الرهبان
(١) الرهبان قبل الفتح العربي
ومما لا ريب فيه أن حياة الترهب كانت لاتزال مستمرة حتى القرن الرابع الميلادي حيث ازدهرت بقديسيها المشهورين وارتقت إلى أرفع درجة بلغتها في هذه المنطقة وان كان التاريخ لم يذكر لنا شيئًا عن مصير الرهبان بعد العام المذكور.
وكان أمون يرى زوجته مرتين كل عام في منزل حياتهما الزوجية حيث كانت جعلته ديرا للعذارى. وقال القديس اطاناس انه لما توفى القديس أمون في صومعته بصحراء نيتريا تنبأ بوفاته القديس انطونيوس
ويؤخذ مما ذكر أن وفاة القديس أمون كانت قبل سنة ٣٥٦م وهي السنة التي توفى فيها القديس انطونيوس. واذا استعنا بالأدلة الأخرى استطعنا تعيين وفاة القديس أمون بوجه التقريب بين عام ٣٤٠ وعام ٣٥٠م. واسم هذا القديس لا تخلو من ذكرة قائمة من قوائم شهداء الكنيسة الارثوذكسية. وقد جعلت له هذه الكنيسة عيًدا في اليوم الرابع من شهر اكتوبر. أما في قائمة شهداء الكنيسة الرومانية فلا يوجد له ذكر ما. ا.ﻫ.
وأشهر القديسين الذين قضوا حياتهم في وادي النطرون هو بلا نزاع القديس مقار الكبير. وينبغي ألا نخلط اسمه باسم القديس مقار الاسكندري معاصره ورفيقه في صحراء شيهات. وقد ولد مقار الكبير حسب ما ورد في سيرته بكتاب (قديسو مصر ج ١ ص ١١٧) في اليوم الأول من القرن الرابع الميلادي. وقصد صحراء شيهات وهو في العقد الثالث من عمره أى سنة ٣٣٠م. وقضى في هذه الصحراء ستين عاما ثم أدركته الوفاة سنة ٣٩٠م وهو بالغ من العمر تسعين عاما. وليس في سيرته ما يستدل منه على أنه هو الذي بنى الدير المسمى الآن باسمه في وادي النطرون، بل العكس يؤخذ منها أنه كان يعيش في قلاية منعزلة في صحراء شيهات، وأنه كان ينتقل من هذه الناحية إلى نيتريا وغيرها.
وقد جاء في قاموس (الآثار النصرانية ص ٣١٢٥) أن هذا الدير أقيم على موقع سكنى القديس مقار. فاذا صح ذلك يكون محل هذا الدير صحراء شيهات.
وكان وادي النطرون يخيم على ربوعه السكون والطمانينة طول حياة القديس مقار، لأن البربر لم يشنوا غاراتهم على هذا الوادي إلا بعد وفاته. ومع أن هذا القديس لم يشهد هذه الحوادث فقد رووا أنه تنبأ بها قبل وقوعها وبالخراب الذي سيحل بهذه المنطقة.
وكان الرهبان في الأيام الأولى من قدومهم صحراء النطرون يقيمون في مساكن غير محمية بأي نوع من أنواع الحماية كما سبق ذكر ذلك. وقد يحمل هذا الأمر على الاعتقاد بأن السكينة في هذه الصحراء كانت تامة شاملة. ومع هذا فقد يحتمل أيضا أن هذه الصحراء كانت هادئة آمنة قبل قدوم الرهبان اليها، إذ كان لا يوجد بها من الغنائم ما يجعل البربر يطمعون فى غزوها. وفعلا لم يشن هؤلاء غاراتهم عليها إلا بعد قدوم الرهبان اليها وكثرة عددهم بها. وعلى أى حال لم يمض وقت قليل على وفاة القديس مقار حتى بدأ البربر يشنون الغارات عليها.
ويمكننا تعيين أول غارة شنوها على هذه الصحراء من سيرة القديس أرسانيوس الشماس الذي تنسك في برية شيهات. فقد جاء في كتاب (قديسو مصر ج ٢ ص ١٩٩) في موضوع من سيرته أن أرسانيوس هذا توفى عام ٤٤٥م. وجاء في موضع آخر منها أنه قضى قبل وفاته عامين في دير طرا، وقضى قبلها ثلاثة في جزيرة كانوب، وعشرة في دير طرا نفسه، وأنه قضى هذه الاعوام كلها بعد الغارة الثانية للبربر التي وقعت بعد غارتهم الأولى بعشرين عاما.
ويتتضح مما تقدم أن أميلينو يرى تعيين غارة البربر الأولى بين عام ٤٠٢ وعام ٤٣٠م مع أن غارتهم الثانية حدثت في هذا التاريخ الأخير كما سيأتي ذلك فيما بعد. ولعل هذه الغارة هي التي آشار اليها تيلمونت.
ويظهر أن الرهبان رحلوا جميعًا من الصحراء عند ظهور البربر فيها المرة الأولى في سنة ٤١٠م. ولم يبق بها على الترجيح سوى القديس أرسانيوس الذي أقام في الجبل وحده فظل هناك وتوكل على الله وهو مازال يردد هذه العبارة: (إن عناية الرب تشمل الجميع وما من أمر يحدث إلا بمشيئته. فلو كان الله قد أراد التخلي عني فلماذا اتمسك بالحياة).
ورُوى أن القديس أرسانيوس كان يمر بعد ذلك بين صفوف اللصوص المسلحين دون أن يشعروا به لأن الله يخفيه عن أبصارهم.
وبعد مضي عشرين عاما من هذا التاريخ وقعت الغارة الثانية للبربر أي سنة ٤٣٠م في عهد كيرلس الأكبر البطريرك الرابع والعشرين (٤١٢–٤٤٤). وقد ترك أرسانيوس في هذه المرة مكان نسكه وانسحب إلى دير طرا حيث أقام إقامته الأولى التي ظلت عشر سنوات.
وقد ذكر في سيرة حياة هذا القديس أن عهده يعتبر أوج حياة الترهب في صحراء الترهب في صحراء شيهات، وأنه استمر بعده الراغبون في الترهب يتوافدون على هذه الصحراء زمنا ويعمرون القلايات بها؛ إلا أن عددهم أخذ يقل يوما بعد يوم إلى أن جاء الفتح العربي فقطعت هذه الرغبة من أصولها.
وعلى هذا يمكن اعتبار عدد الخمسة آلاف ناسك الذي ذكره بلادبوس آنفا هو العدد الأقصى للرهبان الذين وجودا في هذه المنطقة.
وقطن في كانوب بالقرب من الاسكندرية وقتًا حيث زاره البطريرك تيوفيلس عدة مرات. وقد رفض أثناء اقامته بكانوب مقابلة سيدة رومانية كانت قد عبرت البحر لتظفر بكلمة منه. وأقام أيضًا زمنًا في تروجا (طرا اليوم) بين القاهرة وحلوان. وسافر اكثر من مرة من تروجا إلى كانوب والاسكندرية في أخريات حياته. وحادثه المعروف مع الأمة السوداء حدث له في أحد هذه الأسفار إذ وبخها على لمسها ثوبه فأجابته قائلة: (اذا كنت راهبا فما لك لا تذهب إلى الجبل). ا.ﻫ.
وكانت بقايا أرسانيوس موضع عناية واجلال في دير مقام على جبل طرا بالقرب من القاهرة في المكان الذي قضى فيه بقية حياته. وقد تم بناء هذا الدير على يد اركاديوس المتوفي قبل أرسانيوس بعشرين عاما على ما يروى. وظل الدير المذكور وكنيسته في أيدي الملكيين. وقد وصفه أبو صالح الأرمني من أهل القرن الثاني عشر وكذا المقريزي من أهل القرن الخامس عشر الميلادي. وكان يسمى دير القصير أو دير البغل.
اليوم السادس والعشرون من شهر طوبة
في هذا اليوم استشهاد القديسين الابهات الرهبان الشيوخ التسعة وأربعين والرسول وابنه. وسبب استشهادهم أن كان على زمان تيودوز الملك ابن اركاديوس الملوك الأبرار وان تيودوز لم يكن له ولد فارسل إلى الشيوخ بشيهات يسألهم أن يسألوا الله فيه فيعطيه ولدا. وكان فيهم شيخ كبير يسمى الأب اسيدروس كتب إلى الملك يعرفه ان الله ما أراد أن يخرج منك ولدا حتى يشارك أرباب البدع بعدك. فلما وقف الملك على رسالتهم بذلك شكر الله وسكت. فأشار عليه قوم أردياء أن يتزوج امرأة أخرى ليرزق منها ولدا يرث الملك من بعدك. وكان للملك أخت تسمى بلخارية ردية وهي التي أقامت القلق على البيعة ودخلت تقول لأخيها: لماذا تترك الغرباء يأخذون مملكتك وأنت بغير ولد يملك مكانك. قم الآن وتزوج امرأة أخرى لتلد لك أولادًا يرثونك. فأجابهم: ما أفعل شيئًا بخلاف أمر الشيوخ ببرية مصر. لأن صيتهم كان قد خرج في أكثر الدنيا. فأرسل رسولا يستأذنهم في ذلك. وكان للرسول ابن وحيد فطلب من أن يصحبه فأخذه معه ليتبارك من الشيوخ. ولما وصلوا إلى الشيوخ وقرؤا كتاب الملك وكان أنبا اسيدروس قد تنيح فأخذوا الرسول وأتوا به إلى حيث جسده وقالوا للجسد: يا أبونا قد وصلت هذه الكتب من عند الملك وما نعرف بم نجاوبه. فجلس الشيخ وقال للرسول: أما قد قلت للملك إن الرب مايرزقه ولدًا يتنجس بالخلاف فلو أنه يتزوج عشرًا من النساء لا يرزق منهن ولدًا. ثم عاد القديس وانضجع. فكتب المشايخ للرسول جواب الكتب. ولما عزم بالخروج وإذا البربر قد أتوا فوقف شيخ كبير يقال له أنبا يونس وقال للاخوة: هو ذا قد أتوا وهم ما يطلبون إلا قتلنا. فمن أراد الشهادة يقف معي. ومن خاف يطلع الجوسق. فهرب بعضهم وبقى مع الشيخ ثمانية وأربعون فأتى البربر وذبحوا الشيوخ. فالتفت ابن الرسول من الطريق فرأى الملائكة وهو يضعون الاكاليل على رؤوس الشيوخ المقتولين وكان اسم الصبي دايوس. فقال لأبيه: هو ذا أنا أبصر قومًا روحانيين يضعون الاكاليل على رؤوس الشيوخ والآن أنا ماض آخذ إكليًلا مثلهم. فأجابه والده: وأنا معك يابني. فعادوا وأظهروا نفوسهم للبربر فقتلوهم وأخذوا الشهادة.
ابتدأت حياة البطريرك دميانوس في الفترة التي أعيد فيها بناء الأديرة الأربعة تلك الأديرة التي كانت تنمو في جو يسوده الأمن والسكون نمو النبات في الحقول. ويظهر أن هذا الأمن لم يطل إذ لم ينقض من الوقت إلا القليل حتى سمع صوت من السماء تجاوبت أصداؤه في الصحراء يقول: (الفرار. الفرار). فعمل سكان هذه الأديرة الاربعة بهذا التنبيه ولاذوا بالفرار. وعلى أثر ذلك انقض البربر على المنطقة كلها وأحلوا بها الخراب بدرجة أطالت تأثير هذا الحادث في النفوس. وقد أحزن هذا الأمر البطريرك كثيرًا ودره كدرًا عظيمًا.
وجاء أيضًا في هذا الكتاب بالصفحة ٢٢٦ أن بنيامين البطريرك الثامن والثلاثين (سنة ٦٢٢–٦٦١م) زار أديرة وادي النطرون حوالي عام ٦٣٠م فوجد رهبانه قليلي العدد وكان لم يمض وقت كثير على هذا الحادث الكبير الذي لم يسمح البربر لهم بعده بالازدياد.
(٢) بعد الفتح العربي
هذا الوادي بالجانب الغربي من أرض مصر فيما بين مريوط والفيوم بجلب منه الملح والنطرون. عرف بهبيب بن محمد بن معقل بن الواقعة بن حزام بن عفان الغفاري أحد أصحاب رسول الله ﷺ شهد فتح مكة وروى عنه أبو تميم الجيشاني وأسلم مولي نجيب وسعيد بن عبد الرحمن الغفاري. وكان قد اعتزل عند فتنة عثمان رضى الله عنه بهذا الوادي فعرف به وكان يقول لا يفرق بين قضاء دين رمضان ويجمع بين الصلاتين في السفر. ويقال لهذا الوادي أيضًا: وادي الملوك، ووادي النطرون، وبرية شيهات، وبرية الاسقيط، وميزان القلوب. وكان به مائة دير للنصارى وبقى به سبعة ديورة. وقد ذكرت عند ذكر الاديار من هذا الكتاب — إلى أن قال — ويذكر أنه خرج منه سبعون ألف راهب بيد كل واحد عكاز. فتلقوا عمرو بن العاص بالطرانة مرجعه من الاسكندرية يطلبون أمانه لهم على أنفسهم وأديارهم. فكتب لهم بذلك أمانا بقى عندهم. وكتب لهم أيضًا بجراية الوجه البحري فاستمرت بأيديهم. وإن جرايتهم جاءت في سنة زيادة على خمسة آلاف إردب وهي الآن لا تبلغ مائة إردب. ا.ﻫ.
وعدد السبعين ألف راهب الذي ذكره المقريزي في عبارته الآنفة لاريب في أن فيه مبالغة كبيرة. فقد روى المعاصرون كما سبق ذكر ذلك أنه لم يكن يوجد في هذه المنطقة أكثر من ٣٥٠٠ راهب في أواسط القرن السادس الميلادي. وأنه لما كان دميانوس بطريركا أغار البربر على وادي النطرون ففر منه رهبانه. وأنه لما زاره بعد ذلك البطريرك بنيامين حوالي سنة ٦٣٠م أي قبل الفتح العربي بعشرة أعوام، وجد به عددًا قليًلا من الرهبان بسبب العوائق التي كانوا يلاقونها من البربر في سبيل تجمعهم من جديد. بل يؤخذ من هذه الرواية أن عدد الثلاثة آلاف والخمسمائة راهب الذين وجدوا في أواسط القرن السادس الميلادي كان قد نقص كثيرًا قبيل الفتح العربي.
وجاء في كتاب (تاريخ البطاركة ص ٣٢٦) أنه بعد الفتح العربي بقليل أعيد بناء أديرة وادي النطرون بوساطة البطريرك بنيامين. وكان ذلك في أواخر ولاية عمرو بن العاص على مصر وقبل أن يخلفه عليها عبد الله بن سعد بن أبي السرح سنة ٢٦ﻫ (٦٤٧م). وقد زار البطريرك بنيامين وادي النطرون لتدشين الكنيسة الجديدة التي كان قد تم بناؤها على الجبل المقدس وهو مقر مقار الكبير في سفح الصخور التي بين قلالي الرهبان. وكان قبل أن يذهب إلى دير أبي مقار للقيام بالمهمة التي أتى من أجلها زار دير البراموس.
وورد في كتاب (بحث عن رهبان مصر) لمؤلفه كونبرج ص ٨٧ أنه في عهد هذا البطريرك نقل رفات التسعة والاربعين شيخًا الذين ذبحهم البربر في صحراء شيهات.
وروى أميلينو في كتابه (جغرافية مصر في عهد القبط) أثناء الكلام على بلدة «بيامون» أن رهبانًا دفنوا هؤلاء الشيوخ عقب وفاتهم في مغارة مطهرة بالقرب من البرج الكبير الذي يقال له «بيامون».
وقال كونبرج إنه صار نقل رفاتهم إلى مدفن أقيم لهم خاصة باعتبارهم شهداء في دير أبي مقار. وأضاف إلى ذلك أن البطريرك بنيامين أتى بنفسه وأقام حفلة دينية استثنائية لهذا الغرض ويظهر أنه انتشل بيديه جثث هؤلاء القديسين جثة جثة وناولها للرهبان والشمامسة.
وجاء في كتاب (تاريخ البطاركة) ص ٥٥٢ وما بعدها أنه قبل نهاية عهد مرقس الثاني البطريرك التاسع والاربعين بزمن يسير كان وادي هبيب كفردوس النعيم. غير أن هذا النعيم لم يدم حيث أغار البربر على هذا الوادي وأنزلوا به الخراب وهدموا الكنائس وقلالي الرهبان وأسروا كثيرًا منهم. أما بقيتهم فهربوا في جميع أنحاء القطر خوفًا على أنفسهم. وقد بعث هذا الحادث الغم في قلب البطريرك وآلمه كثيرًا. فكان يبكي ليًلا ونهارًا لهذا المصاب وبالاخص لتدمير الاديرة والكنائس المقدسة الواقعة في وادي هبيب الذي كان أقدس الاماكن وأمسى بعد هذه الكارثة مرعى للحيوانات المفترسة. ويظهر أن هذا الحادث أثر في نفس البطريرك مرقس الثاني تأثيرًا شديدًا أدى إلى وفاته.
ثم خلفه يعقوب البطريرك الخمسون (عام ٨١٩–٨٣٠م). وكان من رهبان دير أبى مقار وتركه عند إغارة البربر على وادي هبيب ولجأ إلى دير آخر في مصر العليا مرتقبًا وقتًا مناسبًا يعود فيه اليه. أما الرهبان الآخرون فقد تفرقوا في مختلف بلدان القطر وأديرته ماعدا البعض القليل منهم الذي بقى في الصحراء وصانه المولى من كل أذى.
وبعد أن ترك هذا البطريرك دير أبي مقار بقليل رأى رؤيا يحث فيها على الرجوع إلى وادي هبيب. فعاد اليه فعلا ووجد فيه إخوانه فمكث معهم مصبرًا لهم ومقويًا قلوبهم إلى أن استدعى من هذا الوادي لتولي البطريركية.
وبعد تتويجه قرر أن يزور صحراء القديس مقار وكان صيام الأربعين قد دنا موعده. وكان غرضه من هذه الزيارة تعزية الرهبان وتقويتهم وقضاء عيد الفصح في وسطهم حيث كانت هذه عادة البطاركة. وقد قام بهذه الزيارة فعلا وخرج الرهبان من قلاليهم ليتلقوا بركته واستقبلوه باغتباط عظيم.
ويظهر أن برية شيهات كانت في هذا العهد كفردوس الرب فكانت عزيزة في قلب البطريرك أكثر مما كانت عند الرهبان أنفسهم.
ولما كان البربر قد نهبوا جميع ممتلكات الرهبان وهدموا كنائسهم وأحرقوا مساكنهم بعث البطريرك اليهم جميعًا بخطاب يخبرهم فيه بأنه مستعد لتلبية أي طلب يقدمونه اليه وإعطائهم كل مايطلبون.
وقد تجمع بعد ذلك شمل الرهبان مرة أخرى وحمدوا الله على تجديد إنعاماته عليهم فسر البطريرك حين رأى أبناءه قد عادوا إلى مقرهم.
وجاء في كتاب (تاريخ البطاركة) ص ٦٥٢ وما بعدها أن عهد يوساب (يوسف) البطريرك الثاني والخمسين (عام٨٣٠–٨٤٩م) انقضى بسلام تام. فكانت الأديرة تتسع ويحل بها العمران وفي مقدمتها أديرة وادي هبيب التي كانت مثل فردوس الله ومن بينها على الاخص دير القديس مقار الكبير. وكان المولى جل شأنه يسدي إلى الرهبان المعونة وبالاخص الراهب سينيتيوس البار. فكان يظهر بواسطته أعاجيب عديدة كرامة له على ما قدمه للقديس مقار، حيث أقام باسمه نصبًا تذكاريًا وغرس كروما وبساتين، وبنى مطاحن ومعاصر للزيت، وأتى بجملة أعمال ذات فوائد جمة لايمكن احصاؤها. وقد سرت المؤمنين كثيرًا اعماله هذه فساعدوه فيها بحسن نية فأدرك منها غرضه النبيل. وكان يوجد داخل هذا الدير المقدس عدد كبير من هؤلاء المؤمنين وغيرهم جذبتهم اليه أعاجيب سينيتيوس وصيتها. وقد جعل سينيتيوس هذا مدبرًا للأديرة. فلما رأى عدد الرهبان يزداد يوما بعد يوم أقام كنيسة أخرى شرقى الكنيسة الكبيرة أطلق عليها اسم كنيسة القديسين وتلاميذهم. وأقام بها الزينات بعد أن أتم بناءها ودعا غبطة البطريرك الأنبا يوساب (يوسف) لزيارتها. فلبى هذا الحبر الجليل دعوته وسر كثيرًا من مشاهدتها ودشنها في غزة برمودة من السنة السابعة عشرة من بطريركيته (سنة ٨٤٧م).
وذكر كاترمير في رسالته عن مصر ج ١ ص ٤٧٦ و٤٧٧ أنه في عهد سانوتيوس (شنودة) البطريرك الخامس والخمسين (عام ٨٥٩–٨٨١م) علم البربر أن هذا البطريرك عزم هو وحاشيته على زيارة وادي هبيب أثناء عيد الفصح. فقدموا سرًا من الوجه القبلي واستولوا على كنيسة القديس مقار وتوابعها ونهبوا ما فيها من متاع وزاد. ومنها طافوا بالأديرة الأخرى وطردوا من فيها من رجال الدين وغيرهم بالقوة بعد أن جردوهم مما عليهم.
وذكر المؤلف المذكور أن هذه الأديرة عانت كثيرًا من المصائب بعد ذلك بزمن يسير. فقد ألقى الاعراب رحالهم في الصحراء وأخذوا يرتقبون خروج الرهبان للتزود بالماء فينقضون عليهم ويأخذون أواني الماء منهم ويجردونهم مما عليهم. ولما عادت السكينة واستتب الأمن اهتم هذا البطريرك بترميم دير القديس مقار وأحاطه بسور منيع لحماية الرهبان والمسيحيين من أذى الاعراب في المستقبل.
وقد أتى هذا المؤلف على ذكر ما كان يصرف للاعراب من أجر لحراسة أديرة وادي هبيب في عهد زخارياس (زكريا) البطريرك الرابع والستين (عام ٩٩٦–١٠٢٨م).
وذكر الارشمندريت أرمانيوس في رسالته أن عدد الرهبان في عهد خرستودولس البطريرك السادس والستين (عام ١٠٤٤–١٠٧٥م) كان في مختلف الأديرة كالآتي:
الاديرة | عدد الرهبان |
---|---|
الجملة | ٧٣٧ |
دير مقار | ٤٠٠ |
دير الانبا بشوى | ٤٠ |
دير يوحنا القصير | ١٥٠ |
دير يوحنا كاما (الاسود) | ٢٥ |
دير (السيدة) براموس | ٦٠ |
دير الانبا موسى (البراموس) | ٢ |
دير السوريان | ٦٠ |
ودون أرمانيوس في رسالته أيضا تعداد الرهبان في الاديرة الحالية في سنوات مختلفة.
واليك جدولا بتعداد هؤلاء الرهبان كما ورد في رسالة أرمانيوس الآنفة:
السنة | دير (السيدة) براموس | دير السوريان | دير الانبا بشوي | دير مقار | الجملة |
---|---|---|---|---|---|
١٦٦٧م | ١٤ | ١٤ | |||
١٧١٩م | ١٠ | ١٠ | |||
١٧٦٧م | ١١ | ١١ | |||
١٧٨٠م | ١٨ | ٢٠ | ١٨ | ٢٢ | ٧٨ |
١٨٣٥م | ١٧ | ٤٠ | ١١ | ١٧ | ٧٥ |
١٨٤٧م | ٤٥ | ٤٥ | |||
١٨٥٢م | ٥٦ | ٥٦ | |||
١٨٩٧م | ٥٥ | ٤٠ | ٢٥ | ٣٠ | ١٥٠ |
١٩٠٦م | ٢٠ | ١٨ | ١٦ | ٢١ | ٧٥ |
١٩٢٤م | ٦٨ | ٥٨ | ٣٥ | ٤٠ | ٢٠١ |
١٩٣١م | ٣٧ | ٤٩ | ٣٦ | ٢٧ | ١٤٩ |