الفصل الثالث
المشهد الأول
(بيرالد – أرغان – توانيت)
بيرالد
:
أتريد أن نتكلم هنيهة يا أخي؟!
أرغان
:
اصبر قليلًا فسأعود.
توانيت
:
خذ يا سيدي، فهل نسيت أنَّك لا تستطيع المشي من غير عصا؟!
أرغان
:
الحق معك.
المشهد الثاني
(بيرالد – توانيت)
توانيت
:
أرجو إليك أن لا تهمل أمر ابنة أخيك.
بيرالد
:
سأستعمل جميع الوسائل لأنيلها كل متمنياتها.
توانيت
:
يجب أن نحول دون هذا الزواج الغريب الذي حلا له أن يحدثه، ولقد خطرت لي فكرة
حسنة؛ وهي أن نُدخل إلى هذا المكان طبيبًا من جهتنا يستدرج السيد أرغان إلى
إقصاء الطبيب بورغون عنه بعد أن يصف له تصرفاته السيئة. ونظرًا لأنَّه ليس
لدينا من يقوم بهذه المهمة فقد صحت عزيمتي على أن ألعب هذا الدور بنفسي.
بيرالد
:
ماذا؟!
توانيت
:
هي فكرة غريبة، وقد تكون موافقة أكثر منها حكيمة، فدعني أعمل، واعمل أنت من
جهتك. هو ذا صاحبنا.
المشهد الثالث
(أرغان – بيرالد)
بيرالد
:
أتريد يا أخي أن أسألك قبل كل شيء أمرًا واحدًا وهو أن لا تدع الغضب يستولي
عليك في أثناء الحديث؟!
أرغان
:
بدون شك.
بيرالد
:
وأن تجيب دون امتعاض عن الأسئلة التي أطرحها عليك؟
أرغان
:
نعم.
بيرالد
:
وأن نبحث معًا في المسائل التي سنتناولها بروح مجرد من الأهواء؟
أرغان
:
يا الله! نعم، نعم.
بيرالد
:
من أين يا أخي وأنت صاحب ثروة طائلة وليس لديك إلَّا ابنة واحدة؛ إذ لا أريد
أن أكلمك عن الصغرى، قلت من أين جئت بهذه الفكرة المدهشة وهي أنك تريد إدخالها
إلى الدير؟!
أرغان
:
ومن أين يا أخي أني صاحب السيادة في بيتي وأن لي الحق في أن أعمل ما أراه
حسنًا؟!
بيرالد
:
إنَّ زوجتك لا تفتأ تنصحك بالتخلي عن ابنتيك، ولا أشك في أن روحًا من الشفقة
يسيغ لها أن تراهما راهبتين.
أرغان
:
ها ها! وصلنا إلى النقطة وبدأنا بالمرأة المسكينة، فهي التي تعمل جميع
السيئات وجميع الناس يحملون عليها.
بيرالد
:
لا يا أخي، لندع زوجتك في مكانها، فهي امرأة مخلصة كل الإخلاص لعيلتك ومجردة
من أي مصلحة خاصة، وهي إلى ذلك تحبُّك وتحنو عليك حنوًّا مجسمًا، وتظهر لابنتيك
عطفًا أكيدًا، هذا لا ريب فيه، فلنقفل هذا الباب ولنرجع إلى ابنتك، على أي مبدأ
يا أخي تريد أن تزوجها من ابن طبيب؟!
أرغان
:
على مبدأ أن أعطي نفسي صهرًا يوافقني.
بيرالد
:
ولكن هذا ليس حال ابنتك يا أخي، فهناك نصيب أميز لها.
أرغان
:
نعم؛ ولكن هذا يا أخي أميز لي.
بيرالد
:
ولكن الزوج الذي ستتخذه ابنتك أينبغي أن يكون لها أم لك؟
أرغان
:
ينبغي أن يكون لي ولها، وأريد أن أُدْخِل إلى بيتي الناس الذين أحتاج
إليهم.
بيرالد
:
إذا كان الأمر كذلك فابنتك الصغرى لو كانت كبيرة أكنت تزوجها من
أجزائي؟
أرغان
:
ولمَ لا؟
بيرالد
:
وهل من الحكمة أن تبقى إلى الأبد مزمَّلًا بأطبائك وأجزائيك وتريد أن تكون
مريضًا بالرغم من الناس ومن الطبيعة؟!
أرغان
:
ماذا تقصد بقولك هذا؟!
بيرالد
:
أقصد يا أخي أنِّي لا أعرف رجالًا أقلَّ مرضًا منك، وإني لا أطلب لنفسي أن
أكون أحسن منك صِحَّة، والبرهان الكبير على صحتك وسلامة جسمك هو أن الأدوية
والعقاقير التي استعملتها لم تتوصل بَعْدُ إلى تعكير مزاجك.
أرغان
:
أتعلم يا أخي أنَّ العقاقير هي التي تحفظني، وأنَّ السيد بورغون يقول إنَّ
قُواي تنحطُّ دفعة واحدة لو بقيت ثلاثة أيام دون أن أعتني بنفسي؟!
بيرالد
:
وأنا أقول لك إذا لم تحذر هذا الرجل فإنَّه سيظل يعتني بك حتى يقودك إلى
العالم الآخر.
أرغان
:
ولكن يا أخي، تعالَ نبحث بحثًا عقليًّا، ألا تؤمن بالطب؟
بيرالد
:
لا يا أخي، ولا أرى أن الحكمة توجب عليَّ أن أؤمن به.
أرغان
:
ماذا؟! ألا تصدق شيئًا اعترف به جميع الناس واحترمته جميع العصور؟!
بيرالد
:
ليس أني لا أصدقه فحسب، بل أراه — بيني وبينك — عارضًا من أكبر عوارض الجنون
البشري، ولئن نظرت إلى الأشياء نظرة فليسوف لا أرى أسخف وأضحك من رجل يريد أن
يشفي سواه.
أرغان
:
لماذا لا تريد يا أخي أن تُصدِّق أنَّ رجلًا يستطيع أن يشفي رجلًا آخر؟!
بيرالد
:
لأن العقل يا أخي يدلنا على أن لوالب الآلة البشرية لا تزال إلى الآن أسرارًا
غامضة لا يفقه الإنسان شيئًا منها، وأنَّ الطبيعة وضعت على أعيننا أغشية سميكة
لا نستطيع معها رؤية شيء أو معرفة شيء.
أرغان
:
إذن تريد أن تقول إنَّ الأطباء لا يعرفون شيئًا.
بيرالد
:
بل يعرفون أشياء، فهم في الجملة يعرفون التكلم باللغة اللاتينية، ويجيدون
باللغة اليونانية تعداد أنواع الأمراض وتحديدها وتقسيمها، أما من حيث الشفاء
منها فهم لا يعرفون شيئًا البتة.
أرغان
:
ولكن لا سبيل لأحد أن ينكر أنَّ الأطباء يعرفون بقضايا الأمراض أكثر مما يعرف
سواهم.
بيرالد
:
إنهم يعرفون يا أخي أشياء لا تستحق الذكر ولا تشفي من أمور خطيرة، ولا يقوم
فنهم إلا على خليط من الكلام يعطيك عبارات بدل البراهين ووعودًا بدل
الحقائق.
أرغان
:
وأخيرًا يا أخي هناك قوم لا يقِلُّون عنك حذقًا وحكمة، ونرى جميع الناس
يلجأون في أمراضهم إلى الأطباء.
بيرالد
:
هذا برهان على الضعف البشري وليس على حقيقة الفن.
أرغان
:
ولكن الأطباء يستعملون فنهم لأنفسهم، وهذا دليل على أنهم يعترفون
بحقيقته.
بيرالد
:
لا، بل هناك من الأطباء من هم واقعون في الخطأ العام الذي يستفيدون منه ومن
هم يستفيدون منه من غير أن يقعوا فيه، والسيد بورغونك مثلًا هو طبيب من قمة
رأسه إلى باطن قدميه، فهو يؤمن بقواعده أكثر من إيمانه بجميع البراهين
الحسابية، ويعتقد أنَّه من الخطأ أن يُجري امتحان على هذه القواعد، وهو إلى ذلك
كله لا يرى في الطب شيئًا مبهمًا أو مشبوهًا به أو صعبًا، وبكل ما في روحه من
الشراسة لا يعمد إلى وزن ما يجريه أو التبصر به، ولا ينبغي أن يُؤاخَذ على ما
يفعل، فهو يشحن الرجل إلى العالم الآخر بنيَّة سليمة، ولا يكون فعل بقتله إياك
إلَّا ما فعله بزوجته وأولاده وما يفعله بنفسه عند الحاجة.
أرغان
:
يظهر يا أخي أن حقدك على هذا الطبيب يرجع إلى زمن بعيد، ولكن لنرجع إلى صلب
الموضوع، ماذا يفعل الإنسان عندما يمرض؟
بيرالد
:
لا يفعل شيئًا.
أرغان
:
أبدًا؟!
بيرالد
:
أبدًا مطلقًا، فما عليه إلا أن يلزم السَّكِينة والراحة، فالطبيعة نفسها عندما
نتركها على سجيتها تتملص بكل هدوء وتؤدة من الخلل الذي سقطت فيه، فالقلق الذي
يستولي علينا وفراغ الصبر هما اللذان يعكران على الطبيعة مجراها، وأرى أنَّ
معظم الناس يموتون من عقاقيرهم وليس من أمراضهم.
أرغان
:
ولكن لا ينبغي لنا أن ننكر أنَّ باستطاعة الإنسان أن يساعد هذه الطبيعة ببعض
الأشياء.
بيرالد
:
يا الله! اسمع يا أخي، إنَّ كل ما تقوله أوهام صرف يحلو لنا التمسك بها، ولقد
تسللت بين البشر في كل زمن، خيالات جميلة صدقناها؛ لأنَّها تلائم مشاربنا
ونزعاتنا، فعندما يحدثك الطبيب بمساعدته للطبيعة وإنقاذه إياها ونزعه عنها ما
يضر بها ومده إياها بما ينقصها، وعندما يحدثك بتنقية الدم وتطهير الأحشاء وإعادة
الصدر إلى حالته الطبيعية وتقوية القلب وحفظ الحرارة، وعندما يقول لك إنه يملك
أسرارًا لإطالة الحياة، فهو في كل ذلك يقص عليك رواية الطب، ولكن عندما تصل إلى
الحقيقة والتجربة لا ترى شيئًا من كل ذلك، ويكون شأنك معها شأن تلك الأحلام
الجميلة التي لا تترك لك في ساعة اليقظة إلَّا مرارة تصديقها.
أرغان
:
تريد أن تقول إن جميع العلوم في العالم مخبوءة في رأسك، وتريد أن تقول إنَّك
تعرف أكثر مما يعرفه جميع علماء الطب في هذا العصر؟!
بيرالد
:
إنَّ أطباءك العظماء نوعان: إذا سمعتهم يتكلمون فهم أحذق البشر، وإذا رأيتهم
يعملون فهم أجهل الناس أجمعين.
أرغان
:
هَي هاي! أرى أنَّك طبيب عظيم! ولكم أريد أن يكون هنا الآن أحد هؤلاء السادة
ليقرعك بالحجة ويحط من صلفك!
بيرالد
:
لم آخذ على عهدتي محاربة الطب يا أخي، ولكلٍّ في الحياة أن يؤمن بما يريد،
وما قلته لك الآن يجب أن يبقى بيننا فلا يتجاوزنا إلى ثالث، وكنت أتمنى أن
أنزعك ولو قليلًا من الخطأ الواقع فيه، وإذا شئت فأنا مستعد لآخذك تشاهد إحدى
روايات موليير في هذا الصدد.
أرغان
:
إنَّ مولييرك هذا وقح هو ورواياته ومهازله، وإنِّي لأجده أسخف البشر بضحكه من
أشراف الناس كالأطباء.
بيرالد
:
إنَّ موليير لا يضحك من الأطباء على المسرح بل من الطب.
أرغان
:
وأي شأن له مع الطب ليكلف نفسه المراقبة عليه؟! إنَّه ولا شك سخيف وقح أبله
يسخر من الاستشارات والوصفات، ويهاجم صفوف الأطباء، ويضع على مسرحه أشخاصًا
أجلاء كهؤلاء السادة!
بيرالد
:
ومن تريد أن يضع على مسرحه غير مهن الناس على تباينها؟! ألا ترى كل يوم على
المسرح هؤلاء الأمراء والملوك الذين هم من بيوت كريمة كالأطباء؟!
أرغان
:
وحق الله لا الشيطان، لو كنت طبيبًا لانتقمت من وقاحته، وعندما يمرض أتركه
يموت دون نجدة، ولو كنت طبيبًا ومرض لما وصفت له أقل تضميد أو أقل جرعة، ولقلت
له: مت! مت! فهذا يعلمك مرة أخرى كيف يُسخَر من الجامعة.
بيرالد
:
هو ذا أنت تستشيط غضبًا عليه.
أرغان
:
نعم، فهو ضالٌّ، ولو كان الأطباء عاقلين لعملوا بحسب قولي.
بيرالد
:
ولكنه سيكون أعقل من أطبائك فلا يطلب نجدة منهم.
أرغان
:
لسوء حظه إذا هو لم يستعن بالأدوية.
بيرالد
:
وإذا هو لم يستعن بالأدوية فلأنَّ له حجته في ذلك، فهو يقول إنَّ الاستعانة
بالأدوية لا يُسمَح بها إلا للأقوياء المتصلبي الأجسام الذين يقوون على تحمُّل
العقاقير فوق المرض، أما هو فلا قوة له إلا على حمل دائه.
أرغان
:
يا لها حجة سخيفة! اسمع يا أخي، لنقطع حديثنا عن هذا الرجل فهو يضاعف أَلمي
ويدنيني من الموت.
بيرالد
:
بطيبة خاطر يا أخي، ولكي نغير الحديث أقول لك إنه لا ينبغي لك أن تعزم عزمًا
قاسيًا على وضع ابنتك في الدير، وإنَّه لا يليق بك أن تسير في مسائل الزواج
بحسب أهوائك المطوَّحة، وإنَّ الحكمة تقضي في مثل هذه الأحوال بأن ينزل الرجل
على رغبة ابنته لأنَّ في القضية أمر حياة طويلة، وعلى هذه الحياة تتوقف السعادة
أو الشقاء.
المشهد الرابع
(السيد فلوران (في يده عقاقير) – أرغان – بيرالد)
أرغان
(لبيرالد فجأة)
:
آه! بإذنك يا أخي.
بيرالد
:
كيف؟! ماذا تريد أن تفعل؟!
أرغان
:
أن أستعمل هذا الضماد، فلن أتأخر.
بيرالد
:
أتهزأ؟! أتراك لا تستطيع أن تبقى هنيهة من غير ضماد وتطبيب؟! أَجِّل ذلك إلى
وقت آخر والزم الراحة الآن.
أرغان
(لفلوران)
:
إلى هذا المساء أو إلى غد يا سيد فلوران.
السيد فلوران
(لبيرالد)
:
بماذا تحشر نفسك؟! وأي حق يخوِّلك التعرض لأوامر الطب ومنع حضرة السيد من أخذ
علاجي؟! أرى أنَّ جسارتك لمِن أشد الوقاحات!
بيرالد
:
اذهب اذهب، يظهر لي أنَّك لم تتعوَّد مخاطبة الوجوه.
السيد فلوران
:
لا يصح أن تهزأ بالأدوية وتضيِّع عليَّ وقتي، فلم أجئ إلى هنا إلا لتنفيذ أمر
جليل، وسأخبر السيد بورغون كيف منعتني من القيام بواجبي في تنفيذ أوامره، سترى!
سترى (يخرج)!
أرغان
:
ستكون يا أخي سببًا لوقوع حادث مؤلم في هذا المكان.
بيرالد
:
وما هو هذا الحادث يا أخي؟ أهو أنَّك لم تستعمل علاجًا وصفه السيد بورغون؟! قل
لي، ألا سبيل لشفائك من مرض الأطباء؟! أتريد أن تحيا عمرك مدفونًا في
عقاقيرهم؟!
أرغان
:
يا الله يا أخي! إنَّك تتكلم بلسان رجل سليم الجسد، ولو كنت مكاني لغيرت
لهجتك هذه، وإنَّه لمن السهل على الرجل أن يتناول الطب بفلتات اللسان عندما
يكون متمتعًا بصحة جيدة.
بيرالد
:
ولكن أي داء بك؟!
أرغان
:
إنَّك لتثير غضبي! وأود لو شعرتَ بما أَشعر به من الألم … آه! هو ذا السيد
بورغون.
المشهد الخامس
(السيد بورغون – أرغان – بيرالد – توانيت)
السيد بورغون
:
عرفت منذ هنيهة، هناك على الباب، أمورًا خطيرة. وهي أنَّ أحدًا هنا يسخر من
أوامري، وأن الدواء الذي وصفته قد رُفِض.
أرغان
:
سيدي، ليس أنا …
السيد بورغون
(يقاطعه)
:
إنَّها لجسارة كبيرة وتمرُّد غريب من مريض على طبيبه.
توانيت
:
يا للفظاعة!
السيد بورغون
:
لأن يُرفَض دواء حلا لي أن أخترعه بنفسي …
أرغان
:
ليس أنا …
السيد بورغون
:
وأن أخترعه بحسب قواعد الفن …
توانيت
:
يا للفظاعة!
السيد بورغون
:
دواء كان من شأنه أن يفعل في الأحشاء فعلًا عجيبًا …
أرغان
:
أخي!
السيد بورغون
:
لأن يُحتقَر هذا الدواء ويُرفَض …
أرغان
:
هو الذي …
السيد بورغون
:
فهذا أمر بل حادث فظيع!
توانيت
:
صحيح!
السيد بورغون
:
بل جناية هائلة على الطب.
أرغان
:
هو السبب …
السيد بورغون
:
جناية على جلالة الجامعة لا تُغتفَر بسهولة …
توانيت
:
صدقت.
السيد بورغون
:
أعلن لك أنِّي قطعت علاقاتي معك.
أرغان
:
هو أخي …
السيد بورغون
:
وقطعت صلتي بك.
توانيت
:
خيرًا تصنع.
السيد بورغون
:
ولكي أختم أي علاقة لي بك أمزق الهبة التي كنت أنوي أن أهبها لابن شقيقي على
أثر الزواج.
أرغان
:
إنَّ أخي هو الذي سبب هذا الشر.
السيد بورغون
:
أتحتقر حقنتي؟!
أرغان
:
مُرْ بإحضارها لآخذها.
السيد بورغون
:
كنت أوشكت أن أنقذك.
توانيت
:
لا يستحق ذلك.
السيد بورغون
:
كنت أوشكت أن أُنظف جسدك تنظيفًا نهائيًّا.
أرغان
:
آه يا أخي!
السيد بورغون
:
ولم يكن باقيًا سوى دزينة عقاقير لأشفيك الشفاء التام.
توانيت
:
إنه لا يستحق عنايتك.
السيد بورغون
:
ولكن بما أنك لم تشأ أن تُشفَى عن يدي …
أرغان
:
ليس الذنب عليَّ.
السيد بورغون
:
بما أنَّك خرجت عن الطاعة الواجبة على المريض نحو طبيبه …
توانيت
:
هذا يصرخ الانتقام!
السيد بورغون
:
بما أنَّك أعلنت التمرد على الأدوية التي أشرت بها …
أرغان
:
هه! لم أتمرد.
السيد بورغون
:
أقول لك إني أتخلى عنك لدائك؛ لتشويش أحشائك، لفساد دمك، ولتعكير
مزاجك!
توانيت
:
خيرًا صنعت.
أرغان
:
يا الله!
السيد بورغون
:
وأريد قبل أربعة أيام أن تصبح في حالة مشئومة …
أرغان
:
يا رحمة الله!
السيد بورغون
:
وأن تقع في البراديببسي …
أرغان
:
يا سيد بورغون!
السيد بورغون
:
ومن البراديببسي للأبيبسي …
أرغان
:
يا سيد بورغون!
السيد بورغون
:
ومن الأبيبسي لليانتري …
أرغان
:
يا سيد بورغون!
السيد بورغون
:
ومن الليانتري للديسنتري …
أرغان
:
يا سيد بورغون!
السيد بورغون
:
ومن الديسنتري للهيدروبيسي …
أرغان
:
يا سيد بورغون!
السيد بورغون
:
ومن الهيدروبيسي لفقدان الحياة حيث يقودك جنونك (يخرج).
المشهد السادس
(أرغان – بيرالد)
أرغان
:
آه يا الله! لقد متُّ! لقد طوحت بي يا أخي!
بيرالد
:
ماذا؟! ما بك؟!
أرغان
:
لم أَبقَ أتحمل، وبدأت أشعر أنَّ الطب ينتقم.
بيرالد
:
وحقك يا أخي أنت مجنون، فلأي داعٍ كل ما تفعل؟! عُدْ إلى نفسك قليلًا ولا ترسل
نفسك على أوهامها.
أرغان
:
ألم تسمع يا أخي تلك الأمراض الهائلة التي هددني بها؟!
بيرالد
:
يا لك رجلًا ساذجًا بسيطًا!
أرغان
:
وقال إنِّي سأصبح في حالة مشئومة قبل أربعة أيام.
بيرالد
:
وأي وزن لكلامه؟! أهو أعجوبة تكلمت؟! يُخيَّل لمن يسمعك أنَّ السيد بورغون يقبض
بيده على خيط أيامك فهو يبسطه ساعة يشاء ويشده ساعة يريد كأنَّه أُوتِيَ سلطة
سامية، فاعلم أنَّ مبادئ حياتك هي في نفسك، وأن غضب السيد بورغون لا يستطيع أن
يميتك إلا قدر ما تستطيع عقاقيره أن تحييك.
أرغان
:
آه يا أخي! إنَّه يعرف مزاجي كما هو والطريقة التي يديرني بها.
بيرالد
:
لا ينبغي لك أن تنكر أنَّك رجل وهمي يرى الأشياء بمقلة غريبة.
المشهد السابع
(أرغان – بيرالد – توانيت)
توانيت
(لأرغان)
:
مولاي، هو ذا طبيب يطلب رؤيتك.
أرغان
:
وأي طبيب؟!
توانيت
:
طبيب من الطب.
أرغان
:
أسألك من هو.
توانيت
:
لا أعرفه، ولكنه يشبهني كما تشبه النقطة النقطة، ولو لم أكن واثقة أنَّ
والدتي كانت امرأة شريفة لقلتُ إنَّه أخ لي جاءت به أمي بعد موت والدي.
أرغان
:
أدخليه.
المشهد الثامن
(أرغان – بيرالد)
بيرالد
:
إنَّك مخدوم كما تريد، طبيب يتركك وآخر يمثل لديك.
أرغان
:
أخشى أن تكون سببًا لأمر غير محمود.
بيرالد
:
ألا تحيد عن هذه الفكرة؟!
المشهد التاسع
(أرغان – بيرالد – توانيت (متنكرة بزي طبيب))
توانيت
(لأرغان)
:
تقبَّل يا حضرة السيد زيارتي هذه واقبل أن أقدِّم لك خدماتي الصغيرة التي
تحتاج إليها.
أرغان
:
أشكرك يا سيدي. (لبيرالد) وحقك إنَّه
توانيت بعينها.
توانيت
:
أرجو منك يا حضرة السيد أن تعذرني، فلقد نسيت أن أعطي خادمي إشارة ضرورية
وسأعود سريعًا.
المشهد العاشر
(أرغان – بيرالد)
أرغان
:
أكنت تشك في أنَّه توانيت؟!
بيرالد
:
حقًا؛ إنَّه لشبه غريب، ولكن كثيرًا ما شاهدنا مثل هذه الأنواع من الأشياء،
والتواريخ ملأى بمثل هذه الألعاب من الطبيعة.
أرغان
:
أما أنا فإنِّي مدهوش، و…
المشهد الحادي عشر
(أرغان – بيرالد – توانيت)
توانيت
:
ماذا تريد يا سيدي؟!
أرغان
:
ماذا؟!
توانيت
:
ألم تنادِني؟!
ألم تنادِني؟
:
أنا؟! لا.
توانيت
:
إذن أخطَأَتْنِي أُذُني.
أرغان
:
ابقي هنا قليلًا لتري هذا الطبيب كم يشبهك.
توانيت
:
صحيح، ولكني مشغولة الآن.
(تخرج)
المشهد الثاني عشر
(أرغان – بيرالد)
أرغان
:
لو لم أنظرهما معًا لاعتقدت أنهما واحد.
بيرالد
:
لقد قرأت أشياء مدهشة عن مثل هذه المشابهات، وكثيرًا ما اتضح لنا أن الناس
موهومون في هذا الزمان.
أرغان
:
أما أنا فكنت أقسمت على أنَّ الشخصين هما واحد.
المشهد الثالث عشر
(أرغان – بيرالد – توانيت (متنكرة بزي طبيب))
توانيت
:
العفو يا سيدي.
أرغان
(لبيرالد بصوت خافت)
:
غريب عجيب!
توانيت
:
أرجو منك أن لا يسوءَك تطفلي بالحضور إلى هذا المكان لرؤية مريض شهير مثلك،
فالشهرة العريضة التي تتمتع بها تغفر لي الحرية التي اتخذتها.
أرغان
:
إنِّي خادمك يا سيدي.
توانيت
:
أرى يا سيدي أنَّك تغرق في النظر إليَّ، فكم تظن أنَّ لي من العمر؟
أرغان
:
لا أظن أنك تجاوز السادسة أو السابعة والعشرين.
توانيت
(تضحك)
:
بل عمري تسعون سنة.
أرغان
:
تسعون سنة؟!
توانيت
:
أجل، وإنَّك لترى عاملًا من أسرار فني أبقاني يافعًا وصلبًا إلى الآن.
أرغان
:
وحقك، إنه لشيخ صغير في التسعين من العمر.
توانيت
:
إني طبيب جوال أطوف من مدينة إلى مدينة، ومن مقاطعة إلى مقاطعة، ومن مملكة
إلى مملكة؛ لأبحث لي عن مواد تليق بي، وأجد مرضى جديرين باهتمامي، حريين
بالأسرار المدهشة التي اكتشفتها في الطب؛ فإني أعفُّ عن اللهو بتلك الأمراض
العادية كالزكام والحميات الصغيرة وما شاكلها، وأريد أمراضًا خطيرة، كالحميات
المشتركة والطاعون والسل الرئوي، فبهذه الأمراض ألهو وبها أنتصر، وكم أود لو
أُصِبْت بكل هذه الأمراض وتخلى عنك جميع الأطباء فيئست وأشرفت على الموت؛ لأبرهن لك
على عظم فائدة عقاقيري وشدة رغبتي في أداء خدمة إليك!
أرغان
:
إني مدين لك يا سيدي بالعطف الذي تشعر به نحوي.
توانيت
:
أعطني نبضك، هو! إن هذا النبض وقح جدًّا، أرى جيدًا أنَّك لم تعرفني بعد، فمن
هو طبيبك؟
أرغان
:
السيد بورغون.
توانيت
:
هذا الرجل لم يُكتَب اسمه على لوحي بين كبار الأطباء، بماذا يقول إنَّك
مصاب؟
أرغان
:
يقول إنِّي مصاب بمرض الكبد، ويقول غيره بمرض المعدة.
توانيت
:
إنَّهم جهلاء جميعًا، فأنت مريض بالرئة.
أرغان
:
بالرئة؟!
توانيت
:
نعم؛ بماذا تشعر؟
أرغان
:
أشعر من حين إلى آخر بآلام في الرأس.
توانيت
:
تمامًا، هي الرئة.
أرغان
:
ويُخيَّل إليَّ أحيانًا أنَّ على عينيَّ غشاء.
توانيت
:
الرئة.
أرغان
:
وأشعر بعض الأحيان بألم في القلب.
توانيت
:
الرئة.
أرغان
:
وأحسُّ أحيانًا بتعب في كل الأعضاء.
توانيت
:
الرئة.
أرغان
:
وفي بعض الأوقات تفاجئني آلام في البطن.
توانيت
:
الرئة، ألك شهية في ما تأكل؟!
أرغان
:
نعم يا سيدي.
توانيت
:
الرئة، أتحب أن تشرب قليلًا من النبيذ؟
أرغان
:
نعم يا سيدي.
توانيت
:
الرئة. ويدركك نعاس خفيف بعد الغداء فتميل للنوم؟
أرغان
:
نعم يا سيدي.
توانيت
:
الرئة، الرئة قلت لك، بماذا يشير عليك طبيبك أن تأكل؟
أرغان
:
يأمرني بالخضر.
توانيت
:
يا للجاهل!
أرغان
:
ولحم الطيور.
توانيت
:
يا للجاهل!
أرغان
:
ولحم العجول.
توانيت
:
يا للجاهل!
أرغان
:
واللبن.
توانيت
:
يا للجاهل!
أرغان
:
والبيض الطريء.
توانيت
:
يا للجاهل!
أرغان
:
وفي المساء بضع خوخات لتسهيل البطن.
توانيت
:
يا للجاهل!
أرغان
:
ويشير عليَّ أن أشرب النبيذ ممزوجًا بالماء.
توانيت
:
جاهلٌ، جاهلان، جاهلون! اينبورانتوس، اينيورانتا، اينيورانتوم. يجب عليك أن
تأخذ نبيذك صرفًا ليصبح دمك سمينًا، وينبغي لك أن تأكل لحم الفدادين المسمنة
والخنازير والجبنة الهولاندية والأرز والكستناء، فطبيبك أبله سخيف، وسأرسل إليك
واحدًا مِنْ قِبَلي وأزورك من حين إلى آخر، ما زلت في هذه المدينة.
أرغان
:
إنَّك تسبغ عليَّ ألطافك وتجعلني مدينًا لك.
توانيت
:
ماذا تفعل بذراعك هذه؟!
أرغان
:
كيف؟!
توانيت
:
ألا ترى أنَّها تأخذ إليها الغذاء كله وتحرم منه الذراع الأخرى؟! لو كنت مكانك
لقطعتها!
أرغان
:
ولكني بحاجة إلى ذراعي.
توانيت
:
ولو كنت مكانك لاقتلعت العين اليمنى!
أرغان
:
تقتلع عينًا؟!
توانيت
:
ألا ترى أنَّها تفسد الأخرى وتمنع عنها غذاءَها؟! اسمع ما أقوله لك واقتلعها
فتصبح أبعد نظرًا بالعين اليسرى.
أرغان
:
لا حاجة للإسراع.
توانيت
:
وداعًا، إني آسف لتركك الآن، ولكني يجب عليَّ أن أحضر امتحانًا سيُجرَى على رجل
مات أمس.
أرغان
:
على رجل مات أمس؟!
توانيت
:
نعم؛ لأقول ماذا كان ينبغي أن يُجرى له ليشفى، إلى اللقاء.
أرغان
:
تعلم أن المرضى لا يشبعون.
المشهد الرابع عشر
(أرغان – بيرالد)
بيرالد
:
الحق يُقال إنَّه لطبيب حاذق.
أرغان
:
أجل، ولكنه متسرع جدًّا.
بيرالد
:
إن جميع كبار الأطباء هم على هذه الشاكلة.
أرغان
:
أقطع ذراعًا وأقتلع عينًا لتقوم الأخرى في عافية! إني لأفضل أن تبقى الاثنتان
على ما هما عليه، يا لها عملية جميلة تجعلني مقطوع اليد أعور!
المشهد الخامس عشر
(أرغان – بيرالد – توانيت)
توانيت
(تتظاهر بأنها تخاطب أحدًا)
:
هيا هيا، فأنا خادمتك ولا طاقة لي على الضحك.
أرغان
:
ما هناك؟!
توانيت
:
طبيبك، ولقد حاول أن يجس نبضي.
أرغان
:
أرأيته؟! إنَّه يبلغ التسعين من العمر.
بيرالد
:
اسمع يا أخي، بما أنَّك قطعت علاقاتك بالسيد بورغون ألا تريد أن أخاطبك بشأن
النصيب المتقدم لابنتك؟
أرغان
:
لا يا أخي، أريد أن أدخلها إلى الدير؛ لأنَّها تمردت على مشيئتي وأرى أنَّ
هناك عشقًا صغيرًا، ثم إنِّي اكتشفت في هذا الصدد بضعة أسرار لا يعلم أحد أنِّي
اكتشفتها.
بيرالد
:
قل لي يا أخي، أيُّ ذنب على ابنة تشعر بميل إلى فتى؟! وهل ثمة ما يثير الغضب
إن يكن الأمر شريفًا كالزواج؟!
أرغان
:
مهما يكن فإنها ستصير راهبة، ولقد عزمت.
بيرالد
:
أتريد أن تُرضي أحدًا بذلك؟!
أرغان
:
فهمت ماذا تقصد، إنَّ زوجتي تضغط على قلبك.
بيرالد
:
بما أنَّك تريد أن أخاطبك بقلب مفتوح أقول لك نعم، فامرأتك هي التي أقصدها،
ولا أخفي عنك أنَّك تنزل على جميع مقاصدها وتقع في جميع الفخاخ التي تنصبها
لك.
توانيت
:
آه! لا تفلت لسانك على مولاتي يا حضرة السيد؛ فهي امرأة لا يستطيع أحد أن
يتناولها بكلمة سوء … تحب مولاي ويحبها.
أرغان
:
سلها عن شدة تعلقها بي.
توانيت
:
صحيح.
أرغان
:
وعنى القلق الذي يسببه لها مرضي.
توانيت
:
بكل تأكيد.
أرغان
:
وعن العناية التي تخصني بها.
توانيت
:
نطق حقًّا. (لبيرالد) أتريد أن أعطيك
برهانًا على تعلُّق مولاتي بمولاي؟! (لأرغان)
أَتقبل أن أفحمه بالحجة؟!
أرغان
:
كيف؟!
توانيت
:
ستحضر مولاتي إلى هنا، فتمدد على هذا المقعد وتظاهر بأنَّك ميت، فترى
بأُمِّ عينك أي حزن يستولي عليها عندما أطلعها على النبأ.
أرغان
:
رضيت بذلك.
توانيت
:
نعم؛ ولكن لا تدعها طويلًا في قنوطها لئلا تموت.
أرغان
:
دعيني أفعل.
توانيت
(لبيرالد)
:
اختبئ أنت في هذه الزاوية.
المشهد السادس عشر
(أرغان – توانيت)
أرغان
:
ألا ينجم خطر من التظاهر بالموت؟!
توانيت
:
لا لا. أيُّ خطر؟! تمدَّد هنا فقط، هي ذي مولاتي فاستعد.
المشهد السابع عشر
(بلين – أرغان (ممددًا على مقعده) – توانيت)
توانيت
(تتظاهر بأنَّها لم ترَ بلين)
:
آه، يا الله! آه! يا للشقاء! يا للشقاء! يا للحادث المشئوم!
بلين
:
ماذا، توانيت؟!
توانيت
:
آه يا سيدتي!
بلين
:
ماذا جرى؟!
توانيت
:
زوجك مات!
بلين
:
زوجي مات؟!
توانيت
:
وا حسرتاه! نعم؛ مات زوجك المسكين!
بلين
:
صحيح؟!
توانيت
:
صحيح، ولم يعلم أحد بالنبأ بَعْدُ، لقد مات بين ذراعيَّ، فانظري إليه ممددًا على
هذا المقعد.
بلين
:
شكرًا للسماء! لقد تملصت من حمل ثقيل، يا لك بلهاء يا توانيت! ما الذي
يحزنك؟!
توانيت
:
خُيِّل إليَّ يا مولاتي أنَّ البكاء ضروري.
بلين
:
هيا هيا، لا موجب للبكاء، أي خسارة هي هذه؟! وماذا كانت فائدته على الأرض؟!
رجل غير الرجال، قذر، ممقوت، لا هدنة للأدوية في بطنه، يبصق، يسعل دائمًا، لا
فكر له ولا مجلس، مضجر، يُتعب الناس ويوبخ الخدم والخادمات ليل نهار!
توانيت
:
إنَّه لتأبين جميل.
بلين
:
ينبغي يا توانيت أن تساعديني على تنفيذ خطتي، وأن تعلمي أن تعبك لن يذهب
سدًى، وبما أنَّ حسن الحظ شاء أن لا يعلم أحد بموته فلنحمله إلى سريره ولنترك
موته مجهولًا إلى أن أنجز عملي، فهناك أوراق ونقود أريد أن أستولي عليها، فليس
من العدل أن أكون صرفت زهرة عمري بالقرب منه دون ثمرة، تعالي توانيت، ولنبدأ
بالاستيلاء على المفاتيح.
أرغان
(ينهض فجأة)
:
على رِسلك!
بلين
:
آهي!
أرغان
:
نعم؛ يا سيدتي يا زوجتي، أهكذا تحبينني؟!
توانيت
:
آه آه، لم يمت!
أرغان
(لبلين وهي خارجة)
:
إني لشديد الغبطة بمعرفة عطفك وسماع تأبينك لي، ولكني سأكون حكيمًا في
المستقبل فلا أنجز كثيرًا من الأشياء.
المشهد الثامن عشر
(بيرالد (خارج من مخبأه) – أرغان – توانيت)
بيرالد
:
أرأيت يا أخي؟!
توانيت
:
وحق نفسي، ما كنت لأصدق ذلك، ولكن اسمع … ابنتك قادمة، فتمدَّد كما كنت ولنرَ
بأي شكل ستتلقى خبر موتك، فالاختبار حسن في كل شيء.
(بيرالد يختبئ في الزاوية.)
المشهد التاسع عشر
(أرغان – أنجليكا – توانيت)
توانيت
(تتظاهر بأنَّها لم ترَ أنجليكا)
:
أوه! يا للسماء! أوه! يا للنبأ المفجع! يا للنهار المشئوم!
أنجليكا
:
ما بك توانيت؟! ماذا جرى؟!
توانيت
:
وا أسفاه! نبأ مفجع!
أنجليكا
:
ما هو هذا النبأ؟!
توانيت
:
والدك مات!
أنجليكا
:
والدي مات يا توانيت؟!
توانيت
:
نعم؛ انظري إليه، فقد مات منذ هنيهة على أثر ضعف شديد أدركه فجأة.
أنجليكا
:
آه! أيتها السماء! يا لسوء البخت! يا للمصيبة الظالمة! وا حسرتاه! أأفقد
والدي وهو آخر ما بقي لي في العالم؟! أَأَفقده وهو غضبان عليَّ؟! ماذا يحلُّ بي؟!
يا لي من شقية! أي عزاء لي بعد أبي؟! بعد هذه الخسارة الفادحة؟!
المشهد العشرون
(أرغان – أنجليكا – كليانت – توانيت)
كليانت
:
ما بك يا جميلتي أنجليكا؟! وأي نكبة تبكين؟!
أنجليكا
:
آه! أبكي أعز ما لديَّ في الحياة! أبكي والدي.
كليانت
:
آه! أيتها السماء! يا للكارثة! يا للضربة! وا حسرتاه! بعد أن توسلت إلى عمك
أن يطلب لي يدك من والدك جئت الآن لأقدم نفسي إليه وأستمنحه يدك.
أنجليكا
:
آه يا كليانت! لنغلق هذا الحديث، ولندع هنا فكرة الزواج، فبعد موت والدي صرت
أتوق إلى هجر هذا العالم. أجل يا والدي، لئن كنت تمردت على مشيئتك فسأعمل على
الأقل حسب رغباتك وأكفِّر بهجري العالم عن الحزن الذي سببته لك، اقبل يا والدي
أن أعانقك وأنت ميت …
أرغان
(يعانق أنجليكا)
:
آه يا بنتي!
أنجليكا
:
آهي!
أرغان
:
تعالي ولا تخافي، فلم أمت يا بنتي، أنتِ من دمي الحقيقي وبنتي
الحقيقية.
المشهد الحادي والعشرون
(أرغان – بيرالد – أنجليكا – كليانت – توانيت)
أنجليكا
:
يا للمفاجأة اللذيذة! بما أنَّ السماء أعادتك إليَّ يا والدي، فاقبل أن أرتمي
على قدميك وأتوسل إليك بشيء واحد: إن تكن غير راضٍ بميلي، وإذا شئت أن ترفض
كليانت زوجًا لي، فإني أقسم لك أن لا أتزوج أحدًا غيره، هذا كل ما أطلبه
إليك.
كليانت
(يرتمي على قدمي أرغان)
:
سيدي، اقبل توسلاتها وتوسلاتي، ولا تقف حائلًا دون هوًى جميل.
بيرالد
:
أتقدر يا أخي أن تعارض أمرًا كهذا؟!
توانيت
:
سيدي، أتكون متحجرًا أمام حب كهذا الحب؟!
أرغان
:
أقبل بالزواج بشرط أن يصير طبيبًا. (لكليانت) اعمل طبيبًا فأعطيك ابنتي.
كليانت
:
بطيبة خاطر يا سيدي، إن يكن زواجي من ابنتك متوقِّفًا على هذا فإنِّي أُعاهدك
على أن أصير طبيبًا بل أجزائيًا أيضًا، وإذا اقتضى الأمر أن أصير أكثر من ذلك
فإني مستعد لأن أصيره في سبيل أنجليكا الجميلة.
بيرالد
:
ولكن خطرت لي فكرة يا أخي، فاعمل طبيبًا أنت أيضًا، فالحال تكون أنسب إذا
وجدت في نفسك كل ما تحتاج إليه.
توانيت
:
حقًّا قال؛ فهذا أنسب شيء لتُشفَى عاجلًا.
أرغان
:
أظنُّك تسخر مني يا أخي! فهل أستطيع أن أدرس الطب بعد هذه الكبرة؟!
بيرالد
:
تدرس الطب؟! وهل أنت بحاجة إلى درسه؟! أليس في الأطباء من هم دونك علمًا
ومعرفة؟!
أرغان
:
ولكن ينبغي لي أن أكون عارفًا باللغة اللاتينية لأتمكن من تمييز الأمراض
والعقاقير.
بيرالد
:
عندما تتسلم ثوب الطبيب وقبعته تتعلم كل ذلك، وتصبح بعدئذٍ أحذق مما
تتصوَّر!
أرغان
:
عندما ألبس هذا الثوب أصير عارفًا بمصادر الأمراض؟!
بيرالد
:
نعم؛ فما عليك إلا أن تتكلم بثوبٍ وقبعة ليصبح كل جاهل عالمًا وكل سخافة
حجة.
توانيت
:
اسمع يا سيدي، فلحيتك حاضرة، واللحية نصف الطبيب.
أرغان
:
على كلٍّ أنا مستعدٌّ!