حاتم الطائي
يُكنى بأبي سفَّانة، واسمه: هَزومةُ بنُ عبد الله، أدْرَك مولد النبي ﷺ ومات قبل مبعثه، كان جوادًا شاعرًا من فحول الشعراء، وكان حيثما نزل عُرف منزله، وكان ظَفِرًا إذا قاتَلَ غَلَبَ، وإذا غَنِم أَنْهَب، وإذا سُئل وَهَب، وإذا ضربَ بالقِداح سبَقَ، وإذا أَسرَ أطْلَق. يُضرب المثل بكرمه وسخائه، وكان جُودُه يُشبِه شعرَه، وكانتْ له قُدُورٌ عظام بفِنائه على الأسافي لا تنزل عنها، فإذا أهلَّ رجب نَحَرَ كلَّ يوم وأطعم.
يُروَى أنَّ أباه خلَّفه في إبِلِه وهو غلام، فمرَّ به جماعة من الشعراء، فيهم: عَبِيد بن الأَبْرَص، وبشير بن أبي حازم، والنابغة الذُّبْياني، فقالوا له: هل مِن قِرًى؟ فقال: أتسأَلوني القِرَى وقد رأيتم الغنمَ والإبلَ؟! فنَحَر لكلِّ واحدٍ منهم، فامْتَدَحوه بأشعار، فقال حاتم: أردتُ أن أُحسن إليكم فكان الفضلُ لكم عليَّ، وأنا أُعاهِد اللهَ أنْ أضرِبَ عراقيبَ إبِلِي عن آخِرِها أو تَقْدَموا إليها فتَقْتَسِموها. ففعلوا، فأصابَ الرجلُ تسعةً وتسعين بعيرًا، ومَضَوْا على سَفَرِهم، وجاء أبوه فقال: ما فعلتَ بالإبل؟ قال: طوَّقْتُك بها طوقَ الحمامة مجدَ الدهر، وكرمًا لا يزال الرجل يحمل بيت شعر أُثْنِيَ به علينا عوضًا من إبلك. فقال أبوه: إذن لا أُساكِنُك بعدَها أبدًا ولا آوِيك. فقال حاتم: إذن لا أُبالي.
حرف الباء
قال:
وقال:
وقال:
حرف التاء
قال:
يُروَى أنَّ حاتمًا أضافَ مرة ضيفًا ولم يَجِدْ عندَه ما يقدِّم إليه، وكان له ناقة يُقال لها «أفعى»، فعَقَرها وأطعَمَه منها، وبعث إلى عياله بقسمها، وقال:
حرف الحاء
قال:
وقال:
حرف الدال
قال:
وقال:
وقال:
وقال:
دخل حاتم على الحارث وأنشده:
وقال:
وقال:
وقال يخاطب امرأتَه ماوية:
حرف الراء
قال:
وقال:
وقال:
وقال:
جاور حاتم بني بَدْر زمنَ احتَرَبَتْ جَديلةُ وثُعَلُ، وكان زمن الفساد، فقال:
وقال:
أغارتْ طي على إبلٍ للحارث بن عمرٍو الجَفْنِي وقَتَلوا ابنًا له، فخرج يُرِيد طَيِّئًا، فأصاب في بني عَدِي بن أخزم تسعين رجلًا وأسلم بن دهم رهط حاتم، وحاتم يومئذٍ بالحِيرة عند النُّعْمان بن المُنْذِر، فأصابَهم مقدِّمات الجند، فلمَّا قدِم حاتم الجبلين جعلتِ المرأَةُ تأتيه بالصبي مِن وَلدِها فتقول: يا حاتم، أُسِرَ أبو هذا. فلم يلبث ليلةً حتى سار إلى الحارث، ومعه ملحان بن حارثة، فقال حاتم:
فأُعجب به الحارث، فاستَوْهَبَهم منه، فوهب له بني امرئ القيس بن عدي، ثم أنزله فأتى بالطعام والخمر، فقال له ملحان: أتشرب الخمر وقومك في الأغلال! قم إليه فاسأله إياهم، فدخل عليه فأنشده:
فلمَّا أنشده هذين البيتين أطلقَ له بني عبد شمس بن عدي، فقال:
سارتْ مُحارِب حتى نزلوا أعجاز أجأ، وكانتْ مَنازِل بني بولان وجِرْم بأموالهم، فخافتْ طيٌّ أن يَغلِبوهم عليها، فقال حاتم يحضُّهم:
وقال:
وقال:
خرج حاتم في نفر من أصحابه في حاجة لهم، فسقطوا على عمرو بن أَوس بن طريف بن المثنى عبد الله بن يَشْجُب بن عبدِ وُدٍّ في فضاءٍ من الأرض، فقال لهم أوس بن حارثة بن لأم: لا تَعْجَلوا بقَتْلِه فإنْ أَصبحتم وقد أحْدَق بكم الناسُ استَجَرْتموه، وإن لم تَرَوْا أَحدًا قتلْتُموه، فأصبَحوا وقد أَحْدَق الناس بهم فاستجارُوه فأجارَهم، فقال حاتم:
وقال:
حرف السين
وكان أوس بن سعد قال للنعمان بن المنذر: أنا أُدخِلُك بين جبلَيْ طَيِّئٍ حتى يَدِين لك أهلُهما. فبلغ ذلك حاتمًا فقال:
وقال:
حرف العين
قال يمدح بني زياد:
وقال:
يُروَى أنَّ سَفَّانة كانتْ من أجودِ نساءِ العرب، وكان أبوها يُعْطِيها الصِّرْمة من الإبل فتُعْطِيها، فقال لها حاتم: إنَّ القوَّتين إذا اجتمَعَتَا أتْلَفَتا، فإمَّا أن أُعْطِيَ وتُمْسِكي، أو أُمْسِك وتُعْطي، فإنَّه لا يُبقِي هذا شيئًا. وقال حاتم:
حرف الفاء
قال:
حرف اللام
قال:
وقال يذكر تحوُّل أبيه عنه:
وقال:
وقال:
وقال:
حرف الميم
قال:
وقال:
وقال يذكر بعيرًا فُصد:
وقال:
يُروى أنَّ أبا حاتم مات وحاتمٌ صغير، فكان في حجر جدِّه سعد بن الحشرج، فلمَّا فتح يدَه بالعطاءِ وأنْهَبَ مالَه ضيَّق عليه جدُّه وخلَّفه في داره، فبينا حاتم يومًا، إذ أنهب ماله، وهو نائم، إذِ انتبه وإذا حوله مائتا بعير، فساقَها إلى قومِه، فقالوا: يا حاتم، أَبْقِ على نفسِك، فقد رُزقتَ مالًا، ولا تعودنَّ إلى ما كنتَ عليه من الإسراف، فقال: إنها نُهْبَى لكم، فانتُهِبتْ، فأنشأَ يقول:
وقال:
خرج الحكم بن أبي العاصي بن أُمية بن عبد شمس ومعه عِطْر يُرِيد الحيرة، وكان بالحيرة سوق يَجْتَمِع إليها العربُ كلَّ سنة، وكان النعمان بن المنذر قد جعل لبني لأم بن عمرو بن طريف بن ثُمامة بن مالك بن جُدْعان بن ذُهْل بن رُومان بن خُبَيْب بن خارجة بن سعد بن قطنة بن طَيٍّ ربع الطريق طُعْمة لهم؛ وذلك لأنَّ بنت سعد بن حارثة بن لأم كانتْ عند النعمان وكانوا أصهارَه، فمرَّ الحكم بن أبي العاصي بحاتم بن عبد الله، فسأله الجوارَ في أَرض طيٍّ حتى يصير إلى الحيرة، فأجارَه، ثم أمر حاتم بجزور فنُحرتْ وطُبختْ أَعضاء فأكلوا، ومع حاتم ملحان بن حارثة بن سعد بن الحشرج وهو ابن عمِّه، فلمَّا فرغوا من الطعام، طيَّبهم الحكم من طيبه، فمرَّ حاتم بسعد بن حارثة بن لأم، وليس معه من بني أبيه غير ملحان، فوضع حاتم سُفْرتَه وقال: اطعَموا، حيَّاكم الله. فقالوا: مَن هؤُلاءِ معك يا حاتم؟ قال: هؤُلاء جيراني. قال له سعد: أَفأَنت تُجِيرُ علينا في بلادنا؟! قال له: أَنا ابنُ عمِّكم، وأحقُّ مَن لا تَخْفِروا ذمَّتَه. فقالوا: لستَ هذاك. وأَرادوا أن يَفْضَحوه كما فُضح عامرُ بنُ جُوَيْن قبلَه، فوَثَبوا إليه، فتناوَل كنديُّ بن حارثةَ بن لأم حاتمًا، فأَهْوَى له حاتمٌ بالسيف فأطارَ أَرنبةَ أنفِه، ووقعَ الشرُّ حتى تحاجَزوا، فقال حاتم في ذلك:
فقالوا لحاتم: بيننا وبينك سوق الحِيرة، فنُماجِدك بها، ونضع الرَّهْن، ففعلوا، ووَضَعوا تسعةَ أفراس رَهْنًا، على يد رجل من كلب يُقال له: امرؤ القيس بن عدي بن أَوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب، وهو جَدُّ سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، ووضَعَ حاتمٌ فرسَه، ثم خرجوا حتى انتهَوْا إلى الحِيرة، وسمع بذلك إياس بن قبيصة الطائي، فخاف أن يُعِينَهم النعمانُ ويُقوِّيهم بمالِه وسُلْطانِه، للصِّهْر الذي بينَهم وبينه، فجمعَ إياسٌ رَهْطَه من بني حَيَّة، وقال: يا بني حية، إنَّ هؤُلاء القوم أرادوا أن يَفضَحوا ابنَ عمِّكم في مِجادِه؛ أي بمُماجَدتِه. فقال رجل من بني حَيَّة: عندي مائة ناقةٍ سوداء، ومائة ناقة حمراء أدماء. وقام آخَر فقال: عندي عشرةُ حُصُن على كل حصان منها فارسٌ مُدجَّج لا يُرى منه إلَّا عيناه. وقال حسان بن جبلة الخير: قد علِمْتُم أنَّ أَبي قد مات وترك مالًا كثيرًا، فعليَّ كلُّ تمرٍ أَو لحمٍ أو طعامٍ ما أَقاموا في سوق الحِيرة. ثم قام إياسٌ فقال: عليَّ مثلُ جميعِ ما أَعطَيْتُم كلُّكم. وحاتمٌ لا يعلم بشيء مما فعلوا، وذهب حاتم إلى مالِكِ بن جبار ابن عمٍّ له بالحيرة كان كثير المال، فقال: يا ابن عم، أَعِنِّي على مُخايَلَتِي، والمخايلة: المفاخرة، فقال مالك: ما كنتُ لأخربَ نفسي ولا عيالي وأَعطيَك. فانصرَفَ عنه.
ثم أَتى حاتم ابن عمٍّ له يُقال له: وهم بن عمرٍو، وكان حاتم يومئذٍ مُصارِمًا له لا يكلمه، فقالتْ له امرأته: أَيْ وهم، هذا والله أَبو سفَّانة حاتمٌ قد طَلَع. فقال: ما لنا ولحاتم، أَثْبِتي النظر. فقالتْ: حاتم. قال: وَيْحَكِ هو لا يُكلِّمني، فما جاء به إليَّ؟ فنزل حتى سلَّم عليه، فردَّ سلامَه وحيَّاه، ثم قال: أَوَما جاءَ بك يا حاتم؟ فقال: خاطرتُ على حَسَبك وحَسَبي. قال: في الرُّحْب والسَّعَة، هذا مالي، وعدَّته يومئذٍ تسعمائة بعير، تأَخُذُها مائةً مائةً حتى تَذهَب الإبلُ أَو تُصْيبَ ما تُريد. فقالتْ له امرأَتُه: يا حاتم، أنت تُخْرِجنا عن مالنا وتفضحُ صاحبَنا؛ تَعْنِي زوجَها. فقال: اذهَبِي عنِّي، فوالله، ما كان الذي غمَّك لِيَرُدَّني عمَّا قِبَلِي.
ثم إنَّ إياس بن قَبِيصة قال: احملوني إلى المَلِك، وكان به نِقْرِسٌ، فحُمِل حتى أُدخِل عليه، فقال: أَنْعِم صباحًا، أبيتَ اللعن. فقال النعمان: وحيَّاك إلهُك. فقال إياسٌ: أَتمُدُّ أَخْتَانَك بالمال والخيل، وجعلتَ بني ثُعَلٍ في قَعْرِ الكنانة؟! أَظنَّ أختانُك أنْ يَصْنَعوا بحاتمٍ ما صَنَعُوا بعامرِ بن جُوَيْن، ولم يشعروا أنَّ بني حَيَّة بالبلد، فإنْ شئتَ والله نَاجَزْناك حتى يَسْفَح الوادي دمًا، فليحضروا لِمِجادِهم غدًا مجمعَ العرب. فعَرَف النعمانُ الغضب في وجهِه، فقال النعمان: يا أحْلَمَنا، لا تغضب؛ فإني سأَكْفيك. وأرسل النعمانُ إلى سعد بن حارثة وإلى أصحابه: انظروا ابنَ عمِّكم حاتمًا فأَرْضوه؛ فوالله، ما أنا بالذي أُعْطيكم مالي تُبَذِّرونه، وما أُطِيق بني حَيَّة. فخرج بنو لأم إلى حاتم، فقالوا له: أَعْرِضْ عن هذا الْمِجاد. فتَرَكوا أَرشَ أنفِ صاحِبِهم وأفراسَهم، وقالوا: قبَّحَها الله وأبعَدَها فإنَّما هي مقاذيف. فعدا إليها حاتم فعَقَرها وأطْعَمَها الناس.
حرف النون
قال:
وقال:
حرف الهاء
قال:
وقال:
وقال:
وقال:
•••
إلى هنا انتهى ديوان حاتم الطائي، وسيَتْبَعُهُ نُتَفٌ من أخباره في الصفحة التالية.
نُتَفٌ من أخبار حاتم الطائي
يُقال إنَّ حاتمًا كان مُنْقَطِعَ النَّظير في الكرم، فسارَ ذكرُه في الآفاق، وضُربتْ به الأمثال، ولَهَجَتْ به الشعراء.
وقد قال فيه بعضهم:
وقال آخَر:
وقال آخَر:
ومِن حديثهِ قيل: إنَّ حاتمًا جلَس يومًا للشَّراب، ودعا إليه مَن كان في الحلة، فحَضَروا وكانوا يُنَيِّفون عن مائتَيْ رجل، فلمَّا فرغوا مِن شَرابِهم وأرادوا الانصراف، أعْطَى كلَّ واحدٍ منهم ثلاثًا من النُّوق.
ومِن حديثه: أَسَرَتْ حاتمًا عنزةُ، فجعَلَ نساءُ عنزةَ يُدَارِينَ بعيرًا ليَفْصِدْنَه، فضَعُفْنَ عنه، فقُلْنَ: يا حاتم، أفاصِدُه أنت إنْ أطْلَقْنا يدَك؟ قال: نعم. فأَطْلَقْنَ إحدى يدَيْه فوَجَأ لَبَّتَه، فاستَدْمَيْنه منه، ثم إنَّ البعير عضد؛ أيْ لوَى عنقه؛ أيْ حزَّ، فقُلْنَ: ما صنعتَ؟! قال: هكذا فِصادِي. فجَرَتْ مثلًا، فلَطَمَتْه إحداهن، فقال: ما أنتنَّ نساءُ عنزةَ بكِرامٍ، ولا ذواتِ أحلامٍ. وإن امرأةً منهن يُقال لها عاجزة أُعجِبَتْ به فأطْلَقَتْهُ، ولم يَنْقِموا عليه ما فعل.
حُكي عن زوجتهِ النَّوار، قالتْ: أصابَتْنا سنةٌ اقشعرَّتْ لها الأرض، وضنَّتِ المراضِعُ على أولادِها، فوالله، إني لفِي ليلة صِنَّبِرة بعيدةِ ما بين الطرفين، إذْ تَضاغَى أولادُنا الثلاثة، فقام إلى الصَّبِيَّيْن، وقمتُ أنا إلى الصَّبِيَّة، فوالله، ما سكتوا إلَّا بعد هَدْأَةٍ من الليل، ثم نامُوا ونِمْتُ أنا وإيَّاهم، فأقبلَ عليَّ يُعَلِّلني بالحديث، فعَرَفْتُ ما يُرِيد فتناوَمْتُ وما يأْتيني نوم، فقال: ما لها، أنَامَتْ؟ فسَكَتُّ، ثم تَهَوَّرتِ النجوم، إذا شيءٌ قد رَفَع كسرَ البيت؛ فقال: ما هذا؟ قال: جارتُك فلانة. قال: ما لَكِ؟ قالت: الشَّرُّ، أتيتُك من عندِ صِبْيَةٍ يَتَعاوَوْنَ عَوِيَّ الذئاب من الجوع. قال: أَعْجِلِيهم. فهبَبْتُ إليه فقلتُ: ماذا صنعتَ؟! فوالله، لقد تَضاغَى صِبْيَتُك من الجوع، فما أصبتَ ما يُعَلِّلهم! فقال: اسكُتِي. وأقبلتِ المرأَة تحملُ اثنين ويَمْشِي بجانِبِها أربعةٌ، فقام إلى فَرَسهِ فنَحَرَه وكشَطَ عن جِلْدِه، ثم قال للمرأة: ابْعَثِي صِبْيَانَكِ، فبعثَتْهم، فاجتَمَعْنا، فقال: تأْكُلونَ دُونَ أهل الصَّوْمِ! ثم جعل يأْتي بيتًا بيتًا ويقول: دُونَكم النار! فاجتَمَعوا، فالْتَفَعَ بثَوْبهِ ناحيةً ينظر إلَيْنا، فوالله، ما ذاقَ منها مُزْعَةً، وإنَّه لأَحْوَجُهم، وأصبَحْنا وما على الأرض إلَّا عظمٌ أو حافرٌ.