شيخ السوق
لقد دُهي هذا البلد بشيخ رومي التَّبْعَة، ألماني الطَّلْعَة، إنجليزي النَّزْعَة؛ له وجه كسنام البعير، ووجنتان كأنما استعيرتا من نار السعير، يفرُق بينهما منخران غليظان يقذفان بالحُمَم، ويروحان على جليسه بأخبث من ريح الرِّمم. ودونهما فمٌ قد افتن الشيخ في إحكام دباغه، وتجويد أصباغه، فإذا راعتك منه حُمرة الشفاه، فاعلم أن ذلك من صنعة «دلمار» لا من صنعة الله. وله عينان دقَّتا عن الأنظار، فلا تستكشفهما العيون إلا بمِنظار؛ على أنهما أبصَرُ من زَرقاءِ اليمامة، وهيهات أن يخطئهما موقع الدرهم من هُنا إلى يوم القيامة. وله عُنُقٌ قد رهَّلت جلده السنون الطِّوال، ولولا «البودرة» تُمسِكه لسال.
ولقد اطَّلع الشيخ على السبعين، ولكنه لا يرى شيئًا من العاب، في أن يبرُز في دَلِّ الناهد الكَعَاب؛ فلا تراه إلا مُرَجَّل اللمة، «مهندم» العمة؛ يجول في قفطان كأنما قُدَّ من فِرِند سَيف، أو نسج من خيوط الطَّيف، فترى أحمره يسيل في أخضره، وأزرقه يموج في أصفره، يترقرق فيه مثل العَسْجَد المذاب، أو شعاع الشمس إذا تهيأت للاغتراب، وقد أمعنت «الخيَّاطة» في تقوير أعلاه، فانحسر من صدر الشيخ على مثل المرآة، وقد أطلَّ على حِفَافَيْه نَهْدانِ كأنما قاما على حراسة هذا الغدير الرقراق، من أعين الحسَّاد وشِفاه العشَّاق، ومن دونهما منطقة — حزام — قد شُجِّرت بالأفنان والأوراق، وحلَّقت على جداولها كلُّ سَجُوعٍ من ذوات الأطواق، وقد تأنَّق الشيخ به في تكوير أردافه، وتدوير أعطافه، فما تدري — إذا ما رأيته — أأنت في «حضرة» شيخ عظيم، أم في مجلس غانية في «الأُلدرادو» القديم؟!