رجوعًا إلى المهد
إلى شباب الهجرة غير الشَّرعية والشَّرعية
كانَ يكفِي شُعاعُ بَدْرٍ شَحيبٌ
نلْسَعُ اللَّيلَ والخَواءَ بهِ
نُرهِقُ إرْهاقَنا بهِ
نتَدَفَّا
كانَ يكفي للعطْرِ … عُودٌ مِنَ الشِّيحِ
أوِ النَّعنَاعِ الصَّبوحِ
وللسُّكْرِ … قليلٌ مِنَ القَصَبْ
أو كثيرٌ مِنَ العِنَبْ
يتدَلَّى لنا … فنقْفِزُ لهْفَا
كانَ يكفي للشِّعْرِ … أنُّ المواويلِ
ويكفي صمْتُ المناجِلِ عَزْفَا
كانَ يكفي للَّهْوِ …
رَكْضٌ وراءَ القِطِّ في الدَّارِ
أو وراءَ «أبو القِرْدَانِ» في الحقلِ
(كانَ يشْبَعُ مِن وَجْبةِ دُودٍ!)
أو بلَّةٌ بمياهِ الرَّيِّ
أو قذْفُ النَّخلِ للتَّمْرِ
(لمْ نشْبَعْ ونقْنَعْ بالتَّمْرِ وجبَتِنا
حتَّى تضوَّرْنا …
الآنَ نَمضُغُ سَعْفَا!)
كانَ يكفي كلُّ الذي صارَ لا يكفي
أُضِيعَ المكانُ عنَّا
فضاعَ العمرُ مِنَّا
ضاقَتْ بما رَحُبَتْ كلُّ الأرَاضي
وأوْسَعَتْنا زَيْفَا
فارْتدَيْنا على الفُؤادِ قِناعًا
نتَخَفَّى بهِ عَنِ الآخَرين …
الغُرَباءِ … المغَرَّبِين …
فصِرْنا نتَخَفَّى عَنِ الحَنِين …
عَنِ الماضي
فصِرْنا عَن نفْسِنا نتَخَفَّى!
حينَ أبحَرْنا
كَمْ سَمِعْنا صَدًى صاحَ بِنا:
«لا يرْسُو الغَرِيبُ بِمرْفَا»
فتَصَامَمْنا عنهُ
ثُمَّ سَمِعْنا صوتَ قَرْعِ الرِّياحِ
فوقَ طُبولِ الموجِ
قُلْنا: لسوفَ نَرْسُو … سَوْفَا
أمَلًا …
كلَّما نضَمِّدُ جُرْحًا ونرَى آخَرًا
نقولُ: «سيُشْفَى»
عبَثًا …
مَرَّ العمرُ مَرَّ سَحابٍ
والجِراحاتُ تُمْطِرُ الرُّوحَ نزْفَا
قد حَبَوْنا مِن مَهْدِنا لأمانِينا
مُسِخْنا
عُدْنا إلى المهدِ زحفَا
كلُّ أرضٍ لمْ نَحْبُ فوقَ ثَراها
في طُفولاتِنا … هِيَ الأرضُ مَنْفَى
هِيَ الأرضُ مَنْفَى