المشهد الثاني: يؤلمني الورد
(تتحرَّك المجاميع حركاتٍ متناسقة
تشير إلى عذابها، وتظهر على جدران الملجأ الصورُ
الحقيقية لشهداء الملجأ، يرافقها أصوات أنين وتراتيل
موجعة. ويتقابل الرجل والمرأة في حوار متبادل وبينهما
الطفلة وهي مقطوعة الأطراف تزحف باتجاه هداياها
المعلَّقة على شجرة الزيتون.)
الرجل
:
نهضت جوقة السيوف وارتعش
الورد
واستحمَّت فراشاته بدمٍ
ربما النهر ما زال يبكي!
ربما المطر اشتدَّ!
لكن ماءً كثيرًا تلوَّن
واشتعلت سحب بالشموع.
المرأة
:
أين بيتي لأدخل محميَّةً من عفونةٍ
تتناسل؟
أين نهري لأغسل ما تبقَّى من يدي
وعيوني؟
كلُّ هذا الرماد وكلُّ المساء
المشظى
عربةٌ تسحبُ الجسد الغضَّ فوق
السيوف.
الرجل
:
هذه أول الفاجعة
ثورها يتقدَّم في الدم
أول ما يلمع منه النحاس المزين
بالورد
أول سربٍ من القشِّ والشمعدان
وأول بطنٍ تفوح بخنجره
تلك عينٌ من النمل
من فاتحين ومن شمس سوسنةٍ
وبقايا
تلك دبابة تتقدَّم في اللحم.
المرأة
:
أين أول الفاجعة؟
قلبه مندلقٌ في معاني الظلام
وفي رهطِ أسلحةٍ وعبيد
أُفق تكلِّله غيمةٌ ماطرة
هذا أول الشرايين تزحف في كوبِ
نبيذ
أين أول الكلمة؟
الرجل
:
هذه دمنةٌ
تلك عصفورةٌ هرمت
وهذه الموائد مفروشة برماد العظام
وورد العيون
هذه آخر الفاجعة.
المرأة
:
هذه آخر الفاجعة …
شمسنا تنشق
سقطت هذه التوابيت منها وضاع بها
مطر
ونحرنا عجولَنا خوفَ فاجعةٍ
قادمة!
الرجل
:
أول السيوف هذه لم تهذِّبها
الضحايا
ورده أسود
وطراز حواجبه غامضٌ
ويداه حبال.
المرأة
:
لم يَعُد هناك ما نسميه طفلًا
هذه آثار يديه على الحائط
تلعننا واحدًا واحدًا.
(الطفلة تتلوَّى وتصل إلى مكانٍ
تحت الشجرة، وتحاول إنزال سلَّة الهدايا والألعاب،
لكنها لا تستطيع، فتهبُّ المرأة نحوها وتُنزل
السلَّة وتضعها على الأرض، وتحتضن الطفلة وهي
تقلِّب معها ما في سلة الهدايا.)
المرأة
:
ماذا يؤلمكِ؟
الطفلة
:
يؤلمني الورد
الوردُ على أحضاني يؤلمني!
المرأة
:
محترق يا ابنتي الورد سأرفعه
والآن … ماذا يؤلمكِ؟
الطفلة
:
دُميتي الشقراء وضفائرها المقطوعة
وقلادتها.
المرأة
:
أحلى شعركِ، وهو يرفرف جنب
الغيم.
الطفلة
:
شعري احترق ومزَّقه إعصار
النار!
المرأة
:
شعركِ هذا العصفور وهذا
المركب
وذاك الضوء وتلك النجمة.
(تهدهد المرأة طفلتها وتبكي
بصمتٍ دون أن تشعرها، ويتصاعد صوت العود وتتحرك
المجاميع بألمٍ.)
المرأة
:
نامي … نامي … واحكي لي عن ما يؤلمكِ!
الطفلة
:
أقلامي ودفاتري.
المرأة
:
ستعود وأكثر … ولكن ماذا يؤلمكِ؟
الطفلة
:
قفص البلبل مزَّقه صاروخ أعمى.
المرأة
:
البلبل بين يديك يطير … ماذا يؤلمك؟
الطفلة
:
عيوني يا أماه … عيوني!
ما عدت أرى اللون الأخضر والأزرق
والأحمر والأصفر
ما عدت أرى غير اللون الأسود!
المرأة
:
ابنتي … ابنتي!
الطفلة
:
كَفِّي يا أماه!
ولن أقدر أن أكتب مثل الأطفال وغطاها
الدم
ولن ألبس أسوارًا فيها
لن أقدر أن أصبغ أظافري
الخمس.
(تبكي الأم ويرتفع صوت العود
ويرتبك ويتلعثم …)
الطفلة
:
قدمي … قدمي يا أماه!
ولن أقدر أن أضع الحجل وأن ألعب
توكي
ولِمَ كلُّ الأحذية الحلوة ولا قدم
لي؟
لمن هذا الخلخال؟
الأم
(تبكي وتصرخ)
:
حبيبتي!
الطفلة
:
قلبي يا أماه ينزف …
ودمي الآن يرشُّ جدار الملجأ
وسطحه
قلبي الآن يرشُّ الأرض
فيجري نهرٌ ثالث في أرض
النهرين
يسقي الأشجار نهارًا
ويقوم يصلي في الليل.
الأم
:
ستقوم مقابر كل الأموات
وترجمُ أمريكا حجرًا حجرًا
وسنطوي الألم بين ضلوعٍ
وقلوبٍ لا تعرف غير الحب.
المغنية
:
عيني على بغداد
طارت فوقها الغربان
عيني على شرقها أغفى
وغربٌ بانْ
عيني أمسكي دمعتي
واحكِي لهم صبري
لا تندلق يا دمع
يا دمع لا تجري!
شمسٌ بنا ترتوي
بين السما والبان.