البحث عن الحياة في مجرة درب التبانة
رأينا أنه داخل مجموعتنا الشمسية يمثل المريخ والقمران يوروبا وتايتان أفضل آمالنا في اكتشاف حياة خارج الأرض، سواء على صورة كائنات حية أو حفريات. فهذه الأجرام الثلاثة تمثل أفضل الفرص للعثور على الماء أو غيره من المواد القادرة على توفير المحلول السائل الذي يمكن أن تلتقي فيه الجزيئات التي ينتج عنها حياة.
ولأن هذه الأماكن الثلاثة فقط هي التي من المرجح أنها تملك بركًا أو أحواضًا، يقصر أغلب علماء الأحياء الكونية آمالهم في العثور على حياة في المجموعة الشمسية على اكتشاف أشكال من الحياة البدائية في مكان أو أكثر منها وحسب. لكن للمتشائمين حجة قوية أيضًا، قد تتأكد أو تُدحض في يوم ما من خلال الاستكشاف الفعلي، مفادها أننا حتى لو اكتشفنا أن الظروف ملائمة للحياة في أحد هذه الأماكن الثلاثة أو جميعها، فمن الممكن أن تكون الحياة نفسها غائبة بالكامل. وفي أي من الحالتين، ستكون لنتائج أبحاثنا على كل من المريخ والقمرين يوروبا وتايتان أهمية بالغة في الحكم على مدى انتشار الحياة في الكون. وبالفعل يتفق المتفائلون والمتشائمون على نتيجة واحدة مفادها أننا إذا كنا نأمل في العثور على حياة متقدمة — حياة تتكون من كائنات أكبر من الكائنات البسيطة وحيدة الخلية التي ظهرت في بداية الحياة الأرضية وهيمنت عليها — فعلينا البحث فيما وراء مجموعتنا الشمسية، على الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى خلاف الشمس.
فيما مضى كان وجود مثل هذه الكواكب لا يتجاوز التخمين. أما الآن — بعد العثور على ما يزيد عن مائة كوكب خارج المجموعة الشمسية، والمشابهة في الأساس للمشتري وزحل — يمكننا التنبؤ بثقة بأن الزمن والمشاهدات الأكثر دقة وحدهما هما ما يفصلاننا عن اكتشاف كواكب مشابهة للأرض. ويبدو أن السنوات الأخيرة من القرن العشرين مثلت الفترة التاريخية المميزة التي حصلنا فيها على أدلة حقيقية على وجود وفرة من العوالم الصالحة للسكنى في أرجاء الكون. وبهذا يكون لأول شرطين في معادلة دريك، اللذين يقيسان معًا عدد الكواكب التي تدور حول شموس تعيش لمليارات الأعوام، قيمة مرتفعة وليس قيمة منخفضة. لكن بالنسبة للشرطين التاليين، اللذين يصفان إمكانية العثور على كواكب مناسبة للحياة وإمكانية ظهور الحياة بالفعل على هذه الكواكب، فيظلان غير محددين، كما كان الحال قبل اكتشاف الكواكب الموجودة خارج المجموعة الشمسية. ومع هذا، فمحاولاتنا لتقدير هاتين الإمكانيتين تبدو وكأنها ترتكز على أسس أكثر صلابة عما هو الحال مع الشرطين الأخيرين: إمكانية تطور الحياة في كوكب آخر بحيث ينتج عنها حضارة ذكية، ونسبة المتوسط الإجمالي للوقت الذي ستعيشه هذه الحضارة إلى عمر مجرة درب التبانة.
•••
بخصوص أول خمسة شروط في معادلة دريك، يمكننا الاستعانة بمجموعتنا الشمسية وبأنفسنا كمثال نموذجي، مع أننا سنضطر دومًا للجوء إلى مبدأ كوبرنيكوس لتجنب قياس الكون على أنفسنا، بدلًا من أن نفعل العكس. لكن حين نصل إلى الشرط الأخير في المعادلة، ونحاول تقدير متوسط عمر إحدى الحضارات فور اكتسابها للقدرات التكنولوجية التي تمكنها من إرسال رسائلها عبر الفضاء النجمي، فسنفشل في الوصول لإجابة، حتى لو أخذنا الأرض كمثال؛ لأننا لم نحدد بعد العمر الذي ستصل إليه حضارتنا نفسها. إننا نملك القدرة على إرسال إشارات نحو الفضاء النجمي منذ قرابة القرن، منذ بدأت أجهزة إرسال موجات الراديو في بعث الرسائل عبر محيطات الأرض. ويعتمد استمرار حضارتنا، لقرن قادم أو لألف عام أو لآلاف القرون، على عوامل ليس بوسعنا التنبؤ بها، بالرغم من وجود العديد من الشواهد التي لا تبشر باستمرار حضارتنا لوقت طويل.
إن التساؤل: «هل مصيرنا يرتبط بمتوسط عمر مجرة درب التبانة؟» يأخذنا إلى بُعد آخر من التخمين، وبهذا قد يُحكم على الشرط الأخير في معادلة دريك، الذي يؤثر مباشرة على النتيجة شأن غيره من الشروط، بأن يظل غير معروف. ووفق أكثر التقديرات تفاؤلًا، إذا احتوت أغلب المجموعات الشمسية على الأقل على جرم واحد صالح للحياة، وإذا كانت الحياة تظهر في نسبة عالية من هذه الأماكن الصالحة للحياة (لنقل العُشر)، وإذا ظهرت حضارات ذكية في عُشر هذه الأماكن التي ظهرت بها الحياة، فإنه في نقطة ما من تاريخ نجوم مجرة درب التبانة البالغ عددها ١٠٠ مليار نجم، يمكن لمليار مكان أن ينتج حضارات ذكية. وهذا العدد المهول ينبع، بالطبع، من حقيقة أن مجرتنا تحتوي على نجوم عديدة، أغلبها يشبه شمسنا. لكن من وجهة النظر المتشائمة للموقف، يكفي ببساطة تغيير كل قيمة حددناها من العُشر إلى واحد على عشرة آلاف. وفي هذه الحالة سيتحول المليار مكان إلى ألف مكان؛ أي أقل بنسبة واحد على المليون من الرقم الأول.
هذا يُحدث فارقًا كبيرًا. افترض أن أي حضارة عادية، استحقت أن يُطلق عليها اسم حضارة بفعل امتلاكها القدرة على التواصل عبر الفضاء النجمي، تستمر في المتوسط لعشرة آلاف عام؛ حوالي جزء على المليون من عمر مجرة درب التبانة. من وجهة النظر المتفائلة سيتمخض مليار مكان عن حضارات في مرحلة ما من تاريخه، وبهذا في أي وقت بعينه، من المفترض وجود حوالي ألف حضارة مزدهرة. لكن على العكس، ترى وجهة النظر المتشائمة أن في أي وقت بعينه، لن يوجد سوى حوالي ٠٫٠٠١ حضارة، وهو ما يجعلنا النقطة الوحيدة المتفردة التي ترتفع عن القيمة المتوسطة.
أي التقديرين من المرجح أنه يقترب من القيمة الحقيقية؟ في العلم، لا شيء مقنع أكثر من الدليل التجريبي. وإذا كنا نأمل في تحديد متوسط عدد الحضارات في مجرة درب التبانة، فإن السبيل العلمي الأفضل سيكون قياس عدد الحضارات الموجودة في وقتنا الحالي. والطريقة المباشرة التي يمكن بها إنجاز هذا العمل الفذ هي بمسح المجرة بأسرها، بالطريقة التي يفضلها فريق المسلسل التليفزيوني «ستار تريك»، بحيث نسجل عدد الحضارات التي نصادفها ونوعها، هذا بالطبع إذا عثرنا على أي منها. (إن إمكانية خلو مجرتنا من أي مخلوقات غريبة تجعل المسلسل التليفزيوني مملًّا.) لكن للأسف، يقع هذا المسح خارج نطاق قدراتنا التكنولوجية الحالية وقيود الميزانية.
إضافة إلى ذلك، سيستغرق مسح المجرة بأسرها ملايين الأعوام، إن لم يكن أكثر. فكر فيما سيبدو عليه المسلسل التليفزيوني الذي يعرض لعملية مسح الفضاء النجمي إذا اقتصر فقط على ما نعرفه عن الواقع المادي. ستظهر الساعة التي يستغرقها عرض المسلسل طاقم الممثلين وهم يشكون ويتجادلون، وهم مدركون أنهم قطعوا مسافة طويلة لكن لا يزال أمامهم مسافة أطول. قد يعلق أحدهم قائلًا: «لقد قرأنا كل المجلات. وقد مللنا رفقة بعضنا بعضًا، كما أنك — سيادة القائد — شخص مزعج بحق.» وبعد ذلك، ينخرط جزء من الطاقم في الغناء لأنفسهم بينما يشرف الآخرون على الجنون، وتذكرنا لقطة طويلة بأن المسافة إلى النجوم الأخرى في درب التبانة تعادل أضعاف المسافة بين الكواكب داخل مجموعتنا الشمسية بملايين المرات.
في الواقع، هذه النسبة تصف فقط المسافة إلى أقرب النجوم إلى الشمس، وهي البعيدة للغاية حتى إن ضوءها يحتاج سنوات عديدة حتى يصلنا. وبهذا ستحتاج الجولة الكاملة حول درب التبانة إلى عشرة آلاف ضعف لهذا الوقت. تتعامل أفلام هوليوود التي تصور الرحلات الفضائية بين النجوم مع هذه القضية المهمة إما بتجاهلها («غزو خاطفي الأجساد» ١٩٥٦ و١٩٧٨)، أو بافتراض أن الصواريخ المحسنة أو فهمنا الأفضل للفيزياء سيتكفل بالأمر («حرب النجوم» ١٩٧٧)، أو بتقديم طرق مثيرة للاهتمام على غرار تجميد رواد الفضاء حتى يمكنهم تحمل الرحلات الفضائية الطويلة («كوكب القرود» ١٩٦٨).
كل هذه السبل تتمتع بالجاذبية من ناحية ما، وبعضها يقدم لنا أفكارًا إبداعية. فقد نحسن صواريخنا بالفعل، التي تصل الآن إلى سرعات لا تتجاوز واحدًا على عشرة آلاف من سرعة الضوء، تلك السرعة التي تعد أقصى سرعة نأمل في التحرك بها وفق معارفنا الحالية عن الفيزياء. وحتى عند التحرك بسرعة الضوء سيستغرق السفر إلى أقرب النجوم سنوات عديدة، كما سيستغرق السفر عبر مجرة درب التبانة قرابة ألف قرن. تبدو فكرة تجميد رواد الفضاء واعدة إلى حدٍّ ما، لكن ما دام الموجودون على الأرض، الذين يُفترض أنهم سيدفعون تكلفة الرحلة، هم من يحددون قدر المال الذي سينفق على الرحلة، فسيظل الوقت الطويل المنقضي حتى عودة الرواد عائقًا أمام التمويل اليسير. وبسبب اهتماماتنا المتقلبة يبدو أن أفضل سبيل لإجراء التواصل مع الحضارات غير الأرضية — هذا إن وجدت من الأساس — موجود هنا على الأرض. فكل ما نحتاج لعمله هو الانتظار حتى يتواصلوا هم معنا. وهذا سيكلفنا أقل بكثير وقد يوفر المكافآت الفورية التي يتوق مجتمعنا لها بشدة.
لكن ثمة مشكلة وحيدة: لماذا تتواصل هذه الحضارات معنا؟ بمعنى: ما الشيء المميز في كوكبنا الذي يجعلنا نستحق اهتمام الحضارات غير الأرضية، بافتراض أنها موجودة؟ في هذه النقطة أكثر من أي نقطة أخرى، انتهك البشر مبدأ كوبرنيكوس. فإذا سألت أي شخص عن سبب استحقاق الأرض للدراسة، فمن المرجح أن يجيبك بنظرة غاضبة حادة. إن جميع التصورات الخاصة بالكائنات الفضائية التي تزور الأرض، إلى جانب قدر ليس باليسير من المعتقدات الدينية، تقوم على النتيجة البديهية غير المنطوقة التي تفيد بأن كوكبنا ونوعنا البشري يحتل مكانة عالية على قائمة الأعاجيب الكونية، حتى إننا لا نحتاج لدليل لدعم قناعتنا الكونية العجيبة بأن ذرة الغبار التي نعيش عليها، والتي تهيم في ضواحي مجرة درب التبانة، تبرز كمنارة مجرية لا تستحق انتباه الكون بأسره وحسب، بل تتلقى هذا الانتباه بالفعل.
هذه النتيجة تنبع من حقيقة أن الموقف الفعلي يبدو معكوسًا حين ننظر إلى الكون من الأرض. فالكواكب تبدو ذات أحجام كبيرة، بينما تبدو النجوم كنقاط دقيقة من الضوء. ومن وجهة النظر العادية يبدو هذا منطقيًّا للغاية. فنجاحنا في البقاء والتكاثر — شأن غيرنا من الكائنات — ليس له علاقة تقريبًا بالكون المحيط بنا. ومن بين الأجرام الكونية كافة، الشمس وحدها — والقمر بقدر أقل — هي التي تؤثر على حياتنا، كما أن حركة الشمس والقمر تتكرر بانتظام تام حتى إنهما يبدوان جزءًا من المشهد الأرضي. ومن البديهي أن يصور وعينا البشري، المتكون على الأرض من التقابل لمرات لا تحصى مع غيرنا من الكائنات الأرضية والتعرض للأحداث الأرضية، المشهد خارج الأرض كستار خلفي بعيد يقبع وراء الحدث الأهم الذي يجري على خشبة المسرح الرئيسية. ويكمن خطؤنا في افتراض أن الستار الخلفي يعتبرنا هو الآخر مركزًا للنشاط.
ولأن كل فرد منا تبنَّى هذا التوجه الخاطئ، قبل أن تملك عقولنا الواعية أي سيطرة أو تحكم على أنماط تفكيرنا بوقت طويل، يستحيل علينا التخلص منه بشكل تام عند محاولة فهم للكون، حتى حين نختار أن نفعل هذا. إن من يطبقون مبدأ كوبرنيكوس عليهم أن يظلوا متيقظين لهمهمات عقولنا البدائية، التي تؤكد لنا أننا نشغل مركز الكون، وهو ما يعني توجيه الانتباه لنا بشكل طبيعي.
حين نتدبر المشاهدات المزعومة للزوار الفضائيين لكوكبنا، علينا الوعي لمفهوم مغلوط آخر يقبع في الفكر البشري، وهو خطأ شائع ومضلل شأنه شأن تحاملنا ضد مبدأ كوبرنيكوس. فالبشر يثقون بذاكرتهم أكثر بكثير مما يسوغه الواقع. ونحن نفعل هذا بدافع من الأسباب المتعلقة بقيمة البقاء التي تدفعنا بالمثل لاعتبار الأرض مركزًا للكون. فالذاكرة تسجل ما ندركه، ونحن نحسن صنعًا عندما ننتبه لهذا التسجيل إذا كنا نسعى للتوصل إلى نتائج من أجل المستقبل.
الآن وقد صرنا نملك وسائل لتسجيل الماضي، بتنا ندرك أنه لا يسعنا الاعتماد على الذكريات الفردية في الجوانب المهمة للمجتمع. إننا نسجل النقاشات النيابية والقوانين بشكل مكتوب، ونصور مسارح الجريمة بالفيديو، ونصنع تسجيلات صوتية سرًّا للأنشطة الإجرامية، وذلك لأننا ندرك أن هذه الوسائل تسجل الأحداث بشكل دائم وعلى نحو أفضل مما تفعل عقولنا. لكن يتبقى استثناء وحيد لهذه القاعدة. فنحن نستمر في اعتبار شهادات شهود العيان دقيقة، أو على الأقل كأدلة مُثبِتة، في الإجراءات القانونية. ونحن نفعل هذا مع أن الاختبار تلو الاختبار يثبت لنا أن كل فرد منا — مع سلامة النوايا — يفشل في تذكر الأحداث بدقة، خاصة تلك المتعلقة بالحوادث غير المعتادة والمثيرة، وهو الحال دومًا في القضايا المهمة بما يكفي بحيث تحتاج للمحاكمة. إن نظامنا القانوني يقبل بشهادات شهود العيان؛ لأن هذا تقليد متبع منذ وقت بعيد، وبسبب ما لهذا الأمر من صدى عاطفي، والأكثر أهمية أنها عادة ما تمثل الدليل المباشر الوحيد على الأحداث الماضية. ومع هذا، فكل ادعاء يقال في ساحة إحدى المحاكم بأن «هذا هو الرجل الذي كان يمسك بالمسدس!» لا بد أن تجري موازنته في مقابل القضايا الكثيرة الأخرى التي كان المتهمون فيها أبرياء، بالرغم من إيمان الشهود الراسخ بالعكس.
إذا وضعنا هذه الحقائق في الاعتبار عند تحليل المشاهدات المزعومة للأجسام الطائرة المجهولة، يمكننا أن نتبين على الفور احتمال الخطأ الكبير. تعد مشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة حوادث عجيبة بطبيعتها، وهو ما يجعل المشاهد يفرق بين الأجسام المعروفة وغير المعروفة استنادًا على خلفيته التي لم تُختبر إلا نادرًا عن الأجسام الطائرة، وفي المعتاد يكون مطلوبًا منه التوصل إلى نتيجة سريعة قبل أن تختفي هذه الأجسام بسرعة. وإذا أضفنا إلى هذا الشحنة النفسية النابعة من إيمان الفرد بأنه شهد حدثًا غير معتاد بالمرة، فسيكون من العسير العثور على مثال أفضل من هذا لموقف ينتج عنه ذكريات خاطئة.
ما الذي يسعنا فعله للحصول على بيانات عن مشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة أكثر دقة من إفادات شهود العيان؟ في الخمسينيات أراد الفيزيائي الفلكي جيه ألين هاينيك — الذي كان وقتها من كبار مستشاري القوات الجوية فيما يخص الأجسام الطائرة المجهولة — أن يوضح هذه القضية من خلال وضع كاميرا تصوير دقيقة في جيبه، مؤكدًا على أنه لو حدث أن شاهد أحد الأجسام الطائرة المجهولة، فسيستخدم الكاميرا للحصول على دليل علمي صحيح؛ لأنه كان يعلم أن إفادات شهود العيان لا يمكن الاعتماد عليها كدليل علمي. ومع الأسف، مكن التقدم التكنولوجي منذ ذلك الوقت من إنتاج صور وتسجيلات فيديو مزيفة يستحيل تقريبًا تفريقها عن الحقيقية، وبهذا لن تمكننا خطة هاينيك من وضع ثقتنا في الأدلة المصورة الداعمة لمشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة. وفي الواقع، حين نفكر في التفاعل بين قوة الذاكرة الهشة وقدرة الإبداع لدى المحتالين، سيكون من العسير أن نصمم اختبارًا للتفريق بين الحقيقة والخيال في أي من مشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة.
وحين نتحول للظاهرة الأحدث الخاصة بالاختطاف على يد كائنات فضائية، تتجلى قدرة النفس البشرية على تحريف الواقع بشكل أكبر. فمع عدم إمكانية الحصول على أرقام مؤكدة، فإنه في العقود الأخيرة آمن كثير من الأشخاص بأنهم اختُطفوا على متن سفن فضائية، وخضعوا للفحص، عادة بطرق مهينة لأقصى حد. من المنظور الهادئ، إن مجرد التفوه بهذا الزعم يكفي لدحضه. فالتطبيق المباشر لمبدأ شفرة أوكام — الذي ينادي بالأخذ بأبسط التفسيرات التي تناسب الحقائق المزعومة — يقودنا لأن نخلص إلى أن حوادث الاختطاف هذه متخيلة، ولم تحدث فعلًا. ولأن كل حوادث الاختطاف المزعومة هذه تقريبًا تحدث في الليل، وأغلبها أثناء النوم، فإن التفسير الأرجح متعلق بحالة الغشية التي تمثل الحد الفاصل بين الاستيقاظ والنوم. لكثير من الناس تحدث في هذه الحالة عدد من الهلاوس السمعية والبصرية، وفي بعض الأحيان «أحلام يقظة» يشعر فيها الفرد أنه واعٍ لما حوله لكنه عاجز عن الحركة. هذه التأثيرات تمر من مرشحات عقولنا وتتحول لما يبدو وكأنه ذكريات حقيقية قادرة على غرس إيمان لا يتزعزع بصحتها.
قارن هذا التفسير لحوادث الاختطاف على يد كائنات فضائية مع التفسير البديل؛ الذي يقضي بأن زوارًا من خارج الأرض اختصوا الأرض بزيارتها ووصلوا بأعداد تكفي لاختطاف عشرات الآلاف من البشر، لكن لوقت قصير وفيما يبدو من أجل فحصهم عن كثب (لكن السؤال هنا: هل لم يعرفوا بالفعل ما يريدون من حوادث الاختطاف السابقة؟ أيضًا، أليس بوسعهم اختطاف عدد كافٍ من الجثث للتعرف على تشريح الإنسان بالتفصيل؟) بعض القصص تفيد بأن الفضائيين يستخلصون بعض المواد من المختطفين، أو يخصبون ضحاياهم من النساء، أو يغيرون طرق تفكير ضحاياهم لتجنب التعرف عليهم لاحقًا (لكن في هذه الحالة، ألم يكن بمقدورهم محو ذكريات الاختطاف بالكامل؟) من المستحيل نفي هذه التأكيدات قطعيًّا، تمامًا مثلما لا يسعنا استبعاد احتمال أن تكون الكائنات الفضائية هي التي كتبت الكلمات التي تقرؤها الآن في محاولة منها لتسكين القراء من البشر بإحساس بالأمان الزائف من شأنه أن يساند خطة هذه الكائنات للسيطرة على عالمنا أو على الكون بأسره. بدلًا من ذلك، عن طريق الاعتماد على قدرتنا على تحليل المواقف بشكل عقلاني، والتفريق بين التفسيرات الأكثر ترجيحًا وتلك الأقل ترجيحًا، يمكننا أن نخلص إلى أن فرضية اختطاف البشر على يد كائنات فضائية غير مرجحة بشكل كبير.
إحدى النتائج تبدو عصية على الدحض من قبل المتشككين في وجود الأجسام الطائرة المجهولة والمؤمنين بها على حدٍّ سواء. فإذا كانت الكائنات الفضائية تزور الأرض بالفعل، فهي بالتأكيد تدرك أننا نملك قدرات عالمية على نشر المعلومات والترفيه، إن لم يكن التمييز بين الاثنين كذلك. وهنا يكون القول إن هذه الوسائل متاحة كي تستخدمها الكائنات الفضائية الراغبة في ذلك من البديهيات. فسوف تحظى هذه الكائنات بإذن فوري (بالتفكير في الأمر، قد لا تحتاجه حتى)، وستجعل وجودها محسوسًا في دقيقة واحدة، إذا رغبت في ذلك. إن غياب الكائنات الفضائية عن شاشات التليفزيون يشهد إما بعدم وجودها على سطح الأرض أو بعدم رغبتها في الكشف عن وجودها أمام ناظرينا؛ مشكلة «الخجل». التفسير الثاني يستثير لغزًا مثيرًا للاهتمام. فإذا اختارت الكائنات الفضائية ألا يتم الكشف عنها، وإذا امتلكت تكنولوجيا تفوقنا بمراحل، وهو ما تشهد عليه رحلتهم عبر الفضاء، فلماذا لم تنجح في خطتها؟ لماذا علينا أن نتوقع امتلاك أي دليل — مشاهدات بصرية أو دوائر محاصيل أو أهرامات بنتها كائنات فضائية أو ذكريات عن حوادث اختطاف — إذا كانت هذه الكائنات تفضل ألا نملك أي دليل؟ لا بد أنها تعبث بتفكيرنا، وتستمتع بلعبة القط والفأر هذه. ومن المحتمل أنهم يستغلون قادتنا كذلك، وهي النتيجة التي تضع الكثير من مناورات السياسة والترفيه في دائرة الضوء.
تؤكد ظاهرة الأجسام الطائرة المجهولة على جانب مهم من وعينا. فمع إيماننا بأن كوكبنا هو مركز الوجود، وأن بيئتنا النجمية ما هي إلا زخرف لعالمنا، وليس العكس، فإننا لا نزال نملك رغبة قوية في التواصل مع الكون، وهذه الرغبة تتجسد في أنشطة عقلية كالإيمان بوجود كائنات فضائية. تعود جذور هذا التوجه إلى الأيام التي كان فيها الفارق واضحًا بين السماء في الأعلى والأرض في الأسفل، بين الأشياء التي يمكننا لمسها والشعور بها والأجرام التي كانت تتحرك وتضيء لكنها تظل بعيدة عن متناولنا. ومن هذه الفوارق فرقنا بين الجسد الأرضي والروح الكونية، بين ما هو دنيوي وما هو إعجازي، بين الطبيعي والخارق للطبيعة. وقد وقفت الحاجة لوجود جسر عقلي يربط جانبي الواقع هذين وراء العديد من مساعينا لخلق صورة متجانسة لوجودنا. وحين بيَّن لنا العلم الحديث أننا في الأصل غبار نجمي، زلزل هذا من طرق تفكيرنا، وهو الأمر الذي نناضل كي نتعافى منه إلى الآن. إن وجود الأجسام الطائرة المجهولة يوحي بوجود رسل قادمين من جانب آخر للوجود، زوار أعلى مكانة يعرفون جيدًا ما يفعلونه بينما نظل نحن جهلاء، غير مدركين بوجود الحقيقة في مكان ما. عبَّر الفيلم الكلاسيكي «يوم توقفت الأرض» (١٩٥١) عن هذه الفكرة بشكل طيب، وذلك حين جاء زائر فضائي، أكثر حكمة بكثير من البشر، إلى الأرض كي يحذرنا من أن سلوكنا العنيف سيؤدي لدمار كوكبنا.
تكشف مشاعرنا الفطرية حيال الكون عن جانب مظلم يسقط مشاعرنا حيال الغرباء من البشر على الزوار من غير البشر. فكثير من إفادات الشهود عن الأجسام الطائرة المجهولة تتضمن عبارات مثل: «سمعت صوتًا غريبًا في الخارج، فأمسكت ببندقيتي وذهبت للتحقق منه.» كما تقع الأفلام التي تصور زيارات الكائنات الفضائية إلى الأرض في فخ العدائية بسهولة، بداية من ملحمة الحرب الباردة «الأرض ضد الأطباق الطائرة» (١٩٥٦)، حين فجر الجيش طبقًا طائرًا دون التوقف لحظة للتساؤل عن نوايا ركابه، وصولًا إلى فيلم «العلامات» (٢٠٠٢) الذي فيه يستخدم البطل المحب للسلم، الذي لا يحمل بندقية في يده، مضرب البيسبول لإخافة من تعدوا على مزرعته، وهي الوسيلة التي أشك في أنها ستنجح مع الكائنات الفضائية القادرة على عبور الفضاء النجمي الشاسع.
إن أقوى حجتين ضد اعتبار مشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة دليلًا على وجود كائنات فضائية تكمنان في عدم أهمية كوكبنا، والمسافات الشاسعة بين النجوم. لا يمكن اعتبار أي من هذين السببين كافيًا وحده لنفي هذا التأويل بشكل قاطع، لكنهما معًا يشكلان حجة قوية. هل علينا، إذن، أن نخلص إلى أنه لأن الأرض ليست جذابة بشكل خاص فإن آمالنا في العثور على حضارات أخرى يجب أن تنتظر إلى اليوم الذي نستنفد فيه كافة مواردنا، ويتوجب علينا الانطلاق في رحلة صوب المجموعات الشمسية الأخرى؟
على الإطلاق. فالأسلوب العلمي لإرساء التواصل مع الحضارات الأخرى داخل مجرة درب التبانة وخارجها — في حال وجودها — اعتمد دومًا على السماح للطبيعة بالعمل في مصلحتنا. هذا المبدأ يغير السؤال: أي جوانب الحضارات الفضائية التي سنجدها ستكون أكثر إثارة؟ (الإجابة: الكائنات الفضائية التي تزورنا) إلى سؤال آخر مثمر من الناحية العلمية هو: ما أكثر وسيلة مرجحة للتواصل مع الحضارات الأخرى؟ تمدنا الطبيعة، والمسافات الشاسعة بين النجوم، بالإجابة: استخدام أرخص وسائل الاتصال المتاحة وأسرعها، التي تحتل المكانة نفسها في جميع أرجاء المجرة.
أرخص وأسرع وسيلة لإرسال الرسائل بين النجوم هي الإشعاع الكهرومغناطيسي، نفس الإشعاع الذي يحمل كافة سبل التواصل بعيد المدى على الأرض تقريبًا. لقد أحدثت موجات الراديو ثورة حقيقية في المجتمع الإنساني من خلال تمكيننا من إرسال الكلمات والصور حول العالم بسرعة ١٨٦ ألف ميل في الثانية. هذه الرسائل تسافر بسرعة بالغة لدرجة أنك إذا بعثت إشارة نحو قمر صناعي في مدار ثابت على ارتفاع ٢٣ ألف ميل ليعيدها ثانية إلى مكان آخر على سطح الأرض، فلن يصل التأخير في رحلة الرسالة إلى ثانية واحدة.
عبر المسافات الشاسعة بين النجوم سيكون التأخير أكبر، ومع هذا فهو أقل تأخير يمكن أن نأمل في الحصول عليه. وإذا خططنا لإرسال رسائل نحو كوكبة القنطور — أقرب المجموعات الشمسية إلى شمسنا — فعلينا أن نضع في حسباننا الوقت الذي ستقطعه الرسالة في رحلتي الذهاب والإياب والبالغ ٤٫٤ سنوات لكل منهما. إن الرسائل التي تسافر، مثلًا، لعشرين عامًا تصل إلى مئات النجوم، أو الكواكب التي تدور حولها. وعليه، إذا كنا مستعدين لانتظار رحلة الذهاب والإياب البالغة أربعين عامًا، يمكننا بث الرسائل نحو كل نجم من هذه النجوم، وفي النهاية سنعرف هل سنتلقى ردًّا من أيها. هذه الطريقة تفترض — بطبيعة الحال — أنه لو وجدت حضارات بالقرب من أي من هذه النجوم، فهي تملك قدرة على استخدام موجات الراديو، واهتمامًا بتطبيقها، مساويين على الأقل لقدرتنا واهتمامنا.
السبب الجوهري وراء عدم تبني هذه الطريقة في البحث عن حضارات أخرى لا يكمن في الافتراضات التي يقوم عليها بقدر ما يكمن في توجهاتنا. فأربعون عامًا تبدو فترة طويلة ننتظر فيها شيئًا قد لا يحدث. (ومع هذا لو كنا أرسلنا الرسائل منذ أربعين عامًا، كنا سنحصل الآن على معلومات جدية بخصوص مدى وفرة الحضارات التي تستخدم موجات الراديو في منطقتنا من درب التبانة.) والمحاولة الجادة الوحيدة التي جرت في هذا الاتجاه حدثت في السبعينيات، حين كان الفلكيون يحتفلون بتحديث تلسكوب موجات الراديو بالقرب من أريسيبو، بورتوريكو، وذلك باستخدامه في بث رسالة لدقائق قليلة في اتجاه العنقود النجمي «إم ١٣». وبما أن هذا العنقود يقع على مسافة ٢٥ ألف سنة ضوئية، فأي رسالة ستعود منه ستستغرق وقتًا طويلًا، وهو ما يجعل الأمر أقرب إلى العرض العملي من محاولة تواصل جادة. ولو كنت تظن أن سرية اتصالاتنا هي التي أعاقت قدرتنا على بث الرسائل (إذ إنه من المفيد التصرف بدهاء في القرن الجديد)، تذكر أن كل صور البث الإذاعي والتليفزيوني بعد الحرب العالمية الثانية، إلى جانب أشعة راداراتنا القوية، أرسلت أغطية كروية من موجات الراديو إلى الفضاء. إن «الرسائل» المحمولة في إشارات بث مسلسلات تليفزيونية قديمة مثل «أزواج في شهر العسل» و«أحب لوسي»، التي تنتشر بسرعة الضوء، غطت بالفعل آلافًا من النجوم، بينما غطت إشارات بث المسلسلات الحديثة نسبيًّا مثل «هاواي فايف أو» و«ملائكة تشارلي» مئات النجوم. وإذا استطاعت حضارات أخرى فصل العروض بعضها عن بعض من كتلة إشارات الراديو الآتية من الأرض — التي تناهز الآن الإشارات الآتية من أي جرم بالمجموعة الشمسية، بما فيها الشمس، أو أقوى — فربما يصدق التخمين المازح الذي يقول إن محتوى هذه المسلسلات ربما يكون هو السبب في أننا لم نسمع شيئًا من جيراننا، إما لأنهم يجدونها منفرة للغاية، أو (إن جاز لنا القول) مبهرة بدرجة تسلب الألباب حتى إنهم اختاروا ألا يردوا علينا.
•••
قد تصلنا رسالة ما غدًا، محملة بمعلومات وتعليقات مثيرة للاهتمام. وهنا يبرز أفضل جوانب التواصل من خلال الإشعاع الكهرومغناطيسي. فهو ليس فقط رخيص التكلفة (فإرسال خمسين عامًا من البث التليفزيوني إلى الفضاء أقل تكلفة من مهمة فضائية واحدة)، بل أيضًا فوري، شريطة أن نتلقى إشارات حضارة أخرى ونفسرها. وهذا أيضًا ما يمثل جانبًا أساسيًّا في شعورنا بالإثارة حيال الأجسام الطائرة المجهولة، لكن في هذه الحالة قد نتلقى بالفعل رسائل يمكن تسجيلها، والتحقق من صحتها، ودراستها الدراسة الكافية حتى نفهمها.
من الواضح أن استراق السمع هو المهمة الأصعب. فالإشارة الموجهة تركز قوتها على اتجاه بعينه، وبهذا يصير اكتشاف هذه الإشارة أسهل لو كانت موجهة عمدًا نحونا، بينما الإشارات المتسربة للفضاء تشتت طاقتها على نحو غير متساوٍ في شتى الاتجاهات، ومن ثم تكون أضعف على مسافات معينة من مصدرها عن الإشارات الموجهة. إضافة إلى ذلك، الإشارة الموجهة ستحمل على الأرجح بعض تدريبات الإحماء السهلة التي تخبر متلقيها بكيفية تأويلها، بينما الإشعاع المتسرب للفضاء لن يحمل دليلًا إرشاديًّا كهذا. لقد سربت حضارتنا الإشارات لعقود عديدة، وأرسلت إشارة موجهة وحيدة في اتجاه بعينه لدقائق معدودة. وإذا كانت الحضارات نادرة الوجود، فأي محاولة للعثور عليها يجب أن تركز على استراق السمع وتتجنب الوقوع في فخ الأمل في العثور على إشارات موجهة.
منذ أكثر من خمسين عامًا مضت، ناقش العبقري الإيطالي إنريكو فيرمي، الذي يعد على الأرجح آخر فيزيائي عظيم قدم إسهاماته في المجالين النظري والعملي على السواء، فكرة وجود حياة خارج كوكب الأرض أثناء تناول الغداء مع زملائه. وبعد أن اتفق العلماء على عدم وجود ما يميز الأرض عن غيرها كموطن للحياة، توصلوا إلى نتيجة مفادها أن الحياة لا بد أن توجد في أماكن كثيرة في درب التبانة. وفي هذه الحالة طرح فيرمي السؤال الذي استمر قائمًا لعقود: أين هذه الأماكن؟
كان فيرمي يقصد أنه لو شهدت أماكن عديدة في مجرتنا وجود حضارات متقدمة تكنولوجيًّا، فمن المؤكد أننا كنا سنسمع من إحداها على الأقل، من خلال رسائل موجات الراديو أو الليزر، إن لم يكن من خلال زيارات حقيقية. وحتى لو كانت أغلب الحضارات تفنى بسرعة، مثلما قد يحدث مع حضارتنا، فإن وجود عدد كبير من الحضارات يعني أن بعضها يتمتع بعمر مديد بما يكفي بحيث يتبنى بحثًا طويل الأمد عن الحضارات الأخرى. وحتى لو لم يهتم بعض من هذه الحضارات ذات العمر الطويل بمثل هذا البحث، فستهتم حضارات أخرى. وعلى هذا فإن حقيقة أننا لم نتحقق علميًّا من أي زيارات للأرض، أو نتلقَّ أي إشارات أنتجتها حضارة أخرى، قد تثبت لنا أننا أسأنا تقدير احتمالية نشوء الحضارات الذكية في مجرة درب التبانة.
كان لرأي فيرمي وجاهته. فكل يوم يمرُّ علينا يضيف المزيد من الأدلة التي تؤكد على أننا وحيدون في مجرتنا. ومع ذلك، حين نراجع الأرقام الفعلية، تبدو هذه الأدلة ضعيفة. فإذا وجدت عدة آلاف من الحضارات في مجرتنا في أي وقت بعينه، فسيكون متوسط الفاصل بين الحضارات المتجاورة بضع عشرات الآلاف من السنوات الضوئية؛ أي أكبر من المسافة بيننا وبين أقرب نجم لنا بألف ضعف. وإذا استمرت واحدة من هذه الحضارات أو أكثر لملايين الأعوام، فقد نتوقع أنها قد أرسلت لنا بالفعل إشاراتها، أو كشفت عن وجودها لجهود استراق السمع المتواضعة التي نبذلها. ومع ذلك، إذا لم تصل أي حضارة لمثل هذا العمر، فسيكون علينا العمل بجد للعثور على جيراننا؛ لأنه لن يكون أي منهم منخرطًا في مسعاه للعثور على الحضارات الأخرى في أرجاء المجرة، ولن يبث أي منهم إشارات بالقوة التي تمكن جهود استراق السمع التي نبذلها من اكتشافها.
بهذا نظل أسرى الحالة الإنسانية المألوفة، على شفا أن نشهد أحداثًا قد لا تحدث قط. إن أهم خبر في تاريخ البشر قد يصلنا غدًا، أو العام القادم، أو قد لا يصلنا على الإطلاق. فدعونا نَمْضِ نحو فجر جديد، مستعدين لتقبل الكون كما يحيط بنا، وكما يكشف عن نفسه لنا، ذلك الكون الذي يشع بالطاقة، ويكتنفه الغموض.