الفصل الثامن
البوليمرات واللدائن والمنسوجات
على مدار الخمسين عامًا الأخيرة، حلَّت المواد
الاصطناعية المخلَّقة على نطاق واسع محل المواد
الطبيعية مثل الخشب والجلد والصوف والقطن. وربما كانت
اللدائن والبوليمرات خير مثال على الدور الذي أدَّته
ولا تزال تؤديه الكيمياء العضوية في تغيير المجتمع.
اختُرع السيلولويد عام ١٨٥٦، وأصبح من أوائل الأمثلة
على البوليمرات واستُخدِم في صناعة كرات البلياردو
ومفاتيح البيانو وشرائط الأفلام القديمة. وفي عام ١٨٩١،
اكتُشِف أول نسيج اصطناعي مخلَّق (الرايون) بمحض
المصادفة عندما انسكبَ النيتروسيليلوز من لوي شاردونيه
ولاحظ أنه يتكوَّن من خيوط شبيهة بالحرير. في عام ١٩١٧،
بدأ تصنيع المطاط الاصطناعي في ألمانيا كردة فعلٍ على
الحصار البحري الذي فرضته عليها بريطانيا. ولكن حدثت
الطفرة الحقيقية في علم البوليمرات في النصف الثاني من
القرن العشرين. قُدِّر إنتاج اللدائن على مستوى العالم
بنحو ٢٨٨ مليون طن في عام ٢٠١٢، وقد يصل استهلاك
البلاستيك إلى مليار طن بنهاية القرن. أكثر اللدائن
انتشارًا هي البولي (ألكينات) مثل البولي كلوريد
الفاينيل، والبوليسترين، والبوليسترين الموسع، والبولي
إيثيلين تريفثاليت.
تتضمن عملية البلمرة ربط مواد جزيئية أولية (تُعرف
اصطلاحًا باسم المونومرات) معًا لتكوين شرائط جزيئية
طويلة تُسمى البوليمرات (شكل
٨-١).
بالتعديل في طبيعة المونومرات، يمكن تخليق عددٍ هائل من
البوليمرات المختلفة التي تمتلك خصائص شديدة التباين.
لم تكن فكرة ربط المواد الجزيئية الأولية معًا لتكوين
البوليمرات فكرة جديدة. فقد طبَّقتها الطبيعة منذ
ملايين السنين عندما استخدمت الحمض الأميني كمادة أولية
لتصنيع البروتينات، والنيوكليوتيدات كمادة أولية لتصنيع
الأحماض النووية (الفصل الرابع). ولكن استغرق الأمر
فترة طويلة من العلماء ليتمكنوا من محاكاة هذه العملية.
دخلت البوليمرات في استخداماتٍ عملية كثيرة، مثل
اللدائن والألياف الاصطناعية ومواد البناء والمواد
اللاصقة. على سبيل المثال، يُستخدَم النَّيلون
والبوليستر والبولي أكريلونيتريل عادةً في صناعة
الملابس. هناك بوليمرات أخرى تُستخدَم في صناعة
الملابس، مثل الليكرا التي تتَّسم بالمرونة، والداينيما
الذي يُعَد أمتن الأنسجة المتوفرة تجاريًّا.
توجد طريقتان لتحضير البوليمرات:
تتكوَّن بوليمرات الإضافة من مونومرات مثل الألكينات
والديينات والإيبوكسيدات. يُضاف المونومرات واحدًا تلوَ
الآخر حتى نهاية سلسلة البوليمر المتنامية دون فقد أي
ذراتٍ نتيجة كل عملية إضافة. على سبيل المثال، عندما
تكون المونومرات من الألكينات، تُدرج جميع ذرات الألكين
في سلسلة البوليمر (شكل
٨-٢). ولكن
تختفي الرابطة الثنائية ويُصبح لا وجود لها؛ إذ
تُستخدَم إحدى الرابطتَين في عملية الارتباط.
تتكوَّن بوليمرات التكثيف عند إضافة المونومرات
بطريقة تفاعل التكثيف. وتفاعل التكثيف هو تفاعل ينتج
عنه فَقْد لجزيءٍ صغير مثل الماء. ومن أمثلته التفاعل
بين أمين وحمض كربوكسيلي لتكوين أميد. ومن أمثلته أيضًا
التفاعل بين الكحول وحمض كربوكسيلي لتكوين إستر. يُعَد
التفاعل بين الكحول والإستر لتكوين إستر مختلف من أمثلة
تفاعلات التكثيف، ولكن مع فارق أن ما يُفقَد في هذا
التفاعل هو جزيء الكحول وليس جزيء الماء (شكل
٨-٣).
بوليمرات الإضافة
يُعرف البوليثين أيضًا باسم مُتعدد الإيثيلين أو
البولي (إيثين) (شكل
٨-٤).
أنتجته للمرة الأولى شركة «إمبيريال كيميكال
إندستريز» في ثلاثينيات القرن العشرين، بغرَض
استخدامه كعازل كهربي لكابلات الهاتف والتلغراف
التي تمرُّ تحت المياه. وخلال الحرب العالمية
الثانية، كانت خصائصه العازلة مفيدة في تركيب أجهزة
الرادار في الطائرات البريطانية. ولكن لم تكتمِل
عملية التخليق الفعالة لهذا البوليمر إلا في عام
١٩٥٣ عندما سهلت العوامل الحفَّازة من إجراء عملية
البلمرة في ظروف مُعتدلة. وبعدها بعدة أشهُر،
استُخدِم عامل حفَّاز في إنتاج البولي بروبيلين
(المعروف أيضًا باسم البولي بروبين). وكان اكتمال
عملية التخليق الخاصة بهذا البوليمر سببًا في حصول
العلماء المشاركين فيها على جائزة نوبل في الكيمياء
عام ١٩٦٣.
على عكس البوليثين، يحتوي البولي بروبيلين على
مجموعاتٍ بديلة على طول سلسلة البوليمر. تؤدي
الكيمياء الفراغية النسبية لهذه المجموعات البديلة
دورًا مهمًّا في تحديد خصائص البوليمر. إذا كانت
مجموعات الميثيل تُشير في اتجاهاتٍ متقابلة،
فسيُكَوِّن البوليمر بنيةً حلزونية مُتسقة، مما
ينتج عنه ألياف شديدة المتانة. أما إذا كانت
مجموعات الميثيل تُشير في اتجاهاتٍ عشوائية، فسيكون
البوليمر لينًا مثل المطاط ولن تكون له فائدة
تجارية كبيرة. ومع ذلك، البوليثين هو البوليمر الذي
أطلق شرارة التوسُّع السريع في صناعة
البوليمرات.
عند تحضير بوليمرات الإضافة من مونومرات
الألكينات، تُستخدَم إحدى الروابط التي تتشكَّل
منها الرابطة المزدوجة في عملية الارتباط. ونتيجة
لذلك، يُصبح البوليمر الناتج سلسلة هيدروكربونية
تامة التشبُّع لا تحتوي على أي روابط مزدوجة.
وعندما يكون الإيثين هو المونومر، يخلو البوليمر
النهائي الناتج من أي مجموعات بديلة
(R=H). أما مع
الألكينات الأخرى، فستوجد عادةً مجموعات بديلة تفصل
بينها مسافاتٌ منتظمة
(R)، وستؤثر
طبيعة هذه المجموعات البديلة
(R) في خصائص
الناتج الأخير. على سبيل المثال، بلمرة المونومر
كلوريد الفاينيل
(R=Cl) ينتج
عنها بولي كلوريد (الفاينيل)
(PVC)، الذي
يُستخدَم في صناعة الزجاجات والمواسير وعبوات
الطعام البلاستيكية الشفَّافة. يُقدَّر حجم إنتاج
بولي كلوريد الفاينيل السنوي بنحو ٣٤ مليون طن، مما
يجعله يحتلُّ المرتبة الثالثة بين اللدائن الأكثر
إنتاجًا في العالم.
تُحضَّر البوليمرات أيضًا من الألكينات التي
تحتوي على مجموعتَين بديلتَين أو أكثر. على سبيل
المثال، يُصنع التفلون من غازٍ يُسمى رباعي فلورو
الإيثيلين (شكل
٨-٥). اكتُشِفَ
هذا البوليمر للمرة الأولى عندما صادف أحد العلماء
أسطوانة مليئة بغاز رباعي فلورو الإيثيلين، ولاحظ
أنه لم يخرج منها أي غازٍ عندما فتحَ صمامها.
فأصابته الحيرة، فأحدث قطعًا في الأسطوانة لفتحها
ووجد أن محتوياتها قد تبلمرت، ونتج عن ذلك بوليمر
غير قابل للذوبان ولا يتفاعل مع جميع المواد
الكيميائية تقريبًا التي جرى اختبارها. يُستخدَم
التفلون كطلاء للقلَّايات المُضادة
للالتصاق.
من الناحية النظرية، يُفترض أن تنتج عن عملية
البلمرة سلاسلُ بوليمرات طويلة للغاية من دون
تفرعات. ولكن لا يكون الحال هكذا دائمًا. ففي بعض
الأحيان، يرتبط مونومر ارتباطًا جزئيًّا على طول
سلسلة البوليمرات مُكوِّنًا تفرُّعًا. وهذا التفرع
يمكن أن يتسبَّب في تغييراتٍ كبيرة في خصائص
البوليمر. وعمومًا، فإن السلاسل الخطية الخالية من
التفرُّعات يمكنها أن تتكدَّس معًا على نحو أوثق من
السلاسل المحتوية على تفرعات، وهو ما ينتج عنه
بلاستيك صلب. على سبيل المثال، متعدد الإيثيلين
الخالي من التفرُّعات عبارة عن بلاستيك صلب يمكن
استخدامه في مفاصل الورك الصناعية. وعلى النقيض،
فإن مُتعدد الإيثيلين الذي يتضمن الكثير من
التفرعات عبارة عن بلاستيك مرن يُستخدَم في صناعة
أكياس القمامة وأكياس الطعام.
يمكن أيضًا تصنيع بوليمرات الإضافة من
الإيبوكسيدات، وهي حلقات مكوَّنة من ثلاث ذرات
تحتوي على ذرة أكسجين. تفتح عملية البلمرة حلقة
الإيبوكسيد لكل مونومر، وتُدخل ذرة الأكسجين في
ركيزة البوليمر لإنتاج بولي إيثر (شكل
٨-٦). تُستخدَم هذه البوليمرات
في منتجات العناية بالبشرة والأدوية والمواد
المُضافة المُستخدمة في مجال الأغذية.
تُصنَّع العديد من أنواع المطاط من مونومرات
تحتوي على مجموعة ديين وظيفية (شكل
٨-٧). وهي مجموعة يرتبط فيها
ألكينان من خلال رابطة أحادية. تُستخدَم إحدى
الرابطتَين المزدوجتَين في عملية الارتباط بينما
تُغيِّر الأخرى من موضعها. يختلف المطاط الاصطناعي
الأصلي (
R=H) عن
المطاط الطبيعي
(
R=CH3)
بسبب عدم وجود مجموعات الميثيل البديلة. تحتوي
أنواع المطاط الاصطناعي الأخرى على مجموعات بديلة
مختلفة. على سبيل المثال، يحتوي النيوبرين على
مجموعات الكلور البديلة، ويُستخدَم في صناعة بدلات
الغوص والأقمشة المعالجة بمادة مغلِّفة.
المطاط الموضَّح في شكل
٨-٧
من النوع اللين. ولصناعة أنواع أشد صلابة من المطاط
تناسِب إطارات السيارات، من الضروري إجراء عملية
تُسمَّى «الفلكنة»، يُسخَّن فيها المطاط مع
الكبريت. وتُنتج عن هذه العملية روابط متداخِلة
ومُتشابكة من ثنائي الكبريتيد تربط سلاسل البوليمر
معًا من دون التأثير على إمكvانية التمدُّد. اكتشفَ
مخترع عملية الفلكنة (تشارلز جوديير) هذه العملية
بمحض المصادفة عندما انسكبَ منه خليط من المطَّاط
والكبريت داخل فرن ساخن. كلما زاد عدد الروابط
المتشابكة المكوَّنة من ثنائي الكبريتيد، زادت
صلابة المطاط. ولهذا السبب، يحتوي المطاط
المُستخدَم في الشرائط المرنة على عدد تشابكاتٍ أقل
من الموجود في المطاط المُستخدَم في إطارات
السيارات.
يمكن تخليق بوليمرات الإضافة، وتُسمى أيضًا
البوليمرات المشتركة، من مونومرَين مختلفَين أو
أكثر. ومن الممكن التحكُّم في عملية البلمرة بحيث
تُضاف المونومرات وفقًا لنمَط مُعين. على سبيل
المثال، من الممكن إنشاء بوليمرات خطِّية تتناوب
فيها المونومرات على نحوٍ تبادلي (نوعًا تلو الآخر)
أو مُتكتل (مجموعة من نوع واحد تلِيها مجموعة من
نوع آخر). كما يمكن إنشاء بوليمراتٍ مطعَّمة يتم
فيها إدخال سلسلة مونومرات من نوع واحد في سلسلة
مونومرات أخرى من نوع مختلف (شكل
٨-٨).
تشمل أمثلة
البوليمرات المشتركة الساران الذي يُستخدَم كشريط
بلاستيكي لتغليف الطعام، وراتينج أكريلونيتريل
ستايرين الذي يُستخدَم في تصنيع الأواني التي يمكن
غسلها في غسالة الأطباق، وأكريلونتريل بوتادين
الستايرين الذي يُستخدَم في صناعة خوذات الأمان،
ومطاط بوتيل الذي يُستخدَم في صناعة أنابيب
الإطارات الداخلية والأدوات الرياضية القابلة
للنفخ. كما يجري الآن فحص البوليمرات المُشتركة
ودراستها لتحديد إذا ما كانت صالحة للاستخدام مع
الحاويات النانوية التي يمكن استخدامها في توصيل
الأدوية.
بوليمرات التكثيف
تتطلب البلمرة بالتكثيف وجود مجموعتَين وظيفيتَين
في كل مونومر. يتضمن التخليق الحيوي للبروتينات في
الطبيعة تفاعلات تكثيف يَمنح فيها كلُّ مونومر حمض
أميني مجموعةَ أمين وحمضًا كربوكسيليًّا. يتضمن
أيضًا التخليق الصناعي للنَّيلون مونومرات حمض
أميني (شكل
٨-٩). ظهر
النَّيلون للمرة الأولى في عام ١٩٣٩، واستُخدِم في
صناعة النسيج والسجاد وحبال تسلُّق الجبال وخيوط
الصنارات. يمكن إنتاج أشكالٍ مختلفة من النَّيلون
عن طريق تغيير طول سلسلة المونومرات.
يمكن تكوين بعض أنواع النَّيلون من خلال عمليات
بلمرة بالتكثيف تتضمَّن مونومرَين مختلفَين. على
سبيل المثال، النَّيلون ٦٦ هو نوع من النيلون
يتكوَّن من مونومر واحد يحتوي على مجموعتَي أمين،
ومونومر ثانٍ يحتوي على مجموعتَي كلوريد حمضي (شكل
٨-١٠).
الكيفلار
بوليمر آخر يتكوَّن من مونومرَين مختلفَين (شكل
٨-١١). يُعَدُّ الكيفلار
أقوى خمس مراتٍ من الصلب، ويُستخدَم في صناعة بدلات
الفضاء وخوذات الجنود والصديريات المصفَّحة
والأدوات الرياضية. ونظرًا إلى ثبات تركيبِه حتى في
درجات الحرارة الشديدة للغاية، فإنه يُستخدَم أيضًا
في الملابس الواقية التي يرتديها رجال
الإطفاء.
ترجع القوة
الاستثنائية للكيفلار إلى عددٍ من العوامل. بادئَ
ذي بَدء، تتَّسم كل سلسلة بوليمر بأنها متماسكة
نسبيًّا بسبب الحلقات العطرية المستوية وقدرة
الدوران المحدودة لمجموعات الأميد المُرتبطة بكل
حلقة. ثانيًا، توجَد شبكة كثيفة من الروابط
الهيدروجينية بين السلاسل تتصرَّف فيها كل ذرة
أكسجين كمُستقبِلٍ للرابطة الهيدروجينية وكل بروتون
في مجموعة الأمين يعمل كمانِح للرابطة الهيدروجينية
(شكل
٨-١٢). يعمل هذا على
تماسُك سلاسل البوليمرات معًا لتكوين صفيحة صلبة
ويحول دون انزلاق السلاسل إحداها فوق الأخرى.
وأخيرًا، عندما يُغزل الكيفلار في صورة نسيج،
تُوجَّه سلاسل البوليمر على طول محور النسيج. ويسمح
ذلك بتكديس صفائح الكيفلار معًا في بِنية بللورية
كثيفة.
ترتبط بوليمرات التكثيف معًا من خلال روابط إستر
تُعرف باسم البوليستر، وتُستخدمَ في العديد من
الأغراض، التي من بينها صناعة الملابس. على سبيل
المثال، الداكرون عبارة عن بوليستر مُعَدٍّ من
ثُنائي إستر ومونومر آخر يحتوي على مجموعتَي كحول
(شكل
٨-١٣). الميلار عبارة عن
بوليمر متجانس مقاوم للتمزُّق، ويُستخدَم في صناعة
أشرعة المراكب وشرائط التسجيل المُمغنطة.
البولي كربونات هي بوليمرات تكثيف تحتوي على
روابط كربونات. تكوِّن البولي كربونات لدائن خفيفة
الوزن، ومقاومة للكسر، ولا تتأثر بالحرارة. ومن
أمثلة هذه اللدائن الليكسان (شكل
٨-١٤) الذي يُستخدَم في صناعة
النوافذ المصفَّحة والأقراص المدمجة. يُصنَع هذا
البوليمر من كربونات ثنائي الفينيل وبيسفينول
أ.
تحتوي مركبات البولي يوريثان على مجموعات
اليوريثان الوظيفية في صورة روابط متشابكة (شكل
٨-١٥). تُستخدَم رغوة
البولي يوريثان في صناعة الأثاث والحشوات والعوازل.
كذلك، تُستخدَم مركبات البولي يوريثان في صناعة
أقمشة مثل الليكرا.
أسمنت الإيبوكسي والغراء الفائق
عندما يُستخدَم الغراء الفائق وأسمنت الإيبوكسي
في لصْق الأسطح معًا، يحدث تفاعل كيميائي لإنتاج
بوليمر متآطر التشابُك (شكل
٨-١٦). يُوضَع بوليمر يحتوي على حلقات إيبوكسيد في
طرف كلِّ سلسلة بوليمر على كِلا السطحَين. ثم
يُوضَع عامل تقسية يتكوَّن من مونومر يحتوي على
مجموعتَي أمين. تتفاعل مجموعتا الأمين مع حلقات
الإيبوكسيد لإنشاء روابط متشابكة (تشابكاتٍ) تلصق
السطحَين معًا. تُستخدَم بوليمرات مماثلة للغراء
الفائق في إغلاق الجروح في العمليات
الجراحية.
المشكلات المتعلقة بالنواحي الصحية
خلال
الأعوام الأخيرة، أُثيرت مخاوف حول مدى أمان وسلامة
العديد من البوليمرات، أو المونومرات التي تُصنَّع
منها هذه البوليمرات. على سبيل المثال، تخضع
البوليمرات المتعددة الفلور الطويلة السلسلة مثل
التفلون لإجراءاتٍ معينة من التدقيق. هذه
البوليمرات شديدة الاستقرار وطاردة للسوائل، مما
يجعلها مفيدةً في صناعة الأواني غير اللاصقة ومعاطف
المطر ومُطهرات الأسطح في مجال تعبئة الأغذية. كما
أنها تُوضَع على الزلاجات لتزيد من قدرتها على
الانزلاق. ولكنها تُعَد حاليًّا خطِرة على الصحة
وضارة بالبيئة بسبب استدامتها وتراكُمها الحيوي.
يرى القائمون على صناعة البوليمرات أن استخدام
سلاسل أقصر من البوليمرات من شأنه أن يحلَّ الكثير
من هذه المخاوف، إلا أن مُنتقدي هذه الصناعة
يُعارضونهم الرأي.
أُثيرت أيضًا مخاوف صحية بشأن البولي كربونات
وراتينجات الإيبوكسي بسبب مونومر «بيسفينول أ»
المُستخدَم في إعداده. تُستخدَم البولي كربونات في
صناعة الزجاجات البلاستيكية، بينما تُستخدَم
راتينجات الإيبوكسي في طلاء الأسطح الداخلية لعُلَب
الطعام وعلب المشروبات وأغطية الزجاجات وأنابيب
المياه. يعمل هذا الطلاء على حماية المعادن من
الأطعمة المُسبِّبة للتآكل مثل الطماطم، كما تحمي
الأطعمة والمشروبات من اكتساب مذاقٍ معدني. ولكن
اكتُشِفَت آثار لوجود «بيسفينول أ» غير متفاعل في
هذه اللدائن وتشعر مجموعات المُستهلكين بالقلق من
احتمالية تسربه إلى داخل الأطعمة. حتى وقتنا هذا،
لا يوجَد دليل على أن «بيسفينول أ» سام للبشر، ولكن
من المعروف أنه يُحاكي هرمون الإستروجين في
الدراسات التي أُجريت على الحيوانات.
حظرت
العديد من الدول استخدام البوليمرات المشتقة من
«بيسفينول أ» في صناعة زجاجات رضاعة الأطفال؛ ذلك
لأن وضع ماء مَغلي داخلها يمكن أن يُحفِّز هذا
المونومر على التسرُّب إليه. كما قررت الحكومة
الفرنسية تجريم استخدامه في مجالات تعبئة الأطعمة
والأجهزة الطبية وتغليفها. كما شملت بعض أشكال
الحظر استخدامه في تغليف الألعاب. ولكن شكَّكت دول
أخرى في صحة اختبارات السُّمية التي خضع إليها
«بيسفينول أ». على سبيل المثال، زعموا استخدام
تركيزاتٍ عالية من «بيسفينول أ» في العديد من
اختبارات السُّمية.
يمكن استخدام البوليسترات والبولي بروبيلينات
بدلًا من البولي كربونات في صناعة زجاجات رضاعة
الأطفال، ويوجد بالفعل بوليستر يُسمَّى التريتان
يصلح تمامًا لهذا الأمر. لا يُعَدُّ البحث عن بدائل
لراتينجات الإيبوكسي، التي يمكن أن تُطلى بها
حاوياتُ الطعام، بالمهمة السهلة على الإطلاق. يوجد
بديل واحد مُحتمل وهو مركَّب قائم على الليجنين،
الذي يُعَدُّ أحد النواتج الثانوية لصناعة الورق.
مُزج ناتجَي تكسير الليجنين معًا لإنتاج
«بيسجواياكول-ف» (شكل
٨-١٧)،
المُشابه في تركيبه ﻟ «بيسفينول أ»، ولكنه لا يؤثر
مثله على الغدد الصماء. تحمل البوليمرات المُشتقة
من «بيسجواياكول-ف» خصائص مشابهة للبوليمرات
المشتقة من «بيسفينول أ»، ومن المتوقَّع أن تكون
اللدائن القائمة على «بيسجواياكول-ف» متوفرة في
غضون خمس سنوات أو أقل.
المشكلات المتعلقة بالبيئة والتوازن الحيوي
والاقتصاد
كان للدائن تأثيراتٌ بيئية مفيدة تمثلت في تقليل
استخدام المواد الطبيعية في تصنيع السلع
الاستهلاكية. في القرن التاسع عشر، حلَّ السيلولويد
محل العاج، الأمر الذي قلَّل من ذبح قطعان الأفيال.
واليوم، تُستخدَم الألياف الصناعية في صناعة
الملابس بدلًا من القطن، ومن ثَمَّ فإن الحقول التي
كانت تُستخدَم قديمًا في زراعة القطن أصبحت
تُستخدَم الآن في زراعة المحاصيل الغذائية.
من بين الفوائد الأخرى للبوليمرات أنها قوية
ومتينة، مما يسمح باستخدامها في تصنيع منتجاتٍ
متينة غير قابلة للكسر. ولكن قد يكون لذلك تأثيرات
ضارة بالبيئة في حال ما لم يُتخلص منها بعناية. تقف
سواحل العالَم شاهدًا مأساويًّا على ذلك، وقد أشارت
التقديرات في تقرير صدر عام ٢٠١٥ إلى أن ما يقرب من
ثمانية ملايين طنٍّ من مخلفات اللدائن ينتهي بها
المطاف كلَّ عام في المحيطات. وعلى اليابسة، أصبح
الضغط على مواقع مكبات القمامة كبيرًا للغاية حتى
أصبحت إعادة تدوير البلاستيك ضرورة لا غِنى عنها.
توجَد مقترحات حاليًّا من الاتحاد الأوروبي تهدف
إلى الحظر التدريجي لعملية التخلُّص من المُخلفات
القابلة لإعادة التدوير في مكبَّات القمامة بحلول
عام ٢٠٢٠، وحظر حرق المخلفات، وجمع البلاستيك الخطر
من الأسواق. كما تُطالَب الدول الأعضاء في الاتحاد
الأوروبي بالحدِّ من استخدام الأكياس المصنوعة من
البلاستيك الشفاف. ووفقًا للتقديرات، فإنَّ ما يقرب
من ثمانية مليارات من هذه الأكياس قد انتهى بها
المطاف عام ٢٠١٠ في التخلُّص منها
كمخلَّفات.
إعادة التدوير/إزالة البلمرة
يُعَدُّ النفط المصدر الرئيسي للمواد الخام
المُستخدَمة في تصنيع اللدائن. ونظرًا إلى كونه
موردًا محدودًا وغير مُتجدِّد، من المنطقي إعادة
تدوير كل اللدائن أو إزالة بلمرتها لاستخراج المواد
الخام المفيدة وإعادة استخدامها دون الحاجة إلى
استخدام المزيد من هذا المورد. جميع اللدائن
تقريبًا يمكن إعادة تدويرها، ولكن ليس بالضرورة أن
يكون ذلك قابلًا للتنفيذ من الناحية الاقتصادية.
تميل عمليات إعادة التدوير القديمة للبوليسترات
والبولي كربونات والبوليسترين إلى إنتاج لدائن
رديئة لا تصلُح إلا لمنتجاتٍ منخفضة الجودة.
يمكن إزالة البلمرة باستخدام مادةٍ حفَّازة مثل
الروثينيوم أو الروديوم أو البلاتين، ثم تُنقَّى
المونومرات الناتجة ويُعاد استخدامها في الكثير من
التطبيقات. ولكن لا تزال عملية إزالة البلمرة غير
مُجدية من الناحية الاقتصادية.
اللدائن القابلة للتحلُّل الحيوي
بُذلت جهود من أجل تطوير بوليمرات قابلة للتحلل
الحيوي يمكن للكائنات الدقيقة أن تُحللها. على سبيل
المثال، تتكوَّن البولي لاكتيدات من حمض اللاكتيك
(شكل
٨-١٨) وتُستخدَم في تغليف
الأطعمة وتعبئتها، وصناعة المنسوجات، فضلًا عن بعض
الاستخدامات الطبية. كما يُوجَد البولي هيدروكسي
ألكانوات، وهو عبارة عن لدائن قابلة للتحلُّل
الحيوي يمكن استخدامها بدلًا من البولي بروبيلين.
وفي المُستقبل، قد يُستخدَم النشا النباتي في صناعة
بوليمرات قابلة للتحلُّل الحيوي يمكن أن تحلَّ محل
البولي كربوكسيلات.
اللدائن القابلة للتحلُّل الحيوي بالأكسجين عبارة
عن لدائن تقليدية تحتوي عند إنتاجها على تركيزاتٍ
قليلة من الأملاح المعدنية. يُساعد ذلك على تحفيز
التحلُّل الحيوي للدائن عندما تتعرض إلى الأكسجين،
مما يؤدي إلى تكوُّن اللدائن الدقيقة التي يتراوَح
حجمها ما بين نانومتر واحد وخمسة نانومترات. كان
الأمل معقودًا على أن تتحلَّل هذه اللدائن الدقيقة
بواسطة الكائنات الدقيقة، ولكن لم يُثبَت حدوث ذلك
حتى الآن. علاوة على ذلك، لم تُدرَس مخاطر اللدائن
الدقيقة على صحة الإنسان والبيئة دراسةً وافية حتى
الآن. وثمة مخاوف فيما يتعلق بتأثير اللدائن
الدقيقة على سلسلة الغذاء إذا ما تغذَّت عليها
الأحياء البحرية، ويدرس الاتحاد الأوروبي حاليًّا
فرض قواعد تنظيمية بشأن استخدام اللدائن الدقيقة في
مُستحضرات التجميل والمنظفات وغيرها من
المنتجات.
اللدائن الحيوية
تُنتَج اللدائن الحيوية من مونومرات مأخوذة من
مواد نباتية المصدر بدلًا من النفط. في عام ٢٠٠٩،
طوَّرت شركة «كوكاكولا» زجاجات من لدائن البولي
إيثيلين تريفثاليت قابلة لإعادة التدوير ومصنوعة
جزئيًّا من مادة نباتية المصدر. تضمَّن ذلك استخدام
أحادي الإيثيلين جليكول المُشتق من قصب السكر، ولكن
هناك مُخططات أيضًا لاستخدام قشور الفواكه ولحاء
الأشجار وسيقان النباتات كمصادر للمواد الكيميائية.
كذلك، صنعت شركة «بيبسي» زجاجات من لدائن البولي
إيثيلين تريفثاليت باستخدام مصادر نباتية، مثل عُشب
الدخن العصوي ولحاء أشجار الصنوبر وقشور الذرة.
يُفضَّل استخدام المواد النباتية التي يمكن عادةً
التخلُّص منها أو حرقها على المحاصيل الغذائية؛
فالخيار الأخضر من شأنه أن يتسبب في انخفاض معدلات
إنتاج الغذاء وزيادة أسعاره. في عام ٢٠٠٧، اندلعت
أعمال شغب في المكسيك بسبب ارتفاع أسعار الغذاء
الناتج عن استخدام الذرة في إنتاج الإيثانول
لاستخدامه كوقودٍ حيوي. أصبح من الممكن حاليًّا
الحصول على العديد من المونومرات من مصادر حيوية.
يُعَدُّ فوران-٢،٥-ثنائي حمض الكربوكسيل مثالًا على
ذلك، وعند بلمرته أدى إلى إنتاج بولي
(فوران-٢،٥-ثنائي حمض الكربوكسيل)، وهو نسخة البولي
إيثيلين تريفثاليت المحتوية على الفوران.
أحدث الأبحاث في مجال اللدائن
والبوليمرات
لا يزال تطوير بوليمراتٍ جديدة مُستمرًّا بهدف
استخدامها في تطبيقاتٍ جديدة. على سبيل المثال،
يجري الآن تطوير بوليمرات ذاتية الإصلاح يُمكنها أن
تصلح أيَّ ضررٍ مادي تتعرَّض له المادة التي
تحتويها. وتتمثل إحدى طرق الاستخدام المُتبعة لهذا
النوع من البوليمرات في دمج كبسولاتٍ صغيرة، يحتوي
بعضها على مونومر، ويحتوي البعض الآخر على بادئ
بلمرة. عند حدوث تلفٍ أو ضررٍ ما، تنكسر الكبسولات
في موضع الضرر مُطلِقةً محتوياتها. وعندئذٍ يمتزج
المونومر وبادئ البلمرة معًا، فيحدث تفاعل البلمرة
ويُعالج الضرَر. ثمة طريقة أخرى وهي تصميم بوليمرات
تتبلمر في ظروفٍ مُعينة. في هذه الحالة، عندما
تتعرَّض المنطقة المتضررة للضوء أو الحرارة، تبدأ
عملية إزالة البلمرة. فتصبح المونومرات الناتجة عن
هذه العملية أكثر سيولةً من البوليمر، ومن ثَمَّ
تملأ أي فجواتٍ أو تمزقاتٍ موجودة. وعندما يزول
مصدر الضوء أو الحرارة، تُعاد بلمرة المونومر
لإصلاح الضرر.
تُستخدَم البوليمرات في تصميم الملابس الذكية.
على سبيل المثال، تدخل البوليمرات في صناعة الأجهزة
الكهروحرارية ذات الأغشية الرقيقة التي يمكن دمجُها
في هذه الملابس. تَستخدم هذه الأجهزة حرارة الجسم
كمصدرٍ للطاقة لتوفير طاقة تكفي لتشغيل الأجهزة
الإلكترونية على غرار الهواتف المحمولة. طُوِّرت
مستشعراتٌ كيميائية تحتوي على بوليمرات للكشف عن
أبخرة المتفجرات بتركيزاتٍ تصِل إلى أجزاء من
الكوادريليون (جزء واحد من
١٠١٥). يتحوَّل
البوليمر إلى اللون الأحمر في وجود مادةِ التِّي إن
تي في الهواء أو في الماء، ويمكن استخدام النظام
نفسه في الملابس الذكية لتحذير مُرتديها من وجود
متفجرات في المناطق التي كانت ساحات حربٍ قديمًا
وما زالت توجَد بها ألغام أرضية أو أسلحة
متفجرة.
تعمل شركة بريطانية تُسمَّى «إيكونيك تكنولوجيز»
على تطوير عملية بلمرة تلتقِط انبعاثات ثاني أكسيد
الكربون من خلال تحفيز التفاعل بين ثاني أكسيد
الكربون والإيبوكسيد (شكل
٨-١٩). في هذا التفاعل، تندمج كل مجموعة كربونات في
البوليمر مع جزيء واحدٍ من ثاني أكسيد الكربون
المُلتقَط. كما طُوِّر البولي يوريثان الذي له
القدرة على امتصاص غاز الميثان، أحد غازات الاحتباس
الحراري الأخرى. توجد مستودعات هائلة من غاز
الميثان تحت قاع المُحيط، وأُثيرت مخاوف حول
إمكانية أن يتسبب الاحترار العالمي في أن يطلق بعضٌ
من هذه المستودعات مُحتوياته. كما أن هناك مجالًا
بحثيًّا آخر يتضمَّن بوليمراتٍ عضوية مسامية
يُمكنها الارتباط بالمواد الكيميائية السامة. وقد
تفيد هذه البوليمرات في صناعة الأقنعة الواقية من
الغاز.
للبوليمرات القابلة للتحلُّل الحيوي استخداماتٌ
في المجال الطبي، من بينها الخيوط الجراحية القابلة
للانحلال مع الوقت، والشرائح، والمسامير،
والدبابيس، والشبكات. كما تجرى دراساتٌ حول
البوليمرات القابلة للتحلُّل الحيوي للتأكد من
إمكانية أن تحلَّ محل الأجهزة المزروعة المصنوعة من
التيتانيوم التي تُستخدَم حاليًّا في إصلاح كسور
العظام الحاملة لوزن الجسم.
يجري أيضًا تطوير طلاء الأسطح المصنوع من الجِل
المائي (الهيدروجل) المُستجيب للحرارة بحيث يستطيع
امتصاص مياه الأمطار ثم «ينضحها» للمساعدة في تبريد
المباني، الأمر الذي من شأنه أن يُقلل من انبعاثات
ثاني أكسيد الكربون، وكذلك من استخدام مُكيفات
الهواء. البوليمر الخاضع للدراسة هنا هو البولي
(ن-أيزو بروبيل أكريلاميد) (أو اختصارًا البوليمر
بنيبام) الذي يمكنه تخزين الماء بنسبة ٩٠٪ من
وزنه.
وأخيرًا، يجري الآن تطوير بوليمراتٍ جديدة من
شأنها أن تحول دون الْتصاق العلكة بالملابس أو
الأرصفة أو الأرضيات. يمتصُّ البوليمر الماء، مما
يُسرِّع من وتيرة التحلل، ولكنه في الوقت نفسه يمنح
العلكة نكهة تدوم لمدة أطول. كما يمكن استخدام
البوليمر في صناعة أحمر الشفاه ومرطِّب الشفاه، وهو
من أساليب التعامُل مع رائحة النفَس
الكريهة.