المشهد الثالث: لم تبقَ غيرُ أصابع
(يظهر الملجأ وكأنه يطفو فوق أنهار
من الدم والدموع والرماد متصلًا بالجحيم، وهي تنفتح
عليه، ويظهر مركبٌ يتلاطم في هذه الأنهار لا يستطيع أن
ينقذ مَن في الملجأ … وتحتدم الصور والأصوات وموسيقى
العود إلى ذروتها ونسمع أصوات استغاثات وعويل
وبكاء.)
الرجل
:
رمادٌ هنا … وهناك
رمادُ الليالي، رمادُ القطوف
رمادُ طُعِّنا
رمادُ اكتوينا بنار هوانا
رمادُ أحبتنا … نخيلنا …
نهرنا.
المرأة
:
وطنٌ كان في عينِ طفلٍ ينام
وطنٌ صار من وجعٍ كلُّه لا
ينام.
الرجل
:
دمٌ في أغانيه
في لفتةٍ من لفتات يديه
دمٌ في الصلاة
دمُ الكلمات
والفم مختلطٌ وحزين.
المرأة
:
رمادُ الحشود التي مُزِّقت
تشربُ الشاي في ملجأ آمنٍ
رماد الزجاج … رمادُ العيون
رماد الكفوف!
الرجل
:
رمادٌ على طفلةٍ عبرت بين بيتين
فاحترقت
رمادُ وليدٍ من البردِ تستره
قنبلة
رماد الجنائز والجلجلة.
(يظهر قرع الطبول عاليًا …
وتظهر المجاميع في حركات درامية وهي تشير إلى
الجمهور … وتمدُّ أصابعها.)
الرجل
:
لم تبقَ غير أصابع تتلو
قصاصتها
ولم تَعُد العيون
غير التماعة خرزةٍ منفية في
اللحم.
المرأة
:
لم تَعُد الأيادي
غير الْتِمَاعٍ في السيوف
وغير أبهةٍ محطَّمةٍ
ولم تَعُد الحشود
غير التباهي أو تذكُّر شهوةٍ منسيةٍ
…
الرجل
:
للهتكِ …
كان الطينُ طينًا
والمنافي سقط منفى
والحياة تفكُّ فولاذًا وتشهقُ في
القيود.
المرأة
:
خوفًا من الوجع الغريب
وخوف أن تلقي المعاني
قبرات فوق سور الموت.
الرجل
:
خوف الدود يحفر عشَّهُ في
العقلِ
خوف الماء يجمد في العروق
وخوف أن يزنَ الخلاسيُّ الحقيقة
بالنقود
يدقُّ قردتها المغني.
المرأة
:
وخوف الشمعة انكسرت سلالتها
وطيَّنت الفضاء
وصار كوكبها هزبرًا جائعًا.
الرجل
:
لم تبقَ غير أصابع تهذي
ولم يَعُد المساء
ظبيًا نداعبه بمحجننا وعبدًا
نشتهيه.
المرأة
:
لم يبقَ هذا الأفق
بعضُ حمامةٍ
وأنينُ شمسٍ نائمة …
الرجل
:
لم يبقَ غير الليل
أول ما يكون وما يصير وما
يغيب
وبه يطوف الناس كالأشباح
ودَّع بعضهم بعضًا
وخاطوا الأنف علَّ جروحهم
تشفى
وخاطوا الحلقَ علَّ جروحهم
تشفى
وخاطوها لكي يبقون
خاطوها لكي يُفنون
خاطوها
خاطوها
وخاطوها
وما زالوا …
(تظهر المجاميع وهي تخيط أفواه
بعضها ببطء، ويصاحب هذا المشهد المؤثر موسيقى العود
الحزينة، ثم يتمدَّد الجميع على الأرض أو فوق خرابة
وتحت الجدران وهم مخيَّطو الأفواه في لحظة تراجيدية
مؤثِّرة، ثم تظهر أصواتُ ريحٍ عاصفة وتجتاح المكانَ
زلازل وحركات قوية نشعر من خلالها أن الملجأ ينتقل
من جحيمه، فوق أنهار الرماد والدم والدموع إلى مكان
في البرزخ الذي يفصل بين الجنَّة والنار، وتظهر
المجاميع وهم مخيَّطو الأفواه، وهي تنتقل إلى سطح
الملجأ وهم يحملون الطفلة وسلَّة الهدايا على
أكتافهم.)
الرجل
:
دمٌ في العيون.
المرأة
:
دمٌ في الشوارع.
الرجل
:
دمٌ في الأيادي.
المرأة
:
دمٌ في البيوت.
الرجل
:
وليلٌ بليلٍ يُخيطان أجسادنا ونموت.
المرأة
:
دمٌ في الكئوس.
الرجل
:
دم يقطر الشجر …
دم تنزف التخوت.
المرأة
:
بنا يُزهرُ الموتُ غاباته.
الرجل
:
بنا يُزهرُ الموت غاباته.
المرأة
:
بنا تستحم التوابيتُ أو تتناسلُ.
الرجل
:
بنا … بنا يُطبقُ العصرُ أشرعةً …
ويفوت.