مشاهدٌ من غَيْبٍ لم يُكتَبْ بعد
(مشهد)
عَارِيًا …
(والصَّحارَى — التي انْبَثَقَتْ فَجْأَةً — قَاحِلَهْ)
تَائِهًا …
تنتَهِى لبدَايَتِها — كلَّمَا سَارَ مِيلًا — خُطاهْ
عَطَشٌ قد يُجَفِّفُ نَهرًا
وزَوْبَعَةٌ قد تُشَظِّي إلَهْ
هُوَ حَيٌّ ولكنَّهُ نَسيتْهُ الحَيَاهْ
عندَما ضَلَّ عَن قَافِلَهْ
بعدَ يَوْمَيْنِ يسْقطُ
يَشْرَبُهُ الرَّملُ
فالرَّملُ ظمْآنُ
منذُ رَوَتْهُ عُصَارَةُ آخِرِ شجرةِ أَرْزٍ
على ضِفَّةِ الأَمَازُونْ
(مشهد)
عَارِيًا …
(والثُّلُوجُ — التي انْبَجَسَتْ فَجْأَةً — قَارِسهْ)
تَائِهًا …
يُفَتِّشُ عَن شَمْسِهِ في انْهِيَارْ
يُسَاعِدُهُ حظُّهُ في العُثورِ علَيْها
ويتْرُكُهُ
لا يُحِسُّ بدِفْءٍ ولا يَسْتَبِينُ مَسَارْ
فالبَصِيرَةُ دَامِسَةٌ … دَامِسَهْ
بعدَ يومَيْنِ يسْقطُ
يدْفنُهُ الثَّلجُ
والثَّلجُ نَشْوانُ
مُذْ أدْفَأَتْهُ حَرارةُ آخِرِ عَائِلَةٍ مِن نَخِيلْ
دُفِنَتْ تحتَهُ مَعَ نَايٍ … ونِيلْ
(مشهد)
فوقَ قِمَّةِ إيفْرِسْت
ثَمَّ عجُوزٌ تُحمْلِقُ في البحرِ
في حَيرَةٍ
وترَى البحرَ أيضًا يحمْلِقُ فيها
ترَى في المياهِ انعِكاسَ سُؤالٍ يدورُ بخَاطِرِها:
«كيفَ جِئتُ هنا؟»
تتَأمَّلُ حَيرَتَهُ
ويَمَلُّ تَأمُّلَها
فيُلَمْلِمُ غيْمًا كرِيشِ غُرَابٍ تَناثَرَ
يصْنَعُ ليْلًا
وتَحْضنُ طِفلًا
ويَعْلِكُ صَخْرًا
وتَعْلِكُ ذِكرَى
يُزَمْجِرُ
تَهْذِي: «بُنَيَّ … بُنَيَّ … تَجَلَّدْ
ستَأتي السَّفِينَةُ عمَّا قَليلٍ ويَهْتفُ نُوحْ:
«ارْكَبُوا مَعَنَا!»
ويَغْرَقُ كُلُّ غُرابٍ يُغَنِّي الفَناءَ
وتَغْرَقُ كُلُّ عَجُوزٍ تنُوحْ
ويطْفُو أَمَلْ
سيظهرُ نُوحْ
ليعْصِمَنا مِن مَآسي الجَبَلْ
سيظهرُ نُوحْ
سيظهرُ … نُوحْ»
بعدَ يوْمَينِ تسْقطُ
يَحْضُنُها وابْنَها الموجُ
فالموجُ حَيْرانُ
منذُ أتَى مِن بُرُودَةِ قُطْبْ
إنَّ آخِرَ ما يَذْكرُ الموجُ
أنْ كانَ يومًا جَلِيدًا يُداعِبُ دُبّْ
(مشهد)
(معْمَلٌ هائلُ الأدَواتْ)
(عَالِمٌ هَادِرُ الكَلِمَاتْ:)
«أجلْ … إنَّهمْ ضَيَّعونا
الرَّعاعُ … دُعاةُ التَّخَلُّفِ
حمقَى … عَرايا … بأدْغالِ فيتْنامَ
أوْ جائعونَ … عَطاشَى … بصَحْراءِ إِثْيُوبيَا
أينَما وُجِدوا
ما اسْتَحقُّوا الوُجودْ
أنا مَن يَسْتحِقُّ الخُلودْ
أنا أمْلِكُ الكونَ
أمْرُقُ في سُرعَةِ الضَّوءِ للمُشْتَرِي
أُخْرِجُ الحيَّ مِن مَيِّتٍ كلَّ يومٍ
ولستُ أُكَبِّلُ أفعالَهُ
بخَلْقي لَهُ
أنا أُجْرِي الرِّياحَ بأمْرِي
وأصْنَعُ غَيْمًا إذَا شِئْتُ
أُنْبِتُ حيثُ أُريدْ
وأُجْدِبُ حيثُ أُريدْ
أجلْ …
إِنَّهمْ ضَيَّعوني
الرَّعاعُ …
العَبِيدْ»
بعدَ يَوْمَيْنِ ينْجُو
وَحيدًا
ليبْكي حَضارَتَهُ الزَّائِفَهْ
بعدَ يَوْمَيْنِ يسْقطُ
لا يَشْرَبُ الرَّملُ
لا يَدْفِنُ الثَّلجُ
لا يَحْضُنُ الموجُ
(أقْسَمَتِ الأرْضُ أنْ تأْنَفَهْ)
(مشهد)
بعدَ يومٍ
سأحْيَا
لأكْتُبَ … لا مَشْهدًا آخَرًا … بلْ سُؤالْ:
«كيفَ تبدُو المسَافَةُ للمُشْتَرِي
أَصْغرَ مِن خَطْوِنا اللِّيزَرِي
وتبدُو المسَافَةُ للضُّعَفَاءْ
أكْبَرَ … أكْبَرَ مِن كِبْرِيَاءْ؟!»