«هدى» و«عثمان» … يبدآن تنفيذ الخطة!
كان الوقت يمر ببطء شديد، وهم في انتظار رقم «صفر»، في نفس الوقت الذي كانوا فيه يتمنون الانطلاق … إن مواجهة المشكلة خير من انتظارها …
تعلقت أعين الشياطين بالخريطة التي اختفت منها جزيرة المملكة المتحدة، وظهرت مكانها مدينة لندن وكانت الخريطة تركز على منطقة معينة، هي تلك المنطقة التي تدور فيها الأحداث … «بارك ستريت»، شارع «كوري» … شارع «يورك» الذي يلتقي مع شارع «كوري» … كانت المنطقة محددة كثيرًا، بما يجعل الأحداث مركَّزة في منطقة ضيقة … في نفس الوقت، وفي نهاية شارع «بارك»، ظهر فندق متوسط، مكتوب عليه فندق «ذي روز».
كان ظهور الفندق، علامة استفهام أخرى، تضاف إلى علامات الاستفهام الكثيرة التي ظهرت. فما معنى وجود هذا الفندق على الخريطة … هل له صلة بالمغامرة …؟ هل ينزل فيه أحد من أفراد العصابة …؟
كان «أحمد» قد ألقى نظرة سريعة على الخريطة، ثم استغرق في التفكير، وحولت «إلهام» عينيها في اتجاه «أحمد»، ثم ابتسمَت، فهي تعرف أنه الآن، يرسم خطة التنفيذ. فهذه عادته مع كل مغامرة، ما إن يسمع التفاصيل، حتى يسرع في تقدير الأمور، ووضع خطة التنفيذ … فكَّرت من الذي سوف يشترك في المغامرة هذه المرة. لقد اشتركت هي في مغامرة «الكعكة الصفراء»، عندما قامت بدور سكرتيرة «أحمد» في مكتب الشركة الوهمية في باريس. وقالت لنفسها: لقد كانت مغامرة جيدة.
قطع أفكارها صوت أقدام رقم «صفر» تقترب متمهِّلة … ونظر الشياطين جميعًا إلى مصدر الصوت، في انتظار الأخبار الجديدة التي سوف يقولها، والتي تعني أن عليهم أن يبدءوا.
توقَّفت أقدامه، ثم قال بعد لحظة: لقد تمَّت عملية تغيير شكل «جاسبروور» أمس ليلًا … لكنه لن يتحرَّك من المُستشفى قبل أسبوعين، بعد أن تلتئم جروحه.
سكت لحظة ثم قال: إن «جاسبروور» سوف يظل في المستشفى كما هو، وهذا يعطيكم فرصة حتى تتحركوا. إن المغامرة ليست سهلة. فسوف تواجهون عصابة «سادة العالم»، بكل ما لديها من أجهزة متقدِّمة. إن مستشفى «وور»، كما سوف تقرءون هناك، يقع في شارع «يورك» كما قلت لكم. وعلى الخريطة، يظهر مكان المستشفى الصغير، وفي نفس الشارع يقع فندق «ذي روز» الذي سوف تنزلون فيه …
إن هناك شخصية سوف تساعدكم بعض الشيء، هي طبيبة التخدير التي كانت تعمل مع دكتور «روبرت كيم» والتي تركتْه منذ شهرين. فهذه تستطيعون أن تستفيدوا منها، واسمها «اليانور». إنها فتاة متوسطة الحجم والسن أيضًا.
بجوار أنها جميلة بدرجة كبيرة. ويبدو أن العصابة كانت وراء خلافها مع «روبرت»، حتى يكون وحده …
سكت قليلًا ثم قال: لا شيء هناك الآن. وسوف تصلكم الأنباء التي يوفرها العملاء. وإنني في انتظار أسئلتكم.
هبط الصمت على القاعة، لم يكن أحد من الشياطين يفكر في شيء … كل ما فكَّروا فيه، أن يبدءوا التحرُّك.
قطع الصمت صوت رقم «صفر» وهو يقول: سوف تجدون ملفًّا كاملًا يضم حياة كلٍّ من «جاسبروور» و«روبرت كيم» و«اليانور»، مع صور لهم، أتمنَّى لكم التوفيق.
أخذ صوت أقدامه يبتعد حتى اختفى تمامًا. في نفس الوقت الذي اختفت فيه الخريطة أيضًا، ومع ذلك، ظل الشياطين في أماكنهم لا يتحرَّكون … مرت دقائق، وهم في حالة الصمت هذه.
غير أن «أحمد» وقف أخيرًا وقال: هيا بنا. إنَّ أمامنا مرحلتَين من العمل، يجب أن نبدأ من الآن.
تحرَّك من مكانه في اتجاه باب الخروج، وفي دقيقة، كانت قاعة الاجتماعات قد أصبحت خالية، كان على كلٍّ منهم الآن، أن يجهز حقيبة استعدادًا للرحيل، وفي حجرة كل منهم، عرفوا من الذي سيذهب إلى لندن هذه المرة.
كانت قائمة صغيرة موجودة فوق ملف مُمتلئ بالأوراق … فتح «أحمد» الملف وألقى نظرة سريعة عليه، فعرف أنه يضم كل المعلومات المطلوبة، أغلق الملف: ثم قرأ القائمة كانت تضمُّ بجوار اسمه أسماء: «بو عمير» «عثمان»، «رشيد»، و«هدى».
رنَّ جرس التليفون في حجرته فرفع السماعة بسرعة، جاءه صوت «هدى»: هل أنت جاهز.
أجاب في هدوء: نلتقي هناك بعد خمس دقائق.
وضع أحمد السماعة وأسرع بالخروج، وهو يجذب حقيبته الصغيرة التي تضم كل ما يحتاجه، وعلقها في كتفه، بينما كانت يده اليُسرى تَحمِل الملفَّ المُمتلئ … لكن جرسًا دق داخل الحجرة، جعله يعود مرة أخرى …
رفع السماعة، فجاءه صوت رقم «صفر»: أظن أنه لا تزال هناك بعض الدقائق لقراءة الملف، قبل أن تنطلقوا.
ابتسم «أحمد»، ثم قال: هذه حقيقة.
وضع السماعة ثم جلس على طرف السرير وبدأ يقرأ بسرعة، كانت الأوراق الأولى تضم معلومات عن «جاسبروور». وجرت عيناه عليها حتى انتهى منها. ثم وصل إلى اسم «دكتور ربورت كيم» … وأخذ يقرأ: في الأربعين من عمره، قوي البنيان، أشقر الشعر، أزرق العينين، له شارب رفيع أنيق … يتحدَّث عددًا من اللغات، في ذراعه اليسرى وشم أخضر، رسمه عندما عاش فترة من صباه في الهند، مع والده الذي كان يعمل في السلك الدبلوماسي هناك، تخرَّج في جامعة «كمبردج»، ونال شهادة الدكتوراه في طب التجميل، ويعتبر صاحب شهرة خاصة في هذا النوع من العمليات … كثير من زبائنه من فنانين وفنانات من بلاد كثيرة من العالم.
ظل «أحمد» يقرأ عن حياة كيم، حتى انتهى منها ثم جاء اسم دكتورة «اليانور جاكسي» طبيبة التخدير. وكانت أهم معلومة توقف أمامها أنها أنيقة إلى درجة كبيرة. وأنها تبدو وكأنها يابانية الأصل.
أنهى قراءة الملف، ثم وضعه جانبًا وشرد لحظة ثم رفع سماعة التليفون وتحدث إلى «إلهام»: سوف أفتقدك في «لندن» … لقد كنتِ سكرتيرة ناجحة في «الكعكة الصفراء».
جاءه صوت «إلهام»: أرجو أن تكون مغامرتكم الجديدة موفَّقة. وأرجو أن تذكرني هناك.
ابتسم وقال: إنني أذكرك دائمًا.
تمنَّت له «إلهام» عودة سريعة، بعد تحقيق نجاح المغامرة فشكَرها، ووضع السماعة، تحرك خارجًا، وعندما أغلق الباب خلفه، كانت «هدى» تمرُّ مسرعة.
ابتسمت «هدى» قائلة: هل تأخرت؟
رد عليها «أحمد» بابتسامة: كان ينبغي الانتهاء من الملف أولًا.
قالت هذا ما فعلته أيضًا.
سارا معًا إلى حيث توجد السيارات. وهناك كان «عثمان» و«بو عمير» و«رشيد» في انتظارهما … وفي دقائق، كانت الأبواب الصخرية في المقر السري تفتح في هدوء، لتخرج السيارة التي تقلهم في سرعة الصاروخ. وعندما خرجت السيارة، أغلقت البوابات بسرعة.
كان النهار قد انتصف، عندما كانوا يأخذون طريقهم إلى المطار، ليستقلُّوا الطائرة التي كانت مقاعدهم قد حجزت فيها. وعندما وصلوا كانت هناك خمس دقائق فقط، أقلعت الطائرة بعدها. وما كادت الشمس تَقترب من الأفق الغربي حتى كانت الطائرة تقترب من مطار «هيثرو».
قالت مذيعة الطائرة: إننا نقترب الآن من المطار، لكنَّنا … لن نستطيع الهبوط … فسوف ندور دورة، ذلك أن المطار يتعرض لعاصفة ثلجية منذ الصباح، وممرات الهبوط مغطاة تمامًا بالثلج … إن هذه العاصفة لم تشهدها إنجلترا منذ سنوات.
سكتت لحظة ثم أضافت: أعتقد أن منظر العاصمة سيكون ممتعًا وأنتم تشاهدونها تحت أكوام الثلج.
كانت «لندن» ترقد في ساعة الغروب تحت الثلج الأبيض، وكان المنظر شاعريًّا تمامًا … الغروب الحزين … وذلك الوشاح الأبيض الذي تتشح به المدينة العريقة.
دارت الطائرة دورة كاملة فوق المدينة، ثم جاء صوت المذيعة: لقد أُعدت الممرات، وسوف نستطيع الهبوط. أهلًا بكم في لندن.
في هدوء نزلت الطائرة، غير أن المطر كان شديدًا جدًّا. وعندما توقفت الطائرة تسلم كلُّ واحد من الركاب بالطو يَقيه من المطر، فلبسه. ثم نزلوا الواحد بعد الآخر، فأسرع الشياطين إلى صالة الدخول، وفي دقائق كانوا يخرجون من المطار. إلى الشارع وهناك كانت سيارة «فورد» أنيقة تقف في انتظارهم. فركبوا بسرعة، وانطلق السائق في هدوء، كان يسير ببطء، وكان صوت المطر وهو يسقط فوق السيارة كأنه المطارق … أبرقت السماء وأرعدت، فأضاءت جوانب المدينة التي كانت هي الأخرى تغرق في الضوء.
لم يسأل السائق سؤالًا واحدًا، لقد كان يعرف إلى أين يتجه، وخلال نصف ساعة، كانت السيارة تدخل شارع «بارك»، لتقف أمام فندق «ذي روز» … كان بعض المارة يسرعون، حتى إن أحدهم اصطدم ﺑ «رشيد»، ثم اعتذر، وهو مستمرٌّ في سرعته.
دخلوا بسرعة إلى الفندق، وقال «أحمد»: ١٥، و١٧ و١٩.
وفي هدوء نادى موظف الاستعلامات على العاملة، التي ابتسمت وهي تقدم المفاتيح إلى الشياطين.
بعد دقيقتين، كانوا يعقدون اجتماعًا في حجرة «أحمد» الذي كان يشاركه فيها «عثمان».
قال «أحمد»: إن خطة تحركنا تنقسم قسمين. القسم الأول سيكون حول الدكتورة «اليانور جاكسي». فهي يُمكن أن تعطينا الكثير الذي نحتاجه عن دكتور «روبرت كيم». و«هدى» سوف تفيدنا في تلك المهمة …
دق جرس التليفون فلم يُكمل «أحمد» كلامه. ورفع «رشيد» سماعة التليفون القريب منه، ثم استمع لحظة ووضع السماعة وهو يبتسم.
قال «أحمد»: ماذا هناك؟
أجاب «رشيد»: إن الدكتورة تنتظر «هدى» بعد نصف ساعة. ثم نقل إليهم تفاصيل المكالمة، لقد أعلنت الدكتورة «اليانور جاكسي» عن حاجتها إلى فتاة تُصاحب والدتها المريضة، وترعاها؛ لأنها مشغولة دائمًا.
نظرت «هدى» إلى «أحمد» وقالت: ها نحن نبدأ القسم الأول.
قال «أحمد»: إن مهمتك أن تقتربي من الدكتورة بسرعة. فنحن في حاجة إلى كسب الوقت، وعندما نكون نحن في حالة تنفيذ المرحلة الثانية … التي سوف تتوقف كثيرًا على معلوماتك، تكونين أنت قد قطعت معظم الشوط.
أسرعت «هدى» تُبدِّل ثيابها، ثم عادت، فقال «رشيد» إنها تسكن في ٢٠ شارع «كوري»، إن السيارة في انتظارك الآن.
أسرعت «هدى» بالانصراف، فقال «عثمان»: أعتقد أننا نستطيع أن نقوم بجولة في شارع «بارك» حتى نستطلع المكان.
وفي دقائق، كان الشياطين يأخذون طريقهم إلى الخارج.
لم يكن موقع المستشفى الصغير بعيدًا، فهو يقع في نهاية الشارع، لقد هبطت غزارة الأمطار الآن، وأصبحت شيئًا عاديًّا … ولذلك، فقد ازدادت حركة المرور في الشارع، حتى إن الشياطين اندسُّوا بين المارة فكان وجودهم عند المستشفى شيئًا طبيعيًّا.
كان المستشفى عبارة عن قصر صغير قديم يبدو وكأنه لأحد اللوردات القدامى، تحيطه حديقة واسعة خضراء، وتدور الأشجار مع السور الحديدي فتكاد تُغطِّي القصر، وكانت أضواء خافتة تلمع تحت وقع الرذاذ الهادئ.
همس «أحمد»: يَنبغي أن يدخل أحدنا، ليسأل عن الدكتور «كيم». فإذا التقى به، يدَّعي أنه جاء للتفاهم حول عملية تجميل لشقيقه، وليعرف التفاصيل.
قال «عثمان» بسرعة: أعتقد أنني أصلح لذلك. ثم ابتسم ابتسامة واسعة، جعلت أسنانه البيضاء تلمع، وكأنها قطع من الثلج …
وكانوا يقفون بعيدًا بعض الشيء عن المستشفى … وابتسم «عثمان» مرة أخرى وقال: إلى اللقاء.
وفي خطوات جادة، اتجه إلى المستشفى، بينما كان الشياطين يَرقُبونه وهو يختفي وسط الزحام شيئًا فشيئًا … ثم في النهاية وصل عند الباب الحديدي الضخم للقصر … وعندما تقدم إلى الداخل، وهو يجتاز الحديقة فكر لقد بدأت خطة التنفيذ فعلًا قسمها الأول تنفذه «هدى». وقسمها الثاني ينفذه «عثمان».