الفصل الخامس
ثمة هُوَّة سحيقة بين المتجر الفيكتوري والمتجر العصري في القرن العشرين. ولعلَّ الهُوَّة الأكبر تكمن في الرواتب المدفوعة إلى العاملين بالمستويات الإدارية العليا. ومِن ثَم، لم يندهش المحقق ديفينش كثيرًا حين اكتشف أن الآنسة تيومر الراحلة كانت تسكن في شقة صغيرة فخمة في حي رائع جدًّا. صحيح أنها لم تنتقل إلى هناك إلا بعد أن حصلت على الوظيفة في متجر ماندر.
كان البوَّاب هو وجهة المحقق الأولى بحثًا عن المعلومات، وقبل أن يتمكَّن من التعامل مع المشكلة الأساسية اضطُر إلى تحمُّل جرعة صغيرة من فضول الرجل تجاه الجريمة. حاول أن يختصر بقدر الإمكان، وسأله عمَّا إذا كان هناك أيُّ شخص من سكان الشقق الأخرى على معرفة بالسيدة المتوفاة.
قال البوَّاب بحسٍّ فكاهي لاذع نوعًا ما: «لا أحد يعرفها بعدُ يا سيدي، ولن يعرفها أحد بعد الآن على الأرجح. أتعلم يا سيدي، هذه هي المرة الأولى التي يسكن فيها معهم شخص مثلها هنا. لا أعرف من الذي أفشى السر، ولكنَّ الآخرين …»
قال ديفينش، الذي كان يدرك تمامًا أن الرجل كان يشير إلى وجود قدر من الغطرسة من جانب السكان الآخرين: «أفهم ذلك. إذن، لا جدوى من استجواب أيٍّ منهم بخصوصها. ولكن لعلك لاحظت بعضًا ممن يأتون لزيارتها من وقت لآخر.»
ردَّ الرجل: «لم يكن يأتيها كثيرون، وهذه حقيقة، ولكن مؤخرًا كان أحدهم يتردد عليها بانتظام، وكان هناك آخر يأتي بسيارة.»
وصف الزائر المنتظم، وأدرك ديفينش أنه كيفيم.
وعقَّب قائلًا: «وماذا عن الرجل صاحب السيارة؟»
اقترب البوَّاب منه قليلًا. ثم قال: «لم أرَه مُطلقًا، يا سيدي. لقد اعتاد أن يأتيَ متأخرًا أحيانًا في سيارة مغلقة، وكان يجلس دائمًا في الخلف.»
«ولكن أظن أنه من المفترض أن تذهب لتفتح باب السيارة له.»
«لم يكن هذا ضروريًّا يا سيدي. فسائقه الخاص اعتاد أن ينزل ويقف أمام الباب، حتى تخرج السيدة وتركب السيارة. كان عليَّ دائمًا أن أطلب الآنسة تيومر عبر الهاتف الداخلي وأخبرها بأن هناك سيارة تنتظرها.»
«إذن، أليس لديك أدنى فِكرة عن أوصاف الزائر؟»
«ولا النزر اليسير حتى. فلم يدخل إلى المنزل قط. كنت لأواجه مشكلة لو أنني ذهبت ونظرت إليه وهو بالداخل.»
بدا ديفينش مستغرقًا في التفكير. ثم قال: «أخشى أن هذا لن يؤثر على سَير القضية. ولكن هل يمكنك أن تُخبرني منذ متى يتردد الرجل الثاني عليها؟»
«جاء لأول مرة بعد أسبوع من انتقالها إلى هنا، يا سيدي.»
«شكرًا لك، هل جاء الأثاث الخاص بها كله من منزلها السابق؟»
أخذ البوَّاب يرمش بعينيه في تأمُّل. ثم قال: «كلا، لم يأتِ كلُّه. جاءت مجموعتان من متجر وراونجس بعد انتقالها إلى هنا بعشرة أيام، ثم أُرسلت بعض القطع إلى صالة للمزادات.»
«أظن أن الرجلين لم يأتيا أبدًا في اليوم نفسه، أليس كذلك؟»
«كلا، لم يأتيا معًا. عندما تخرج الآنسة تيومر مع الرجل الآخر، دائمًا ما ترتدي ملابس مبهرجة؛ كانت أنيقة على الدوام.»
حصل ديفينش على المفتاح الرئيسي وتفقَّد الشقة عينها بعد ذلك.
في أثناء التفتيش في أوراق الآنسة تيومر ومراسلاتها، التي لم يكن عددها كبيرًا، لم يجد شيئًا يصلح دليلًا يُسهم في حلِّ اللغز. وانتهى به المطاف بهاتفها، ودوَّن ملاحظة بالقلم الرَّصاص بالأرقام على الدفتر. كان هناك خمسة أرقام فقط.
أجرى اتصالاته، وأوضح صفته، واستفسر عن الأرقام الخمسة. كان أحدها يخصُّ السيد كيفيم، وآخر يخص السيدة هوو القاطنة في بيستر ستريت (التي قرَّر أن يستجوبها في وقت لاحق)، ورقمان يخصان مصفف شعرها واختصاصي معالجة الأقدام على الترتيب. كان الرقم الخامس هو رقم السيد ماندر، رقم شقته الخاصة، لا الرقم الذي تُحوَّل من خلاله المكالمات من جانب عامل التحويلات الهاتفية.
لم يكن هذا في حد ذاته دليلًا قاطعًا على وجود أي عَلاقة حميميَّة بين الرجل والمرأة المتوفيين. ربما كان من المفيد بالنسبة إليها أن يكون معها رقم صاحب العمل؛ إذ كانت تشغل منصبًا مسئولًا في المتجر.
نظر ديفينش إلى ساعته. كان الظلام يحل مبكرًا في هذا الوقت من العام، ولكن هذا لا يهم. كان من المقرر أن يذهب إلى قصر جيلوفر مانور ويتأكد بنفسه من وجود «واثبة ماندر» هناك.
استقلَّ قطارًا من محطة بادينجتون، وبعد مرور ساعة كان يسير نحو البيت الكبير نسبيًّا على أطراف بلدة جيلوفر. بدأ الظلام يُخيِّم، وبينما كان في طريقه إلى ممر السيارات، استطاع أن يرى هيئة المنزل المبني على طراز الملكة آن المعماري، وإلى يساره بدا ما يُشبه ساحةً، أو حظيرة للطائرات، كانت يمكن أن تئويَ أربع طائراتٍ جديدة بكل سهولة. كانت هذه الحظيرة مبنية بجانب كوخ صغير وجميل مسقوف بالقش، وكان ثمة ضوء ينبعث من إحدى النوافذ بينما كان ديفينش ينظر في هذا الاتجاه.
استنبط ديفينش من اتصال المبنيَين بعضهما ببعض أن الميكانيكي الذي تحدَّث عنه السيد كين ربما يكون هو قاطن الكوخ. فغيَّر رأيه بخصوص الذَّهاب مباشرة إلى القصر، وانعطف نحو المكان الذي ينبعث منه الضوء.
طرق باب الكوخ، وفُتح الباب بعد مهلة قصيرة. كان الرجل الذي فتح الباب يرتدي زيًّا مهندمًا، وكان مظهره يوحي نوعًا ما بأنه خادم. كان وجهه طويلًا وحليق الذقن، وذا جبهة عالية، ولكن لم تَبدُ عليه أمارات الذكاء الشديد؛ رغم تلك الملامح التي تنمُّ عن الفطنة.
ابتدأ ديفينش حديثه قائلًا: «أنا ضابط محقق من سكوتلانديارد. أظن أنك سمعت خبر وفاة السيد ماندر؟»
لقد سمع الرجل الخبر. عبَّر عن حزنه على نحو متخبط، وعندما دعا ديفينش للدخول إلى الرَّدْهة المضاءة، بدا من نظراته أنه متأثر فعلًا من الخبر.
قدَّم ديفينش إليه سيجارة، وأشعل لنفسه واحدة، ثم جلس.
سأله: «هل أنت الميكانيكي المسئول عن الطائرة الجايروكوبتر الجديدة؟»
أجاب قائلًا: «أجل، أنا. اسمي ويبلي. ما الخطب؟»
«أريد أن أعرف إن كان السيد ماندر يحتفظ بإحدى الطائرات هنا، وإذا كان الأمر كذلك، فهل استخدمها هو أو أي شخص آخر أمس؛ أقصد بعد الساعة السابعة والنصف مساءً؟»
قال مزمجرًا: «لا. لم يستخدمها أحد، ولا حتى صباح أمس.»
«ولكن السيد ماندر جاء إلى هنا.»
«كلا، لم يأتِ.»
«هل أنت متأكد؟»
«بالطبع متأكد. لو جاء إلى هنا، لكنت رأيته. أما بالنسبة إلى الطائرة، فهي موجودة هنا، ويمكنك أن تراها إذا أردت، وتستطيع أن تسأل أي شخص في المنزل عمَّا إذا كانت قد خرجت أم لا.»
«ربما لا يعرفون.»
قال ويبلي بنفاد صبر: «المحرك لا يعمل بدون ضوضاء. أي شخص أحمق يعرف ذلك. سلهم.»
ضحك ديفينش. من الواضح أن الرجل لم يكن ذلولًا، أو خشي هذه الزيارة على الإطلاق. فأردف ديفينش يقول: «فهمت. الآن، هل يمكنك أن تخبرني ما إذا كانت قد أمطرت هنا أمس؟»
حدَّق ويبلي بنظره. ثم قال: «أجل، أمطرت. أمطرت بغزارة لمدة ساعة أو نحو ذلك، لأول مرة منذ فترة.»
«هل مكان الإقلاع الخاص بكم يمكن أن يتحوَّل إلى مستنقع وتُترك عليه علامات الاستخدام بعد سقوط الأمطار؟»
حدَّق ويبلي مرة أخرى. وأردف يقول: «بالطبع لا. السيد ماندر لديه المال، ولم يكن ليترك المكان أرضًا مجرفة. اخرج وعاينه بنفسك. تقلع الطائرة من مكان صغير جدًّا، بالنظر إلى مواصفاتها، ويمتد ذلك المكان كملعب تنس صُلب.»
«ليس كطمي صُلب، أليس كذلك؟»
«طمي، كلا. بل رماد ناعم ومسوًّى جيدًا.»
بدأ ديفينش يرى أن أفكاره الأولى ربما تكون خيرَ دليلٍ بالنسبة إليه. إذا كانت الطائرة الجايروكوبتر قد أقلعت من أرضية ترابية، فليس من المرجح أن تصل إلى لندن وعلى عجلاتها وحل، ما لم تَكُن قد لجأت إلى هبوطٍ اضطراريٍّ على الطريق.
سأله: «هل يمكنني رؤية الطائرة؟ يجب أن أتأكد بنفسي.»
ضحك ويبلي. وقال له: «تفضل. هذا شأنك، لا شأني.»
غادرا الكوخ، وفتح ويبلي الحظيرة بمفتاح كان يحتفظ به في جيبه، وأضاء نحو ستة مصابيح قوسية شديدة الإضاءة جعلت المبنى من الداخل مضيئًا للغاية، وجعلت الأرضية الأسفلتية بيضاء. وفي منتصف المرأب، وقفت إحدى «واثبات ماندر» على أُهْبة الاستعداد.
توجَّه ديفينش إليها وأخذ يفحصها بدقة، بينما أخذ ويبلي يتحرك في تكاسل بالقرب من المدخل، ينفث دخان سيجارته بلا اكتراث. كانت الطائرة نظيفة ومرتبة وكأنها جديدة تمامًا، ولكن هذا بالتأكيد قد لا يعني سوى أن ويبلي قد قضى يومه في تنظيفها.
وبينما كان ديفينش بصدد الالتفات إلى الرجل، نظر بالأسفل ولاحظ أن ثمة تسعة أعقاب سجائر أو عشرة ملقاة على الأرضية بالقرب من الطائرة. ألقى سيجارته في منتصفها، وحاول التقاط عقبَي سيجارتَين أُخريَين بينما كان جاثيًا على ركبتيه. كانت واحدة من السيجارتين من نوع رخيص يُسمى «تويكس» أمَّا الأخرى فكانت سيجارةً تركية فاخرة مسطحة الشكل. ومن بين الأعقاب الملقاة على الأرضية كان هناك على الأقل ستة أعقاب من هذا النوع التركي.
من الواضح أن ويبلي كان مدخنًا شرهًا. فقد انتهى من السيجارة التي أُعطيت له، وأشعل واحدة أخرى من سجائره الخاصة بعقب السيجارة المنتهية حين انضمَّ إليه ديفينش من جديد. كانت عُلبة السجائر التي وضعَها في جيبه مكتوبًا عليها: «تويكس — السيجارة ذات النكهة القوية.»
قال المحقق مُثبتًا عينيه على وجه الرجل: «اسمع، أظن أن السيد ماندر كان هنا على أي حال. أرى الكثير من أعقاب السجائر التركية على الأرضية.»
رد ويبلي، وهو يبصق على الأرضية بشيء من الازدراء قائلًا: «إنه لا يُدخِّن سوى السجائر الروسية. ماذا هناك أيضًا؟»
«أود أن أعرف من كان هنا أيضًا.»
«أتوقَّع أنك تودُّ ذلك. ولكن هذا ليس من شأنك.»
«اسمع، يا ويبلي، لا داعي لأن تكون عدائيًّا. هذا عبث. لقد جئتُ إلى هنا فحسب لأحقق في وفاة السيد ماندر.»
«وهذا عبث أيضًا؛ لأن السيد ماندر لم يأتِ إلى هنا أمس، وهذه السجائر لا تخصه.»
فكر ديفينش مليًّا. فالشخص الذي يضع وحلًا على إطارات احتياطية ليوحي بأن الطائرة الجايروكوبتر ربما أقلعت من جيلوفر لا بدَّ أنه كان يعرف أنها أمطرت في جيلوفر. ومن ناحية أخرى، إذا كان الأمر كذلك، فلا بدَّ أنه رجل كان يجهل أن مكان الإقلاع هناك مُغطًّى برماد صلب.
قال: «لقد كان لديك زائر على أي حال، أليس كذلك؟»
قال ويبلي: «هذا صحيح. كان لديَّ زائر فعلًا — يمكنك أن تقول صديق، أو لا يمكنك ذلك — كما تحب. أنا لا أتعمَّد إخفاءَ شيء. لو كنت سألتني لأخبرتك.»
ضحك ديفينش ضحكةً متصنعة وقال: «أجل، هذا ما جنيتُه على نفسي. ولكن، إذا سألتك بلطف، لا أظن أنك لن تمانع في إخباري بهُويَّة زائرك؟»
فكَّر ويبلي في ذلك بضع لحظات. ثم قال: «كان الزائر هو السيد كين، إذا أردت أن تعرف، هذا كل ما في الأمر. أخبرني بأنه المسئول عن الطائرات بالمتجر.»
أخفى ديفينش شعوره بالرضا. وقال: «أظن أنه لم يُقلِع بالطائرة، أليس كذلك؟ كلا، أتذكر أنك قلت إن أحدًا لم يفعل ذلك. هل لي أن أسأل عن طبيعة المهمة التي جاء إلى هنا من أجلها؟»
«لقد جاء من أجل الحصول على المزيد من التفاصيل لا أكثر. قال إن رب العمل يشتكي من أن تكلفة بناء الطائرات والدِّعاية لها أكثر ممَّا تستحق؛ أكثر من أن تحقق ربحًا على أي حال. أخبرني رب العمل بذلك من قبل، ومِن ثَمَّ لم يكن ذلك شيئًا جديدًا.»
قال ديفينش: «عجبًا، يبدو لي، من واقع كل ما سمعته، أنه اختراع رائع. اكتشاف القرن.»
لمعت عينا ويبلي، وتلاشى العبوس عن ملامح وجهه. وبدا أن ينبوعًا من الحماس قد تفجَّر داخله وهو يجيب بأنها أفضل طائرة حلقت في الجو. وتوجَّه إلى الطائرة أثناء حديثه، وبدأ يشرح تفاصيلها في حماس بلغة تقنية لم يستوعب ديفينش أغلبَها. كان من اللافت للنظر التحول الذي حدَث للرجل من قرويٍّ فظٍّ بلا أيِّ ذكاءٍ إلى فنيٍّ بارعٍ مُتَّقد الذكاء، وأدهش المحقق الذي وقف يستمع إليه لمدة ربع ساعة في صمت. ثم توقَّف الرجل، وحكَّ رأسَه، وعلى الفور عاد عابسًا مُكفهرًا مرةً أخرى قبل أن يُشعل ذِكر الطائرة الجايروكوبتر شرارةً في عقله.
سأله المحقق قائلًا: «متى جاء السيد كين إلى هنا أمس؟»
«حوالي الساعة السادسة، يا سيدي. ثم استقلَّ قطار الساعة السابعة.»
«هل جاء هنا من قبل؟»
«كلا، لم أرَه من قبلُ قط. لقد جاء مباشرة إلى هنا، ثم رحل مباشرة.»
«لم يسألك عن أرضية المهبط، أو يطلب منك تفقُّدها، أليس كذلك؟»
«كان الظلام قد حلَّ عندما وصل. فلم يطلب ذلك.»
شكره ديفينش، وخرج متوجِّهًا إلى القصر. وهناك استقبله كبير الخدم، وكان رجلًا مُسنًّا أغراه ماندر بالعمل لديه وترك خدمة اللورد فالي، وتأكَّد من أنَّ ويبلي كان مُحقًّا. لم يكن السيد ماندر هناك يوم الأحد.
سمع كبير الخدم بجريمة القتل. فقد اتصل به السيد كيفيم هاتفيًّا (وهي المعلومة التي عبَس المحقق لدى سماعها). كان السيد ماندر سيدًا كريمًا، وساورَ جميعَ أفراد طاقم العاملين قلَقٌ شديد إزاء المأساة. لقد قال السيد كيفيم إنه سيأتي لتسوية الأمور والقيام بما ينبغي لإغلاق القصر، ولكنهم لم يسمعوا شيئًا منذ ذلك الحين.
بالإضافة إلى ذلك عرَف ديفينش أن السيد ماندر لم يمكث ليلةً واحدة في القصر طَوال الشهر الماضي.
تساءل قائلًا: «هل سمع أحد منكم الطائرة وهي تُقلِع يوم الأحد؟» فهزَّ كبير الخدم رأسه نافيًا.
«كنَّا سنسمعها لو كانت قد أقلعت.»
أومأ ديفينش برأسه. ثم قال: «صحيح. الآن، هل لي أن أسأل إنْ كان لدى السيد ماندر أي صداقات هنا؟»
أجاب الرجل قائلًا: «لا، ليس بعد، يا سيدي. يمكنك أن تقول إن سكان المقاطعة غير اجتماعيين. ويمكنني القول إنهم كذلك أكثر من نظرائهم في أغلب المناطق.»
«إذن، السيد ماندر لا يستضيف أحدًا في منزله؟»
«ليس هنا يا سيدي، رغم أنه ربما كان يفعل ذلك في شقته بالمدينة.»
«إذن، لم يُحضِر أحدًا من المدينة إلى هنا؟»
«ليس للإقامة، يا سيدي. لم يحدث على الإطلاق؛ إلا إذا كنت تقصد السيدة الشابة التي أتى بها إلى هنا مرةً واحدةً قبل خمسة أسابيع مضت.»
تفاجأ ديفينش. وسأله بعد أن وصف السيدة الراحلة بقدر ما يمكنه: «هل كانت تشبه هذه الأوصاف؟»
عضَّ كبير الخدم على شفته. من الواضح أنه كان مترددًا بخصوص إن كان ينبغي عليه إفشاء أي شيء بخصوص ضيوف سيده. وأردف يقول: «ربما تتشابه هذه الأوصاف مع السيدة، يا سيدي. أنا بالطبع لم أنظر إليها عن كثَب.»
«هل تناولت الغداء أم العشاء هنا؟»
«كلا، يا سيدي. لقد جاءت في السيارة التي يحتفظ بها في المدينة. وكان هو أيضًا بالسيارة. أراها الحدائق، وجزءًا من المنزل، ثم غادر بالسيارة مرة أخرى.»
«هل قال إلى أين؟»
«كلا، يا سيدي. لم يخبرني مطلقًا.»
قال ديفينش في نفسه وهو يغادر القصر ويتجه إلى محطة القطار: «يمكنني أن أعرف ذلك من سائقه بالمدينة.»