّبت القهوة لفترة وجيزة، فإن الخلايا سرعان ما ستعود في التكوُّن من جديد. وإذا أُزيل السكر من المحلول المغلي فلن تتكوَّن الخلايا.
والتفسير البسيط لذلك يتمثَّل في أنه عندما يتبخَّر الماء من الحافة الضحلة يتدفَّق السائل البديل نحوَ الحافة ساحبًا معه جزءًا من الراسب للخارج على جدار الفنجان. ويكون هذا الراسب أحد الخطوط الداكنة في النسَق الذي يتراكم. وبمجرَّد أن يصل السائل البديل إلى الحافة ويبدأ في التبخُّر يُصبح أكثر تركيزًا ومِن ثَمَّ أكثر كثافة، ولذلك يبدأ في الغوص فينزلق بعيدًا عن الحافة على طول جدار الفنجان المُقوَّس. وهذا التدفُّق للداخل يسحَب الراسب بعيدًا عن الحافة، فيخلي سطحًا ضيقًا ويكوِّن سطحًا من الخطوط الفاتحة في هذا النسق. ولا يحدُث توزيع الراسب بهذه الطريقة إلا إذا كان جدار الفنجان مُعتدل الانحدار. فلا الجدار الرأسي (الذي لا تُوجَد به أي حوافَّ ضحلة) ولا الجدار شِبه الأفقي (الذي تُوجَد به حافة ضحلة عريضة) سوف يوزِّع الراسب بهذه الطريقة.
(٩٢) الأشكال الناتجة عن التنفُّس
عندما تتنفَّس على سطح مثل المرآة أو عدسات النظارة، لماذا تتكوَّن شبُّورة على السطح؟ ولماذا تتكوَّن شبورة على مرآة الحمَّام الذي يعجُّ بالبُخار؟
في البداية تَكون القطرات صغيرة لكنها تكبُر وتبدأ في «الاتحاد» (الاندماج) في النهاية، وهذه العملية ما زالت غير مفهومة جيدًا. ونظرًا لتزايُد المسافة بين القطرات الكبيرة الناتجة تبدأ قطرات جديدة صغيرة في التكوُّن بين القطرات الأكبر. وهذه الأنواع الثلاثة من القطرات المُتكوِّنة (قطرات صغيرة فقط، ثم قطرات أكبر، ثم قطرات أكبر يتوسَّطها قطرات صغيرة) يُطلَق عليها مُجتمعة «الأشكال الناتجة عن التنفُّس» (لأنها يُمكن أن تصدر عن التنفُّس).
وبمُجرَّد تكوُّن أشكال التنفُّس على المرآة تصبح الصور غير واضحة المعالم، وتبدو المرآة كما لو كانت مُغطَّاة بمادة بيضاء؛ لأن القطرات تُشتِّت ضوء الغرفة الأبيض. وإذا فركتَ إصبعك على السطح وكرَّرتَ عملية التنفُّس المكونة للشبورة، فلن تتكوَّن القطرات على المناطق المفروكة؛ لأنَّ الزيت الموجود في الإصبع يخفض التوتُّر السطحي للماء لدرجة كبيرة يجعلها عاجزة عن تحويل الماء لقطرات. وبدلًا من ذلك، يتمدَّد الماء في صورة طبقة رفيعة، وتُعرَف هذه العملية باسم «التبليل».
وإذا استمرَّت القطرات في التكوُّن كما يحدُث أثناء حمَّام ساخن طويل في غرفة استحمام أبرد نسبيًّا، فإن القطرات تُصبح أكبر وتندمج إلى أن يُصبح بعضها أثقلَ من أن تبقى ثابتة. وبفعل قوة الجاذبية تنزلِق هذه القطرات الثقيلة على المرآة. ونظرًا لجرَيان هذه القطرات نحو القطرات الأخرى، فسرعان ما ينزلق على المرآة سَيل من القطرات.
من الممكن أن تكون أشكال التنفُّس خطيرة إذا تكوَّنت على النظارات أو على الزجاج الأمامي للسيارة عندما تكون الرؤية ضرورية. (عندما تكون قائد السيارة فسوف تحتاج إلى رؤية الطريق بوضوح وليس بطريقةٍ ضبابية فحسْب وإلَّا فسُرعان ما ستعجز عن رؤية الطريق تمامًا.) وتشتهر أنواع من زجاج السيارات الأمامي باحتفاظها بقطرات الماء والبعض الآخر مُصمَّم خاصةً لإزالة الماء سريعًا. ويستخدم بعض الناس علاجاتٍ منزلية أو منتجاتٍ تجارية يُغطُّون بها زجاج السيارات الأمامي بمُستحضَر يجعل الماء يُبلِّل الزجاج الأمامي بدلًا من تكوين القطرات.
(٩٣) تأثير اللوتس
رُشَّ الماء على أوراق نبات اللوتس وستبدأ القطرات في التحبُّب والتدحرُج على الفور. في أثناء النزول، من المُمكن أن تجمع القطرات بعض القاذورات أو التراب ومِن ثَمَّ تنظف ورقة النبات، ويُقال عن ورقة النبات إنها ذاتية التنظيف. يتَّخِذ الماء شكل حبيبات على الأسطح الأخرى، مثل أوراق الشجر الشمعية، لكن التحبُّب على ورقة نبات اللوتس يبدو مُختلفًا على نحوٍ مُميَّز. فما السبب في تحبُّب الماء على ورقة نبات اللوتس؟
ومن أسباب ذلك أن المادة الموجودة على ورقة النبات لا تجذِب جزيئات الماء (أي إن السطح «كاره للماء»). ولذلك فإنَّ التوتُّر السطحي (بسبب الانجذاب المُتبادَل بين جزيئات الماء) يميل إلى جذْب سطح الماء في صورة قوس كُرة شديد الانحناء. وكثير من الأسطح الصلبة الأخرى، مثل أوراق الأشجار العادية، كارهة للماء أيضًا، وتجعل قطرات الماء تتحوَّل نسبيًّا إلى حبيبات.
يُوجد أيضًا بعض الأغراض المنزلية الذاتية التنظيف المُعتمِدة على المبدأ نفسه. على سبيل المثال، لا يحتاج لَوح الزجاج ذاتي التنظيف الذي يحتوي على مجموعة مُناسبة من البروزات المجهرية إلى التنظيف؛ لأن الشبورة أو المطر الخفيف يمكن أن يكوِّنا قطرات تنزلِق على اللوح فتجمع كل الأتربة والقاذورات والأوساخ. وهذه سِمة جميلة للغاية عندما يكون الشباك مرتفعًا جدًّا عن الأرض كما هي الحال في ناطحة السحاب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أيضًا طلاء السيارات بمادة تُنظِّف نفسها في الأمطار الخفيفة.
(٩٤) حشرات المن والكرات السائلة
لا بدَّ أن تتخلص حشرة المن الموجودة داخل عفصة النبات من فضلاتها المُتمثلة في عسل المن وإلَّا سيُغطي السائل الحشرة ويحبِسها ويغرقها. ويتمثل الحل الذي تلجأ له الحشرة في دحرجة السائل بعيدًا عن العفصة. فكيف يُمكن دحرجة السائل؟
ويمكنك صُنع كرة مُشابهة بخلط قطرة ماء صغيرة مع السخام أو مسحوق الليكوبوديوم. ونظرًا لأن كلتا المادتين كارهة للماء، فإن حبوب المسحوق تظل على سطح قطرة الماء. وبمجرد أن تُصبح القطرة مُغطَّاة فإنها ستُصبح شبه كروية عندما تستقر على أسطح كثيرة متشابهة، مثل السطح الزجاجي الأفقي. في العادة يُغطي الماء الزجاج، لكن الماء يَتحبَّب الآن؛ لأنه مستقر على بروزات مجهرية تُغطي سطحه.
(٩٥) فُرَش الرسم والشعر المبلول وكعك الغميس
لماذا تمتص فُرَش الرسم الدهان، ولماذا تمتص إسفنجات المطبخ والمناشف الورقية الماء وغيرها من السوائل المسكوبة؟ ولماذا يتجمع الشعر الطويل المبلول؟
يستمتع كثير من الناس بغمْس الكعك (أو البسكويت) في الشاي الساخن أو القهوة الساخنة؛ لأن زيادة الحرارة تعمل على إطلاق النكهات والروائح. لماذا تُصبح الكعكة طرية وتنكسر إذا غُمرت لأكثر من عدة ثوانٍ؟ كيف يُمكن غمسها بحيث تطلق النكهة والرائحة وتظل مُتماسكة لتُؤكل بدلًا من أن تغرق؟
تُوجَد في المنشفة الورقية وإسفنجة المطبخ ثقوب كثيرة يُمكن سحْب الماء من خلالها عن طريق الخاصية الشَّعرية.
وتتماسك خصلات الشعر بفعل «جسور سائلة» مقوَّسة تضمُّ الشعيرات المُتجاورة. وعند غمس أطراف الشعر في بِركة ماء، فإن الماء يتسلَّق الشعيرات المُتجاورة ويربطها أيضًا ليُقربها بعضها من بعض.
تتكوَّن الكعكة من حُبيبات نشوية جافَّة يجمعها إطار من السكر. وعند غمر الكعكة سرعان ما ينجذب السائل إلى ثقوبها بسبب الخاصية الشعرية. ويذيب السائل الساخن السكر سريعًا مُدمرًا الإطار وتتفتَّت الحبيبات النشوية. إذا أردت أن يمتلئ الشاي أو القهوة بالحبيبات النشوية فاغمس الكعكة رأسيًّا. أما إذا أردتَ أن تأكل الكعكة فأنزلها في السائل وهي مائلة كي لا ينغمس أعلى الكعكة. وبهذه الطريقة تستطيع الكعكة أن تظلَّ مُتماسكة بما يكفي لمُقاومة قاع الكعكة المُبتلِّ بشرط أن تكون الغمسة لفترة قصيرة.
(٩٦) القَلي العميق في الدهون
عند قَلي أطعمة مثل شرائح البطاطس أو خُبز التورتيلا في الزيت نجد أن السطح يُكوِّن قشرة لذيذة المذاق في حين يظل الداخل طريًّا. لماذا تشرب الأطعمة الزيت ولماذا يكون معظم الزيت قد استُهلك «بعد» إزالة الأطعمة من آنية القَلي؟
ومع استمرار الطهي تنتقل الطاقة إلى داخل شريحة البطاطس فيُطهى الجزء الداخلي. ونظرًا لأن الجزء الداخلي يحتوي على ماء حبيس، فإن درجة الحرارة هناك لا تتجاوز نقطة غليان الماء بقدرٍ كبير. ولذلك يُمكن أن ينضج الجزء الداخلي دون أن يفقد الماء أو يكوِّن ملمسًا شبيهًا بالقشرة.
إلا أن الماء بالقُرب من السطح يستمر في التبخُّر من الثقوب لعُمقٍ يصل إلى ملِّيمتر أو ملِّيمترين. وعند إزالة شريحة البطاطس من آنية القلي، فإنها تخرج والزيت يُغطيها، مما يحبس بخار الماء المُتبقي في الثقوب. وعندما يبرد البخار يتكثف مُتحولًا إلى ماءٍ سائل يحتلُّ حيزًا أقلَّ كثيرًا مما يشغله البخار. ونظرًا لانخفاض ضغط الغاز داخل الثقوب، يُمتَص الزيت من الطبقة الخارجية عبْر الثقوب. ويمكن تعزيز هذا الامتصاص عن طريق قوة التجاذُب بين الجزيئات في الزيت وبين الجزيئات الموجودة في جدران الثقوب، ويُعرَف هذا التأثير بالخاصية الشعرية. في الواقع، هذا هو التأثير السائد عند تحمير أطعمة رقيقة مثل رقائق البطاطس لدرجةٍ لا يكاد يتبقَّى بها ماء داخلها.
وإذا رغِب الطاهي في تقليل امتصاص الأطعمة المقلية للزيت فيجب أن ينفضَّ الزيت من الأطعمة (أو أن يُنظِّفه بمناشف ورقية) بمجرد إخراج الأطعمة من الزيت المَغلي.
(٩٧) بقاء البطِّ جافًّا
في المناطق المناخية المعتدلة يحتاج البط (وغيره من الطيور المائية) إلى البقاء جافًّا؛ لأنه إذا أصبح مبتلًّا فإنه سيفقد العزل الحراري في طبقة الهواء الموجودة بين الريش والجلد. وفي هذه الحالة من الممكن أن يفقد الطاقة الحرارية في الماء بمُعدل أسرع مما يستطيع التمثيل الغذائي توليد الطاقة. إلا أنَّ طبقة الريش ليست مُضادة للماء؛ لأن الريش مسامي على نحوٍ واضح. إذن، كيف يستطيع البطُّ أن يبقى جافًّا أثناء الطفو أو السباحة؟
ولحُسن حظِّ البطة أنَّ المسام (الفراغات المفتوحة) الموجودة بين الريش وداخله أصغر من أن يدخلها الماء، حتى عندما يُحاول ضغط الماء أسفل البطة دفع الماء عبْر الثقوب أو توسعة تلك الثقوب. والسبب يعود إلى أنَّ سطح الماء يتَّخِذ شكلًا محدبًا عند محاولة دخول فتحة في مادة كارهة للماء. وبسبب هذا الشكل يسحب سطح الماء بعيدًا عن الفتحة بفعل التوتُّر السطحي (بسبب الانجذاب المتبادل بين جزيئات الماء). ونظرًا لأن مسام ريش البطة ضيقة، يُصبح سطح الماء شديد التقوُّس ومِن ثَمَّ يمنع التوتُّر السطحي الماء من دخول المسام.
بعض أنواع سلال الفاكهة المُكوَّنة من شرائط بلاستيكية مجدولة قد تبدو غير قادرة على الطفو؛ لأن الشرائط لا تكوِّن بدنًا خاليًا من الثقوب، لكنها تطفو رغم ذلك. فالماء لا يستطيع اختراق الفراغات المفتوحة الموجودة في الشرائط.
(٩٨) قِطَع البطاطس وروَث الطيور والسيارة
إذا تعطلت مِمسَحة الزجاج الأمامي للسيارة، لماذا تستطيع أن تحافظ على الزجاج الأمامي شفافًا على نحوٍ معقول أثناء المطر الخفيف إذا دعكتَه بقِطعة بطاطس. (بطبيعة الحال، قد يكون حيازة بطاطس احتياطية في السيارة أمرًا غير مُرجَّح.) وعندما يزين روَث الطيور سيارتك ويُصبح مُبتلًا بسبب المطر، لماذا سرعان ما تُصبح المنطقة المجاورة للروَث أكثر جفافًا عن بقية السيارة؟
عندما يذوب روَث الطيور جزئيًّا في المطر، ينتشر المحلول في منطقة صغيرة حول الروث. ويتحوَّل الماء الهابط على بقية أجزاء السيارة إلى حبيبات، لا سيما إذا كان السطح مطليًّا بالشمع. وعندما يتوقف المطر، فإن الطبقات الرفيعة المُحيطة بالروَث تكون أول ما يجفُّ قبل أن تتبخَّر حبيبات الماء بالكامل بفترة كبيرة.
ولا تُنتج كلُّ الطيور تأثير التبليل المذكور بسبب اختلاف الأنظمة الغذائية؛ فالطيور التي تؤدي إلى انتشار الماء تتغذَّى على السمك ومِن ثَمَّ تترُك روثًا زيتيًّا. وهذا التبليل يُمكن أن يُمثل مشكلة خطيرة لشركات الطاقة الكهربائية؛ لأن الطيور يمكن أن تلوث دعامات خط الكهرباء الموصولة بالأرض. وإذا كان الروَث مائعًا فمن الممكن أن يتسرَّب إلى خط الكهرباء الموجود تحت الدعامة بالضبط فيُوقف الخط ويتسبب في «وميض كهربي»، مما قد يُعطل إمداد الطاقة ويُدمِّر خط الكهرباء تدميرًا شاملًا. وتراكُم روث الطيور خطير أيضًا حتى إن لم يكن مائعًا؛ فخلال الأمطار أو ذوبان الجليد يمكن أن يمتصَّ الماء جزيئات مشحونة من الروَث ويزداد توصيله للكهرباء. ومع تسرُّب هذه المياه لخط الكهرباء يمكن أن يحدُث وميض تفريغ كهربي.
(٩٩) أبواغ عيش الغراب القاذِفة
تنشر الفطريات، كعيش الغراب، أبواغها بطُرقٍ شتَّى. إلا أن أكثر هذه الطرق إثارة هي الفطريات ذات الأبواغ القاذِفة التي تُطلِق أبواغها بسرعة أكبر مما تستطيع العين تتبُّعها. يتَّصِل كلُّ بوغٍ بساق يُطلَق عليه ذنيب. وقبل إطلاق البوغ، تتكون قطرة ماء عند قاع البوغ قرب نقطة اتصال البوغ بالذنيب. وفي غضون ما يقرُب من ثلاثين ثانية تتمدَّد القطرة ليبلُغ محيطها حوالي ١٠ ميكرومترات، ثم ينطلق البوغ والقطرة على نحوٍ مفاجئ في الهواء، فما الذي يدفعهما؟
(١٠٠) أمواج التيار الساقط
ويعتمد وجود الأمواج على التوتُّر السطحي العالي الشدة للماء. وإضافة سائل التنظيف تُقلِّل من التوتُّر السطحي. وعند تغطية الإصبع بسائل التنظيف فإن جزءًا منه يختلط بالجزء السفلي من التيار فيُقلِّل التوتُّر السطحي لدرجةٍ تكفي لمنع ظهور الأمواج هناك. ثم يُصبح التدفق خلال الجزء السفلي سلسًا كما لو كان في أنبوبٍ وتتكوَّن الأمواج فوق التدفُّق الذي يُشبِه الأنبوب.
(١٠١) الأجراس والألواح والسلاسل المائية
يُمكنك تكوين أجراس مائية وألواح شِبه مسطَّحة عن طريق توجيه تيارَين رفيعَين غير مُضطربَين أحدهما نحو الآخر. وإذا كان التياران رأسيَّين ولهما سرعة التدفق نفسها تقريبًا، فسوف يصطدمان ويتمدَّدان في صورة لَوح مُتماثل. ويمكن أن يتفكك اللَّوح إلى قطرات، أو ربما ينحني لأسفل مُكونًا جرسًا مائيًّا.
وعند توجيه التيارَين لأسفل وإمالتهما أحدهما نحو الآخر، فمن الممكن أن يُكوِّنا سلسلة سائلة مُكوَّنة من مجموعة حلقات ذات حوافَّ سميكة نسبيًّا. تكون الحلقات المُتعاقبة مُتعامدةً بعضها على بعض، مما يجعل التشكيل يُشبه الحلقات الموجودة في النوع الشائع من السلاسل.
وتَستخدِم بعض المنحوتات المائية تيارًا رقيقًا عريضًا بدلًا من تيار الماء الأسطواني لصُنع ستارة مائية تُطلِق حافة ثم تنحني لأسفل. وإذا كان تدفُّق الماء شديد الانخفاض، فسوف تتكون سلسلة أعمدة مائية بينها مسافات مُنتظمة بدلًا من تكوُّن لَوح مائي وحيد. ويتحكم التوتُّر السطحي للماء في المسافات؛ حيث يسحب الماء إلى الأعمدة.
يمكن أيضًا تكوين ألواح ماء مُتدفِّق رقيقة عند توجيه تيارَين أسطوانيَّين أحدهما نحو الآخر بالسرعة نفسها تقريبًا، مع وجود مسافة قصيرة تفصل بين المَنْفَذَين. ويُسفر تأثير التيارَين عن إطلاق الماء للجانب في صورة لوح. وإذا كان التياران رأسيَّين ومُتوجهَين أحدهما نحو الآخر، فإن اللَّوح يميل إلى أن يكون دائريًّا، ويتفتَّت إلى قطراتٍ على طول مُحيطه. وإذا كان التيَّاران مُتعامدَين فسيكون اللَّوح أشبهَ بورقة الشجر.
وإذا تعامد التياران لتكوين سلسلة سائلة، فإن التيَّاران يتراجعان عن تأثيرهما ويبتعدان أحدهما عن الآخر ويربط بينهما لَوح رقيق. ويجذب التوتُّر السطحي التيارَين مرةً أخرى حتى يتصادما مرةً أخرى. وفي هذه المرة يتَّجِهان إلى اتجاهات مختلفة لكن على سطحٍ عمودي على سطح الحلقة الأولى. ويقلُّ ارتداد وعرض السلاسل مع استمرار الماء في السقوط حتى تختفي الحلقات ويُكوِّن الماء الساقِط شكلًا أسطوانيًّا ببساطة.
(١٠٢) السير على شاطئٍ مُبتلٍّ وعلى الرمال المُتحركة
إذا دُسْتَ على رمال مُبتلة (ليست شديدة البلل لدرجة دوران الحُبيبات) ثم رفعتَ قدمك، فلماذا تصبح الرمال داخل آثار قدمك جافة نسبيًّا ولماذا تُصبح مبتلة مرة أخرى في غضون دقائق قليلة؟
ما السبب في الرمال المُتحركة؟ وكيف يمكنك الهروب منها؟
إذا كان لديك زجاجة قابلة للضغط بها رمال وماء فسوف تتمكَّن من ثَني الزجاجة بضغطةٍ خفيفة بطيئة تسمح للحُبيبات بالتحرُّك ببطءٍ من حالة التجمُّع الشديد وتسمح أيضًا للماء بالتسرُّب إلى الفراغات الجديدة لتجعل الحُبيبات زلِقة. أما الضغط المُفاجئ فسوف يُسفر عن تحرك الحُبيبات بسرعةٍ شديدة دون حدوث الانزلاق المائي المطلوب. سيكون الاحتكاك بين الحُبيبات شديدًا جدًّا حتى إنك لن تستطيع ثَنيَ الزجاجة على الإطلاق.
تتكوَّن الرمال المُتحركة من قاعٍ رملي وتدفُّق مائي، مثل النبع الطبيعي. يحرك التدفُّق المائي حبيبات الرمال بعيدًا نسبيًّا ويجعلها زلِقة بحيث يمكن أن ينزلق بعضها على بعض. وعند السير على هذا التشكيل من المُمكن أن تغُوص في الرمال الزلقة. وإذا ناضلتَ محاولًا تحريك رِجلك لأعلى سريعًا فسوف تُصبح الرمال المُتحركة صُلبة فجأة ولن يمكنك تحريك رِجلك على الإطلاق. المشكلة هي أنَّ الحركة المُفاجئة تزيد من المسافات بين الحبيبات الرملية، إلا أن انزلاق الحبيبات بعضها على بعض ينتج احتكاكًا كبيرًا ويمنع الحركة.
الرمال المُتحركة مائع كثيف، ومن الناحية النظرية قد لا تغُوص فيه على نحوٍ يكفي للغرق. وفي موقفٍ مثالي قد تتمكَّن من الرقود عليها بالانحناء عند الوسط ثم الزحف عن طريق دفع اليدَين على السطح، وإخراج الرِّجلَين ببطء. رغم ذلك، فإن الأشخاص الذين جرَّبوا الرمال المُتحركة أوضحوا أنَّ الرمال المُتحرِّكة الموجودة في الأرض البرية تكون أكثر خطورة من هذه الرمال المُتحركة المثالية؛ فمن المُحتمل أن تكون مُحتجبة عن النظر تحت مياهٍ راكدة أو جارية؛ ومِن ثمَّ إذا لم تَغُصْ بعيدًا في الرمال المُتحرِّكة فمن الممكن بسهولة أن تجِد رأسك أسفل الماء. بالإضافة إلى ذلك، نظرًا للسقوط في الرمال المُتحركة، فإنك تتجاوز مستوى الطفو، لكنك لا تصعد لأعلى مرة أخرى على النقيض من حمَّام السباحة. والأسوأ من ذلك، من الممكن أن تغير تدفق الماء الذي يجعل الرمال «متحركة» ومِن ثَمَّ تُصبح الرمال المحيطة بك صُلبة.
ويقول الخبراء إن الطريقة الأكيدة للهرَب من الرمال المُتحركة هي أن تكون مُتأهِّبًا للهرَب. فعندما يكون من المُحتمَل الوقوع في الرمال المُتحركة، لا بدَّ أن يكون الشخص قد ربط أنشوطة حبل تحت ذراعَيه وحول صدره، ويجب أن يكون الشخص الموجود عند طرف الحبل الآخر مُستعدًّا للسحْب بقوة في حالة سقوط الشخص الأول في الرمال المتحركة.
(١٠٣) انهيار المباني والطريق السريع
قُبَيل بدء المباراة الثالثة في نهائي دوري البيسبول عام ١٩٨٩ في أوكلاند بولاية كاليفورنيا، ضربت المنطقة أمواج زلزالية من زلزالٍ بلغت قوَّته ٧٫١ ريختر قُرب لوما بريتا على بُعد ١٠٠ كيلومتر، مُسبِّبةً دمارًا هائلًا وأودَتْ بحياة ٦٧ شخصًا. وأوضحت الصور الفوتوغرافية التي انتشرَتْ حول العالم قطاعًا طويلًا من طريق نيميتس السريع؛ حيث انهار الطابق العلوي على الطابق السُّفلي، فحاصر ركَّاب السيارات وتسبَّب في وفاة العشرات. من الواضح أن الانهيار كان بسبب الهزَّة العنيفة جراء المَوجات الزلزالية. لكن لماذا تعرَّض هذا القطاع بالتحديد من الطريق السريع لهذا الضَّرَر البالغ في حين أن بقية أجزاء الطريق السريع المُتطابقة معه تقريبًا في أسلوب التشييد نجَتْ من الانهيار؟
في ١٩ سبتمبر عام ١٩٩٥ تسبَّبت أمواج زلزالية صادرة عن زلزال بدأ على امتداد الساحل الغربي للمكسيك في دمارٍ فظيع وواسع النطاق في مكسيكو سيتي على بُعد ما يقرُب من ٤٠٠ كيلومتر من مركز الزلزال. لماذا تسبَّبت هذه الأمواج الزلزالية في هذا الدمار الكبير في مكسيكو سيتي وتسبَّبت في دمارٍ قليل نسبيًّا في طريقها إلى هناك؟ بالإضافة إلى ذلك، لماذا ضربت الأمواج الزلزالية المباني ذات الارتفاع المُتوسِّط في مكسيكو سيتي ولم تُلحِق ضررًا يُذكر بالمباني المُرتفعة والقصيرة؟
وفي بعض أمثلة الإسالة، انزلقَتِ المنازل على الأرض كما لو كانت الرمال المتحركة قد ابتلعتها. بالإضافة إلى ذلك، من المُمكن أن تتكوَّن فوَّارات حارة في المواضع التي ينطلق فيها الماء والرمال لأعلى من الأرض.
قصة قصيرة
(١٠٤) تأثير الرمال المُتحركة في الحبوب
إن السقوط في وعاء حبوب كبير، مثل صوامع الغلال التجارية أو حاوية التخزين، لهوَ أمر خطير ومن المُمكن أن يودي بالحياة. وفي إحدى الحالات، سقط عامل سهوًا في صومعة غلال مُمتلئة لعُمقٍ يبلغ عدَّة أمتار. وسرعان ما غاص حتى إبطَيه، وأصبح عاجزًا عن أن يُحرِّر ولو ذراعَيه. ونظرًا لإصابته بأحد أمراض القلب، فقد كان ضغط الحبوب على صدره خطيرًا، ولذلك حاول المُنقِذون سحبَه بسرعة، لكنهم لم يتمكنوا بسبب تأثير الاحتكاك على جسده. بعد ذلك حاولوا إخراجه عن طريق الحفر في الحبوب المُحيطة به، لكن واصلت الحبوب ملء الفراغ حوله، كما أن الغبار المُتطاير كاد يُسبِّب اختناق الضحية والمُنقذين. وأخيرًا أنزلوا أنبوبًا أسطوانيًّا حوله، ودفعوه في الحبوب، ثم استخدموا مكنسة صناعية لشفط الحبوب خارج الأسطوانة، وبذا حرَّروا الضحية.
(١٠٥) تدفُّق المُشاة والهروب عند الفزَع
عندما تزداد كثافة المُشاة على الرصيف، ماذا يفعل المُشاة لتفادي التدفُّق الفوضوي والمُعيق؟ عندما تحاول الجماهير الهروب من مكانٍ مغلق (مثل غرفة أو مبنًى أو استاد) أثناء حالة طوارئ أو عندما يُحاولون الدخول إلى مكانٍ مغلق أثناء انتظار حدَثٍ كبير أو أثناء حدَثٍ مُثير، لماذا تُصبح الحركة مُكبَّلة ومن المُحتمَل أن تكون قاتلة؟
وعندما تكون كثافة المشاة منخفضة، فسوف يختار كل شخصٍ أو جماعة (أو عائلة مثلًا) الطرق الأكثر مباشرةً لهدفهم على الرغم من أن الطريق لن يكون بالضرورة مباشرًا إذا كان مقصورًا على الأرصفة وأماكن عبور المُشاة. على سبيل المثال، إذا استطاع الأشخاص أن يسيروا عبْر حقلٍ في أحد المهرجانات ليصلوا إلى محلِّ الحلوى، فسوف يختارون على الأرجح طريقًا مباشرًا للمَحل. ومع ازدياد كثافة الناس، سيُصبح الطريق مُتعرِّجًا، وسيُضطرُّ مُحبُّو الحلوى إلى التوقُّف بين الحين والآخر لتجنُّب التصادُم مع الآخرين. ومع ازدياد الكثافة أكثر وأكثر، سيبدأ الناس في تجنُّب حارات التدفُّق التي تُشبِه الحارات المرورية في شارعٍ مزدوَج الحارات. ومع بدء هذا النوع من «التقسيم» أو «تنظيم الحارات المرورية» يتحرك الناس بطريقةٍ مُنسَّقة وبسرعة مُحدَّدة وبفاصلٍ جسدي معين لتجنُّب التصادم. وعندها يتحتَّم على مُحبي الحلوى التحرُّك في حارة تدفُّقٍ واحدة أو أكثر للاقتراب من محل الحلوى، وقد يكون الطريق في مُجمله أكثر طولًا من الطريق المباشر الأصلي.
وعندما يحاول عدد كبير من الأشخاص الهادئين الهروب من مكانٍ مُغلق من خلال مَمرِّ خروج شديد الضِّيق، فإنهم عادةً ما يسمحون بعضهم لبعض بالتحرك في المسار بطريقةٍ بطيئة ومُستمرة. وإذا كان هؤلاء الناس في حالة فزَع لأنهم يحاولون الهروب من خطرٍ ما (مثل الحريق)، فعندما يحتشدون، يكوِّنون أقواسًا حول المخرج. ويمكن أن يكون ضغط الناس خلف الأقواس شديدًا للغاية لدرجة تُعيق الناس داخل الأقواس عن الحركة في أيِّ اتجاه، ولا يستطيعون رفع أذرعهم، ولا يستطيعون التنفُّس جيدًا، مما قد يقود إلى الإغماء أثناء الوقوف. وفي المواقف الخطيرة، من الممكن أن يتعرَّض الناس الموجودون في الأقواس للسَّحق على نحوٍ مُميت إما بدفعهم نحو الحوائط أو الحواجز، أو من المُمكن أن تسقط الحوائط والحواجز، فيسقط الناس ليَلقوا حتفَهم. أما تدفُّق الناس ببطءٍ عبْر طريق الخروج، فإنه يجعل الأقواس في حالة استرخاء، لكن وقت الهروب سيكون أكبر ممَّا لو خرج الناس بسلاسة.
وإذا تسبَّب اندفاع الناس نحوَ المخرج في سقوط بعضهم، فستكون أجسادهم عقبةً عثرة بالنسبة للقادمين. وقد يكون تجمع الأجساد عاليًا على نحو يكفي لأن يشكل عائقًا، وهذا وضع خطير كما هو واضح.
ولتقليل الخطر بالنسبة للحشود الخارجة، من الممكن بناء مَخارج إضافية. إلا أنه عند تجمهر حشْد مذعور عند أحد المخارج، فإنهم قد لا يُدركون وجود مخارج أخرى مفتوحة. بعض الاستادات مُصمَّمة حاليًّا بممرات خروج خاصة لتقليل احتمالية التكدس، وهذه الممرات تتَّجِه للخارج ومُصممة بشكلٍ مُتعرِّج كي لا يُحتجَز أيُّ شخصٍ عند أحد الجدران.
(١٠٦) أكوام الرمال والتدفُّق ذاتي التنظيم
على سطحٍ أفقي صُبَّ الرمال ببطءٍ في تيَّار كي تصنع كومةً من الرمل. بطبيعة الحال، ستُصبِح كومة الرمل أطولَ وأكثر اتِّساعًا. لماذا لا يمكن أن يتجاوز جانب الكومة زاوية مُعيَّنة؟
قَلِّب ببطءٍ حُبيبات مسحوق «تانج» (حبوب البرتقال المستخدمة لإعداد شراب الفطور بنكهة البرتقال) وحبيبات مسحوق «نِستي» (الحُبيبات السوداء المُستخدَمة لعمل شاي فوري) ثم صبَّ الخليط ببطءٍ في تيَّارٍ ضَيِّق. ستكوِّن الحُبيبات كومة مثل الرمال، إلَّا أنَّ حُبيبات نِستي ستتجمع في قاع الكومة. فما سبب الفصل؟
عند تقليبِ مَسحوقَين ثُم صبِّهما، سوف ينفصلان على الأرجح عند انزلاقهما على جانب الكوم ويَثبُتان في مكانهما. وعند صبِّ المزيج في وعاءٍ ضيِّق كما هو موصوف، ستتمكن من رؤية قطاع عرضي للكوم. وعندما يبدأ الانهيار، تميل الحُبيبات الأكبر حجمًا إلى التجمُّع في قاعدة المنحدَر، وتميل الحبيبات الأصغر حجمًا إلى الاحتباس على الجانب مُكوِّنة طبقة. ثم تبدأ الحبيبات الأكبر حجمًا في التراجُع إلى الجانب إلى أن تتكوَّن طبقةٌ من الحُبيبات الأكبر حجمًا. ومِن ثَمَّ، فإن سلسلة الانهيارات تُبدِّل بين تكوين طبقة من الحبيبات الأصغر حجمًا (مثل حبيبات تانج في مزيج حبيبات تانج ونِستي) وطبقة من الحبيبات الأكبر حجمًا.
والحائط الرأسي المُكوَّن من مادة حُبيبية سوف يتعرَّض لكل من الانهيار والهبوط. ولكي ترى ذلك، ضع أنبوبًا مفتوح الطرف في وضعٍ رأسي على طاولة واملأه بمادة حُبيبية. ثم اسحب الأنبوب فجأةً لأعلى لتُخليه من الحُبيبات. يجب أن تنظر سريعًا أو أن تَستخدِم كاميرا تصوير بالحركة البطيئة لتُسجل الحدَث. ستجد أن العمود ينهار في غضون نصف ثانية تقريبًا، لكن طريقة انهياره تعتمد على نسبة الارتفاع إلى العرض. فإذا كانت النسبة كبيرة، فسوف يتحرك السطح العلوي كله للخارج على الفور، تاركًا تلَّةً ذات قمَّةٍ مُستديرة. وإذا كانت النسبة صغيرة، فسوف يهبط الجزء الخارجي من الكوم ثم يتبَعُه الجزء الداخلي، تاركًا تلَّةً ذات قمَّةٍ حادَّة.
(١٠٧) التدفُّقات في الساعات الرملية والصوامع
إذا وضعتَ ساعة رملية على ميزان حسَّاس لقياس وزنها، فهل تعتمد القراءة على إذا ما كان الرمل في حالة تدفُّق أم لا؟ يتدفَّق الرمل مثل الماء إلى حدٍّ بعيد. فلماذا إذن لا يُوجَد لدَينا ساعات زجاجية مائية؟
عند وضع المواد الحُبيبية، مثل حُبيبات الرمال والخرز الزجاجي، على منحدَرٍ مائلٍ بدرجةٍ كافية فإنها تتدفَّق لأسفل المُنحدَر. لكن إذا كان المُنحدَر خشنًا نسبيًّا، وكانت المواد الحبيبية تتكوَّن من جزيئات مختلفة الأحجام، فلماذا تستطيع «الواجهة» (الحافة السفلى من التدفُّق) الانقسام إلى «أصابع» تمتدُّ لأسفل المُنحدَر؟
افترِضْ أن المواد الحبيبية تتدفَّق لأسفل المُنحدَر أو المُنزلَق نحوَ عائق يُوقفها. فإذا كان إمداد المواد الحُبيبية مُستمرًّا، فلماذا يبدأ التدفُّق ويتوقَّف بين الحين والآخر؟
من المُمكن أيضًا أن تتكوَّن الأقواس عند تدفُّق الحُبيبات في الصومعة. في بعض الحالات، يتسبَّب التدفُّق المُتقطِّع في اهتزاز الصومعة فيما يُعرَف باسم «زلزال الصومعة». وإذا كان الاهتزاز كبيرًا على نحوٍ كافٍ فمن المُمكن أن يُصدِر صوتًا يُسمَّى «تزمير الصومعة» ومن الممكن أن يُسبِّب تَشقُّق الصومعة ويؤدي إلى انهيارها.
في الساعة الزجاجية المائية يعتمد مُعدل تدفق الماء من الجزء العلوي على ارتفاع الماء في ذلك الجزء، فكلما زاد ارتفاع الماء زاد مُعدل التدفُّق. وفي الساعة الرملية التي تكوِّن فيها حُبيبات الرمال أقواسًا لفترةٍ وجيزة، فإن التدفُّق من الجزء العلوي لا يمتُّ بصِلة لارتفاع الرمال في هذا الجزء، فما دامت الرمال مُتدفقة، يظلُّ مُعدل التدفُّق ثابتًا.
عندما يتدفَّق مزيج من الحُبيبات على أحد المُنحدَرات، فإن الجزيئات المُنحدِرة سريعًا تميل إلى الدوران في التدفُّق بطريقتَين: في القطاع العرضي الرأسي، تميل الحبيبات إلى الدوران إلى السطح وإلى المُقدِّمة وإلى أسفل المنحدَر. وعندما يتجاوزها التدفق، فإنها تُحاصَر ثم تعود إلى السطح وتُعيد الكرَّة. في هذه الأثناء، يمكن أن تتبايَن هذه المسارات الدوَّارة عبر عرض التدفُّق بحيث يصبح بعضها مستقيمًا أثناء نزول المنحدر وصعوده مرة أخرى، وينحني بعضها يسارًا أو يمينًا عند نظرنا إليها. تُشكِّل المسارات المستقيمة المُتجهة لأسفل ولأعلى الأصابع المُمتدَّة على المُنحدِرة، وتشكل المسارات المُنحنِية يمينًا ويسارًا الفراغ بين هذه الأصابع.
وإذا اصطدمَتِ الحُبيبات المُتدفِّقة على المنحدر بعائقٍ وتوقفت، فإن المواد تبدأ في التكدس، ويرتفع هذا التوقف لأعلى المنحدر إلى أن تُصبح كل المواد الموجودة على المنحدر ثابتة. ومِن ثَمَّ، نظرًا لثبات الإمداد تبدأ المواد الجديدة في التدفق نزولًا على «منحدر» المواد الثابتة لإعادة الدورة.
(١٠٨) تأثير الجوز البرازيلي والمساحيق المُهتزَّة
ضع حبَّة جوز برازيلي (أو أي مكسرات كبيرة) في وعاءٍ وأضف كمية كافية من الفول السوداني (أو أي مكسَّرات صغيرة) لتملأ الوعاء إلى نصفه. عند هزِّ الوعاء عموديًّا لفترة، لماذا تصعد حبَّة الجوز البرازيلي لأعلى سطح الفول السوداني؟
في وعاءٍ كبير مليء بالفول الجاف، ادفن كُرة تنِس طاولة وضع كُرة مصنوعة من الرصاص أعلى الفول. إذا حرَّكتَ الفول في حركاتٍ دائرية بتدوير الوعاء أفقيًّا، فستختفي الكرة المصنوعة من الرصاص وستظهر كرة تنِس الطاولة، فما سبب هذا الاختلاف؟
يُمكن أن نرى أمرًا مُشابهًا عند خلط الدقيق مع الدهون لإعداد المُعجَّنات. فمن أجل كشف كُتَل الدهن المُتبقية، قد يَهزُّ الطاهي إناء الخلط، فترتفع الكُتَل إلى سطح الدقيق. وكانت النساء الأستراليات الأصليَّات يَستخدمْنَ أسلوبًا مُشابهًا (الغربلة) لفصل بذور العشب القابلة للأكل من الخليط المَبدئي المَمزوج بالتُّراب. فكانت المرأة تربتُ على الإناء المسطح الذي يحمل الخليط أو تَهزُّه برِفق حتى تتجمَّع البذور في صورة كومة ويُكوِّن التراب كومة أخرى.
صُبَّ بعضًا من مسحوق تانج (حُبيبات البرتقال المُستخدمة في مشروب الفطور المحلى بطعم البرتقال) وقدرًا من مسحوق نِستي (الحُبيبات السوداء المُستخدَمة في إعداد الشاي الفوري) في وعاءٍ شفَّاف، وأغلِق الوعاء، وهُزَّ المزيج. على الرغم من أنك تُحاول بقوَّة توزيع حبيبات تانج بالتَّساوي وعلى نحوٍ عشوائي داخل حُبيبات نِستي، فستجِد دائمًا أنَّ حُبيبات تانج البرتقالية تُشكِّل كيانات مُنعزلة داخل حُبيبات نستي. فلماذا لا تنتشِر؟
والعامل الثاني لصعود الجوز هو: دوَران الفول السوداني الناتج عن الذَّبذبات العمودية؛ فالفول السوداني الموجود في مركز الوعاء يميل إلى التحرُّك لأعلى، والفول السوداني القريب من جدار الوعاء الذي تُعاق حركته بفعل الجدار يندفع لأسفل بفعل تدفُّق الفول السوداني الموجود في المركز لأعلى. ويُمكن أن يدور الجوز البرازيلي ويصعد للقمَّة قُرب المركز.
أما وضع تجربة الفول فمُختلف من حيث أمرَين: فكرة الرصاص «أكثر» كثافة بكثيرٍ من الفول، والاحتكاك بين حبَّات الفول أقل من الاحتكاك الموجود بين حبات الفول السوداني بسبب السطح الزلِق. وعند تدوير الوعاء أو هزِّه، سوف تشقُّ كُرة الرصاص طريقها في الفول، وتجعله ينزلق بسهولةٍ بعيدًا عن طريقها. وإذا استطعتَ بطريقةٍ ما تقليل الاحتكاك بين حبَّات الفول على نحوٍ أكبر، فسوف تتصرَّف حبَّات الفول كما لو كانت سائلًا ولن يكون أمرًا مفاجئًا أن ترى كرة الرصاص تغطس وكرة تنس الطاولة تظهر على السطح.
إذا كان لدَيك مزيج من مادَّتَين، إحداهما أكبر كثيرًا من الأخرى، فقد تجد أنَّ المادة الأكبر ترتفِع تدريجيًّا أعلى المادة الأصغر عند اضطراب الخليط أحيانًا وليس عند هزِّه. وعادةً يحدُث هذا الانفصال بين المواد في عبوات مُنتجات الطعام المكوَّنة من مادَّتَين (أو أكثر) مُختلفتَي الحجم. وهذا الأمر يُصيب مُنتجي هذه المُنتجات بالجنون؛ لأنهم يريدون توزيعًا مُتساويًا للمواد عند فتح العبوة. وكلُّ اضطرابٍ عرضي أثناء إنتاج وشحن وشراء العبوة يجعل المادة الأصغر حجمًا تنتقل إلى الفراغات الموجودة أسفل المادة الأكبر حجمًا.
عند هزِّ مزيج حبيبات تانج ونِستي تظلُّ حبيبات تانج الأصغر حجمًا فوق حبيبات نِستي الأكبر حجمًا. وتُوجَد آليَّتان من المُحتمَل أن تكونا مسئولتَين عن عدَم قُدرة حبيبات تانج على الانتشار: إحدى هاتَين الآليَّتَين هي الآلية نفسها المسئولة عن تسلق الجوز البرازيلي لأعلى بعض حبَّات الفول السوداني. أما الآلية الأخرى فتنبُع عن طريق الدوَران التي تنطلق في المزيج بفعل الذبذبات وطريقة انتقال القوى المُؤثرة الناتجة في كتلة المزيج. وتسيطر الآلية الأولى إذا كانت سَعة الذبذبات كبيرة (عند هزِّ الوعاء لأعلى ولأسفل بقوة). وتسيطر الآلية الثانية إذا كانت سَعة الذبذبات صغيرة (ضرب الوعاء بظفر الإصبع بقوة كافية لتحريك الحُبيبات).
عند توزيع طبقةٍ من حُبيبات تانج فوق طبقٍ يهتزُّ رأسيًّا، فإن الحبيبات تميل إلى التجمع في صورة أكوام. وبمجرَّد البدء تميل الأكوام الأصغر حجمًا إلى التحرُّك نحوَ الأكوام الأكبر حجمًا وتنضمُّ إليها. ويبدو أنَّ هذا التحرُّك يعود إلى الذبذبات النسبية التي يتعرَّض لها الطبَق تحت الكوم الأكبر (الذبذبات الأصغر) والكوم الأصغر (الذبذبات الأكبر). تميل الذبذبات الأكبر إلى الإطاحة بعددٍ أكبر من الحُبيبات في الهواء. وتميل الحبيبات الهابطة بالقُرب من الكوم الأكبر إلى البقاء في مكانها على نحوٍ يفوق تلك الحُبيبات الهابطة بعيدًا عن الكوم الأكبر. ومِن ثَمَّ، تُوجَد حركة صافية للحبيبات نحوَ الكوم الأكبر.
إليك هذا اللُّغز المُتبقي: املأ إلى المنتصف برطمانًا أسطوانيًّا صغيرًا نسبيًّا بالملح وأضِف صامولة سُداسية معدنية ودبُّوس ضغط (دبوس لوحة الإعلانات ذا الرأس البلاستيكية). إذا حملتَ الأسطوانة عموديًّا وهززتَها رأسيًّا، فسوف تصعد الصامولة لأعلى الملح ويختفي دبوس الضغط عن الأنظار. أما إذا أمسكتَ الأسطوانة أفقيًّا وهززتَها أفقيًّا، فسوف يصعد دبوس الضغط لأعلى الملح وتختفي الصامولة عن الأنظار.
(١٠٩) بالون الانهيار الجليدي
يَستخدِم بعضُ مُتزلِّجي الجليد العالقون في الانهيارات الجليدية «بالون الانهيار الجليدي». وهذا البالون الذي يَحملونه في حقيبة الظَّهر يكون في البداية غيرَ منفوخ. وعند اقتراب الانهيار الجليدي، يسحَبُ المُتزلِّج حبل فتح البالون لملئه بغاز النيتروجين من الأسطوانة، ويسحَب تدفُّق النيتروجين الهواء من خارج البالون. وعندما يعلَق المُتزلِّج والبالون في الانهيار الجليدي، فإنهما يتحرَّكان إلى أعلى التدفُّق بدلًا من الدفن تحته. وبهذه الطريقة يكون لدى المُتزلِّج فرصة أكبر في النجاة. فلماذا يتحرَّك المُتزلِّج إلى قمَّة التدفُّق؟
(١١٠) دوَّامات الرمال والحركة
لماذا يُمكن أن تتكوَّن تموُّجات في الرمال على أرضية صحراوية (أو في قاع نهر)؟ ما الذي يُحدِّد الطول المَوجي للتموُّجات؛ أي متوسط المسافة الفاصلة بينها؟ كيف يمكن لنبات، مثل كتل الحشائش، أن يُغير نسَق التموُّجات؟ لماذا لا تظهر التموُّجات عادةً في قاع الجليد؟
والآن لنتقدَّم بالأيام أو الأسابيع، أو ربما بالسِّنين. سنجد أنَّ هذا النشاط يُسفر تدريجيًّا عن الأشكال المُتموِّجة التي نراها في الرمال. وبمجرد تكوُّن تلك التموُّجات تظلُّ محفوظة بفعل الرياح والقفز الرملي. وبطبيعة الحال، إذا تغيَّرت الرياح جذريًّا، فمن الممكن أن يحلَّ شكل جديد محلَّ الشكل القديم.
يمكن أن يَسير تكوُّن الشكل بمُعدَّل أسرع إذا كانت الرمال مغمورةً تحت مجرًى مائي مُعدَّل تدفُّقه مُنتظم نسبيًّا. في هذه الحالة قد تتمكَّن فعليًّا من رؤية تكوُّن التموُّجات في غضون دقائق قليلة.
ومع هبوب الرياح حول النباتات، وتكوُّن التموُّجات (أو الدوَّامات الصغيرة)، يختلف اتجاه التموُّجات والمسافة بينها عن تلك الموجودة على جانب النباتات المُواجِه للرياح.
من الممكن أيضًا أن يحدث القفز الرملي مع رقائق الثلج في حقلٍ جليدي. ورغم ذلك، فإن التموُّجات لا تظهر (أو ليست واضحة أو شائعة على أقل تقدير) لسببَين: (١) تميل الرقاقة إلى الالتصاق بأي نقطةٍ تصطدِم بها سواء أكانت نتوءًا جليديًّا بارزًا أم لا. (٢) يميل الحقل الجليدي إلى تكوين قشرة جليدية لا سيما بعد يومٍ مُشمِس؛ ومِن ثمَّ فلا يُمكن حدوث القفز الرملي. ورغم ذلك، فقبل تكوُّن القشرة، يمكن أن تترُك الرياح القوية أشكالًا على الجليد، لا سيما إذا كوَّنت دوَّامات هوائية على جانب العائق المَحمي من الرياح.
(١١١) الكثبان الرملية
لماذا تتكوَّن الكثبان الرملية؟ لماذا تستطيع التحرُّك؟ متى يزحَف الكثيب الرملي إلى غيره؟ وكيف تستطيع الكثبان الاندماج ثم الانفصال؟ كيف يتسبَّب الكثيب الرملي في انشقاق غيره من أجل توفير ممرٍّ للكثيب الرملي الأول؟ لماذا الكثبان الرملية في بعض الصحاري، كما في ليبيا، مُتراصَّة في صورة خطوط شِبه متوازية كما تظهرها الصور المُلتقطة بالأقمار الصناعية؟
عندما تُفكِّر في كثيبٍ رملي، فإنك على الأرجح تتخيَّل كثيبًا برخانيًّا (كثيب رملي مُتحرك هلالي الشكل) على الرغم من أن هذا النوع نادر جدًّا. والكثيب البرخاني يسير تدريجيًّا على الصحراء (أو عبْر الطُّرق والقرى الصغيرة)؛ لأن الرياح تقذف حُبيبات الرمال في الجانب المُواجه للرياح وتُلقي بها في الجانب المَحمي من الرياح. وفي النهاية يُصبح الجانب المَحمي من الرياح شديد الانحدار، ثم تبدأ الانهيارات في إنزال الرمال على المُنحدر نحو القاعدة، فتقلُّ زاوية الميل ليكتسِب المُنحدَر التوازُن. وعلى مدار السنوات، يتحرَّك الكثيب الرملي في الاتجاه العام للرياح.
أما سبب الترتيب شِبه المُتوازي للكثبان الطولية فيعود إلى تكوُّن الدوَّامات المعروفة باسم «دوران لانجموير». فعند تحرُّك الرياح على مُتَّسعٍ مُسطَّح، فإنها تميل إلى التكسُّر إلى أنابيب دوَّامات أفقية. إذا نظرتَ عبْر إحدى هذه الأنابيب في اتجاه الرياح (وكان الهواء يتميَّز نسبيًّا بوجود أثرٍ دخاني)، فستجد أن الهواء يدور تدريجيًّا إما في اتجاه عقارب الساعة أو عكس اتجاه عقارب الساعة أثناء ابتعاده عنك، وتتَّخِذ الأنابيب المجاورة اتجاهات دوران مُعاكسة. وإذا فرضْنا أنَّنا نظرنا عبْر أنبوبٍ في اتجاه عقارب الساعة، فسيكون تدفُّق الهواء عبْر الأرض ناحية اليسار. يكون تدفُّق الأنبوب المُجاور الموجود على اليسار عكس اتجاه عقارب الساعة؛ ومِن ثمَّ فإن التدفُّق على الأرض يتَّجِه نحو اليمين. ونظرًا لتجمُّع هذَين التدفُّقَين الأرضيَّين، فإنهما يميلان إلى نقل الرمال إلى نقطة التجمُّع؛ أي إلى المكان الذي تتكوَّن فيه الكثبان الطولية. على الجانب الآخر من الأنبوب، لا تتجمَّع التدفُّقات الأرضية ومِن ثَمَّ لا تتكوَّن الكثبان. ونظرًا لأنَّ الأنابيب شِبه مُستقيمة، فإن الكثبان الطولية تتكوَّن على طول خطوط شِبه مستقيمة يفصل بينها مسافة تبلُغ ضعف عرض الأنبوب.
(١١٢) تضاريس «ياردانج» والقطعات الرملية الأخرى
لماذا على الشاطئ الرملي تميل معظم الأحجار مع الرياح السائدة، ولماذا يمتدُّ حَيد رملي مُكوَّن من كثيرٍ من الأحجار؟ على بعض الشواطئ يمكن أن ترى تكوينات رملية شبيهة بالأبراج، مكوَّنة من أعمدة من الرمل الرطب تمتدُّ من مستوى السطح العام، وعادةً ما يكون واضحًا وجود طبقاتٍ مُختلفة من الرمال. تبدو هذه الأبراج وكأنها قلاع منحوتة في كعكة مُتعدِّدة الطبقات. وعادةً ما يكون الرمل المُحيط بها جافًّا.
في الصحاري الرملية يمكن أن نجد بعضًا من أجمل وأغرب التكوينات في العالم، ألا وهي تضاريس «ياردانج». وهذه التضاريس تكوينات صخرية تبرُز من الرمال وتُشبِه بدَن السفينة المقلوب، ويكون بعضها في حجم اليد، والبعض الآخر يبلُغ طوله مئات الأمتار. تتكوَّن هذه التضاريس على كوكب الأرض ومن المُمكن العثور عليها أيضًا في المريخ. فكيف تتكوَّن تضاريس ياردانج؟
تتكون الأبراج في الرمال المُتماسكة بفعل الماء القادم إما من الهطول أو الرذاذ أو التسرُّب من رمالٍ مُنخفضة نسبيًّا. والإمداد من المصدرَين الأخيرَين قد يحدُث فقط في المناطق المُنعزلة؛ حيث تصبح تلك المناطق رطبة، وتُصبح الرمال مُتماسِكة. وقد تكون المناطق مُغطَّاة بالرمال الجافة لفترة، لكن في النهاية تُعريها الرياح وتصقلها الرمال المحمولة عبر الهواء. والنتيجة النهائية تكون أبراجًا فردية أو تلالًا.
تضاريس ياردانج هي نتيجة للتعرية التي تُحدِثها الرياح والرمال. فالرياح تحمِل حُبيبات الرمال، وتُعرِّي الصخر، ثم تصقل الصخر بتيارات من حُبيبات الرمال. وتدريجيًّا يتقلص الصخر ويصبح هيكلًا ضيقًا مُحاذيًا للرياح السائدة. وكثير من تضاريس ياردانج تُشبِه القطة المُتَّكِئة. وفي الواقع، ربما استُلهم تمثال أبو الهول من تضاريس ياردانج التي وجدها قدماء المصريين في الصحراء المُتاخِمة لنهر النيل.
(١١٣) أسوار الجليد والترسيبات الهوائية
السور الجليدي هو سور أو صفٌّ من النباتات يُوضع لتبقى الطرُق أو السكك الحديدية خالية من أكوام الثلوج. فأين يجِب وضع هذا الحاجز؟ ألن يكون الجدار الصُّلب أكثر فعالية من السور ذي الفراغات المفتوحة؟ أم هل يقع الاختيار على السور لأنه أقلُّ تكلفة؟ كيف يتراكم الجليد حول عائقٍ مثل جلمود الصخر أو جذع شجرة؟ وتحديدًا ما الذي يتحكَّم في الحُفَر أو المناطق الدائرية الخالية من الجليد التي يُمكن أن تتكوَّن حول جذوع الأشجار؟
في البداية يكوِّن سور الجليد دوَّامات صغيرة على جانبه الأمامي وجانبه الخلفي، وهذا يجعل الجانبَين شِبه خاليَين من الجليد، ويمكنك رؤية هذا التأثير في بداية موسم الجليد. تتكوَّن أكوام الجليد على جانبَي السور، لكن المناطق المُجاورة للسور يكون فيها الجليد أقلَّ بكثير. والفجوة الموجودة أسفل السور تسمح لبعض الرياح بتكوين الدوَّامات عند الجانب الخلفي من السور، ممَّا يجعل هذا الجانب خاليًا من الجليد.
ومع تزايد تراكم الجليد (نموه)، تمتدُّ قمَّة كوم الثلوج على كلا جانبَي السور نحوَ السور حتى تُلامِسه. وبعد ذلك ترى كوم جليد مُتواصلًا تكمُن ذروته عند السور، لكن ما لا تراه هو التجويف المتروك على جانبي السور. وبمجرَّد تكوُّن الكوم المُتواصل، لا تعود للسور فائدة.
ومع انحراف الرياح حول الجلمود (أو حتى حول الصخور والأشياء الأصغر حجمًا)، فإنها تميل إلى إلقاء الثلج عند المُؤخِّرة وتجويف الثلج عند المُقدِّمة وعلى الجانبَين.
والانخفاضات الدائرية أو الحلقات الخالية من الجليد المُحيطة بجذع الشجرة لها سببان، ألا وهما: الشجرة تُعدُّ عقبةً أمام الرياح التي تدور حول الجذع. وهذه الحركة تجرف الجليد الذي يسقط بالقُرب من الجذع. في أثناء النهار، تُصبح الشجرة دافئةً بامتصاص الأشعة تحت الحمراء الموجودة في ضوء الشمس، ثم تعكس الفروع والجذوع بعضًا من هذه الطاقة إلى الأرض. ونظرًا لأن الجليد مُستقبِل ممتاز للأشعة تحت الحمراء، فإنه يمتصُّ كل ما يسقط عليه منها تقريبًا ويميل إلى التضاؤل أثناء الذَّوَبان.
(١١٤) الانهيارات الثلجيَّة
عند بدء الانهيار الثلجي، كيف ينزل الثَّلْج على المُنحدَر، وكيف يمكن منعه للحيلولة دون تدمير قريةٍ على مقربة من سفح المُنحدَر؟
وتُقام على المنحدر حوائط مُرتفعة ذات دعامات خلفية متينة لتُوقِف الانهيار الثلجي، لكن لا بدَّ من استنزاف طاقة الانهيار الثلجي قبل وصوله إلى الحوائط. من أجل ذلك، تُشَيَّد أكوام قُرب قمَّة التلِّ من ناحية الحوائط. والغرَض من هذه الأكوام هو تغيير اتِّجاه حركة الثلج نحوَ الهواء، مثلما يُغيِّر مُنحدَر قفز التزلُّج اتجاه حركة القافز. وعندما يندفع الثلج على المنحدَر أسفل التلِّ نسبيًّا يكون قد فقد قدرًا كبيرًا من طاقته.
(١١٥) الانهيارات الأرضية ذات التدفُّقات الطويلة
عند انهيار مُنحدَرٍ صخري فإنه يُولِّد انهيارًا أرضيًّا كبيرًا، ويُمكن للحطام أن يهبط على منحدر مُعتدِل ثم ينتشر لعدة كيلومترات في الوادي المسطح، في حركةٍ يُطلَق عليها «التدفق» أو «تدفق الانهيار الأرضي». وفي الواقع، من المُمكن أن ينتشر الحُطام عبْر الوادي وأن يصعد المنحدَر في الجانب المُقابل. فلماذا لا يوقِف الاحتكاك بين الحطام وأرضية الوادي أو حوائط المنحدَر هذا الانهيار الأرضي سريعًا؟
ومن الفِكَر الأخرى أنَّ أمواج الضغط الموجودة داخل المواد ترفع المواد من على الأرض؛ ممَّا يُقلِّل الاحتكاك بين المواد والأرض. إلَّا أنَّ الدليل التجريبي لم يؤيد هذه الفكرة.
وعلى الأرجح فإنَّ أكثر الفِكَر ترجيحًا هي أنَّ المواد تتحرَّك على طبقةٍ رقيقة من الحطام المُهتزِّ الذي يشتمل على مواد مكشوطة من الأرض. وهذا الحطام المُهتَز يعمل بصورةٍ ما عمل الكُريات في المَحْمَل؛ ممَّا يفسر سِمتَين واضحتَين للانهيارات الأرضية، هما: (١) معظم المواد تنزل على المُنحدَر سليمة إلى حدٍّ كبير مع وجود طبَقتِها الأصلية المُغلِّفة لها. (٢) المواد المكشوطة من الأرض يُمكن أن تشتمِل على الماء؛ ممَّا يجعل الانزلاق سلسًا ويسمح بمزيدٍ من التدفُّق.
(١١٦) تساقط الصخور
يحدُث تساقط الصخور عندما تسقط صخرة أو مجموعة صخور من جانب أحد الجبال، وعادةً ما يكون هذا الجانب هو واجهة مُنحدَر صخري. فلماذا تسقُط الصخور، وما الذي يُحدد المكان الذي تبقى فيه الصخور في النهاية؟ عندما يحتوي تساقُط الصخور على صخورٍ كثيرة، من بينها صخور كبيرة وصخور صغيرة، لماذا تميل الصخور إلى التمايُز بحيث تُصبح الأكبر حجمًا أسفل المنحدَر والأصغر حجمًا أعلى المنحدَر؟
في يوليو ١٩٩٦، وقعَتْ حادثتان مُتعاقِبتان لتساقط صخور جرانيت عملاقة في مركز هابي آيلز الطبيعي بمُتَنزَّه يوسيميتي الوطني بولاية كاليفورنيا. انزلقَتْ كلُّ صخرة على منحدَر شديد الانحدار ثم تحركت كالقذيفة واصطدمت بالأرض بعد سقوطها من ارتفاعٍ يُقارب ٥٥٠ مترًا. وأسفر الاصطدام عن أمواج زلزالية امتدَّت لنطاقٍ بعيد بلغ نحو ٢٠٠ كيلومتر. إلا أنَّ الأمر الأكثر دهشةً كان الدَّمار الذي خلَّفتْه الصخور أسفلَ الوادي لمسافةٍ تصل إلى ٣٠٠ متر من مكان هبوطها؛ حيث تَعرَّض ما يزيد عن ١٠٠٠ شجرة إلى الاقتلاع أو الكسر، وتهدَّم جِسر ومطعم وجبات خفيفة، ولقِيَ شخص مصرَعه، وأُصيب العديد من الأشخاص. فكيف تسبَّبت صخور الجرانيت في هذا الدَّمار الكبير على مسافة ٣٠٠ متر من سقوطها؟
واعتمادًا على الظروف، فمن المُمكن أن يسقطَ الحجَر المُتحرِّر في الهواء ويرتدَّ نازلًا على منحدرٍ شديد الانحدار أو أن يسقط على منحدرٍ متوسط الانحدار أو أن ينزلق على منحدرٍ ضحل. ومن الممكن أيضًا أن يتفتَّت إلى صخورٍ صغيرة. وفي حالة حدوث أيٍّ من هذه النتائج، فإنه يفقد كثيرًا من طاقته عند الاصطدام. ومن المُمكن أيضًا أن يفقد طاقته إذا اصطدم بالأشجار، ومن ثَمَّ غالبًا ما يُزرَع صفٌّ من الأشجار كحاجزٍ أمام انزلاق الصخور.
عندما يتضمَّن تساقُط الصخور صخورًا مُتباينة الأحجام، من المُمكن أن تنفصل الصخور على المنحدر؛ لأن الصخور الأكبر حجمًا تصِل إلى أسفل المُنحدَر بينما تعلق الصخور الأصغر حجمًا في النقاط المُنخفِضة (الشقوق) في المنحدَر. وفي العموم، تميل المواد على طول المنحدَر إلى التمايُز فتكون الناعمة في الأعلى والخشنة في الأسفل. ومن المُفاجئ أن الصخور العُليا في بعض حوادث تساقط الصخور تقبَع في النهاية على مسافةٍ كبيرة من الصخور الأخرى، وقد يكون سبَبُ ذلك اكتسابَها الطاقة من الصخور الأخرى التي تصطدم بها من الخلف أثناء عملية الانزلاق والتدحرُج عند السقوط.
في تساقط الصخور الذي حدَث في مركز هابي آيلز الطبيعي فقد أسفر ارتطام كلِّ حجَر جرانيتي عن «انفجار هوائي»، وهو مَوجة ضغط تتحرَّك عبْر الهواء من نقطة التصادُم. وكان الانفجار الهوائي الناتج عن الصخرة الثانية، التي كان حجمها حوالي ثلاثة أضعاف كتلة الصخرة الأولى، شديد التدمير؛ إذ أسفرَ عن اندفاع رياحٍ سُرعتها ١٢٠ مترًا في الثانية عبر الأشجار. في الواقع، كان الانفجار الهوائي الناتج عن الصخرة الثانية أسرع من الصوت (لقد كان موجة صدمة)؛ لأنَّ الأتربة التي أثارها الاصطدام الأول خفضت سرعة الصوت في الهواء عن قيمتها الطبيعية التي تبلُع ٣٤٠ مترًا في الثانية إلى حوالي ٢٢٠ مترًا في الثانية. وقُرب التصادُم، تحرَّك الاندفاع الهوائي بسرعة تزيد عن ٢٢٠ مترًا في الثانية، ومن ثَمَّ كان أسرع من الصوت.
(١١٧) الأعلام والأشرطة المُرفرِفة
لماذا يُرفرِف العَلم على الصارية حتى في ظلِّ وجود رياح مُعتدلة؟ لماذا تُرفرِف الورقة عندما تُعرِّضها للمروحة؟
إذا رميتَ في الهواء بَكرة ورق حمَّام مفكوكة نسبيًّا، فلماذا سرعان ما يتَّخِذ الجزء المُتدلِّي (غير الملفوف) شكلًا يُشبه الموجة؟
من الممكن أيضًا للصحائف المرنة الأخرى، مثل الأوراق، أن تُرفرِف في الرياح المُعتدلة إذا زادت سرعة الهواء عن قيمةٍ حرجة تعتمد على نوع الصحيفة ومرونتها.
أي شريط مرن مُثَبَّت بثقلٍ من أحد طرفَيه ومُدلًّى سوف يُعطي على الأرجح مظهرًا يُشبه الموجة. وتنتقل الموجة في اتجاه الرياح على طول الشريط بنصف سرعة سقوط الشريط، وعادةً ما تكون المسافة بين بروزات الموجة أكبر في الشريط الأطول. وعلى الأرجح يُعزى المظهر الموجي إلى عدم ثبات تيار الهواء الذي يُجبَر على الانتقال مع الشريط في أثناء سقوطه في الهواء الساكن. بتعبير أبسط، فإنَّ تيَّار الهواء المحبوس والشريط نفسه يتلوَّيان في أثناء السقوط.
(١١٨) النوافير المُرفرفة والشلالات القارعة
لدى كثيرٍ من النوافير حوافُّ تسقط من عليها المياه الفائضة في صورة طبقةٍ رقيقة إلى البِركة. فلماذا في بعض هذه النوافير ترفرف طبقة الماء بمُعدَّل عدة مرات في الثانية؟ (التردُّد أقل بكثيرٍ من أن يُمكِّنك من سماع صوت الأمواج الصوتية الصادرة عن الرفرفة.)
أما التدفُّقات الأكبر والأطول فتحدُث عندما يُسمَح للماء الفائض بالانصباب من خلال مواسير الصرف داخل السد أو من أعلى قمَّة السد، لتسقُط سقوطًا حرًّا في بِركة أو مجرًى مائي. فلماذا تتمكَّن هذه التدفُّقات من إصدار صوتٍ شديد القوة لدرجةِ تشبيهه بصوت عشرين قطارًا من القطارات السريعة؟
يتسبَّب الشلَّال المرتفع في إحداث اهتزاز ملحوظ في الأرض المجاورة، وأحيانًا تشعُر بذلك بجسدك عندما تقِف بالقُرب من الشلَّال. وعند تحليل الاهتزاز ستجد أن أكبر قدرٍ منه يحدُث عند تردُّدٍ مُرتبطٍ بارتفاع سقوط الماء سقوطًا حرًّا من الشلال، وكلما زاد الارتفاع قلَّ التردُّد. فكيف يتسبَّب الشلال في اهتزاز الأرض؟ ولماذا يرتبط التردُّد بارتفاع الشلال؟
ويُطلِق الماء الفائض من السدِّ اهتزازاتٍ مُشابهة في عمود الماء وفي الهواء الموجود بين العمود والسد. وتُعرَف حركة الماء الناتجة لدى المهندسين الهيدروليكيين باسم «اهتزاز طبقة الماء». وفي الغالب تكون السدود مُصمَّمة ﺑ «قواطع منع تكوُّن الطبقات المائية» لمنع التدفُّق السلِس للماء، وذلك للحيلولة دون الاهتزازات، بتكوين ستائر كثيفة من الماء الساقط.
في الشلال، يُنتِج اصطدام واضطراب الماء عند أسفل الشلال أمواجًا صوتية داخل عمود الماء الساقط. وعند تردُّداتٍ مُعينة، تُصدِر هذه الموجات الصوتية «رنينًا» (أي إن الأمواج يُعزز بعضها بعضًا) وعندها يمكن أن يزداد هذا الاهتزاز ويُصبح قويًّا جدًّا. هذا الموقف يُشبه طريقة إصدار الأمواج الصوتية للرنين داخل أنبوب هواء له فتحة واحدة فقط؛ حيث يكون اهتزاز جزيئات الهواء صفرًا عند طرف الأنبوب المقفول ويبلغ ذروته عند الطرف المفتوح. ويكون التردُّد الذي يُطلَق عليه «التردُّد الأساسي»، الذي هو أقل تردُّد للرنين، هو المُهيمن على الصوت المسموع المُتسرِّب من الأنبوب.
في عمود ماء الشلال، يكون اهتزاز جُزيئات الماء عند قمَّة الشلال مُساويًا للصفر ويكون في أعلى مستوياته عند القاعدة، وتكون الاهتزازات أعلى ما يُمكن عند التردُّد الأساسي. تنتقل الموجات الصوتية عند ذلك التردُّد من الشلالات عبْر الهواء وعبْر الأرض. وكلما زاد ارتفاع الشلال، انخفض التردُّد الذي تسمعه من الموجات الصوتية عبْر الهواء. إلا أنك تستطيع الشعور بهذه الموجات الصوتية عبْر جسدك ويُمكنك أن تشعُر باهتزاز الأرض من خلال قدميك.
(١١٩) النوافير النابضة
كثير من العروض المائية الزُّخرفية، سواء في الأماكن المُغلَقة أو المفتوحة، بها نوافير تُرسِل انبجاسات مائية مُستقيمة في الهواء. فلماذا ينبض هذا التيار المائي الرأسي حتى عندما يكون تدفُّق الماء ثابتًا؟ يُمكنك أن ترى هذا النبض وتسمعه.
(١٢٠) الصب: الكوب المقلوب، وكأس الجعة الطويلة
املأ جزئيًّا وعاء شراب (مثل كوب الشرب العادي) له جوانب مستقيمة وفتحة عريضة. قُصَّ مربعًا ورقيًا أعرض نسبيًّا من فتحة الكوب وضعْ هذه الورقة على فتحة الكوب بإحدى يدَيك، وافرد أصابعك باتِّساع لتضغط بالورقة على أكبر مساحة مُمكنة من الحافة. بيدك الأخرى اقلب الكوب سريعًا، ثم أزل يدَك الأولى من على الورقة. ستجذب قوى الجاذبية كلًّا من الورقة والماء لأسفل، فلماذا لا يقَعان؟
إذا أزلتَ الورقة أو جعلتها تختفي بطريقةٍ سحرية، فسوف ينهمر الماء من الوعاء. فما سبب اختلاف الموقف عما كان عليه عندما كانت الورقة موجودة؟ إذا كان الوعاء ضيقًا (مثل أنبوب الاختبار الضيق) فلماذا يتمكن الماء من البقاء في مكانه؟
وإذا اختفت الورقة، فسوف يظلُّ الضغط الجوي قادرًا على دعم الماء في الكوب. أي لا شيء يتغيَّر في حجة الدعم. إلا أن الماء يكون غير مُستقر في مواجهة أي اضطراب عارض من شأنه إرسال موجات على واجهة الهواء والماء. فالنقاط المنخفضة (الوديان) في أي موجة من هذه الأمواج تجعل الماء يبرز لأسفل، والنقاط العُليا (القِمَم) تجعل الهواء يتحرك لأعلى. فإذا زادت إحدى هذه الأمواج في الحجم سريعًا، فسيتحرَّك الهواء لأعلى أحد جوانب الكأس ويتحرك الماء لأسفل عند الجانب الآخر.
والهواء الصاعد لأعلى يُعتصَر في الأسفل مكونًا فقاعة، والماء النازل لأسفل يُعتصَر في الأعلى مكونًا فقاعة. مع صعود إحدى الفقاعتَين ونزول الأخرى يحاول سطح الهواء والماء إعادة ترتيب حالة التسطح الأولية لكنه يكون غير مُستقر على الإطلاق. ومِن ثَمَّ تصعد سلسلة من الفقاقيع إلى الوعاء أثناء نزول سلسلة من الفقاقيع منه، وتُعرف هذه العملية في علم المحاكاة الصوتية باسم «البقبقة».
قد لا يتَّسِم سطح الماء بالحساسية تجاه الاضطرابات العارضة إذا كان الوعاء ضيِّقًا؛ لأنه في هذه الحالة سيكون مُتزنًا بفعل التوتُّر السطحي. وهذا يعني أن تعلُّق ماء السطح بجوانب الوعاء يُمكن أن يتغلَّب على الأمواج الصادرة عن الاضطراب.
وعملية البقبقة هي السبب في أن الشُّرب من كأس الجعة الطويلة يمكن أن يتسبَّب في فوضى. فالعُنق الضيِّق للكأس يمنع مرور الهواء بسهولة إلى الكأس ليخرج السائل من الكأس. وبدلًا من ذلك فإن عدم الاتزان على سطح السائل والهواء يؤدي إلى الارتفاع المفاجئ لفقاعة هواء كبيرة عبْر عُنق الكأس وصبِّ دفقةٍ كبيرة من السائل، وهذه الكمية الكبيرة من السائل أكبر من أن يسعها الفم أو أن تُبتلَع بسرعة. ويعرف محترفو الشُّرب من كأس الجعة الطويلة كيفية إمالة الكأس أثناء «تدوير» العنق الضيِّق بين أيديهم في وضعية رأسية. تؤدي عملية التدوير إلى تدوير السائل حول جُدران العُنق وتسمح بمرور الهواء على طول المحور المركزي للوعاء. وعندها يستطيع الهواء الدخول بسهولةٍ إلى الكأس، ويستطيع الشارب التحكُّم في كمية السائل الخارج من الوعاء.
(١٢١) تساقط قطرات الماء
عندما تسقُط قطرات الماء من الصنبور، كيف تقطع اتِّصالها بالماء المُتبقي في الصنبور؟ هل يُفقَد الاتصال بانفصالٍ أو انقطاعٍ مُفاجئ أم بوداعٍ مُطوَّل؟
ومن الممكن للموائع التي تتمتَّع بلزوجةٍ أكبر من الماء أن تُكوِّن أسطواناتٍ كثيرة أشدَّ رُفعًا، واحدة تلوَ الأخرى، على نحوٍ يُشبه بدرجةٍ ما سلسلة رسومات قطة القبَّعة اللانهائية الموجودة في أحد كُتب دكتور سوس، إلى أن تنقطع الأسطوانة السفلى والأكثر رفعًا. وعلى الأرجح ما يُسبِّب الانقطاع هو اضطراب عارِض مثل حركة الهواء أو اهتزاز الصنبور أو حتى الصوت.
(١٢٢) أشكال فقاقيع الصابون
عندما تنفخ فقاعة صابون عبْر حلقة بلاستيكية، فإنك تنفخ غشاءً من الصابون فتكون سطحًا مُقوَّسًا يتحرَّك بعيدًا عن الجزء الداخلي للحلقة عند التمدُّد. عندئذٍ يُصبح الحَيِّز الداخلي للحلقة خاليًا. ونظرًا لأنَّ غشاء الصابون ليس سطحًا مُغلقًا، فكيف تتكوَّن الفقاعة المغلقة عندما يتحرَّر الغشاء من الحلقة؟
لماذا تتَّخِذ الفقاعة التي تطفو بحرية شكلًا كرويًّا؟ وإذا تكون غشاء أسطواني بين دعامَتَين دائريَّتَين قريبتَين، فما الشكل الذي سيَتَّخِذه الغشاء عند ابتعاد الدعامتَين تدريجيًّا؟
وإذا شغلَتِ الفقاعة مسافة قصيرة بين دعامتَين دائريتَين مُصمَتَتَين (مِجدافَين مثلًا)، فسوف تتَّخِذ الفقاعة شكلًا أسطوانيًّا. ويكون الشكل مُستقرًّا لأنَّ أي اضطراب عارض يزيد تلقائيًّا منطقة السطح؛ ومِن ثمَّ يجذب التوتُّر السطحي الغشاء مرة أخرى إلى الشكل الأسطواني. أما إذا زاد الانفصال بين المِجدافَين عن مُحيطهما، فإن الفقاعة تُصبح غير مُستقرة وعندها سوف يتسبَّب أي اضطراب عارض في تفتُّتها إلى فقاعتَين أصغر حجمًا، واحدة على كل مِجداف.
وسوف تحصل على النتائج نفسها إذا استخدمتَ حلقتَين دائرتَين بدلًا من المجدافَين، شريطة أن يملأ الغشاء الحيِّز الداخلي لكلِّ حلقة بحيث يُغلِق الطرفَين. وإذا تمزَّق أحد الأغشية الطرفية، فسوف ينخفِض الضغط داخل الفقاعة لمُستوى الضغط الجوي، فيجعل مُستويات الضغط على جانبَي جدار الفقاعة مُتساوية. وهذه المُساواة تعني بالضرورة أن يُصبح مستوى تقوُّس الفقاعة مُساويًا للصفر، وتتحقق هذه الحالة بطريقة أنيقة؛ إذ يصير للفقاعة وسط مضغوط بحيث تُشبه الساعة الرملية. وعلى طول الخط المُمتدِّ بين الحلقة والأخرى يكون الانحناء مُقعرًا (إلى الداخل)، وعلى طول الخط المحيط بالفقاعة، أو الوسط، يكون الانحناء مُحدَّبًا (إلى الخارج). وبهذه الطريقة يكون الانحناء العام مُساويًا للصفر كما هو مطلوب. ولا تصبح هذه الفقاعة مُستقرة إلَّا إذا كان الفاصل بين الحلقتَين أقلَّ بكثيرٍ من مُحيطَي الحلقتَين. أما إذا كان الفاصل كبيرًا للغاية، فسوف يضيق الوسط على الفور وينفصل، ومن ثم يتقلَّص الغشاء المُتبقِّي على كلِّ حلقةٍ ليُصبح مُسطحًا.
(١٢٣) مسارات الفقَّاعات
عند إطلاق فقَّاعة عند قاع أسطوانة مائية طويلة فإنها يجب أن تتسلَّق الأسطوانة مباشرةً. وفي الواقع، هذا ما تفعله تمامًا الفقَّاعات الصغيرة والكبيرة. فلماذا تتَّخِذ الفقاعات المُتوسِّطة الحجم مسارًا مُتعرِّجًا أو حلزونيًّا؟
الفقَّاعة التي تصعد في الماء يجِب أن تكون كروية، كما هي الحال مع الفقاعات الصغيرة. فما السبب الذي يجعل الفقاعة الأكبر حجمًا مُسطَّحة في أسفلها؟
وإذا اقتربت فقَّاعتان صاعدتان تقارُبًا شديدًا، فمن المُمكن أن تتغيَّر حركتهما عن طريق تدفُّق الماء بجوار كل منهما. ومن الممكن أن تتدحرجا أو أن تتباعدا أو أن تنجذِب إحداهما نحو الأخرى وتتلامسان.
يتحدَّد شكْل أي فقاعة بناءً على التوتُّر السطحي لسطح الفقاعة وتأثير مقاومة المائع على الفقاعة في أثناء تحرُّكها. بالنسبة للفقاعة الصغيرة ذات الانحناء الشديد، يتغلب التوتر السطحي وتُسحَب الفقَّاعة لتكوِّن شكلًا كرويًّا لتقليل منطقة السطح. وهذا يعني أن الفقاعة تكون طاقتُها أقلَّ ما يمكن عندما تكون كروية الشكل، فأيُّ تشوُّهات تزيد منطقة السطح وتتطلَّب طاقة إضافية. وفي حالة الفقاعة الكبيرة ذات الانحناء الأقل، تكون مقاومة المائع مهمة والأثر الذي تتركه الفقاعة الصاعدة يُمكن أن يجعل السطح السُّفلي مُسطَّحًا.
عند إطلاق الفقاعة في مائعٍ شديد اللزوجة مثل عصير الفاكهة المُركَّز أو منتجات الشَّعر المختلفة، فمن المُمكن أن تستغرق الفقاعة وقتًا طويلًا في الصعود. ويمكن أن يعتمد شكلها على طريقة إطلاقها. على سبيل المثال، إذا أُطلِقَت في مائع فمن الممكن أن يكون لها ذيل عندما تتحرَّر من وصلتها الأولية، ومن الممكن أن تحتفظ بهذا الذيل طوال صعودها.
(١٢٤) الفقَّاعات الزائفة
اصنَعْ خليطًا من الماء وسائلِ تنظيفٍ خفيفٍ وضعه في وعاء، ثُمَّ اشفط بعضًا منه في زجاجة قابلة للعصر أو في قطارة (مثل النوع المُستخدَم لوَضْع القطرة في العين أو لوضع الدواء في فم الطفل الصغير). ضعْ حافةَ الزجاجة أو القطارة مباشرة فوق سطح السائل الموجود في الوعاء، وأطلِقْ كميةً صغيرة من السائل في السطح. ستَنتُج فقَّاعات عادية وبعض الفقاعات الأخرى التي يُطلَق عليها «الفقَّاعات الزائفة» التي تتَّسِم بشكلٍ وسلوكٍ مُختلفَين. فما الفقاعة الزائفة؟ ولماذا تتكوَّن هذه الفقَّاعات؟
إليكم طريقة أخرى لصُنع الفقاعات الزائفة. أولًا اصنَعْ عنقودًا من ثلاث فقَّاعات عادية مُتلامِسة أثناء الطفو على الماء. ثم اسمح لقطرةٍ من الماء والمُنظِّف بالسقوط في التجويف الذي تتلامَس فيه الفقَّاعات. ستجد أن فقاعة زائفة قد ظهرت تحت التجويف.
في فقاعة الصابون العادية، يتسرَّب الماء من القمَّة إلى القاع، فيُرقِّق القمة إلى أن تتمزَّق. أما في الفقاعة الزائفة، فيرتفع الهواء الموجود في القشرة إلى الأعلى، ويُرقِّق قاع القشرة إلى أن يخترق الماء القشرة. يحدُث كل هذا بسرعة، وهو ما يفسر لماذا لا تبقى الفقاعات الزائفة إلا لمدة قصيرة جدًّا.
(١٢٥) رفع الأرز بالعصا
ادفع بقوةٍ عصًا في وعاءٍ من الأرز النِّيء أو غيره من الحبوب. لماذا تزداد بسرعةٍ القوة المطلوبة كلما تحرَّكَت العصا لعمقٍ أكبر، ولماذا تصبح القوة كبيرة جدًّا عندما تقترب العصا من قاع الوعاء؛ حيث قد تُضطرُّ إلى طرْق العصا كي تتحرك ولو قليلًا؟
بمجرد تثبيت العصا اضرب الوعاء أو هُزَّه برفقٍ لعدة دقائق. إذا سحبت طرف العصا المكشوف لأعلى، فلماذا يتسبب ذلك في رفع وعاء الأرز بأكمله لأعلى؟
ويزداد الاحتكاك على نحوٍ أسرع عندما تقترِب العصا من قاع الوعاء. التأثير ليس مفهومًا جيدًا، لكن التخمين المعقول هو أنَّ المقاومة الشديدة لإعادة ترتيب الحبوب تأتي من أقواس الحبوب؛ حيث تُصبح الحبوب محبوسة في صورة أقواس تقاوم حركة العصا. (ومثلما من المُمكن أن تُصبح الأقواس الهندسية قوية، من الممكن أن تُصبح أقواس الحبوب قوية.)
عند ضرب الوعاء أو هَزِّه بعد إدخال العصا تُصبح حبَّات الأرز شديدة التكدُّس. وتتكدَّس حبَّات الأرز بشدةٍ حول العصا بصفةٍ خاصة. وعند سحْب العصا لأعلى يؤدي الاحتكاك بين حبَّات الأرز والعصا إلى تثبيت العصا في مكانها بقوة. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ حبَّات الأرز المُحيطة بالعصا شديدة التكدُّس ومُتماسكة بشدةٍ بعضها ببعض. الحبوب المُلاصِقة لجدار الوعاء مُتمسِّكة بقوةٍ بالجدار أيضًا. ومن ثَمَّ، فإنَّ كلَّ شيء — العصا والحبوب والوعاء — مُثبَّت في مكانه. أما إذا كانت العصا أو الوعاء زَلِقَين للغاية أو لم يكن الأرز مضغوطًا في مكانه، فسيُسبِّب ذلك وقوع كميات كبيرة من الأرز خارج الوعاء عند إدخال العصا فيه.
وإذا سحبتَ بقوةٍ كافية لاستخراج العصا بطريقةٍ بطيئة ومُحكمة فستجد على الأرجح أنَّ قوة الأرز المؤثرة على العصا تختلف دوريًّا. وعلى الرغم من أنَّ هذا الاختلاف غير مفهوم جيدًا، فهو على الأرجح يعود إلى تكوُّن الأقواس قُرب العصا وانهيارها.
(١٢٦) رمْي القُرص
عند رمْي قُرص في رياح معتدلة، هل سيذهب بعيدًا عند رميه عكس اتجاه الرياح أم مع اتجاه الرياح؟ بأي زاويةٍ يجِب إطلاق القُرص، وما طريقة إمالته؟ ولماذا ينبغي تدويره؟
إلا أن التوجيه ليس ثابتًا تمامًا في أثناء الطيران لأن مقاومة الهواء على القُرص ليست مُوزَّعة عليه بالتَّساوي، بل تتركَّز المقاومة على الجانب الأمامي والجانب الأيسر (بفرْض أن القُرص رماه رياضي أيمن مُستخدِمًا الأسلوب المعتاد). وقوى عزم الدوران الناتجة عن المقاومة غير المُوحَّدة تتسبَّب في تدوير مُقدمة القرص لأعلى قليلًا وتدوير الجانب الأيسر لأسفل قليلًا.
عند رمْي قرصٍ في رياحٍ مُعتدلة، فإن ضغط الرياح على الجانب السفلي يُضيف قوة رفع ويمنح رميةً أطول مقارنةً بالأحوال التي لا تتوافر فيها الرياح. وتستمرُّ هذه الميزة في حالة الرياح التي سُرعتها ١٥ أو ٢٠ مترًا في الثانية، بينما تؤدِّي الرياح القوية إلى اضطراب التوجيه وتتسبَّب في هبوط القُرص مبكرًا. وعند رمي القُرص في اتِّجاه الرياح، فإن الرياح تضغط على الجانب العلوي وتُقلِّل الرفع وتجعل الرمية أقصر.
(١٢٧) رمْي الرمح
يتضمَّن رمي الرمح زاويتَين مُهمَّتَين نسبةً إلى المحور الأفقي؛ إحداهما هي زاوية مسار الإطلاق، والأخرى زاوية الرمح نفسه. فما القيمة اللازمة لكلِّ زاوية لزيادة مدى الرمية؟ وتحديدًا، هل يَجِب أن تكون قيمة الزاويتَين واحدة؟
وعادةً ما تنخفض مُقدِّمة الرمح في أثناء الطيران بحيث ينغرز بالأرض عند الهبوط. ويعود هذا الدوران إلى تأثير القوى على مُقدمة الرمح. إن وزن الرمح هو القوَّة المسئولة عن «مركز الكتلة» (مركز توزيع الكتلة). والرفع مسئول عن «مركز الضغط» (مركز توزيع الضغط)، ويُوجَد عادةً خلف مركز الكتلة. وأثناء الطيران، يتسبَّب الرفع في دوران الرُّمح حول مركز الكتلة كي ينغرز في الأرض. وبمجرَّد دوَران الرمح، فإنه يُصبح أكثر انسيابيةً بسبب مرور الهواء ولا يتلقَّى المزيد من الرفع. ويمكن زيادة المدى إذا أُعيد تشكيل الرمح بحيث يقترِب مركز الضغط من مركز الكتلة. وقد يُسفر تغيير المكان عن تقليل دوَران العصا والحفاظ على الرفع في أثناء الهبوط.
(١٢٨) تقارُب القاربَين
عندما يمرُّ الماء بين قاربَين مُتجاورَين مُعاكسَين للتيار، لماذا يتقارَب القاربان؟
(١٢٩) الديناميكا الهوائية للكبلات وخطوط النقل
تستطيع الرياح العاتية دفْع الكبلات أو خطوط نقل الكهرباء في اتجاه الرياح. فلماذا «تقفز» بعض الكبلات وخطوط النقل في الرياح؛ أي تهتزُّ بصورةٍ عمودية على طولها وفي اتجاه الرياح؟ في بعض الحالات يمكن أن يؤدِّي هذا الاهتزاز إلى انقطاع التيار في الخطوط المُتجاورة، أو قطْع أحد الخطوط، أو سقوط برج دعم. وعلى الأرجح تحدث النتيجتان الأخيرتان عندما يكون الخط مُغطًّى أيضًا بالجليد.
انتشرت اهتزازات الكبلات في جسْر بوينت دي نورماندي، الذي كان أطول جسرٍ مدعوم بكبلاتٍ في العالم عند افتتاحه عام ١٩٩٥. وعلى الرغم من أنَّ اهتزازات الكبلات نفسها لم تتسبَّب في انهيار الجسر، فقد كان من المُمكن أن تتسبَّب الحركة في تهالُك الكبلات قبل الأوان فتُصبح في حاجة إلى إحلال مُبكِّر.
فما الذي يُسبِّب اهتزاز الكبلات والخطوط؟
ولحلِّ هذه المشكلة في جسر بوينت دي نورماندي، استعان مهندسو الجسر بمُتسلِّقي جبالٍ لتسلُّق الكبلات وربطها بحبال. ونظرًا لأنَّ الكبلات المُتجاورة مختلفة الأطوال، فإنها تختلف من حيث تردُّدات الرنين. ومِن ثَمَّ، فعند ربط كبلَين مُختلفَين في تردُّدات الرنين عند النقاط المناسبة، فإنَّ اهتزاز أحد الكبلَين يُقاوم اهتزاز الكبل الآخر.
(١٣٠) لوح التزلُّج على الأمواج
لكي تركب على لوح التزلُّج على الأمواج، ألقِ اللَّوح الدائري على طبقةٍ ضحلة من الماء (كتلك الموجودة عند حافة الماء على الشاطئ) بحيث يبدأ اللوح في الانزلاق على الماء. بعد ذلك قِف على اللوح. إذا ركبتَ اللوح بطريقةٍ صحيحة فمن المُمكن أن تنزلق لمسافة عشرة أمتار. فلماذا لا تتوقَّف تدريجيًّا بمجرَّد أن تضع وزنك على اللوح؟
عند ركوب لوح التزلُّج على الماء يقف المُتزلج بحيث يُميل حافة اللوح الأمامية لأعلى. بعد ذلك يصطدم الماء المار بالجانب السُّفلي للماء، فيمنح اللوح قوةَ رفع؛ ومِن ثَمَّ يجعله يظلُّ فوق الرمال الموجودة بالأسفل. إلَّا أن الوقوف بصورةٍ صحيحة يتطلَّب ممارسة. فإذا رفعت الحافة الأمامية للأعلى كثيرًا، فسوف يصطدم الماء بجزءٍ صغير جدًّا من أسفل اللوح، ومن ثَمَّ سيشهد قدرًا قليلًا من الرفع. وإذا ارتفعتِ الحافة الأمامية بدرجةٍ قليلة فسوف يكون الاصطدام خاطفًا ولن يُعطي الرفع الكافي. وبطبيعة الحال، فإن توجيه الحافة الأمامية لأسفل سوف يُنهي الركوب على الفور.
يمكن أن يكون تأثير مقاومة الهواء على مُتزلج الأمواج كبيرًا، بل أكبر من تأثير سحب الماء عليه. رغم ذلك، فإنَّ راكب الأمواج يستطيع غالبًا تطويل مدَّة الركوب عن طريق القرفصة لتقليل مساحة المقطع العرضي المُعرضة للهواء.
(١٣١) الطفو أثناء انعطاف السيارة
عند طفو بالون مليء بالهيليوم في سيارة مُغلقة النوافذ، لماذا يتحرَّك البالون نحوَ السقف عندما تنعطف السيارة انعطافًا حادًّا، وهل يتحرَّك إلى الخارج بعيدًا عن المنعطف أم إلى الداخل نحوه؟ وإذا انعطفت السيارة في طقسٍ بارد أثناء تشغيل نظام التدفئة في السيارة، لماذا يتغيَّر توزيع الهواء الدافئ أثناء الانعطاف؟ وفي أي اتجاهٍ يتغيَّر؟
والهواء الدافئ أقلُّ كثافة من الهواء البارد، ويميل إلى الاتجاه نحوَ اليسار أثناء الانعطاف. وإذا كنت قائد السيارة، فقد تشعُر به يتحرَّك أمام وجهك إذا لم تكن المروحة تُوجِّه الهواء بالفعل نحوَ وجهك.
(١٣٢) انعكاس الأمواج على المياه الضحلة
لماذا يستطيع الحاجز الرملي (المغمور) القريب من الشاطئ عكس أمواج المُحيط القادمة؟ لماذا تستطيع تشكيلات مُعيَّنة من الحواجز الرملية (أو الحواجز الصناعية المغمورة) عكس أمواج المُحيطات بقوة؟
يمكن حدوث انعكاس أقوى يُطلَق عليه «الانعكاس الرنان» أو «انعكاس براج» من خلال سلسلة من الحواجز الرملية التي يُعزِّز بعضها انعكاس بعض. فإذا كان للأمواج طول مَوجي مُعيَّن، وكان اتجاه انتقالها عموديًّا على طول الحاجز الرملي الضحل، فإن الانعكاس المُعَزَّز يحدُث إذا كانت المسافة بين الحواجز الرملية تُعادل نصف الطول الموجي للأمواج. تخيَّل موجة مُستمرة تنعكس من حاجزَين رمليَّين مُتعاقبَين. ستجد أن الجزء الذي تجاوز الحاجز الرملي الأول وانعكس من الحاجز الرملي الثاني ثم تجاوز الحاجز الرملي الأول مرة أخرى (لكنه يتحرَّك الآن إلى الخارج) من الواضح أنه قطع مسافة إضافية. هذه المسافة تُعادل ضعف المسافة بين الحاجزَين. وإذا كانت هذه المسافة الإضافية تُساوي الطول المَوجي للموجة، فعندما يصل هذا الجزء إلى الحاجز الرملي الأول يكون مُتزامنًا مع الموجة التي انعكست للتوِّ من الحاجز الرملي الأول. ومِن ثَمَّ، فإن هذَين الانعكاسَين يرتدَّان إلى المُحيط في تزامُن، ممَّا يُسفر عن موجة ناتجة قوية (عالية السعة).
باختصار، عندما ترتدُّ الأمواج المُنعكسة بفعل الحواجز الرملية عائدة إلى المُحيط في تزامن، يكون الانعكاس قويًّا، حتى إن مقدارًا قليلًا نسبيًّا من الموجة الأصلية يظلُّ مُتوجهًا نحو الشاطئ. وهذا النوع من الانعكاس الموجي يمكن أن يُساهم في حماية الشاطئ والمناطق القريبة من الشاطئ. وفي حالة وجود حاجزٍ رملي واحد أو حاجزَين في بادئ الأمر، فإن الأمواج تستطيع تحريك الرمال بالتعرية والترسيب، مُكوِّنةً حواجز رملية إضافية على الجانب الشاطئي للحاجزَين الرمليَّين الأصليَّين. وتستطيع حركة الأمواج تلك تكوين حواجز رملية إضافية ذات مسافةٍ بينية مُناسبة تبلغ نصف الطول الموجي بحيث تُسفر عن انعكاسات رنَّانة.
مشكلة هذا التفسير أنَّ الأمواج تصِل إلى الشاطئ بأطوال موجية مختلفة ومن اتجاهات كثيرة جدًّا. ومن المُمكن ألا يحدُث الانعكاس الرنَّان لكثيرٍ من الأمواج.
(١٣٣) الأمطار والأمواج
هل ثمَّة أي حقيقة في قول البحَّارة المأثور إن الأمطار تهُدئ أمواج المحيط؟
(١٣٤) مُذَبذِب مِلحي
املأ كوب شرابٍ شفافًا بالماء بصورة جزئية. ثم اثقُب قعْر فنجانٍ ورقي وأنزل الفنجان جزئيًّا في الماء، وثبِّتْه في مكانه بمشبك أو بلصْقِه في سكينتَي عشاء موضوعتَين على الكوب. حضِّر مزيجًا من ماءٍ مُعتدل المُلوحة وملوِّن طعام في وعاءٍ مُنفصل وصُبَّ المزيج ببطءٍ في الفنجان الورقي حتى يُصبِح سطحه أسفلَ سطح الماء العذْب في الكوب بقليل. سوف يتدفَّق تيَّار من الماء المُملَّح الملوَّن للأسفل عبْر الثُّقب، ثم يصعد تيَّار من الماء العذْب عبْر الثُّقب. ومن المُفترَض أن تُكرِّر دورةَ التدفُّق المتبادل تلك نفسها كلَّ بضع دقائق، وربما لعدَّة ساعات؟ فما السبب في هذا «المُذَبذِب الملحي» كما يُطلَق عليه؟
ومرة أخرى يُصبح هذا التوازُن في قاع الأنبوب غير مُستقر. وعندما يُسفر اضطراب عارض عن إرسال كمية صغيرة من الماء المالح إلى أسفل الأنبوب، سيؤدي زيادة الوزن في الأنبوب إلى اندفاع الماء العذْب خارج قاع الأنبوب، فيؤدِّي إلى اندفاع المزيد من الماء المالِح إلى الأنبوب. وفي النهاية يعود الترتيب إلى هيئته الأولى ويُصبح الأنبوب مُمتلئًا بالماء المالح. ثم تُعاد هذه الدورة مراتٍ عديدة.
وإذا كان الكوب الورَقي يحتوي على ثُقب بدلًا من أنبوب ضيِّق، فمن المُمكن أن نعتبِر الثُّقب أنبوبًا قصيرًا. إلا أنه في هذه الحال لا يعود دخول السائل في الآخر تدريجيًّا، بل يُصبح سريعًا لدرجةٍ تجعل من الصعب إيقافه (فالتداخُلات تحمل زخمًا).
ويصف جاليليو تجربة مُشابهة تتمثَّل في ملء كرة ذات فتحة ضيِّقة بالماء ثم وضعها وهي مقلوبة في كوب من النبيذ الأحمر. سيدخل النبيذ في الماء حتى تُصبح الكرة مملوءة بالنبيذ ويُصبح الكوب مملوءًا بالماء. وعلى الرغم من أن جاليليو لم يصف حدوث أي اهتزازات، فإننا من الممكن أن نُخمِّن حدوثها.
(١٣٥) أصابع الملح والنافورة المالِحة
ولكي ترى كيف يحدُث عدم الاستقرار تأمَّل إحدى هذه الأمواج الصغيرة. النقطة العُليا (الذروة) هي نتوء من الماء العذب الأكثر برودةً في الماء المالح الأكثر دفئًا، والنقطة السُّفلى (الوادي) نتوء من الماء المالِح الأكثر دفئًا في الماء العذب الأكثر برودة. تلك النتوءات من المُفترَض أن تتسطَّح ببساطةٍ غير أن الطاقة الحرارية تنتقل إلى النتوء العلوي وتهرب من النتوء السفلي. وعندما يُصبح النتوء العلوي دافئًا يُصبح أخفَّ ومِن ثَمَّ يشقُّ طريقه إلى ارتفاعٍ أعلى. وعندما يبرد النتوء السُّفلي يُصبح أثقل ومن ثَمَّ يشقُّ طريقه إلى عُمقٍ أدنى؛ ومن ثَمَّ فإن النتوءات تزيد بسبب انتقال الطاقة الحرارية، وتتحوَّل الموجة العارِضة المبدئية إلى أصابع ناتئة.
تتكوَّن أصابع مُشابهة عندما يعتلي محلول سكري ملوَّن (أقل كثافة) محلولًا ملحيًّا (أكثر كثافة). فكلٌّ من الملح والسكر ينتشران (يتشتَّتان) عبْر السطح البيني المحصور بين الطبقتَين، لكن الملح ينتشر أسرع. من المُفترَض أن تتسطَّح النتوءات الصادرة عن الاضطرابات العارضة، غير أنَّ انتشار الملح من النتوءات العلوية وانتشار الملح في النتوءات السفلية يجعل النتوءات تتحوَّل إلى أصابع.
في الترتيب الذي تتشكَّل فيه النافورة المالحة يصبح الماء البارد دافئًا عند انتقاله لأعلى الكوب بسبب الماء الأكثر دفئًا الموجود خارج جدار الكوب. ومن ثَمَّ، فإن الماء المُتَّجه إلى أعلى يصبح أخفَّ ويستمر في الصعود. وعندما يصل إلى الثقب يجد نفسه أخفَّ بكثيرٍ عن الماء المالح المُحيط ومن ثَمَّ ينبثق. ويُمكن أن تحدُث عملية شبيهة في نافورة المحيط المالحة الافتراضية؛ فبمجرَّد بدء التدفُّق سيُصبح الماء الذي يصعد الأنبوب دافئًا بفعل الماء الدافئ باستمرارٍ الموجود خارج الأنبوب. ومن ثَمَّ، سيُصبح الماء الداخلي أخف، ونظرًا لعدم قدرة الماء على اكتساب الملح من جدار الأنبوب، سيُصبح أخفَّ من الماء الخارجي؛ ولذلك، سوف يستمرُّ في الصعود عبْر الأنبوب.
(١٣٦) رفع الأشجار الطويلة للماء
كيف تتمكَّن شجرة بالغة الطول مثل شجرة السيكويا العملاقة من رفع الماء إلى الأوراق في أعلاها؟
ورغم ذلك، لا يزال الاعتراض على نموذج التماسُك والشدِّ مستمرًّا؛ ففي بعض النباتات يمكن أن يُسحَب الماء على مراحل، مثلما تُرفَع السفن العابرة في القنوات عبْر الهويس. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لظروفٍ بيئية مثل الجفاف أن تؤثر على طريقة رفع الماء.
(١٣٧) تكوُّن صفوف الرياح على الماء
عندما تهبُّ الرياح المُعتدلة على المسطحات المائية، لماذا تُكوِّن الفقاقيع والأعشاب البحرية والأوراق وغيرها من الأشياء الصغيرة الطافية صفوفًا مُتوازية يُطلَق عليها «صفوف الرياح»؟
(١٣٨) شوارع السُّحُب وقطاعات حرائق الغابات
لماذا يُطلَق على السُّحب المُرتَّبة أحيانًا في شكل خطوط رفيعة طويلة «شوارع السحب»؟ غالبًا ما يكون من الصَّعب رؤية هذا الترتيب من الأرض، لكن عند تصويره من قمرٍ صناعي يمكن أن تبدو هذه الخطوط شديدة الانتظام حتى إنها تبدو مصطنَعة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الرياح التي تهبُّ في حرائق الغابات يمكنها تكوين أنابيب دوَّامية أُفقية، ويُغيِّر الدوران داخل هذه الأنابيب المُتجاورة من نسَق الاحتراق؛ فعندما يكون اتجاه تدفُّق الأنابيب المُتجاورة لأسفل، يقلُّ احتمال احتراق الأشجار لأنَّ الدوَران يدفع الحريق بعيدًا نحوَ مناطق التدفُّق العلوي؛ لذلك في وجود رياح مُستمرة يمكن أن يمتدَّ الحريق عبْر إحدى الغابات في قطاعاتٍ مُتوازية تاركًا قطاعاتٍ وسطى من الأشجار غير المُحترقة.
(١٣٩) تعبئة حلوى حبيبات إم آند إمز
عند تعبئة برطمان بحلوى دائرية الشكل أو بحلوى حبيبات إم آند إمز (تلك الحلوى ذات الشكل البيضاوي التي تُنتجها شركة مارس)، فأي المجموعتَين ستكون أثقل وزنًا إذا كانت حبوب كلا النَّوعَين من الحلوى مُتماثلة في الكثافة؟
(١٤٠) كوم التفَّاح
إذا بنَيْتَ هرمًا من التفَّاح أو كومًا من الرمال، ففي أي نقطة على طول قاعدة البنيان سيكون تأثير القوة على الأرض أكبرَ ما يكون؟
إلا أنك عندما تُحاول رصَّ أشياء مثل التفاح أو حبيبات الرمال أو غيرها من الأشياء غير المُنتظمة لن تستطيع تكوين أعمدةٍ رأسية دون سند القطعة على عمودَين؛ فكل قطعة في الكوم تستنِد على قطعةٍ أسفلها مُزاحة ناحية الجانب. وهذا الترتيب يمكن أن ينقل قوة الدعم نحو جانب الكوم. ووفقًا للتجارب، فإنَّ أكبر تأثيرٍ للقوة على الأرض أسفل الكوم يكمُن عادةً في حلقة محيطة بالقاعدة، بين المركز والمُحيط الخارجي.
(١٤١) أشكال المساحيق
تكوِّن الرمال الأشكال التي يُطلَق عليها «أشكال كلادني» عند وضعها على سطح معدني أفقي يهتزُّ على نحوٍ شِبه مُستمر. ويمكن أن تنطلِق هذه الاهتزازات عن طريق سحْب قوس ناحية إحدى الحواف، أو قد يرتكز السطح المعدني على سمَّاعة قُمعية عمودية يشغلها مولِّد ذبذبات. فما السبب في هذه التصاميم؟ وإذا وضعْنا ترابًا ناعمًا بدلًا من الرمال (ربما مسحوق الطباشير) فلماذا يمكن أن تظهر أشكال مُختلفة؟ عند استخدام مزيجٍ من الرمال والتُّراب لماذا ينفصل المُكوِّنان؟
انثر مسحوقًا ناعمًا في شكل طبقةٍ مستوية تمامًا على سطح زجاجي أفقي، واضرب جانب السطح مرةً كل ثانية تقريبًا بعصًا بلاستيكية. لماذا يكوِّن المسحوق أكوامًا صغيرة قُمعية الشكل بعد عشرين ضربة تقريبًا؟
ونظرًا لأنَّ التراب أخفَّ من الرمال فإنه يتأثَّر بالتيارات الهوائية المُتكوِّنة فوق السطح المعدني مباشرة عند اهتزازه. وبالقُرب من السطح المعدني يميل الهواء إلى الانتقال من العقدة إلى البطن المُجاور ثم إلى الأعلى بعيدًا عن السطح المعدني. ومِن ثَمَّ، فإن تدفُّق الهواء يميل إلى حمْل التراب من العقدة إلى البطن المجاور، فيُرسبه هناك مع تحوُّل تدفُّق الهواء إلى الأعلى.
اسْتُخدمت أشكال كلادني في التحليل الجنائي لأجهزة الكشف عن الدخان. في أنواع مُعينة من الحرائق التي يصدُر عنها السخام تتجمع جزيئات الدخان في صفوف العقد الخاصة بالأجزاء التي تهتزُّ عندما يصدر جهاز كشف الدخان صوت الإنذار. ويمكنك أن تعرف فيما بعد إذا ما كان الإنذار قد أطلق الصافرة أثناء الحريق أم لا عن طريق رؤية إذا ما كانت أشكال كلادني المُتكوِّنة من ذلك السخام قد تراكمت على تلك القِطَع أم لا. وإذا لم تكن قد تراكمت عليها، فهذا يعني أن جهاز كشف الدخان لم يقُمْ بوظيفته.
عند ضرب سطح معدني يحمل ترابًا دقيقًا فإن هذا الضرب يُسفر عن اهتزازات رئيسية وجيزة في السطح المعدني، مما يؤدي إلى رفع التراب في الهواء ويؤدي أيضًا إلى تحرُّك الهواء. وبفرْض أن التراب تجمَّع في النقطة (أ) أكثر من تجمُّعه في المنطقة المُجاورة؛ فإن التراب الأكثر الموجود في النقطة (أ) يمكن أن يُغيِّر اهتزازات السطح المعدني وتدفُّق الهواء بحيث يتحرك التراب الموجود في المنطقة المُجاورة نحو النقطة (أ) عند نثره في الهواء. فعندما تهبط حُبيبات التراب على نقطةٍ مُتربة، فإنها تميل إلى الالتصاق، أما إذا هبطت على نقطة خالية فإنها لا تلتصق. ومِن ثَمَّ يزداد التراب في النقطة (أ) حتى تستحوذ النقطة (أ) على التراب المُجاور بالكامل. وتحدُث هذه البداية العارضة، وهذا الاستحواذ اللاحق، على سطح القُرص المعدني عند وجود مسافاتٍ شِبْهِ مُتساوية بين كلتا الكومتَين.
(١٤٢) المُذبذِب الهيدروليكي
وفي النهاية، يُصبح العمود في الجانب الأيمن أعلى على نحوٍ كافٍ من العمود الموجود في الجانب الأيسر بما يجعل حركة الماء تتباطأ وتتوقَّف ثم تنعكس. وفي الوقت نفسه، يُصبح الماء الموجود في القاع دافئًا. ومِن ثَمَّ، مع انعكاس الحركة يندفع الماء الدافئ إلى العمود الأيسر؛ ومِن ثَمَّ تُعاد الكرة.
(١٤٣) فقاعات الزيت التي تتحرَّك في الجلسرين
املأ وعاءً على نحوٍ شبهِ كامل بالجلسرين واملأ بقية الوعاء بزيت السيليكون الأخف وزنًا والأقلَّ لزوجةً عن الجلسرين. اترك الوعاء ليلًا دون تعريضه للاضطراب (للسماح بهروب الفقَّاعات الهوائية)، ثم أغلِق الوعاء واقلِبه. لماذا تتكوَّن فقاقيع الزيت في نسَقٍ شِبه مُوحَّد على السطح الذي أصبح الآن قاع الوعاء ثم ترتفع في صورة تيارات؟ هذا الترتيب هو أساس أنواعٍ عديد من ألعاب الموائع الجديدة التي يكوِّن فيها أحد الموائع فقاقيع تمرُّ عبر المائع الآخر دون أن تختلط به.
إليكم تجربة مشابهة: اترك وعاءً من شراب الذرة ساكنًا طوال الليل. ثم ضعْ أنبوبًا صغيرًا يُطلِق مزيجًا من شراب الذُّرة والماء بالقُرب من قاع شراب الذُّرة الموجود في الوعاء. سيكوِّن الخليط فقاعةً عند خروجه من الأنبوب. ونظرًا لأن فقَّاعة الماء والشراب أخفُّ من الشراب، فإن الفقاعة ترتفع. وأثناء ارتفاعها تترك خلفها أثرًا. ويمكن أن يُصبح هذا الأثر مسارًا للفقَّاعات الجديدة التي تنطلِق من الأنبوب.
(١٤٤) كُرة في تيَّار الهواء
جذبًا لانتباه العملاء تستخدِم بعض المتاجر عرضًا يتمثَّل في كرة مُعلَّقة في تيار الهواء. لو كان تيار الهواء صاعدًا لأعلى مباشرة فلن يكون التعلق مُدهشًا؛ لأن تأثير الهواء على الجانب السُّفلي من الكرة يُمكن أن يوازن تأثير قوة الجاذبية على الكرة. إلا أنَّ السمة الجاذبة للانتباه تتمثَّل في مَيل تيَّار الهواء بزاوية تبلغ ٤٥ درجة تقريبًا عن المستوى الرأسي. فكيف يتمكن تيَّار الهواء من تعليق الكرة؟ ولماذا تعود الكرة إذا ضربتها ضربة كافية لجعلها تترُك تيَّار الهواء جزئيًّا؟
ويمكن تعليق الكرة أيضًا في تيَّارٍ مائي رأسي. وعلى الرغم من أنها ستقفز وتُحاول الهروب من التيار فإنها تعود إليه. الفرق الوحيد هو أن هذا التيار مائي وليس هوائيًّا، لكن تغيير اتجاه التيار لا يزال يُفسِّر استقرار الكرة.
(١٤٥) سفينة فلتنر
في عام ١٩٢٥ عبرت سفينة صمَّمها المهندس أنطون فلتنر المحيط الأطلنطي غير مدفوعة بمروحة الدفع التقليدية المغمورة في الماء بل مدفوعة بأسطوانتَين دوَّارتَين بارزتين رأسيًّا في الهواء. فكيف تستطيع أسطوانتان دوَّارتان دفع سفينة عبْر الماء؟
إلا أن الأسطوانة تندفع على نحوٍ أكبر في حالة دوَرانها. ففي الجانب الذي يدور مع اتجاه الرياح يميل الهواء إلى التعلُّق بالأسطوانة لفترةٍ أطول من ذي قبل، وفي الجانب الذي يدور عكس اتِّجاه الرياح يتحرَّر الهواء من الأسطوانة على نحوٍ أسرع من ذي قبل. وتكون المُحصلة هي تغيُّر اتجاه تيار الهواء بفعل الأسطوانة الدائرة واتجاهه نحوَ الجانب مع اتجاه الدوران. ونظرًا لاندفاع التيار في اتجاهٍ مُعين، فإن الأسطوانة (ومِن ثَمَّ السفينة) تندفع إلى الاتجاه المُقابل.
لذلك من الناحية النظرية يمكن أن تُدفَع السفينة في الماء عن طريق تغيير اتجاه أسطواناتها في الرياح. ومن الناحية العملية، لا بدَّ أن الرحلة عبْر المُحيط الأطلنطي كانت مُخيفة؛ حيث تطلَّبت الصبر في توجيه السفينة في الرياح وفي السير في مسارٍ مُتعرِّج. (وربما استُخدِمت مروحة الدفع الخاصة بالسفينة على نحوٍ أكثر من المذكور.)
(١٤٦) مضيق جبل طارق ومضيق مسينة ومضيق صقلية
عندما تدخُل السفينة قناةً مُعينة عبْر مضيق جبل طارق، لماذا تستطيع الدوَران تلقائيًّا حول المِحور الرأسي أو تميل نحو الجانب؟ طالما عُرِف مضيق مسينة، الذي يفصل بين إيطاليا وصقلية، بمياهه الغادرة، وأُطلِق عليه «البحر المجنون». وقد أرجع هوميروس، على سبيل المثال، سلوك المياه الغريب إلى الوحشَين سيلا وكاريبديس. وفي الجانب الآخر من صقلية، في مضيق صقلية الذي يفصل الجزيرة عن تونس، تُهاجِم في بعض الأحيان المياه العالية ميناء الصيد الصقلي الكبير «مازارا ديل فالو» مكونة حائطًا عاليًا فوق المصبِّ القديم. فما سبب هذا السلوك الغريب في هذه المضايق الثلاث؟
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الأمواج الداخلية مسئولة أيضًا عن البحر المجنون في مضيق مسينة. وهناك يفصل سدٌّ بين ماء البحر الأيوني الأكثر كثافة والأشد ملوحة الواقع جنوب السد عن ماء البحر التيراني الأخف كثافة والأقل ملوحة الواقع شمال السد. تتَّسِم اهتزازات المد والجذر في البحر المتوسط بأنها صغيرة للغاية في العموم (فهي بضعة سنتيمترات فحسب)، أما الاهتزازات في هذَين البحرَين المُتواجهَين عبْر السد فمختلفة في الطور المَوجي (غير مُتوافقة). ومِن ثَمَّ، فعندما يرتفع الماء في أحدهما وينخفض الماء في الآخر، يتدفَّق الماء فوق السد. ونظرًا لاختلاف الكثافة يُولِّد التدفُّق أمواجًا داخلية. على السطح تظهر الأمواج كأحزمة يكون الماء فيها شديد الاضطراب كما لو كانت تُحرِّكه رياح عاصفة قوية. ومِن ثَمَّ، فإنَّ الأمواج الداخلية، وليست الوحوش التي وصفها هوميروس، هي التي هدَّدت سفن الصيد في هذه المنطقة.
ويرجع سبب المياه الغريبة في مضيق صقلية إلى خضخضة الماء في المضيق، ويُطلَق على هذا التأثير اسم «تراوُح منسوب السطح». تحدُث اهتزازات رنانة في المضيق؛ أي تحدث خضخضة طبيعية شديدة الشَّبَه بالخضخضة التي يمكنك إحداثها في طبق ماء تحمله عبْر الغرفة. وفي بعض الأحيان يُمكن أن تكون الخضخضة في المضيق كبيرة حتى إنها ترسل جدارًا من الماء يُطلق عليه «القفزة الهيدروليكية» أو «المَوجة الضخمة» أعلى المصب.
(١٤٧) تناثُر الحُبيبات
إذا وقعَتْ كرة ثقيلة جاسئة على طبقةٍ من الكرات الجاسئة الأصغر حجمًا، فلماذا يصدُر عن الارتطام نافورة ضيِّقة من الكُرات الأصغر حجمًا؟
(١٤٨) نتوء رفيع على الماء الجاري
عندما تكون الإضاءة مناسبة لماذا تستطيع رؤية خطٍّ رفيع كالشعرة يمتدُّ عبْر الماء بطيء الجريان في الجدول أو الغدير؟ (عادةً يجب أن تكون الشمس منخفضة كي يكون الضوء مائلًا، وحتى في هذه الحالة ستحتاج إلى محاولة الرؤية من زوايا عدة.)
عندما تقابل المياه البطيئة الحركة طبقة أحادية، فإن المياه القادمة تتراكم مكونةً نتوءًا رفيعًا جدًّا قبل أن تتمكن من التحرُّك أسفل الطبقة. وإذا كانت الإضاءة مناسبة فسوف تتمكَّن من رؤية الحافة نظرًا لتبايُنها مع الماء الجاري من ناحية وركود الطبقة من ناحية أخرى. ويُطلَق على هذا النتوء عادة «نتوء رينولدز»؛ لأن أوزبورن رينولدز (١٩٠٠) كان من أوائل من درَسوه، على الرغم من أنَّ بنجامين فرانكلين (١٧٧٤) وهنري ديفيد ثورو (١٨٥٤ ولاحقًا) لاحظوا هذه الظاهرة في السابق. ومن المُمكن أيضًا أن ترى نتوء رينولدز في بِركةٍ أو في مُسطَّح مائي مفتوح إذا دفعت الرياح المعتدلة الماء غير الملوث فوق طبقة من الملوثات.
(١٤٩) المجاري المائية الرفيعة المُتعرِّجة
عندما يكون مُعدَّل التدفُّق الحجمي أكبر نسبيًّا، يمكن أن تتسبَّب حركة الماء في جعل المجرى غير مُستقرٍّ عن طريق وجود سرعات مختلفة عبْر المجرى. يعني اختلاف السرعة هذا أن شكل المجرى لم يعُد متماثلًا. ويتسبَّب التوتر السطحي على الجانب الأكثر انحناء في قوة جذْبٍ أكبر من التوتر السطحي على الجانب الأقل انحناء.
وعندما يزداد مُعدَّل التدفُّق الحجمي، فإنَّ الماء المندفع يتمكن من التغلُّب على ميول التوتُّر السطحي. فمن الممكن أن يتجاوز المجرى الانحناءة؛ ومِن ثمَّ يُحركها من مكانها. أو من الممكن أن يتفرَّق على طول الخط المائل، تاركًا الانحناءة نظرًا لأن الماء يسلك طريقًا جديدًا، ثم تنزلق الأجزاء المتروكة على السطح المائل.
(١٥٠) قصاصات شعْر ماكينة الحلاقة الكهربائية وقارب الكافور العائم في الماء
عند إفراغ قصاصات شعْر صغيرة من ماكينة الحلاقة الكهربائية في الماء، مثلما يحدُث عادةً عند تنظيف ماكينة الحلاقة الكهربائية على المرحاض، لماذا تتباعَد قصاصات الشَّعْر سريعًا بعضها عن بعض بمجرَّد اصطدامها بالماء؟
القارب المدفوع بالكافور من ألعاب التسلية القديمة التي أصبحت الآن شِبه منسيَّة. اصنع «قاربًا» خفيف الوزن من ورَقِ الألومنيوم، واصنع فتحة على شكل قَطْع إسفيني في مؤخِّرة القارب. دع القارب يطفو بعنايةٍ على الماء، وضع كتلةً صغيرة من الكافور (مادة كيميائية لا تُباع بوصفةٍ طبية تُشترى من الصيدليات) عند فتحة القارب. سيبدأ القارب على الفور في التحرك للأمام عادة. فكيف يتسبَّب الكافور الطافي على الماء في حركة القارب؟
إذا أسقطتَ قطعةً قصيرة من بعض أنواع الغراء (مثل لاصق ديفكون دوكو) في طبقةٍ ضحلةٍ من الماء فلماذا تترنَّح القطعة وتدور؟
قلَّل الكافور، في القارب المدفوع بالكافور، التوتُّرَ السطحي في الماء عند مُؤخِّرة القارب؛ لأن جزيئات الكافور تحلُّ محلَّ جزيئات الماء فتضعف التوتر بين جزيئات الماء على السطح. يظلُّ التوتُّر السطحي للماء في مُقدِّمة القارب كما هو دون تغيُّر. يسحَب الماء المُجاور كلًّا من مقدمة القارب ومُؤخِّرته، لكن الشدَّ في مُقدمة القارب يكون أكبر، ومن ثَمَّ يتحرَّك القارب للأمام. ومع تحرُّك القارب حول الماء يتسامى الكافور تدريجيًّا في الهواء أو ينتشر في بقية الماء، ومن ثَمَّ لا يُصبح سطح الماء مُغطًّى بالكافور في النهاية، ممَّا قد يؤدي إلى توقُّف القارب.
إذا قطعتَ قطعة من الكافور لها طرف مُقوَّس ووضعتَها في الماء فإنها سوف تدور؛ فتركيز جزيئات الكافور في الماء المجاور للجزء المُقعَّر أكبر من ذلك المجاور للجزء المُحدَّب. والسبب في ذلك يعود إلى أنَّ جزيئات الكافور يمكن أن تتحرَّك بمزيدٍ من السهولة بعيدًا عن الجزء المُحدَّب. وهذه التركيزات غير المتساوية تجعل التوتر السطحي يُنتِج سَحبًا غير متساوٍ. فيُسحَب الطرف بدرجة أكبر عند الجزء المُحدَّب؛ ومِن ثمَّ تدور القطعة، ويقود الجزء المُحدَّب الجزء المُقعَّر في الدوَران.
وإذا أحاطت بقطعة الكافور حلقة طافية (وكانت مثلًا عشرة أضعاف حجم القطعة)، فإن القطعة الدائرة ستجعل الحلقة تدور في الاتجاه المُعاكس. وإذا وُضِع قارب الكافور في طريق على شكل الرقم ثمانية بالإنجليزية (طريقَين دائريَّين مُتصلَين في المنتصف)، فقد يتحرك القارب بطريقتَين: فمن المُمكن أن يظلَّ في إحدى الدائرتَين، فيَعبُر في المنتصف ويُغير اتجاه الدوران بين الدوران في اتجاه عقارب الساعة والدوَران في عكس اتجاه عقارب الساعة، أو من الممكن أن يعبُر المنتصف دون أن يُغير اتجاه دوَرانه. يعتمد الطريق الذي يسلكه القارب عند نقطة التقاطُع على أحداثٍ عشوائية نسبيًّا، لكنه يعتمد أيضًا على كمية الكافور الموجود أمام القارب في الطريقَين المُحتملَين. فإذا كان أحد الطرق لا يزال يحتوي على قدرٍ كبير من الكافور دون الطريق الآخر، فعلى الأرجح سوف يجذب التوتر السطحي الأقوى في الطريق الثاني القاربَ إلى ذلك الاتجاه.
وعند وضع قاربَي كافور في طريقٍ دائري أو في طريقٍ هندسي آخر، فسوف يؤثر الكافور الذي يتركه أحد القاربَين على سرعة القارب الآخر، وسُرعان ما ستُصبِح حركة القاربَين متزامنة حول الطريق، وسيكون القارب التابِع على مسافةٍ شِبه ثابتة من القارب المُتقدم.
عند إسقاط قطعتَين قصيرتَين من أنواعٍ مُعينة من الغراء في الماء، فإنهما يتحركان بتغيير التوتُّر السطحي في الماء المُحيط بهما على نحوٍ يُشبه الكافور كثيرًا.
(١٥١) بُقَع الزيت على الطُّرق
لماذا تكون بُقَع الزيت على الطُّرق بيضاوية الشكل عادةً، ويكون محورها الطولي موازيًا للتدفق المروري، وتتخذ في الغالب شكلًا حلقيًّا؟
ويَتحدَّد حجم قطرات المطر عن طريق عملية مُشابهة؛ فعندما تُصبح القطرة الساقطة كبيرة جدًّا ينفخها الهواء لتُصبح فقاعةً ثم ينفجر حَيِّزها الداخلي.
(١٥٢) أشكال قطرات الماء الساقطة على الجلسرين
لماذا يتكوَّن تدريجيًّا شكلٌ يُشبه الوردة عند سقوط قطرة ماء على طبقة رقيقة من الجلسرين؟
(١٥٣) أصابع زيت الزيتون على الماء المُغطَّى ببودرة التلك
في وعاءٍ ضحل نظيف صُبَّ طبقة رقيقة من الماء وانشُر كمية صغيرة من بودرة التلك (أي «بودرة الأطفال») على الماء. انفخ برفقٍ لتوزيع البودرة بالتساوي (يجب أن يبدو السطح ضبابيًّا وتكون الحبوب أصغر من أن تُرى). ثم اغمس طرف دبوس ورق مفرود في زيت الزيتون وضعْه لفترةٍ وجيزة جدًّا في منتصف الماء المُغطَّى ببودرة التلك.
إذا كانت كمية بودرة التلك صغيرةً وكانت الحُبيبات مُتباعدة جيدًا، فسيُحرك الزيت ببساطةٍ بودرة التلك إلى الخارج بحيث يُخلي منطقة شِبه دائرية. وإذا كانت كمية بودرة التلك كبيرة جدًّا، فلن يتمكن الزيت من تحريك بودرة التلك على الإطلاق، وسيمكث فحسْب على سطح الماء في صورة قطرة. أما إذا كانت كمية بودرة التلك متوسطة، فسرعان ما سيُظهر السطح نسقًا منتشرًا للخارج من النقطة التي لمسَها دبُّوس الورق. فما سبب تكوُّن النسَق؟
ولا تصمد الواجهة الفاصلة بين السائل اللزِج والسائل الأقل لزوجةً أمام الاضطرابات العارضة التي تُرسِل الموجات على طول الواجهة وتتأرجح كل موجة من هذه الموجات ما بين تسرُّبات طفيفة جدًّا للزيت في التلك والماء وبين تسرُّبات طفيفة جدًّا للتَّلك والماء في الزيت. وبمجرَّد أن تسيطر إحدى الموجات تنمو تسرُّباتها سريعًا لتُكوِّن «أصابع» رفيعة. وعندما تُصبح أصابع الزيت أكبر حجمًا فإنها تمحو التَّلك تاركة طُرقًا خالية بوضوح في مناطق التلك.
وفي الغالب يُدرَس عدَم استقرار الأصابع على الواجهة الفاصلة بين مائعَين في خلية «هيل شو»، التي تتكوَّن من لوحَين من البلاستيك الشفَّاف يفصل بينهما حشيَّة مطاطية ضيقة. تُملأ الخلية بالمائع قبل تثبيتها وغلقِها، ثم يُحقَن مائع آخر في المنتصف عن طريق حقنةٍ مغروسة في ثُقب صغير في أحد اللوحَين. يتقدَّم المائع الثاني داخل المائع الأول في هيئة أصابع مُتسرِّبة، وبعض الأشكال يُشبِه السراخس، بينما البعض الآخر يُشبه بتلات الورد، وبعض الأشكال يكون من الصعب وصفُه بسهولة.
(١٥٤) مُذبذِب دُهن الدجاج
في وسط صحنٍ ضحل يحتوي على الأمونيا وسائل تنظيف الأطباق ضع قطرة دُهنٍ سائل من دجاجة مطهية. لماذا تنبضُ القطرة؟
وهذا شَبيه بالأنظمة الأخرى التي تظهر فيها ذبذبات في التوتر السطحي؛ فالأمونيا تفصل الزيت ببطءٍ عن دُهن الدجاج، فتسمح للزيت بالتشتُّت (الانتشار تدريجيًّا) على سطح الماء. ويُقلل وجود الزيت التوتُّر السطحي حول القطرة. ونظرًا لأن التوتُّر السطحي البعيد عن القطرة أقوى فإنَّ السائل المُحيط بالقطرة ينسحب دائريًّا إلى الخارج، فيجعل القطرة نفسها تتمدَّد إلى الخارج.
إلا أنه عندما ينتشر الزيت يجد جُزيئات الصابون الموجودة على سطح الماء. تصبح بعض أجزاءٍ من الزيت مُحاطة بجزيئات الصابون في تشكيلةٍ يُطلَق عليها «أفرون»؛ إذ يلتصق الطرف الكاره للماء (الذي لا ينجذِب للماء) في كلِّ جُزيء صابون بالزيت، ويلتصق الطرف المُحبُّ للماء (المُنجذِب للماء) بالماء. وعندما يُصبِح الزيت مُحاصرًا، يزداد التوتُّر السطحي للماء ممَّا يسمح للقطرة بالاسترخاء والانسحاب إلى الداخل.
ثم تُعاد دورة التمدُّد والانكماش لأنَّ الحركة الخارجية للزيت على سطح الماء تتسبَّب في حركةٍ داخلية للماء والأمونيا الموجودة داخل الماء؛ ومن ثَمَّ تصل الأمونيا الجديدة إلى قطرة الدُّهن لتبدأ الدورة التالية.