الفصل التاسع
أسند المحقق ديفينش لأحد رجاله مُهمَّةَ تعقُّب كين، ولآخرَ مُهمَّةَ تعقُّب السيد كيفيم، أما الثالث فذهب إلى جيلوفر لمراقبة ويبلي. ويبدو أن السيد ميليس، مساعد مفوض الشرطة، ذهب بمفرده إلى المنطقة المجاورة لبارستون كورت والتقى باثنين من أصدقاء السيدة بيدن-هايث. وصرَّح كلُّ واحد منهما على حِدَة بأنه كان أحد المدعوين بحفل البريدج الذي أقيم يوم الأحد وأن مضيفتهم لم تتركهم لأكثر من عشر دقائق طَوال الأمسية.
لم يتبقَّ سوى السيد جيمسون بيدن-هايث. تناول ديفينش العشاء وعاد إلى سكوتلانديارد، متشوقًا لمعرفة شيء عن تحركات هذا الشاب يوم الأحد. وبعد قليل، دخل ضابط التحريات الذي كان قد أسندَ له هذه المهمة ليُبلغه بما اكتشفه.
حدثه قائلًا: «علمت من كبير الخدم أنه لم يذهب إلى السير ويليام ليفورت؛ لأن السير ويليام كان قد سافر إلى اسكتلندا. بحثت عن اسم السيد بيدن-هايث في دليل الأسماء ووجدت أنه يتردد على ناديَين. ذهبت إلى أحدهما، لكن لم أجد له أثرًا هناك. بعدها ذهبت إلى الثاني، وأخبروني أن لديه غرفة نوم هناك وقد مكث بها مساء الأحد. وصل في تمام الثانية عشرة ودخل غرفته.»
«وهل خرج بعدها؟»
«لا أظن يا سيدي. لكنني أظن أنك ربما تُفضِّل إجراء مقابلة معه بنفسك.»
وافقه ديفينش الرأي، وغادر مُتجهًا للنادي، وكان هناك في غضون ربع ساعة. لم يكن ناديًا رسميًّا على الإطلاق وكان معظم المترددين عليه من الشباب ذوي الميول الرياضية ولم يكن مستوى عضويته مرتفعًا للغاية.
عندما سأل المحقق إن كان بإمكانه مقابلة السيد جيمسون بيدن-هايث، طُلب منه الانتظار. بعدها عاد الساعي ليقول إن السيد بيدن-هايث في غرفة نومه وأحدهم صعِد له بالشاي في حوالي الساعة السادسة.
بدا تناول الشاي في الساعة السادسة أمرًا غريبًا بالنسبة لرجلٍ عُرف عنه إدمانه الكحوليات. لكن اتضح أن الشاب قد أخلَد إلى النوم ولم يستيقظ إلا في السادسة. عندما دخل ديفينش الغرفة، كان الشاب لا يزال مستلقيًا في الفراش، مُرتديًا قميصًا وسروالًا ومِبذَل نومٍ أنيقًا مصنوعًا من الحرير.
كان شابًّا فارعَ الطول شديد النحافة ذا وجهٍ بالغ الشحوب، ولكن ذلك لم ينتقص من وسامته شيئًا. كانت ملامحه عابسةً ومقتضبًا جدًّا في كلامه أيضًا. يبدو أنه قد أسرف في الشراب أو ربما لم يحظَ بقسط كافٍ من النوم خلال الأيام القليلة الماضية.
تَحدَّث ديفينش موضحًا مُهمَّته، وأضاف أنه علِم أن الشابَّ قد قضى مساء الأحد عند السير ويليام ليفورت.
ردَّ الشاب قائلًا: «نعم هذا ما حدث. أتريد سيجارة؟»
«هل أنت متأكد من ذلك يا سيدي؟»
حدَّق جيمسون إليه، وأخذَ يتمتم في نفسه، ثم هزَّ رأسه. بعدها قال: «لا، لست متأكدًا. ظننت ذلك، هذا كل ما في الأمر.»
«إذن، هل قضيت الليلة هنا؟»
نهض الشاب مستندًا على مرفقه وبدا عليه الضيق. وقال: «ما الذي تحاول الوصول إليه؟»
بدا ديفينش صارمًا. ورد قائلًا: «يجب أن تعلم يا سيدي أن التحقيقات الرسمية كتلك التي أقوم بها يجب أن تؤخذ على محمل الجد. لذا سأكون ممتنًّا لك إذا فكرت مليًّا قبل الإجابة.»
«فلتكمل حديثك!»
«سيدي، أريد أن أعرف كلَّ تحركاتك يوم الأحد الماضي. أعلم أن السيد ماندر زار بارستون كورت، وأنك غادرت فور وصوله.»
«نعم فعلت؛ إنه وغدٌ همجي!»
قال ديفينش: «ظاهريًّا ذهبت لزيارة السير ويليام، لكن إلى أين ذهبت فعليًّا؟»
«جئتُ إلى هنا؛ فلتأخذ سيجارة! يمكنك أن تدخن سجائرك الخاصة إذا كانت سجائري لا تعجبك.»
هزَّ ديفينش رأسه. ورد قائلًا: «ليس الآن، شكرًا لك.»
«إذن هل تمانع في أن أقرع الجرس؟ أريد شرابًا.»
«معذرة يا سيدي، لكن عليك حقًّا التركيز للإجابة عن أسئلتي.»
تحسس الشاب جيبه بحثًا عن عُلبة السجائر والثقاب، ثم أشعل سيجارة وقال: «أكمل حديثك!»
«إلى أين ذهبت بعد ذلك؟»
«أتيت إلى هنا وأخذت هذه الغرفة، ثم دخلت المتنزه.»
«إلى متى؟»
«عدت في تمام السادسة. كلا؛ لقد ذهبت لزيارة صديق. وتركته في الساعة السابعة، ثم التقيت بصديق آخر. بعدها عدت وتناولت العشاء هنا.»
«وماذا حدث بعد ذلك يا سيدي؟»
بدا السيد جيمسون بيدن-هايث حكيمًا إلى أبعد الحدود. فقال: «صدقني لا أعرف.»
«ولكنك بالتأكيد تعرف، أليس كذلك؟»
«المؤكد أنني لا أعرف! كان صديقاي مِضيافَين، وما إلى ذلك، وتناولت كأسًا أو اثنتين أثناء العشاء. بعدها ذهبت إلى مكان ما، وتناولت كأسًا أو اثنتين. لا بدَّ أن أعترف بأنني لم أكن متزنًا.»
«أتقصد أنك كنت ثملًا؟»
«مخمورًا! ما رأيك؟»
قطَّب ديفينش جبينه. ثم تحدَّث ببطء قائلًا: «أنا مُتشوِّق لمعرفة أين كنتَ مساء يوم الأحد رغم كل ذلك. ألا يمكنك التذكُّر؟ على ما يبدو أن أحدًا لم يلاحظ أنك كنت ثملًا لهذه الدرجة عندما أتيت إلى هنا في تلك الليلة.»
قال جيمسون وهو منهك: «ربما لم يرني أحد.»
تجاهل ديفينش رده، وحاول مناقشته من زاوية أخرى. «ربما يمكنك أن تعطيَني فكرة عن شخصية السيد ماندر. أعلم أنك لم تكن تحبه …»
«كنت أكرهه بشدة!»
«وبما أن الأمر كذلك، يجب أن أتشكك في وجود قدر من التحامل من جانبك.»
اعتدل جيمسون بيدن-هايث في جلسته فجأة، وتحدث أطول حديث في حياته. قال: «ذاك الرجل! دعني أسألك من يكون؟ كاتب محامٍ مغرور، حلو الحديث، شخصية شديدة المكر؛ بمقدوره إقناع طاهية بإعداد عشاء مُكوَّن من اثنَي عشرَ صِنفًا أثناء قضاء أمسيتها بالخارج. المشكلة أن والدتي كانت سريعةَ التأثر. سيدة أعمال رائعة، لكنها سريعة التأثر. كان لديه خُطَّة، خُطَّة أعدَّها مُسبَّقًا. لقد أقنعها … ماذا؟ ذاك الحقير؛ لقد أفلتَ بفعلته، خدعها خداعًا مُحكَمًا. ولم يكن للكلام أيُّ جدوى! أنا لست رجل أعمال. ما الذي أعرفه عن ذلك؟ لا شيء! شخص أهدر ثروة أسرة ليحيا حياة البذخ والصخب! هل أنا من ضيَّع الأموال؟ كلَّا، ليس أنا؛ بل ماندر هو من فعَل. لكن كما قلت لا فائدة من الكلام.»
استلقى على الفراش منهكًا، وأخذ يتنفس بعمق مُحدِّقًا إلى السقف.
أدرك ديفينش أنه لم يَعُد هناك ما يقال. فقال متهكمًا: «حسنًا يا سيدي. أرى أنك لا يمكنك التذكر.»
«هذا صحيح.»
اتجه ديفينش إلى أسفل ليتحدث إلى بوَّاب الرَّدْهة، وسأله عما إذا كان قد لاحظ الحالة التي كان عليها السيد بيدن-هايث حين جاء مساء الأحد. وأظهر بطاقته للرجل فأطلق صافرة اندهاش.
رد قائلًا: «لم يَبدُ عليه شيء خارج عن المألوف، سيدي المحقق.»
«وما هو هذا المألوف؟»
«أعتقد يا سيدي أنه كان قد أفرط في تناول الشراب، هذا كل ما في الأمر.»
«ألم تلاحظ أنه لم يكن متزنًا أو واعيًا، أو أي شيء من هذا القبيل؟»
«كلا يا سيدي. بدا في حالة مِزاجية سيئة، ليس أكثر.»
«هل أتى مستقلًّا سيارة أجرة؟»
«لا أظن ذلك يا سيدي، ولكن ربما دفع أجرة لسيارة كانت تقف على مقربة.»
كان ثمة تناقض في موضع ما، لكن حتى هذا لم يثبت وجود صلة لبيدن-هايث بالقضية. كان واضحًا أنه لم يكن يرغب في الإفصاح عن المكان الذي تواجد به مساء الأحد، لكن زيارة غامضة لمكان ما لا تعني بالضرورة تورُّطه في جريمة قتل.
من الواضح أن جيمسون كان يشك في أن ماندر يحتال على والدته، أو على وشك الاحتيال عليها، ليحصل منها على بعض المال، وبطبيعة الحال كان يشعر بالاستياء إزاء هذا الهدر الكبير لأموال الأسرة. على الجانب الآخر، هل كان ليتحدث بهذا السوء عن القتيل لو كان متورطًا حقًّا في قتله؟ لم تكن هناك إجابة مقنعة لهذا السؤال. أحيانًا يشعر المجرم أن من مصلحته أن يفعل شيئًا تفترض القواعد أنه لم يكن ليفعله.
أطال ديفينش التفكير في الأمر بينما كان يتناول العشاء بأحد المطاعم. كان يبدو أنه ما من شيء مريب تجاه جيمسون، لكن لا أحد يعرف. أحيانًا يبدو مثل هذا الرجل التافه، النحيف الضعيف البنية، غاية في المكر والخداع.
عندما انتهى ديفينش من تناول وجبته، عاد مسرعًا إلى المتجر، مصطحبًا معه هذه المرة الرقيب ديفيز، وتوجَّها مباشرة إلى الشقة. جلس الاثنان في غرفة الاستقبال يدخنان أثناء مناقشة ديفينش للأدلة مع مساعده.
بدأ المحقق الحديث قائلًا: «بما أنه لا يوجد ثقوب أو شقوق بثيابهما، فمن المؤكد أن هناك من ألبسَهما هذه الثياب بعد موتهما، لكننا نريد معرفة من أين أتت تلك الثياب.»
«بالنسبة إلى بِزَّة العمل، أقصد بِزَّة العمل الزرقاء، فهي بِزَّة اعتاد ارتداءها أثناء العمل في ورشته هناك يا سيدي.»
«توقعت ذلك. كان مقاسها مناسبًا له تمامًا لدرجة أنه يستحيل أن تكون مجرد صُدفة. أيضًا كان هناك عدد زوجي من تماثيل العرض الشمعية في تلك الواجهة، وكانت جميعها واقفةً في أزواج. وبما أن ماندر لم يكن يرتدي ملابس تنكُّرية، فقد بدت الآنسة تيومر شاذة عن النمط. هل عرفت من أين جاء الزي التنكري الذي كانت ترتديه؟»
أومأ ديفيز برأسه. «من هنا يا سيدي. يبدو أن المصممين قدموا أفكارًا وتصميمات إلى ماندر. وكان هذا الزي أحد التصميمات التي رفضها، ولكن كبير الخدم تعرَّف عليه. لقد أخبرني أن ماندر تركه ملقًى دون اهتمام.»
قطَّب ديفينش جبينه. ثم قال: «حسنًا جدًّا. هذا بالنسبة إلى الثياب. والآن نأتي إلى هذا الجرح الذي أصاب المرأة. لست مقتنعًا بموضعه. هل بدا لك … أقصد، إذا كنت ستطعن شخصًا ما، فهل كنت ستختار هذا المكان؟»
فكَّر الرقيب مليًّا. ثم قال: «لا يا سيدي، لا أظن أنني كنت سأختاره. لقد تعجبت أيضًا؛ فالطبيعي هو الطعن إما في الحلق أو فيما بين الكتفين.»
أمَره ديفينش قائلًا: «افتح هذه النافذة واجلس على الحافة، وانظر في هذا الاتجاه.»
نهض ديفيز وامتثل للأمر. بدأ ديفينش يمثل مشهد إطلاق النار، وجرَّب التصويب نحو مساعده من مواضع مختلفة، ثم تنهَّد.
قال: «هذا المكان أعلى بكثير من أي مبنًى مجاور. ولكن من الأفضل تحرِّي الدقة ومواصلة العمل. إن أُطلقت الرَّصاصة من هذه الزاوية، كانت ستصيب مكانًا ما في نطاق ألف ياردة على الأكثر، سواء كان ماندر جالسًا أو واقفًا. علينا أن نتقصَّى في كل المباني القريبة. فقد نجد نافذةً مكسورةً أو جصًّا أو حجرًا مُشظًّى. يمكننا أيضًا الحصول على بعض الصور الفوتوغرافية من هنا باستخدام عدسة مُقرِّبة لنرى إن كانت ستُظهر أيَّ شيء. سوف تقوم بهذه المهمة غدًا، أليس كذلك؟»
وافق ديفيز، ثم جلس مرة أخرى بعدما أغلق النافذة ليَحولَ دون دخول الهواء البارد الرطب القادم من الظلام خلفه.
قال في تردُّد: «سيدي، لا يمكنني الكفُّ عن التفكير في أن هناك شيئًا مُريبًا بشأن السيد كيفيم.»
«لماذا تظن ذلك؟»
«لقد جاءت سيدة شابة جميلة لزيارته اليوم، يا سيدي. رآها كوربيت تدخل إليه وتبدو عليها جِديَّة شديدة. مكثت لديه ما يزيد على الساعة، ويقول إنها خرجت مبتسمةً وسعيدة جدًّا.»
ضحك ديفينش. ورد قائلًا: «عزيزي ديفيز، لو أن هذا كل ما في الأمر، لأصبح الكثير من رجال المدينة محل اشتباه.»
«كلا، لم تكن زيارتها للسيد كيفيم هي كل شيء يا سيدي. لقد تعقَّبها كوربيت إلى المنزل، وأجرى تحرياته، ويبدو أنها كانت صديقةً مُقرَّبة للآنسة تيومر.»
اندهش المحقق وأخذ يفكر. هل يمكن أن تكون هذه السيدة هي السيدة هوو؟ لقد كانت تعرف كيفيم بالطبع، لكن هل كانت تحاول الحصول على أخبار للصحافة، أم كان هناك دافع شخصي وراء زيارتها؟
رد قائلًا: «ربما لا يعني ذلك شيئًا، لكن عليك مراقبة السيدة هوو، إن كانت هي تلك الشابة. لقد قابلتُها، وتركَت لديَّ انطباعًا إيجابيًّا؛ لكن الفكرة التي كوَّنتها عنها أنها لم تكن تحب صديقتها للدرجة التي أرادت إقناعي بها.»
قال ديفيز: «سوف أراقبها يا سيدي، لكن هناك شيئًا آخر أردت معرفته. هذا الجهاز الموجود بالمتجر الذي يسمح للحارس بسماع صوت أي شخص يتحرك بين الأقسام ليلًا، أظن أن مان ربما عطَّله. أتساءل كيف فعل ذلك.»
قال ديفينش: «من السهل تعطيله؛ ما يثير اهتمامي هو حقيقة أنه عُطل بحيث لا يمكن لأحد ملاحظة ذلك عند الفحص السريع لوصلة الميكروفون.»
«نعم يا سيدي، هذا صحيح.»
«حسنًا، هناك مُهمَّة سأكلفك بها. ربما يكون هذا الرجل يعشق النوم، وأراد أن يغفوَ بين حين وآخر. لا شك أن ذلك الميكروفون يُصدِر ضجيجًا شديدًا أيضًا عند مرور السيارات في الشارع.»
وافقه الرقيب الرأيَ قائلًا: «هذا صحيح، يظنُّ الكثير منهم أن وظيفة الحارس الليلي وظيفة تجلب المال بسهولة.»
«إذن، أرجو أن تتحدث معه مرة ثانية، وعليك أيضًا جمع أيِّ معلومات عنه من محيط سكنه. وتحقق كذلك ممَّا إذا كان السيد كيفيم أو السيد كين، أو أي شخص معنا في هذه القضية، كان على اتصال به. الآن سأصعد إلى السطح. هل معك كشافك؟»
«أجل يا سيدي.»
أثناء صعودهما السلالم أشار ديفينش إلى أن شمعات الاحتراق المفقودة تُسبِّب له حَيرة شديدة.
قال: «لو لم تكن هذه الضوضاء ناتجةً عن هبوط الطائرة الجايروكوبتر، فربما كان سببها المحرك الموجود على المنضدة الموجودة بالورشة. وإذا كانت الضجة بسبب المحرك بالورشة، إذن فالقاتل أزال شمعات الاحتراق بعد أن أنهى مُهمَّته.»
قال ديفيز: «لا أفهم ما تعنيه يا سيدي.»
هزَّ ديفينش كتفَيه. ثم قال: «لو أن طائرة جايروكوبتر لم تهبط هنا، ومع ذلك كانت هناك آثار للإطارات على السطح، فإن هذا سيعطي انطباعًا بأن هبوطًا قد حدث. لكن لتأكيد هذا الانطباع، كان لا بدَّ من وجود صوت محرك الطائرة، أليس كذلك؟ إذن من المؤكد أن القاتل شغَّل المحرك الموجود على المنضدة ليصدر الصوت، ثم أزال شمعات الاحتراق ليثبت أن المحرك لا يمكن أن يكون هو مصدر الصوت.»
عند دخوله سطح الشقة أخرج كشَّافًا من جيبه. وأشعل ديفيز كشَّافه أيضًا.
قال ديفينش: «تشير جميع الأدلة المتعلقة بآثار الدماء إلى أن الاثنين قد قُتلا بالأسفل، لكن الرَّصاصة المفقودة توحي بعكس ذلك، وهذه في رأيي هي المشكلة الحقيقة. لدينا هنا بالأعلى كل ما نحتاجه لحل اللغز، وأود البَدء فورًا. ربما أكون مخطئًا، لكنني أشعر بأننا هنا أقرب لحل اللغز من أسفل. كم عدد الرجال الموجودين بالمتجر الآن؟»
«لدينا بالأسفل سبعة رجال، كل منهم يعمل على مُهمَّة مختلفة يا سيدي.»
«حسنًا. أحضرهم إلى هنا بسرعة. كلا، أرسل اثنين منهم إلى قسم المعدات أولًا، واطلب منهما إحضار غربال لكل واحد منهما. هذه الحواجز الرملية لهبوط الطائرة هي الشيء الوحيد الذي كان قادرًا على صدِّ الرَّصاصة.»
قال ديفيز مندهشًا: «أنت على حق، يا سيدي. لم أفكر في ذلك قط.»
أخذ ديفينش يفكِّر. ثم قال: «إنه مجرد احتمال. لقد ذهبت الرَّصاصة إلى مكان ما. اذهب الآن، أيها الرقيب.»
هُرع ديفيز عبر السلم. واقترب ديفينش من إحدى أكوام الرمال العالية عند أحد أطراف السطح، وركَّز شعاع كشَّافه عليها.
حدث نفسه وهو يرفع ياقةَ مِعطَفه لصدِّ هواء الليل البارد قائلًا: «لو كانت هنا، فسيقلل ذلك من الاحتمالات بعض الشيء، لكن تُرى ماذا كانا يفعلان هنا بالأعلى في فصل الشتاء بحق الجحيم؟»
عندما عاد الرقيب ومعه الرجال السبعة، كان المحقق مُتكئًا على الحاجز يُدخِّن ويُفكِّر. كان يتحلى ببعد النظر حين جعلهم يُحضرون كشافات بالإضافة إلى الغرابيل، ومِن ثَمَّ أصبح هناك الكثير من الضوء المُسلَّط على أكوام الرمال عندما بدأ الرجال العمل.
كانت أكوام الرمال عميقة وكثيفة، وانطفأت الكشَّافات واستُبدل بها أخرى من المتجر مع مرور الوقت. فمُهمَّة غربلة وفحص أطنان من الرمال تحتاج إلى وقت طويل، ومرت ساعتان قبل أن يقتنع ديفينش بأن الكومة الأولى لا تحتوي على أي شيء ذي أهمية.
عند حلول منتصف الليل، نزل إلى الشقة وطلب من كبير الخدم أن يُعِدَّ لهم بعض القهوة الساخنة بينما بدأ الرجال في غربلة الكومة الثانية. أخذ الجميع استراحة عشر دقائق لشرب القهوة، ثم عادوا لمباشرة العمل بحماس جديد.
لكن بدأ التشاؤم يعتري ديفينش وهو يراهم يغربلون الكومة شيئًا فشيئًا. كانت لديه قناعة قوية بأن الرمال ربما تُخفي سرَّ الجريمة، وازداد تشاؤمًا عندما انتهوا من غربلة الكومة الأولى، ونصف الثانية بدون أي نتائج.
قال لديفيز: «يبدو أن الطرق المختصرة لا تختصر المسافات.»
وبينما يقول ذلك، صاح مخبر كان يقف أقصى يمينه بحماس شديد.
«انظر إلى هذا يا سيدي!»