غزو … من الفضاء!
تصاعدت أنفاس الشياطين؛ فالاجتماع الذي بدأ باستدعاءٍ غيرِ عاجلٍ، والمهمة التي بدت كأنها نوع من الخيال العلمي قد تحوَّلَتْ إلى كابوس تنوء به الأرض، ويُهدِّد مستقبلها البَشري وحضارة آلاف السنين، والشيء الذي عجزَتْ عن مواجهته أقوى دول العالم صار على الشياطين أنْ يواجهوه بأنفسهم.
مرَّتْ لحظاتٌ من الصمت والهدوء كأنَّما يتيح رقم «صفر» للشياطين مزيدًا من التفكير، وأخيرًا قال لهم: إنَّ أوَّل ظهور لتلك الأطباق الطائرة العدوانية كان منذ ستة أسابيع، وحدث هذا عندما حلَّق طبق طائر فوق إحدى حاملات الطائرات الأمريكية في المحيط الأطلنطي، ثم انطلق في الفضاء بسرعة، ولم تلحق به أيَّةٌ من الطائرات المُطارِدة … وبعدها بيومَينِ تعرَّضَتْ قاعدةٌ صاروخية أمريكية للهجوم من الطبق الطائر، فدمَّرَ جزءًا منها بإشعاعٍ رهيبٍ، وعندما طاردَتْ طائرتان أمريكيتان الطبق الطائر وأطلقتا عليه الصواريخ، استطاع الطبق الطائر إذابتهما وتفجيرهما قبل أن يصلا إليه، ثم أطلق إشعاعه القاتل نحو الطائرتَينِ ونسفهما، ونفس الشيء حدث عندما هاجم سربٌ من الأطباق الطائرة حاملةَ طائرات روسية في عُرْض المحيط الهندي، وأطلقوا عليها إشعاعهم القاتل، فاشتعلَتْ حاملةُ الطائرات، وأوشكَتْ على الغرق لولا أن هبَّت سفنٌ كانت بالقرب منها لإنقاذها، وحدث أثناء عبور إحدى الطائرات المقاتلة الإنجليزية لبحر المانش أن صادفت طبقًا طائرًا، فانطلقَتْ لمهاجمته، وبادرته بالهجوم بالصواريخ، فأخذ الطبق الطائر يتلاعب بالطائرة قليلًا قبل أن يوجه إشعاعه القاتل إليها وينسفها.
قال «عثمان» مذهولًا: إنَّه شيء أقرب إلى الخيال!
رقم «صفر»: إنَّ الأمر لم يقتصر على ذلك فقط، ويبدو أنَّ هذه الأطباق الطائرة عندما تأكدت من قدرتها الفائقة في صدِّ أيِّ هجوم عليها، انطلقَتْ في اتجاه آخَر، فسقطَتْ على بعض القنابل الذرية في قاعدة فرنسية، وهذه القواعد كما تعرفون أشبه بالأماكن المُحصَّنة التي يستحيل اقتحامها أو الوصول إليها، ولكنَّ الطبق الطائر قام باقتحام وإطلاق سيل من إشعاعه على أجهزة الدفاع قبل أن يختطفَ القنابل الذرية ويختفي بها في الفضاء.
بوعمير: ولكن ما الذي ستفعله الأطباق الطائرة بهذه القنابل؟
رقم «صفر»: هذا ما لا يعرفه أحدٌ حتى الآن، ومَن يدري؟ قد تُوجِّه هذه القنابل إلى الأرض مرة أخرى، ولكن لتدميرها.
ساد صمتٌ قاتل، وأكمل رقم «صفر»: بعد قليل سُرقَتْ شحنة راديوم كانت تَعْبُر المحيط في رحلة سرِّية إلى أمريكا … والراديوم هو العنصر المُستعمَل في صناعة القنابل الذرية كما تعلمون … وقد هاجمَتِ الأطباقُ الطائرة السفينةَ، واستولَتْ على ما فيها من راديوم قبل أن تُغرِقها في المحيط.
أحمد: ولكن كيف عرفتم أنَّ الأطباق الطائرة هي التي هاجمت السفينة وأغرقتها، ما دام أن أحدًا لم ينجُ منها؟
رقم «صفر»: إنَّ إشارات الاستغاثة التي أطلقتها السفينة أفادت أنَّ أطباقًا طائرة تهاجمها، وعند وصول أقرب السفن إليها لم تجد غير كمية طافية من الأخشاب، بعد غرق سفينة الراديوم … ولم يكن هناك ناجون على الإطلاق، وبعد أيامٍ قليلةٍ تم اختطاف عالم الذَّرَّة الهندي «راجا موهاري» من فيلَّته الواقعة على شواطئ مدينة «بومباي»، ولم يَعثُرْ له أحدٌ على أثر حتى الآن.
إلهام: وهل كانت الأطباق الطائرة هي التي اختطفته؟
أجاب رقم «صفر»: هذا صحيحٌ تمامًا؛ فقد شُوهِدَتْ وهي تحلِّق فوق منزله قبل اختطافه، وعندما أسرع رجال الحراسة محاولِينَ إنقاذه ماتوا جميعًا بالأشعة الحارقة، وحتى الآن لم يَعِشْ أيُّ شخص شاهد تلك الأطباق الطائرة أو حاول اعتراضها.
قال «أحمد» مقطبًا: ولكن هذا أمر عجيب جدًّا، من الواضح أنَّ مخلوقات هذه الأطباق الطائرة على درجةٍ عاليةٍ من التقدُّم العلمي، ولديهم أسلحتهم الخاصة الرهيبة، فلماذا يختطفون قنابلَ ذرية، وموادَّ مُشِعَّة، وعالِمَ ذَرَّة «هندي»؟
رقم «صفر»: هذا هو السؤال الذي لا يعرف أحد إجابته … والأكثر غرابةً هو أنَّ تلك الأطباق الطائرة هاجمت بنكًا سويسريًّا، واستولَتْ على عشرة أطنان من الذهب الخالص.
قيس: هذا مدهش! وماذا سيفعلون بالذهب أيضًا؟
– من يدري؟! إنَّ سيناريو الأحداث بأكمله يبدو لغزًا غامضًا عجيبًا لم نستطع تفسيره حتى الآن، فما الذي تريده هذه الأطباق الطائرة؟ ومن أين أتوا؟ وما هو هدفهم النهائي؟ هذه كلها أسئلةٌ بلا إجابة حتى الآن، وآخِر المعلومات التي وصلتنا تقول: إنَّ القوى العظمى قد اتفقَتْ سرًّا فيما بينها على عدم الهجوم على هذه الأطباق الطائرة في حالة ظهورها في أي مكان، فمَنْ يدري، فقد يدفع ذلك الهجوم هذه الأطباقَ إلى الرد بصورة عنيفة قد تدمِّر الأرض، خاصة وقد صار في حوزتها عددًا من القنابل الذرية التي تكفي لدمار الأرض وفناء جنسنا البشري.
هدى: ولكن كيف لم يتم رصد هذه الأطباق الطائرة قبل ظهورها؟ ولماذا يكون ظهورها مفاجئًا دائمًا بحيث لا يتاح لمَن تهاجمه الدفاع عن نفسه؟
رقم «صفر»: ذلك لأنَّ هذه الأطباق الطائرة لا يتم رصدها بالرادار … ولا بد أنَّ جسمها المعدني مُغطَّى بمادة تمتص ذبذبات الرادار ولا تعيدها للأرض مرة أخرى، وبذلك لا تستطيع أجهزة الرادار رصدها، ولا يمكن مشاهدة هذه الأطباق الطائرة إلا بالعين المُجرَّدة؛ مما يعطيها ميزة هائلة في حرية طيرانها وهجومها المفاجئ.
أحمد: إنَّ هذا يذكرني بالطائرة الأمريكية «الشبح» التي لا يمكن رصدها بالرادار، وإن كانت لا تزال في طور التجارب.
رقم «صفر»: من الواضح أنَّ هذه المخلوقات متقدمةٌ عنا بكثير، وأنَّ المواجهة معها لن تكون في صالحنا أبدًا، ومن هنا كان قرارنا بأن يتولى الشياطين الأمرَ بأنفسهم، فإذا كان استعمال السلاح ممنوعًا هذه المرة، فإنَّ لديكم عقولكم وذكاءكم، وهما أقوى من أيِّ سلاحٍ … إنَّ مهمتكم القادمة هي استكشاف هذه الأطباق الطائرة ومعرفة من أيِّ كوكب جاءت؟ وما الذي يهدف إليه أصحابها؟ وهل ينوون شنَّ حرب مدمِّرة على الأرض؟ ولماذا أخذوا القنابل الذرية والراديوم والعالِم «الهندي»؟ إنَّ هذه كلها أسئلة نرغب في الحصول على إجابتها؛ فقد تنير لنا طريقًا يكون فيه خلاصنا من هذه المخلوقات الفضائية وأطباقها الطائرة.
وصمتَ رقم «صفر» لحظةً، ثم أضاف: إنَّ هذه هي أخطر مهمة قد تقومون بها في حياتكم، وقد تكون مهمة بلا رجعة، فأنتم هذه المرة لا تواجهون عدوًّا بشريًّا، ولا عصابة مهما كانت خطورتها، بل إنَّ مهمتكم ضد مخلوقات فضائية شديدة الذكاء، وشديدة القسوة أيضًا. لقد اخترتُ ستة شياطين منكم لتلك المهمة، وسيبقى الباقون في وضع استعداد لتقديم المساعدة للمجموعة الأولى إذا احتاجَتْ لذلك.
والمجموعة المُكلَّفة بالمهمة ستتكون من «أحمد» و«عثمان» و«إلهام» و«ريما» و«مصباح» و«فهد»، وتذكروا أنَّ هذه المهمة ممنوع فيها استخدام الأسلحة من أي نوع، فإذا تأزَّمَتِ الأمور تمامًا فتذكروا أنَّ مصير الأرض في أيديكم، وأنكم قد تدفعون حياتكم ثمنًا لذلك، مقابل إنقاذ خمسة آلاف مليون إنسان يعيشون فوق هذا الكوكب.
وساد صمتٌ قاتلٌ رهيبٌ، حتى كاد الشياطين يسمعون صوت أنفاسهم مثل قرع الطبول، وتأهب رقم «صفر» للانصراف، وتساءل «أحمد» بوجه خالٍ من المشاعر: ولكن من أين سنبدأ مهمتنا في البحث عن هذه الأطباق الطائرة؟
أجاب رقم «صفر»: إنَّ كل الشواهد تدل على أنَّ تلك الأطباق الطائرة تأتي دائمًا من الشمال وتعود إليه من أقصى الشمال، وبالتحديد في قمة العالم فوق القطب الشمالي.
تساءلت «إلهام» ذاهلةً: حيث يعيش «الإسكيمو»؟
وفي نفس اللحظة تذكَّر الشياطين تلك الأسطورة التي كانت تقول بأنَّ سكان «الإسكيمو» قد جاءوا من مكان ما في الجنوب، وسكنوا القطب الشمالي لسببٍ غير مفهوم، حيث حملتهم طيور معدنية منذ آلاف السنين، وهو الشيء الذي أثبت العلماء أنَّه حقيقة علمية وليس مجرد أسطورة … وتبادل الشياطين الستة النظرات ذاهلِينَ، هل كان ظهور الأطباق الطائرة من أقصى شمال العالم في القطب الشمالي منذ آلاف السنين مُجرَّد صدفة؟ أم إنَّ هناك علاقة مُؤكَّدة تمتد آلاف السنين للوراء؟