والرَّمادِيُّ … يومًا قد يثُور
حينَ أخرُجُ من منزِلي في الصَّبَاحِ
أرَاهُ كعَادَتِهِ
سَاجِدًا لإلهتِهِ … الشَّمسِ
يشكُرُهَا لإعَادَتِهِ — بعدَما ماتَ — حيَّا
حينَ يلمَحُني قادمًا مِن قَريبٍ
يصيرُ على فَوْرِهِ وَثَنِيَّا
ويُحوِّلُ قِبلَتَهُ … والسُّجودَ … إِليَّا
ثُمَّ يتبَعُني زَاحِفًا
يتَقَمَّصُ شكلَ الرَّصيفِ
بكلِّ نُتُوءَاتِهِ وفَرَاغَاتِهِ
وبكلِّ مَرَارَتِهِ
ثُمَّ حينَ أَضِيقْ …
بالوُجُوهِ الغَريبةِ … والأعيُنِ الخَائِفَهْ
حينَ أهرُبُ مِن سَأَمِ الأرْصِفَهْ …
للطَّريقْ …
يتَقَمَّصُنِي … يتقَمَّصُ شَكلي
وهَرْوَلَتِي للعُبُورِ
أَمَامَ ظِلالٍ تُصَوِّبُ أبْوَاقَها نحوَنا سَخَطًا
ثم أطلُبُ أنْ أتَقَاسَمَ مَعْهُ اللُّهَاثَ … (لهُاثَ غَريقْ)
يتجاهلُني!
«كيفَ تنسَى حُقوقَ الصَّديقِ
إذا كنتَ حقًّا صَديقْ؟!»
لا يُجيبُ
فأمضي
ويَمضِي مَعِي
فأُرَاوِغُهُ … أتنَقَّلُ بينَ الأَزِقَّةِ والطُّرُقَاتِ
فيتبَعُنِي … يتَمَوَّجُ بينَ الأزِقَّةِ والطُّرُقَاتِ
يُرَاوِغُنِي … فيُغَيِّرُ مِن طُولِهِ كَي يُضَلِّلَنِي
يتقَاصَرُ …
حتَّى يُحَاكي انْكِمَاشَةَ هِرٍّ
يُداعِبُ أقدامَ صاحِبِهِ كَسَلًا
يتَطَاوَلُ …
حتَّى يُحَاكي اسْتِطَالَةَ نَصٍّ
يُعَذِّبُ أقلامَ كَاتِبِهِ مَللًا
فأُضَلِّلُهُ بادِّعَائي بأنِّيَ لمْ أكتشِفْ بَعْدُ تَضلِيلَهُ
وأغَافِلُهُ
ثُمَّ أقفِزُ تحتَ مظلَّةِ موْقِفِ هَيْئَةِ نَقْلٍ عُمُومِيَّةٍ
تتَكَدَّسُ فيهِ الوُجُوهُ
وترْكُضُ مِنْهُ الهَوَاجِسُ
أمكُثُ … أمكُثُ … حتَّى أضيقْ …
بالوُجُوهِ الغَريبَةِ … والأعيُنِ الزَّائِفَهْ
ثُمَّ أهجُرُ أقنِعَةَ الأرْصِفَهْ …
وأُلبِّي نِدَاءَ الرَّفِيقْ
الذي ظلَّ مُنتَظِرًا عندَ حَدِّ الطَّرِيقْ
«يا رَفِيقْ …
يا لَصِيقْ!»
يتَجَاهَلُ — عَمْدًا — نِدَائِي
يُمَارِسُ لُعبَتَهُ
يتَقَافَزُ حَوْلِي
يَمِيني … يسَارِي … أمَامِي … ورَائِي
ولكِنَّهُ أبدًا لا يُفَارِقُنِي
ربَّما حينَ حاولَ أنْ يتَمَرَّد …
كانَ يُريدُ ليهْربَ مِن عَالَمٍ جَامِدٍ وَاضِحٍ
ويعَودَ إلى عَالَمٍ شَاحِبٍ كصَدًى
غَامِضٍ كسُؤَالْ
.
ربَّما حينَ حاولَ أن يتَجَسَّد …
كانَ يظنُّ إذا اتَّحَدَ اللَّامُجَسَّمُ مِنْهُ
فكَوَّنَ جِسْمًا
سيحظَى برُوحٍ هُلامِيَّةٍ مَا
ليحْيَا بها في بِلادِ المحَالْ
.
ربَّما كانَ يحلُمُ
— لو كانَ يحلُمُ —
أنْ ذاتَ يومٍ يرَى نَجمةً
أنْ يُعَذِّبَهُ
— حينَ يَعشقُ —
سُهْدُ اللَّيالِي الطِّوَالْ
.
ربَّما حينَ كنتُ أُرَاقِبُهُ
وهْوَ مُنْهَمِكٌ في التَّغَلْغُلِ في ذِكرَياتِ التُّرَابْ …
كنتُ أبحثُ داخلَ ذاكِرَتي عَن تُرَابي …
(تُرَابي الذي مِنْهُ كنتُ ومِنِّيَ سوفَ يكونُ)
أُرَاقِبُهُ …
وأقولُ لنفسي:
شَبِيهانِ نحنُ
ولسنَا نُشَابِهُ إلَّا ضَبَابْ
.
ربَّما حينَ كانَ يُرَاقِبُني
وأنا سَابِحٌ في سَدِيمِ كِتَابْ …
كانَ يبحثُ عَن لُغَةٍ مَا ليكْتُبَ عنِّي
يقولَ بأَنِّي — أنا ظِلُّهُ الْبَشَرِيُّ — أَطُولُ وأَقْصُرُ
ثُمَّ يُدَوِّنُ وَحْيَ إِلهَتِهِ … الشَّمْسِ
أَمْرًا فأَمْرًا ونَهْيًا فنَهْيًا
ليَعْبُدَهَا — كَيْفَمَا نَزَلَ الوَحْيُ — حَقَّ عِبَادَتِهَا
.
ربَّما حينَ شَبَّ على حَائِطِ البيتِ
كانَ يظنُّ إذا قامَ مُنتَصِبًا قد يفوقُ قَوامِيَ طُولًا
فأتْبَعهُ أنا حيثُ أرَادَ الذَّهَابْ
ربَّما …
.
ثورَةٌ بَعْدُ لمْ تشتَعِلْ في الفُؤَادِ الرَّمَادِيِّ
حينَ بَدَتْ في الفَضَاء …
رَسَائِلُ حَمْرَاء …
أنْ حَانَ وقتُ الغِيَابْ
فاستدَارَ
تجَمَّدَ ثانِيَتَيْنِ لينظُرَ نحوِي
فصحْتُ بهِ:
«لا تُبَالِ بهذَا النِّدَاءِ السَّرَابِيِّ …
هَذا الهُرَاءِ الفَضَائِيِّ»
لكِنَّهُ
قبلَ أنْ تأْمُرَ الشَّمسُ … ذَابْ
قبلَ أنْ يَكْتُبَ الغَيْبَ … غَابْ
ربَّما ظَنَّ أَنَّ ورَاءَ السَّرَابِ البَعِيدْ
صَبَاحًا وَلِيدْ
وبَعْثًا جَدِيدْ
فسَارَ
ولمْ يَدْرِ أنْ ليسَ ثَمَّ إيَابْ
ربَّما …
ربَّما …
ربَّما