الفصل الثالث
عندما اقتربا من المصعد، شعَر ديفينش فجأة أنه من القسوة الشديدة أن يصطحب رفيقه لأبعد من ذلك.
فقال له، وقد لاحظ أنه صار يجرجر قدمَيه: «لقد كان صباحك مفزعًا، يا سيدي. لو كنت مكانك لخرجت لاستنشاق بعض الهواء، وتناولت شيئًا لأتمالك نفسي مرة أخرى.»
كان قد أعطى تعليمات بالفعل لرجال الشرطة على الأبواب المختلفة بمراقبة أي فرد من الموظفين المسموح لهم بترك المبنى، ولم يشعر بأي قلق تجاه السماح للمدير بالذَّهاب. شكَره كيفيم في وهنٍ ورحل. تقدَّم المحقق إلى حيث وقف اثنان من المرءوسين أمام مِصعَد مفتوح، في فُرجةٍ من الجزء الخلفي من المبنى.
كان أحدهما هو الرقيب الذي أحضرَ المِصعد إلى هذا الطابَق، وهو من أفسحَ الطريق أمام ديفينش، وأشار في صمت إلى بقعة صغيرة من دم جاف على أرضية المصعد نفسه. سلمه الرجل الآخر سكينًا طويلًا ورفيعًا، كان مقبضه ملفوفًا بعناية في منديل ورقي، وأخبره بأنه وجده مُلقًى في الزاوية بجوار بقعة الدم.
فحص ديفينش السكين بحرص شديد، ثم أعاده مرة أخرى. وقال: «احزمه مع بقية الأحراز، يا كوربيت. أين كان هذا المصعد عندما رأيته لأول مرة؟»
«كان في القبو يا سيدي.»
«ولكن يمكن استدعاؤه إلى أي طابَق تلقائيًّا، أليس كذلك؟ أيمكن ذلك؟ هل هو مِصعد لا يَصدُر عنه أيُّ ضوضاء، أم أنه غير ذلك؟ إنه هادئ تمامًا، أليس كذلك؟ حسنًا. من الصعب الجزم بما إذا كان أحد قد صعِد أو هبط فيه. أيها الرقيب، أريد مقابلة الحارس الليلي الذي يحرس هذا الجزء من المتجر. أرسله إلى هنا.»
بعد أن ذهب الرقيب لأداء المهمة، جثا ديفينش بحذرٍ على الأرض بالداخل، وحدَّد موضع بقعة الدم بالضبط وأبعادها.
قال معلقًا بينما كان ينهض مجددًا: «يبدو لي هذا دليلًا مفيدًا، ولكن ها هو الحارس. استمر! سوف أستجوبه، ولكن أثناء سَيرنا في الممر.»
قال الرقيب: «هذا هو مان، الحارس الليلي، يا سيدي.»
أومأ ديفينش للرجل الأربعيني الأنيق الذي جاء، ملاحظًا أنه يبدو كجندي سابق، وأشار إليه ليتحرك مسافة ياردة عبر الممر.
ثم قال: «الآن أيها الرقيب، لديَّ لك بعض المهام. أولًا، يجب أن تقابل مساعد المدير، ويجب أن يهاتف أحد المديرين، إذا لزِم الأمر، لإغلاق المتجر. فلن نستطيع مواصلة العمل والناس يملئون أرجاء المكان، وإذا ظل المكان مفتوحًا أكثر من ذلك، فسنواجه مضايقاتٍ من جانب الكثير من الصحفيين.»
سأله الرقيب: «ولكن ماذا عن المساعدين يا سيدي؟»
«زميلي العزيز، لا يمكننا استجواب ألف وثلاثمائة ونيف رجل وامرأة اليوم. كما لا يبدو أنها مهمة يمكن أن يقوم بها أيٌّ منهم. يجب أن نُبقي أولئك الذين يشغلون مناصب تنفيذية في الوقت الحالي، لكن علينا إطلاق سراح البقية وإغلاق المكان.»
«عُلمَ يا سيدي. أهناك أيُّ أوامر أخرى؟»
«عليك زيارة شقة السيد كيفيم في بيكر ستريت، وكذلك شقة الآنسة تيومر؛ سوف أعطيك عنوانيهما. اعرف كل ما يمكنك معرفته، وخاصة الوقت الذي غادرت فيه الآنسة تيومر منزلها الليلة الماضية. وكذلك عليك معرفة الوقت الذي غادر فيه السيد كيفيم منزله ووقت عودته.»
«حسنًا، يا سيدي.»
عندما غادر الرقيب، توجه ديفينش نحو الشاهد المنتظِر. سأله بينما كان الجندي السابق يُحدِّق بثبات إلى وجهه: «كيف تسير جولتك المعتادة عندما تقوم بحراسة هذا الجزء من المتجر ليلًا يا مان؟»
جاءته الإجابة: «أتسلَّم ورديتي في العاشرة مساءً يا سيدي. أتجوَّل بالمكان مرة واحدة لأتأكد أن كل شيء على ما يرام. ولديَّ مقصورة أجلس فيها بين الجولات. وأنا أقوم بها كل ساعة يا سيدي.»
«كم تستغرق الجولة؟»
«خمس عشرة دقيقة. وهذا هو ما أقوم به الآن يا سيدي. ولكنني هنا منذ شهرين فقط، ولم ألاحظ أيَّ شيء يُثير الشك أبدًا.»
«إذن، يمكنني افتراض أنك تبدأ جولاتك في العاشرة والربع، الحادية عشرة والربع، الثانية عشرة والربع …»
«لا يا سيدي، إنني أنتظر ساعة بعد انتهاء كل جولة. فأبدأ الجولة الثانية في الحادية عشرة والربع، وتنتهي في الحادية عشرة والنصف. ثم أبدأ الجولة الثالثة في الثانية عشرة والنصف، وهكذا يا سيدي.»
«أنت جندي سابق يا مان؛ بأي سلاح؟»
«أنهيت الخدمة برتبة رقيب يا سيدي. كنت جنديًّا نظاميًّا قديمًا وخرجت من الخدمة لعدم الصلاحية في عام ١٩٢٤.»
قال ديفينش: «تبدو رجلًا منهجيًّا على أي حال. والآن، هل رأيت أو سمعت أيَّ شيء مريب ليلة أمس بالمتجر؟»
أخرج دفتر ملاحظاته بينما يتحدث.
ثم قال: «لا شيء على الإطلاق، يا سيدي.»
«ولا صوت ضوضاء كصوت مِصعد يصعد أو يهبط، ولا صوتًا قد يوحي بوجود محرك طائرة؟»
«لم أسمع صوتَ أيِّ مصاعد يا سيدي، بل إنها في ذلك الوقت كانت هادئةً على نحوٍ غير مألوف. سمعت صوتًا خافتًا كأن هناك محركًا بالأعلى، ولكنني كثيرًا ما أسمع ذلك في عطلات نهاية الأسبوع؛ لذا لم أرَ في ذلك ما يُثير الرِّيبة.»
«هل كانت المولدات في الطابَق الأرضي تعمل؟ لماذا لا يحصل هؤلاء الناس على الكهرباء من الكابلات الرئيسية؟»
«لا أعلم شيئًا عن ذلك يا سيدي. أعلم أن السيد ماندر اعتاد تجربة الطائرات في الطابَق العلوي. واعتقدت أنه عاد إلى ذلك مجددًا ليلة أمس، وإن كان لم يستمرَّ طويلًا.»
أومأ ديفينش. وقال: «دعني أرى مكان مقصورتك، يا مان»، ثم نادى بصوتٍ هادئ على المحقق الذي يُفتِّش المِصعَد قائلًا: «كوربيت، شغِّل هذا المصعد صعودًا وهبوطًا ثلاثَ دقائق، بينما أقف أنا بعيدًا.»
وعندما تلقَّى موافقة مرءوسه، رافق الحارس عبر الممر، ودخلا ممرًّا آخر ناحية اليمين، أفضى إلى ما يشبه الكابينة. كانت هذه الكابينة تحتوي على مقعد، ولوحة مفاتيح وهاتف وجرس إنذار ضد السرقات. جلس ديفينش على المقعد، وأخذ ينظر عبْر الممر. ثم قال في تأمُّل: «أنت لا ترى جزءًا كبيرًا من المتجر من هنا. مجرد زاوية منه فقط.»
أجاب مرافقه: «وبذلك أكون غير مكشوف أيضًا. إذا أضأت كشافي، فقد أُخيف اللصوص، وإذا أبقيت المكان مظلمًا لا يمكنني رؤية شيء. ولكن سواء كان المكان مظلمًا أو مضيئًا، فباستطاعتي سماع أي شيء أفضل من أي شخص آخر.»
ابتسم ديفينش بجفاء. وقال: «لا بدَّ أنك تتمتع بحاسة سمع حادة بالفعل، إن كان بإمكانك سماع أصوات خافتة في مكان بهذا الحجم، وبه فواصل تحجُب الأصوات أو تشوش عليها.»
قال الرجل بابتسامة هادئة: «ليست أذناي هما الجيدتين بشكل خاص، ولكن تلك الأذن التي هناك»، وأشار إلى بوق صغير يُشبه بوقَ الجرامافون، بارز قليلًا من حائط الكابينة بمستوى رأسه. وأكمل حديثه قائلًا: «كان السيد ماندر متابعًا رائعًا لأحدث الوسائل. أنا فقط أشغل هذا الميكروفون هنا، ويأتيني كل صوت يصدر. بل هناك ما هو أكثر من ذلك يا سيدي. يوجد جهاز انتقائي متصل به يعمل على تحديد المكان الصادر منه الصوت، حتى أتمكن من اتخاذ الإجراء اللازم.»
سأل المحقق بود: «أكنت مهندسًا ملكيًّا؟»
«كنت في سلاح الإشارات يا سيدي. ولكنك تفهم ما أعنيه.»
«شغل المفتاح الآن.»
امتثل مان للأمر، ثم بدت عليه الحيرة. أما المحقق فلم تبدُ عليه الحيرة، ولكنه بدا مندهشًا بعض الشيء.
وغمغم قائلًا: «أحدهم كان يعبث بجهازك. لا أسمع أيًّا من الضوضاء التي يتم تضخيمها الآن.»
من الواضح أن مان كان لديه قَدْر من المعرفة بالأجهزة. فقد أخذ يفحص البوق والمفتاح، ثم نظر إلى الوصلات الكهربائية، وتأكد من سبب العطل.
ثم قال: «ثمة وصلة مقطوعة هنا يا سيدي.»
أخرج ديفينش عدسته المكبرة، وفحص الوصلة عن كثَب، ثم نفض الغبار عن الألواح الخشبية في مكان الوصلة، وأخذ يمسحها بالعدسة بحثًا عن بصمات الأصابع. ولكن لم يظهر شيء. عطَّل شخص ما الميكروفون، لكنه لم يترك أيَّ أثرٍ أثناء قيامه بذلك.
«لا بد أنه كان هنا بينما كنت أنت في إحدى جولاتك التفتيشية. ألم تلاحظ أنك لا تسمع أيَّ أصواتٍ عالية يَصدُر منها كما هو مُتوقَّع؟»
«لم ألحظ يا سيدي، لكنك تعرف كيف يكون الأمر. لم أشكَّ في دخول أيِّ شخصٍ إلى هنا، وبالطبع لن تكون متيقظًا للغاية بعد مرور شهرَين متتاليَين لم يحدث خلالهما أي شيء.»
قال ديفينش متفقًا معه في الرأي: «خطأ بشري مؤسف ولكنه حقيقي، لكن يجب أن أعترف بأخطائي أيضًا. على سبيل المثال، لم أُنصت لصوت المصعد وهو يصعد ويهبط. لا بد أن أطلب من زميلي أن يجعله يستمر في العمل.»
وانصرف ليعود مجددًا بعد دقيقة، ويرفع يده طالبًا الصمت. قد تكون الأصوات الصادرة من المتجر هي السبب، ولكنه لم يستطع سماعَ أيِّ شيء من صوت حركة المِصعد، وأدرك أنه لا يمكن إجراء هذه التجربة حتى يخلو المكان ويصبح هادئًا تمامًا.
وبعد أن شرح ذلك للحارس، ذهب وفي غضون دقيقتين وجد نفسه في واجهة العرض والستائر منسدلة، يتحدث إلى قائده الذي حضر لتوِّه من سكوتلانديارد، والطبيب الشرعي الذي جلس يدخن سيجارة، ويشاهد الجهود الأخيرة للضباط الأقل رتبة، وهم يعملون على قياس المساحة الكبيرة ومسحها وتخطيطها. وبعد أن انتهى من شرح ما فعله، كوفئ ديفينش بإيماءة استحسان من مفوض الشرطة.
تساءل: «هل هناك أي آثار للرَّصاصة حتى الآن؟»
قال الرجل الضخم ببرود: «لا شيء على الإطلاق. يعتقد دكتور جريندلي أنها رَصاصة ذات سرعة فائقة.»
قال الطبيب الشرعي وهو ينفث دخان سيجارته: «أنا متأكد، فقد رأيتُ منها الكثير أثناء الحرب. في رأيي أنها رَصاصة مُغلَّفة بالفولاذ.»
سأل ديفينش برفق: «أليس ذلك السلاح من نوع ماوزر؟»
أجاب الطبيب الشرعي مبتسمًا: «كان يجب أن أكون جندي مدفعية. فأنا أعرف كل شيء عنها وأعرف كل الأنواع. هذا الماوزر حديث، وأطلق منه الرَّصاص مرة واحدة. ولكن أعتقد أن خبراءك سوف يتفقون على أن ما أطلق منه هو رَصاصة فارغة. لا أريد أن أجزم بذلك، ولكنه رأيي.»
غمغم ديفينش قائلًا: «احتمال. فالرجل الذي يتكبَّد عناء وضع ضحاياه كمعروضات في واجهة العرض هنا لن يترك بندقيته واضحة للعِيان هكذا.»
تساءل مفوض الشرطة: «هل أطلقت الرَّصاصة من مسافة قريبة؟»
«أستطيع القول إنها لم تكن كذلك. ليست قريبةً للغاية على أيِّ حال.»
«كم مضى من الوقت على وفاته في تقديرك؟»
أطرق الطبيب الشرعي. ثم قال: «ليس من السهل الإجابة عن ذلك السؤال كما يعتقد البعض. يمكنني القول إنه تُوفي منذ ما يتراوح بين اثنتَي عشرةَ وأربع عشرة ساعة تقريبًا، ولكن للأسف قد أكون مخطئًا في ذلك.»
«وماذا عن الشابة؟»
«يمكنني القول إنها قد تُوفيت منذ مدة أقل، ولكن لا يمكنني تحديدها بدقة. لم يكن النزيف في كلتا الحالتين شديدًا — لو كانت رَصاصة صيد ذات رأس مدبب أملس إلى حدٍّ ما، كان الأمر سيختلف. أما الجرح الآخر فقد تسبَّب به سلاح لم …»
قاطَعه ديفينش قائلًا: «انتظر لحظة. لو كانت قُتِلت بعده …»
قال الطبيب الشرعي: «إذن فهو ليس الفاعل، أنا أُقرُّ بذلك! لا أعتقد أن أحدهما قد فعَلها بالآخر!»
ابتسم ديفينش ابتسامةً باهتة. ثم قال: «حسنًا، ستجري تشريحًا للجثتين لمعرفة سبب الوفاة، وبعد ذلك سنعرف المزيد. فكرت، أيها المفوض، أن أذهب لمقابلة الرجل المسئول عن قسم الطائرات. أرى أنك أخرجت معظم الأشخاص من المتجر، لكن المديرين التنفيذيين سيكونون هنا.»
قال الآخر: «لقد طلبت منهم البقاء في مكتب السيد ماندر الخاص. سوف يكون عليَّ أن أتحدث إليهم. لكن إن كنت مهتمًّا بمقابلة أحدهم على انفراد …»
قاطعه المحقق قائلًا: «إن أمكن أن يأتيَ إلى القسم المسئول عنه بالطابَق العُلوي يا سيدي، فسأذهب الآن إلى هناك.»
أومأ مفوض الشرطة. وقال: «حسنًا. سوف أرسله إليك.»
أومأ المحقق إلى الطبيب وغادر. استقل أحد المصاعد الأوتوماتيكية، التي كان مثبتًا عليها لوحة كُتب عليها «إلى أقسام الأدوات الرياضية والطائرات»، فوجد نفسه في الطابَق الأول، وفي الحال وصل إلى قاعة ضخمة تُطلُّ على شارع بجانب مبنى المتجر. كان يوجد في هذا القسم نحو ست طائرات (بعضها جاهز للطيران، والبعض الآخر في مراحل مختلفة من عملية الطي مما جعل واثبة ماندر هدية للطيار الخاص الذي لا يمتلك حظيرة).
أشعل ديفينش سيجارة، وسار حولها مستغرقًا في التفكير حتى سمع صوت شخص يقترب منه ليخبره أن مدير القسم قد وصل لمقابلته. دخل الرجل وألقى تحية مقتضبة على المحقق. لاحظ ديفينش أنه شاب وسيم يقظ يبلغ من العمر ثلاثين عامًا تقريبًا، ذو سمت عسكري نوعًا ما، وتبدو عليه أمارات الذكاء.
أخبره المحقق قائلًا: «لقد كنت على السطح للتو. كانت هناك آثار جعلتني أتساءل إن كانت هناك طائرة هبطت هنا مؤخرًا.»
أجابه السيد كين: «هذا عمل قذر، أيها المحقق. لم أكن أتوقع أن يُطلق الناسُ النارَ بعضهم على بعض هكذا كما يحدث في الغرب الأمريكي المتوحش. ولكن ماذا كنت تقول؟ طائرة هبطت على السطح؟ هذا احتمال بعيد. لقد واجهنا ما يكفي من المتاعب بسبب ذلك منذ شهر مضى.»
«لقد تسبب في قدر من المتاعب، ولكنه حمل أيضًا قدرًا كبيرًا من الدِّعاية يا سيدي! أود الحصول على قائمة بأسماء مشتري «واثبة ماندر».»
«المشترون الأوائل. ولكن ماذا لو كانت قد أُعيد بيعها؟»
قال ديفينش، وهو يمدُّ عُلبة سجائره إلى الشاب الذي تناول منها سيجارة وأشعلها: «لا شك في أنه بإمكاننا تتبعهم.»
«أعتقد أن بإمكانكم ذلك. سوف أُحضر لك القائمة.»
«هل هذه الطائرات ثقيلة؟»
«نعم، إنها أثقل مما يجب أن تكون عليه الطائرات غير المزودة بجهاز الجايروكوبتر أيها المحقق.»
اقترب ديفينش من طائرة كانت جاهزة للطيران وقال: «الإطارات الموجودة على عجلات الهبوط تكون أعرض بطبيعة الحال عند ارتكاز الطائرة عليها مما تكون عند إزالتها.»
ابتسم كين. ثم قال: «هذا ما يُطلق عليه «لمحة أخرى مما هو بديهي»، أيها المحقق. ويمكنني أن أذهب إلى أبعد من ذلك وأُرجِّح أنه في اللحظة التي تهبط فيها الطائرة، فإن الاصطدام يجعل الأثرَ يبدو أعرضَ من ذلك أيضًا!»
أجابه ديفينش ببراءة: «هذا بالضبط ما كنتُ أفكر به يا سيدي. والآن، هل يمكننا الحصول على إحدى العجلات لصنع أثرٍ هنا بها؟»
فكر كين في الأمر مليًّا. ثم قال: «يمكنني أن أرسُم علامات الإطارين بالطباشير، ويمكننا دفع الطائرة إلى الأمام قليلًا على الأرض، إن كان ذلك سيفيدك بأي شيء.»
«رائع يا سيدي. وأثناء قيامك بذلك، سألقي نظرةً على دفاترك، وأدوِّن بعض أسماء مشتري هذه الطائرات.»
«تعالَ إلى مكتبي في هذا الركن البعيد. ستجد أقلامًا وأوراقًا، بينما أحضر لك الدفاتر من الخزينة.»
ربما كان هناك خمسون مشتريًا لطائرة «واثبة ماندر» منذ طرحها في الأسواق، أو بالأحرى، كان هناك وعد بتسليم هذا العدد من الطائرات. دوَّن ديفينش الأسماء والعناوين، وكان قد انتهى من إعداد قائمته عندما استدعاه كين.
«لنبدأ العمل، أيها المحقق.»
قاما بدفع إحدى الطائرات على الأرض فيما بينهما، وقام المحقق بقياس طول المسار المبيض الذي صنعته الإطارات فحسب، وكذلك عرض الأثر الذي صنعَه ضغط الوزن أعلاها.
قال عندما انتهى: «سيفي ذلك بالغرض جيدًا يا سيدي. والآن أريد أن أسألك سؤالًا عن السيد ماندر. لقد كان مهتمًّا بالطائرات والديناميكا الهوائية، أليس كذلك؟ فقد رأيت ما يشبه مختبرًا أو ورشة عمل في الطابَق العُلوي.»
ضحك كين قليلًا. ثم قال: «أظنه كان يعبث قليلًا؛ لكني لا أعرف شيئًا عن ذلك حقًّا. كان يقول إنه دائمًا يُخوِّل المسئوليةَ الكاملة عن أحد الأقسام لرجل واحد، ولا يتدخل أبدًا.»
«ولكن من اخترع الطائرة التي تحمل اسمه؟»
«من المفترض أنه من اخترعها.»
«حسنًا، ألم يفعل ذلك بالفعل؟»
«لا أستطيع الجزم بذلك. أعلم أنه حصل على براءة اختراع. لقد دخلت ورشته مرة واحدة فقط، ولم يعجبه وجودي كثيرًا. واندهشت لبُدائية الأعمال التي قام بها التي رأيتها هناك. لا بد أن الشخص الذي اخترع هذا شخصية بارزة في أشياء أخرى غير الميكانيكا.»
لمعت عينا ديفينش. وقال: «هل تقصد أنه لم يَبدُ لك مؤهلًا لذلك بما فيه الكفاية؟»
أومأ كين. وقال: «أعني ذلك، فعندما اضطُررت إلى التحدث إلى العملاء مرة أو مرتين أمامه، لم ينطق بكلمة واحدة. هل يمكنك أن تتخيل أيَّ شاب يمكنه أن يخترع طائرة جايروكوبتر مثالية يقف صامتًا بينما تتحدث بجهالة في مجال تخصصه؟ لا أتخيل ذلك! فأنا أعرف المخترعين. إنهم مزعجون للغاية، بؤساء، وعلى استعداد دائم للانقضاض عليك! فهذا يتعلق بالشعور الوحيد بالرضا الذي يستمدونه من اختراعاتهم.»
«ولكن لا بدَّ أن أحدهم قد اخترعها، أليس كذلك؟»
«هذا هو البديهي مرة أخرى. ولكن ألا يوجد أيُّ إشارة إلى أن هذا الشخص ربما كان مُفلسًا وعلى وشك الانهيار وما إلى ذلك، وأخبروه أنه يستطيع أن يحصل على مشترٍ إذا التزم الصمت؟»
قال ديفينش بنبرة متثاقلة: «آها!»
ثم شكر كين على مساعدته، وتركه ليصعد إلى السطح مرة أخرى، حيث أجرى قياسات ومقارنات جديدة، وظهر بعد نصف ساعة، وبينما كان مُتوجِّهًا نحو المصعد، التقى برجلٍ لم يرَه من قبل، رجل قوي البنية، أصلع الرأس، قدَّم نفسه باعتباره مساعد المدير.
وأخبر ديفينش قائلًا: «تم إخلاء المتجر بالكامل الآن أيها المحقق. هل هناك ما يمكنني القيام به لمساعدتك؟»
فكَّر المحقق قليلًا ثم سأله: «هل هذه شركة خاصة؟»
«لا، كان السيد ماندر هو المالك الوحيد.»
«حقًّا. ولكنها مؤسسة ضخمة للغاية. هل تقصد أنه يمولها كلها بمفرده؟»
«على حد علمي. لا يمكنني الجزم بذلك.»
لم تتطور المقابلة لأبعد من ذلك؛ فقد جاء شرطيٌّ مُسرعًا ليقول إن السيد ميليس، مساعد مفوض الشرطة من شرطة سكوتلانديارد، موجود في مكتب السيد ماندر الخاص، ويرغب في مقابلة المحقق.