كوتشيا
١
ولكن لم يوافقه إيياس وقال: «لا يَختلف هذا الأمر مع موت الجميع. أحضِر تلك الرأس في أي حال.»
تقهقر ماسازومي إلى الغرفة المجاورة مرةً أخرى، وجلس بلا حراك أمام الرأس المغطَّى بقطعة قماش لوقت طويل.
ثم وجه إيياس حديثه إلى الغرفة المجاورة قائلًا: «ألا تُسرع؟»
لقد أضحى ناويوكي بان، الذي كان جنديَّ مشاة في مدينة يوكوسوكا بإقطاعية إينشو، في زمن وجيز واحدًا من عظام المحاربين المعدودين بين ساموراي الدولة اليابانية المشهورين. ليس هذا فقط، بل إن القائد إيياس كان في أحد الأوقات يُساعده بمبلغ يُقدَّر بمائتي قطعة من الذهب سنويًّا؛ لأنه كان سيد «أومان» محظية إيياس التي ولدت له ابنه «يورينوبو». وفي النهاية بخلاف مهارته كساموراي، تدرَّب ناويوكي على طريقة الزِّن تحت قيادة الراهب الكبير دايريو، وبالتالي ليس من سبيل الصدفة أن تنشأ تلك الرغبة لدى إيياس في التأكُّد من رأس ناويوكي هذا …
ولكن ماسازومي امتنع عن الرد، وبدأ يتحدث من تلقاء نفسه إلى ماساناري ناروسيه هاياتونوشو وإلى توشيكاتسو دوي أوينوكامي اللذَيْن يَنتظِران في غرفة مجاورة: «لقد سمعت أن المرء أيًّا كان، كلما كبر في العمر تقوى لديه العاطفة. حتى القائد الأعظم الذي وصل للقمة في أخلاق الساموراي لا يختلف في ذلك عن الآخرين. إنَّ ماسازومي حاول بقدر الإمكان الحفاظ على التقاليد العريقة للساموراي، إن رأس ناويوكي حتى وإن كان هو الرأس الأول، ولكنَّها تفتح عينيها على وسعهما، لذا فقد رفضتُ عرشها للفحص، ولكن أليس أمر القائد الأعلى بعرضها مع ذلك على ناظريه، دليلًا جيدًا على أهميتها؟»
بعد أن سمع إيياس كلمات ماسازومي عبر باب الغرفة الذي رُسم عليه الزهور والطيور التقليدية، بالطبع لم يطلب مجدَّدًا أن يفحص رأس ناويوكي.
٢
وعندها، في نفس ليلة الثلاثين من الشهر ذاته، صرخت فجأة امرأة تعمل خادمة في مقر إقامة ناوتاكا إيي كامون نوكامي وكأنَّ مسًّا من الجنون أصابها، كانت المرأة قد تعدت الثلاثين من عمرها لتوِّها واسمها كوتشيا.
«ألا تُجهز رأسًا لساموراي بحجم ناويوكي بان دان إيمون لكي يُعرض على القائد الأعظم؟ ذلك الرجل الذي كان قائدًا فريدًا وليس له مثيل؟ إن طالَه مثل ذلك الخزي والعار، فمن المؤكد أنه سيُنزِل لعنته عليكم …»
ثم ظلت كوتشيا تصرخ وهي تحاول الطيران في الهواء، وكانت قوتها تلك بدرجة لا يستطيع من حولها من رجال ونساء أن يُسيطروا عليها تقريبًا، ومن المؤكد أن الضوضاء التي أحدَثوها من أجل أن يَسحبوها لتجلس وكذلك صراخها العالي لا يمكن التعبير عنهما في كلمة واحدة.
وكذلك كان من المُحال ألا تصل أخبار تلك الجلبة التي حدثت في مقرِّ إقامة القائد إيي إلى أذن القائد الأعظم إيياس توكوغاوا، ليس هذا فقط، بل لقد التقى ناوتاكا بإيياس وتحدث إليه أن الجميع في خوفٍ بسبب حلول رُوح القائد ناويوكي الشريرة على كوتشيا.
«ليس من العجيب أن تنزل لعنة ناويوكي، لنُسرع إذن بإجراء طقس عرض الرأس.»
أنزل إيياس أمره هذا بحزم تحت إضاءة الشموع العملاقة.
اتَّشح طقس عرض رأس ناويوكي في الغرفة الرئيسة لقلعة نيجوجو في ذلك الوقت المتأخر من الليل بحلَّةٍ من المهابة أكثر من لو أُجرِي في النهار، ارتدى إيياس معطفًا بُنيَّ اللون فوق الهاكاما وانتهى من مراسم فحص رأس ناويوكي بإيجاز، وكان الاثنان اللذان يحملان الرايات على يمين ويسار ذلك الرأس على أهبة الاستعداد بوضع كلٍّ منهما يده على مقبض سيفه لنزعِه من غمده في أي لحظة، مع صب نظراتهما بثبات على الرأس أثناء ما كان إيياس يفحصه. لم يكن رأس ناويوكي ساقط اللحم، ولكنه فوق كونه تلون بلونٍ برونزي، كان يفتح عينيه على وسعهما كما قال ماسازومي هوندا.
«من المؤكد أن بذلك ارتاح دان إيمون بان.»
قال ذلك جين إيمون يوكوتا أحد حاملي الرايات ثمَّ حيَّا إيياس بانحناءة منه.
ولكن أومأ إيياس فقط، ولم يجب بشيء على كلمته تلك.
ليس هذا فقط، ولكنَّه استدعى ناوتاكا وقرَّب فمه من أذنه وأمره بصوت خفيض قائلًا: «ابحث عن أصل تلك المرأة!»
٣
وبالطبع لا يُعقَل ألا تصل أنباء فحص إيياس لرأس ناويوكي إلى مقر إقامة القائد إيي، وعندما وصلت تلك الأخبار إلى سمع كوتشيا، برزت على محياها ابتسامة ورفعت صوتها بالقول: «ارتياح، ارتياح.» ثم غرقت في نعاس عميق جدًّا يدل على إرهاقها الشديد، وبذلك اطمئن أخيرًا رجال ونساء مقر القائد إيي؛ ففي الواقع لا ريب أن صوت كوتشيا الغليظ مثل صوت الرجال كان يثير الرعب وهو يسب ويلعن.
ثم صبح الصباح فقرر ناوتاكا استدعاء كوتشيا على الفور، وسؤالها عن أصلها وفصلها، كانت تلك المرأة نحيفة نحافة شديدة لكي تخدم في مثل ذلك المقر، وعلى الأخص كتفاها اللَّتان لا تُثيران الشفقة بل على العكس تبعثان على التألم.
«أين وُلدتِ؟»
«في نطاق قلعة هيروشيما غيشو.»
ظلَّ ناوتاكا يُحملق في كوتشيا أثناء ذلك الحوار، ثم سألها آخر سؤال ببطء: «بمعنى أنك لكِ علاقة بالقائد بان؟»
يبدو أن كوتشيا فوجئت قليلًا بالسؤال، ولكنها على عكس المتوقع أجابت بوضوح بعد حيرة بسيطة: «أجل، مع خجلي من ذلك …»
طبقًا لحديث كوتشيا فقد أنجبت طفلًا من ناويوكي.
«ربما كان ذلك هو السبب، عندما سمعتُ ليلة أمس عدم فحص الرأس، ومع أنني أنثى فقد شعرت بخيبة أمل، وعرفتُ أنني فقدتُ عقلي، وتلفظتُ بأشياء عديدة، مع أنني لا أتذكر أيًّا مما حدث …»
يبدو أن كوتشيا أصابها هياج خفيف وهي تقول ذلك وكفَّاها على الأرض مُطأطئة الرأس، وقد أعطَت أشعة شمس الصباح لجسدها النحيل بريقًا خفيفًا يشبه الثلج.
«حسن، حسن. يُمكنك الانصراف وأخذ راحة.»
بعد أن جعَل ناوتاكا كوتشيا ترحل، ذهب مجدَّدًا لرؤية إيياس تحدث إليه بكل المعلومات عن تلك المرأة.
«كما توقعت، كانت لها علاقة مع دان إيمون بان.»
ابتسم إيياس لأول مرة، إنَّ الحياة تبدو له واضحة جلية مثل خارطة طريق طوكايدو. إنه يشعر بحقيقة أن لجنون كوتشيا — مثلما لكل شيء — ظاهر وباطن كما علَّمته الحياة دائمًا، إن ذلك التَّوقُّع هذه المرة أيضًا، تطابق مع خبرته التي تخطَّت السبعين عامًا …
«بالضبط كما توقَّعت.»
«ماذا نَفعل في تلك المرأة؟»
«لا بأس، دعها كما هي في خدمتك.»
كان ناوتاكا يشعر بالغضب قليلًا.
«ولكن، ماذا عن جريمة السُّخرية من مقامكم؟»
صمت إيياس لبعض الوقت، ولكن كانت عيون قلبه تتَّجه نحو ظلام في قاع الحياة، ونحو الوحوش المتعدِّدة داخل ذلك الظلام.
«هل تسمح لي بأن أفعل بها ما يتراءى لي؟»
«ماذا! السخرية من مقامي! …»
في الواقع كان ذلك أمرًا لا يشكُّ فيه ناوتاكا بتاتًا، ولكن أجاب إيياس سريعًا بردٍّ مَهيب وكأنه يتوجَّه به إلى أعدائه وهو كما هو يَفتح عينَيه على وسعهما: «كلا، من المحال أن يسخر مني أحد!»
•••