سندرس في هذا الفصل حسابات الكم لبعض المواد الفلزعضوية، خاصةً ما يُعرَف باسم مُتراكبات
السندوتش، بهدف التعرُّف على تركيبها والتوزيع الإلكتروني فيها وكيفية ترابطها. وسنتعرَّف
كذلك على بعض المتراكبات غير العضوية، وأثر الذرَّات والمجموعات الطرفية فيها على انقسام
أوربيتالات الفلز الانتقالي، في ضوء نظرية المجال
الليجاندي Ligand Field Theory، ثم نتعرَّض لمتراكبات انتقال الطاقة. وتشمل الدراسة أيضًا
مركبات الاحتواء ذات الأهمية في مجالاتٍ تطبيقية، منها زيادة ذوبانيَّة المُتراكبات التي
تُستخدَم في الصيدلة.
(١) المواد الفلزعضوية
اكتشف العالِم الألماني أوتو فيشر عامَ ١٩٥١ متراكب الحديد مع السيكلوبنتادايين الذي
سُمِّي الفيروسين Ferrocene. حيث تقع ذرة الحديد بين
مجموعتَين من السيكلوبنتادايين؛ مما جعل العلماء يُطلقون على هذه النوعية من المتراكبات
الفلزعضوية اسمَ «متراكبات
السندوتش» sandwich complexes. يصعب تخيُّل نوع الرابطة بين الفلز والمركب العضوي
(الليجاند)؛ لذا سنقوم هنا بعرض صور مرئية لنتائج الحسابات لأسطح الفيروسين والروثاسين
ومتراكب البنزو ثلاثي كربونيل الكروم، لنتعرَّف على طبيعة الروابط وأربيتالاتها
والتوزيع الإلكتروني فيها.
شكل ٤-١: خريطة الجهد الإلكتروستاتيكي لمتراكب كربونيل الكروم مع
البنزين.
شكل ٤-٢
سنأخذ أولًا مُتراكب بنزو ثلاثي كربونيل الكروم،
وهو من المركبات الفلزعضوية، مثالًا لنبدأ به. ولمعرفة أثر وجود الثلاثي كربونيل كروم
على سَحْب أو إعطاء إلكترونات للبنزين، قُمنا بإجراء الحسابات وحصلنا على خريطة الجهد
الإلكتروستاتيكي كما في شكل ٤-١. وبفحص الصورة ومقارنتها بالبنزين
غير المُرتبط، نرى بوضوح أن مجموعات الكربون تظهر باللون الأحمر؛ دليلًا على سَحْب
الإلكترونات من البنزين، الذي أصبح أكثرَ زُرْقة. أيْ أن الصورة تكفي لمعرفة مَن
المُعطي ومَن الساحِب للإلكترونات في هذا المتراكب.
شكل ٤-٣: أوربيتالات الربط بين الكروم وجزيء البنزين ومجموعات
الكربونيل.
شكل ٤-٤: أوربيتالات اللومو غير الرابط بين الكروم وجزيء البنزين ومجموعات
الكربونيل.
يوضح شكل ٤-١ أن البنزين قد فقد قدرًا من إلكتروناته التي
سحبتْها مجموعات الكربونيل في المتراكب (لاحِظْ تغيُّرَ اللون الأحمر في جزيء البنزين
إلى اللون الأخضر، وهو في ترابط مع كربونيل الكروم دليلًا على فقرٍ إلكتروني). ويدل
اللون الأحمر في مجموعات الكربونيل على قُدرتها على سحب الإلكترونات لتصبح غنيةً
إلكترونيًّا.
شكل ٤-٥: تركيب الفيروسين، ويتَّضح أن الحلقتَين العضويتين في وضعِ «ستجرد»
بالنسبة إلى علاقة إحداهما بالأخرى. ويدل لونهما الأحمر على أن
الحلقتين تحملان شحنات إلكترونية.
شكل ٤-٦: عدد من الأوربيتالات الرابطة، والتي تشمل معظم أجزاء
الفيروسين.
وسندرس الآن مركب الفيروسين، وهو يتكوَّن من جزيئَيْن من حلقة السيكلوبنتادايين،
بينهما ذرة من فلز الحديد. وشكل ٤-٥ يبيِّن تركيب هذا الجزيء
المشوِّق وخريطة جهده الإلكتروستاتيكي من منظورٍ رأسي وآخَر جانبي.
أما أوربيتالات الترابط فقد وضَّحْناها في شكل ٤-٦. وفيها نلاحظ
الترابطَ بين الحلقتَين وذرَّة الحديد عن طريق هذه الأوربيتالات المُمتدَّة على كل
الجزيء.
شكل ٤-٧: واحد من الأوربيتالات عكس الرابطة، وهو أوربيتال
LUMO-∝.
أما الحالة الثالثة فهي مركب الروثاسين، وهو يُشبه الفيروسين إلا أن الفلز المُستخدَم
هو عنصر الروثينيم الموجود أسفل الحديد في نفس مجموعته في الجدول الدوري للعناصر،
ويتميَّز عن الفيروسين بطول المسافة بين الليجاندات العضوية، كما أن شكله الهندسي
المثالي يُظهِر تطابقَ مجموعتَي السيكلوبنتادايين إحداهما فوق الأخرى (وضع خسوفِ
مجموعةٍ بمجموعةٍ أخرى).
شكل ٤-٨: تركيب الروثاسين، ويتبيَّن أن
الحلقتين العضويتين في وضعِ خسوفٍ كليٍّ بالنسبة إلى علاقة إحداهما
بالأخرى. ويدل لونهما الأحمر على أن الحلقتين تحملان شحنات
إلكترونية.
شكل ٤-٩: أوربيتال واحد من الأوربيتالات الرابطة وعكس الرابطة.
شكل ٤-١٠: الصورة الهندسية لمجسمات المتراكبات الثلاثة وتماثل أوربيتالات
d على كل فلز فيها.
وللمقارنة من حيث الشكل (انظر شكل ٤-١٠) فقد جمعنا المركبات
الثلاثة السابقة في شكلٍ واحد لتتَّضح صورتها الهندسية، ومن ثَمَّ نوع تماثُلها.
يوضِّح شكل ٤-١٠ الانقسامَ في أوربيتالات
d على ذرات الفلزات الثلاثة بأثر المجال الليجاندي.
هذا الانقسام سيكون بحسب التماثُل الذي يمكن تلخيصه بمجرَّد النظر إلى جداول الصفات
للمجموعات المذكورة في شكل ٤-١٠.
(٢) المتراكبات ونظرية المجال
الليجاندي Ligand Field Theory (LFT)
من المعروف أن فلزات العناصر الانتقالية (الواقعة بين مجمع عناصر
s ومجمع عناصر p،
وتُسمَّى عناصر انتقالية لموقعها هذا) تستطيع تكوين مُتراكبات مع العديد من الجزيئات
الكيميائية، التي تُسمَّى ليجاند. وتكون الرابطة بين الليجاند وبين أوربيتالات
d أو أوربيتالات f
(في حالة اللانثانيدات والأكتينيدات) من النوع التناسُقي؛
حيث تستطيع الليجاند إعطاء زوجَيْن من الإلكترونات
(عدد ٢ إلكترون) إلى الأوربيتالات الخاوية على الذرَّة أو الأيون الانتقالي.
وجود عدد من الليجاندات بالقرب من العنصر الانتقالي يؤدِّي إلى انقسامات في
أوربيتالات الفلز الانتقالي نتيجةَ مجالٍ إلكتروستاتيكي يُسمَّى المجال الليجاندي.
ويُمكن بسهولة معرفة هذه الانقسامات الأوربيتالية وتماثُلها طبقًا لتماثُل
شكل المتراكب، وذلك بالنظر إلى جداولِ السمات،
ومصدرُها هو نظرية المجموعات. وسنوضح لاحقًا مثالًا لهذه الانقسامات في حالة مُتراكب
ثُماني الأوجه.
شكل ٤-١١: تغيُّر مقدار فجوة الطاقة بتغيير الهاليد؛ حيث تتضح قوة الليجاند في
حدوث الانقسام بين أوربيتالات الفلز الانتقالي، التي تسبِّب امتصاصَ
الضوء نتيجةَ الانتقالة الإلكترونية .
تكون هذه المتراكبات في محاليلها ذات ألوان ضعيفة مرئية؛ نظرًا لانتقال الإلكترونات
بين الفجوة الموجودة بين أوربيتالات d نتيجةَ المجال
الليجاندي. هذه الانتقالة الإلكترونية مصدرها الأساسي هو ()، وهي انتقالة محظورة نظريًّا، وتكتسب بعض السماحية عمليًّا نتيجةَ
تشوُّهٍ في شكل الجزيء في صورته الواقعية. وأشهر الأمثلة المتداوَلة هو اللون البنفسجي
الفاتح لمتراكب
الذي يمتص الضوء في المدى الأصفر-الأخضر، وتظهر له حُزْمةُ امتصاصٍ ضعيفة قِمَّتها عند
طول موجي يُقارب ٥٠٠ نانومتر. مصدر الانتقالة هو من أوربيتالات .
فالفلوريد يُسبِّب أقوى انقسام، بينما يُسبِّب الأيوديد أقلَّ فجوة في الطاقة.
وشكل ٤-١٣ يبيِّن أشكالًا مجسَّمة لأوربيتالات
d الخمسة على أيون الكوبالت، المنقسمة بفعل وجود ٦
ليجاندات من أيون الهاليد (مثل الفلورين) إلى فئتَيْن:
فئة eg المكوَّنة
من أوربيتالَيْن، وهي الأعلى في الطاقة.
وفئة t2g
المكوَّنة من ثلاثة أوربيتالات، وهي الأقل في الطاقة (وجب ملاحظة امتزاج
هذه الأوربيتالات بأوربيتالات الليجاند الطرفية).
شكل ٤-١٢: يعطي صورة مجسمة للأوربيتالات المشتركة في الانتقالة الإلكترونية بين
أوربيتالات المواجهة («الهومو» في اليسار، إلى «اللومو» في اليمين)
بتأثير امتصاص ضوء يتناسب مع الفجوة بينهما .
التماثل لن يكون ثُمانيَّ الأوجه مُنتظمًا؛ نظرًا لوجوب التشوُّه الحادث في الجزيئات
اللاخطية، وبالأخصِّ الحالات المُتساوية الطاقة لينخفض التماثُل حول الذرَّة المركزية
كما يُفسِّره مؤثر يان-تيلر. وفي حالة المتراكبات حيث تكون الليجاند جزيئات ماء أو
أمونيا (أو غيرهما من المُعقَّدات الأخرى غير المستوية)، فإن وجود ذرات الهيدروجين
سيُقلِّل من التماثل الكلي للجزيء.
شكل ٤-١٣: يمثِّل الأوربيتالات المنقسمة بفعل المجال الليجاندي.
وشكل ٤-١٤ يبيِّن العلاقة العكسية بين طول الرابطة ومقدار فجوة
الطاقة؛ فالمنحنى «الأزرق» يبيِّن زيادةَ مقدار الفجوة المقدَّرة بوحدات العدد الموجي
(سم−١) كلما صغر طول الرابطة. ونذكر أن الفجوة هي مقدار
الانقسام بين طاقةِ أعلى أوربيتال به إلكترونات HOMO
وبين طاقةِ أقل أوربيتال فارغ LUMO. وبملاحظة شكل ٤-١٤ نجد أن سعة الفجوة بالترتيب: .
ففي حالة الفلوريد تكون الفجوة كبيرة، وتقلُّ في حالة الكلوريد، وتقل أكثر في حالة
البروميد، حتى تصِل إلى أقل فجوة في حالة الأيوديد.
ولنعمِّق من فهمنا، نرى أنَّ لغة الأرقام والأعداد هي لغةٌ كمية وليست وصفية؛ لذا
فجدول ٤-١ يبيِّن هذه العلاقات المبيَّنة في شكل ٤-١٤ رقميًّا.
جدول ٤-١: العلاقات المبيَّنة في شكل ٤-١٤
رقميًّا. تغير خواص المتراكب تبعًا لقوة الليجاند (الهاليد) لمُتراكبات
الهاليد مع الكوبالت الثلاثي.
LUMO-HOMO (eV)
Co-X Bond Length
ELUMO
(eV)
EHOMO
(eV)
Relative Energy (kJ/mol)
Co-X
83251.44
10.32
1.88
3.31
−7.01
−1392429
F
63890.64
7.92
2.366
−0.55
−8.47
−7069710
Cl
57840.39
7.17
2.528
−0.85
−8.02
−4000000
Br
50822.10
6.3
2.766
−1.08
−7.38
0
I
وفي العادة تكون فجوة الطاقة بين HOMO
وLUMO ليست هي نفسها الفجوة بين أوربيتالات
d الخمسة؛ أيْ أنها ليست الفجوة d –
d. هذا يستلزم أن تقتصر الحسابات على أوربيتالات الفلز وبعض
أوربيتالات الذرَّة المركزية على الليجاند، وذلك يتمُّ بطريقةٍ حسابية مُلائِمة، اسمها
المختصر: (CASSCF)؛ أي الفراغ النشط تمامًا للمجال
المُتَّسق ذاتيًّا. فهي طريقة تمكِّننا من اختيار الأوربيتالات المطلوب دراستها، وهي
نفسها المَعنِيَّة بالدراسة. والمثال التالي سيوضِّح ذلك في حالة متراكب النيكل مع
الماء .
شكل ٤-١٤: مخطَّط يبيِّن العلاقة العكسية بين طول الرابطة بين أيون
الكوبالت المركزي وأيون الهالوجين الطرفي (المنحنى الأحمر)، وبين
قوة الليجاند (ويمثِّلها مقدار فجوة الطاقة)؛ حيث يزداد طول
الرابطة بالترتيب من اليسار إلى اليمين: .
طريقة الفراغ النَّشِط تمامًا للمجال المُتَّسق ذاتيًّا Complete Active Space Self-Consistent Field (CASSCF)
هي طريقة متقدمة تجِدها في حُزَم برامج
أوركا وجاوسيان وغيرهما من حُزَم البرامج المستخدَمة في الكيمياء الحاسوبية، وهي من
أدق الطرق الملائِمة لدراسة مُتراكبات العناصر الانتقالية؛ فهي تمكِّننا من اختيار
الأوربيتالات المطلوب دراستها، وتمكِّننا من تحديد مصادر الانتقالات الإلكترونية
بين هذه الأوربيتالات ومعرفة خواصِّها لمُقارَنتِها بالمُقاس معمليًّا.
المثال الآتي سيوضح كيفية استخدام هذه الطريقة.
وملف إدخال البيانات لبرنامج أوركا سيكون كالتالي:
(٣) متراكبات انتقال
الطاقة Energy Transfer Complexes
من المعروف أن أملاح اللانثانيدات يصعب عليها امتصاص الطاقة الضوئية؛ فأيون
اللانثانيد مثل التيربيوم لا يمتصُّ الضوءَ بطبيعته، لأسبابٍ لا يتَّسِع المجال هنا
لشرحها. لكنْ لحُسن الحظ يمكن لأشعة الليزر ذات الشدَّة العالية أن تُجبر التيربيوم على
امتصاص الطول المَوجي المناسب. ومن الظواهر المدهشة ملاحظةُ أنَّ بعض متراكبات
اللانثانيدات تُظهِر وميضًا ضوئيًّا مميزًا بعدَّة حُزَمِ انبعاثٍ ضوئيٍّ محدَّدةِ
المكان (الطول الموجي) في نهاية المنطقة المرئية وتحت الحمراء، إذا ما امتصَّتْ هذه
المُتراكبات الضوء في المنطقة فوق البنفسجية أو حتى المرئية والقريبة من فوق البنفسجية.
يُعزَى ذلك إلى ما يُسمَّى انتقال الطاقة. فكيف يتمُّ انتقال الطاقة؟
شكل ٤-١٥: يُبيِّن أوربيتالات فلزِّ
النيكل (كمثال لأوربيتالات أيِّ عنصرٍ انتقالي آخَر) الناتجة من
حسابات «كاس سكف» على مُتراكب النيكل الثنائي. ويُلاحَظ مساهمة من
أوربيتالات الليجاند في روابط سيجما لأوربيتالات
eg
المُتمركزة على المحورَين «س» و«ص»؛ حيث إنه لا يوجد احتمالات
تكوين روابط باي مع الأوربيتالات المُتمركزة بين المحاور مثل:
(dxy,
dxz,
dyz).
شكل ٤-١٦: مخطط مستويات الطاقة الجزيئية لمُتراكب التيتانيوم مع عدد ٦
ليجاندات. وعلى الدارس المُهتم أن يرجع إلى أحد مراجع تطبيقات
نظرية المجموعات في الكيمياء لمعرفة لماذا نسمي الأوربيتالات
باستخدام جنس تماثلها طبقًا لشكلها الهندسي (مجموعتها)، وكيف
صنَّفنا مجموعة الأوربيتالات لكل الليجاندات مجتمعة إلى:
a1g,
t1u,
eg.
خذْ على سبيل المثال شكلَ مُتراكب التيربيوم مع مركب الكراون إيثر في شكل ٤-١٧. بالفحص نكتشِف أن الكراون إيثر يحتوي على كروموفور (جزء أو
مجموعة قادرة على امتصاص الضوء). عمل هذا الكروموفور يُشبِهُ عمل الهوائي في الراديو
والتليفزيون. فهذا الهوائي يمتصُّ الضوء في المنطقة فوق البنفسجية من الطيف، ثم ينقل
الهوائي طاقة الضوء إلى المستويات المناسبة في أيون التيربيوم، وهي مستويات عالية
الطاقة ولا يمكن ملؤها بامتصاص الضوء المباشر، بل بانتقال الطاقة لها من قِبَل الهوائي
(الكروموفور). عندئذٍ يبدأ أيون التيربيوم المثار في الاسترخاء إلى الحالة الأرضية
بالتخلُّص من هذه الطاقة الزائدة، فيقوم بعملية انبعاث الضوء ليفرغ الحالة المُثارة.
ويمكن حساب طاقة الترابط بين الكراون إيثر وبين أيون التيربيوم باستخدام المعادلة
البسيطة:
حيث القِيَم التي نحصل عليها للطاقات هي:
ومنها نحصل على طاقة الترابط ومقدارها بالكيلوجول لكل مول هو ١٥٣٫٣٦، وهو مقدار يدلُّ
على مُتراكبٍ مستقر نظرًا لانطلاق طاقة عند تكوينه.
ويُمكننا استخدام هذه الظاهرة في التعرُّف على بعض الأدوية، خاصةً بمقادير مُتناهية
في الصغر تصِل إلى النانو جرام (جزء من ألف مليون جزء من الجرام). فبعض الأدوية لديها
القدرة على تثبيط الانبعاث الضوئي بصورة كمية؛ فدواء النالبوفين nalbuphine مثلًا يُعَد من المُخدرات التي تظهر في دم المتعاطي
بكميات صغيرة يصعب الكشف عنها.
وتساعدنا كيمياء الحاسوب في التعرُّف على خريطة التوزيع الإلكتروني لمعرفة ميكانيكية
التفاعل بين متراكب التيربيوم مع الكراون إيثر، ومع النالبوفين كما في شكل ٤-١٨. حيث يمكن معرفة أحسن أماكن التفاعل، التي ينتج عنها تثبيط في
شدَّة طيف الانبعاث الضوئي لأيون التيربيوم في المتراكب، وذلك بزيادة إضافة المخدر إلى
محلول المتراكب الانبعاثي. نرى من شكل ٤-١٨ أن إحدى مجموعات
الهيدروكسيل ذات الكثافة الإلكترونية العالية (الأكثر احمرارًا) تستطيع التفاعل مع أيون
التيربيوم المُوجَب (اللون الأزرق في منتصف المتراكب)؛ فيتكوَّن متراكب جديد من الدواء
ومن متراكب التيربيوم كما في شكل ٤-١٩. وهذا يتسبَّب في تفريغ طاقة
التيربيوم بنقل الطاقة مرة أخرى إلى الدواء، الذي يقوم بإهدارها حراريًّا.
شكل ٤-١٧: يبيِّن [من اليسار] الجزءَ الذي امتصَّ الضوء الساقط عليه، ثم يقوم
الهومو المملوء بالإلكترونات بنقل الطاقة الضوئية المُمتصَّة إلى
اللومو المتمركز على أيون التيربيوم. ويقوم أيون التيربيوم بتفريغ هذه
الطاقة على هيئةِ وميضٍ ضوئي على شكلِ حُزَمٍ ذات أطوال موجية مميزة في
المنطقة الحمراء من الضوء المرئي، كما يظهر في الطيف الموجود في يمين
الشكل.
شكل ٤-١٩: يظهر تفاعل النالبوفين مع التيربيوم كراون إيثر.
(٤) متراكبات الاحتواء
احتواء بعض المواد داخل فراغ البيتا-سيكلوديكسترين
إن احتواء بعض المواد داخل فراغ البيتا-سيكلوديكسترين يُستخدَم عادةً في نقل
الدواء وزيادة الذوبانية للعديد من المركبات الهامة، سواء في صناعة الأدوية أو
الصناعات الأخرى. فيمكن للسيكلوديكسترين كإحدى هذه المواد الاحتوائية أن ينقل
الدواء إلى أماكن مُعينة داخل جسم الإنسان دون أن يتأثَّر بالوسط المُحيط. وللمزيد
من التطبيقات ومعرفة أنواع المواد الاحتوائية، يُرجى الرجوع إلى المراجع
المَعْنية.
هنا نستخدم طريقةً مُتقدمة للحسابات كي نستطيع التعامل مع مثل هذه النوعية من
المركبات الكبيرة والمعقدة؛ فجزيء البيتا-سيكلوديكسترين — وهو من السكريَّات
الصديقة للبيئة وغير ضارٍّ صحيًّا — يحتوي على ١٤٧ ذرة و٦٠٢ إلكترون. هذا بجانب
احتوائه على جزيئات مُتراكبات للكوبالت أو للنحاس.
شكل ٤-٢٠: الشكل الهندسي الأمثل لمتراكبات الكوبالت والنحاس مع الليجاند
للأحماض الأمينية المُختلطة.
شكل ٤-٢١: جزيء البيتا-سيكلوديكسترين ويظهر الفراغ الكبير داخله.
شكل ٤-٢٢: متراكب الكوبالت المحتوى داخل البيتا-سيكلوديكسترين. الخطوط
المتقطعة تُظهِر الروابط الهيدروجينية بين متراكب الكوبالت
والبيتا–سيكلوديكسترين.
الطريقة المتَّبعة هي تقسيم المتراكب إلى طبقتَين؛ طبقة داخلية تحتوي على
المتراكب الذي يُراد احتواؤه، وطبقة أخرى خارجية تتكوَّن من البيتا-سيكلوديكسترين.
يُمكِّننا برنامج جاوسيان من اختيار كل طبقة على حِدة
ONIOM. والطبقة الداخلية المطلوب حسابها بدقَّة
كبيرة تُسمَّى نتائجها بالنتيجة العُليا، وفيها نستخدم دالية متقدمة وعددًا وافرًا
من فئة الأوربيتالات الأساسية، وهي بطيئة حسابيًّا. أما الطبقة الخارجية فنختارها
للمعالَجة بطرق الحساب شِبه الوضعية السريعة نسبيًّا Semiempirical
methods.
وكما حسبنا من قبل، فطاقة الترابط هي الفرق بين طاقة المتراكب وطاقة مكوناته
الحرة:
وكذلك يمكِّننا البرنامج من حساب قيمة فرق الطاقة الحرة لجيبس من حسابات
الديناميكا الحرارية:
الخُلاصة
بعد دراستنا لهذا الفصل نستطيع معرفة الآتي:
(١)
حسابات الكم لبعض المواد الفلزعضوية بهدف التعرُّف على تركيبها والتوزيع
الإلكتروني فيها، وأي الأجزاء تكون مُستقبلة للإلكترونات وأيُّها تكون
مُعطية لها، كما في حالة مركب بنزو ثلاثي كربونيل الكروم.
(٢)
تعرَّفنا على مُتراكبات السندوتش للحديد والروثينيم (وهي الفيروسين
والروثروسين)، وكيف تترابط المجموعات العضوية مع الفلز مكوِّنةً السندوتش
وبداخلها الفلز.
(٣)
تعرفنا على بعض المتراكبات غير العضوية مثل هاليدات الكوبالت، وأثر
الذرَّات والمجموعات الطرفية فيها على انقسام أوربيتالات الفلز الانتقالي،
في ضوء نظرية المجال
الليجاندي Ligand Field
Theory.
(٤)
تغير طول الرابطة بين الليجاند والفلز المركزي، وأثر ذلك على الفجوة
الإلكترونية.
(٥)
طبيعة الانتقالة الإلكترونية المُسبِّبة لِطَيف الامتصاص
الإلكتروني.
(٦)
متراكبات انتقال الطاقة، ودرَسْنا مثال التيربيوم والكراون إيثر، وكيف
نُطبِّق طَيف انبعاثه في تعيين تركيزات ضئيلة من دواءٍ مُخدر.
(٧)
عرفنا ما هي مركبات الاحتواء ذات الأهمية في مجالات تطبيقية منها زيادة
ذوبانية المتراكبات، التي تُستخدَم في الصيدلة.