عين السَّمكة
صعِد الأصدقاء المُرتفَع الذي يؤدِّي إلى الهرم، وكان «تختخ» ما زال مُستغرِقًا في خواطره عندما وصَلوا إلى قاعدة الهرم … وجلسوا في ظل صخرة يتحدَّثون … قال «تختخ»: إنني مشغول بالكلمات التي قالها الطائر … من المؤكَّد أن هذه الكلمات تعني شيئًا يمكن أن يؤدِّيَ إلى الإيقاع بشبكة الجواسيس … يجب أن نُعِيد ترتيب الكلمات لنكوِّن منها جملةً لها معنًى!
عاطف: وقد لا تعني شيئًا على الإطلاق.
تختخ: هل أنت مُقتنع أن الرَّجلَين جاءا إلى المنزل لأخذ الطائر؟
عاطف: نعم.
تختخ: إذن فهذا الطائر له أهميةٌ خاصة … ولست أعتقد أن أهميته المادية هي التي دفعت الجاسوسَين للمخاطرة بنفسَيهما … إنه قد يُساوي مائة جنيه أو أكثر. فهل هذا مَبلغٌ يدفع جاسوسَين لدخول «فيلا» يحرسها شُرطي؟ إن الجواسيس هم أكثر الناس حذرًا … ولا يمكن أن يُغامر جاسوسان بدخول «الفيلا» وهما يَعلَمان أن عليها حِراسة — وربما مراقبة — من أجل طائر … إلا إذا كان هذا الطائر مهمًّا جدًّا.
محب: معقول …
تختخ: في هذه الحالة فإن قيمة الطائر في أنه يردِّد کلامًا سمِعه … هذا الكلام له أهميةٌ خطيرة …
محب: ولكننا ناقَشنا هذه الفكرة من قبل.
تختخ: صحيح … ولكن دلالة الكلمات، ماذا تعني عين السَّمكة بالنسبة للجواسيس؟ إنها الكلمات التي لا يكفُّ الببغاء عن تردیدها … عين السَّمكة … كلب … ماذا يعني هذا؟ ماذا تعني عين السَّمكة؟ إلى أي شيء تُشير هاتان الكلمتان؟ لقد فهِمنا معنى الصور والطائرات والهرم، ولكن هاتين الكلمتين …
عاطف: إنها بالطبع رمز لشيءٍ ما … لحادثٍ ما … لشخصٍ ما … إنها لا تعني مجرَّد عين السَّمكة.
تختخ: ما هو الشيء الذي يمكن أن نُطلِق عليه اسم عين السَّمكة؟
أخذ الثلاثة يفكِّرون فترةً ثم قال «محب»: أفضلُ شيءٍ أن نذهب الآن إلى سوق السَّمك ونُشاهده … علينا أن نفحص جيدًا عين السَّمكة؛ فقد تُوحي إلينا بشيء.
وهكذا غادَر الثلاثة الهرم، وقال «محب»: أقرب سوق للسَّمك في «التوفيقية». هيَّا نذهب إلى هناك!
وركِبوا الأتوبيس مرةً أخرى إلى وسط القاهرة حيث يوجد باعة السمك في سوق التوفيقية، ووقفوا أمام الطاولات التي تكوَّم فوقها السمك … وأخذوا يحدِّقون في العيون الساكنة … عيون البُلطي والقاروص والبوري … وقال «محب»: طبعًا إن ما تُوحي إليَّ به عين السَّمكة هو الموت … إن عين السَّمكة ساكنة … باردة … مفتوحة كأنها عين ميت.
تختخ: هذا ما فكَّرت فيه أيضًا.
عاطف: ولكن ما هي أبرز علامات أو مُميزات عين السَّمكة؟
تختخ: إنها بلا أجفان … إنها عيون لا تُغلق أبدًا!
محب: هل يعني هذا مثلًا أن هذا الاسم لخليَّة جواسيس؟! خليَّة عين السَّمكة؛ أي الخلية التي لا تنام … التي لا تُغلَق عيونها مُطلَقًا؟!
تختخ: هذا مُمكِن جدًّا.
عاطف: هذا أقرب تفسير لمعنى عين السَّمكة.
كانوا قد خرجوا من محل بيع السمك وهم يتبادلون الأحاديث … ثم اتَّفقوا على أن يتناولوا شيئًا في محل «الأمريكين» في شارع «طلعت حرب» … ومضَوا واختاروا مائدةً قُرْب الشارع ثم جلسوا، وطلبوا ثلاثة أكواب من عصير الليمون … وفجأةً سمِع «محب» اسمه يتردد، ورأى إنسانًا يقترب منه، فقام واقفًا، وسلَّم على صديق له، وقدَّمه إلى «تختخ» و«عاطف» قائلًا: صديقي وزميلي «حسين»، وهو — بجانب أنه طالبٌ مُمتاز في المدرسة — من هُواة التصوير.
وأخذ الاثنان يتبادلان الأحاديث، فسأل «حسين»: ما الذي أتى بك إلى وسط المدينة؟! إنك دائمًا تُفضل البُعد عن الضجيج.
محب: ستضحك إذا عرفت لماذا حضرنا نحن الثلاثة … لقد جئنا للتفرُّج على السمك …
حسين: السمك … لماذا؟ ألمْ ترَوه من قبل؟
محب: جئنا نتفرَّج على شيءٍ واحد في السَّمكة … عينها … عين السَّمكة.
حسين: لماذا … لعلكم ستشترون آلةَ تصويرٍ حديثة؟
محب: وما دخلُ عين السَّمكة في آلات التصوير؟
حسين: ألا تعرف أن أحدث عدسة في آلات التصوير اسمها عدسة عين السَّمكة؟
تبادل الأصدقاء الثلاثة نظرات الدهشة، وقال «محب»: عين السَّمكة؟
حسين: إنها عدسةٌ تُشبِه عين السَّمكة فعلًا … لأنها مُستديرة ومحدَّبة، وتلتقط صورةً مُستديرة تُشبِه عين السَّمكة فعلًا … وبدلًا من أن تكون الصورة مسطَّحة كما هي عادةً، تلتقط صورةً مُستديرةً تشمل مساحةً أكبر من الصورة العادية.
محب: لقد شاهدت بعض هذه الصور في بعض المجلَّات الأجنبية التي يحضرها أبي … وفي بعض المجلَّات المصرية حديثًا!
حسين: هل تشترون حقًّا آلة تصوير من هذا النوع؟ إني أتمنَّى أن أحصل على واحدة منها لأجربِّها!
قال «محب» مُبتسمًا: أبدًا … لقد كانت مجرَّد مناقشة حول السمك أدَّت بنا إلى الحضور للتفرُّج على عين السَّمكة.
بعد دقائق اعتذر «حسين»، ومضى وترك الأصدقاء الثلاثة يتبادلون النظرات … هل لهذا الكلام علاقة بالكاميرا الصغيرة التي سقطت من الجاسوس ليلة أمس، والتي أخذها المفتش «سامي»؟ إن ذلك يفتح آفاقًا جديدة للبحث …
قال «تختخ»: تعالَوا نعود لنرى ما فعلت «نوسة» مع الطائر، ونتصل بالمفتش «سامي» ونُبلِغه ما وصَلنا إليه.