الحقائق والاستنتاجات
عندما حولتُ انتباهي إلى الغرفة التي كنت فيها، وجدت محققَ الوفيَات يُراجع مذكرةً عبر نظارة ذهبية جذابة للغاية.
سأل: «هل رئيس الخدم هنا؟»
على الفور حدث اضطرابٌ وسطَ مجموعة الخدم الواقفين في الزاوية، وخرج من بينهم رجلٌ أيرلندي ذو هيئة تنمُّ عن ذكائه، وفي نفس الوقت إعجابه بنفسه نوعًا ما، ثم وقف ماثلًا أمام أعضاء هيئة المحلَّفين. قلت في نفسي بعد أن وقعَت عينيَّ على شاربه الدقيق، وعينيه الثابتتَين، وتعبيرِ الإصغاء الذي كان وقورًا، مع أنه لم يكن بأيِّ حالٍ من الأحوال متواضعًا: «أها، ها هو خادمٌ نموذجي، سيثبت على الأرجح أنه شاهدٌ نموذجي.» ولم أكن مخطئًا في ذلك؛ إذ كان توماس، رئيس الخدم، بلا نظيرٍ من كل النواحي، وكان يُدرك ذلك.
من دونِ ترددٍ بدأ محقق الوفَيات في استجواب رئيس الخدم، الذي بدا أنه ترك لديه، مثلما ترك لدى جميع الحاضرين في الغرفة، انطباعًا إيجابيًّا مماثلًا.
«هل اسمك توماس دوجرتي، كما قيل لي؟»
«أجل، يا سيدي.»
«حسنًا، يا توماس، منذ متى وأنت تعمل في وظيفتك الحاليَّة؟»
«لا بد أنني أمضيتُ سنتين حتى الآن، يا سيدي.»
«هل أنت أولُ شخص اكتشف جثة السيد ليفنوورث؟»
«أجل، يا سيدي، أنا والسيد هارويل.»
«ومَن هو السيد هارويل؟»
«السيد هارويل هو السكرتير الخاص للسيد ليفنوورث، يا سيدي؛ الشخص الذي كان يتولَّى أمر مكاتَباته.»
«جيد جدًّا. والآن، أيَّ وقت من النهار أو الليل اكتشفتَ هذا الأمر؟»
«مبكرًا، يا سيدي، في الصباح الباكر لهذا اليوم، حوالي الساعة الثامنة.»
«وأين كان ذلك؟»
«في المكتبة، يا سيدي، الملحقة بغرفة نوم السيد ليفنوورث. دخلنا عنوةً؛ لأننا شعرنا بالقلق لتغيُّبه عن الإفطار.»
«دخلتُما عنوة؛ هل هذا يعني إذن أن الباب كان موصدًا؟»
«أجل، يا سيدي.»
«مِن الداخل؟»
«لا يُمكنني أن أخمن ذلك؛ فلم يكن بالباب مِفتاح.»
«أين كان السيد ليفنوورث راقدًا عندما عثرتما عليه في البداية؟»
«لم يكن راقدًا، يا سيدي. كان جالسًا إلى المنضدة الكبيرة في منتصفِ غرفته، وكان ظهره في مواجهة باب غرفة النوم، وكان محنيًّا إلى الأمام، ورأسه على يديه.»
«ما الملابس التي كان يرتديها؟»
«كان في ملابس العشاء، يا سيدي، تمامًا مثلما كان حين غادر المائدةَ الليلة الماضية.»
«هل كانت توجد في الغرفة أيُّ أدلة على وقوع صراع؟»
«لا، يا سيدي.»
«هل كان يوجد أي مسدس على الأرض أو المنضدة؟»
«لا، يا سيدي.»
«هل يوجد أي سبب يدفعك إلى أن تظن أنه كان ثمة محاولةُ سرقة؟»
«لا، يا سيدي. كانت ساعة السيد ليفنوورث ومحفظته في جيوبه.»
عندما طُلب منه أن يذكر مَن كانوا في المنزل وقت اكتشاف الواقعة، أجاب: «السيدتان الشابتان: الآنسة ماري ليفنوورث والآنسة إلينور، والسيد هارويل، وكيت الطاهية، ومولي الخادمة المسئولة عن الطابق العلوي، وأنا.»
«هل هم الأفراد المعتاد وجودهم في المنزل؟»
«أجل، يا سيدي.»
«والآن، أخبِرني مَن مهمته غلقُ باب المنزل ليلًا؟»
«أنا، سيدي.»
«هل أوصدتَه كالمعتاد الليلة الماضية؟»
«فعلت، يا سيدي.»
«مَن فتَحه هذا الصباح؟»
«أنا، سيدي.»
«كيف وجدتَه؟»
«مثلما تركتُه.»
«عجبًا، ألم تكن توجد نافذة أو حتى باب غير موصد؟»
«لا، يا سيدي.»
في تلك اللحظة كان يمكنك أن تسمع رنينَ إبرةٍ إن سقطَت على الأرض. فبديهية أن القاتل، أيًّا كان، لم يكن قد غادر المنزل، على الأقل حتى جرى فتحه في الصباح، بدَت أنها كانت نقطةً شغَلَت تفكيرنا جميعًا. ولانتباهي إلى هذه الحقيقة مسبقًا، لم أستطع أن أمنعَ نفسي من الشعور بقدرٍ من الانفعال لكون هذا الأمرِ قد عُرِض أمامي؛ وتحركتُ حتى أجعل وجه رئيس الخدم في نطاق رؤيتي، وأخذتُ أتفحَّصه بحثًا عن دلالة خفية على أنه تكلم بتلك الطريقة القاطعة حتى يُخفي إخفاقًا ما في أداء واجبه. لكنَّ الصدق الباديَ على وجهه كان راسخًا، واحتمل نظرة التركيز من جميع الحاضرين في الغرفة بجمود كالصخر.
وبسؤاله الآن عن المرة الأخيرة التي رأى فيها السيد ليفنوورث على قيد الحياة، أجاب: «في عشاء الليلة الماضية.»
«لكن، هل رآه بعضكم بعدها؟»
«أجل، سيدي، السيد هارويل يقول إنه رآه في وقتٍ متأخر في الساعة العاشرة والنصف مساءً.»
«في أي غرفة تُقيم في هذا المنزل؟»
«في غرفة صغيرة في القبو.»
«وأين ينام باقي أفراد المنزل الآخرين؟»
«أغلبهم في الطابق الثالث، يا سيدي؛ السيدتان في الغرف الكبيرة الخلفية، والسيد هارويل في غرفة صغيرة في الواجهة. الخادمتان تنامان في الأعلى.»
«لم يكن يوجد أحد في الطابق نفسه مع السيد ليفنوورث؟»
«لا، يا سيدي.»
«في أي ساعة أويت إلى فراشك؟»
«حسنًا، أظن في نحو الساعة الحادية عشرة مساءً.»
«هل تتذكر أنك سمعت أيَّ ضوضاء في المنزل سواءٌ قبل ذلك الوقت أو بعده؟»
«لا، يا سيدي.»
«هذا يعني أن ما اكتشفتَه صباح هذا اليوم كان مفاجأةً لك؟»
«أجل، يا سيدي.»
بعدما طُلِب منه بعد ذلك أن يُقدم سردًا أكثرَ تفصيلًا لاكتشاف تلك الواقعة، استطرد قائلًا إنه لم يكن ثَمة شكٌّ ساورَ جميع من في المنزل في أن الأمور لم تكن على ما يُرام إلا بعد أن تغيَّب السيد ليفنوورث عن الحضور إلى مائدة الإفطار عندما دق الجرس الخاص بذلك. حتى حينئذٍ انتظروا بعضَ الوقت قبل أن يهمُّوا بفعل أي شيء، ولكن بعد أن أخذت الدقيقة تلو الأخرى تمر دون أن يأتي، ازداد قلق الآنسة إلينور، وأخيرًا غادرت الغرفة قائلةً إنها ستذهب وترى ما الأمر، لكنها عادت بعد مدة وجيزة وعليها أماراتُ ذعرٍ شديد، قائلةً إنها قد طرقت باب غرفة عمها، ونادت عليه حتى، لكن لم يأتها ردٌّ منه. عندئذٍ، صعد هو والسيد هارويل معًا لأعلى وحاولا فتح البابَين، وإذ وجدا أنهما موصَدان، فتحا باب المكتبة عنوةً، وعندئذٍ اقتربا من السيد ليفنوورث، كما قال قبل ذلك بالفعل، وكان جالسًا إلى المنضدة ميتًا.
«والسيدتان؟»
«آه، لحقَتا بنا إلى الأعلى ودخلتا الغرفةَ وسقطت الآنسة إلينور مغشيًّا عليها.»
«والأخرى، الآنسة ماري، أظن أن هذا اسمها؟»
«لا أتذكر أي شيءٍ عنها؛ كنت منشغلًا بإحضار الماء لإفاقة الآنسة إلينور، فلم أُلاحظ.»
«حسنًا، كم مر من الوقت قبل حمل السيد ليفنوورث إلى الغرفة المجاورة؟»
«على الفور تقريبًا، ما إن استردَّت الآنسة إلينور وعيها، وكان ذلك بمجرد أن لمس الماء شفتَيْها.»
«مَن الذي اقترح نقل الجثة من موضعها؟»
«هي، يا سيدي. ما إن وقفَت على قدميها، حتى اتجهَت ناحيتها وألقت نظرةً عليها فارتعدت أوصالُها، ثم نادتني أنا والسيد هارويل، وأمرتنا أن نحملها إلى الداخل وأن نضعَها على السرير وأن نذهب لإحضار الطبيب، وهو ما فعلناه.»
«انتظِر لحظة؛ هل ذهبَت معكما عند دخولكما إلى الغرفة الأخرى؟»
«لا، يا سيدي.»
«ماذا كانت تفعل؟»
«بقيَت بجوار منضدة المكتبة.»
«وماذا كانت تفعل؟»
«لم أستطع أن أرى؛ كان ظهرها مقابلًا لي.»
«ما المدة التي بقيَت فيها هناك؟»
«كانت قد غادرَت عند رجوعنا.»
«أتقصد تركت المنضدة؟»
«تركت الغرفة.»
«همم! متى رأيتها مرةً أخرى؟»
«بعد دقيقة. أتت إلى باب المكتبة بينما كنا نخرج.»
«هل كانت تحمل أي شيء في يدها؟»
«لم تكن تحمل شيئًا حسب ما رأيت.»
«هل لاحظتَ اختفاء أي شيء من فوق المنضدة؟»
«لم أفكر مطلقًا في التحقُّق من ذلك، يا سيدي. لم تُمثل المنضدة أي أهمية لي. لم أكن أفكر حينها إلا في الذَّهاب إلى الطبيب، مع أني كنت أعرف أن ذلك بلا فائدة.»
«مَن تركتَه في الغرفة عندما خرجت؟»
«الطاهية، يا سيدي، ومولي يا سيدي، والآنسة إلينور.»
«والآنسة ماري؟»
«لا، سيدي.»
«حسنًا. هل لدى هيئة المحلَّفين أيُّ أسئلة تُوجهها إلى هذا الرجل؟»
صدَرَت حركةٌ على الفور من تلك المجموعة الجادة.
«أودُّ أن أطرح بضعة أسئلة»، صاح بذلك رجلٌ نحيل الوجه، يبدو عليه الانفعال قليلًا، كنت قد لاحظت أنه كان متململًا في جلسته بطريقة متوترة تدلُّ بشدة على رغبةٍ عارمة، لكنها كانت مكبوتة حتى الآن، في مقاطعة سَير الاستجواب.
أجاب توماس: «على الرحب، يا سيدي.»
لكن حالما توقف المحلَّف ليأخذ نفَسًا عميقًا، انتهز الفرصة دون ترددٍ رجلٌ ضخمٌ ومختال بلا شك، كان يجلس عن يمينه لكي يسأل بصوتٍ جَهْوري يرغب صاحبُه في لفت الانتباه:
«تقول إنك تعمل هنا في خدمة الأسرة منذ عامين. هل كانت من الأُسَر التي يمكن أن تطلق عليها أسرة مترابطة؟»
«مترابطة؟»
«متوادَّة، كما تعرف، تربط بينهم علاقة جيدة.» ورفع المحلَّف سلسلة ساعته الطويلة والثقيلة التي كانت معلقة عبر صدريته وكأنه هو وهي من حقهما أن يتلقَّيان إجابة مناسبة ومدروسة.
نظر رئيس الخدم نظرة حوله تنم عن عدم ارتياحه؛ إذ ربما أثاره أسلوبُ ذلك الرجل. ثم قال: «أجل، سيدي، حسب حدود معرفتي.»
«هل كانت السيدتان الشابتان متعلقتَين بعمِّهما؟»
«أجل، سيدي.»
«وإحداهما بالأخرى؟»
«حسنًا، أجل، أظن ذلك؛ لستُ أهلًا لأن أقول ذلك.»
«تظن ذلك! هل لديك أي سبب يدفعك إلى أن تظن خلاف ذلك؟» ولفَّ سلسلة ساعته حول أصابعه وكأنه يريد أن يُضاعف انتباهها مثلما أراد أن يضاعف انتباهه.
تردَّد توماس لحظةً. ولكن ما إن أوشك المُحاور على إعادة سؤاله ثانيةً، شدَّ جسده لأعلى بأسلوب متكلَّفٍ ورسمي نوعًا ما وأجاب:
«حسنًا، يا سيدي، لا.»
بدا أن المحلف، مع كل غطرسته، قدَّر تحفُّظ الخادم الذي امتنع عن إبداء رأيه في مثل هذا الأمر، ثم تراجع إلى الخلف راضيًا عن نفسه، وأشار بتلويحة من يده إلى أنه لم يعد لديه المزيدُ مما يرغب في قوله.
في الحال تقدم الرجل المنفعل، الذي أشرنا إليه سابقًا، إلى حافة الكرسيِّ الخاص به وسأل، ولكن دون تردد هذه المرة: «في أيِّ ساعة فتحتَ المنزل صباح هذا اليوم؟»
«في نحو الساعة السادسة، يا سيدي.»
«وهل يمكن لأي أحد أن يُغادر المنزل بعد ذلك الوقت دون عِلمك؟»
نظر توماس نظرة خاطفة بغير ارتياح إلى زملائه من الخدم، لكنه أجاب فورًا كما لو كانت إجابتُه من دون تحفظ:
«لا أظن أنه يمكن لأي أحد أن يُغادر هذا المنزل بعد الساعة السادسة صباحًا دون علمي أو علمِ الطاهية بذلك. لن يقفز أحدٌ من نوافذ الطابق الثاني في وضَح النهار، وأما عن المغادرة من أبواب المنزل، فالباب الأمامي يُغْلَق بصوتٍ عنيف يسمعه كلُّ من في المنزل من أعلاه إلى أسفله، وأما عن الباب الخلفي، فلا يمكن لأحدٍ يخرجُ منه أن ينفذَ إلى باحة المنزل دون أن يمرَّ بنافذة المطبخ، ولا يمكن لأحدٍ أن يمر بنافذة مطبخنا دون أن تلمحَه الطاهية، ويمكنني ببساطة أن أُقْسِم على ذلك.» ثم رمق الشخصية المعنية ذات الوجه المستدير المحمرِّ بنظرةٍ تنطوي من ناحيةٍ على استفسار ومن الناحية الأخرى على مكر، وتُشير بشدة إلى مشاجرات حديثة وغير منسية ربما حول غلَّاية القهوة بالمطبخ وحامل أواني البهارات.
هذه الإجابة، التي كانت ذاتَ طبيعة محسوبة لتعميق التوجُّسات التي كانت قد استقرَّت بالفعل في أذهان الحاضرين، أحدثت تأثيرًا ملموسًا. فالمنزل كان موصدًا، ولم يُلاحَظ خروجُ أحدٍ منه! بات واضحًا إذن أننا لم نكن بحاجةٍ إلى البحث عن القاتل بعيدًا.
متململًا على كرسيِّه بحماس متزايد، إن صحَّ لي قولُ ذلك، نظر المحلَّف نظرةً حادة إلى مَن حوله. لكن، إذ لمس الاهتمامَ المتجدد في وجوه من حوله، تراجع عن أن يُضعف تأثيرَ الإقرار الأخير بطرح أي سؤالٍ آخر. لذلك، تراجع في جلسته مستقرًّا بارتياح، وترك المجال مفتوحًا لأي محلَّفٍ آخر قد يختار أن يُتابع الاستجواب. لكن لم يَبدُ أن أحدًا كان مستعدًّا لفعل هذا، وأبدى توماس بدوره نفادَ صبره، وأخيرًا، ناظرًا بتوقيرٍ فيمن حوله، سأل:
«هل يرغب أي أحد آخرَ من السادة الموقَّرين في توجيه أي سؤالٍ لي؟»
لم يُجب أحد، فألقى نظرة ارتياحٍ سريعةً ناحية الخدم الذين كانوا واقفين إلى جانبه، وبينما اندهش الجميع من التغيُّر المفاجئ الذي طرأ على ملامح وجهِه، انسحب بنشاط شغوف ورضًا جليٍّ لم أستطع أن أفسرهما في هذه اللحظة.
لكن إذ تبين أن الشاهد التاليَ لم يكن سوى الشخص الذي تعرفتُ عليه هذا الصباح، السيد هارويل، سرعان ما نسيت أمر توماس، وكذلك الشكوك التي كانت قد أثارتها حركتُه الأخيرة، في سياق الاهتمام الذي من المرجح أن يُشكله استجوابُ شخص بأهمية مثل سكرتير السيد ليفنوورث وذراعه اليمنى.
متقدمًا بمظهر هادئ وبهيئة شخصٍ أدرك أن الحياة والموت نفسهما قد يكونان رهنَ كلماته، مَثَل السيد هارويل أمام هيئة المحلَّفين بدرجةٍ من الوقار لم تكن خلَّابة في ذاتها فحسب، بل بدَت لي، أنا الذي لم أكن قد أُعجِبت كثيرًا به في لقائنا الأول، جديرةً بالإعجاب ومفاجئة. مع افتقاره، كما سبق أن ذكرت، إلى أيِّ سِمة مميزة في وجهه وإلى أي هيئة مقبولة أو خلافِها — كونه مِمَّن قد تُستحضر هيئته باعتباره شخصًا ذا طابَع سلبي، إذ كان يتَّضح في وجهه الشاحب، وملامحه العادية، وشعره الداكن والناعم، وشاربه البسيط، أن تلك الصفات تخصُّ شريحة تقليديَّة ومألوفة من الناس — بدَت واضحةً للعيان مع ذلك، في هذا الظرف على الأقل، درجةٌ من الرصانة في وقفتِه نجحَت كثيرًا في أن تُعوض افتقاره إلى القدرة على ترك انطباعٍ عميق بملامح وجهه وتعبيراته. وحتى ذلك لم يكن لافتًا للانتباه بأي حال من الأحوال. قطعًا، لم يكن يوجد أي شيء لافتٍ للانتباه في هذا الرجل يجعله مختلفًا عن آلافٍ من الأشخاص الآخرين الذين تُصادفهم يوميًّا في برودواي، إلا إذا استثنيت نظرة التركيز والرصانة التي طغَت على شخصه؛ رصانة ربما لم يكن لها أن تكون ملحوظةً في ذلك الوقت، لو لم تكن على ما يبدو التعبيرَ النمطيَّ لشخصٍ كان قد رأى خلال حياته القصيرة ما يُثير الأسى أكثرَ مما يبعث على الفرح، وسعادةً أقلَّ من الهم والقلق.
وَجَّه محقق الوفيات، الذي بدَت له هيئتُه أمرًا بلا أهمية بطريقةٍ أو بأخرى، حديثَه إليه على الفور ومن دون تحفُّظ:
«ما اسمك؟»
«جيمس ترومان هارويل.»
«ما وظيفتك؟»
«شغلتُ منصب السكرتير والكاتب الخاص للسيد ليفنوورث خلال الثمانية أشهر الماضية.»
«أنت آخر شخص رأى السيد ليفنوورث على قيد الحياة، أليس كذلك؟»
رفع الشاب رأسه بلفتةٍ أبيَّة غيَّرت تقريبًا من هيئته.
«لا بالتأكيد؛ لأنني لستُ الشخصَ الذي قتله.»
هذه الإجابة، التي أضفت شيئًا أشبهَ بالاستهانة أو الهزل في تحقيقٍ بدأنا جميعًا نُدرك مدى جدِّيته، أحدثَت على الفور شعورًا بالنفور تجاه الرجل الذي، في مواجهة الحقائق التي كُشفت والتي كانت ستُكْشَف، لم يكن يمكن أن يستفيدَ منه إلا قليلًا جدًّا. عمَّت الغرفةَ همهمةُ استنكار، وبتلك الملاحظة، خسر جيمس هارويل كلَّ ما كان قد ظفر به سابقًا من وقفته الرصينة والنظرة الحازمة في عينَيه. بدا أنه هو نفسُه أدرك هذا؛ إذ رفع رأسه أعلى مما كان، مع أن هيئته العامة ظلَّت بلا تغيير.
صاح محققُ الوفيات، مغتاظًا بوضوحٍ مِن توصُّل الشاب إلى مثل هذا الاستنتاج من كلماته: «أقصد، هل أنت آخر مَن رآه قبل أن يغتاله شخصٌ مجهول؟»
عقد السكرتير ذراعيه، إما من أجل أن يُخفي الرجفةَ التي تملَّكَته، أو من أجل أن يحظى من هذا التصرف البسيط بلحظةِ تفكير أخرى؛ إذ لم يكن بوسعي أن أُقرر عندئذٍ. أجاب أخيرًا: «سيدي، ليس بوسعي أن أُجيب عن هذا السؤال بالتأكيد أو بالنفي. من المحتمل أن أكون آخِرَ مَن رآه في حالةٍ صحية ومعنوية جيدة، ولكن في منزلٍ بهذه الضخامة لا يمكنني أن أكون واثقًا من حقيقة بسيطةٍ كتلك.» ثم، بعدما لاحظ نظرةَ الاستياء التي علَت وجوهَ مَن حوله، أضاف ببطء: «طبيعة عملي تفرض عليَّ أن أراه في وقتٍ متأخر.»
«طبيعة عملك؟ آه، بصفتك سكرتيرَه، على ما أظن؟»
هز رأسه إيجابًا بشدة.
أردف محققُ الوفَيات: «سيد هارويل، إن منصب السكرتير الخاص في هذه المدينة ليس وظيفةً معتادة. هل لك أن تشرح لنا طبيعةَ المهام التي كنتَ مكلَّفًا بها؛ بإيجاز، في أي شيءٍ كان يستعين السيد ليفنوورث بمساعد؟ وكيف عيَّنك في هذا المنصب؟»
«بالتأكيد. كان السيد ليفنوورث، كما لعلَّك تعرف، رجلًا ذا ثروةٍ ضخمة. كان على تواصلٍ مع مختلف المجتمعات الراقية، والنوادي، والمؤسسات، وخلافه، هذا بالإضافة إلى شهرته بين القاصي والداني بأنه رجلٌ مِعطاء، فكان معتادًا في كل يومٍ من حياته على تلقِّي العديد من الخطابات، والالتماسات، وغير ذلك، وكان من اختصاصي أن أفتحها وأردَّ عليها، أما مراسلاته الخاصة فكانت دائمًا تحمل علامةً تُميِّزها عن باقي المراسلات الأخرى. ولكن لم يكن هذا كلَّ ما كان متوقعًا مني فِعْله. فنظرًا إلى انخراطه في بداية حياته في تجارة الشاي، كان قد ذهب في أكثرَ من رحلةٍ إلى الصين، وتبعًا لذلك كان يُولي اهتمامًا كبيرًا بمسألة التواصل بين تلك الدولة وبلدنا. وظنًّا منه أنه خلال زياراته المتعددة إلى هناك كان قد تعلَّم الكثير الذي، إن عرَفه الشعب الأمريكي، قد يساعد في تعزيز فَهْمنا لتلك الأمة وما يُميزها من خصائص، وأفضل طريقةٍ للتعامل معها، كان منشغلًا بعضَ الوقت بتأليف كتابٍ عن هذا الموضوع، والذي كان جزءًا من عملي طيلةَ الثمانية الأشهُر الأخيرة مساعدته في وضعه، بكتابة ما كان يُمليه عليَّ طَوال ثلاث ساعاتٍ من اليوم، وعادةً ما كانت الساعةُ الأخيرة تُقتطَع من فترة المساء، لِنَقُل من الساعة التاسعة والنصف حتى الساعة العاشرة والنصف؛ إذ كان السيد ليفنوورث رجلًا منظَّمًا ومعتادًا على ترتيب شئون حياته وحياة المحيطين به بدقةٍ كادت أن تكون متناهيةً.»
«تقول إنك كنتَ معتادًا على كتابة ما يُمليه عليك في المساء؟ هل فعلتَ هذا كالمعتاد في الليلة الماضية؟»
«أجل، فعلتُ يا سيدي.»
«ما الذي يمكنك أن تُخبرنا به عن سلوكه وهيئته حينها؟ هل كانا بأي طريقة على غير المعتاد؟»
ارتسم عبوسٌ عابر على جبين السكرتير.
«ما دام لم يكن لديه على الأرجح حَدسٌ بقدَره المشئوم، فلماذا يُفترَض أن يكون قد طرأ على سلوكه أيُّ تغيير؟»
منحَت هذه الإجابة محققَ الوفيات فرصةً لينتقم لنفسه لإيقاعه في الحرج منذ لحظةٍ، فقال بلهجة صارمة نوعًا ما:
«إن مهمة الشاهد هي أن يُجيب عن الأسئلة، وليس أن يطرحها.»
احمرَّ وجه السكرتير، وتوقف كذلك عن سردِ روايته.
«حسنًا، إذن، يا سيدي؛ لو أن السيد ليفنوورث شعر بأي توجسات بنهايته، فهو لم يَبُح لي بها. على العكس، بدا أكثرَ استغراقًا في عمله من المعتاد. من آخر الكلمات التي قالها لي: «في خلال شهر سيكون هذا الكتابُ مطبوعًا بين أيدينا، أليس كذلك، ترومان؟» أتذكر قوله هذا تحديدًا، في اللحظة التي كان يملأ فيها كأس النبيذ. كان دومًا يشرب كأسًا واحدًا قبل أن يخلد إلى النوم، وكانت مهمتي أن أُحضر زجاجة نبيذ الشيري من الخِزانة، وذلك كان آخر شيء أفعله قبل أن أتركه. كنتُ واقفًا ويدي على مقبض الباب المؤدي إلى الردهة، وتقدمت عندما قال هذا وأجبتُه: «أتمنى ذلك، حقًّا، يا سيد ليفنوورث.» ثم قال: «إذن شارِكْني في شرب كأسٍ من الشيري»، مشيرًا إليَّ لأُخرج كأسًا آخرَ من الخزانة. ففعلت، وصبَّ لي النبيذ بيده. لستُ مغرمًا بنبيذ الشيري تحديدًا، لكن المناسبة كانت سعيدة وتجرعتُ كأسي كلَّه. أتذكر أني استحَيتُ قليلًا من فعل ذلك؛ لأن السيد ليفنوورث أنزل كأسه نصفَ ممتلئ. كان نصف ممتلئ عندما عثَرنا عليه صباح اليوم.»
بصرف النظر عما فعله، ولكونه رجلًا متحفِّظًا، بدا حريصًا على السيطرة على انفعاله؛ إذ بدا أن هول صدمته الأولى أربكه عند هذه النقطة. سحب منديله من جيبه، ومسح جبينه. ثم قال: «أيها السادة، هذا هو آخرُ ما رأيت السيد ليفنوورث يفعله. بينما كان يضع الكأس على المنضدة، تمنيتُ له ليلةً سعيدة وغادرتُ الغرفة.»
مال محقق الوفيات، بطبيعة شخصيته التي لا تتأثَّر بأي تعبيرات انفعالية، بظهره إلى الوراء وتفحَّص الشابَّ بنظرةٍ متمعِّنة. وسأله: «وأين ذهبتَ بعدها؟»
«إلى غرفتي الخاصة.»
«هل قابلتَ أحدًا في الطريق؟»
«لا، يا سيدي.»
«هل سمعتَ أي شيء أو رأيت أي شيء غير معتاد؟»
انخفض صوتُ السكرتير قليلًا. وقال: «لا، يا سيدي.»
«سيد هارويل، فكِّر مرةً أخرى. هل أنت مستعد لأن تُقسِم بأنك لم تُقابل أحدًا، ولم تسمع أحدًا، ولم ترَ أي شيء ما زال عالقًا في ذهنك أنه أمر غريب؟»
ظهر التكدُّر الشديد على وجهه. فتح شفتَيْه مرتين ليتحدث، وكالعادة أغلقهما دون أن ينطق بشيء. وأخيرًا، وبجهد، أجاب:
«رأيتُ شيئًا واحدًا، شيئًا بسيطًا، لا يستحق أن أذكره، ولكنه كان غيرَ معتاد، ولم أستطع أن أمنع نفسي من التفكير فيه وأنت تتحدث.»
«ما هو؟»
«فقط الباب كان مواربًا.»
«باب مَن؟»
«الآنسة إلينور ليفنوورث.» كاد صوته أن يكون هامسًا عندئذٍ.
«أين كنتَ عندما لاحظتَ هذا؟»
«لا أتذكر تحديدًا. على الأرجح عند باب غرفتي؛ لأنني لم أتوقف في الطريق. لو لم تكن هذه الواقعة المروعة قد حدثت، ما كان خطر ذلك في ذهني مرةً أخرى.»
«عندما دخلتَ غرفتك، هل أغلقتَ بابك؟»
«فعلتُ، يا سيدي.»
«متى خلدتَ إلى النوم بعدها؟»
«في الحال.»
«ألم تسمع أيَّ صوت قبل أن تستغرق في النوم؟»
ظهر من جديد ذلك التردد الغامض.
«بالكاد لا.»
«ولا وَقْع أقدام في الردهة؟»
«ربما سمعتُ صوت وقع أقدام.»
«هل سمعتَ فعلًا؟»
«لا يمكنني أن أجزم بذلك.»
«هل تظن أنك سمعت؟»
«أجل، أظن ذلك. لأُوضِّح الأمر برمته: بمجرد أن بدأتُ في النعاس، أتذكر أنني سمعت حفيفًا ووقع أقدام في الردهة؛ ولكن دون أن يترك انطباعًا لديَّ، ثم غرقت في النوم.»
«وماذا بعد ذلك؟»
«بعد فترةٍ استيقظت، استيقظت فجأةً، وكأنَّ شيئًا أفزعني، ولكن إن كانت جلَبة أو حركة، لا يمكنني أن أجزم بذلك. أتذكر أنني نهضتُ في سريري ونظرت حولي، لكن لم أسمع أي شيء آخر، ثم سرعان ما استسلمتُ للنعاس الذي غلبَني، ودخلت في سُباتٍ عميق. ولم أُفِق من نومي مرةً أخرى حتى الصباح.»
عند هذه النقطة، طُلِب منه أن يرويَ كيف ومتى عَلِم بواقعة القتل، فدَعَّم في روايته لجميع التفاصيل صحةَ الرواية التي أدلى بها رئيسُ الخدم؛ وبعد أن فرَغ تمامًا من الإدلاء بروايته في هذا الموضوع، تابع محققُ الوفَيات استجوابه، وسأله إن كان قد لاحظ حالةَ منضدة المكتبة بعد نقل الجثمان.
«نوعًا ما؛ أجل، يا سيدي.»
«ماذا كان عليها؟»
«المتعلقات المعتادة، يا سيدي، كتب، وأوراق، وقلم عليه حبرٌ قد جفَّ، بالإضافة إلى زجاجة النبيذ وكأس النبيذ الذي شرب منه الليلة الماضية.»
«لا شيء آخر؟»
«لا أتذكَّر شيئًا آخر.»
تدخَّل المحلَّف صاحبُ الساعة والسلسلة قائلًا: «فيما يتعلق بزجاجة النبيذ والكأس، ألم تقل إن السيد ليفنوورث عُثِر عليه في نفس الحالة التي رأيتَه عليها عندما تركتَه جالسًا في مكتبته؟»
«أجل، يا سيدي، بقدرٍ كبير جدًّا.»
«ولكن، هل كان من عادته أن يشرب كأسًا كاملًا؟»
«أجل، سيدي.»
«لا بد إذن أن مقاطعته عن مواصلة الشرب حدثَت بعد مغادرتك بفترة وجيزة جدًّا، يا سيد هارويل.»
فجأةً ساد وجهَ الشاب شحوبٌ أزرقُ باهت. انتفض، وللحظة بدا وكأنما أذهلته خاطرةٌ مرعبة. فنطق ببعض الصعوبة: «هذا لا يستتبع ذاك، يا سيدي.» وأردف: «فربما يكون السيد ليفنوورث قد …» لكنه توقف فجأةً، وكأنَّ اضطرابه الشديد منعه من مواصلة حديثه.
«أكمِل، سيد هارويل، دعنا نسمع ما لديك.»
أجاب بضعف، وكأنه يُصارع انفعالًا قويًّا ما: «لا شيء.»
نظرًا إلى أنه لم يكن قد أحجم عن الإجابة عن أحد الأسئلة، وإنما تطوع فقط بالتوضيح، تجاوز محققُ الوفيات الأمر؛ لكنني رأيت أكثرَ من زوجَين من الأعين يلتفت من جانبٍ لآخر في ارتياب، وكأن كثيرًا من الحضور شعروا بأن انفعال هذا الرجل قد منحهم طرَفًا من حل هذا اللغز. أما محقق الوفيات، متجاهلًا بأسلوبه السلس كلًّا من انفعال الرجل وحالة الاضطراب العام التي أثارها، فواصل استجوابَه في تلك اللحظة: «هل تعرف ما إذا كان مِفتاح المكتبة في مكانه عندما غادرت الغرفة الليلة الماضية؟»
«لا، يا سيدي، لم أُلاحظ ذلك.»
«افتراضك أنه كان في مكانه؟»
«أظن ذلك.»
«في جميع الأحوال، كان الباب موصدًا في الصباح، والمفتاح مختفيًا، صحيح؟»
«أجل، يا سيدي.»
«إذن فمرتكب هذه الجريمة، أيًّا كان، أوصد الباب عند خروجه، وأخذ المفتاح، صحيح؟»
«يبدو ذلك.»
استدار محققُ الوفيات مواجهًا هيئة المحلَّفين بنظرةٍ جادة. ثم قال: «أيها السادة، يبدو أن ثمة لغزًا ما بخصوص هذا المفتاح وهي نقطة لا بد من البحث فيها.»
في الحال، عمَّت الغرفةَ همهمةٌ من الجميع، تُبرهن على إجماع جميع الحضور على هذه النقطة. نهض المحلَّف الضئيلُ الحجم باندفاع من مكانه مقترحًا ضرورةَ إجراء تفتيش فوري للوصول إليه؛ لكن محقق الوفَيات، ملتفتًا إليه بنظرة ينبغي أن أُسمِّيها نظرةَ إسكات، قرر أن التحقيق ينبغي أن يظل جاريًا في المسار المعتاد، حتى الانتهاء من جميع الإفادات الشفهية.
مجددًا تطوع الرجل الذي استعصى كَبته، وقال: «إذن اسمح لي أن أُوجِّه إليك سؤالًا. سيد هارويل، قيل لنا إنه عند اقتحام باب المكتبة صباحَ هذا اليوم، لحقَت بكما ابنتا شقيقَي السيد ليفنوورث إلى داخل الغرفة.»
«واحدةٌ منهما، سيدي، الآنسة إلينور.»
وهنا تدخَّل محقق الوفيات في الحديث: «هل الآنسة إلينور هي التي يُقال إنها الوريثةُ الوحيدة للسيد ليفنوورث؟»
«لا، يا سيدي، تلك هي الآنسة ماري.»
واصل المحلفُ الشاب كلامه: «أهي التي أعطت الأوامر بنقل جُثمانه إلى الغرفة الأخرى؟»
«أجل، يا سيدي.»
«وهل امتثلتَ لأمرها بالمساعدة في نقله إلى الداخل؟»
«أجل، يا سيدي.»
«وأنت تمرُّ بين الغرف، هل لاحظت أي شيء يدفعك إلى الارتياب في القاتل؟»
هز السكرتير رأسه نفيًا. ثم قال بلهجة حاسمة: «ليس لدي أيُّ ارتياب.»
لسببٍ ما لم أُصدقه. سواءٌ بسبب نبرة صوته، أو تشبُّث يده على كمِّه — فاليدُ غالبًا ما تفضح أكثرَ من الوجه — شعرت بأن هذا الرجل لم يكن يُعتمَد عليه في تقديم هذا التأكيد.
قال محلَّفٌ لم يكن قد تحدث بَعدُ: «أود أن أطرح سؤالًا على السيد هارويل. سبق أن حصلنا على رواية مفصَّلة عن كيفية اكتشاف القتيل. أما الآن، فلا تُرتكَب جريمةٌ أبدًا من دون دافع. هل السكرتير يعرف ما إذا كان للسيد ليفنوورث أيُّ عدو خفي؟»
«لا أعرف.»
«هل كانت تربطه علاقة طيبة بجميعِ مَن في المنزل؟»
«أجل، سيدي»، ومع ذلك كان ثَمة ارتعاشة، توحي برأيٍ معارض، في تأكيده.
«ألم يكن ثمة لمحةُ خلاف بينه وبين أحد أفراد منزله، بحسَب علمك؟»
أجاب، باضطراب شديد: «لستُ أهلًا للجزم بذلك. اللمحة أمر هين. ربما كانت ثمة لمحة …»
«بينه وبين من؟»
تردَّد لفترةٍ طويلة. ثم قال: «واحدة من بنتَيْ شقيقيه، سيدي.»
«أيهما؟»
من جديد رفع رأسه في جُرأة، وقال: «الآنسة إلينور.»
«منذ متى كانت لمحة الخلاف هذه ملحوظة؟»
«لا يمكنني أن أجزم.»
«ألا تعرف السبب؟»
«لا أعرف.»
«ولا حتى مدى هذا الشعور؟»
«لا، يا سيدي.»
«هل تفتح خطابات السيد ليفنوورث؟»
«أفعلُ ذلك.»
«هل كان يوجد أي شيء في مراسلاته الأخيرة من المرجَّح أن يُؤدِّي إلى إلقاء أي ضوءٍ على هذه الفعلة؟»
بدا في الواقع وكأنه لن يهمَّ مطلقًا بالإجابة. هل كان يُفكر بتروٍّ في ردِّه، أم أن الرجل صار حجرًا جامدًا؟
تساءَلَ محقِّقُ الوفيات: «سيد هارويل، هل سمعت سؤال المحلَّف؟»
«أجل، يا سيدي؛ كنت أفكِّر.»
«حسنًا، والآن أجِب.»
أجاب، مستديرًا وناظرًا إلى وجوه أعضاء هيئة المحلَّفين بأكملهم، وبهذه الطريقة اتَّضحَت لنظري يدُه اليسرى من دون حاجز: «سيدي، فتحتُ خطاباتِ السيد ليفنوورث كالمعتاد خلال آخر أسبوعَين، ولا يُمكنني أن أفكِّر في أي شيءٍ فيها له صلةٌ على الإطلاق بهذه الفاجعة.»
كان الرجل يكذب؛ أدركتُ ذلك على الفور. كان كافيًا لي توقُّفُ يده المقبوضة في تردُّد، ثم قرَّر أن يُواصلَ كذبته في ثبات.
قال محقِّق الوفيات: «سيد هارويل، هذا صحيح بلا شك حسَب تقديرك؛ ولكن ستخضع مراسلاتُ السيد ليفنوورث للتدقيق مع كل ذلك.»
أجاب بلا مبالاة: «ذلك هو التصرف الصحيح.»
- أولًا: أن السيد هارويل نفسه، لسببٍ غير معلوم، كان لديه شك، وكان حريصًا على كتمانه حتى في عقله شخصيًّا.
- ثانيًا: أن ثَمة امرأةً كانت لها علاقةٌ بالأمر بطريقةٍ أو بأخرى؛ فقد سمع حفيفًا وكذلك وَقْع أقدامٍ على السُّلم.
- ثالثًا: أن ثَمة خطابًا وصل إلى المنزل، وإذا ما عُثِر عليه فمن المرجَّح أن يُلقي بعض الضوء على هذا الموضوع.
- رابعًا: أن اسم إلينور ليفنوورث خرج بصعوبة من بين شفتَيْه؛ هذا الرجل الذي لم يكن يبدو عليه الانفعال، كان ينفعل بطريقة أو بأخرى كلما كان عليه أن يتفوَّه باسمها.