الفصل الحادي والعشرون
شعر ديفينش أنه سمع اسم مينَّا لاردر من قبل. لكن لم يستطع أن يتذكر أين سمعه تحديدًا. وبينما هو في طريقه، لم يسعَ إلى تخمين الدَّور الذي ربما لعبته هذه السيدة في ملهاة السيدة هوو هذه. فقد احتفظ بعقل متفتح لكل الاحتمالات حتى يلتقيَ بالسيدة نفسها ويكتشف من هي وما قصتها.
عندما وصل بعد بضع دقائق وسمحت له خادمة ترتدي ثوبًا خزاميَّ اللون، بدأ يفهم ما كان مستغلقًا عليه. فالغرفة التي سُمح له بالجلوس فيها كانت مليئة بالمزيد من الأضواء. وأدرك في تلك اللحظة أنه رأى اسم الآنسة لاردر على لوحة إعلانية لإحدى المسرحيات. وأثناء انتظاره، أخذ يفحص في تأمُّل الصور الفوتوغرافية المختلفة الموجودة بالغرفة للآنسة لاردر في أدوار من مسرحيات شكسبير، كما ظل يدقق النظر في وجهها الهادئ الذي يشعُّ ذكاءً، وعينيها الواسعتين، وجبهتها العريضة، وفمها الجميل المزموم.
قال محدثًا نفسه بينما هو عائد إلى مقعده: «إنها هي بالتأكيد. إنها الممثلة التي شاركت في الجولات المسرحية التي تعرض مسرحيات شكسبير، وحققت نجاحًا كبيرًا لدرجة أنها حصلت على دَور الأم الشابة بمسرحية «أيام التيه». لكن ما عَلاقتها بهذه المسألة؟»
ظلَّ منتظرًا خمس دقائق، بعدها فُتح الباب، ودخلت الآنسة لاردر وألقت عليه التحية.
كانت بنيتها الجسمانية كما في الصور، وكان صوتها عميقًا وهادئًا، أما أسلوبها فكان محسوبًا للغاية بحيث يمكنها التخفيف من توتُّر أي زائر مهما بلغ توتُّره.
سألت وهي تشير إليه ليجلس: «هل أنت المحقق ديفينش؟»
قال: «نعم يا سيدتي.»
قالت وهي تجلس بخفة وتسمح لابتسامة باهتة بالظهور على شفتيها الرقيقتين: «لقد اندهشت بعض الشيء عندما أخبرتني خادمتي بقدومك. أنت متأكد من أنك تحمل هذه الرتبة، أليس كذلك؟»
أخرج وثائق إثبات شخصيته، وأخذت تفحص البطاقة ببعض الحَيرة مع اختلاس نظرة سريعة إليه من حين لآخر. قرأ في سلوكها شعورًا بالدهشة وقدرًا من الانزعاج.
سألت وهي تُنعم النظر بوجهه في تأمل: «إذن أنت من اتصل بي منذ قليل؟»
«نعم. لقد طرحت عليكِ سؤالًا يا سيدتي، وأخشى أنني لم أحصل على إجابة صادقة تمامًا.»
ابتسمت مرة ثانية، ولكن ليس بتلك الدرجة من الثقة التي كانت عليها من قبل. قالت: «حسنًا، كنت أظنها مجرد دعابة. أصدقك القول أيها المحقق، لقد جعلتني صديقتي ووكيلة الدِّعاية الخاصة بي، السيدة هوو، أظن أن الأمر كله دعابة ليس أكثر.»
أومأ برأسه. وقال: «لقد اتصلَت بكِ بناءً على طلبي يا سيدتي. لكنها تحدثت إليك قبل أن أتحدث إليك. إذا أخبرتِني بمضمون تلك المحادثة القصيرة، فإن ذلك سيساعدني، ويُعفيك من أي مسئولية.»
عضَّت الآنسة لاردر شفتها. وقالت: «لا أعلم إن كانت السيدة هوو ترغب في ذلك.»
«معذرة، لكن من الضروري أن تفعلي ذلك. فأنا أُجري تحقيقًا مهمًّا، والأمر وثيق الصلة بذلك يا سيدتي.»
أخذت تفكر في صمت بضع دقائق، ولم يقاطعها ديفينش. بدا الأمر له وكأنها تتعمق في غياهب الذاكرة بحثًا عن شيءٍ ما. وعندما عادت لتنظر له مرة ثانية، لاحت في عينيها نظرة أخبرته أنها تذكرت الآن من يكون والقضية التي يعكف على التحقيق فيها. لكنها لم تعلق على ذلك، فقط بدت جادة وقلقة عندما ردت أخيرًا.
قالت: «حسنًا. لقد اتصلت بي السيدة هوو وقالت إنها وشخصين أو ثلاثة آخرين كانوا يمزحون مع بعض الأصدقاء. وقد اخترعت شخصية أمير روسي يدعى تشافالز. وأحد أصدقائها لا يعتقد في وجود هذا الرجل. وسألتني عما إذا كنت أمانع في قول إنني أعرف الأمير وإنها قابلته في منزلي.»
«فهمت.»
«قالت إن صديقها هذا، الذي كان مدمنًا للمُزاح، ربما يقول إنه محقق من مكتب سكوتلانديارد. فكان عليَّ توقُّع ذلك، وفَهم أن هذا كلَّه جزء من الدعابة. بعدها اتصلت أنت، وأخبرتني باسمك، وبطبيعة الحال أعطيتك الإجابة التي طُلبت مني. أتمنى ألا أكون قد أخطأت في شيء؟»
طمأنها قائلًا: «على العكس، لقد قدمتِ لي مساعدة عظيمة جدًّا. أتسمحين لي أن أسأل عما إذا كنتِ تعرفين السيدة هوو منذ فترة طويلة؟»
قالت: «منذ ستة أشهر فقط. عندما تركت الأقاليم وحصلت على فرصتي في المدينة، عرفتني عليها سيدة في النادي الذي أرتاده. سمعت أنها صحفية وعلى استعداد للعمل كوكيلة دعاية في بعض الأحيان. وجدتها لطيفة جدًّا، بل رائعة إلى حدٍّ ما من نواحٍ عدة. لكنني لا أعرف عنها شيئًا أكثر من ذلك.»
صدقها ديفينش. وقال كذبًا: «وهذا كل ما أعرفه أنا أيضًا. من الواضح أنه كان ثمة سوء فهم يا سيدتي. لكنك ساعدتِ بدرجةٍ ما في توضيحه وإزالته، وأنا ممتن لك كثيرًا.»
ألقى ديفينش التحية وغادر، وبينما هو في منتصف الطريق للباب الأمامي سمع جرس الهاتف يدقُّ بالأعلى. كانت الخادمة ترافقه إلى الخارج، لكنه تركها تلهث على الدَّرَج، وصعِد مهرولًا مرة أخرى إلى الغرفة التي غادرها للتو. جلس وانتظر. كان الهاتف في غرفة مجاورة مباشرة. في هذه اللحظة سمع صوت غلق سماعة الهاتف، ثم صوت الخادمة تتحدث إلى الآنسة لاردر.
أتت إليه الآنسة لاردر على الفور. بدت شاحبة ومنفعلة.
صاحت قائلة: «ما معنى ذلك أيها المحقق؟ لقد اتصلت بي السيدة هوو مرة ثانية للتو وطلبت مني ألا أخبر أحدًا بما قالته لي حال قدوم أحدهم ليسألني. وعندما أخبرتها أنك كنت هنا للتو، صاحت، ولم تقل شيئًا بعدها.»
أجابها قائلًا: «هذا يعني يا سيدتي أن السيدة هوو ليست صديقة أو وكيلة دعاية مناسبة لك. لقد كانت تحاول تضليلي، وبلغت بها الوقاحة أن تجعلك طرفًا في هذه المحاولة. أتمنى أن تتفهمي أنه لا يسعني التصريح بالمزيد في الوقت الحالي سوى الاعتذار عن تطفُّلي للمرة الثانية، والمغادرة.»
غادر بالفعل هذه المرة، واستقلَّ سيارة أجرة أخرى، وعاد مسرعًا إلى شقة السيدة هوو. وعندما نزل عند باب المبنى، اقترب منه الرجل ذو الملابس المدنية، الذي تحدث إليه من قبل.
قال هذا الرجل: «لقد خرجت للتو يا سيدي، وبدت محبطة. تتبعتها، وأخشى أنني تصرفت بحماقة وجعلتها تلاحظ أنني أتعقبها. لذا بعد أن قطعت مسافة نحو مائة ياردة، غيرت رأيها وعادت مرة أخرى.»
قال ديفينش مبتسمًا: «حمدًا لله على حماقتك! لقد عادت بفائدة هذه المرة! لكن فيما بعد، عليك أن تراقبها كظلها، ولا يهم إن رأتك أم لم ترَك. لا تدعها تغيب عن ناظرَيك!»
أومأ الرجل ثم انصرف. صعِد ديفينش إلى الشقة، ودق الجرس. لم يكن هناك رد. أخذ يقرع الجرس لعدة دقائق، وما زال لا يوجد رد. كان سيجد صعوبة في تبرير تصرفه التالي على المستوى الرسمي، لكن الضباط المهَرة أحيانًا ما يكون عليهم التصرف على نحو غير تقليدي. نظر حوله فوجد أن لا أحدَ يراه، فكسر قُفل باب الشقة بسرعة وبمهارة خبير، ودخل، وأغلق الباب خلفه.
لكن بدا أن الشقة كانت خالية. في الخلف، حيث يوجد مخرج للطوارئ، كانت هناك نافذة مفتوحة. نظر منها في رِيبة، ورأى رجلًا يرتدي زيَّ سائق يقف في ممرٍّ ضيق في الخلف وينظر إليه. انحنى ديفينش وأطلَّ برأسه من النافذة، وأشار له بيده إلى مخرج الطوارئ. هز الرجل الذي يرتدي زي السائق رأسه، وأشار بإصبعه في اتجاه الشقة.
عاد ديفينش إلى الغرفة وهو يبتسم متجهمًا. لو أن السيدة هوو فكرت في عدم السماح له بالدخول في هذه اللحظة بالذات، فمن الواضح أنها كانت تأمُل في الهروب بأسرع ما يمكن. أي شخص لم يستعدَّ جيدًا لمحاولة الهرب سيدرك أنه لا يمكن عرقلة الشرطة بهذه السهولة.
أخذ ديفينش يُصفِّر لحن أغنية «أين فتاي الشارد الليلة؟» (وير إز ماي ووندرينج بوي تونايت؟) بينما كان يتجول عبر الشقة ويفحصها بعجالة. ثم عاد إلى غرفة النوم.
كانت هناك خِزانة ملابس طويلة عند أحد الجدران الجانبية. اتجه نحوها وفتح الباب بقوة.
قال عابسًا: «ها أنتِ ذي يا سيدة هوو. حان وقت التوقُّف عن هذه الخدعة، وإدراك موقفك الحقيقي.»
خرجت السيدة هوو من خِزانة الملابس في اضطراب، وهي تبكي في غضب وخوف. حدَّقت إليه في غضب، وأخذت تكزُّ على أسنانها بغضب وقلة حيلة، وفي النهاية خرَّت واقعة على الكرسي شبه منهارة.
أجهشَت بالبكاء وقالت: «أيها الوغد!» وأضافت منتحبة: «يا لك من وحشٍ قذر!»
جلس ديفينش على كرسي آخر وأخذ يتأمَّلها بهدوء. وقال: «يُعجبني اختيارك لكلماتك، ولكن أعتقد أنه يمكننا الآن التطرُّق إلى النقاط الأهم. أتعلمين أنكِ عرقلتِ رجال الشرطة عن أداء واجبهم؟ تلك هي جريمتك الرسمية. أما الجريمة غير الرسمية فهي اعتقادك أنني أحمق بينما أنا لست كذلك.»
أخرج مفكرةً وقلمَ رَصاص، ووضع المفكرة مفتوحة على ركبته، ثم واصل حديثه قائلًا: «ما أريده منك هو شهادة طوعية عن عَلاقتك بالراحلة الآنسة تيومر، وكذلك عن عَلاقتك بكيفيم، مؤخرًا. إذا كنتِ تفضلين مرافقتي إلى مكتب سكوتلانديارد، يمكنك الإدلاء بشهادتك هناك. أما إذا كنتِ لا تفضلين ذلك، فعليك التفضُّل بالإجابة عن أسئلتي الآن، وفيما بعد يمكنك كتابة إفادة رسمية والتوقيع عليها. إذا رفضت كلا الخيارين، فسيكون ذلك على مسئوليتك الخاصة.»
ارتجفت من رأسها حتى أخمَص قدمَيها في غضب، لكنها أجابت بنبرةٍ مليئةٍ بالكراهية قائلةً إنها تُفضل عدم الذَّهاب إلى سكوتلانديارد.
قال ديفينش بهدوء: «رائع. أرجو منك الآن أن تخبريني أين قابلتِ الآنسة تيومر لأول مرة.»
«كنَّا ندرس بالمدرسة نفسها بالريف. كانت ابنة مزارع، وفازت بمنحة دراسية بالمدرسة الحكومية.»
«إذن كنتما صديقتَين؟»
«نعم. كنا صديقتين رائعتين.»
«وأتيت أنتِ إلى المدينة. متى التقيت بها ثانيةً؟»
«قبل افتتاح السيد ماندر للمتجر بنحو شهر.»
رأى ديفينش أنها ستخبره بالحقيقة هذه المرة، خوفًا من أن تتورط بجريمة القتل.
«كانت حينها رئيسة قسم القبعات النسائية، أو وكيلة مشتريات، في متجر أصغر، حيث رآها السيد ماندر هناك وأحضرها للعمل في متجره، أليس كذلك؟»
«نعم.»
«أتعرفين إن كانت قد التقت بالسيد ماندر من قبل؟ أقصد قبل أن يعرض عليها هذا المنصب؟»
عضَّت السيدة هوو شفتها. وقالت: «نعم. كان يدرس المتاجر الأخرى قبل أن يفتتح متجره، وكان معجبًا بها.»
«هل وصل الأمر لأبعد من ذلك؟»
«أخبرتني أنه اصطحبها لتناول العشاء بالخارج مرتين أو ثلاثًا، وذهبا إلى المسرح معًا.»
«كانت تستأمنك على أسرارها. هل كانت معتادة على إفشاء أسرارها للآخرين؟»
«بالنسبة إليَّ، أجل.»
«هل يمكنك أن تخبريني إن كان تعيينها بمتجر ماندر كان نتيجةً لإعجابه بها بالإضافة إلى كفاءتها في وظيفتها؟»
ابتسمت السيدة هوو بسخرية. وقالت: «لقد كان يحبها بجنون، إذا كان هذا ما تريد معرفته.»
أومأ برأسه. وقال: «بالطبع يجب أن أعرف ذلك. إذن هل صحيح أنها أخبرتك بكل شيء عن عَلاقتهما وبما فعلاه؟»
«نعم.»
«هل أخبرتك أن السيد ماندر كان يفكر في اصطحابها معه للخارج، وأنها كانت ستسافر باسم الآنسة لينكستر؟»
«نعم أخبرتني، على الأقل كان يريدها أن تسافر، واستصدر جوازَي السفر. لكنها لم تكن تعلم أنه يفكر في الهروب.»
«إذن كنت تعلمين أنها سمحت بتزوير هُويَّتها في جواز سفر، وأن السيد ماندر قد استصدر جوازَي السفر؟»
«بالطبع كنت أعلم. هذا ما قلته للتو.»
هزَّ كتفَيه. وقال: «هل أخبرتك يومًا لماذا قبلت خطبتها للسيد كيفيم بينما هي مرتبطة بالفعل بماندر؟»
ردَّت السيدة هوو بمرارة قائلة: «أعتقد أنها ظنت أنها تحب السيد كيفيم.»
رمقها ديفينش بنظرة خاطفة. كان لديه انطباع قوي، من المرارة التي كانت في صوتها والنظرة المرتسمة على وجهها، بأنها هي نفسها كانت مغرمة بالسيد كيفيم، وكانت تشعر بالغَيرة من المرأة التي خطبها.
قال: «لماذا قلت إذن إن الآنسة تيومر «فكرت في السفر» مع ماندر؟»
زمَّت شفتيها. وقالت: «حسنًا، لقد كانت عاجزة عن اتخاذ قرار. لقد أحبت الامتيازات التي استطاع أن يقدمها لها ماندر، وكرهت فكرة التخلي عنها، لكنها كانت … أكثر ولعًا بالسيد كيفيم. على الأقل في الآونة الأخيرة.»
«أتعنين أنها مؤخرًا شعرت بحب حقيقي تجاه كيفيم، وبعدم الرغبة في الهروب مع ماندر؟»
«لم تكن تعرف معنى الحب!»
قال ديفينش ساخرًا: «أنت خبيرة بالمشاعر الإنسانية الأرق والأسمى بلا شك. لكن ما الذي منَعها من الانفصال عن ماندر ما دامت شعرت أنها لا تستطيع الاستمرار؟»
«قالت إنها تخشى أن يقوم ماندر بفصل كيفيم من العمل. ولا أعلم إن كان هذا صحيحًا.»
أومأ برأسه. وقال: «منذ وقوع الجريمة قمت بزيارة السيد كيفيم، أو زارك هو، حوالي مرتين أو ثلاث مرات، أليس كذلك؟»
لوت شفتيها. وقالت: «أعتقد أن جواسيسك أخبروك بذلك.»
«لقد حصلنا على معلومات بهذا الشأن. الآن أخبريني منذ متى وأنتِ تعرفين كيفيم؟»
صاحت بعنف وقالت: «لا تكن أحمق! كيفيم ليس له أية عَلاقة بالجريمة. إنه لا يجرؤ على إيذاء ذبابة حتى.»
«سنفترض ذلك في الوقت الحاضر، لكن منذ متى وأنتِ تعرفينه؟»
«منذ أشهر قليلة. قبل خطبتهما، كانت إيفي تصطحبه لتناول الشاي هنا في بعض الأحيان.»
«إذن أنتِ لا تعرفينه جيدًا، أليس كذلك؟»
«معرفتي به لا تتجاوز كوني صديقة لإيفي.»
«إذن لماذا زرته بعد وقوع الجريمة بفترة قصيرة جدًّا؟»
احمرَّ وجهها، وتأكَّد ديفينش من صحة فرضياته. بغض النظر عما فعلته، وعن كونها مخادعة، فقد وقعت في حب الرجل الذي نعتته من قبل بالضعيف.
«هذا ليس من شأنك.»
«أنتظر الإجابة.»
«حسنًا، لا أستطيع أن أخبرك بأي شيء آخر. شعرت أنه تعرَّض لظلم شديد، وذهبت لأبديَ تعاطفي معه. أردت تعويضه عن الوقت العصيب الذي مرَّ به.»
«ألم يخطر ببالك أن زياراتك ربما تجعله أحد المشتبه بهم؟»
بدت مذعورة. وقالت: «مطلقًا! ما كنت لأذهب إليه أبدًا لو أنني ظننت ذلك.»
هزَّ ديفينش كتفَيه ثانيةً.
ثم قال: «تعلمين بالطبع أننا فتَّشنا شقة السيد ماندر، وفحصنا جميع أوراقه.»
أجابت قائلة: «افترضت أنكم فعلتم ذلك. فهذا ما تفعله الشرطة دائمًا، أليس كذلك؟»
كان يحاول التحايل عليها ثانية، ولكنه استنتج من تعبيرات وجهها أن السيد ماندر قد تلقَّى منها بعض الخطابات، وأنها ليست متأكدة مما إذا كانت هذه الخطابات قد تُخلِّص منها أم لا. وبما أن هذه هي النتيجة التي كان يحاول الوصول إليها، فقد كان سعيدًا بما وصل إليه.
استأنف حديثه بنبرةٍ جافة قائلًا: «إنني أخبرك بذلك عسى أن يجعلك تتحرين الدقة في إجاباتك. لا نريد أن يكون هناك المزيد من المعلومات الخاطئة في شهادتك.»
كانت من الدهاء بما يكفي لتدرك أن الشرطة لا تنوي المضي قدمًا في توجيه تهمة الابتزاز لها، ومِن ثَم أصبحت الآن أكثر حرصًا على تبرئة نفسها من التورط بأي حال في جريمة القتل.
قالت في عجالة: «لا أحد يمكنه إثبات أنني كنت في الشقة في تلك الليلة. فلديَّ حُجة غياب متكاملة.»
قال: «أتمنى أن تكون أكثر إقناعًا من قصتك عن المهاجر الروسي. لكنني مستعد لسماعها على أي حال، وسوف أتحقق من صحتها. أين كنت مساء يوم الأحد، من السابعة والنصف مساء وحتى، لنقُلْ، السابعة من صباح اليوم التالي؟»
أجابت على الفور قائلة: «كنت برفقة السيد جاي وزوجته في سانديمور، بمدينة ريدهيل. السيد جاي هو سكرتير تحرير صحيفتي الرئيسية …»
قال ديفينش: «أعرفه. يبدو هذا جيدًا إلى حدٍّ ما. لكن متى وصلت هناك، ومتى غادرت؟»
«أتى السيد جاي في حوالي الساعة الخامسة ليصطحبني بسيارته. ولم أغادر ريدهيل حتى موعد قطار الساعة التاسعة وخمس دقائق صباح اليوم التالي.»
«حسنًا. يمكننا التأكد من صحة كلامك على الفور. لنَعُد الآن للحديث عن الآنسة إيفي تيومر. ألديك أي فكرة عن سبب ذَهابها لمقابلة السيد ماندر هذه الليلة بعدما قضت اليوم بأكمله مع السيد كيفيم؟ هل التقيت بها في هذه الأثناء، أو اتصلت بك بأي حال لتخبرك أنها ذاهبة إليه؟»
ظلت السيدة هوو تفكر. كانت تدرك تمامًا أن الشرطة يمكنها الحصول على سجل المكالمات الهاتفية، وأي خطأ آخر من جانبها سيجعلهم يشككون في شهادتها. وفي هذه المرحلة لن يُفيدها إلقاء اللوم على القتيلة في تورُّطها بقضية الابتزاز، ومِن ثَمَّ قررت أن الصراحة هي الخيار الأمثل. فقد كانت تنوي السفر إلى الخارج، خاصة بعد هذه الكارثة الأخيرة، ولن يُسمح لها بالسفر إذا ما وقعت تحت طائلة إدارة التحقيقات الجنائية.
قالت: «نعم اتصلت بي عندما عادت إلى شقتها.»
«وماذا قالت لك؟»
«قالت إنها قضت يومًا جميلًا مع السيد كيفيم، وإنه كان لطيفًا جدًّا.»
«ألم تخبرك بشيء آخر؟»
«حسنًا، قالت إنها متأكدة أن أيًّا من الشركات الأخرى سوف تتهافت عليه، ولن يكون من مصلحة ماندر أن يفصله من العمل.»
«هل ذكرت هذين الاسمين صراحة عبر الهاتف؟»
«كلا، تحدثت عنهما باستخدام الاسم الأول فقط.»
«وماذا بعد؟»
فكرت السيدة هوو لبضع لحظات. كانت أكثر هدوءًا الآن، وتمنت أن تترك انطباعًا جيدًا لدى الرجل الذي بمقدوره أن يفتح أبواب الجحيم عليها إن أراد ذلك.
واصلت حديثها، وقد لاحظ ديفينش باستمتاع مدى كرهها لاستخدام كلمة ابتزاز دون قيد أو شرط، قائلة: «حسنًا، استنتجت أنها تشعر أنها في حالة حب حقيقي هذه المرة. فقد قالت إنها سئمت من عَلاقتها الأخرى ونادمة لأنها تورطت بها من الأساس. كانت ستقابل ماندر لتخبره أنها مخطوبة لكيفيم. وافقتها الرأي في أن وجهة نظرها تلك أكثر حكمة.»
أومأ ديفينش برأسه. وقال: «إذن، لم تكن طرَفًا في عملية الابتزاز؟»
عضَّت شفتها. إنه لأمر غريب مدى حساسية بعض المحتالين تجاه استخدام الاسم الصريح لمهنتهم الحقيرة.
ردَّت قائلة: «أي أموال حصلت عليها من ماندر كانت بسبب حبه لها.»
«بصراحة، هل ابتزته أم لا؟»
«كلا، لم تفعل.»
«هذا ما أريد معرفته. الآن، هل يمكنك أن تخبريني إن كانت قد ذكرت أنها ستزور ماندر في تلك الليلة؟»
«لا. قالت فقط إنها ستذهب لزيارته، لكنها لم تذكر متى ستذهب.»
نهض ديفينش. وقال: «سؤال أخير. أتعتقدين أن الآنسة تيومر كانت تملك سلاحًا ناريًّا أو أي سلاح؟»
هزت رأسها نافية. «لم أسمع بذلك قط. لا أظن ذلك. لكن بالطبع ربما تكون اشترت واحدًا مؤخرًا دون علمي.»
وضع مفكرته وقلمه الرَّصاص جانبًا. وقال: «الآن، هلَّا تفضلت بتَكرار هذه الأقوال على الورق، مستخدمة كلماتك الخاصة، وتوقيعها، وإعطائي إياها. خذي ما تحتاجين من الوقت.»