مبيدات الآفات
مبيدات الآفات هي مواد كيميائية عضوية تُنتجها صناعة الكيماويات الزراعية بغرض زيادة المحاصيل الزراعية ومكافحة الأمراض التي تُصيب المحاصيل. تشمل مبيدات الآفات كلًّا من المبيدات الحشرية ومبيدات الفطريات ومبيدات الأعشاب أو الحشائش الضارة التي أثبتت فائدتها في زيادة إنتاج الغذاء لسكَّان العالَم الذين من المُتوقع أن يزيد عددهم بنسبة ٣٣٪ على مدار الأعوام الخمسة والثلاثين القادمة. من دون مبيدات الآفات، لن يمكن الحفاظ على معدلات إنتاج الغذاء إلا من خلال زيادة مساحات الأراضي المُخصَّصة لزراعة المحاصيل، ولكن هذا معناه تدمير مساحاتٍ شاسعة من البراري والغابات والسهول والمروج حول العالَم وتحويلها إلى أراضٍ زراعية، ومن شأن هذه الاستراتجية أن تؤثر سلبًا على التنوع الحيوي وأن تُلحق أضرارًا غير متوقعة بالنظام البيئي.
حفَّزت المخاوف المثارة حول آثار مبيدات الآفات التقليدية الباحثينَ على تصميم مبيدات آفات أكثر أمانًا وحفاظًا على البيئة، وهي مهمة تقع على عاتق علماء الكيمياء العضوية. يستغرق تطوير مبيد آفات جديد نحو عشر سنوات بتكلفة تصِل إلى ١٦٠ مليون جنيه إسترليني، ووحدها الشركات الكبرى هي التي في وسعها أن تتحمَّل عبء مثل هذا الاستثمار الضخم. تعمل العديد من الشركات في إنتاج الكيماويات الزراعية وأبحاثها، وهناك سوق عالمية كبيرة للكيماويات الزراعية. ارتفع حجم المبيعات العالمية بنسبة ٤٧٪ خلال عشر سنواتٍ في الفترة ما بين عامَي ٢٠٠٢ و٢٠١٢، في حين وصل حجم المبيعات الإجمالية في عام ٢٠١٢ إلى ٣١ مليار جنيه إسترليني. وتقع كبرى الأسواق المُختصَّة بهذه المنتجات في البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية واليابان.
ثمة الكثير من أوجه التشابُه بين أبحاث الكيماويات الزراعية والأبحاث الدوائية أو الصيدلانية. تهدف أبحاث الكيماويات الزراعية إلى البحث عن مبيدات آفاتٍ ذات تأثير سامٍّ على «الآفات»، ولكنها في الوقت نفسه لا تُسبب أضرارًا تُذكر للإنسان وأشكال الحياة النافعة. كما أن الاستراتيجيات المُستخدَمة لتحقيق هذا الهدف متشابهة أيضًا. يمكن تحقيق الانتقائية عن طريق تصميم مواد تتفاعل مع الأهداف الجزيئية الموجودة في الآفات وحدَها، دون غيرها من الأنواع الأخرى. ثمة طريقة أخرى وهي استغلال أي ردِّ فعلٍ أيضي تتفرد به الآفات. يمكن تصميم دواء أولي خامل يتحوَّل عند استقلابه في جسم الآفة إلى مُركب سام، ولكنه يظلُّ غير ضار بالأنواع الأخرى. وأخيرًا، يمكن استغلال اختلافات الحركية الدوائية بين الآفات والأنواع الأخرى بحيث يصِل مُبيد الآفات إلى هدفه داخل جسم الآفة بسهولة أكبر.
المبيدات الحشرية
قبل الحرب العالمية الثانية، لم تكن هناك إلا مبيدات حشرية طبيعية المنشأ فحسب. على سبيل المثال، استُخدِم الكبريت في مكافحة الحشرات في اليونان القديمة، ولا يزال يُستخدَم في بعض أنحاء العالم حتى اليوم. في عام ١٦٩٠، ذكرت الأبحاث أن مُستخلَصات التبغ فعالة في مكافحة الحشرات، وفي بداية القرن التاسع عشر، استُخدِمت مُستخلصات نباتية أخرى للاستفادة بخصائصها المكافِحة للحشرات، وتحديدًا البيريثرين المُستخلص من الأقحوان، والروتينون المستخلص من جذور الديريس. في الآونة الأخيرة، تأكدت فاعلية مُستخلصاتٍ من نباتٍ هندي يُسمَّى شجر النيم. حددت الأبحاث المواد المسئولة عن فاعلية هذه النباتات في مكافحة الحشرات، وهي النيكوتين المُستخلص من التبغ، والبيريثرين المُستخلص من الأقحوان، والأزاديراشتين المستخلص من شجرة النيم.
تتَّسم المنتجات الطبيعية بأنها محدودة من حيث وفرتها وانتقائيتها وفاعليتها، ولم تصبح المبيدات الحشرية الفعالة والانتقائية والرخيصة متوفرة على نطاق صناعي كبير إلا بعد ظهور المبيدات الحشرية المخلَّقة صناعيًّا. وكان في مقدمة المبيدات الحشرية المخلَّقة صناعيًّا مُركبات الكلور العضوي، ومركبات الفوسفات العضوي، وكربامات الميثيل، والبيريثرويد. كانت هذه المواد بوجهٍ عام فعالة وأظهرت سُميَّة انتقائية ضد الحشرات وليس الثدييات. ولكن آثارها التراكمية على البيئة وأشكال الحياة الأخرى لم تكن متوقَّعة تمامًا في ذلك الوقت. واستُبدلِت بمجموعة كبيرة منها مبيداتٌ حشرية ذات مستوًى أعلى من الانتقائية والحفاظ على البيئة.
المبيدات الحشرية: مركب الكلور العضوي

ولكن هذا لم ينفِ الدور الذي لعبته مادة الدي دي تي في إنقاذ حياة الكثيرين من الأمراض التي تنقلها الحشرات، مثل الملاريا والحُمَّى الصفراء ومرض النوم. ويقدَّر عدد الأشخاص الذين أنقذت مادة الدي دي تي حياتهم بنحو ٥٠٠ مليون شخص خلال الفترة ما بين أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. ونتيجة لذلك، حصل بول مولر على جائزة نوبل في الطب عام ١٩٤٨ بفضل اكتشافه الخصائص المكافحة للحشرات في مادة الدي دي تي.
بالإضافة إلى مكافحة الأمراض، استُخدمِت مادة الدي دي تي على نطاق واسع كمبيدٍ حشري في مجال الزراعة، وبلغ متوسط إنتاجه نحو ٤٠ ألف طن كل عام. تتَّسم مادة الدي دي تي بأنها شديدة السُّمية مع الحشرات، ولكنها أقل سُميةً بكثير مع الثدييات. في واقع الأمر، فإن الجرعة القاتلة للإنسان تكافئ كمية الدي دي تي التي تكفي لرشِّ فدان كامل من الأرض الزراعية. وللأسف، على الرغم من الفوائد المؤكَّدة لهذه المادة فيما يتعلق بإنقاذ حياة الأشخاص وزيادة إنتاج المحاصيل، فقد جاءت على حساب أضرارٍ جمَّة ألحقتها بالبيئة. الدي دي تي عبارة عن جزيء مستقر نسبيًّا، ومن ثَمَّ، فإنه يتراكم في البيئة. كما أنه كاره للماء بطبيعته، مما يعني أن قابليته للذوبان في الماء ضعيفة، ولكنه يذوب بسهولةٍ في دهون الجسم لدى العديد من أشكال الحياة البرية. كشفت أبحاث لاحقة أن تركيز مادة الدي دي تي في أجسام الكائنات البرية يزيد كلما كانت مرتبة الكائن أعلى في سلسلة الغذاء، الأمر الذي سيتسبب في كارثة محقَّقة لا سيما في حالة الطيور الجارحة. أُلقي اللوم على الدي دي تي في الانقراض الوشيك الذي بات يهدِّد طيور النسر الأصلع وصقر الشاهين في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ تبيَّن أن هذه المادة تتسبب في ضَعف قشور البيض لدى هذه الطيور. وكان هذا البيض الهشِّ يتعرَّض للكسر قبل أن يفقس، ومن ثَمَّ تموت الأجنة.
حُظر استخدام الدي دي تي لأغراض الزراعة في الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٧٢، وحذت المملكة المتحدة حذوَها في عام ١٩٨٤. كما صدر حظر عالمي لهذه المادة في عام ٢٠٠٤ من خلال اتفاقية ستوكهولم، ولكن لا يزال مسموحًا باستخدامها لأغراض مكافحة الحشرات في الحالات التي يُحتمَل فيها التسبُّب في الإضرار بصحة البشر. على سبيل المثال، لا يزال مسموحًا باستخدام الدي دي تي في أغراض مكافحة الملاريا داخل الهند.
تستهدف المبيداتُ الحشرية المحتوية على الكلور العضوي القنواتِ الأيونية، مما يؤدي إلى تعطيل انتقال الإشارات العصبية، وحدوث تشنُّجات، وقد يُفضي الأمر إلى الوفاة. تستهدف الدي دي تي قنوات أيونات الصوديوم، بينما يستهدف الألدرين ومضاهياته قنوات أيونات الكلوريد. وبما أنهما يعملان على أنواع مختلفة من القنوات الأيونية، فإن تكوين مناعة ضد الدي دي تي لا ينشأ عنه تكوين مناعة مشتركة ضد الألدرين. تظهر المناعة عندما تحدُث طفرات تُغيِّر الأحماض الأمينية في القنوات الأيونية المُستهدَفة. وهذا بدوره يضعف تفاعلات الارتباط مع المبيدات الحشرية.
المبيدات الحشرية: كربامات الميثيل والفوسفات العضوي




في الثدييات، تُستقلَب هذه المبيدات الحشرية بفِعل إنزيماتٍ مختلفة لتنتُج عنها مركبات خاملة تُطرح بعد ذلك إلى خارج الجسم. ولكن المبيدات الحشرية المحتوية على الفوسفات العضوي ليست آمنةً بشكلٍ كامل، وقد يؤدي التعرُّض لها لفتراتٍ طويلة إلى آثار جانبية خطيرة في حال لم يُتوخَّ الحذر الكافي عند التعامل معها. كما أن لها تأثيرًا سُمِّيًّا تراكميًّا على الحياة البرية، ولذا يُفضَّل حاليًّا استخدام مواد بديلة.
المبيدات الحشرية: البيريثرينات والبيريثرويدات

تُعَدُّ البيريثرينات من بين أكثر المبيدات الحشرية أمانًا في الأسواق. ولهذا السبب، فإنها تدخل في تركيب العديد من مبيدات الآفات المنزلية. هذا بالإضافة إلى أنها قابلة للتحلل الحيوي حال تعرضها للضوء أو الأكسجين (وذلك على عكس مادة الدي دي تي)، وتكون نواتج هذا التحلل غير ضارة. ولكن البيريثرينات للأسف ضارة بالنحل، ولذا يجب أن تُستخدَم ليلًا بينما يكون النحل متوقفًا عن عملية التلقيح.


المبيدات الحشرية: النيونيكوتينويدات

ولكن لا يفسِّر ذلك لماذا يكون ارتباط الإيميداكلوبريد بالمستقبلات لدى الحشرات أقوى ألفَ مرة عن ارتباطه لدى البشر، وهو ما يُعَدُّ سببًا رئيسيًّا لخاصيته الانتقائية. ومن بين الأسباب الرئيسية الأخرى لهذه الانتقائية وجودُ مجموعة النيترو التي تتفاعل مع بقايا الأرجينين الموجودة في موضع الارتباط بالمُستقبلات لدى الحشرات ولكنها ليست موجودة في موضع الارتباط بالمُستقبلات لدى الثدييات. وثمة سبب ثانٍ لهذه الانتقائية هو عدم وجود ذرة نيتروجين ذات شحنةٍ موجبة كاملة، الأمر الذي يُضعف التفاعلات الأيونية مع المستقبلات لدى الثدييات. تؤدي عوامل الحركية الدوائية أيضًا دورًا في تعزيز الانتقائية. يستطيع الإيميداكلوبريد النفاذ عبر الحاجز الدموي الدماغي لدى الحشرات ومهاجمة جهازها العصبي المركزي، ولكنه لا يستطيع النفاذ عبر الحاجز الدموي الدماغي لدى الثدييات.
كان يُعتقَد سابقًا أن تأثير النيونيكوتينويدات أقل سُمِّية على النحل، ولكن يرى كثيرون حاليًّا أنها المسئولة عن الانخفاض السريع في أعداد نحل العسل منذ عام ٢٠٠٦، وهي الظاهرة المُسمَّاة اضطراب انهيار المستعمرة. تفاقم الوضع بدرجة كبيرة، مما أدى إلى خسارة مُربي النحل التجاريين في الولايات المتحدة الأمريكية نصفَ خلايا النحل لديهم بحلول عام ٢٠١٢. وكان تأثير ذلك على المجال الزراعي أكبر؛ إذ تُشير التقديرات إلى أن النحل مسئول عن تلقيح محاصيل في الولايات المتحدة الأمريكية تبلُغ قيمتها ٩٫٨ مليارات جنيه إسترليني. وذكر البعضُ أن النيونيكوتينويدات تؤثر على قدرة النحل على الاعتلاف من مصادر الغذاء، وتعلُّم الخطوط الملاحية منها وإليها وتذكُّرها.
في عام ٢٠١٣، قرَّر الاتحاد الأوروبي الحدَّ من استخدام النيونيكوتينويدات حتى ديسمبر ٢٠١٥، وأوصي بأن يقتصِر استخدامها على المحاصيل التي لا تجتذِب النحل. وسرعان ما حذت الولايات المتحدة الأمريكية حذوَه. وبالطبع، مثَّلت هذه القرارات انتصارًا ساحقًا لأنصار البيئة، ولكن ادَّعى الكثير من العلماء أن هذه القرارات قد اتُّخِذَت لأسبابٍ سياسية وليس لأسباب علمية فقط. صرَّحت شركة «باير كروبساينس» التي تُنتج اثنين من المنتجات الثلاثة المحظورة بأن النيونيكوتينويدات آمنة على النحل ما دامت قد استُخدِمت على نحوٍ مسئول. كما زعمت الشركة أن انخفاض أعداد النحل بدأ قبل ابتكار النيونيكوتينويدات، وقد يُعزى سبب ذلك إلى عدة عوامل أخرى، مثل العث الحامل للفيروسات والأمراض الفطرية وقلَّة أعداد النباتات المُزهرة بسبب زيادة الرقعة الزراعية. كما أنهم سلَّطوا الضوء على حقيقة أن أستراليا لدَيها نحل سليم تمامًا على الرغم من انتشار استخدام النيونيكوتينويدات. قد يرجع ذلك إلى قلة أعداد عثة الفاروا في أستراليا مقارنةً بأعدادها الكبيرة في أوروبا. في واقع الأمر، من الصعب التأكُّد من العوامل المسئولة أكثر من غيرها عن تراجُع أعداد النحل، ومن المؤكَّد أن هناك عدة عوامل مجتمعة مسئولة عن ذلك.

المبيدات الحشرية المستقبلية
يراعى حاليًّا في تطوير المبيدات الحشرية أن تعمل على عدة أهداف مختلفة لتجنُّب تكوين مناعة ضدها. فإذا تكوَّنت مناعة ضد مبيدٍ حشري يعمل على هدف معين، يمكن للمرء أن ينتقل إلى استخدام مبيدٍ حشري يعمل على هدف مختلف. بدأ التسويق للريانويدات، مثل الكلورانترانيليبرول والسيانترانيليبرول والفلوبيندياميد، في الفترة ما بين عامَي ٢٠٠٦ و٢٠٠٧. تؤدي هذه المركبات عملها من خلال الارتباط بقنوات الكالسيوم الأيونية في خلايا العضلات وتتسبَّب في حدوث شلل أو تُفضي إلى الوفاة. تتميَّز هذه المركبات بأنها ذات انتقائية عالية للحشرات لا الثدييات، كما أن تأثير سُمِّيتها ضعيف جدًّا على الطيور والأحياء المائية. توصَّل بحث مؤخرًا في جامعة نيوكاسل إلى اكتشاف ببتيد طبيعي يستهدف أيضًا قنوات الكالسيوم الأيونية. اكتُشِفَ هذا الببتيد في سُمِّ عنكبوت الشبكة القمعية الأسترالي، وهو ذو تأثير سامٍّ على حشرات المَنِّ واليرقات، ولكنه لا يُشكِّل ضررًا يُذكَر على الثدييات ونحل العسل.
تعمل العديد من المبيدات الحشرية كمنظِّمات لنمو الحشرات؛ فهي تستهدف عملية الانسلاخ وليس الجهاز العصبي لدى الحشرة. تستغرق مُنظمات نمو الحشرات بوجهٍ عام فترة أطول لقتل الحشرات مقارنةً بالمبيدات الحشرية، ولكن يُعتقَد أن تأثيرها على الحشرات المُفيدة يكون أقل ضررًا. ينمو لدى الحشرات اليافعة هيكل خارجي جديد تحت هيكلها القديم، ثم تتخلَّص من الهيكل القديم عن طريق عملية الانسلاخ. وهكذا يُسمَح للهيكل الخارجي الجديد بالانتفاخ والتصلُّب.

تعمل منظمات نمو الحشرات التي تستهدف مُستقبلات هرمون الانسلاخ على منع تحوُّل اليرقات إلى حشراتٍ بالِغة في مرحلة الشرنقة. يُعَدُّ التيبوفينوزيد مثالًا على نواهض مستقبلات هرمون الانسلاخ، وهو فعَّال في حصر اليرقات والحدِّ من تكاثرها. يتمتَّع المُركب بانتقائية عالية وسُمِّية منخفضة، وكان سببًا في حصول الشركة التي أنتجته (روم آند هاس) على الجائزة الرئاسيَّة لتحدِّيات الكيمياء الخضراء.

عادةً ما ينطوي البحث عن مبيداتٍ حشرية جديدة على محاكاة استراتيجيات الطبيعة والاسترشاد بها. تُفرز العديد من النباتات والفطريات وسلالات البكتيريا مركباتٍ لها تأثير المبيدات أو طاردات الحشرات. على سبيل المثال، تُصيب سلالة البكتيريا العصوية التورنجية «باسيلس ثورينجينسيس» الحشرات، وتُفرز سمومًا تقتل الخنافس والبعوض ويرَقات اليسروع. استُخدِمت الهندسة الوراثية في دمج هذا السُّمِّ البكتيري في النباتات.
ينفث العديد من النباتات موادَّ كيميائية طيَّارة تُعرَف باسم التيربينات، تعمل كطاردات للحشرات ويمكن أن تُصبح نقطة انطلاقٍ لتخليق مبيدات حشرية جديدة. تتضمَّن المجالات البحثية التخليقَ الصناعي لمُضاهيات مركَّب طبيعي يُسمَّى «جيرماكرين دي»، وهو مركب طارد لحشرات المَنِّ وغيرها من الآفات الحشرية. كذلك، اكتشفَ فريق أبحاث ياباني أن الطماطم تُطلِق مادةً كيميائية طيَّارة عندما تتعرَّض لهجومٍ من اليرقات. تعمل هذه المادة الكيميائية بمثابة تحذير كيميائي لنباتات الطماطم المجاورة التي تُنتِج مبيدًا حشريًّا للدفاع عن نفسها ضد الهجوم المُحتمَل. المُثير في الأمر أن هذا المبيد الحشري يُنتَج من إحدى المواد الكيميائية التحذيرية التي يمتصُّها النبات. من المُحتمَل أن تمتلك نباتات أخرى آلياتِ دفاعٍ مُماثلة، وقد يقدم ذلك طرقًا جديدة لمكافحة الحشرات.
مبيدات الفطريات
تُستخدَم مبيدات الفطريات من أجل مكافحة العدوى الفطرية الضارة بالمحاصيل أو حيوانات المزرعة. تمتلك بعض النباتات والكائنات الحية مبيداتِ فطرياتٍ طبيعية تعمل بمثابة آلية دفاع كيميائية ضد الأمراض الفطرية. تشمل مبيدات الفطريات هذه السينمالدهيد، والمونوسيرين، والقرفة، والسترونيلا، والجوجوبا، والأوريجانو، وإكليل الجبل، وكذلك مُستخلصات شجرة الشاي وشجرة النيم. يمكن أحيانًا استخدام البكتيريا العصوية الرقيقة «باسيلس سبتلس» وفطر «أولوكلاديوم أودمانسي» كمبيدات فطريات، كما تُقدَّم طحالب البحر كطعامٍ إلى الماشية لحمايتها من الفطريات التي تعيش في العشب.

يتوفر في الأسواق منتج آخر من مبيدات الفطريات بالاسم التجاري «فاندانجو»، وهو يجمع في تركيبته بين الفلوكساستروبين (أحد الاستروبيليورينات) والبروثيوكونازول، ومن ثَمَّ فإنه يوفِّر حمايةً أشمل ضد الفطريات مقارنةً بما يوفرها كل مركَّب من مركَّبيه المضادَّين للفطريات على حدة. ومن شأن المزج بين مُبيدَين للفطريات يعملان على أهداف مختلفة أن يقلِّل من فرص اكتساب سلالات الفطريات مناعةً ضد مبيدات الفطريات. وإذا اكتسبت إحدى السلالات مناعةً ضد أحد المركَّبين المُضادَّين للفطريات، فإنها تظل عُرضة للتأثر بالمركَّب الآخر. على سبيل المثال، عندما استُخدِم الميتالاكسيل في علاج لفحة البطاطس في أيرلندا، تكوَّنت مناعة ضدَّه في غضون موسمٍ زراعي واحد. ولكن كان مُعدل تكوُّن المناعة أبطأ في المملكة المُتحدة؛ لأن الميتالاكسيل استُخدِم ممزوجًا بمبيد فطرياتٍ آخر.
يمكن أن تظهر المناعة عند حدوث طفراتٍ تُغيِّر الأحماض الأمينية الرئيسية في مواضع الارتباط في البروتينات المُستهدَفة. وغالبًا ما يؤثر ذلك في جميع مبيدات الفطريات التي تتشارك فئة تركيبية مُعينة، وتُسمى هذه الخاصية بالمناعة المشتركة. على سبيل المثال، اكتسبَ مرض سيجاتوكا الأسود — وهو مرض فطري يُصيب الموز — مناعةً ضد كل أنواع مبيدات الفطريات المحتوية على مُثبطات الكينون الخارجية؛ ويرجع ذلك إلى طفرةٍ تسبَّبت في إحلال الألانين محل بقايا الجلايسين.
مبيدات الأعشاب
تُستخدَم مبيدات الأعشاب في مكافحة الأعشاب والحشائش الضارة التي يُمكن أن تزاحم المحاصيل في امتصاص الماء والعناصر المُغذية الموجودة في التربة في حال ما لم تُستخدَم هذه المبيدات. الأموال التي تُنفَق على مبيدات الأعشاب تفوق كثيرًا ما يُنفَق على أيٍّ من مبيدات الآفات الأخرى؛ حيث تُنفِق الولايات المتحدة الأمريكية وحدَها ستة مليارات دولار في هذا الصدد. كان كلوريد الصوديوم (ملح الطعام) مُستخدَمًا لهذا الغرض في العصور القديمة، في حين استُخدِمت مبيدات الأعشاب غير العضوية قبل الحرب العالمية الثانية. ولكن هذه المواد الكيميائية لم تكن انتقائيةً بدرجة كبيرة وكانت تتسبَّب في إتلاف المحاصيل الزراعية.
مبيدات الأعشاب الانتقائية ضرورية عند التعامُل مع المحاصيل الزراعية، ولكن تفيد مبيدات الأعشاب غير الانتقائية إذا كان الهدف هو قتل جميع النباتات الموجودة، كما هو الحال في الأراضي القاحلة، والمواقع الصناعية، وخطوط السكك الحديدية. تُنتج بعض النباتات مبيداتِ أعشاب طبيعية تؤثر في الحياة النباتية المجاورة لها (تُعرَف هذه السمة بالتضاد البيوكيميائي). من أمثلة هذه النباتات شجرة الجنة، التي سُمِّيت قديمًا بأسماء أقل إطراءً مثل الشجرة النتنة أو شجرة الجحيم. ويرجع ذلك إلى رائحتها الكريهة وخصائصها العدوانية. كذلك، تحتوي أوراق شجرة الجوز الأسود على مبيد أعشابٍ يُسمَّى الجوجلون، وهو ذو تأثير سام على أشجار التفاح وعدد من النباتات الأخرى. عندما تسقط أوراق الشجرة على الأرض، تنطلِق هذه المادة الكيميائية وتمنع النباتات الأخرى عن منافستها على التربة والعناصر المُغذِّية الموجودة بها.



