سنتعرَّض في هذا الفصل إلى دراسةِ ومعرفةِ طرق حساب الأطياف الجزيئية؛ حيث سنركِّز
على
نوعَيْن هامَّيْن هما الأكثر شيوعًا، وهما طيف الاهتزازات بالأشعة تحت الحمراء وإزاحات
رامان، وطيف الإثارة الإلكترونية بامتصاص أو انبعاثِ الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية.
وسنتعرف على كيفية التنبؤ بنوعِ وجنسِ تماثُلِ الحركات الاهتزازية ونشاطيتها، وكذلك التنبؤ
بأفضل جزيء كيميائي يعمل كحاجب لأشعة الشمس الضارة
(Sunscreen). وسنعرض طريقةَ حسابٍ لكل نوع من هذه
الأطياف. وكذلك سنتعرض لديناميكيات الحالة المثارة (الكيمياء الضوئية).
ويجدر بنا في هذا المقام ذكر مقدمة لنلمح بعض
الأساسيات اللازمة لاستيعاب المجال.
(١) طيف الأشعة الكهرومغناطيسية
يتضمن طيف الأشعة الكهرومغناطيسية أنواعًا من الأشعة يختلف بعضها عن بعض في طاقاتها؛
ومن ثَمَّ في أطوال موجاتها وتذبذباتها، وشكل ٣-١ يوضح أنواع
الأشعة الكهرومغناطيسية.
شكل ٣-١: طيف الأشعة الكهرومغناطيسية،
ويحتوي على عدد من الأنواع منها: أشعة جاما وهي مؤيَّنة، وأشعة إكس وهي
تتفاعل مع الإلكترونات الداخلية في المواد، ثم الأشعة فوق البنفسجية
والمرئية، فالأشعة تحت الحمراء، فالأشعة الميكروئية، ثم أشعة الراديو
(الأقلُّ طاقةً)، وتحدث انتقالات في الحركات المغزلية للإلكترونات
والنَّوَى في وجود مجال مغناطيسي خارجي.
تتفاعل الأشعة فوق البنفسجية والمرئية مع المادة فتحدث بها انتقالات داخلية
للإلكترونات. يُثار الإلكترون بامتصاصه في هذه المنطقة ويصبح الجزيء مُثارًا بالضوء.
ويعتمد معدل امتصاص الضوء على إسكان الجزيئات الموجودة في الحالة الأرضية، وهي التي
تكون مشغولةً بكل الجزيئات؛ وعلى شدة الضوء الساقط على الجزيئات؛ وعلى معامل آينشتاين
لامتصاص الضوء. أمَّا معدل انبعاث الضوء فيعتمد على (أ) الانبعاث
التلقائي: المتناسب مع إشغال الحالة المثارة، ومعامل آينشتاين للانبعاث
التلقائي بين الحالة المثارة والحالة الأرضية. و(ب) الانبعاث
المستحث بالضوء: وهذا يتناسب مع إشغال الحالة المُثارة وشدة الضوء
الساقط من مصدر خارجي على الجزيئات المُثارة، وعلى معامل آينشتاين للانبعاث المستحث
(وهذا ما أدَّى إلى اكتشاف الليزر).
والأطياف ليست خطيةً بالرغم من حدوث الانتقالات بين مستويات طاقة محددة، بل تأخذ
الأطياف المسجَّلة معمليًّا هيئةَ حُزَمٍ طيفيَّة؛ هذه الحُزَم تتبع في شكلها دوالَّ
رياضيةً مثل دوالِّ لورانسيان (حُزْمة طيفيَّة لها ذيل ممتد)، أو جاوسيان (ليس للحُزْمة
ذيل)، وهما الأكثر شيوعًا. نحصل على حُزَم طيفيَّة لعدة عوامل، ويمكن للقارئ مراجعة بعض
المَراجع لمعرفة أسباب اتساع أو ضِيق عرض هذه الحُزَم الطيفية المقيسة
(Broadening of Spectral Bands).
أطياف الأشعة تحت الحمراء والأشعة المرئية وفوق البنفسجية والرنين النووي المغناطيسي
(الذي يتم بامتصاص الضوء في منطقة أشعة الراديو ذات الطول الموجي الكبير، وفي وجود مجال
مغناطيسي خارجي) لجزيءٍ ما يمكن حسابُها ببساطةٍ باستخدام حُزَم البرامج المتاحة، وإذا
كان الجزيء غير موجود عمليًّا، فإننا نكون قد تنبَّأنا وعرفنا خواصَّه الطيفية بطريقة
نظرية، ثم نعمل على تحضيره معمليًّا؛ فقد تكون بعض الصفات مطلوبةً لغرضٍ ما في جزيءٍ
ما
نبحث عنه لتحقيق هذا الغرض، مثالُ ذلك البحثُ عن جزيءٍ قادرٍ على امتصاص ضوء الشمس
الضار في المنطقة فوق البنفسجية. وسندرس — من وجهة نظر كيمياء الحاسوب — بعض الأطياف
المنتقاة. دراستنا في هذه المرحلة ستقتصر حاليًّا على نوعَيْن من الأطياف، هما:
(أ)
طيف الأشعة تحت الحمراء وإزاحات رامان
(أيْ طيف الاهتزاز لنَوَى الذرات): ذلك نظرًا لتداوُلها على نطاقٍ واسع؛
أولًا في التعرف على المجموعات
الوظيفية في المركبات العضوية، وثانيًا
في التعرُّف على الأشكال الهندسية للمركبات والمتراكبات غير العضوية. فطيف
الاهتزاز هام جدًّا في نظر الكيمياء التخليقية للمركبات العضوية، وفي نظر
الكيمياء التحليلية لأشكال المركبات عامةً. أمَّا الأهمية الثالثة ففي الحصول على معاملات الديناميكا
الحرارية. ومعاملات الديناميكا الحرارية المشهورة هي الإنثالبي والطاقة
الحرة لجيبس، والإنتروبي، بجانب طاقة المستوى الصفري (المستوى الاهتزازي
الصفري، أو حركة الجزيء عند الصفر المطلق، أو محتوى طاقته عند الصفر
المطلق). ومصادر مكونات الكَمِّيات الحرارية هذه هي: مكون طاقة حركة
الاهتزاز، ومكون الطاقة الانتقالية، والحركات الدورانية، ومكون طاقة الحركة
الإلكترونية. وحُزَمُ البرامج تحسب معاملاتِ الكيمياء الحرارية عندما نطلب
منها حسابَ طيفِ الاهتزاز.
(ب)
طيف امتصاص وانبعاث الضوء المرئي وفوق
البنفسجي: حيث ينتج عنه ألوانُ كثيرٍ من المركبات
الكيميائية الهامة مثل الأصباغ. ويُستعمَل هذا الطيف، ليس فقط في التعرُّف
على ألوان الجزيئات، بل أيضًا في تحليلها ومعرفة درجات تركيزها، بالإضافة
إلى استخدامها كمَجسَّات (أدلة) للوسط وللتغيُّر اللوني أثناء تفاعُلاتها.
وانبعاث الضوء من الجزيئات الكيميائية لا يقلُّ أهميةً عن امتصاصه، وهو فرع
من فروع الكيمياء الضوئية يُستفاد منه في الكيمياء التحليلية على سبيل
المثال لا الحصر.
طيف الأشعة تحت الحمراء
وكما ذكرنا، يتم التعرف على الجزيئات الكيميائية ومجموعاتها من موضع (طاقة)
الحركات الاهتزازية بمختلِف أنواعها في الطيف. وهناك جداول عدة في كتب الكيمياء
العضوية اشتملت على معلومات عن العديد من المجموعات الوظيفية وحركاتها الاهتزازية
المختلفة. وبنظرةٍ فاحصة مقارنة بين المدوَّن في هذه الجداول وبين المَقيس
معمليًّا، نستطيع التعرف على المركبات العضوية البسيطة. أما المركبات المُخَلَّقة
حديثًا والمعقَّدة، فوجب مقارَنة أطيافها المحسوبة بالمَقيس معمليًّا؛ فالطيف
المحسوب تكون مصادرُ حركةِ كل حُزْمة امتصاص فيه مرئيةً بعملية المحاكاة. فمثلًا لو
كان مصدر الاهتزازة هو شدًّا في رابطة بين الأكسجين والكربون في مجموعة كربونيل،
لَمكَّنتْنا المحاكاة من ملاحظة حركة الشد والارتخاء في هذه الرابطة، ولَتعرَّفنا
مباشَرةً على طاقتها وشدتها من رؤية الحركة باستخدام واجهة برنامج الحساب. بالطبع
سنحصل على الطيف المحسوب كاملًا (العلاقة بين الطاقة بوحدة مقلوب السنتيمتر — أي
العدد الموجي — أو ما يُطلَق عليه التذبذب كما هو شائع، وبين الشدَّة). ونستطيع
المقارنة بين الطيف المحسوب بافتراضِ صيغةٍ كيميائية معينة وتركيبٍ فراغي معين،
وبين الواقع العملي المقيس للمادة؛ لنرى مدى التقارب ولنحقِّقَ النتائج العملية بكل
تفاصيلها وحقيقتها.
شكل ٣-٢: طيف الأشعة تحت الحمراء للفورمالدهيد في الحالة الغازية.
ولمزيدٍ من التوضيح سنعرض معالَجة جزيءٍ كالماء بالتفصيل، ثم سندرس عددًا من
التطبيقات على جزيئات أخرى.
(أ) طيف الاهتزاز لجزيء الماء
جزيء الماء ينتمي للمجموعة النقطية C2v وله ثلاث
حركات اهتزازية تظهر في طيف الأشعة تحت الحمراء، وهي كذلك نَشِطة بالنسبة إلى
إزاحات رامان، وهذه الحركات الثلاث هي: حركة اهتزازية منخفضة الطاقة (عند
١٥٩٥سم−١) نتيجة تغيُّر الانحناء؛ أيْ في
الزاوية بين ذرتَي الهيدروجين وذرة الأكسجين، وهي تامة التماثل، ويُرمَز لها
بلغةِ نظريةِ المجموعات بالرمز A1. وحركتان
نتيجة الشد في الروابط إحداهما A1 أيضًا،
وتظهر في طيف الأشعة تحت الحمراء عند ذبذبةٍ قدْرُها
٣٦٥٧سم−١، والأخرى شد غير متماثل (شد في رابطة
وانضغاط في الرابطة الأخرى)، ويُرمَز لها بجنس التماثل
B2، وتظهر في
الطيف عند طاقةٍ قدْرُها ٣٧٥٦سم−١.
شكل ٣-٣: طيف الأشعة تحت الحمراء للماء، ويُظهِر حُزَم التذبذب الثلاث
ومتجهات حركاتها.
ويمكن استنتاج عدد ونوع الاهتزازات (أيْ تماثلها) من معالَجةٍ نظريةٍ واضحةِ
الطريقة باستخدام جدول الصفة أو السمة Character
Table لهذه المجموعة النقطية. وجدول ٣-١ يمثِّل جدول الصفة لهذه المجموعة:
جدول ٣-١: جدول الصفة للمجموعة النقطية C2v.
E
C2v
z
1
1
1
1
a1
xy
Rz
−1
−1
1
1
a2
xz
x,
Ry
−1
1
−1
1
b1
yz
y,
Rx
1
−1
−1
1
b2
عندما تتفاعل الجزيئات الكيميائية مع الأشعة تحت الحمراء، تنتج حركات
اهتزازية هي عبارة عن متجهات يمكن استنتاج تماثُلها؛ ومن ثَمَّ يمكن معرفة ما
إذا كانت هذه الاهتزازات ستظهر في طيف الأشعة تحت الحمراء لها. وسنأخذ مثالًا
بسيطًا لتوضيح الفكرة وأسلوب الاستنتاج.
والجزيئات الكيميائية يمكنها عمل ثلاثة أنواع من الحركات:
(أ)
٣ حركات انتقالية في اتجاهات x،
y، z الممثَّلة في
جداول السمات، ومن ثَمَّ نعرف تماثُلها من فحص هذه الجداول.
(ب)
٣ حركات دورانية R حول المحاور، وأيضًا
تماثلها معروف، ومجموع الحركات الانتقالية والدورانية في الجزيئات
المتشعبة (غير الخطيَّة) عددُها ٦. أما في حالة الجزيئات الخطية
فهي خمس حركات (٣ انتقالية واثنتان فقط دورانية حول المحاور
المتعامدة على الخط الواصل بين الذرات).
(جـ)
حركات اهتزازية تعتمد على عدد ذرات الجزيء، ونستنتجها
بالمعادلات:
جزيئات لا خطية Vib = 3N − 6
جزيئات خطية = 3N − 5
أيْ بحسب شكل الجزيء. وN هو عدد الذرات، أما العدد ٣
فهو يدل على إحداثيات كل ذرة (x, y, z). وفي
حالة جزيء الماء فإن عدد الحركات الاهتزازية سيكون:
Vib = 3
× 3 − 6
أيْ ثلاث حركات اهتزازية.
لكن هل هذه الاهتزازات، التي تُسمَّى طريقة الاهتزاز (Mode of
Vibration)، ستكون إيجابيةً في تفاعلها مع الأشعة تحت
الحمراء، فيظهر لها طيفٌ يُسمَّى طيفَ الامتصاص للأشعة تحت الحمراء؟
هذا ما سنراه فيما يلي بطريقةٍ استنتاجية في صورةٍ مبسطة يمكن تعميمها على أي
جزيء فيما بعد.
شكل ٣-٤: متجهات توضِّح الشد في الرابطة بين الأكسجين
والهيدروجين.
الشد في روابط جزيء الماء
الشد يمثِّله المتجهان V1،
V2 كما في شكل
٣-٤. ونُجرِي عليه عمليات التماثل للمجموعة النقطية
C2v التي ينتمي
إليها جزيء الماء؛ وذلك لتكوين تمثيل
(Representation) متجهات الشد في الروابط،
وذلك باتِّباع أوامر عمليات التماثل، التي ستُمثَّل بمصفوفات كما توضِّحها
المعادلات الآتية لمعرفة السمة القابلة للاختزال (Reducible
Representation) لكل عملية تماثُل:
ومن مجموع العناصر القطرية في كل مصفوفة نحصل على السمة القابلة للاختزال كما
في الجدول الآتي:
E
C2v
= a1 + b2
2
0
0
2
Γvib
بالنظر إلى جدول سمات C2v وفحصه،
سنجد أن اهتزازات الشد هي:
1
1
1
1
=
a1
1
−1
−1
1
=
b2
ومجموع الأرقام في السطرين (أيْ مجموع جنس تماثُل الحركتين) هو ما جاء في
الجدول أعلاه.
بالنظر إلى جدول ٣-١ نجد أن التحليل نتج عنه جنسان
للتماثل؛ الجنس الأول تام التماثل، والثاني له جنس التماثل
b2.
شكل ٣-٥: الشد المتماثل، وله جنس التماثل التام
a1؛
وغير المتماثل، وله الجنس b2.
الاهتزاز بين الروابط (انحناء الزاوية) Deformation
modes
وهي حركة اهتزازية تُقلِّل وتَزيد من الزاوية بين الرابطتين، ويمثِّلها متجه
ذو رأسَين كما هو موضَّح في شكل ٣-٦.
شكل ٣-٦: السهم ذو الرأسَين يمثِّل التشوه أو الانحناء في الزاوية بين
الرابطتين.
هذا السهم ذو الرأسَين لن ينتقل من مكانه بفعل عمليات التماثل الأربع (عملية و ستنقل النصفَ الأيمن مكانَ الأيسرِ وهكذا)،
ومن ثَمَّ فإن هذا المتجه سيكون تامَّ
التماثل a1. وبناءً عليه،
توجد طريقة واحدة للاهتزاز المشوَّه للزاوية بين الروابط طبقًا للجدول
الآتي:
E
C2v
= a1
1
1
1
1
Γbending
تطبيق قواعد
الاختيار Selection Rules
هذه القواعد تعتمد على تكامُل رياضي لثلاث كَمِّيات نعبِّر عنها بتماثلها:
(١)
الحالة الاهتزازية للجزيء قبل تفاعُله مع الأشعة تحت الحمراء،
وهي دائمًا تامَّةُ التماثل.
(٢)
وهي طرق الاهتزازات المختلفة في جزيء الماء، والتي استُنتِجت كما
رأينا.
(٣)
مؤثر (Operator) بنقل الحركة من إلى ويُسمَّى (Oscillating Dipole
Moment) العزم المتردد بين القطبين ، وله ثلاثة مركبات في اتجاهات ، ، ، وهي و و.
وتماثلها يشبه تماثُل المحاور x و
y وz حيث يمكن
معرفتها بنظرة إلى جدول السمات للمجموعة (انظر جدول ٣-١).
وتقول لنا قاعدة الاختيار متى سيكون حاصل الضرب دالَّةً تامةَ التماثُل (a1)
أو غير تامَّةِ التماثُل (أيْ جنس تماثُلٍ آخَر غير a1).
فإذا كان حاصل الضرب تامَّ التماثُل، فسيكون لتكامُلها مساحة تحت المنحنى
(لأنها ستكون دالَّة زوجية، وتكامُلُ الدوالِّ الزوجية له دائمًا قيمةٌ أكبر من
الصفر)؛ وعندئذٍ يظهر لطريقة الاهتزاز
مساحةٌ تحت منحنًى في طيف الأشعة تحت الحمراء. ففي حالة الاهتزازة
a1 مثلًا، نجد أن
حاصل ضرب يكون أيضًا تامَّ التماثُل:
1
1
1
1
= a1
1
1
1
1
= a1
1
1
1
1
= a1
1
1
1
1
= a1
وعليه ستكون الاهتزازات من جنس a1 نَشِطةً في
الطيف، وكذلك الاهتزازات من النوع b1 ستكون
أيضًا نَشِطة؛ نظرًا لأنه توجد مركبة لها نفس نوع التماثل للحركة الاهتزازية
b1.
1
1
1
1
1
−1
−1
1
1
−1
−1
1
1
1
1
1
إزاحات رامان لجزيء الماء
رامان هو فيزيائي هندي حاصل على جائزة نوبل عام ١٩٣٠؛ لاكتشافه في عام ١٩٢٨
ظاهرةَ تشتُّت الضوء المرئي لِلَمْبة الزئبق (حاليًّا نستخدم مصدرًا ضوئيًّا
قويَّ الشدة مثل ضوء ليزر مرئي) عندما يتفاعل مع الجزيء، فيُزاح الضوء المتشتت
عن الضوء الساقط على الجزيء بمقدارِ طاقةٍ تساوي الطاقة الضوئية اللازمة لعمل
الحركة الاهتزازية. وسُمِّي هذا النوع من الأطياف باسْم مكتشِفه.
ويُعَد طيف رامان مكملًا لطَيْفِ الأشعة تحت الحمراء، كما سيتضح من مثال
الماء وبعض الأمثلة الأخرى في هذا الفصل.
وبنفس طريقة الأشعة تحت الحمراء، يمكن معرفة نشاط أثر رامان على جزيء الماء،
وذلك بأن يحلَّ المؤثر محلَّ و لها ستة مركبات هي: ، ، ، ، ، . وتعبِّر عن مدى سهولة تتبُّعِ حركة الإلكترونات على الجزيء للمركبة
الكهربية للأشعة الضوئية، وتُسمَّى مؤثر الاستقطابية، وجنسُ تماثُلها هو نفسه
جنس تماثل xy، xz، yz،
xx، yy، zz وأي مركبة أخرى في جداول
السمة؛ وعليه فإن الحركات الثلاث الاهتزازية لجزيء الماء، وهي
2a1 + b2، ستكون
أيضًا نَشِطة وتظهر في أطياف رامان لجزيء الماء كما في جدول ٣-٢.
وبالرغم من ظهور كل الاهتزازات في كلٍّ من طيف الأشعة تحت الحمراء وإزاحة
رامان، فإن رامان تقدِّم معلومةً مفيدة عن نوع الاهتزازة، وهي خاصية استقطاب
الضوء؛ فكل الحركات الاهتزازية ذات جنس التماثل التام لا تغيِّر من استقطابية
الضوء الساقط على الجزيء، ويُطلَق على هذه الحركات الاهتزازية خاصية مستقطبة،
وكل ما عداها تكون غير مستقطبة. وللاستزادة في المعلومات المتخصِّصة يمكن
للقارئ الرجوع إلى المراجع في هذا الموضوع.
(ب) جزيء الفورمالدهيد
ينتمي جزيء الفورمالدهيد إلى نفس مجموعة الماء؛ حيث شكله الهندسي يشبه الماء،
لكنَّ عدد ذراته ٤. وطيف الفورمالدهيد يحوي ٦ حركات اهتزازية؛ ثلاثٌ منها شدٌّ
في الروابط، وثلاثٌ تغييرٌ في الزوايا. التغيُّر في الزوايا يحتاج طاقةً أقلَّ
من الشد في الروابط. وطبقًا للجدول ٣-٣ فالثلاث قِيَم الأقلُّ طاقةً تُناظِر التشويهَ في
الزوايا بالاهتزاز. والثلاثُ قِيَم الأعلى في الطاقة تُناظِر شدَّ وارتخاءَ
الروابط، وهي على الترتيب: الشد بين الأكسجين والكربون، ثم الشد المتماثل بين
كلٍّ من ذرتَي الهيدروجين والكربون، والشد غير المتماثل (شد في رابطة)، وارتخاء
في الرابطة الأخرى بين ذرتَي الهيدروجين والكربون وهي الأعلى قيمةً؛ حيث تحتاج
عمليةُ الاهتزاز غير المتماثلة طاقةً أعلى.
جدول ٣-٣: طاقة الاهتزازات وشدتها.
I
ν
0.01
1147
0.08
1217
0.04
1481
0.67
1777
0.36
2774
1.00
2828
وحيث إن الفورمالدهيد ينتمي إلى المجموعة النقطية C2v،
فإنه يمكن تصنيف حركاته الاهتزازية طبقًا لهذا التماثل.
(ﺟ) مقارنة رتبة رابطة الكربونيل في عدة مركبات
والمثال التالي سيوضِّح لنا التغيُّر الحادث في طيف الاهتزاز (الشد في رابطة
الكربونيل بين الكربون والأكسجين) بتغيير طبيعة وشكل الجزيء، وذلك في حالة
الفورمالدهيد والأسيتالدهيد واليوريا.
والآن، حان موعد تقديم برنامج حساب طيف الاهتزاز تبعًا لمتطلَّبات حُزْمة
برامج أوركا.
والملف الآتي يوضِّح كيفيةَ حساب طيف الاهتزاز لأي جزيء (فقط حدِّد إحداثيات
الجزيء).
شكل ٣-٧: التغيُّر في طاقة اهتزازة الشد في الرابطة بين الكربون
والأكسجين في الفورمالدهيد (إلى اليمين)، والأسيتالدهيد (في
منتصف الشكل)، واليوريا (أسفل يسار الشكل). فمع زيادة قوة
الرابطة ومدى سُمْكها (رتبة الرابطة) كما في حالة
الفورمالدهيد، تزداد الطاقة اللازمة للشد في الرابطة. ويمكن
ملاحظة العلاقة العكسية بين شحنات ذرات الرابطة ورتبتها بطريقة
عددية (كمية)، وليس مجرد طريقة وصفية.
(د) أمثلة أخرى
وعامةً نستطيع استنتاجَ عددِ وتماثُلِ الحركات الاهتزازية المختلفة لأي جزيء
كيميائي إذا ما عرَفْنا شكله الهندسي. معرفة الشكل الهندسي تمكِّننا من تصنيف
الجزيء إلى المجموعة النقطية المناسبة. وكذلك إذا عرَفنا الطيف، فإننا نستطيع
أن نستنتج الشكل الهندسي.
جدول ٣-٤: عدد ونوع اهتزازات الشد في الرابطة لجزيئات غير عضوية ذات أشكال
هندسية وتماثل مصنَّف طبقًا للمجموعات ذات النقطة.
أمثلة جزيئات
النشاط
جنس الاهتزاز
التماثل
Raman
IR
Species
Symmetry
Cr(CO)6
+
−
a1
Oh
+
−
eg
−
+
t1u
+
−
a1
Td
CCl4
+
+
t2
XeF4
+
−
a1g
D4h
+
−
b1g
−
+
eu
BF3
+
−
a1
D3h
+
+
e
Fe(CO)5
+
−
2a1
+
+
e
−
+
a2
NH3
+
+
a1
C3v
+
+
e
H2O
+
+
a1
C2v
+
+
b2
HOCl
+
+
a
Cs
+
+
a
وجدول ٣-٤ يشتمل على معلومات لأطياف الاهتزاز لعدد من
المركبات البسيطة والمعقدة؛ فالجدول يوضِّح نوعَ تماثل متجهات الحركات
الاهتزازية، وهل ستكون نشيطة (+) أم خاملة (−) أيْ لا نشاهدها في طيف
الاهتزازات، سواء طيف الأشعة تحت الحمراء أو طيف رامان. وحصلنا على هذه النتائج
المدوَّنة في جدول ٣-٤ باستخدام أسلوب نظري مبني على أسس
نظرية المجموعات للتنبؤ بنوعِ تماثلِ الحركات الاهتزازية ونشاطيتها. ويمكن
للقارئ الرجوع إلى مرجعٍ مناسب في نظرية المجموعات في الكيمياء
والأطياف.
ولتحقيق بعض ما جاء في جدول ٣-٤ سنستعرض بعض الأمثلة.
ووجب التركيز على أن النتائج في جدول ٣-٤ تُعنَى فقط
بالشد في الروابط. سنستكمل المناقشة ونهتم أيضًا باهتزازات التشوُّه في
الزوايا.
سنبدأ بالمجموعة Cs
ويمثِّلها جزيء حمض الهيبوكلورس HOCl، ثم
الأمونيا (C3v)، ثم
أنيون حمض الكلوريك
(D3h)، ثم رابع كلوريد
الكربون وتماثله رباعي الأوجه Td. وملحق (٦)
يحتوي على جداول السمات لبعض المجموعات الهامة.
أولًا: طيف الاهتزاز لحمض الهيبوكلورس
HOCl
(Cs)
شكل ٣-٨: متجهات الشد والانضغاط في الرابطة بجانب التشوُّه في
الزاوية.
شكل ٣-٩: طيف الأشعة تحت الحمراء لحمض الهيبوكلورس.
تنبَّأت المعالجات في نظرية المجموعات بوجود اهتزازة شد في الرابطة بين
الهيدروجين والأكسجين ذات تماثل a تكون نَشِطة بالنسبة إلى
طيف الأشعة تحت الحمراء وكذلك رامان. ولاستكمال الصورة، فإن معالجة التشوُّه في
الزاوية — كما وضَّحت في شكل ٣-٨ — بسهمٍ منحنٍ ذي رأسين؛
ينتج عنها، طبقًا لنظرية المجموعات، طريقةٌ اهتزازية واحدة لها أيضًا جنس
التماثل التام a. وتؤكد القياسات المعملية
للطيف وجود حُزْمتين لامتصاص ضوء الأشعة تحت الحمراء كما بيَّنَها شكل ٣-٩.
ثانيًا: طيف الاهتزاز للأمونيا
(C3v)
بالرجوع إلى نتائج جدول ٣-٤، يتضح أن شد الروابط في
جزيء الأمونيا هو من النوع:
a1 +
e
كما مُثِّلتْ متجهاتُ الشد في شكل ٣-١٠. وهنا نلاحظ أن
الحركة الاهتزازية من النوع e ثنائية،
ويمثِّلها صورتان متكافئتان في التماثل ومتساويتان في الطاقة، فتظهر كحُزْمة
واحدة في الطيف (degenerate in symmetry and in
energy).
شكل ٣-١٠: جزيء الأمونيا وحركات الشد في الروابط ونوع تماثُلها.
وبفحص طيف رامان للجزيء المبيَّن في شكل ٣-١١ اتضح وجود
حُزْمتَيْن عند طاقات عالية، وهي تمثِّل الشد في الروابط بجانب وجود حُزْمتَيْن
أخريَيْن عند طاقات أقل، وهي في الغالب نتيجة التغيُّر في الزوايا. وبدراسة
المتجهات الدالة على التغيير في الزوايا، وعددها ثلاثة، تبيَّنَ أنهما تشابهان
الشد في الروابط من حيث التماثل. يوضِّح شكل ٣-١٢ هذه
الاهتزازات التي تشوِّه شكل الجزيء.
وفي هذا المقام نود التنويه إلى أن طريقة الاهتزاز من النوع
a1 ينتج عنها
زيادة جميع الزوايا أو نقصانها جميعًا في آنٍ واحد. وهذا ممكنٌ حدوثه ما دام
الجزيء غيرَ مستوي الشكل.
شكل ٣-١١: طيف رامان لجزيء الأمونيا.
ثالثًا: طيف الاهتزاز لأنيون حمض الكلوريك
(D3h)
يبيِّن شكل ٣-١٣ أن الجزيء مثلثيٌّ مستوٍ، وجميع زواياه
الثلاث متساوية وقيمتها ١٢٠ درجة. وبتحليلها بأسلوب نظرية المجموعات نجد أنها
تنتج نوعَيْن من الحركات الاهتزازية؛ أحدهما الحركة الاهتزازية a1
(تامة التماثل)، وتُعَد غير مقبولة فيزيائيًّا؛ حيث لا يمكن زيادة جميع الزوايا
أو نقصانها في آنٍ واحد؛ لذلك استبعدنا هذا النوع من شكل ٣-١٣. النوع الآخَر له التماثل e، وله صورتان مختلفتان من
الحركات الاهتزازية لكنْ لهما نفس الطاقة
(degenerate).
شكل ٣-١٢: جزيء الأمونيا وحركات الانحناء بين الروابط (التشوُّه) ونوع
تماثُلها.
شكل ٣-١٣: الشكل الهندسي لأنيون حمض الكلوريك والحركة الاهتزازية
الثنائية الصورة ذات الطاقة المتساوية.
وبخصوص الشد في الروابط الثلاث، فشكل ٣-١٤ يحقق النتائج
المُدرَجة في جدول ٣-٤.
شكل ٣-١٤: نوعا اهتزازات الشد في أنيون حمض الكلوريك.
شكل ٣-١٥: نوعا اهتزازات الشد في جزيء رابع كلوريد الكربون.
لقد أُجرِيت غالبية هذه الحسابات باستخدام حُزَم برنامج جاوسيان ١٦؛ وذلك
لإمكانياته الحسابية في الحصول بسهولة على كلٍّ من طيف امتصاص الأشعة تحت
الحمراء وطيف رامان. وسنعرض ملف إدخال البيانات في نهاية مناقشة هذا
الموضوع.
رابعًا: طيف الأشعة تحت الحمراء ورامان لرابع كلوريد الكربون
(Td)
طبقًا لما جاء في جدول ٣-٤ فطيف الأشعة تحت الحمراء
سيحتوي على حُزْمة امتصاص واحدة من النوع الثلاثي الصورة
T2، وهذا ما
نلاحظه فعلًا في الطيف المقيس، وتظهر عند التذبذب
٨٠٦سم−١؛ وذلك لأن حركة الشد الأخرى المتوقَّعة
(شكل ٣-١٥) هي من النوع التامِّ التماثل
a1، وهي غير
نَشِطة في الأشعة تحت الحمراء. بينما تظهر اهتزازات الزوايا، ويمثِّلها ستة
أسهم ذوات رأسَيْن، ستظهر أيضًا حُزْمة واحدة من النوع الثلاثي الصورة
T2، إلا أن
شدتها ضعيفة، فلا نشاهدها عمليًّا في حالة هذا الجزيء.
وعند تحليل أسهم اهتزازات الزوايا،
وعددها ستة، ينتج ثلاثة أنواع من الاهتزازات هي من النوع
a، e،
t2. وكلها
نَشِطة وتظهر في طيف رامان. ومرةً أخرى نرى أن النوع
a1 لا يمكن
حدوثه فيزيائيًّا في شكل الهرم الرباعي؛ ومن ثَمَّ سنشاهد نوعَيْن فقط من حركات
التغير في الزوايا، كما يظهر في شكل ٣-١٦، وكذلك في طيف
رامان المبيَّن في شكل ٣-١٧.
شكل ٣-١٦: نوعا اهتزازات الزوايا في جزيء رابع كلوريد الكربون.
وقد استخدمنا برنامج جاوسيان ١٦ لسهولة الحصول منه على كلٍّ من أطياف
الامتصاص للأشعة تحت الحمراء ورامان. وملف إدخال البيانات هو كالتالي:
باستخدام واجهة جاوسيان فيو ٦ يمكن بسهولة بناء الجزيئات وتحديد طريقة
الحسابات.
شكل ٣-١٧: طيف رامان لجزيء
CCl4،
ويُظهِر أربع حُزَم تمثِّل ٩ حركات اهتزازية (واحدة ذات بُعْد
واحد
A1،
وواحدة ذات بُعْدَيْن E،
واثنتَين من الاهتزازات كلٌّ منهما ثلاثية الأبعاد
T2).
شكل ٣-١٨: يُظهِر حركات الاهتزاز في طيف الأشعة تحت الحمراء وطيف رامان
لأنيون حمض البيركلوريك.
وقد قمنا أيضًا بإجراء الحسابات على أنيون حمض البيركلوريك، وحصلنا على
نتائجَ مشابِهة، لكنَّ الاهتزازات تحدث عند طاقات مرتفعة مقارَنةً بمثيلاتها في
حالة جزيء رابع كلوريد الكربون. ويبيِّن شكل ٣-١٧ أطيافَ
الأشعة تحت الحمراء ورامان لهذا الأنيون. ونلاحظ ظهورَ حركات التشوُّه من النوع
T2 نتيجةَ
التشوُّه في الزوايا ولكن بشدة ضعيفة.
طيف امتصاص وانبعاث الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية
سنعالج الموضوع بصورة عملية تطبيقية. السؤال المطروح في هذا المقام هو كيف نختار
مادة حاجبة لضوء الشمس الضارة في المنطقة فوق البنفسجية من الطيف؟
ومعروفٌ أن المنطقة فوق البنفسجية يمتد طولها الموجي من حوالي ١٠٠ نانومتر وحتى
حوالي ٤٠٠ نانومتر. وتُقسَّم إلى ثلاث مناطق، أكثرها ضررًا للإنسان هي المنطقة
المسمَّاة UVC، كما في شكل ٣-١٩.
وحاجباتُ ضوء الشمس وامتصاص الضوء في هذه المناطق ذاتُ قيمةٍ تطبيقية كبيرة. وقد
تم اختيار عدد من هذه المركبات، والتي يمكننا تسميتها فلاتر أو مرشحات للضوء، وشكل
٣-٢٠ يبيِّن بعضَ هذه المركبات وأطياف امتصاصها. ويمكن
للقارئ التعرُّف على أنسب هذه المواد من حيث شدة امتصاصها للضوء ومدى امتصاصها
للأطوال الموجية غير المرغوب تعرُّض الإنسان لها، وذلك بفحص الأطياف المحسوبة
والمبيَّنة في شكل ٣-٢١.
شكل ٣-١٩: تقسيمات منطقة الأشعة فوق البنفسجية غير المرئية.
شكل ٣-٢٠: بعض الفلاتر الضوئية، وهي مركبات كيميائية عضوية ذات استقرار
ضوئي كبير، ولا يسهل تكسيرها بالضوء الممتص.
شكل ٣-٢١: أطياف الامتصاص الضوئية لحاجبات الضوء، التي تمتص بدرجات مختلفة
في المنطقة فوق البنفسجية. والفاحص يستطيع بسهولةٍ التمييزَ بينها
بحسب الاستخدام المطلوب.
(أ) كيف نحسب طيف «الامتصاص»؟
يبدأ الجزيء في امتصاص الضوء وهو في الحالة الأرضية ذات الشكل الهندسي الأكثر
استقرارًا؛ لذا يستلزم الأمرُ إجراءَ عمليةِ التفضيل أو الحصول على الشكل
الأنسب، التي تُسمَّى Optimization، وذلك قبل
إجراء عملية حساب الطيف.
(ب) كيف نحسب طيف «الانبعاث الفلوريسيني»؟
يبدأ الجزيء في عملية انبعاث الضوء الفلوريسيني، وهو في الحالة المثارة ذات
الشكل الهندسي الأكثر استقرارًا أو الشكل الهندسي الأفضل، كما هو واضحٌ في شكل
٣-٢٢؛ لذا يستلزم الأمر إجراءَ عملية التفضيل أو الحصول
على الشكل الهندسي الأنسب بالعملية التي تُسمَّى
Optimization، وذلك قبل إجراء عملية حساب
الطيف الفلوريسيني. وقد تحدث عمليتَا الحساب في آنٍ واحد كما في الملف
التالي.
شكل ٣-٢٢: يبيِّن انتقالات إلكترونية بين الحالة الأرضية
S0
والحالة المثارة
S1.
والملاحَظ من شكل ٣-٢٢ حدوث الانتقالة الإلكترونية
رأسيًّا بامتصاصِ الضوء A إلى حالةٍ تُسمَّى
فرانك-كوندن (Frank-Condon State, FC) فلا
يتغيَّر شكله الهندسي (أيْ لا يتغيَّر الإحداثي الهندسي الداخلي)، ثم يفقد
طاقةً اهتزازية مغيِّرًا شكله الهندسي الممثَّل في الإحداثي الداخلي ليصل إلى
الوضع الأنسب والأقل طاقةً. عندئذ يبدأ في الانتقال رأسيًّا مشعًّا الضوءَ
الفلوريسيني الممثَّل بالسهم ذي اللون الأخضر. وتمثِّل قيمة
Δ مقدار التغير في الشكل الهندسي بين
الحالة الأرضية والحالة المثارة. ونلاحظ أن الارتفاع
D يمثِّل طاقةَ كسرِ أو تفتُّتِ الرابطة في
حالة كان الإحداثي الداخلي هو طول رابطة. ونلاحظ كذلك أن كلًّا من منحنيات
الطاقة يشتمل على حالات اهتزازية ذات احتمالات حدوث؛ حيث تُعطي احتمالاتها
بمربع القِيَم الظاهرة (مربع المساحات الحمراء)، التي تزداد قيمتها على الأطراف
كلما زاد رقم المستوى الاهتزازي ν.
يمكن ذكر تطبيقات ظاهرة الفلورة أو الانبعاث الفلوريسيني أو الوميض الضوئي
للمراحل المختلفة من التعليم، ويمكن استخدامها أيضًا لمعالجة بعض الموضوعات
المتداخلة؛ على سبيل المثال، صحة العين وتوفير الطاقة. الهدف هو إظهار كيف يمكن
للفلورة أن تساعد الطلاب على التعرف على بعض المفاهيم المتعلقة بشكل أساسي
بفيزياء وكيمياء المواد، من خلال تشجيع دراسة الظواهر والأجهزة القريبة منهم،
وحتى في بيئتهم اليومية. بالإضافة إلى ذلك، نسعى إلى تحقيق ذلك على مراحل
التعليم المختلفة مثل مرحلة ما قبل الثانوي والثانوي والجامعي؛ لأن ظاهرة
الفلورة تمكِّن الطلابَ تدريجيًّا من تعميق معارفهم وفقًا لهذه المراحل
التعليمية.
وتظهر الفلورة في كثيرٍ من مواد الحياة اليومية التي تحيط بالطلبة، مثل
الصبغات المستخدَمة في صناعة بعض أنواع الملابس، وبطاقات الهُوِيَّة، والأوراق
النقدية، والمستندات الرسمية الهامة (منعًا للتزييف)، وغيرها.
(٢) الانتقالات الإلكترونية المُدمَجة بالحركات الاهتزازية: ديناميكا
الحالات المثارة (طيف الامتصاص والانبعاث للجزيئات
الكيميائية)
سنُعنى هنا بحسابات الطيف الإلكتروني المُدمَج مع الحركات الاهتزازية
(Vibronic Coupling)، وسنوضِّح هذا المفهوم
بالإشارة إلى شكل ٣-٢٣، الذي يعطي مزيدًا من التفاصيل مقارَنةً بشكل
٣-٢٢؛ حيث نلاحظ في المنطقة {أ} أن كلًّا من
منحنيات الطاقة في الحالة الأرضية أو المُثارة يشتمل على عدة حالات اهتزازية ذات
احتمالات حدوث [حيث تُعطي احتمالاتها بمربع القِيَم الظاهرة (مربع المساحات الزرقاء)]،
تزداد قيمتها على الأطراف، بينما تقل قيمتها في الوسط كلَّما زاد رقم.
شكل ٣-٢٣: يبيِّن الانتقالات الإلكترونية المُدمَجة مع الحركات الاهتزازية
لامتصاص وانبعاث الضوء، والأطياف الناتجة كحُزَم. لاحِظِ التشابه بين
حُزَم الانتقالات على يمين ويسار الانتقالة
0→0 وكأن الجانبَين منحنى وصورته
في المرآة (Mirror Image).
المستوى الاهتزازي ν من ٠ إلى ١، إلى ٢ وهكذا. وعندما
يمتص الجزيء الضوءَ ذا طول الموجة المناسب (أيْ له الطاقة المساوية أو الأعلى قليلًا
من
الفرق بين الحالة S0 والحالة
S1)، فإن الانتقالات
الإلكترونية تَحدث من مستوى الطاقة الاهتزازي ν = 0 في
الحالة S0 إلى مستويات اهتزازية
مختلفة في الحالة S1؛ مما ينتج
عنها الطيف المحتوي على عدة حُزَمِ امتصاصٍ، وهي الممثَّلة بيانيًّا (بالمنحنى ذي اللون
الأزرق) في يسار المستطيل الدال على الطيف في شكل ٣-٢٣. هذه الحُزَم
الثلاث تدل على اندماج الحركات الإلكترونية مع الحركات الاهتزازية. وما يحدث في المنطقة
{ب} هو عكس ما شاهدناه من عملياتِ المنطقة {أ}؛ فما يحدث
في المنطقة {ب} هو حالةُ فقْدٍ للطاقة الضوئية أثناء الانتقالات
الإلكترو-اهتزازية؛ ليعود الجزيء إلى حالته الأرضية عن طريق إشعاع الضوء (عملية
فلورسنس). الانتقالات الإلكترونية حدثت من مستوى الطاقة الاهتزازي ν =
0 في الحالة المُثارة
S1 إلى مستويات اهتزازية
مختلفة في الحالة الأرضية S0
فنتج عنها الطيف المحتوي على عدة حُزَم انبعاث ضوئي، وهي الممثَّلة بيانيًّا (بالمنحنى
ذي اللون الأخضر) في يمين المستطيل الدال على الطيف. هذه الحُزَم الثلاث تدل على اندماج
الحركات الإلكترونية مع الحركات الاهتزازية.
أجهزة قياس الطيف الإلكتروني المعملية، والتي تُسمَّى سبكتروفوتومترات
(Spectrophotometers) في
عمومها ليس لديها قوة التفريق اللازمة للحصول على هذه الحُزَم، التي حصلنا عليها
نظريًّا في حالة جزيء البنزين المبيَّن في شكل ٣-٢٤، الذي سنعتبره
مثالًا جيدًا سنعالجه بشيء من التفصيل لاحقًا. النتائج المعملية لطيف جزيء البنزين في
مذيب الهكسان تُظهِر حُزْمةَ امتصاصٍ عريضةً واحدة وضعيفة، قِمَّتها عند طولٍ موجي
يُقدَّر بحوالي ٢٢٠ نانومترًا (أيْ ٤٥٤٥٠سم−١ تقريبًا). هذه
الحُزْمة العريضة والضعيفة نتجت عن انتقالة إلكترونية غير مسموح بها من وجهةِ نظرِ
تماثُلِ الجزيء، إلا أنها ظهرَت نتيجةَ اكتسابها قدرًا من السماح باندماج الحركات
الاهتزازية بالانتقالة الإلكترونية.
استطعنا حساب طيف الامتصاص والفلورسنس للبنزين في الحالة الغازية باستعمال حُزْمة
برامج أوركا ٢٫٤. وحصلنا على الأطياف الموحدة الشدة
(Normalized) المبيَّنة في شكل ٣-٢٤.
خطوات الحساب صريحة ومباشِرة، ونعرضها كالآتي:
(١)
نحسب الشكلَ الأمثل وقِيَم الاهتزازات في الحالة الأرضية كما في حالة طيف
الاهتزاز، وملفُّ إدخال البيانات كالتالي:
(٢)
نحسب الشكل الأمثل وقِيَم الاهتزازات في الحالة المثارة، وملف إدخال
البيانات كالتالي:
(٣)
نحسب طيف الامتصاص الديناميكي باستخدام الكلمة الدالة على الديناميكا في
الحالة المثارة (Excited State Dynamics
“ESD”)
وملف الإدخال لإجراء المهمة كالآتي:
ويُخرِج البرنامج ملفًّا يحتوي على طيف الامتصاص، الذي يمكن تمثيله
بيانيًّا كما في شكل ٣-٢٤، باستخدام أي برنامج للرسم
البياني مثل أورجن (Origin). وفيما يلي
عينة من البيانات الرقمية في ملف الطيف
(BENZ-ESD-ABS.Spectrum):
وبنظرة سريعة إلى الأرقام نكتشف أنَّ أي انتقالة لها شدة يكون مصدرُها هو
الاندماج بين الحالة الإلكترونية والحركات الاهتزازية، وذلك بملاحظة أن
مصدر الشدة الكلية هو شدة (HT= Herzberg-Teller vibronic
transition).
(٤)
نحسب طيف الفلورسنس الديناميكي، ويكون ملف الإدخال كالسابق مع تغييرٍ
وحيدٍ هو ESD(FLUOR) بدلًا من
ESD(ABS).
وجب الرجوع إلى وثائق برنامج أوركا ودليلها؛ للمزيد من التفاصيل لهذه الحسابات
الهامة.
نلاحظ من منحنيات أطياف الامتصاص والفلورسنس في شكل ٣-٢٤ أن
الانتقالات 0→0 غير منطبقة بعضها على بعض؛ دليلًا على
أن الشكل الهندسي لجزيء البنزين المُثار مختلِفٌ عن الشكل الهندسي له في الحالة
الأرضية.
ومن مخرجات حسابات الديناميكا في الحالة المثارة معامل مهم، وهو معدل انبعاث الضوء
كما توضِّحه العيِّنة الآتية من المُخرَجات:
ويتضح أن معدل الفلورسنس هو ٢٫٧٠٧ × ١٠٦ ثانية في الحالة
الغازية للبنزين. ولو أردنا معرفة هذا المعدل كدالَّةٍ في المذيب، فكلُّ المطلوب هو ضرب
هذه القيمة في مربع معامل الانكسار للمذيب.
وباتباع الطريقة السابقة يمكن أيضًا حساب معدلات التفسفر
(Phosphorescence) وطيف
الفسفرة إذا كانت الحركة الإلكترونية المغزلية مقترنة بحركة الأوربيتالات
(spin-orbit coupling). للحصول على ذلك، يجب تحديد
ESD(PHOSP) في المدخلات الرئيسية ويجب ذكر الهاسيان
المحسوب سابقًا للحالة الأرضية ground state hessian
(GS) وحالة ثلاثية التعددية المغزلية triplet state
(TS). والأخيرة تُحسب بنفس الطريقة المذكورة سابقًا بتغيير
التعددية الإلكترونية إلى ٣ بدلًا من ١.
وتحتاج أيضًا إلى إدخال فرق الطاقة بين الحالة الأرضية والحالة الثلاثية (دون أي
تصحيح)؛ وذلك بحسابها وإدخال القيمة المُعرفة بالعلامة
DELE.
سنأخذ جزيءَ ألفا-ثنائي أستيل كمثالٍ للمدخلات باستخدام
TDDFT:
وجبَت الإشارة إلى أننا سنحسب للحالات الثلاثية التعددية عدة مرات. والمثال الحالي
يُحسب فقط للحالة الأولى (T1).
وتحدد الحالة بالعلامة IROOT في الطريقة
TDDFT، ونُغيِّرها إلى IROOT
2 أو 3 لحسابات
(T2
وT3) حسب المطلوب.
وكذلك وجبت الإشارة إلى أن الإحداثيات المعطاة هي للشكل الهندسي الأمثل للجزيء في
الحالة الأرضية حيث تتم الانتقالة الإلكترونية إليها في حالة التفسفر.
تتم حسابات معدلات التفسفر من حالات
T1
وT2
وT3 وتُجمع لأخذ
المتوسط للتبسيط والسهولة. وتم الحصول على القيم ٧٫١٧٥ و٠٫٤٥٦ و٣٦٠٫٢٤ ومتوسطها هو
القيمة ١٢٢٫٦ ثانية-١، وهي قيمة تقترب من المقيسة معمليًّا،
خاصةً لو أخذنا في الاعتبار توزيع إسكان الحالات حسب بولتزمان
(Boltzmann population). ويُلاحَظ أيضًا أن التفسفر
نتج من حالات هيرتز برج-تيلر للاندماج بين الانتقالة الإلكترونية والاهتزازية، وذلك
بنسبة ٥٤٪، ومن حالة فرانك-كوندن بنسبة ٤٦٪.
وشكل ٣-٢٥ يُبيِّن طيف التفسفر الذي حصلنا عليه نظريًّا بهذه
الطريقة. طيف التفسفر لثنائي الأستيل يكاد ينطبق شكلًا على المقيس معمليًّا.
ولحساب معدل الانتقالات اللاإشعاعية للعبور بين
الحالات الإلكترونية المختلفة (Intersystem Crossing
(ISC)) نستخدم طريقةً مشابهةً يوضِّحها ملف إدخال البيانات
التالي:
شكل ٣-٢٤: طيف الامتصاص (المنحنى ذو اللون الأزرق) والانبعاث (المنحنى ذو اللون
الأخضر) لجزيء البنزين في الحالة الغازية.
أول ملحوظة نود الإشارة إليها هي ما يخص الإحداثيات؛ ففي هذه الحالة قد اعتبرنا
إحداثيات الجزيء المثالية في حالة التعددية الثلاثية، وهي الحالة التي سينتقل إليها
الإلكترون (يمكنك مقارنة الإحداثيات في كلا الملفين السابقين).
والملحوظة الهامة الثانية هي أن كل حالة ثلاثية التعددية تتضمن مستويات ثلاثة تحتية
موضَّحة في شكل ٣-٢٦.
شكل ٣-٢٦: يوضِّح الحالات البينية المتضمَّنة في الحالة الثلاثية
التعددية.
وبالإشارة إلى ملف الإدخال السابق تُحدَّد هذه المستويات التحتية الثلاثة بالعلامة
TROOTSSL؛ ومن ثم يتم تكرار الحسابات عددًا من
المرات لكل حالة تعددية ثلاثية. ثم تُجمع كلها لتحديد معدل الانتقالة اللاإشعاعية بين
S1
وT1. ويتم تكرار ذلك مع
T2 ومع
T3 وهكذا.
والملحوظة الثالثة هي حساب الفرق بين حالة السينجلت
S1 وحالة التريبلت
T1؛ فهذه تُحسَب من
حسابات طاقة الانتقالات السينجلت والتريبلت عند حساب الاندماج بين الحالات بالعلامة
DOSOC TRUE عند حسابات طيف الفلورسنس أو عند حسابات
الشكل الهندسي الأمثل في الحالة المثارة السينجلت.
ونتائج الحسابات بيَّنت أن حساب معدل الانتقالات اللاإشعاعية بين الحالات التعددية
المختلفة هو:
وهي قيمة تُقارن بصورة جيدة مع المقيس معمليًّا.
ونود الإشارة هنا إلى أن هذه الحسابات المتقدمة تُعنَى بكيمياء الحالة المثارة (علم
الكيمياء الضوئية)، وهي حسابات تستهلك وقتًا كبيرًا وتُعَد مرتفعةَ التكلفة، إلا أن
نتائجها مطلوبة بشدة للتعرُّف على مركبات ومواد فسفورية جديدة ذات قيمة اقتصادية وصديقة
للبيئة. وللمواد الفسفورية العديدُ من التطبيقات الهامة في مجالات مختلفة مثل الإضاءة
بالصمامات الثنائية الباعثة للضوء (OLED)، وفي العديد
من المواد الإلكترونية البصرية، وتُستخدَم كذلك كمجسات للمواد البيولوجية وفي الكيمياء
التحليلية.
الخلاصة
تعرَّفْنا في هذا الفصل على عددٍ من المفاهيم الأساسية الهامة في الطيف، والآن نستطيع
فهم:
(١)
دراسة ومعرفة طرق حساب الأطياف الجزيئية.
(أ)
طيف الأشعة تحت الحمراء وإزاحات رامان (طيف الاهتزاز) لبعض
المركبات البسيطة؛ حيث أخذنا أمثلةً تبيِّن التغيُّرَ في طاقة
اهتزازة الشَّد في الرابطة بين الكربون والأكسجين في مجموعة
الكربونيل في بعض المركبات البسيطة؛ فمع زيادة قوة الرابطة
ومدى سُمْكها (رتبة الرابطة) تزداد الطاقة اللازمة للشد في
الرابطة. ويمكن ملاحظة العلاقة العكسية بين شحنات ذرات الرابطة
ورتبتها بطريقة عددية (كمية) أيضًا، وليس مجرد طريقة وصفية.
(ب)
تعلَّمْنا كيفية التنبؤ بعددِ ونوعِ تماثُل جزيء الماء
باستخدام مبادئ نظرية المجموعات.
(جـ)
حساب طيف الاهتزاز لبعض الأحماض الأكسجينية للكلور، وبعض
الجزيئات الأخرى ذات التماثُل المختلف، وكيفية تحديد جنس
تماثُل الاهتزازات المختلفة وطاقاتها.
(د)
طيف الإثارة الإلكترونية بامتصاص الضوء أيْ طيف الامتصاص
الإلكتروني؛ حيث درَسْنا كيف نختار حاجبات الضوء كمثال تطبيقي.
بعبارة أخرى، استطعنا أن نتنبأ ونختار أحسنَ حاجب للضوء الشمسي
الضار.
(هـ)
عملية حساب انبعاث الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية،
وتعلَّمْنا ملفًا عامًّا لحساب الفلورسن؛ حيث يُشترط الحصول
على الشكل الهندسي الأمثل في الحالة المثارة، التي سينبعث منها
الضوء.
(و)
حساب الأطياف الإلكترونية المُدمَجة بالحركات الاهتزازية
باستخدام ديناميكية الحالات المثارة. فأوضحنا كيف نحصل على طيف
الامتصاص والانبعاث الفلوريسيني والتفسفر ومعدلات هذه
الانتقالات، وكذلك حساب معدلات الانتقالات اللاإشعاعية بين
الحالات الإلكترونية المختلفة (معدل العبور من الحالة الأحادية
التعدد إلى الحالة الثلاثية التعدد). وهذه النتائج قيمة جدًّا
في مجال كيمياء الحالة المثارة (الكيمياء الضوئية).
(٢)
تعتمد الدراسة على الإلمام بمبادئ علم التماثُل في الكيمياء
ومصطلحاته.