وادي النطرون
(١) وصفه الجغرافى
هو واد مستطيل منخفض فى صحراء لوبية يتجه من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي ويبلغ طوله ٦٠ الف متر وطول البحيرات التي فيه ٣٠ الف متر. ومتوسط عرضه بالامتار ١٠ آلاف. وأحط منسوب فيه وهو بالطبع منسوب بحيراته ٢٢ مترًا تحت سطح البحر. وتبلغ المسافة من طرفه الجنوبي الشرقي إلى مدينة القاهرة ٨٠ الف متر ومن طرفه الشمالي الغربي إلى مدينة الاسكندرية ٨٥ ألف متر. وماء بحيراته ملح ولاشك عندنا أن جزءًا من مائها مستمد من ماء النيل بدليل أنها تزيد في زمن فيضانه وتنقص في وقت التحاريق حتى ان بعض هذه البحيرات يجف جفافا تاما في فصل الصيف. أما عمقها فلا يزيد على مترين.
(٢) لمعة في تاريخه
إن الصحراء الواقع فيها وادي النطرون كانت فى العصور الخالية قسما من لوبية التي كانت في تلك الأزمان قطرًا قائمًا بذاته ذا كيان سياسي خاص. وكان سكانه اللوبيون في خصام مستمر مع المصريين حتى لقد كانوا يأتون ليقتتلوا معهم في أرض مصر ذاتها. وكانت سيطرة ملوك مصر الأقدمين لا تتخطى حدود أراضيها المزروعة. وكان اللوبيون يغيرون أحيانًا على مصر السفلى ويطلقون أيديهم فيها نهبًا وسلبًا حتى أنهم في وقت من الاوقات احتلوا الجزء الغربي من مديرية البحيرة الحالية.
غير أنه مع تداول الايام انتهى الامر بأن تغلب المصريون عليهم وضموا إلى مصر الجزء التابع الآن لها من صحراء لوبية.
ولرب سائل يسأل في أي عصر استحوذ المصريون على وادي النطرون؟
فتقول إن الجواب على ذلك عسير لأن التاريخ أغفل عن ذلك. وعلى أي حال فان هذا الامر لم يتم قبل القرن الثاني عشر قبل الميلاد. والذي حدا بنا إلى هذا القول هو أن رمسيس الثالث أول فراعنة الاسرة العشرين رد غارة من غارات اللوبيين على الوجه البحري عام ١١٧٠ق.م وهزمهم فيها شر هزيمة. وهذا آخر ما ذكره التاريخ من الحروب التي دارت بين الفريقين.
(٣) بحث وتحقيق عن ثلاث مدن
ولاحاجة إلى البحث والتنقيب كثيرًا لمعرفة المنطقة التي كانت توجد بها هذه المدينة إذ أنها كما يدل على ذلك اسمها كانت بلا شك في وادي النطرون.
وهذه المدائن الثلاث وهي «سياتيس» و«نيتريا» و«بيامون» لا بد أن تكون أطلالها هي التي ذكرها أبو عبيد البكري أحد مؤلفي العرب؛ وسيأتي ذكره فيما بعد. ولا يوجد في أيامنا هذه أي أثر ظاهر يمكن أن يستدل به علي مواضعها.
أما برية شيهات فقد روى أميلينو في أثناء الكلام عنها أن أول ماظهر اسمها كان في كتاب (سيرة حياة القديس مقار الكبير). وأما موقعها من نيتريا فيمكننا أن نعينه بالطريقة الآتية:
قد ذكر في قصص حياة القديسين الذين شيدوا الأديرة المعروفة لنا أماكنها الآن سواء أكان ذلك بسبب بقاء أبنيتها قائمة إلى الآن أم بسبب بقاء أطلالها، أن هؤلاء القديسين قضوا مدة حياتهم في برية شيهات. وأن الاديرة المسماة بأسمائهم شيدت في الأماكن التي كانوا يقطنون بها. وأن جميع هذه الأديرة الحالية وخرائب الأديرة التي نراها اليوم قائمة على أرض المنطقة التي تسمى برية شيهات. وعلى ذلك نرى أن منطقة نيتريا كانت حتما قائمة بذاتها على انفراد في قسم الوادي الواقعة فيه البحيرات وحقل النطرون.
وقد سمى القبط والعرب وادي النطرون الحالي بالاسماء الآتية وهي: «برية الاسقيط» و«برية شيهات»، ومعنى شيهات (ميزان القلوب)، و«وادي الرهبان» و«وادي الملوك» و«وادي هبيب». والاسمان الأولان وضعا في الحقيقة لبرية شيهات دون سواها. والثلاثة الأخر وضعت لنيتريا حيث كان يقيم فيها أيضا طائفة من الرهبان هجروها بالتدريج فيما بعد ليحتشدوا في الاديرة الحالية.
وهذه الهجرة كانت بلا مراء السبب في الخلط الذي حدث بين الناحيتين المذكورتين وعزو جميع هذه الأسماء إلى الوادي الذي يحتويهما.
(٤) حاصلاته
- (١)
النطرون.
- (٢)
الملح.
- (٣)
نبات الحلفاء الذي تصنع منه الحصر.
وأهم هذه الحاصلات الثلاثة هو النطرون. غير أننا لا نعلم الطريقة التي كان يستعملها الأقدمون للانتفاع به. وكان يوجد بوادي النطرون في الأزمان الغابرة مصانع للزجاج ولكن لا يوجد لها أثر في الوقت الحاضر.
(٥) ما قاله مؤلفو العرب عن هذا الوادي وحاصلاته
النطرون يوجد في معدنين بالديار المصرية أحدهما في البر الغربي ظاهر ناحية يقال لها الطرانة بينه وبينها نهار وهو صنفان أحمر وأخضر. والآخر بالفاقوسية وليس يلحق في الجودة بالأول وهو محظور محدود لا سبيل إلى أن يتصرف فيه غير مستخدمي الديوان. والنفقة علي كل قنطار منه درهمان. ويبلغ ثمن القنطار لموضع الحاجة إليه سبعين درهمًا وأكثر من ذلك. والعادة المستقرة فيه الآن أنه متى أنفق الديوان على المستخدمين من أجرة حمولة عشرة آلاف قنطار التزموا حمل خمسة عشر الف قنطار والزيادة فيه نصف قنطار. وتؤخذ خطوط المستخدمين بالتزام ذلك. والذي تدعو الحاجه اليه في كل سنة من صنفه ثلاثون الف قنطار ويلزم الضمنا تسلمه من ناحية الطرانة ليسلم الديوان من نقص وزنه وخطر غرقه. وهذا المعنى وإن كان فيه حوطة للديوان فهو يؤدي إلي تأخير الأقساط عند الضمنا. لأن من عادتهم أنهم متى لم يقبضوا نطرونا لم يلزمهم عنه ثمن. فهم أبدا يؤخرون قبض جميع ما لهم فيه أو اكثره ليجدوا ما يحتجون به. ولا يغرمون من صنفه ما يبتاعونه فلتا من العربان لعجز النواب عن ضبط الوادي وحفظه منهم فيحصلون على فائدة الضمنا وكسر مال الديوان. وليس للضمنا من المتعيشين في الغزل ما يبتاع شئ منه. وانما المبيضون وأصحاب التنانير يحتاجون اليه ولا يجدونه إلا عندهم فتلجئهم الضرورة إلى ابتياعه منهم بالسعر المقدم ذكره على ما ينفق من غير زيادة فيه. وهذا الباب مصروف ماله أو أكثره في نفقات الغزاة وقواد الاسطول. ومما يتضرر الضمنا منه بيع صنف يقال له الشوكس لأن المبيضين يستغنون به في بعض أشغالهم وجرت عادة النواب عن الديوان بالمنع من ذلك ومكاتبة الولاة بالتحذير منه. وللنطرون ضرائب مختلفة. فهو في مصر بالمصري. وفي بحر الشرق والغرب بالجروي وكذلك في الصعيد. وفي دمياط بالتنيسى. ا.ﻫ.
وذكر ابن دقماق المتوفي عام ٧٩٠ﻫ (١٣٨٨م) في كتابه (الانتصار لواسطة عقد الأمصار) ج ٥ ص ١١٣ أن مساحة وادي هبيب مائتان وسبعة من الأفدنة إيرادها مائتا دينار أي ١٢٠ جنيهًا.
ومن المحتمل كثيرا أن يكون المبلغ الذي ذكره هو ايراد الارض التي بها طبقات النطرون إذ لا توجد في هذا الوادي أرض للزراعة حتى يمكن أن يعزى اليها هذا الايراد.
وذكر ابن الجيعان المتوفي عام٨٠٠ﻫ (١٣٩٨م) في كتابه (التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية) ص ١٣٦ أن وادي هبيب كان تابعا لمديرية البحيرة وكان من مرعى الاغنام والجاموس باسم العربان قديمًا وحديثًا.
وبها (أي الديار المصرية) معدن النطرون وهو منها في مكانين: أحدهما: بركة النطرون التي بالجبل الغربي غربي عمل البحيرة الآتي ذكره في جملة أعمالها المستقرة وهي من أعظم المعادن واكثرها متحصلا على حقارة النطرون وقلة ثمنه.
قال في «التعريف» لا يعرف في الدنيا بركة صغيرة يستغل منها نظيرها فانها نحو مائة فدان تغل نحو مائة الف دينار (٦٠٠٠٠جنيه).
والثاني، مكان بالخطارة من الشرقية ولا يبلغ في الجودة مبلغ البركة الأولى ولا يبلغ في المتحصل قريبًا من ذلك. ا.ﻫ.
وادي مصر يكتنفه جبلان شرقًا وغربًا. أما الغربي منهما فانه يبتدئ من الجنادل أيضًا ويمر في الشمال فيما بين بلاد الصعيد والصحراء ثم فيما بين بلاد الصعيد والواحات ثم فيما بين بلاد الصعيد والفيوم حتى ينتهي إلى مقابل الفسطاط. وهناك موقع الهرمين العظيمين المقدم ذكرهما على القرب من بوصير ثم ينعطف ويأخذ غربًا بشمال فيما بين بلاد ريف الوجه البحري والبرية حتى يجاوز بركة النطرون ويمضي إلى قريب من الاسكندرية. ا.ﻫ.
وادي هبيب بالجانب الغربي من أرض مصر فيما بين مريوط والفيوم — إلى أن قال — وهو كثير الفوائد فيه النطرون ويتحصل منه مال كثير وفيه الملح الاندراني والملح السلطاني وهو علي هيئة ألواح الرخام. وفيه الوكت والكحل الأسود ومعمل الزجاج. وفيه الماسكة وهو طين أصفر في داخل حجر أسود يحك في الماء ويشرب لوجع المعدة. وفيه البردي لعمل الحصر. وفيه عين الغراب وهو ماء في هيئة البركة وطولها نحو خمسة عشر ذراعًا في عرض خمسة أذرع في مغار بالجبل لا يعلم من أين يأتي ولا إلى أين يذهب وهو حلو رائق. ا.ﻫ
وأما النطرون فيوجد في البر الغربي من أرض مصر بناحية الطرانة. وهو أحمر وأخضر ويوجد منه بالفاقوسية شئ دون ما يوجد في الطرانة وهو أيضًا مما حظر عليه ابن مدبر من الأشياء التي كانت مباحة وجعله في ديوان السلطان. ا.ﻫ.
وكان ابن المدبر هذا عاملا على خراج مصر قبيل عام ٢٥٣ﻫ (٨٦٧م) في خلافة المعتز بالله. ثم جعل على خراج الشام حوالي سنة ٢٥٩ﻫ (٨٧٣م) في خلافة المعتمد على الله.
فلما تولى الأمير محمود بن عليّ الاستادارية وصار مدبر الدولة في أيام الظاهر برقوق حاز النطرون وجعل له مكانًا لا يباع في غيره وهو إلى الآن على ذلك. ا.ﻫ.
(٦) ما قاله المؤلفون الآخرون فى هذا الصدد
(٧) وصف استخراج النطرون بقلم أحد رجال الحملة الفرنسية
إن استغلال بحيرات وادي النطرون هو قسم من التزام الطرانة التي مركزها داخل في حدود مديرية الجيزة الجديدة. وإن هذا المركز يشمل ست قرى وهي «البريجات» و«كفر داود» و«الطرانة» و«الأخماس» و«الخطاطبة» و«أبو نشابة».
ويسد الفلاحون القاطنون بهذه القرى ما عليهم من الأموال الأميرية بنقلهم النطرون. وعندما يتعسر استخراجه بسبب وجود الأعراب أو لدواع أخرى يكلف الفلاحون بدفع إحدى عشرة بارة عن كل قنطار من النطرون الذي كان يجب عليهم نقله. ويباع قنطار النطرون بمبلغ يتراوح بين ٧٠ و١٠٠ إلى ١٢٠ بارة ويدفع الشاري أجرة شحنه بالمراكب. ويقوم الملتزم بتوريد البارود والرش لحراسة القوافل. ويباشر نقل النطرون في الفترة مابين بذر المحاصيل وحصدها في الأراضي الزراعية.
ومستودع النطرون في الطرانة فيشحن منها في المراكب ثم يرسل إلى رشيد ودمياط ومنهما يوسق إلى سورية وأوربا أو يرسل إلى القاهرة فيباع فيها لتبييض الكتان ولصناعة الزجاج.
وتحتشد قوافله في الطرانة وتتألف كل قافلة عادة من ١٥٠ جملا ومن ٥٠٠ إلى ٦٠٠ حمار. وتسافر مع حرسها عند غروب الشمس وتصل في النهار فتكسر النطرون وتحمله وتعود عاجلا. وتقف القافلة في منتصف الطريق وتوقد النيران بروث حمير القافلة وجمالها التي مرت قبلها. وعدم وجود الوقود يكره القوافل التي تمر بالصحراء على التوالي أن تقف دائمًا في معسكرات القوافل التي سبقت. فيشرب الرجال وحداة الابل القهوة ويدخنون في الغلايين ويتزودون ببعض الأرغفة وذلك بحل شئ من الدقيق في وعاء من الخشب ويخبز العجين على النار. ويشكل قائد الحرس نقطًا للخفارة اتقاء شر الأعراب. وبعد ذلك تسير القوافل في طريقها وترجع إلى الطرانة في صبيحة اليوم الثالث.
ويقدر ما تحمله القافلة الواحدة بستمائة قنطار من النطرون. وإن صعوبة التوغل في الوادي قد حالت دون تحين أية فرصة لمراقبة البحيرات بكيفية صيرت ادارتها تتمشى على غير النظام. وضفاف هذه البحيرات كما سبق القول مغطاة بأكوام من النطرون بلورية لاتمس مطلقًا مع أنه في الاستطاعة الاستفادة منها كثيرًا إذ توجد منه كميات هائلة. وفي أيامنا هذه لا تستغل سوى البحيرة رقم (٤) فيدخل الرجال فى الماء وهم عراة الأجسام ويكسرون النطرون وينّزعونه وذلك بواسطة آلات حديدية (كلابات) زنة الواحدة ستون رطلا تقريبًا وتنتهي بطرف حاد. أما النطرون الذي على سطح الارض ويمكن رفعه بعناء أقل كثيرًا منه في رفع النطرون الذي في الماء فلا يعيرونه التفاتًا. ومن المناظر الغريبة أن يرى الانسان هؤلاء المصريين ذوي البشرة السوداء أو السمراء يخرجون وبشرتهم بيضاء من الملح الذي يعلق بها أثناء هذا العمل.
(٨) النطرون فى عهد محمد على
في عام ١٨٢١م كان يسكن في الطرانة عامل من عملاء محمد علي باشا. وكان هذا العامل مكلفًا بمراقبة القوافل التي تحمل النطرون عند سفرها من البحيرات إلى الطرانة. وكان يرسل من هذه القرية إلى الاسكندرية ليباع فيها. وكان الوالي يستغل هذه المادة لحسابه. وقد بلغت أرباحها في تلك السنة ٦٠٠ كيس أي ٣٠٠٠ جنيه. ا.ﻫ.
في ابتداء حكومة العزيز محمد علي قد التزم النطرون رجل من إيطاليا يقال له بافي كان قبل ذلك مستخدما في مالية دولته وهرب منها وقت قيام الفتن وكان عالمًا نبيلا فأعطاه العزيز رتبة أميرألاي وعرف بين الناس باسم عمر بك وبما جدده في أمر النطرون حدثت فيه أرباح عظيمة وهكذا كانت عادة النطرون أن يعطي التزامًا بشروط مع الحكومة.
(٩) النطرون فى سنة ١٨٧٥م (عهد الخديو اسماعيل)
والآن أعني في سنة اثنتين وتسعين ومائتين وألف هجرية (١٨٧٥م) قد ترك ذلك وصار استخراجه على ذمة الحكومة لأنه أربح وأكثر فائدة ومبلغ ما يستخرج منه كل سنة يقرب من ستين ألف وزانة والوزانة ستون أقة وهو يعادل مائة الف قنطار. وقيمة القنطار في المتوسط قريب من خمسة وعشرين قرشا ميرية وأجرة الجمل في نقله على كل قنطار ثلاثة قروش ميرية. وقد يمكن استخراج مبلغ من النطرون أكثر من ذلك لكن يلزم حينئذ عمل الطريقة التي تدعو التجار الأجانب إلى الرغبة فيه بأن يخلص من المواد الأجنبية في محل استخراجه ليخف حمله فيكثر طالبوه. ا.ﻫ.
(١٠) النطرون الآن
أما وادي النطرون الآن فمعطى بالالتزام لشركة يقال لها (شركة الملح والصودا) وهي شركة مساهمة. ومدة التزامها من ١٠ نوفمبر سنة ١٨٩١ إلى ١٠ نوفمبر سنة ١٩٤٧م.
(١١) المواد التى تحتوى عليها بحيرات النطرون
- (أ) خورطاى “Khortai” وهو مادة صلصالية توجد في قاع البحيرات غنية بكربونات الصودا.
- (ب) قورشف “Korshef” وهو مادة متبلورة توجد على شواطئ البحيرات. وهذه المادة غير نقية.
- (جـ) سلطاني “Sultani” وهو مادة متبلورة توجد في قاع البحيرات وهذه المادة كدرة للغاية.