الفصل السابع عشر
اندهش ديفينش من الاكتشاف الذي توصلوا إليه بخصوص السيدة هوو وأنشطتها المشبوهة بقدر أكثر مما كان ليعبأ بالاعتراف به. ولكنه لم يكن يعرف الكثير عن السيدة، وكان من المحتمل جدًّا أن الفتاة الراحلة، الآنسة تيومر، لم تكن تعرفها أكثر منه. ربما تكون صديقًا لشخص مريب لسنوات دون أن تعرف ذلك. من ناحية أخرى، كان ثمة احتمال أيضًا أن الآنسة تيومر كانت تعرف هذا، وأنهما — كما ألمحَ إلى السيد ميليس — كانتا متواطئتين في التخطيط لابتزاز القتيل، ماندر.
بعد بُرهة من التفكير، قرَّر ديفينش زيارة كيفيم. وذهب إلى منزله ووجده هناك، واستقبله المدير بتَرحاب كبير. في الواقع، بدا له أن حُزن كيفيم قد تبدَّد قليلًا أثناء الأيام القليلة الماضية، بغضِّ النظر عن السبب المحتمَل وراء ذلك.
وبعد أن تبادلا حديثًا قصيرًا عابرًا، قبل المحقق سيجارة، وتحدث عن مقابلته السابقة مع السيدة هوو. كان يراقب وجه الرجل الآخر، ولاحظ أن كيفيم بدأ يهتم بشخص الصحفية، وبأمر لا صلة له بالقضية نفسها.
قال في نفسه إنه ليس من المستبعد مطلقًا أن يكون اكتشاف تآمر إيفي تيومر مع ماندر قد قتل حب كيفيم لها.
إن المرء لا يحزن على ما كف عن حبه، وإن كان تفسير ديفينش للمسألة صحيحًا، فإن الرجل كان يجد بعض العزاء بالفعل في صحبة السيدة الجديدة التي تبدي تعاطفًا تجاهه، وهو أمر طبيعي تمامًا في ظل هذه الظروف.
قال في تأمل: «أتساءل إن كانت السيدة هوو تعرف الآنسة تيومر الراحلة منذ فترة طويلة؟»
عبس كيفيم لدى ذكر الاسم. ثم ردَّ قائلًا: «أظن منذ عدة سنوات.»
اندهش ديفينش. وتساءل: «هل أنت متأكد من ذلك؟»
حدَّق إليه الآخر في اندهاش. وأردف قائلًا: «لست متأكدًا تمامًا. أظن ذلك. أظن أنهما لم تلتقيا منذ سنوات عديدة، ولكن أعتقد أنهما كانتا في نفس المدرسة بالريف. وعندما شاركت السيدة هوو في إجراء الدِّعاية الصحفية للشركة، استأنفتا صداقتهما القديمة. لماذا تسأل؟»
«حسنًا، أريد أن أحصيَ جميع الشهود بقدر الإمكان يا سيد كيفيم. والسؤال هنا متعلق بشخصية الآنسة تيومر. فمن لم يعرفها إلا لفترة قصيرة ربما لا يفهم الكثير عنها.»
اكفهرَّ وجه كيفيم وعضَّ شفته. وقال: «شخصية!»
«أنت تعرف ما أقصده. هناك نوعيات معينة من الأشخاص أكثر عرضة للموت جراء العنف عن غيرهم، حتى في هذا البلد الخاضع للقانون. فهناك نساء من فئة معينة دائمًا ما يمثلن نسبة كبيرة من ضحايا جرائم القتل، يليهن المبتزون على ما أظن. إنهم لا يُفلتون في الواقع؛ لكن حتى لو أفلتوا، فالدافع إلى …»
صاح كيفيم وقد بدا عليه الانزعاج بشدة قائلًا: «تمهل لحظة أيها المحقق. أنا حقًّا مندهش أن أسمعك تذكر الابتزاز. لديَّ الكثير لألوم إيفي … أقصد الآنسة تيومر عليه، ولكن ما كنت أبدًا أتصور أنها قد تتحول إلى ذلك.»
كان ديفينش واثقًا من أن الرجل يتحدث بصدق. فعلق قائلًا: «ربما لا، ولكن هل فكرت في الظروف الغريبة المحيطة بعَلاقة الآنسة تيومر بك وبعلاقتها بالسيد ماندر؟ لقد تقدمت إليها للزواج ووافقت مؤخرًا. أظن أنك اعتبرت أن ذلك يعني أنها كانت تحبك.»
قال كيفيم وقد غض صوته: «ظننت ذلك.»
«ولكن رغم أنها وافقت عليك، كانت تزور السيد ماندر، ويبدو أنها كانت ترتب للهروب معه إلى الخارج. لماذا إذن وافقت عليك؟ أظن أنها لم تكن مجبرة على ذلك، أليس كذلك؟»
«بالطبع، لم تكن مجبرة. وكيف لها أن تكون؟»
حكَّ ديفينش ذقنه. ثم قال: «هل بدت عليها أمارات حب أو عاطفة تجاهك؟ أقصد أن أقول: هل أعطتك انطباعًا بأنها تتمنَّى حقًّا أن تتزوجكَ؟»
قال كيفيم: «أجل، كانت بالنسبة إليَّ كل ما كان بوسعها أن تكونه»، ثم أضاف بنبرة أشبه بأنين قائلًا: «في ذلك الوقت.»
«أفهم ذلك. حسنًا، سيد كيفيم، أنت تعرف مثلما أعرف أنا أيضًا أن امرأة ربما تكون محتالة محترفة بطرقٍ شتى، ورغم ذلك تقع في حب رجل بصدق. ثمة مجرد احتمال فحسب بأن الآنسة تيومر كانت تحاول ابتزاز ماندر، لتقوده إلى الاعتقاد بأنها ستسافر معه إلى الخارج إلى أن ارتكب الخطأ الأخير والقاتل الذي ارتكبه ليس فقط بالتقدم من أجل الحصول على جواز سفر له، بل للتقدم للحصول على جواز سفر للآنسة تيومر باسم مزيف. فقد كانت صورتها موجودة على جواز السفر بالطبع.»
«لكن لماذا؟ أنا لا أرى العَلاقة بين هذا وبين الابتزاز.»
«أظن أن الصلة واضحة. فوجود جواز السفر هذا كسلاح جعلها تستطيع تهديد ماندر في أي وقت.»
«ولكني ظننت أن من المستحيل أن تكون هذه جريمة قتل وانتحار أيها المحقق.»
قال ديفينش: «حسنًا، علينا أن نختبر جميع الافتراضات، ولكن سننحي هذا جانبًا الآن. هل التقيت بالسيدة هوو مؤخرًا؟»
احمرَّ وجه كيفيم قليلًا. كان من السهل ملاحظة أن السيدة الجميلة الشابة قد تعاطفت معه على نحو أتى ثماره للغاية.
«أوه، أجل، التقيتها عدة مرات أيها المحقق. لقد كانت لطيفة للغاية. ورأيت شيئًا من لطفها حين كانت إيفي على قيد الحياة، ولكن لم أتخيل أبدًا …» وكبح جماح نفسه وازداد وجهه حمرة.
«أتفهَّم ذلك. مَن في رأيها وراء هذه المؤامرة مع ماندر؟ أولم تذكر لك شيئًا عن هذا؟»
«أخشى أنها تظن أن إيفي كانت تنوي الهروب مع الرجل.»
«ليس لديها أي افتراض آخر يفسر الأمر؟»
«لم تذكر لي شيئًا، أنا واثق من ذلك.»
كان ديفينش متأكدًا من أن السيدة هوو متورطة في القضية بشكل أو بآخر. فلم تذكر له حقيقة أنها كانت ترتاد المدرسة نفسها مع إيفي، وهو تكتُّم خطير. إذن، فلماذا كانت تتواصل مع السيد كيفيم؟ هل لأنها كانت تشك في ارتكابه الجريمة، أم لأنها ببساطة وقعت في حبه؟ كان ثمة قدر من المنطق في هذه الفرضية الأخيرة؛ نظرًا لأن السيدة هوو كانت تتحدث باستخفاف وازدراء عن تيومر بينما تتظاهر بالإعجاب بها والانجذاب لها. ربما تكون الغَيرة وراء ذلك؛ ذاك الشبح المزعج المندس خلف الكثير من الصداقات الظاهرية متربصًا بها بلا هوادة.
لكن ديفينش لم يكن يرغب في أن يوليَ كيفيم أهمية أكثر مما ينبغي لذلك الجزء من حديثهما الذي تناول السيدة هوو. لعله يعيد الحديث نفسه على مسامع السيدة، وهو ما سيكون مزعجًا للغاية. فإذا به يُغيِّر الموضوع فجأة.
«حسنًا يا سيد كيفيم لست بحاجة لأن أخبرك أن عدم وجود حُجة غياب لديك في مساء الأحد، وحقيقة أن خطيبتك كانت تحيك مؤامرة مع ماندر، يُعقِّد موقفك نوعًا ما. وإن لم يكن لك يد بالجريمة، كما أميل إلى الاعتقاد، فلا يزال من المحتمل أن ثمةَ طرَفًا ثالثًا كان يعرف بالمؤامرة ولن يعزف عن إلقاء اللوم عليك.»
حدَّق إليه كيفيم. ثم عقَّب قائلًا: «حريٌّ بي أن أقول إنني لا أعرف أحدًا من شأنه أن يحيك ضدي خدعة بغيضة كهذه. يا إلهي، سيكون هذا أسوأ من محاولة قتلي بدم بارد.»
«إذن ليس لديك أعداء؟»
«ليسوا من هذه النوعية، حمدًا للرب.»
«فهمت من السيد كرايت أنك لم تكن على وفاق مع السيد كين، أليس كذلك؟»
أومأ كيفيم. وأردف قائلًا: «هذا صحيح. كين وغد، ومتغطرس لعين. لا أستطيع تحمُّل التعامل معه بأي ثمن. لمجرد أنه التحق بمدرسة خاصة ثم التحق بالجيش …»
قاطعه ديفينش. «تنتابك مشاعر حادة تجاهه، أليس كذلك؟»
مال كيفيم إلى الأمام، وعقد راحتَي يديه ثم قال: «بالفعل. كين شخص حقير، ولكن لم أكن لأُصدِّق أبدًا أنه بهذا الشكل من الحقارة. لن أصدق هذا أبدًا عنه.»
كان ديفينش على وشك الرد عليه حين رن جرس الهاتف. فاستأذن كيفيم، وخرج إلى الرَّدْهة. ثم أغلق الباب خلفه، وكان ديفينش على وشك النهوض والتوجه إلى الباب حين عاد بسرعة، وقد بدا شاحبًا ومضطربًا.
قال: «لقد أغلقت الخط في وجهي. لا أستطيع أن أفهم ماذا حدث.»
تساءل ديفينش بحدة قائلًا: «مَنْ؟»
«السيدة هوو. عندما رفعت سماعة الهاتف بدأت تخبرني عن شيء بخصوص الشرطة؛ سألتها هل آتيكِ؟ ثم قالت بصوت هادر: «إنهم هنا!» ثم وضعت السماعة، ولم أستطع الاتصال بها مرة أخرى.»
أومأ ديفينش. ثم قال في هدوء: «سأجرب مرة أخرى بالنيابة عنك خلال بضع دقائق. إذا كان هؤلاء رجال الشرطة، فسيجيبونني.»
فرك كيفيم يديه بعصبية، وبدا عليه الانفعال الشديد. كان من الواضح أنه لو لم يكن قاتل السيد ماندر — وهو ما من شأنه أن يفسر خوفه هذا — فقد كان قلقًا على السيدة هوو.
«ولكن ما الذي تريده الشرطة منها أيها المحقق؟ ولماذا تتحدث عنهم بهذا الذعر؟ ليس لديها أسباب مثلي تجعلها تهاب رجالك، بما أنني قد أكون من المشتبه بهم، ولكني لم أصرخ بهذا الجنون حين جئتني.»
قال المحقق: «النساء بطبيعتهن أكثر توترًا حين يتعلق الأمر بالشرطة. اجلس يا سيدي، ولا تبالغ في قلقك.»
«ولكن السيدة هوو صديقة عزيزة بالنسبة إليَّ. لقد كانت تتعامل بلطف شديد منذ وقوع هذا الحادث المروع …»
«أعرف ذلك يا سيدي. وأقدر مشاعرك تمامًا، ولكن ربما يكون رجالنا حريصين على استجوابها بخصوص الآنسة تيومر.»
غير أن كيفيم لم يقتنع بالرد. وأردف يقول: «هذا بالتأكيد كل ما يمكنهم فعله. فليس لديهم أدنى سبب للقيام بالمزيد.»
أمضى ديفينش بضع دقائق في محاولة تهدئته. وفي النهاية، نهضَ من مكانه.
«حسنًا يا سيدي. سأتصل على هاتف شقتها الآن لأُطمئنك. انتظر هنا من فضلك حتى أعود.»
لم يجد صعوبة في الاتصال بشقة السيدة هوو، ولكن كان الصوت الذي أجابه صوتًا مألوفًا لأحد زملائه من سكوتلانديارد.
«أوه، هذا أنت يا ديفينش؟ جيد! من الذي اتصلت به السيدة قبل بضع دقائق؟»
أجاب المحقق قائلًا: «السيد كيفيم. عرفت لأنه موجود معي الآن. أنا أتحدث من شقته. لا أظن أنك كان لديك الوقت الكافي لتكتشف أي شيء بعد، ولكن …»
رد زميله مبتهجًا. فقال: «أوه، لقد اكتشفنا شيئًا بالفعل. لقد ارتعدت من الخوف عندما اقتحمنا المكان، وبدلًا من أن تتعامل مع الموقف بهدوء، هُرعت من الهاتف إلى غرفة نومها.»
«تصرُّف ساذَج منها.»
«هذا صحيح. هُرعت خلفها، واستطعت منعها بصعوبة من إلقاء مظروف على السطح الرَّصاصي لفتحة المدخنة بالأسفل.»
«أوه، حسنًا! أوراق خاصة بتلك القضية المجتمعية التي كنت تحقق فيها، أليس كذلك؟»
«كلا. لم نتوصل إليها بعد، ولا أظن أنها رأت هذا الأمر مُلحًّا للغاية. لقد وضعت هذا المظروف أسفل لوحة التحكم في تدفق الهواء الخاصة بالمدفأة.»
صار ديفينش متحمسًا للغاية. «ليست قضيتي بأي حال؟»
رد الصوت بنبرة مبتهجة. «حريٌّ بي أن أقول إنها تبدو كذلك بالفعل! لا توجد أسماء مذكورة، فقط الحرف الأول «م». سأوضح لك فيما بعد، أو إذا كنت ترغب في المجيء إلى هنا …»
قال ديفينش: «لا تدعها تغادر. ضع رجلًا للحراسة، على الباب الخلفي والأمامي، عندما تغادر. لا أستطيع أن أغادر الآن، ولا يمكننا احتجازها. لم تكتمل قضيتي بالدرجة الكافية، وفي قضيتك يجب التكتُّم على الأمر.»
ضحك المحقق الآخر. «حسنًا. سأتأكد من عدم هروبها. إنها نوعية مذهلة من النساء أيضًا. لقد نفذت الكثير من وقائع الابتزاز القاسية، وعندما واجهناها بالأدلة، كادت تدخل في نوبة هيسترية. تكره تناول الأدوية البغيضة، ولكنها لا تمانع إعطاءها. يا لها من قطة صغيرة دنيئة وقاسية!»
لم يَعُد في مقدور كيفيم التحكم في شعوره بالقلق. وعندما وضع ديفينش سماعة الهاتف، خرج إلى الرَّدْهة.
تساءل في استعجال: «آمل أن يكون كل شيء على ما يرام؟»
تقدمه ديفينش عائدًا إلى الغرفة وأغلق الباب.
وقال في تمهُّل: «ليس على ما يرام تمامًا. حسنًا، سيد كيفيم، أريدك أن تعدني بعدم زيارة السيدة هوو، أو السماح لها بزيارتك هنا حتى أصرح لك بذلك. لا أرى أن هذا سيفيد بشيء سواء لها أو لك.»
صاح كيفيم في ارتباك: «ولكن ما الخطب؟»
هزَّ ديفينش رأسه. وقال: «ليس مسموحًا لي أن أخبرك الآن. سيسعدني أن أخبرك فور أن يتاح لي ذلك.»
بدا كيفيم مذهولًا. دفن رأسه بين يديه، وحدَّق بعينيه إلى الأرض في غضب. ثم رفَع رأسه ثانية.
«الأمر لا يتعلق بالقضية بالطبع، أليس كذلك؟»
أجاب المحقق بجِديَّة: «بل له عَلاقة كافية بالقضية تجعل من المستحسن عدمَ زيارتها في الوقت الحالي، أو الاتصال بها بأي وسيلة. إذا تواصلت معها، فربما يؤدي هذا إلى مشكلة.» ثم أضاف: «لا بد أن أنصرف الآن»، ونهض من مقعده.
أومأ كيفيم، ولكنه لم يبرح مكانه. وسواء أكان بريئًا أم مذنبًا، فقد بدا أنه مُحطَّم تمامًا إثر هذا التطور الجديد في مسار القضية.