المعركة … داخل المتحف!
عندما دخل الثلاثة حجرة «أحمد»، عقدوا اجتماعًا سريعًا، شرح «أحمد» ما حدث، ثم قال في النهاية: سوف تتَّصل «هدى» بالدكتورة وتَعتذر لها عن حضورها ليوم واحد، إن ما نُريده من الدكتورة قد وصلنا إليه، وبقية المغامرة سوف يبدأها «عثمان» غدًا … إن ما حدث الليلة، يدل على أن العصابة أكثر يقظة، وأكثر حرصًا.
في تمام الساعة الواحدة إلا الربع، خرج «عثمان» من الفندق «ذي روز» في طريقه إلى مستشفى «روبرت كيم». وفي نفس الوقت، كان «أحمد» يضع مكياجًا جديدًا، وفعل «رشيد» نفس الشيء. لقد أصبح الشياطين معروفين للعصابة. وعندما أصبحت الساعة الواحدة والنصف، كان الشياطين الثلاثة يخرجون إلى الشارع. بينما بقيت «هدى» في حجرتها، بعد أن اعتذرَت للدكتورة «اليانور».
في الطريق قال «أحمد»: سوف يكون «بو عمير» بعيد قليلًا عن المستشفى، وأكون أنا و«رشيد» بالقرب منه على أن نراقبه جيدًا.
افترق «بو عمير» عنهما، واتجه إلى الرصيف الآخر، كانت الحركة نشيطة في شارع «بارك» … وهذا أعطاهم فرصة حتى لا يظهروا، أو يلفتوا نظر أحد … وعندما اقتربوا من المستشفى، دار «بو عمير» خلفهما، في نفس الوقت الذي افترق فيه «رشيد» و«أحمد»، كل واحد في اتجاه. كان المكان حول المستشفى هادئًا نوعًا ما … ولم تكن الحديقة أقل هدوءًا من المكان.
فجأة، شعر «أحمد» بالدفء في مكان الجهاز، فعرف أن هناك رسالة ما، فوضع يده على الجهاز، ثم بدأ يتلقَّى الرسالة، وكانت من «عثمان» الذي قال فيها: إن الدكتور مشغول اليوم تمامًا، ولن أستطيع أن ألقاه. غير أني أحاول معرفة مكان المتحف.
تنهد «أحمد» عندما عرف مضمون الرسالة، غير أنه فكر بعد لحظة. إن هذا من حسن الحظ … إن ذلك يعني أن «عثمان» يستطيع أن يعود مرة أخرى. وظل يسير حول المستشفى في بطء مفكرًا. كانت الساعة تشير إلى الثالثة الآن، فقال في نفسه: إن «عثمان» لن يستطيع البقاء أكثر من ذلك.
عاد مرة أخرى في اتجاه باب دخول المستشفى، ومن بعيد لمح «رشيد» و«بو عمير» كل في اتجاهه. لحظة، ثم ظهر «عثمان». كان يخرج في هدوء … في نفس اللحظة، ظهر خلفه رجلان يتحدثان في صورة عادية. إلا أن «أحمد» فكر: لا بد أنهما من رجال العصابة، وأن «عثمان» قد أصبح مراقبًا، ظلت عيناه على «عثمان» الذي استعدَّ للسير في اتجاه غير اتجاه الفندق. فابتسم «أحمد» لتصرف «عثمان» الذكي.
كان الرجلان يسيران خلفه في نفس صورتهما، وهما يتحدثان، وكأنهما لا يهتمان به. فنظر «أحمد» في اتجاه «رشيد» و«بو عمير» فوجدهما يأخذان نفس اتجاه «عثمان». وفكر «أحمد»: هل يمكن أن يدخل الرجلان في معركة الآن … وفي وضح النهار؟ ثم أخذ طريقه في نفس اتجاه الشياطين.
فجأة لمعتْ في ذهنه فكرة: أن الرجلين يُمكن أن يفتكا «بعثمان» عن طريق المسدسات الكاتمة للصوت، خصوصًا وأن السيارات تمر بشكل عادي، وحركتها نشيطة.
أسرع في خطوته … وفجأة اختفى «عثمان»، فقد دخل في شارع جانبي، حتى إن الرجلين وقفا ينظران حولهما … ابتسم «أحمد» ونظر إلى «رشيد» و«بو عمير» اللذين كانا يَبتسمان هما الآخران، أخذ الشياطين طريقهم إلى شارع «بارك» حيث يقع الفندق، لكنهم ما كادوا يقتربون، حتى ظهر الرجلان … استمروا في طريقهم حتى تجاوزا الفندق، وبعده بقليل، كان هناك مقهًى صغير، فاتجهوا إليه … جلسوا متباعدين، في نفس اللحظة التي دخل فيها الرجلان، انسحب «عثمان» في هدوء، فتبعه أحد الرجلين، فتأكَّد «أحمد» أنهما من رجال العصابة، وأنهما يُراقبان «عثمان». نظر إلى «رشيد»، فانصرف في هدوء، وأخرج الرجل من جيبه «بايب» وملأه بالتبغ ثم أخذ يدخن.
مرت عشر دقائق، ظهر بعدها الرجل الذي خرج، قام «بو عمير» وانصرف وبقي «أحمد» يرقب الرجلين. كانا يتحدثان في همس. بعد دقائق انصرف «أحمد» هو الآخر، لكنه لم يتجه إلى الفندق مباشرة. بعد عدة خطوات التفت خلفه بسرعة، كان «بو عمير» يقف بعيدًا، وأشار له أن يعود إلى الفندق.
في حجرة «أحمد» عقد الشياطين اجتماعًا.
قال «عثمان»: لقد تركتُ نافذة المتحف مواربة. حتى نستطيع أن ندخل منها.
قال «أحمد»: يجب أن ننتهي الليلة. فالواضح أن العصابة قد بدأت تشك، ومن المؤكد أنها سوف تفكر في نقل «جاسبروور» من المستشفى إلى مكان مجهول، وبالتأكيد، سوف تأخذ «د. كيم» معها.
عندما كانت الساعة تدقُّ العاشرة، كان الشياطين قد أخذوا طريقهم إلى المستشفى. كانت الحركة قد هدأت تمامًا في المنطقة، وكانت هذه فرصة، للدخول إلى الحديقة. مشى «أحمد» و«عثمان» معًا، واتجه «رشيد» و«بو عمير» كل واحد في اتجاه، حول سور المستشفى الطويل. لقد كانت خطتهم أن يقفز كل واحد من مكان ثم يقتربوا من المبنى، ويتقدم «عثمان» و«أحمد» إلى المتحف ليدخلا من النافذة.
نفذ الشياطين الخطة. ووضع «أحمد» يده على جيبه ليطمئن إلى الكاميرا السرية التي يحملها، والتي سيُصوِّر بها تمثال «د. جاسبروور». اقترب هو و«عثمان» من النافذة، التي كانت مرتفعة قليلًا، وأخرج «عثمان» حبلًا له خطاف من جيبه، ثم شبكه في قاعدة النافذة، بعد أن قفز قفزة سريعة إليها.
تسلق في هدوء، بينما كان «أحمد» يرقب المكان. وصل «عثمان» إليها، ثم فتحها في هدوء، ودخل. تبعه «أحمد» في رشاقة، ثم جذَب الحبل، وعندما قفز داخل المتحف، أغلق النافذة خلفه حتى لا تلفت نظر أحد. كان المتحف يغرق في الظلام، وكانت رائحة المُستشفى تملأ المكان، بجوار تلك الرطوبة المنبعثة من الأرض، والتي تجعلها باردة تمامًا.
أخرج «عثمان» مصباحًا صغيرًا، وبدأ يكشف محتويات المتحف، كانت هناك عشرات التماثيل، مرصوصة بجوار بعضها. أخرج «أحمد» الكاميرا، ثم بدأ يستعد. أخذ الاثنان يبحثان عن وجه «د. جاسبروور». أمسك «أحمد» بأحد التماثيل، وقرأ على قاعدته: «بليكان ١٩٧٩». وضعه وأمسك تمثالًا آخر. قرأ بليكان ١٩٧٩ أيضًا. ظل ينظر إلى التمثالين. كان الأنف مختلفًا تمامًا في الأول كان يبدو كبيرًا. وفي الآخر، كانت تتسق تمامًا مع ملامح الوجه. أمسك بآخر وقرأ «للي» مايو ١٩٧٩. وضعه وأمسك تمثالًا بجواره، وقرأ: «للي» أغسطس ١٩٧٩. كان التمثال لفتاة في نحو العشرين. كانت في التمثال الأول تبدو عادية وفي الآخر تبدو جميلة تمامًا.
همس «عثمان»: إننا بهذه الطريقة سوف نحتاج لأسبوع حتى نكشف تمثال «د. جاسبروور».
أسرع يمر بضوء المصباح على التماثيل بسرعة. كان الاثنان يعرفان ملامح «د. جاسبروور» جيدًا. لكن فجأة، سمعا أصواتًا تقترب. وقفا في مكانيهما لا يتحركان. اقتربت الأصوات أكثر، ثم توقَّفت عند باب المتحف. أسرعا يقفان خلف الباب. دارت أكرة الباب، ثم فُتح وامتدَّت يد في الظلام تبحث عن مفتاح النور. أسرع «أحمد» فجذَبه إليه بقوة، فاندفع صاحبها إلى الداخل. في نفس اللحظة، كان «عثمان» قد انقضَّ على صاحب الصوت الآخر، الذي ظهر في ضوء الممر. كاد الرجل يقفز هاربًا، لولا أن «عثمان» لحق به، وضربه في ساقه فاهتز توازنه وسقط على الأرض. غير أنه كان من المرونة بحيث أسرع بالوقوف، وهو يسدِّد لكمة قوية إلى فك «عثمان» الذي غير اتجاه وجهه، فطاشت اللكمة في الهواء … ضربه «عثمان» يدًا مستقيمة، فانحنى الرجل، إلا أنه في نفس الوقت كان يضرب «عثمان». وكانت الضربات قوية، مما جعلت «عثمان» يتراجع إلى الوراء حتى اصطدم بالحائط. وهجم الرجل عليه بسرعة قبل أن يستعد. كانت يدا الرجل قويتين حتى إن «عثمان» شعر باختناق للحظة. غير أنه ضرب الرجل، فتراجع إلى الوراء، وهو يجذب «عثمان» معه … ترك «عثمان» نفسه، فانجذب مع الرجل حتى إنهما سقطا معًا على الأرض. وعندما حاول الرجل أن يقف بسرعة، كان «عثمان» أسرع منه فضربه ضربة جعلت الرجل يطير في الهواء في اتجاه باب المتحف. في نفس اللحظة، كان «أحمد» يخرج من الباب، فتلقى الرجل بين ذراعيه، ثم أداره في اتجاهه ولكمه لكمة قوية جعلته يدور حول نفسه.
همس «عثمان»: أين الآخر؟
أجاب «أحمد» بسرعة، وهو يُسدِّد يدًا قوية إلى الرجل جعلتْه يصطدم بالحائط: إنه يرقد في الداخل.
قبل أن يُفيق الرجل من صدمته بالحائط. كان «عثمان» قد قفز إليه. ترنح الرجل قليلًا، ثم سقط على الأرض بلا حراك.
سأل «عثمان»: هل انتهيت؟
قال «أحمد» وهو يتجه إلى المتحف: ليس بعد.
اختفى «أحمد» داخل المتحف ووقف «عثمان» لحظة يرقب المكان ثم انحنى يجر الرجل، حتى لا يراه أحد. أدخله المتحف ثم أغلق الباب في هدوء.
كان «أحمد» لا يزال يبحث بين التماثيل، عن تمثال «د. جاسبروور» ووسط الضوء الخافت الصادر من المصباح، لمح «عثمان» وجه الرجل الآخر الممدَّد على الأرض فعلت الدهشة وجهه، فاقترب منه، ثم بدأ يقوم بإفاقته.
لاحظ «أحمد» ذلك فهمس: ماذا تفعل؟
قال «عثمان» وهو مستمر في إفاقة الرجل: إنه يستطيع أن يختصر الوقت بالنسبة لنا.
سأل «أحمد»: كيف؟
أجاب «عثمان»: إنه «د. روبرت كيم».
علت الدهشة وجه «أحمد»، فانضمَّ مسرعًا إلى «عثمان»، وظلا يفيقان الدكتور، الذي كان واضحًا أن «أحمد» قد ضربه ضربًا شديدًا.
فجأة تردَّد صوت أقدام تقترب. ونظر الاثنان إلى بعضهما. فأخرج «أحمد» جهاز الإرسال الصغير وأرسل رسالة إلى الشياطين كانت الرسالة تقول: انضموا إلينا، فنحن في المرحلة الأخيرة.
أفاق «د. كيم»، فنظر إليهما في دهشة، ثم برقت عيناه، عندما التقت بعيني «عثمان» وهمس: «جاك»؟
رد «عثمان» مبتسمًا: معذرة «د. كيم». لكنَّك سوف تعرف كل شيء فيما بعد. أين تمثال «جاسبروور»؟
ارتسمت الدهشة أكثر على وجه الدكتور، لكن «أحمد» قال بسرعة: ليس هناك وقت. هل تسمع هذه الأصوات التي تقترب؟
أشار «كيم» إلى تمثالين في الصف الخلفي للتماثيل، فأسرع «أحمد» إليهما. كان أحدهما الدكتور «جاسبروور»، فقلب الآخر وقرأ: «جاسبروور ١٩٨٠». وبسرعة كانت الكاميرا تسجل التمثالين. لقد كان «جاسبروور» في التمثال الأول رجلًا متقدِّمًا في السن. وفي الثاني شابًّا في الثلاثين. وعندما سجل «أحمد» عشر لقطات للتمثالين، كان «رشيد» و«بو عمير» يقفزان من النافذة.
في نفس الوقت الذي فتح فيه الباب، ضرب «عثمان» «د. كيم» على رأسه ضربة حانية، لكنها كانت كافية، لتجعله يغيب عن الوعي … في نفس اللحظة التي دخل فيها خمسة رجال من الباب، وهم يُضيئون المتحف … لكن قبل أن يتحرَّك واحد منهم، كان «رشيد» القريب من الباب، قد قفز قفزة عالية، ثم ضرب اثنين منهما، فطارا في الهواء. وتسلم كل واحد من الشياطين أحد الرجال.
بينما أمسك «بو عمير» بأحدهم الذي صاح: «ويك» استدع الرجال. غير أنه لم ينطق بعدها، فقد ضربه «بو عمير» على طريقة المقص على كتفيه، فاهتز الرجل.
كان «ويك» أحد الاثنين اللذين وقعا في قبضة «عثمان» و«رشيد». وقد عرفه الشياطين عندما بدأ يصيح: «نورمان»، «لاند» … لكنه هو الآخر لهم يستطع أن يكمل النداء؛ فقد كان «عثمان» أسرع من صوته، غير أنه لم يفقد السيطرة على نفسه فقد دار وطار في الهواء ليضرب «عثمان»، الذي استطاع أن يفلت منه فسقط الرجل على الأرض.
في نفس الوقت الذي كان «رشيد» يشتبك مع رجلين معًا، وبينما كان يضرب أحدهما كان الآخر قد أخرج مسدَّسًا فضيًّا، وقبل أن يضغط على الزناد، لحقه «رشيد» بضربة جعلت المسدس يطير في الهواء، إلا أن الرجل استطاع أن يلتقط المسدس مرة أخرى، ليضرب به «رشيد». وعندما نجح هذه المرة في أن يضغط الزناد، أسرع «أحمد» وطار في الهواء، وضرب المسدس من يده، فطاشت الرصاصة. إلا أن صوتها تردَّد في المتحف وخارجه.
كانت المعركة حامية، ولكن الشياطين استطاعوا أن ينتصروا فيها، وعندما كانوا قد فرغوا من الرجال الخمسة، وبدءوا يتحرَّكون، كانت مجموعة أخرى من رجال العصابة قد بدأت تقترب، في نفس الوقت كان صوت سيارة يرتفع في الخارج.
قال «أحمد» بسرعة: «رشيد» يرقب السيارة من النافذة.
أسرع «رشيد» وفتح النافذة. كانت السيارة تفتح أبوابها، وكان هناك رجل يحمله اثنان على نقالة، يقتربان منها بينما كان السائق يجلس إلى عجلة القيادة.
أخرج «رشيد» مسدسه الكاتم للصوت، ثم أطلق طلقة أصابت كاوتش السيارة، وسمع الشياطين صوت الفرقعة التي لم تكن عالية، نظر الرجال من الخارج إلى مصدر الصوت، ثم عادوا مسرعين بالرجل والنقالة إلى داخل المستشفى. وعندما التفت «رشيد» إلى داخل المتحف، كانت المجموعة الجديدة من أفراد العصابة قد وصلت. وبدأت معركة من جديد.
فكر «أحمد» بسرعة، وهو يتلقَّى أحد أفراد العصابة بين يديه: إن «د. جاسبروور» يمكن أن يختفي الآن. ثم ضرب الرجل ضربة قوية، جعلته يسقط على الأرض. كانت أرضية المتحف قد ازدحمت برجال العصابة الممدَّدين على الأرض، بجوار الآخرين التي كانت المعركة لا تزال دائرة معهم. أخرج «أحمد» مسدسه وثبت فيه إبرة مخدرة، ثم أطلقها على أحدهم الذي كان يهم بلكم «عثمان» فأصابه في ظهره، توقف الرجل لحظة ثم سقط على الأرض.
أخذ «أحمد» يصطادهم الواحد بعد الآخر بالإبر المخدرة فقد كانت هناك مهمة أخرى هي منع العصابة من تهريب «د. جاسبروور». وعندما وجد أن المعركة يُمكن أن ينتصر فيها الشياطين، أسرع إلى نافذة المتحف المفتوحة ثم قفز منها. كانت المعركة دائرة بين رجال العصابة في الداخل وبين الشياطين. لكن كانت المعركة الأخرى أهم.
أسرع «أحمد» إلى جدار المستشفى، فالتصق به، ثم تقدم في اتجاه السيارة. كان السائق قد أدار المحرك ثم انطلق بها. في نفس الوقت الذي دخلت فيه سيارة أخرى مكانها. اقترب من مكان السيارة، ثم اختبأ بين النباتات المزروعة في مدخل المستشفى، لحظة، ثم ظهر بعض الرجال يحملون النقالة. كانت مغطاة تمامًا بملاءة بيضاء. لكن كان من الواضح أن فوقها أحدًا. فهم أنه «د. جاسبروور».
اقترب الرجال من السيارة. وعندما هموا بوضع النقالة داخلها، كان «أحمد» قد أخرج إبرة مخدرة، ثم أطلقها على أحد الرجال، فتوقف، حتى إن الآخرين، نظروا إليه وصاح أحدهم: ماذا حدث لك؟
إلا أن الرجل لم ينطق، لقد توقف لحظة، ثم سقط على الأرض، أما النقالة فمالت معه، فلحق بها آخر.
في نفس الوقت كان «أحمد» قد أطلق إبرة أخرى على كاوتش السيارة. وفي هدوء، لاحظها وهي تميل على الأرض … توقف الرجال ينظرون إليها، وكان «أحمد» قد أطلق الإبرة الثانية على كاوتش آخر، فأخذ يتهاوى أيضًا. نظر الرجال إلى بعضهم، ولم ينطقوا … لقد كانوا يرون شيئًا غريبًا يحدث لأول مرة.
تراجع الرجال بسرعة، واختفوا داخل المستشفى، في نفس الوقت الذي خرج فيه سائق السيارة بها، وأخلى المكان.
فكر «أحمد»: من الضروري أن يختفي «د. جاسبروور». بعد أن تكررت المحاولات. ولهذا، لا بد من تصرف سريع.
فجأة كان الشياطين يقفون حوله … ونقل لهم بسرعة ما حدث … وقال «عثمان»: من الضروري أن نرسل لرقم «صفر».
قال «أحمد» بسرعة: ليس الآن … ولا نزال نملك الموقف.
ولا تزال هناك خطوات مهمة لا بد من تنفيذها.
قال «رشيد»: إننا نحتاج صور «جاسبروور» الجديدة حتى لا يفلت منا.
لم يرد «أحمد» مباشرة. فقد صمت قليلًا، ثم قال: المسألة الآن، بعد أن انكشف كل شيء، هو الخوف من الاعتداء عليه. إنني أخشى أمام فشلهم أن يلجئوا إلى ذلك ولهذا، يجب أن يظل الموقف تحت سيطرتنا.
فجأةً، كانت أصوات سيارات يتردد في الليل. وأخذت الأصوات تقترب حتى ظهرت أضواؤها على جدران المستشفى.
قال «أحمد»: إنها عملية كبيرة.
اختفى الشياطين يَرقُبون ما يحدث. توقفت خمس سيارات، بينها سيارة نصف نقل، وفهم الشياطين أنها مجهزة لنقل «د. جاسبروور»، وأن بقية السيارات للحراسة. ثم نزل من كل سيارة أربعة من الرجال، تبدو عليهم الشراسة.
همس «عثمان»: هل تبدأ المعركة الجديدة؟
قال «أحمد»: ليس من الحكمة أن نفعل ذلك.
أخرج جهاز الإرسال ثم أرسل رسالة سريعة إلى «هدى» ودخل الرجل المستشفى.
ثم قال «أحمد»: لا بد أن هناك تصرفًا ما.
مرت بضع دقائق، ثم سمع الشياطين أصواتًا بين النباتات. انسحبوا في هدوء بعيدًا عن الباب، واقتربوا من سور الحديقة. أخرج كل منهم مسدَّسه، في انتظار اللحظة الحاسمة.
كان «عثمان» يقف بجوار «أحمد» مباشرة، فأخرج «أحمد» الكاميرا ثم ناولها ﻟ «عثمان»، وهمس: عندما تظهر «هدى» أَعطِها الكاميرا.
ابتعد «عثمان» عن مكان الشياطين … كانت الأصوات تقترب أكثر.
همس «أحمد»: انتشروا.
أخذ الشياطين يتباعدون. في نفس الوقت الذي ظهرت فيه مجموعة من الرجال يبحثون بين نباتات الحديقة عن شيء، فهم الشياطين أنهم يبحثون عنهم. لاحظ «أحمد» أن هناك شابًّا يقترب من المستشفى. وتجاوز الشاب باب الحديقة، وإن كان قد اقترب من السور. عندما أصبح الشاب قريبًا من عمود النور ابتسم «أحمد». لقد عرف أنها «هدى» وقد تخفَّت في زي شاب.
توقفت «هدى» عند السور، قليلًا، ثم فجأة، رنت طلقة في حديد السور الحديدي، فانبطحت «هدى» على الأرض. زحف «أحمد» بسرعة في اتجاهها. لكنه شاهد «عثمان» يمد يده من بين الأعمدة الحديدية … فدوَّت طلقة أخرى، وأسرعت الأصوات في اتجاه «عثمان» ومعها كانت الطلقات تنهمر.
فكر «أحمد»: هل أصيب «عثمان». وأين «هدى» الآن. هل حدث شيء لها؟
فجأة، رأى أقدامًا تقترب بين سيقان الزرع. انتظر قليلًا، حتى أصبحت الأقدام بجواره تمامًا. وفي هدوء أخرج مسدَّسه، وأطلق إبرة مخدرة على الرجل الواقف بجواره. تحسَّس الرجل مكان الإبرة، ثم تهاوى بين النباتات، حتى إن صوتًا قريبًا صاح: «مايك»، ماذا حدث؟
لكن أحدًا لم يجب … فاقترب أكثر، وكانت هذه فرصة أخرى ﻟ «أحمد».
لقد انتظر وهو يَحبِس أنفاسه حتى انحنى الرجل على «مايك»، فعاجله بلكمة قوية في بطنه، جعلته يئن، ويقع فوق زميله … وكان صوت الأنين مرتفعًا بما يكفي لأن يلفت نظر الآخرين، الذين خرجوا من بين النباتات، وكان العدد ضخمًا، فابتسم «أحمد». لقد قصد أن يكشفهم، ولقد وقعوا في الفخ وانكشفوا.
ظلَّ يرقبهم وهم يقفون في حيرة، وقد أمسكوا بمسدساتهم، فقال أحدهم، وكان يبدو أنه زعيمهم، لأنه أصدر أمره في حدَّة: هيا إلى الداخل.
انسحبوا في هدوء، في نفس اللحظة التي كانت فيها السيارة النصف نقل، تفتح بابها الخلفي. وعرف «أحمد» أن «د. جاسبروور» سوف يظهر الآن فوق النقالة، ليختفي. فأرسل رسالة سريعة إلى رقم «صفر»، الذي رد: استمروا.
فجأة سمع صوت صيحة من آخر الحديقة. ثم أبصر وسط الضوء الخافت، معركة حامية بين الشياطين وعدد من رجال العصابة. فكر: هل ينضمُّ إليهم أو يظل في مكانه يرقب السيارات؟
فجأة وصلت رسالة، عرف أنها من «هدى». كانت الرسالة تطلب أن ينضم إلى الشياطين ويترك أمر السيارات لها. فأسرع بين النباتات إلى حيث تدور المعركة. لكن فجأة … أحس كأن جبلًا قد وقع فوقه، سقط على الأرض وفوقه كان يَجثم رجل ضخم.
في لحظة، كان الرجل يطير في الهواء، فلقد استطاع «أحمد» أن يضربه بقدميه في صدره بقوة. وقبل أن يسقط على الأرض، كان «أحمد» في انتظاره، بكعب مسدسه. وضربه فسقط بلا حركة.
كانت المعركة لا تزال مستمرة، عندما ارتفعت في سكون الليل صفارات الشرطة، فهدأ كل شيء … وانسحب رجال العصابة جريًا إلى داخل المستشفى من خلال النوافذ المفتوحة التي نزلوا منها. وفي دقائق كانت الشرطة قد أحاطت بالمستشفى.
تقدم أحد الضباط وخلفه بعض الجنود، فتقدم إليهم «أحمد» مسرعًا، ثم شرح الموقف للضابط الذي ابتسم وهو يقول: إنَّ لدينا بعض التفاصيل.
أسرعوا إلى داخل المستشفى، يفتشون الحجرات. كان هناك بعض المرضى في أسرَّتهم، واتجه «أحمد» إلى المتحف للبحث عن «د. روبرت كيم». وكانت المفاجأة، أنه لم يكن موجودًا. فأسرع يبحث عن التماثيل فلم تكن موجودة هي الأخرى. لقد اختفى تمثالا «د. جاسبروور». فكر قليلًا ثم عاد مسرعًا. وكانت «هدى» قد انضمت إلى الشياطين، فقدمت له الكاميرا.
نظر إلى الضابط وقال: سوف تشاهدون الآن صورة الدكتور «جاسبروور». وفتح الكاميرا، فصاح الضابط: ماذا تفعل. إن الضوء يفسد الفيلم.
ابتسم «أحمد» قائلًا: إنها أحدث كاميرا في العالم … وهي تعمل بشريط «الفيديو» الذي لا يحتاج إلى تحميض ولا يتأثر بالضوء.
سحب الفيلم من الكاسيت، ثم أعطاه ﻟ «عثمان» الذي بسطه أمام ضوء المصباح، فانعكست الصورة على الجدران، فظهر تمثالا «د. جاسبروور» العجوز ثم الشاب.
وبدأ البحث … لم يكن «د. جاسبروور» بين المرضى. وفي النهاية وجدوه مخدرًا وملفوفًا بملاءة بيضاء تحت أحد الأسرَّة وعندما كانوا يَحملونه، كان جنود الشرطة، قد جمعوا رجال العصابة أمام باب المستشفى.
نظر الضابط إليهم، فقال «أحمد» وهو يمدُّ يده إلى اللقاء يا سيدي.
وانصرف الشياطين في خُطى هادئة، يقطعون شارع «بارك» في طريقهم إلى فندق «ذي روز». لقد كانوا يشعرون بالرغبة في النوم، بعد المعارك المتتالية، وبعد إنقاذ «جاسبروور» العجوز … الذي أصبح الآن، شابًّا في الثلاثين …
همست «هدى»: هل يفكر «د. جاسبروور» في العودة إلى الشيخوخة على يد «د. كيم» الذي عثروا عليه مقيدًا هو الآخر تحت أحد الأسرَّة؟
ابتسم الشياطين ولم يعلقوا واستمروا في طريقهم إلى الفندق.