من آثارِ رحَّال
(خدُوشٌ على مَهد)
سأمْشي على طُرُقٍ غيرِ مَرْصوفَةٍ
غيرِ مَوْصوفَةٍ في حكايا القدامَى
وفي سِيَرِ الفاتِحينْ
ربَّما
عندَ مُنْحَدَرٍ ما
خَفِيٍّ على أعْيُنِ الآمِنِينْ …
سأرَى هَيْكَلًا كامِلًا لليَقِينْ
أو أراكِ
— كما أنتِ —
أيْقونَةً للأُمومَةِ
فارِشَةً رَحْمَها لي مِهادَا
وأنا بارِعٌ في تَقَمُّصِ طَوْرِ الجَنينْ …
كلَّما ضاقَتِ الأرضُ بي
وبِنَفْسي حَنينٌ لأَوَّلِها
حينَ أنْقَصَنِي العُمرُ … زادَا
أو أراكَ
— كما أنتَ —
أيْقونَةً للأُبُوَّةِ
ظاهِرُها الصَّخْرُ
باطِنُها فيهِ ماءٌ مَعينْ
أو أراني
كما أنا
(نقُوشٌ على رَصيفْ)
غابَ القمرْ
غابَ القمرْ
غابَ …
فعذَّبَ العُيونَ في سُجونِ اللَّيلِ
حُرَّاسُ الظَّلامْ
وكنتُ جِئتُ هذهِ المدِينةَ المحرومَةَ النَّهارِ
والمحرومةَ النَّخيلِ والزُّهورِ … (أبناءِ المطَرْ)
محرُومَةَ الهَديلِ والهَديرِ … (آباءِ الكَلامْ)
جِئتُ …
وفي حَقِيبتي بعضُ زُهورِ الشَّمسِ
رغمَ هجرِهَا عَالَمَها
ترفُضُ أن تموتَ أو حتَّى تنامْ
وسِرْتُ عَارِيًا وحَافِيًا
على شَوْكِ عُيونِ العابِرينَ
رَاقَبوا لكي يرَوْا لوْنَ دِمائي
(لمْ تكُنْ خَضْراءَ مثلما توَقَّعْتُ
ولا حَمْراءَ مثلما تَوَقَّعُوا)
ورَاقَبوا لكي يرَوْا ضُلوعي
(لَمْ تَكُنْ طِينِيَّةً كما تَوَقَّعْتُ
ولا اسْمَنْتِيَّةً كما تَوَقَّعُوا)
ورَاقَبوا لكي يرَوْا حُطَامْ
فقلتُ:
«لن يُرهِبَني اللَّيلُ المليءُ بالشِّراكِ
والخَفافيشِ
ولنْ أَضِلَّ في هذا الزِّحَامْ»
لنْ أَضِلَّ في هذا الزِّحَامْ
(نقوشٌ على رَمْل)
حكايَتُنا قَصيرَهْ
فلا أبَدٌ سيمْنَحُها سَرِيرَهْ
ولن تَحْيا بذِكْراها عَشيرَهْ
قَصيرَهْ …
بما يَكْفي — فقطْ — لتَكاثُرِ الأحْزانِ … أو أقْصَرْ
مَرِيرَهْ …
بما يَكْفي لطَقْسٍ مُشْبَعٍ بالدَّمْعِ أنْ يُمْطِرْ
وتَنْتَظِرينَ أنْ نُرْوَى وأنْ نُشْعَرْ!
وأنْ سَيُعِدُّ كلٌّ ما يَراهُ مُناسِبًا
لطُقوسِ هذا الحُبِّ:
رَشَّةَ عِطْرْ،
هَمْسَةَ نايْ
رَشْفَةَ خَمْرْ،
أرْدِيَةً مُثيرهْ
أيَّتُها الغَريرَهْ!
متَى تَدْرينَ أنَّ الرَّملَ
طَوَّقَ كلَّ أطْرافِ الجَزيرَهْ
وأنَّ سِباحَتي في الرَّملِ
كي ألهُو وكي أنْجُو بلا خَطَرٍ
وكي أهْوَى خَطيرَهْ؟
سَلامًا يا ابْنَةَ الصَّحْراءِ
فابْنُ الرِّيفِ لمْ يُفْطَمْ
ويَكْتُبُ ثَدْيُ قَرْيَتِهِ مَصيرَهْ
سَلامًا يا ابْنَةَ الصَّحْراءِ
إنِّي شاعِرٌ أبْكَمْ!
أذابَ لِسانَ أحْرُفِهِ الأثيرَهْ
(لافِتَةٌ في يَمينِ المَسارْ:)
«الحُبُّ إفْكْ
والفِكْرُ إفْكْ
والشِّعْرُ إفْكٌ … وإفْكٌ … وإفْكْ»
(لافِتَةٌ في اليَسارْ:)
«أيُّما وَرْدةٍ نَضَجَتْ بينَ قَوْمٍ فلمْ يَجِدوا
رِيحَها
فهْيَ ذابِلَةٌ دونَ شَكّْ»
(نقوشٌ على غَيْم)
أمْطِري … أمْطِري …
فإِنَّ الحَناجِرْ …
أقْفَرَتْ
والكَلامُ عَنْها يُهاجِرْ
.
.
امْتَطي الرِّيحَ كيفَ شِئْتِ
ولكِنْ …
لا تَدوسَا على جِباهِ الأماكِنْ
.
.
كيفَ للصَّبَّارِ، الظِّباءِ، القَوافِلْ
بحَياةٍ ما …
والنُّجومُ أوافِلْ؟
.
.
.
كيفَ لي
— والرِّمالُ فَوْقي وتَحْتي وَأَمامِي —
ألَّا أعودَ إلى الخلْفِ
وفي ما لَيْسَتْ حُروبِي أُقاتِلْ؟!
.
.
.
كيفَ لي أنْ أنْجُو مِنَ الرَّملِ
إنْ كانتْ بِحاري …
مثلي
تخافُ السَّواحِلْ؟!
.
.
.
.
أيُّها الغَيْمُ …
يا تَرَانِيمَ عَطْشَى
بشِفَاهِ الصَّحْراءِ تُتْلَى
هُنا يا غَيْمُ … مَهْلا
ثَكْلَى السَّنَابِلُ … ثَكْلَى
وأنا أحْمِيهنَّ مِن قَحْطِ هاجِسْ
والمدَى ليسَ يَحْمِلُ الَّا الوَساوِسْ
يا غُيومًا تُبَلِّلُ البحرَ جَهْلا …
ألآبائِها تُزَفُّ العَرائِسْ؟!
«سوفَ تفْنَى … أوْ سوفَ تُصبحُ رَمْلا»
قَالَتِ الرِّيحُ،
قُلْتُ:
«لا ماتَ غَارِسْ»
(نقُوشٌ على رِيح)
لا أعْشَقُ الشِّتاءَ …
لكنِّي أحبُّ البُرْتُقالْ
.
لا أعْشَقُ الجِدالْ …
لكنْ ثَمَّ سِحْرٌ في السُّؤالْ
.
لا أعْشَقُ الرِّيفَ …
ولكنْ ضِعْتُ في رِيحِ الشَّمالْ
.
لا أعْشَقُ الشِّعْرَ …
وكيفَ؟! …
وهْوَ تَخْليقُ المحالْ
.
لا أكْرَهُ القِطارَ …
لكنْ بيْنَنا ذِكْرَى اغْتِرابْ
.
.
لا أكْرَهُ الظَّلامَ …
لكنْ فيهِ شَيءٌ مِن غُرابْ
.
.
.
لا أكْرَهُ الرَّملَ …
ولوْ في كلِّ رَمْلَةٍ سَرابْ
.
.
.
.
لا أكْرَهُ الموتَ …
وكيفَ وهْوَ تَمْزيقُ الضَّبابْ؟!
(خُدُوشٌ على شَاهِد)
أغَنِّى …
وكَمْ نَشوان من أنِّ ألْحاني
وأَدْمَى …
ولا خَجلان من عُرْيِ شرْياني
فلا كنتَ يا شِعْري إذا كنتَ ذابِحي
ولا كنتِ يا رُوحًا هَوَتْ ألْفَ جثْمانِ
.
ببُطْءٍ تنَفَّسْ يا فُؤادي
فقدْ يَمْضي الزَّمانُ بَطيئًا
هالَني جَرْيُ أزْماني
على الرِّيحِ والغَيْماتِ والرَّملِ تَجْرِي
تَمْسَحُ الفَرْحَ مِن نَقْشي
وتَنْقُشُ أحْزَاني
على الموجِ تَجْري …
كي تُراوِدَني عَن زَوْرَقي الأخْضَرِ المسْحورِ
والعاشِقِ الإبْحَار في زُرْقَةِ الآبادِ
بالحُورِ تُغْرِيني … بأطْنانِ مرْجانِ
طُفولَةُ رُوحِي تَسْتَثيرُ تَمَرُّدِي
وشَيْخوخَةٌ في الجِسْمِ تحبِسُ عِصْياني …
فأكْفُرُ بالأعْضاءِ
تلكَ التي صاغَ التُّرابُ بِها رَسْمي
وأُؤْمِنُ بالأهْواءِ
تلكَ التِي صاغَتْ خَيالي … ووِجْداني
وأُؤْمِنُ بالإنْسانِ يحْيا كإنسانِ
أؤْمِنُ بالإنسانِ يحْيا كإنسانِ
•••