وجهًا لوجه … مع الأطباق الطائرة!
وقف الشياطين في صمتٍ وحزنٍ ينظرون إلى بقعة الرماد، وكان الأسى الشديد واضحًا في عيونهم، وتناول «مصباح» فردة الحذاء ونظر إليها طويلًا، ثم قال: يبدو أن «نانو» لاقى نفس مصير كلابه.
فهد: ونفس مصير كل مَن يحاول تتبُّع هذه الأطباق الطائرة.
أحمد: إنَّني أحس بلوم ومرارة شديدَينِ، وأحسب نفسي مسئولًا عما جرى ﻟ «نانو»؛ كان من الواجب إخباره عن طبيعة مهمتنا.
صاح «عثمان» في غضب: أقسم لأنْ أُذيق هؤلاء الفضائيِّينَ من الألم الكثير لكل ما فعلوه من شرور.
إلهام: وبأي شيء سوف تذيقهم الألم يا «عثمان»؟ بكُرَتك المطاطية بطة، إنَّنا حتى لم نَعُد نملك شيئًا ندافع به عن أنفسنا، فقد ضاعت مع بقية الأشياء في الزَّحَّافتَينِ.
تساءل «أحمد»: وأين تظنُّون قد اختفَتِ الزَّحَّافتان؟
أجابت «ريما»: مَن يدري؟! لعل الأطباق الطائرة استولت عليها أثناء العاصفة بدون أن نراها أو نشعر بها، ويبدو أنَّ «نانو» كان الوحيد الذي شاهدها خلال العاصفة، وكان في ذلك نهايته.
ضاقت عينا «إلهام» وقالت: لا أظنُّ ذلك، إنَّ هذه الأطباق الطائرة بمخلوقاتها تبدو كما لو كانت تلاعبنا لعبة القط والفار؛ أولًا قتلَتِ الكلاب حتى تعيق حركتنا، وثانيًا تخلَّصَت من «نانو» حتى لا نجد مَن يرشدنا إلى أيِّ اتجاه.
أحمد: معنى ذلك أنَّهم يعرفون مهمتنا؟
إلهام: هذا أمر لا ريب فيه، وبلا شك أيضًا فهم يريدون موتنا ولكن ببطءٍ، ولعل ذلك سيمنعهم أكثر من أنْ يطلقوا علينا طلقاتهم الإشعاعية، فالجليد والصقيع والجوع سيتكفلون بالقضاء علينا ببطءٍ وألمٍ لا حدَّ له.
صاح «عثمان» في غضب: هذا جنون، كان من الواجب ألَّا نفقد اتصالنا برقم «صفر» حتى يرسل إلينا نجدةً وسلاحًا.
أحمد: إنَّنا في مأزق بالفعل، وعلينا أنْ نفكر في هدوءٍ، إنَّ أفضل ما نفعله الآن هو مواصلة رحلتنا إلى أقرب نقطة أرصاد جوية، ومحاولة الاتصال برقم «صفر» من هناك لإبلاغه بما حدث.
إلهام: وكيف سنصل إلى هذه المحطة؟ إنَّنا لا نملك حتى خرائط ترشدنا إليها، فقد كانت كلها موضوعة بالزَّحَّافتَينِ.
أحمد: إنَّ لدي خريطة صغيرة حملتها معي احتياطيًّا.
وأخرج «أحمد» من جيبه خريطةً صغيرةً، فَرَدَها وأخذ يتأمل تفاصيلها، ثم أشار إلى نقطة بأعلاها وقال: ستكون هذه المحطة هي وجهتنا، فهي أقرب المحطات إلينا، إنها تبعد مسافة خمسة وعشرين كيلومترًا جهة الشمال، وعلينا أن نصل إليها مهما كانت المشقة في ذلك، وسوف نحدد اتجاه الشمال بواسطة نجوم السماء. هيا بنا.
وفي صمتٍ بدأ الشياطين الستة رحلتهم البطيئة، وساروا بخطوات متعثرة وسط الجليد الصلب الذي كان يتطلب مزيدًا من الحذر للسير فوقه.
وارتجفت «ريما» وهي تقول: إنَّني أشعر كأنني سأتجمد.
إلهام: عليكِ بمواصلة السير؛ فالتوقُّف يعني الموت من البرد.
وهمست «ريما» إلى «إلهام» في قلق شديد: هل تظنين أنهم سيتركوننا نصل سالِمِينَ إلى محطة الأرصاد؟ إنَّني أعني هذه الأطباق الطائرة ومخلوقاتهم المتوحشة.
إلهام: سنحاول الوصول إلى هناك مَهْمَا كان الثمن.
ريما: هل … هل تظنين أنَّهم يراقبوننا الآن؟
تطلَّعَتْ «إلهام» إلى السماء المُلبَّدة بالغيوم الثقيلة، وقالت: مَن يدري؟! لعل لهم عيونًا خفيَّة ترصدنا بدون أن نراهم. ولكنَّنا لن نستسلم أبدًا حتى لو اضطُررنا للدفاع عن أنفسنا بأيدينا العارية، إنَّ الشياطين لا يعرفون اليأس أبدًا.
وانقضى وقتٌ، وأظلمَتِ السماء قبل أن ترتمي «ريما» على الأرض من شدة الإعياء وهي تقول: إنَّني أحسُّ ببرد قاتلٍ، وبجوعٍ شديدٍ أيضًا.
أحمد: سنتوقف هنا قليلًا للحصول على بعض الراحة والطعام.
تساءل «عثمان»: ومن أين سنأتي بالطعام؟
أحمد: سنقوم بالصيد كما كان يفعل «نانو».
وأخرج سكينًا صغيرة كان يخفيها حول ساقه، وقال: إنَّ الأسلحة الاحتياطية تفيد دائمًا.
فهد: هل تعتقد أنَّك ستصيد دبًّا بهذه السكين الصغير؟
ابتسم «أحمد» وقال: بل يمكنني أن أصيد بها حوتًا لو أردْتَ، سأحاول أن أصيد أحد ثيران المسك، وعليكم بالبحث عن أية أعشاب نابتة أو شجيرات صغيرة لتكون وقودًا نطهو بها صيدنا.
عثمان: سآتي معك لصيد الثور.
فهد: وأنا سأبحث عن أية أعشاب أو شجيرات.
مصباح: وأنا سأبقى مع «إلهام» و«ريما» للدفاع عنهم إذا تعرضوا للخطر.
تحرك «أحمد» و«عثمان»، وأشار «أحمد» إلى نقطة سوداء بعيدة، وقال: يبدو أنَّ هذه النقطة هي ثورٌ بعيدٌ، سنكون حَسَنِي الحظِّ لو تمكنَّا من اصطياده وسط هذا الظلام.
واندفع الاثنان باتجاه الثور، وفجأة توقفا كالمشلولِينَ عندما وصلَتْ إلى آذانهما الصرخة العالية التي انبعثَتْ من الخلف.
والتفت «أحمد» و«عثمان» للوراء في اللحظة التي انبعث في السماء وهج برتقالي لامع يكاد يعمي الأبصار، وتحرَّك شيء في السماء هابطًا نحو الأرض بسرعةٍ مُطلِقًا أنواره الساطعة، ثم تبعه قرص دائري آخَر، فثالث …
وصاح «أحمد»: إنها الأطباق الطائرة، إنَّ بقية الشياطين في خطر.
عثمان: لنسرع بالعودة.
واندفع الاثنان عائدَينِ بأقصى سرعتهما، ولكن لم يكن هناك أي أثر ﻟ «إلهام» أو «ريما» أو «مصباح» أو «فهد».
وكانت الأطباق الثلاثة راقدةً فوق الأرض، وقد خرج منها مخلوقات قصيرة لا يزيد طول كل منها على متر واحد بوجوه ذات ملامح مُفزِعة؛ عينان واسعتان، وأنف كبير، وفم صغير، وكانت جلودهم خضراء قبيحة الشكل، ورؤسهم ضخمة بلا شعرة واحدة، وهم يحملون مسدسات إشعاعية مصوبة نحو الشياطين.
قال «عثمان» مذهولًا: يبدو أنَّهم قبضوا على بقية الشياطين.
أحمد: لا جدوى من المقاومة أمام تلك الأسلحة الإشعاعية الرهيبة، إنَّ الاستسلام يعطينا فرصة أفضل.
وأحاطت المخلوقات القصيرة ﺑ «أحمد» و«عثمان» من كل جانب، وفي صمت وهدوء اتجه الشيطانان نحو أحد الأطباق الطائرة الذي حملهما في جوفه، ثم اندفع يشق الفضاء بسرعة كبيرة.