الفصل السادس والعشرون
عندما قُدم إلى مان كوب من الماء، واستراح عشر دقائق، قال إنه قادر على مواصلة الحديث، فطرح عليه ديفينش سؤالًا آخر.
قال: «بعد انتهاء جولتك تلك على السطح، هل عدت إلى الشقة بالأسفل، واستخدمت المكنسة الكهربائية للتأكد من عدم وجود رمال على ملابسك أو بداخلها؟»
صاح الحارس قائلًا: «أي مكنسة كهربائية يا سيدي؟ أنا لا أعرف مكانها يا سيدي. فلم يسبق لي دخول الشقة أبدًا قبل تلك الليلة.»
«من فضلك أجب إما ﺑ «نعم» أو «لا».»
«لا، لم أفعل ذلك يا سيدي. ولا أعلم ما عَلاقة هذا بالجريمة.»
«ربما يُثبت ذلك أن السيد ماندر قد لاحق تلك الفتاة أو دفعها على السلم حتى السطح؛ لأنه من المؤكد أن شخصًا ما قد استخدم المكنسة لهذا الغرض.»
قال جيمسون الذي لم يَعُد قادرًا على التزام الصمت: «لكن أعتقد أنها هي فقط التي سقطت على الرمال، أليس كذلك؟»
أجاب ديفينش قائلًا: «ثمة احتمال أن يكون كلاهما قد تعثَّر فيها في الظلام. في جميع الأحوال، إذا كانت قصة مان حقيقية، فهذه نقطة لصالحه؛ الآن أكمل قصتك.»
استعاد وجه مان حيويته الآن، وبدأ يتحدث بمزيد من الهدوء. «لم أظنَّ أبدًا أنه كان هناك أي ضرر من ذلك يا سيدي؛ لذا عندما كنت أقوم بجولاتي، غالبًا ما كنت أُلقي نظرةً على الأشياء المعروضة في الأقسام. فقد كان ذلك يساعد في مرور الوقت، وعادة ما كنت أُخبر زوجتي بما أراه، وكانت تحب سماع ذلك؛ الحديث عن الأزياء وما إلى ذلك. على أي حال، عندما نزلت بالمسدس الذي أطلقت النار منه لأضعه في واجهة العرض، أخذت معي مِعطف السيدة وقبعتها وقفازها. وضعت المسدس على الأرض في الواجهة التي تعرض مشهد حفل الرقص التنكري — المسدس الذي حصلت عليه من القسم الألعاب الرياضية — وأطلقت الرصاص منه يا سيدي، بعد ذلك ذهبت إلى المكان المخصص للمعاطف.»
«أوه، هل فعلت ذلك؟»
«نعم يا سيدي. تفقدت الكثير من خزانات الملابس ذات الأبواب المنزلقة، وبعد قليل عثرت على واحدة بها الكثير من المعاطف تشبه المعطف الذي كان على ذراعي. علقته مع البقية؛ لأنه كان يبدو جديدًا تمامًا، ثم توجهت إلى القبعات.»
«تقصد قسم القبعات النسائية؟»
«هكذا يسمونه على ما أظن يا سيدي. تخلصت من القبعة هناك، ثم ألقيت نظرةً في أرجاء المكان مرة أخرى. كانت السجادة في المصعد تغطي الدماء ويبدو كل شيء على ما يرام، والجثتان في واجهة العرض، لكنني في تلك اللحظة تذكرت أنني لم أعثر على الأداة التي قُتلت بها الآنسة تيومر، وليس من المعقول أن أتركها ليجدها أي شخص آخر. بحثت عنها في كل مكان، وأخيرًا صعدت إلى السطح، وبعد قليل رأيت خنجرًا حادًّا هناك، بالقرب من كومة الرمل. لم أرغب في الإمساك به ولم أدرِ ماذا عساي أن أفعل به. كان لا يزال لزجًا يا سيدي، وأسقطته على أرضية أحد مصاعد البضائع. ظننت أن ذلك سيجعل الأدلة محيرة أكثر وأن ما من أحد سيعتقد أنني استخدمت المصاعد صعودًا وهبوطًا، كما يفعل أي شخص قادم من الجزء العلوي من المبني. بحلول تلك اللحظة، كان الوقت قد تأخَّر يا سيدي. عدت إلى مقصورتي، وأخذت أفكر وأفكر. واعتزمت أكثر من مرة أن أوقظ خدمه وأخبرهم أنني أطلقت النار عليه بالخطأ. وبعدها أدركت أنني لا أعلم ماذا سأقول عن وفاة السيدة الشابة أيضًا. كان أنسب وقت لإخبارهم هي تلك اللحظة التي أطلقت فيها الرَّصاص عليه، لكنني كنت منزعجًا للغاية لدرجةٍ جعلتني أبدأ في القيام بكل هذا، وأحاول إخفاء آثار الجريمة، وصار من الصعب التراجع. في أوقات أخرى فكرت في مغادرة المكان والهروب. لكن زوجتي هنا، ولم أكن أعرف إلى أين سأهرب، وكنت أعلم أيضًا أنني سأبدو مذنبًا إن فعلت ذلك.»
وافقه المحقق الرأي قائلًا: «كان ذلك سيصبح أسوأ مما فعلت. أظنك مررت بوقت عصيب للغاية، وأخذت تتساءل عما سيحدث في الصباح.»
«معك حق يا سيدي. أتعجب أن شعري لم يشِب حينها. كان الأمر أسوأ من تجربتي في الحرب، رغم أنني لم أظن أبدًا أنني سأمرُّ بتجربة أسوأ منها. على أي حال، مكثت في مقصورتي لفترة طويلة، واضعًا رأسي بين يديَّ وتراودني الكوابيس، عندئذٍ تذكرت أنني لم أُخفِ مسدسي أو السجادة. انتابني خوف بسبب بذلك، رغم أنه بالتأكيد ما من أحد كان سيأتي حتى الصباح.»
«هذه المرة تقصد مسدسك أنت؟»
«نعم يا سيدي، المسدس الذي اشتريته للحماية؛ كان السيد ماندر ضد الأسلحة النارية، وضد كل أجهزة الإنذار، كما كان يسميها. لكن تلك الأشياء كان الهدف منها الحماية ضد اللصوص الخارجيين، وليس اللصوص الموجودين بالمبنى طَوال الوقت.»
«تقصد الأشخاص الموجودين بالمبنى وليس اللصوص.»
«نعم يا سيدي، أقصد السيد ماندر والفتاة الشابة. حسنًا، عندما تذكرت أمر المسدس والسجادة، فكرت أيضًا في المشكلة التي ستحدث في اليوم التالي عندما تأتي الشرطة. فقد أدركت أنني سأخضع للتفتيش، ولا يمكنني حمل المسدس أو السجادة. مررت بوقت عصيب في محاولة التفكير فيما سأفعله بهما، ولكن أخيرًا توصلت إلى طريقة.»
صار جيمسون مقتنعًا لأول مرة بأن مان يقول الحقيقة كاملة حقًّا. عندما بدأ قصته، كان تردده المتوتر وطريقة سرده لكل تفصيلة توحي بأن القصة مُلفَّقة. فقد بدا أنه يستغرق وقتًا لصياغة كل عبارة جديدة قبل التصريح بها. لكن عندما اكتسب الشجاعة، صار يتحدث بسرعة وثقة، وكان من السهل أن يرى أنه يسرد وقائع فعلية.
أما ديفينش فكان أكثر قدرة على الحكم على الرجل الذي يتعامل معه؛ نظرًا لما لديه من خبرة أكبر في التعامل مع الشهود الخائفين، فكان يعرف إلى أي مدًى يمكن أن يبدو الشخص البريء مذنبًا بسبب الرعب والفزع. وكان يعلم أيضًا أن مان قد أخطأ عندما ذكر أنه بقي في المتجر، إلا إذا كانت قصته حقيقية. فالقاتل الحقيقي كان سيهرب، دون أن يفسد الأمور أكثر. لقد ثبت لعقل المحقق، بسبب الارتباك والمحاولات غير المنظمة للتعتيم على عملية إطلاق الرَّصاص، أن الحارس لم يقُمْ إلا بالدَّور الذي وضع نفسه فيه، وأنه أطلق الرَّصاص على ماندر تحت تأثير الذعر.
ما يبرر ذلك أنه بالتأكيد لم يقتل مان إيفي تيومر. فلكي يقتلها كان سيتحتم عليه دخول شقة ماندر، والمحققون كانوا على يقين تام من أن القُفل لم يُمَس. على أي حال، بقدر قدرتهم على الحكم وتقدير الأمور، لم يكن لدى مان دافع لقتل أي منهما. وهذا الافتقار للدافع هو الذي سيُبرِّئه إذا ما وُجهت له تهمة القتل العمد، ومن المفترض أيضًا، إذا ما تُعومِل معه على نحو صحيح، أن يساعد في تجنيبه الإدانة بتهمة القتل الخطأ.
قال ديفينش بهدوء: «حسنًا، دعنا نسمع ما فعلته بالسجادة.»
أجاب مان على الفور. «كما تعلم يا سيدي، يوجد في رَدْهة المدخل الكبير بهذا القسم من المتجر جدار مُعلَّق عليه صورة كبيرة لسفينة حربية تسمى فودرويار.»
«السفينة الحربية القديمة فودرويانت، أجل.»
«حسنًا يا سيدي، فكرت أن ما من أحد سيبحث هناك عن أي شيء؛ لذا أحضرت سلمًا تلسكوبيًّا كذلك المستخدم عند تنظيف واجهات العرض وصعدت عليه وأنزلت الصورة. كانت معلقة بحيث لا يمكنك رؤيتها من الجانب، وكانت مائلة قليلًا من أعلى. وضعتها على الأرض في وضع مسطح، وأحضرت بعض المسامير الصغيرة، وثبتُّ السجادة في الجزء الخلفي من الإطار باستخدام المسامير. ثم علقتها ثانية، وإذا ما ألقيت نظرة عليها الآن يا سيدي فستراها.»
علق جيمسون قائلًا: «تصرف ذكي بلا شك.»
هزَّ مان رأسه في أسًى. «لا أعلم أنه كان كذلك يا سيدي، وإن كنت قد ظننته كذلك حينها. كان يجب أن أخبر السيد جيمسون، أدرك ذلك الآن! لكنك عندما تطلق الرصاص على شخص ما وأنت في حالة من الذعر، فضلًا عن كونك متوترًا مثلي، فإنك تشعر بالارتباك إلى حد كبير. لقد كان حظي سيئًا. لو لم يعبث شخص ما بالميكروفون، لَما انتابني الخوف اعتقادًا مني أن هناك لصًّا اقتحم المكان، وما كنت أطلقت الرصاص بهذه الحدة لو لم يتملكني ذلك الخوف الشديد.»
أومأ ديفينش. ثم قال: «أظن أن المسدس أيضًا موجود هناك، أليس كذلك؟»
وافقه مان الرأي. قال: «نعم إنه هناك. كانت هناك حلقتان للحبل الذي تُعلق به الصورة، فأحضرت خيطًا ومررته عبر واقي الزناد، وثبت القفاز به، وشددته بإحكام. ستلاحظ يا سيدي أن هناك مساحة خاوية تبلغ نحو خمس بوصات بين الصورة والجدار من أعلى، وبوصتين بينها وبين الجدار مسافة قدمين لأسفل. فدخل المسدس الآلي وراءها بكل سهولة.»
سمعه ديفينش ثم نظر إليه في سرور. «إذا كنت ترى أن بإمكانك كتابة هذه الأقوال، كما أخبرتني بها تقريبًا ردًّا على أسئلتي، أعتقد أن من الأفضل أن تبدأ في ذلك. خذ وقتك ولا تتوتر. إذا كانت قصتك حقيقية، وأعتقد أنها تبدو كذلك بالفعل، فستكون هذه الأقوال لصالحك.»
قال مان في لهفة: «سأفعل ذلك يا سيدي. سأحضر ورقة وأكتبها الآن، وأوقعها أمامكما أنتما الاثنين.»
نهض ديفينش. ورد قائلًا: «سأعود بعد ساعة لآخذها. سأذهب أنا والسيد بيدن-هايث لتناول غداء سريع وسنعود بعدها؛ على الأقل سأعود أنا.»